السبت، 20 مايو 2023

إدخال السرور على المسلم واجب علي كل مسلم بقدر طاقته

إدخال السرور على المسلم  

أما بعد أيها الكــرام:

فيقع الكثير من المسلمين في خطأ كبير حين يقصرون العبادة على الشعائر التعبدية فحسب، ويفوت أمثال هؤلاء على أنفسهم خيرًا كثيرًا وفضلًا عظيمًا حين يحصرون طاعة الله في الصلاة والصيام والزكاة والحج، مع عظم مكانتها ومنزلتها في دين الله.

 

بيد أن هناك الكثير من الأعمال الصالحة التي يمكن أن يدرك من خلالها المسلم منزلةً عظيمةً عند الله، وينال بفعلها الأجر العظيم والمثوبة الكبرى، ولعل من أبرز هذه الأعمال وأكثرها مثوبةً ومنزلةً ومكانةً عند الله: "إدخال السرور على قلوب المسلمين".

 

وهو أول أحب الأعمال إلى الله التي ذُكرت في الحديث الذي تناولناه في الجمعة الماضية من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربةً أو تقضى عنه دينًا أو تطرد عنه جوعًا)).

 

حديث جمعة اليوم سيبدأ بتناول أول أحب الأعمال إلى الله: (إدخال السرور على المسلم).

 

إدخال السرور على قلوب الناس، إسعاد النفوس وإدخال البشر إليها، ورسم البسمة على الوجوه، وصنع البهجة في النفوس، وهذا أمر لا يدركه إلا الأنقياء والأصفياء من عباد الله، ولا تستطيعه إلا النفوس الكبيرة العظيمة، ولا يقوى عليه إلا الكبار حقًّا.

 

أما من ابتلي بداء السلبية أو الأنانية، فلا يرى إلا نفسه وخاصته، وأمثال هؤلاء لا يمكنهم تحصيل شيء من هذا الخلق السامي.

 

ولذلكم إدخال السرور على الناس قيمة عالية من قيم هذا الدين العظيم، وقد رتب عليه الشارع الحكيم أعظم الجزاء وأوفره.

 

ففي الحديث الذي رواه الطبراني في الأوسط وابن حبان عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أحب الأعمال إلى الله تعالى بعد الفرائض إدخال السرور على المسلم)).

 

وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم: ((إن من موجبات المغفرة إدخال السرور على أخيك)).

 

وفي حديث عائشة رضي الله عنها الذي رواه الطبراني قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أدخل على أهل بيت من المسلمين سرورًا، لم يرضَ الله له ثوابًا دون الجنة)).

 

وللحديث الذي رواه الطبراني في الصغير وإسناده حسن عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من لقي أخاه المسلم بما يحب الله ليسره بذلك سره الله عز وجل يوم القيامة)).

 

وللحديث الذي رواه الطبراني في الأوسط من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: ((سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أفضل؟ قال: إدخالك السرور على مؤمن أشبعت جوعته، أو سترت عورته، أو قضيت له حاجة)).

 

ولما سئل بعض الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين: ما بقي من لذاتك في الدنيا؟ قال: إدخال السرور على الإخوان.

 

وهذا الإمام مالك يسأله سائل فقال: "أي الأعمال تحب؟"، فكان الجواب: "إدخال السرور على المسلمين، وأنا نذرت نفسي أن أفرج كربات المسلمين

أيها المسلمون الكرام:

لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرص على أن يكون المرء مدخلًا للسرور على قلوب إخوانه المسلمين بأي عمل، وبأي طريقة أو صورة، والأعمال والطرق التي تدخل السرور على الناس لا يمكن إحصاؤها أو عدها أو إجمالها في خطبة أو خطبتين، ولكن لعلنا نذكر شيئًا يسيرًا منها؛ ومن ذلك

1.التعون معه علي درء الكروب وسد الحاجات عموما {وتعاونوا علي البر والتقوي ولا تعاونوا علب الاثم والعدوان ومعصية الرسول...الاية} 

2.تفريج كرب المسلم وإزاحة الهم عنه

3.الاحسان الي المسلم وبره خاصة لأولي التعيين بالبر كالوالدين وذوي القربي واليتامي ... 

