الجمعة، 23 فبراير 2024

ج1 حجة النبي صلي الله عليه وسلم{من ص1. الي صفحة رقم -53-}

 

ج1.حجة النبي  صفحة رقم -5-

= بفساد الحج بأي معصية يرتكبها الحاج فمن هؤلاء الإمام ابن حزم رحمه الله فإنه يقول : ( وكل من تعمد معصية أي معصية كانت وهو ذاكر لحجه مذ أن يتم طوافه بالبيت للإفاضة ويرمي الجمرة فقد بطل حجه . . . ) واحتج بالآية السابقة فراجعه في كتابه ( المحلى ) ( 7/186 ) فإنه مهم . ومما سبق يتبن أن المعصية من الحاج إما أن تفسد عليه حجه على قول ابن حزم وإما أن يأثم بها ولكن هذا الإثم ليس كما لو صدر من غير الحاج بل هو أخطر بكثير فإن من آثاره أن لا يرجع من ذنوبه كما ولدته أمه كما صرح بذلك الحديث المتقدم . فبذلك يكون كما لو خسر حجته لأنه لم يحصل على الثمرة منها وهي مغفرة الله تعالى فالله المستعان . وإذا تبين هذا فلا بد لي من أن أحذر من بعض المعاصي التي يكثر ابتلاء الناس بها ويحرمون بالحج ولا يشعرون إطلاقا بأن عليهم الإقلاع عنها ذلك لجهلهم وغلبة الغفلة عليهم وتقليدهم لآبائهم . 1 - الشرك بالله عز وجل : فإن من أكبر المصائب التي أصيب بها بعض المسلمين جهلهم ===

  www.alalbani.info صفحة رقم -6- بحقيقة الشرك الذي هو من أكبر الكبائر ومن صفته أنه يحبط الأعمال : ( لئن أشركت ليحبطن عملك ) - محمد : 65 . فقد رأينا كثيرا من الحجاج يقعون في الشرك وهم في بيت الله الحرام وفي مسجد النبي عليه الصلاة والسلام يتركون دعاء الله والاستغاثة به إلى الاستعانة بالأنبياء بالصالحين ويحلفون بهم ويدعونهم من دون الله عز وجل والله عز وجل يقول : ( إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير ) - فاطر : 14 . والآيات في هذا المعنى كثيرة جدا وفي هذه كفاية لمن فتح قلبه للهداية . إذ ليس الغرض الآن البحث العمي في هذه المسألة وإنما هو التذكير فقط . فليت شعري ما ذا يستفيد هؤلاء من حجهم إلى بيت الله الحرام إذا كانوا يصرون على مثل هذا الشرك ويغيرون اسمه فيسمونه : توسلا تشفعا وواسطة أليس هذه الواسطة هي التي ادعاها المشركون من قبيل يبررون بها شركهم وعبادتهم لغيره تبارك وتعالى : ( والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ) - الزمر : 3 . www.alalbani.info  

 صفحة رقم -7- فيا أيها الحاج قبل أن تعزم على الحج يجب عليك وجوبا عينيا أن تبادر إلى معرفة التوحيد الخالص وما ينافيه من الشرك وذلك بدراسة كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فإن من تمسك بهما نجا ومن حاد عنهما ضل . والله المستعان .

  2 - التزين بحلق اللحية : وهذه المعصية من أكثر المعاصي شيوعا بين المسلمين في هذا العصر بسبب استيلاء الكفار على أكثر بلادهم ونقلهم هذه المعصية إليها وتقليد المسلمين لهم فيها مع نهيه صلى الله عليه وسلم إياهم عن ذلك صراحة في قوله عليه الصلاة والسلام : ( صحيح ) ( خالفوا المشركين احفوا الشوارب وأوفوا اللحى ) رواه شيخان وفي حديث آخر : ( وخالفوا أهل الكتاب ) . وفي هذه القبيحة عدة مخالفات : الأولى : مخالفة أمره صلى الله عليه وسلم الصريح بالإعفاء . الثانية : التشبه بالكفار . الثالثة : تغير خلق الله الذي فيه طاعة الشيطان في قوله كما حكى الله تعالى ذلك عنه : ( ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ) . الرابعة : التشبه بالنساء وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من فعل ======== www.alalbani.info  

 صفحة رقم -8- ذلك . وانظر تفصيل هذا الإجمال في كتابنا ( آداب الزفاف في السنة المطهرة ) ( ص 126 - 131 ) . وإن من المشاهدات التي يراها الحريص على دينه أن جماهير من الحجاج يكونون قد وفروا لحاهم بسبب إحرامهم فإذا تحللوا منه فبدل أن يحلقوا رؤوسهم كما ندب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حلقوا لحاهم التي أمرهم صلى الله عليه وسلم بإغفائها . فإنا لله وإنا إليه راجعون .

  3 - تختم الرجال بالذهب : لقد رأينا كثيرا من الحجاج قد تزينوا بخاتم الذهب ولدى البحث معهم في ذلك تبين أنهم على ثلاثة أنواع : بعضهم لا يعلم تحريمه ولذلك كان يسارع إلى مزعه بعد أن نذكر له شيئا من النصوص المحرمة كحديث : ( صحيح ) ( نهى صلى الله عليه وسلم عن خاتم الذهب ) متفق عليه وقوله صلى الله عليه وسلم : ( صحيح ) ( يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده ؟ ) رواه مسلم . وبعضهم على علم بالتحريم ولكنه متبع لهواه فهذا لا حيلة لنا فيه إلا أن يهديه الله . وبعضهم يعترف بالتحريم ولكن يعتذر هو كما يقال أقبح من ذنب - فيقول : إنه خاتم الخطبة . ولا يدري المسكين

 صفحة رقم -10- أنه بذلك يجمع بين معصيتين : مخالفة نهيه صلى الله عليه وسلم الصريح كما تقدم وتشبه بالكفار لأن خاتم الخطبة لم يكن معروفا عند المسلمين إلى ما قبل هذا العصر ثم سرت هذه العادة إليهم من تقاليد النصارى . وقد فصلت القول في هذه المسألة في ( آداب الزفاف ) أيضا ( ص 131 - 138 ) وبينت فيه أن النهي المذكور يشمل النساء أيضا خلافا للجمهور فراجع ( ص 139 - 167 ) فإنه مهم جدا . ثانيا : ننصح لكل من أراد الحج أن يدرس مناسك الحج على ضوء الكتاب والسنة قبل أن يباشر أعمال الحج ليكون تاما مقبولا عند الله تبارك وتعالى . وإنما قلت : على الكتاب والسنة لأن المناسك قد وقع فيها من الخلاف - مع الأسف - ما وقع في سائر العبادات من ذلك مثلا : هل الأفضل أن ينوي في حجه التمتع أم القران أم الإفراد ؟ على ثلاثة مذاهب والذي نراه من ذلك إنما هو التمتع فقط كما هو مذهب الإمام أحمد وغيره بل ذهب بعض العلماء المحققين إلى وجوبه إذا لم يسق معه الهدي منهم ابن حزم وابن القيم تبعا لابن عباس وغيره من السلف وتجد تفصيل القول في ذلك في كتاب ( المحلى ) و( زاد المعاد ) وغيرهما . ولست أريد الآن الخوض في هذه المسألة بتفصيل وإنما أريد أن أذكر بكلمة قصيرة تنفع إن شاء الله تعالى من كان مخلصا وغايته اتباع الحق وليس تقليد الآباء أو المذهب فأقول : لا شك أن الحج كان في أول استئنافه صلى الله عليه وسلم إياه جائزا بأنواعه الثلاثة المتقدمة وكذلك كان أصحابه صلى الله عليه وسلم منهم المتمتع ومنهم القارن ومنهم المفرد لأنه صلى الله عليه وسلم خيرهم في ذلك كما في حديث عائشة رضي الله عنها : ( صحيح ) ( خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : من أرد منكم أن يهل بحج وعمرة فليفعل ومن أراد أن يهل بحج فليهل ومن أراد أن يهل بعمرة فليهل . . . ) الحديث رواه مسلم . وكان هذا التخيير في أول إحرامهم عند الشجرة ( 1 ) كما في رواية لأحمد ( 6/245 ) ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستمر على هذا التخيير بل نقلهم إلى ما هو أفضل وهو التمتع دون أن يعزم بذلك عليهم أو يأمرهم به وذلك في مناسبات شتى في ______ ( 1 ) أي عند ذي الحليفة .