4.الهدية:

تلك الوسيلة التي لها الأثر الكبير في استجلاب المحبة، وإثبات المودة، وإذهاب الضغائن، وتأليف القلوب؛ وذلك فقد قبل النبي صلى الله عليه وسلم الهدية ومنحها، وأقرها، وأخذها من المسلم والكافر، والصغير والكبير، بل حث عليها كما في البخاري بقوله: ((تهادوا تحابوا)).

 

وتأملوا معي أحبتي الكرام هذه القصة:

جيء إليه صلى الله عليه وسلم يومًا بثوب له أعلام - يعني فيه خطوط - فقال عليه الصلاة والسلام: ((أين أم خالد؟))، يا تُرى من هي أم خالد يا عباد الله؟ إنها طفلة صغيرة لأبي العاص، كانت قد ولدت في الحبشة، قال: أين أم خالد؟ فجيء بالصبية إليه، فجعل يلبسها الثوب بيده، وهي تنظر إلى أعلامه وإلى الثوب فرحةً مستبشرةً مسرورةً، ثم لما لف عليها الثوب جعل صلى الله عليه وسلم يشير إلى أعلام الثوب - يعني إلى الخطوط الملونة فيه - ويقول: سَنَهْ سَنَهْ))؛ وهي بالحبشية تعني: حسنة حسنة.

 

ومن طرق إدخال السرور: الابتسامة:

5. الابتسامة شعار من شعائر الأنبياء، وسنة من سنن المرسلين، وصفة من صفات المؤمنين، ولغة سامية من لغات الحضارة البشرية.

 

إن خير من مشى على هذا الكوكب، وخير من وطئ قدمه الثرى، وأجمل من نظرت إليه الأعين، وألين من صافحته الأكف، كان أكثر الناس تبسمًا، وكما قال جرير بن عبدالله البجلي رضي الله تعالى عنه: ((ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت ولا رآني إلا تبسم في وجهي)).

 

وهو القائل صلى الله عليه وسلم: ((تبسمك في وجه أخيك صدقة))، وفي الحديث الذي رواه مسلم يقول عليه الصلاة والسلام: ((لا تحقرن من المعروف شيئًا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق)).

 

6. ومن طرق إدخال السرور: الكلمة الطيبة:

كما قال عليه الصلاة والسلام: ((الكلمة الطيبة صدقة))، وقال صلى الله عليه وسلم: ((اتقوا النار ولو بشق تمرة... قال: فمن لم يجد فبكلمة طيبة)).

 

وربنا عز وجل يقول: ﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ﴾ [البقرة: 83].

 

الكلام الطيب، ويقول عز وجل مبينًا فضل ذلك وهو يختار لعباده أن يتكلموا بأحسن الكلام: ﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [الإسراء: 53]؛ يعني: يختار أطيب الكلمات ثم يتكلم بها.

 

7. ومن طرق وصور إدخال البهجة والسرور لدى الآخرين أيضًا: السلام:

ففي الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أوْلَا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم)).

 

وإفشاء السلام في الإسلام ليس تقليدًا اجتماعيًّا، أو عرفًا قبليًّا يتغير ويتطور تبعًا للبيئة والعصر، وإنما هو أدب ثابت ومحدد.

 

فعوِّد نفسك أن تسلم على من عرفت ومن لا تعرف، سواء كانوا أغنياء أو فقراء، عزيزًا كان أو ذليلًا، صغارًا كانوا أم كبارًا؛ ففي الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الإسلام خير؟ قال: ((تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف)).

 

8. ومن طرق إدخال السرور: الصدقة على المحتاج:

كما بين النبي صلى الله عليه وسلم فضلها في أحاديث كثيرة؛ وكما قال الله جل وعلا: ﴿ وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ﴾ [النور: 33].

 

فهو ليس مالك ولا مال أبيك، إنما هو مال الله جعله بين يديك؛ قال تعالى: ﴿ وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ﴾ [النور: 33].

 

لأن في الإعانة إدخال للسرور على المحتاج.

 

واعلم أنك ما تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله تعالى إلا رزقك الله تعالى خيرًا منها، وكلنا يا عباد الله نتعامل مع رب كريم، ﴿ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾ [سبأ: 39].

 

أسأل الله أن يجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر، وأن يجعلنا مباركين أينما كنا.

 

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، واستغفروا الله لي ولكم، ويا فوز المستغفرين!

 

الخطبـة الثانيـة

أما بعد:

أيها الإخوة الأكارم:

فإدخال السرور على المسلم عبادة من العبادات التي قد تهون في عين العبد مقارنة بالصلاة والصيام والحج، ولكنها عند الله ليست بهينة، بل هي ثقيلة في الميزان؛ فعن جعفر بن يزيد، عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده رضي الله عنهم قال: قال عليه الصلاة والسلام: ((ما أدخل رجل على مؤمن سرورًا إلا خلق الله عز وجل من ذلك السرور ملكًا يعبد الله عز وجل ويوحده، فإذا صار العبد في قبره، أتاه ذلك السرور فيقول: أما تعرفني؟ فيقول له: من أنت؟ يقول: أنا السرور الذي أدخلتني على فلان، أنا اليوم أونس وحشتك، وألقنك حجتك، وأثبتك بالقول الثابت، وأشهدك مشاهدك يوم القيامة، وأشفع لك إلى ربك، وأريك منزلتك في الجنة)).

 

أما إذا كان يوم القيامة، كان ذلك السرور الذي أدخلته على مسلم رفيقًا لك؛ كما جاء عند الخطيب البغدادي من حديث عبدالله بن عباس رضي الله تعالى عنه قال: ((من أدخل على أخيه المسلم فرحًا أو سرورًا في دار الدنيا، خلق الله عز وجل من ذلك خلقًا يدفع به عنه الآفات في دار الدنيا)).

 

ربما كانت تلك المشاكل التي دفعها الله عنك بسبب إدخالك السرور على أحد المسلمين.

 

ربما تلك المصائب التي دفعها الله عنك والتي كانت ستكلفك ما لا تطيق كانت بسبب إدخالك السرور على بيت من المسلمين.

 

ربما تلك الهموم والغموم والأمراض والأسقام والأوجاع التي دفعها الله عنك كانت بسبب إدخالك البهجة والفرح والسرور على أسرة فقيرة لا تملك قوت يومها.

 

ولذلكم؛ أعيد عليكم الحديث: ((من أدخل على أخيه المسلم فرحًا أو سرورًا في دار الدنيا، خلق الله عز وجل من ذلك خلقًا يدفع به عنه الآفات في دار الدنيا، فإذا كان يوم القيامة كان منه قريبًا، فإذا مر به هول يفزعه، قال له: لا تخف، فيقول له: من أنت؟ فيقول: أنا الفرج أو السرور الذي أدخلته على أخيك في دار الدنيا)).

 

وفي حديث آخر أكثر روعة وعظمة وفخرًا وشرفًا لمن ينتمون لهذا الدين، ويسعدون إخوانهم المسلمين عن جابر مرفوعًا: ((من أدخل على أهل بيت سرورًا خلق الله من ذلك السرور خلقًا يستغفرون له إلى يوم القيامة)).

 

الله أكبر... ما هذا الدين العظيم؟‍!

 

إذا أدخلت على أخيك المؤمن السرور، فهذا من أرقى العبادات: وقد تسره بكلمة طيبة، وقد تسره بموقف.

 

وقد تسره بمشاعر نبيلة، وقد تسره بابتسامة.

 

وقد تسره بتحية أو سلام، وقد تسره برسالة.

 

وقد تسره بمساعدة، وقد تسره بزيارة.

 

وقد تسره بتعزية، وقد تسره بمشاركة.

 

وقد تسره بعطاء، وقد تسره بهدية.

 

وقد تسره بقرض، وقد تسره بإطعام الطعام.

 

وقد تسره بتلبية دعوة ولو كان بيته بعيدًا.

 

أي طريقة من طرق إدخال السرور على المؤمن لها عند الله عز وجل شأن كبير.