  صفحة رقم -11-

  طريقهم إلى مكة فمن ذلك حينما وصلوا إلى ( سرف ) وهو موضع قريب من التنعيم وهو من مكة على نحو عشرة أميال فقالت عائشة في رواية عنها : ( صحيح ) ( . . . فنزلنا سرف فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه : من لم يكن معه هدي فأحب أن يجعلها عمرة فليفعل ومن كان معه هدي فلا قالت : فالآخذ بها والتارك لها من أصحابه [ ممن لم يكن معه هدي ] . . . ) الحديث متفق عليه والزيادة لمسلم . ومن ذلك لما وصل صلى الله عليه وسلم إلى ( ذي طوى ) وهو موضع قريب من مكة وبات بها فلما صلى الصبح قال لهم : ( صحيح ) ( من شاء أن يجعلها عمرة فليجعلها عمرة ) أخرجه الشيخان من حديث ابن عباس ولكنا رأيناه صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة وطاف هو وأصحابه طواف القدوم لم يدعهم على الحكم السابق وهو الأفضلية بل نقلهم إلى حكم جديد وهو الوجوب فإنه أمر من كان لم يسق الهدي منهم أن يفسخ الحج إلى عمرة ويتحلل فقالت عائشة رضي الله عنها : ( صحيح ) ( خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ولا نرى إلا أنه الحج فلما قدمنا مكة تطوفنا بالبيت فأمر النبي صلى الله عليه وسلم من لم يكن ساق الهدي أن يحل قالت : فحل من لم يكن ساق الهدي ونساؤه لم  

  صفحة رقم -12 

 - يسقن فأحللن . . . ) الحديث متفق عليه وعن ابن عباس نحوه بلفظ : ( صحيح ) ( فأمرهم أن يجعلوها عمرة فتعاظم ذلك عندهم فقالوا : يا رسول الله أي الحل ؟ قال : الحل كله ) متفق عليه . وفي حديث جابر نحوه وأوضح منه كما يأتي فقرة ( 33 - 45 ) . قلت : فمن تأمل في هذه الأحاديث الصحيحة تبين له بيانا لا يشوبه ريب أن التخيير الوارد فيها إنما كان منه صلى الله عليه وسلم لإعداد النفوس وتهيئتها لتقبل حكم جديد قد يصعب ولو على البعض تقبله بسهولة لأول وهلة ألا وهو الأمر بفسخ الحج إلى العمرة لا سيما وقد كانوا في الجاهلية - كما هو ثابت في ( الصحيحين ) - يرون أن العمرة لا تجوز في أشهر الحج وهذا الرأي وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أبطله باعتباره صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات في ثلاث سنوات كلها في شهر ذي القعدة فهذا وحده وإن كان كافيا في إبطال بلك البدعة الجاهلية فإنه ولا قرينة هنا بل لا يكفي - والله أعلم - لإعداد النفوس لتقبل الحكم الجديد فلذلك مهد له صلى الله عليه وسلم بتخييرهم بين الحج والعمرة مع بيان ما هو الأفضل لهم ثم أتبع ذلك بالأمر الجازم بفسخ الحج إلى العمرة كما تقدم .

  صفحة رقم -13-

  فإذا عرفنا ذلك فهذا الأمر للوجوب قطعا ويد لعلى ذلك الأمور التالية : الأول : أن الأصل فيه الوجوب إلا لقرينة ولا قرينة هنا بل والقرينة هنا تؤكده وهي الأمر التالي وهو : الثاني : أنه صلى الله عليه وسلم لما أمرهم تعاظم عندهم كما تقدم آنفا ولو لم يكن للوجوب لم يتعاظموه ألم تر أنه صلى الله عليه وسلم قد أمرهم من قبل ثلاث مرات أمر تخيير ومع ذلك لم يتعاظموه فدل على أنهم فهموا من الأمر الوجوب وهو المقصود . الثالث : أن في رواية في حديث عائشة رضي الله عنها قالت : ( صحيح ) ( . . . فدخل علي وهو غضبان فقلت : من أغضبك يا رسول الله أدخله الله النار قال : أوما شعرت أني أمرت الناس بأمر فإذا هم يترددون قال الحكم كأنهم يترددون أحسب ولو أني استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي معي حتى أشتريه ثم أحل كما حلوا ) . رواه مسلم والبيهقي وأحمد ( 6/175 ) . ففي غضبه صلى الله عليه وسلم دليل واضح على أن أمره كان للوجوب لا سيما وأن غضبه صلى الله عليه وسلم إنما كان لترددهم لا من أجل امتناعهم من تنفيذ الأمر وحاشاهم من ذلك ولذلك حلوا جميعا إلا من كان معه هدي كما يأتي في الفقرة ( 44 ) . 

  صفحة رقم -14- الرابع : قوله صلى الله عليه وسلم : لما سألوه عن الفسخ الذي أمرهم به : ( ألعامنا هذا أم لأبد الأبد ؟ ) فشبك صلى الله عليه وسلم أصابعه واحدة في أخرى وقال : ( دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة لا بل لأبد أبد لا بل لأبد أبد ) . كما يأتي في الفقرة ( 24 ) . فهذا نص صريح على أن العمرة أصبحت جزءا من الحج لا يتجزأ وأن هذا الحكم ليس خاصا بالصحابة كما يظن البعض بل هو مستمر إلى الأبد . ( 1 ) خامسا : أن الأمر لو لم يكن للوجوب لكفى أن ينفذه بعض الصحابة فكيف وقد رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ا يكتفي بأمر الناس بالفسخ أمرا عاما فهو تارة يأمر بذلك ابنته فاطمة رضي الله عنها كما يأتي ( فقرة 48 ) وتارة يأمر به أزواجه كما في ( الصحيحين ) عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أزواجه أن يحللن عام حجة الوداع قالت حفصة : فقلت : ما يمنعك أن تحل ؟ قال : ( إني لبدت رأسي . . . ) الحديث . ولما جاء أبو موسى من اليمن حاجا قال له صلى الله عليه وسلم : ( بم أهللت ) ؟ قال : أهللت بإهلال النبي صلى الله عليه وسلم قال : هل سقت من الهدي ؟ قال : لا قال : ( فطف بالبيت وبالصفا والمروة ثم حل . . . ) الحديث . ______ ( 1 ) وقد رددنا على القائلين بالخصوصية في التعليق على الفقرة المشار إليها من الكتاب الصفحة ( 63

  صفحة رقم -15- فهل هذا الحرص الشديد من النبي صلى الله عليه وسلم على تبليغ أمره بالفسخ إلى كل مكلف لا يدل على الوجوب ؟ اللهم إن الوجوب ليثبت بأدنى من هذا ولوضوح هذه الأدلة الدالة على وجوب الفسخ بله التمتع لم يسع المخالفين لها إلا التسليم بدلالتها ثم اختلفوا في الإجابة عنها فبعضهم ادعى خصوصية ذلك بالصحابة وقد عرفت بطلان ذلك مما سبق . وبعضهم ادعى نسخه ولكنهم لم يستطيعوا أن يذكروا ولو دليلا واحدا يحسن ذكره والرد عليه اللهم إلا نهي عمر رضي الله عنه وكذا عثمان وابن الزبير كما في ( الصحيحين ) وغيرهما . والجواب من وجوه : الأول : أن الذين يحتجون بهذا النهي عن المتعة لا يقولون به لأن من مذهبهم جوازها فما كان جوابهم عنه فهو جوابنا . الثاني : أن هذا النهي قد أنكره جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مهم علي وعمران بن حصين وابن عباس وغيرهم . الثالث : أنه رأي مخالف للكتاب فضلا عن السنة قال الله  

  صفحة رقم -16- تعالى : ( فمن تمتع بالعمر إلى الحج فما استيسر من الهدي ) البقرة : 196 . وقد أشار إلى هذا المعنى عمران بن حصين رضي الله عنه بقوله : ( صحيح ) ( قال تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينزل فيه القرآن ( وفي رواية : نزلت آية المتعة في كتاب الله - يعني متعة الحج - وأمرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات ) قال رجل برأيه بعد ما شاء ) . رواه مسلم . وقد صرح عمر رضي الله عنه بمشروعية التمتع وأن نهيه عنه أو كراهته له إنما هو رأي رآه لعلة بدت له فقال : ( صحيح ) ( قد علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد فعله وأصحابه ولكن كرهت أن يظلوا معرسين بهن ( 1 ) في الأراك ( 2 ) ثم يروحون في الحج تقطر رؤوسهم ) رواه مسلم وأحمد . ومن الأمور التي تستلفت نظر الباحث أن هذه العلة التي ______ ( 1 ) أي ملمين بنسائهم . ( 2 ) أي في حجر الأراك كناية عن التستر به وهو شجر من الحمض يستاك به . وهو أيضا موضع بعرفة وليس مرادا هنا خلافا لبعض المعلقين على مسلم فإن الحجاج في هذا الموضع يكونون محرمين لا يجوز لهم وطأ نسائهم . www.alalbani.info صفحة رقم -17- اعتمدها عمر رضي الله عنه في كراهته التمتع هي عينها التي تذرع بها الصحابة الذين لم يبادروا إلى تنفيذ أمره صلى الله عليه وسلم بالفسخ في ترك المبادرة فقالوا : ( خرجنا حجاجا لا نريد إلا الحج حتى إذا لم يكن بيننا وبين عرفة إلا أربع ليال أمرنا أن نفضي إلى نسائنا فنأتي عرفة تقطر مذاكيرنا المني من النساء . . . ) انظر الفقرة ( 40 ) وقد رد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله : ( أبالله تعلموني أيها الناس ؟ قد علمتم أني أتقاكم لله وأصدقكم وأبركم افعلوا ما آمركم به فإني لو لا هديي لحللت كما تحلون ) ( فقرة 42 ) . فهذا يبين لنا عمر رضي الله عنه لو استحضر حين كرة للناس التمتع قول الصحابة هذا الذي هو مثل قوله وتذكر معه رد النبي صلى الله عليه وسلم عليهم لما كره ذلك ونهى الناس عنه . وفي هذا دليل على أن الصحابي الجليل قد تخفى عليه سنة من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قول من أقواله فيجتهد برأيه فيخطئ وهو مع ذلك مأجور غير مأزور والعصمة لله وحده ثم لرسوله . وقد يقول قائل : إن ما ذكرته من الأدلة على وجوب التمتع وعلى رد ما يخالفه واضح مقبول ولكن يشكل عليه ما يذكره البعض www.alalbani.info صفحة رقم -18- هذا وبين ما ذكرته ؟ والجواب : أنه سبق أن بينا أن التمتع إنما يجب على من لم يسق الهدي وأما من ساق الهدي فلا يجب عليه ذلك بل لا يجوز له وإنما عليه أن يقرن وهو الأفضل وأو يفرد فيحتمل أن ما ذكر عن الخلفاء من الإفراد إنما هو لأنهم كانوا ساقوا الهدي . وحينئذ فلا منافاة والحمد لله . وخلاصة القول : أن على كل من أراد الحج أن يأتي إحرامه بالعمرة ثم يتحلل منها بعد فراغه من السعي بين الصفا والمروة بقص شعره . وفي اليوم الثامن من ذي الحجة يحرم بالحج فمن كان لبى بالقران أو الحج المفرد فعليه أن يفسخ ذلك بالعمرة إطاعة لنبيه صلى الله عليه وسلم والله عز وجل يقول : ( من يطع الرسول فقد أطاع الله ) - النساء : 80 وعلى التمتع بعد ذلك أن يقدم هديا يوم النحر أو في أيام التشريق وهو من تمام النسك وهو دم شكران وليس دم جبران وهو - كما قال ابن القيم - بمنزلة الأضحية للمقيم وهو من تمام عبادة هذا اليوم فالنسك المشتمل على الدم بمنزلة العيد المشتمل على الأضحية وهو من أفضل الأعمال فقد جاء من طرق أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل : أي الأعمال أفضل ؟ أن الخلفاء الراشدين جميعا كانوا يفردون الحج فكيف التوفيق فقال : www.alalbani.info صفحة رقم -19- ( صحيح ) ( العج والثج ) وصححه ابن خزيمة والحاكم والذهبي وحسنه المنذري والعج رفع الصوت بالتلبية والثج إراقة دن الهدي . وعليه أن يأكل من هديه كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما يأتي بيانه ( فقرة 90 ) ولقوله عز وجل فيما يذبح من الهدي في منى ( فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ) - الحج : 28 . وقد اتصلنا بكثير من الحجاج فعرفنا منهم أنهم مع كونهم يعلمون أن التمتع أفضل من الإفراد فكانوا يفردون ثم يأتون بالعمرة بعد الحج من التنعيم وذلك لئلا يلزمهم الهدي وفي هذا من المخالفة للشارع الحكيم والاحتيال على شرعه ما لا يخفى فساده فإن الله بحكمته شرع العمرة قبل الحج وهم يعكسون ذلك وأوجب على المتمتع هديا وهم يفرون منه وليس ذلك من عمل المتقين ثم هم يطمعون أن يتقبل الله حجهم وأن يغفر ذنبهم هيهات هيهات ف ( إنما يتقبل الله من المتقين ) - المائدة : 27 وليس من البخلاء المحتالين . فكن أيها الحاج متقيا لربك متبعا لسنة نبيك في مناسكك عسى أن ترجع من ذنوبك كيوم ولدتك أمك . ثالثا : واحذر يا أخي أن تدع البيات في منى ليلة عرفة وكذا www.alalbani.info صفحة رقم -20- البيات في المزدلفة ليلة النحر فذلك من هدي نبيك صلى الله عليه وسلم لا سيما في البيات في المزدلفة حتى الصبح ركن من أركان الحج على الراجح من أقوال أهل العلم . ولا تغتر بما يزخرف لك من القول بعض من يسمون ب ( المطوفين ) فإنهم لا هم لهم إلا قبض الفلوس وتقليل العمل الذي أخذوا عليه الأجر كافيا وافيا على أدائه بتمامه وسواء عليهم بعد ذلك أتم حجك أم نقص أتبعت سنة نبيك أم خالفت ؟ رابعا : واحذر أيضا يا أخي من أن تمر بين يدي أحد من المصلين في المسجد الحرام وفي غيره من المساجد لقوله صلى الله عليه وسلم : ( صحيح ) ( لو يعلم المار بين يدي المصلي ما ذا عليه لكان أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه ) . قال الراوي : لا أدري قال : أربعين يوما أو شهرا أو سنة . رواه الشيخان في ( صحيحيهما ) . وكما لا يجوز لك هذا فلا يجوز لك أيضا أن تصلي إلى غير سترة بل عليك أن تصلي إلى أي شيء يمنع الناس من المرور بين يديك . فإن أراد أحد أن يجتاز بينك وبين سترتك فعليك أن تمنعه . وفي ذلك أحاديث وآثار أذكر بعضها : 1 ( صحيح ) ( إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرجل فليصل ولا يبالي من مر من وراء ذلك ) . www.alalbani.info صفحة رقم -21- 2 ( صحيح ) إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفع في نحره وليدرأ ما استطاع فإن أبى فليقاتل فإنما هو شيطان ) . ( 1 ) 3 - قال يحيى بن كثير : ( صحيح ) ( رأيت أنس بن مالك دخل المسجد الحرام فركز شيئا أو هيأ شيئا يصلي إليه ) . رواه ابن سعد ( 7/18 ) بسند صحيح . 4 - عن صالح بن كيسان قال : ( صحيح ) ( رأيت ابن عمر يصلي في الكعبة ولا يدع أحدا يمر بين يديه ) . رواه أبو زرعة الرازي في ( تاريخ دمشق ) ( 91/1 ) ( 2 ) وكذا ابن عساكر في ( تاريخ دمشق ) ( 8/106/2 ) بسند صحيح . ففي الحديث الأول إيجاب اتخاذ السترة وأنه إذا فعل ذلك فلا يضره من مر وراءها . وفي الحديث الثاني : إيجاب دفع المار بين يدي المصلي إذا كان يصلي إلى السترة وتحريم المرور عمدا وأن فاعل ذلك شيطان . وليت شعري ما هو الكسب الذي يعود به الحاج إذا رجع وقد استحق هذا الاسم : ( الشيطان ) ؟ ______ ( 1 ) حديثان صحيحان مخرجان في " صفة الصلاة " لنا ( 51 / 53 الطبعة الثالثة ) . وهو تحت الطبع في مطابع المكتب الإسلامي . www.alalbani.info صفحة رقم -22- والحديثان وما في معناهما مطلقان لا يختصان بمسجد دون مسجد ولا بمكان دوم مكان فهما يشملان المسجد الحرام والمسجد النبوي من باب أولى لأن هذه الأحاديث إنما قالها صلى الله عليه وسلم في مسجده فهو المراد بها أصالة والمساجد الأخرى تبعا . والأثران المذكوران نصان صريحان على أن المسجد الحرام داخل في تلك الأحاديث فما يقال من بعض المطوفين وغيرهم أن المسجد المكي والمسجد النبوي مستثنيان من النهي لا أصل له في السنة ولا عن أحد من الصحابة اللهم سوى حديث واحد روي في المسجد المكي لا يصح إسناده ولا دلالة فيه على الدعوى كما سيأتي بيانه في ( بدع الحج ) ( الفقرة 124 ) . خامسا : وعلى أهل العلم والفضل أن يغتنموا فرصة التقائهم بالحجاج في المسجد الحرام وغيره من المواطن المقدسة فيعلموهم ما يلزم من مناسك الحج وأحكامه على وفق الكتابة السنة وأن لا يشغلهم ذلك عن الدعوة إلى أصل الإسلام الذي من أجله بعثت الرسل وأنزلت الكتب ألا وهو التوحيد فإن أكثر من لقيناهم حتى ممن ينتمي إلى العلم وجدناهم في جهل بالغ بحقيقة التوحيد وما ينافيه من الشركيات والوثنيات كما أنهم في غفلة تامة عن ضرورة وجوع المسلمين على اختلاف مذاهبهم وكثرة أحزابهم ==================== www.alalbani.info صفحة رقم -23- إلى العمل الثابت في الكتاب والسنة في العقائد والأحكام والمعاملات والأخلاق والسياسة والاقتصاد وغير ذلك من شؤون الحياة وأن أي صوت يرتفع وأي إصلاح يزعم على غير هذا الأصل القويم والصراط المستقيم فسوف لا يجني المسلمون منه إلا ذلا وضعفا والواقع أكبر شاهد على ذلك والله المستعان . وقد تتطلب الدعوة إلى ما سبق شيئا قليلا أو كثيرا من الجدال بالتي هي أحسن كما قال الله عز وجل : ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ) - النحل : 125 . فلا يصدنك عن ذلك معارضة الجهلة بقوله تعالى : ( . . . فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ) - البقرة : 196 . فإن الجدال المنهي عنه في الحج هو كالفسق المنهي عنه في غير الحج أيضا وهو الجدال بالباطل وهو غير الجدال المأمور به في آية الدعوة قال ابن حزم رحمه الله ( 7/196 ) : ( والجدال قسمان : قسم واجب وحق وقسم في باطل فالذي في الحق واجب في الإحرام وغير الإحرام قال تعالى : ( ادع إلى سبيل ربك . . . ) ومن جادل في طلب حق به فقد دعا إلى سبيل ربه تعالى وسعى في إظهار الحق والمنع www.alalbani.info صفحة رقم -24- من الباطل وهكذا كل من جادل في حق لغيره أو لله تعالى والجدال بالباطل وفي الباطل عمدا ذكرا لإحرامه مبطل للإحرام وللحج لقوله تعالى : ( فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ) البقرة : 196 ) . وهذا كله على أن ( الجدال ) في الآية بمعنى المخاصمة والملاحاة حتى تغضب صاحبك . وقد ذهب إلى هذا المعنى جماعة من السلف وعزاه ابن قدامة في ( المغني ) ( 3/296 ) إلى الجمهور ورجحه . وهناك في تفسيره قول آخر : وهو المجادلة في وقت الحج ومناسكه واختاره ابن جرير ثم ابن تيمية في ( مجموعة الرسائل الكبرى ) ( 2/361 ) وعلى هذا فالآية غير واردة فيما نحن فيه أصلا . والله أعلم . ومع ذلك فإنه ينبغي أن يلاحظ الداعية أنه إذا تبين له أنه لا جدوى من المجادلة مع المخالفة له لتعصبه لرأيه وأنه إذا صابره على الجدل فلربما ترتب عليه ما لا يجوز فمن الخير له حينئذ أن يدع الجدال معه لقوله صلى الله عليه وسلم : ( حسن ) ( أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا ) . رواه أبو داود بسند حسن عن أبي أمامة وللترمذي نحوه من حديث أنس وحسنه . وفقنا الله والمسلمين لمعرفة سنة نبيه صلى الله عليه وسلم واتباع هديه . www.alalbani.info صفحة رقم -25- لا حرج : وهذه الأمور يتحرج منها بعض الحجاج وهي جائزة : 1 - الاغتسال لغير احتلام ودلك الرأس ففي ( الصحيحين ) وغيرهما ( صحيح ) عن عبد الله بن حنين عن عبد الله بن عباس والمسور بن مخرمة اختلفا بالأبواء فقال عبد الله بن عباس : يغسل المحرم رأسه وقال المسور : لا يغسل المحرم رأسه فأرسلني عبد الله بن العباس إلى أبي أيوب الأنصاري أسأله عن ذلك فوجدته يغتسل بين القرنين وهو يستر بثوب فسلمت عليه فقال : من هذا ؟ فقلت : أنا عبد الله بن حنين أرسلني إليك عبد الله بن العباس أسألك كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل رأسه وهو محرم ؟ فوضع أبو أيوب يده على الثوب فطأطأه حتى بدا لي رأسه ثم قال لإنسان يصب عليه : اصبب فصب على رأسه ثم حرك رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر وقال : هكذا رأيته صلى الله عليه وسلم يفعل . زاد مسلم : ( فقال المسور لابن عباس : لا أماريك أبدا ) . وروى البيهقي بسند صحيح عن ابن عباس قال : ( صحيح ) ( ربما قال لي عمر بن الخطاب رضي الله عنه : تعال أباقيك في الماء أينا أطول نفسا ونحن محرمون ) . وعن عبد الله بن عمر ( أن عاصم بن عمر وعبد الرحمن بن زيد www.alalbani.info صفحة رقم -26- وقعا في البحر يتمالقان ( يتغاطسان ) يغيب أحدهما رأس صاحبه وعمر ينظر إليهما فلم ينكر ذلك عليهما ) . 2 - حك الرأس ولو سقط بعض الشعر وحديث أبي أيوب المتقدم آنفا دليل عليه وروى مالك ( 1/358/92 ) عن أم علقمة بن أبي علقمة أنها قالت : ( صحيح ) سمعت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تسأل عن المحرم : أيحك جسده ؟ فقالت : نعم فليحكه وليشدد ولو ربطت يداي ولم أجد إلا رجلي لحككت . وسنده حسن في الشواهد . قال شيخ الإسلام ابن تيمية في ( المجموعة الكبرى ) ( 2/368 ) : وله أن يحك بدنه إذا حكه وكذلك إذا اغتسل وسقط شيء من شعره بذلك لم يضره ) . 3 - الاحتجام ولو بحلق الشعر مكان الحجم لحديث ابن بحينة رضي الله عنه قال : ( صحيح ) ( احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وهو محرم ب ( لحي جمل ) - موضع بطريق مكة - في وسط رأسه ) . متفق عليه . قال شيخ الإسلام ابن تيمية في ( مناسكه ) ( 2/338 ) : ( وله أن يحك بدنه إذا حكه ويحتجم فى رأسه وغير رأسه www.alalbani.info صفحة رقم -27- وإن احتاج أن يحلق شعرا لذلك جاز فإنه قد ثبت في ( ثم ساق هذا الحديث ثم قال ) ولا يمكن ذلك إلا مع حلق بعض الشعر وكذلك إذا اغتسل وسقط شيء من شعره بذلك لم يضره وإن تيقن أنه انقطع بالغسل ) . وهذا مذهب الحنابلة كما في ( المغني ) ( 3/306 ) ولكنه قال : ( وعليه الفدية ) . وبه قال مالك وغيره . ورده ابن حزم بقوله : ( 7/257 ) عقب هذا الحديث : ( لم يخبر عليه السلام أن في ذلك غرامة ولا فدية ولو وجبت لما أغفل ذلك وكان عليه السلام كثير الشعر أفرع ( 1 ) وإنما نهينا عن حلق الرأس في الإحرام ) . 4 - شم الريحان وطرح الظفر إذا انكسر . قال ابن عباس رضي الله عنه : ( صحيح ) ( المحرم يدخل الحمام وينزع ضرسه ويشم الريحان وإذا انكسر ظفره طرحه ويقول : أميطوا عنكم الأذى فإن الله عز وجل لا يصنع بأذاكم شيئا ) . ______ ( 1 ) الأفرع : التام من الشعر . www.alalbani.info صفحة رقم -28- رواه البيهقي ( 5/62 - 63 ) بسند صحيح . وإلى هذا ذهب ابن حزم ( 7/246 ) وروى مالك عن محمد بن عبد الله بن أبي مريم أنه سأل سعيد بن المسيب عن ظفر له انكسر وهو محرم ؟ فقال سعيد : اقطعه . 5 - الاستظلال بالخيمة أو المظلة ( الشمسية ) وفي السيارة ورفع سقفها من بعض الطوائف تشدد وتنطع في الدين ولم يأذن به رب العالمين . فقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بنصب القبة له ب ( نمرة ) ثم نزل بها كما سيأتي في الكتاب فقرة ( 57 - 58 ) وعن أم الحصين رضي الله عنه قالت : ( صحيح ) ( حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع فرأيت أسامة وبلالا وأحدهما آخذ بخطام ناقته والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة ) . وأما ما روى البيهقي عن نافع قال : ( أبصر بن عمر رضي الله عنه رجلا على بعيره وهو محرم قد استظل بينه وبين الشمس فقال له : ضح لمن أحرمت له ) . وفي رواية من طريق أخرى أنه رأى عبد الله بن أبي ربيعة جعل www.alalbani.info صفحة رقم -29- على وسط راحلته عودا وجعل ثوبا يستظل به من الشمس وهو محرم فلقيه ابن عمر فنهاه ) . قلت : فلعل ابن عمر رضي الله عنه لم يبلغه حديث أم الحصين المذكور وإلا فما أنكره هو عين ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولذلك قال البيهقي : هذا موقوف وحديث أم الحصين صحيح ) . يعني فهو أولى بالأخذ به وترجمه له بقوله : ( باب المحرم يستظل بما شاء ما لم يمس رأسه ) . ( 1 ) 6 - وله أن يشد المنطقة والحزام على إزاره وله أن يعقده عند الحاجة وأن يتختم وأن يلبس ساعة اليد ويضع النظارة لعدم النهي عن ذلك وورد بعض الآثار بجواز شيء من ذلك . ( صحيح ) فعن عائشة رضي الله عنها أنها سئلت عن الهيمان للمحرم ؟ فقالت : وما بأس ؟ ليستوثق من نفقته . وسنده صحيح . وعن عطاء : يتختم - يعني المحرم - ويلبس الهيمان . رواه البخاري تعليقا . ______ ( 1 ) قلت : فقول شيخ الإسلام : " والأفضل للمحرم أن يضحي لمن أحرم له كما كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يحجون " فيه نظر بين لا يخفى على القارئ . صفحة رقم -30- قلت : ولا يخفى أن الساعة والنظارة في معنى الخاتم والمنطقة مع عدم ورود ما ينهى عنهما ( وما كان ربك نسيا ) مريم : 64 . يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون ) . دمشق في 15 شوال 1384 ه . محمد ناصر الدين الألباني . www.alalbani.info صفحة رقم -31- مقدمة الطبعة الأولى بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين القائل في محكم كتابه الكريم : ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ) - آل عمران : 97 والصلاة والسلام على نبينا محمد القائل فيما صح عنه : ( صحيح ) ( خذوا عني مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد عامي هذا ) . وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار ومن تلا وتبعهم بإحسان . أما بعد فإني بعد أن ألفت ( صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ) ( 1 ) ونشرته على الناس وجد - والحمد لله على توفيقه - رواجا فوق ما كنت أترقب حيث أن نسخه البالغة ألفين نفدت أو كادت في ظرف سنتين بدون أن يتخذ له شيء من وسائل ______ ( 1 ) ثم طبع بعد ذلك مرتين والثالثة مزيدة ومنقحة طبعت في مطابع المكتب الإسلامي بدمشق سنة 1381 ه . www.alalbani.info صفحة رقم -33- الدعاية المعروفة أو أن يتعهد أحد من أصحاب المكتبات بنشره وما ذلك إلا لما لمسه الناس من سهولة أسلوبه في عرضه لصلاته صلى الله عليه وسلم مع استقصائه لها وتحرير ما صح منها والأمر الذي حمل كثيرين على أن يطلبوا مني أن أضع لهم كتابا آخر في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم على الأسلوب ذاته فكنت أحبذ ما طلبوا ولكني أعتذر لهم من الاستعجال بتحقيق ما رغبوا بأني في صدد وضع كتب أخرى تفيد المسلمين إن شاء الله تعالى . منها كتاب أستقصي فيه قدر الإمكان البدع التي وقع المسلمون فيها منذ قديم الزمان لعله يكون باعثا لهم على اجتنابها وحاملا لهم على التمسك بالسنة المحمدية وحدها يضاف إلى ذلك ما لا بد منه من الاشتغال بمسائل فرعية دينية أخرى مما يأخذ من وقتي الشيء الكثير هذا عدا انصرافي إلى تحصيل قوتي من مهنتي وكسب يدي كل هذا كان يصدقني عن المبادرة إلى تحقيق رغبتهم ورغبتي لا سيما وهو يتطلب سعة من الوقت وجهد كثير لتتبع السنة المطهرة واستخراج ما يتعلق بهذا الموضوع منها . فبينا أنا على هذه الحال إذ ألقى في البال بمناسبة قراءتي مع بعض الإخوان كتاب الحج من ( الروضة الندية ) لصديق حسن خان ملك بهوبال أن أخرج للناس حجة النبي صلى الله عليه وسلم كما رواها مسلم في صحيحه عن جابر رضي الله عنه فإنه يوفر علي وقتا www.alalbani.info صفحة رقم -34- وقتا وجهدا كبيرا ويحقق للراغبين بغيتهم كلها أو جلها وما لا يدرك كله لا يترك جله . فلما تمكن مني هذا الخاطر وجدتني منصرفا إليه عن كل شاغل فاستخرجت من صحيح مسلم الرواية المشار إليها وراجعت متنها مرارا فتبين لي أنها ينقصها بعض المناسك فأعدت استخراجها من كتب السنة الأخرى الآتي بيانها فوجدت فيها بعض الزيادات المفيدة ولكنها عن القيام بواجب الاستدراك بعيدة فحملني ذلك على أن أتتبع كل رواية لجابر يتحدث فيها عن حجته صلى الله عليه وسلم خلاف روايته السابقة فاجتمع عندي من ذلك فوائد وزوائد من المناسك فأضفتها كلها إلى الرواية الأولى وجعلت كلا منها في موطنها اللائق بها فتم بذلك استدراك غير قليل من النقص وبقيت أشياء أخرى كثيرة لا يمكن استدراكها إلا بتغيير هذا المنهاج الذي عزمت السير عليه وبالتوسع في البحث والتنقيب عن جميع روايات سائر الأصحاب حول هذه الحجة العظيمة وهذا ما أجلته إلى وقت آخر أوسع فإن النية قد اتجهت بعد الفراغ من مسودة هذا المنسك إلى وضع كتاب بعنوان : صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم منذ خروجه من المدينة إلى رجوعه إليها كأنك تصبه فيها ) أتتبع فيه مناسكها كلها ووقائعها وخطبها وحوادثها وأجوبة النبي صلى الله عليه وسلم عن أسئلة السائلين له في www.alalbani.info صفحة رقم -35- طرقها ومنازلها وغير ذلك من الفوائد المفيدة والنكت الطريفة أسردها متنقلا من منزل إلى آخر من التقيد بالصحيح من ذلك كما هو دأبي في كل كتاباتي وتآليفي وقد جمعت حتى الآن جل مادته فأرجو أن يوفقني الله تعالى لتصنيفه وتأليفه ثم لطبعه ونشره هو حسبي لا إله إلا هو . ثناء العلماء على حديث جابر هذا وإنما آثرت حديث جابر رضي الله عنه لأنه كما قال النووي : ( وهو أحسن الصحابة سياقة لرواية حديث حجة الوداع فانه ذكرها من حين خروج النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى آخرها فهو أضبط لها من غيره ) وقال : ( وهو حديث عظيم مشتمل على جمل من الفوائد ومهمات من مهمات القواعد قال القاضي عياض : وقد تكلم الناس على ما فيه من الفقه وأكثروا وصنف فيه أبو بكر بن المنذر جزءا كبيرا وخرج فيه من الفقه مائة ونيفا وخمسين نوعا ولو تقصى لزيد على هذا القدر قريب منه ) . قلت وبوب مسلم ب ( باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم ) ( 1 ) وأبو داود ب ( باب ______ ( 1 ) وأما قول الشيخ عبد الحي الكتاني في " التراتيب الإدارية " ( 2 / 856 ) : " فبوب صحيح مسلم بقوله : حديث جابر الطويل " فوهم منه فإنما بوب مسلم بهذا لحديث آخر طويل لجابر انظر : ( ج 8 ص 231 - 236 منه ) . www.alalbani.info صفحة رقم -36- صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم ) ونوه به الحافظ الذهبي في ترجمة جابر فقال : ( وله منسك صغير في الحج أخرجه مسلم ) . وعقد له الحافظ ابن كثير في الجزء الخامس من ( البداية والنهاية ) فصلا قال فيه : ( وهو وحده منسك مستقل ) ثم ساقه ( ص 146 - 149 ) . وهذا الثناء من هؤلاء الأئمة إنما هو على حديثه من الرواية الأولى . فإذا علمت ما ضممنا إليها من فوائد الروايات الأخرى كما سيأتي الإشارة إليه يتبين لك أن منسكا هذا على أسلوبه المبتكر أثر فائدة وأتم من منسكه على الرواية الأولى كما هو بين لا يخفى . روايات المنسك وتخريجها واعلم أن مدار هذا المنسك من رواية جابر على سبعة من ثقات أصحابه الأكابر : 1 - محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو جعفر الباقر . 2 - أبو الزبير بن محمد بن مسلم المكي . 3 - عطاء بن أبي رباح المكي . 4 - مجاهد بن جبر المكي . www.alalbani.info صفحة رقم -37- 5 - محمد بن المنكدر المدني . 6 - أبو صالح ذكوان السمان المدني . 7 - أبو سفيان طلحة بن نافع الواسطي نزيل مكة . الأصل الذي اعتمدنا عليه في هذا المنسك إنما هو من رواية الأول منهم في صحيح مسلم والآخرون إنما لهم منه الشيء اليسير وبعضهم أكثر من بعض على ترتيبهم المذكور . وقد استخرجت فوائدهم الزائدة على الأول ثم أشرت إلى من أخرج زوائد الأولين بوضع الرموز الآتي بيانها فوقها ( 1 ) مكتفيا بذلك عن الإطالة بالتخريج لكل زيادة ومستغنيا عنه بهذا التخريج الإجمالي فأقول : 1 - أما رواية الأول فأخرجها مسلم وأبو نعيم في ( المستخرج على صحيح مسلم ) وأبو داود والدارمي وابن ماجه وابن الجارود في ( المنتقى ) والبيهقي من طريق جعفر بن ______ ( 1 ) كان كذلك في الطبعة الأولى وأما في هذه الطبعة فقد رأينا جعل الرموز عقب الزيادة مباشرة لأنه أجمل في النظر . www.alalbani.info صفحة رقم -38- محمد الصادق عنه بتمامه والسياق لمسلم كما سبقت الإشارة إليه وأخرج القسم الأكبر منه الطيالسي في مسنده وأحمد وروى قطعا متفرقة منه مسلم وأبو داود والنسائي والترمذي والدارمي وابن ماجه ومالك في موطأه والطحاوي في ( شرح المعاني ) وفي ( مشكل الآثار ) والطبراني في ( المعجم الصغير ) والدارقطني في ( سننه ) والحاكم في ( المستدرك ) وابن خزيمة في ( صحيحه ) على ما في ( الترغيب والترهيب ) والبيهقي في سننه الكبرى وأحمد في www.alalbani.info صفحة رقم -39- ( مسنده ) وابن سعد في ( الطبقات الكبرى ) وأبو نعيم في ( حلية الأولياء ) . 2 - أما رواية أبي الزبير فأخرجها مسلم وأبو نعيم في ( المستخرج على صحيح مسلم ) وأبو داود والنسائي والترمذي والدارمي وابن ماجه والشافعي والطحاوي في ( شرح المعاني ) وفي ( مشكل الآثار ) والدارقطني والحاكم والبيهقي والطيالسي وأحمد وابن سعد صفحة رقم -40- 3 - وأما رواية عطاء فأخرجها البخاري ومسلم وأبو نعيم وأبو داود والنسائي والدارمي وابن ماجه والشافعي والطحاوي في ( الشرح ) في ( المشكل ) وابن حبان في ( صحيحه ) والحاكم والبيهقي والطيالسي وأحمد وابن سعد . 4 - وأما رواية مجاهد فأخرجها البخاري ومسلم والحاكم والتيهقي وأحمد . 5 - وأما رواية محمد بن المنكدر فأخرجها الترمذي وابن ماجه والبيهقي وأحمد . 6 7 - وأما رواية أبي صالح وأبي سفيان . ================ HGTIVSJالفهرست صفحة رقم -41- وإليك الآن الرموز التي وعدنا بها فللبخاري . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . خ ومسلم . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . م وأبو داود . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . د والنسائي . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ن والترمذي . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ت والدارمي . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . مي وابن ماجه . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . مج ومالك في ( الموطأ ) . . . . . . . . . . . . ما والشافعي في مسنده وفي سننه بواسطة ( بدائع المنن ) . . . . . . . . . . . . . . شا وابن سعد . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . سع والطحاوي في ( شرح المعاني ) . . . . . . . طح والطحاوي في ( مشكل الآثار ) . . . . . . . . طش والطبراني في ( الضغير ) . . . . . . طص وابن خزيمة في صحيحه . . . . . . خز والدارقطني . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . قط وابن حبان . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . حب صفحة رقم -42- وابن الجارود . . . . . . . . . . . . . . . . . . . جا والحاكم . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . حا والبيهقي . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . هق والطيالسي . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . طي وأحمد . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . حم وأبو نعيم في ( المستخرج ) . . . . تخ وقد وضعت على الكتاب تعاليق مفيدة كشفت فيها معاني بعض الألفاظ وبينت وفسرت ما جاء فيه من الأماكن ونبهت فيها على بعض الفوائد الفقهية ولم أتوسع في ذلك طلبا للاختصار واستدركت أيضا بعض المناسك التي لم ترد فيه فتمت بذلك فائدة الكتاب كمنسك وسميته : ( حجة النبي صلى الله عليه وسلم كما رواها عنه جابر ورواها عنه ثقات أصحابه الأكابر ) . أسأل الله تعالى أن يجعله خالصا لوجهه الكريم وينفع به المسلمين إنه سميع مجيب . صفحة رقم -43- قال جابر رضي الله عنه : 1 - إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث [ بالمدينة : ن شا جا حم ] تسع سنين لم يحج ( 1 ) . 2 - ثم أذن في الناس في العاشرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاج [ هذا العام : ن جا حم ] . 3 - فقدم المدينة بشر كثير ( وفي رواية : فلم يبق أحد يقدر ______ ( 1 ) اتفق العلماء على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحج بعد هجرته إلى المدينة سوى حجة واحدة وهي حجة الوداع هذه وعلى أنها كانت سنة عشرة واختلفوا في وقت ابتداء فرضه على أقوال أقربها إلى الصواب أنه سنة تسع أو عشر وهو قول غير واحد من السلف واستدل به ابن القيم في " زاد المعاد " بأدلة قوية فليراجعها من شاء وعلى هذا فقد بادر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحج فورا من غير تأخير بخلاف الأقوال الأخرى فيلزم منها أنه تأخر بأداء الفريضة ولذا اضطر القائلون بها إلى الاعتذار عنه صلى الله عليه وسلم ولا حاجة بنا نحن إلى ذلك . صفحة رقم -45- أن يأتي راكبا أو راجلا إلا قدم : ي ن ) [ فتدارك الناس ( 2 ) ليخرجوا معه : ن شا ] كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم ويعمل مثل عمله . 4 - [ وقال جابر رضي الله عنه : سمعت - قال الراوي : أحسبه رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ( وفي رواية قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : مج ) ( 3 ) فقال : ( مهل أهل المدينة من ذي الحليفة ( 4 ) و[ مهل أهل ] الطريق الآخر الجحفة ( 5 ) ومهل أهل العراق من ذات ______ ( 2 ) أي تلاحقوا ووصلو . ( 3 ) هذه الرواية في سندها ضعيف لكن يشهد لها أحاديث كثيرة عن غير جابر من الصحابة رضي الله عنهم منهم ابن عمر وفي حديثه أن ذلك كان في المسجد النبوي . أخرجه الشيخان وغيرهما وفي رواية لأحمد " على هذا المنبر " والظاهر أن هذه الخطبة كانت بين يدي خروجه صلى الله عليه وسلم من المدينة لتعليم الناس مناسك الحج . ( 4 ) موضع على ستة أميال من المدينة كما في القاموس وقال الحافظ ابن كثير في البداية : ( 5 : 114 ) : " على ثلاثة أميال " وقال ابن القيم في الزاد ( 2 : 178 ) : " ميل أو نحوه " وهذا اختلاف شديد . ( 5 ) موضع بينه وبين مكة نحو ثلاث مراحل قال شيخ الإسلام ابن تيمية في " مناسك الحج " ( 2 / 356 ) من " مجموعة الرسائل الكبرى " : " هي قرية كانت قديمة معمورة وكانت تسمى مهيعة وهي اليوم خراب ولهذا صار الناس يحرمون قبلها : من المكان الذي يسمى ( رابغا ) وهذا ميقات لمن حج من ناحية المغرب كأهل الشام ومصر وسائر المغرب إذا اجتازوا بالمدينة المنورة كما يفعلونه في هذه الأوقات أحرموا من ميقات أهل المدينة فإن هذا هو المستحب لهم بالاتفاق فإن أخروا الإحرام إلى الجحفة ففيه نزاع " . قلت : والأشبه الجواز لهذا الحديث . صفحة رقم -46- عرق ( 6 ) مهل أهل نجد من قرن ومهل أهل اليمن من ______ ( 6 ) مكان بالبادية هو الحد الفاصل بين نجد وتهامة كما في " القاموس " و" معجم البلدان " والمسافة بينه وبين مكة اثنان وأربعون ميلا كما في " الفتح " . واعلم أن هذه الفقرة من حديث جابر رضي الله عنه قد طعن في صحتها بعض العلماء من جهة سندها ومتنها . أما السند فلأنه لم يجزم برفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم لقول الراوي : " أحسبه " وفي رواية لمسلم " أراه " وهذا معناه الشك وعدم الجزم وأما المتن فإن العراق لم تكن فتحت يومئذ والجواب عن الأول من جهتين : أ - أن الشك قد زال بجزم الراوي برفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم في رواية ابن ماجه المشار إليها في الأعلى وهي وإن كانت ضعيفة كما سبق فقد ثبت الجزم في رواية أخرى أخرجها الإمام أحمد وهي وإن كان فيها ابن لهيعة وهو موصوف بسوء الحفظ فإن من رواتها عنه عبد الله بن وهب عند الإمام البيهقي ( 5 / 27 ) ومثل هذه الرواية صحيحة عند المحققين من الأئمة لأن رواية العبادلة عن ابن لهيعة عندهم صحيحة وهم عبد الله بن المبارك وعبد الله بن يزيد المقري وعبد الله بن وهب هذا وقد بسط القول في ذلك العلامة ابن القيم في " إعلام الموقعين " ( 3 / 13 - 14 ) فليراجعه من شاء البسط . ب - هب أن الشك لم يزل بذلك فإن للحديث شواهد كثيرة عن جماعة من الصحابة يقوي حديث جابر كما جزم بذلك الحافظ ابن حجر وغيره وقد ساق الشواهد المشار إليها في " التلخيص " وكذلك ساقهما الزيلعي في " نصب الراية " ( 2 / 12 - 15 ) وابن كثير كما في " الجوهر النقي " ( 5 / 28 ) ولا يتحمل هذا التعليق ذكر تلك الشواهد فليراجعها من شاء في بعض المصادر المذكورة ولكن لا بد هنا من ذكر شاهد واحد فات أولئك المخرجين جميعا وهو ما أخرجه الطحاوي ( 1 / 360 ) وأبو نعيم في " الحلية " ( 4 / 94 ) بسند صحيح عن ابن عمر أنه قال عقب حديثه المشار إليه في المواقيت : " وحدثني أصحابنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لأهل العراق ذات عرق " وقال أبو نعيم : " هذا حديث صحيح ثابت " . قلت : ففي هذا رد على من ضعف الحديث مطلقا وعلى من قواه لمجموع طرقه لا لذاته ولا ينافي صحة الحديث ما في صحيح البخاري أن عمر بن الخطاب هو الذي وقت ذات عرق لأهل العراق لإمكان أن يكون ذلك من جملة الموافقات التي وافق عمر الشرع فيها . وأما الجواب عن إعلاله وهو أن العراق لم تكن فتحت يومئذ فهو : أن ذلك صدر منه صلى الله عليه وسلم وصدر التعليم لأمة الإسلام إلى يوم القيامة فليس من الضروري أن تكون قد فتحت يومئذ فهي في هذا كبلاد الشام سواء فلم تكن قد فتحت أيضا كما هو معلوم ولذلك قال الحافظ ابن عبر البر : " هذه غفلة من قائل هذا القول لأنه عليه السلام هو الذي وقت لأهل العراق ذات عرق كما وقت لأهل الشام الجحفة والشام يومئذ دار كفر كالعراق فوقت المواقيت لأهل النواحي لأنه علم أن الله سيفتح على أمته الشام والعراق وغيرهما ولم يفتح الشام والعراق إلا على عهد عمر بلا خلاف وقد قال عليه السلام : " منعت العراق درهما وقفيزها . الحديث معناه عند أهل العلم ستمتنع " . نقله ابن التركماني في " الجوهر " ( 5 / 28 - 29 ) ووقع فيه " ودرهمها " بدل " وقفيزها " وصححته من " صحيح مسلم " ( 8 / 175 ) . صفحة رقم -47- يلملم ) ( 7 ) : نخ مج شا طي هق حم ] ______ ( 7 ) مكان على مرحلتين من مكة بينهما ثلاثون ميلا . www.alalbani.info صفحة رقم -48- 5 - [ قال فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم : د ت مج هق حم ] [ لخمس بقين من ذي القعدة أو أربع : ن جا هق ] . ( 8 ) 6 - [ وساق هديا : ن ] ( 9 ) . ______ ( 8 ) وذلك بعد ما ترجل وادهن ولبس إزاره ورداءه هو وأصحابه ولم ينه عن شيء من الأزر والأردية تلبس إلا المزعفر . كما قال ابن عباس عند البخاري . والمزعفر هو المصبوغ باللون الأصفر كالزعفران . ففيه أعني حديث ابن عباس مشروعية لبس ثياب الإحرام قبل الميقات خلافا لما يظنه كثير من الناس وهذا بخلاف نية الإحرام فإنها لا تجوز على الراجح عندنا إلا عند الميقات أو قريبا منه لمن كان في الطائرة وخشي أن تتجاوز به الميقات ولما يحرم . واعلم أنه لا يشرع التلفظ بالنية لا في الإحرام ولا في غيره من العبادات كالطهارة والصلاة والصيام وغيرها وإنما النية بالقلب فقط وأما التلفظ بها