 

وكل شيء عند الله محفوظ لا يُنسى: مواقفك، عطاءاتك، ابتساماتك، زياراتك، تهنئاتك، تعزياتك، خِدْماتك، تعاونك...

 

﴿ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 49].

 

أتظن أن الله سيحزنك وسيجعل حياتك حزنًا، وقد أدخلت السرور يومًا على عبد من عباده؟

 

أتظن أن الله سيتخلى عنك ويسلمك للحزن عند حلول سكرة الموت ونزول الأجل، وقد أدخلت يومًا سرورًا على أسرة وأفرحت صغيرهم والكبير؟

 

أتظن أن الله سيدعك للحزن ويملأ بيتك الجديد في لحدك وقبرك حزنًا، وقد ملأت بيوت المسلمين فرحًا وغبطةً وسرورًا وسعادة؟

 

أتظن أن الله سيتخلى عنك في يوم التغابن، ويوم الحزن الأكبر، وعند العرض عليه، وقد كنت في الدنيا نعم العبد الصالح الذي أفرح الحزين، وأسعد المكروب، وواسى المتألم، وساند الضعيف، وآوى المشرد؟

 

أم أنك تظن أن الله سيغفل عن دعوات رفعت لك من محتاج أعنته، ومن مسكين أعطيته، ومن محزون أسعدته، دعا فيها لك، وقال من أعماق قلبه ورفعها لخالقه: ((اللهم يا ربي كما أسعدني وأسعد أهلي وأولادي، وملأ بيتي فرحًا وسرورًا، فأسعد قلبه، وأنِرْ طريقه، وبارك ماله، وأصلح ذريته، ولا تذقه ألمًا ولا حزنًا، ولا همًّا ولا غمًّا، واجعله من أوليائك الصالحين، واجعل جنتك داره، والفوز برضاك جائزته، يا أكرم الأكرمين)).

 

أيها الكرام:

قصة يقصها أحد علماء المسلمين المعاصرين، قصة ليست من نسج الخيال أو مما يصاغ للتعبير والتأثير.

 

يقول الشيخ: كان هناك تاجر كبير يعاني من مرض سرطاني في الصدر، هذا التاجر لم يترك وسيلة إلا سلكها، ولكن لم يجديه نفعًا، نصحوه بالسفر إلى الدول المتقدمة في مجال الطب لعله يجد مخرجًا من الآلام التي كادت تفتك بصدره الضعيف، والذي لا يملك حولًا ولا قوة، ولكن لم يسعفه الطب بتقدمه، ولا العلماء بعلمهم الجم في هذا المجال الخصب الذي أشبع بحوثًا عن أسباب ظهور وانتشار هذا الداء.

 

عندها قرر هذا التاجر العودة إلى بلده وليموت على فراشه وبين أبنائه وزوجته المخلصة الباكية على حاله.

 

وكان ذلك في آخر أيام العشر الأواخر من رمضان وقرب العيد.

 

كانت حالته مع مرور الأيام تسوء يومًا بعد آخر، والآلام تزداد يومًا بعد آخر، وتشتد وطأتها بلا رحمة أو هوادة.

 

في هذا الوقت كان الناس يستعدون ليوم العيد، والباقي على دخوله يومان.

 

وكان يعوده الكثيرون من الناس مشفقين على حاله البائس وحالته المريرة.

 

وكان من الزوار شيخ معروف بحكمته وصلاحه، وبعد أن عرف القصة كاملة أشار إليه أن يبحث عن أسرة فقيرة جدًّا، وأخبره أن يتصدق عليهم، وأن تكون الصدقة غنية أي: يغنيهم وليس فقط لكفاف الحاجة وسد الرمق.

 

وقال له: العيد على الأبواب، فاشترِ لهذه الأسرة كل ما تحتاجه ويحتاجه الأبناء، ويحتاجه البيت مثلما كنت تفعل تمامًا ببيتك وأهلك.

 

سمع التاجر المريض الذي كان ينتظر منيته النصيحة، وأمر أحد العاملين المخلصين لدى متاجره بالبحث عن أسرة فقيرة، فدله الناس على امرأة لديها أطفال أيتام.

 

جاء هذا العامل وطرق بيت الأرملة المسكينة الفقيرة، ولما فتح له الباب وجد أيتامًا عراة إلا من ساتر، وأمًّا منكسرة لا تملك حتى قوت يومها.

 

فأخبرها أنه مرسل من سيده التاجر لكي يعطيكم حق الله، وبعدها قام العامل بشراء ملابس جديدة للأطفال الأيتام، وكسوة جديدة كذلك للأم من القماش الغالي، واشترى مواد غذائية بكافة أنواعها، حتى الحلوى اشتراها للأطفال والألعاب والأحذية وقام أيضًا بشراء أثاث جديد، ودفع فوق ذلك كله مبلغًا كبيرًا للأرملة المسكينة، وكانت المناسبة سعيدة للأم والأطفال كون أن العيد على الأبواب، وانتهى العامل من مهمته التي كلفه بها سيده التاجر المريض.

 

وعند خروجه من منزل السيدة، دوى رحيق القلوب وعطر النفوس أذان صلاة العصر.

 

وفي هذه اللحظة شاهد المرأة ترفع يدها إلى السماء وهي تذرف دموع متتالية من عينيها المجهدة، وقالت: "اللهم من أدخل السرور في قلوبنا، اللهم إني أسألك أن تدخل السرور في قلبه، ولا تريه حزنًا بعد اليوم أبدًا".

 

رجع العامل إلى سيده بعد أن سمع الدعوة الصالحة والصادرة من قلب المرأة المنكسرة.

 

وكانت المفاجأة!

فقد رأى سيده يقف على رجليه ضاحكًا فرحًا، كأنه لم يصبه شيء قط ولا مرض ألبتة.

 

فرح العامل لذلك أأشد الفرح وأخذ يسرد لسيده قصته مع العجوز وأطفالها، وماذا قدم لهم حتى نهاية خروجه من بيتها ورفع يديها للدعاء.

 

فسأله سيده: متى كانت هذه الدعوة؟

 

قال: عند أذان العصر تمامًا.

فقال التاجر: والذي نفسي بيده، إنني شعرت في تلك اللحظة وعند الأذان وكأن ملكًا مسح على صدري، ورد إليَّ عافيتي، والآن كما تراني لا أشعر بأي ألم.

 

الله أكبر... وهو القائل عليه الصلاة والسلام: ((الصدقة تقي مصارع السوء))، والقائل صلى الله عليه وسلم: ((داووا مرضاكم بالصدقة)).

 

والقائل صلى الله عليه وسلم: ((إن من موجبات المغفرة إدخالك السرور على أخيك المسلم)).

 

هذا هو الدين يا إخواني الكرام:

الدين أعمال، الدين مواقف، الدين أخلاق، الدين خدمات، الدين تعاون، الدين تعاضد، الدين حل مشكلات، والله عز وجل كما يقول الناس أكرم الأكرمين، أنت تتكارم، الله أكرم منك، تعطي الله يعطيك، وكل واحد يعطي، وكل واحد يسعد آخرين (له مع الله تأريخ).

 

اللهم أدخل السرور إلى كل قلب من يدخل السرور إلى بيوت المسلمين.

 

اللهم من أسعد عبدًا من عبيدك وأفرح خلقًا من خلقك، فأسعده سعادةً لا يشقى بعدها أبدًا.

 

اللهم لا تريه شقاءً أبدًا، ولا بؤسًا أبدًا، ولا ألمًا أبدًا، ولا ضيقًا أبدًا، ولا حزنًا أبدًا، ولا مرضًا أبدًا، ما دام قلبه لخلقك رحيمًا ولعبادك شفوقًا.

 

صبَّ له من الخير صبًّا، وافتح له من أبواب الزرق فتحًا.

 

هذا، وصلوا رحمكم الله على من بعثه الله هاديًا ومبشرًا ونذيرًا، فقد أمركم الله بذلك؛ فقال عز من قائل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

 

اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين الأئمة المهديين الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين.



 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق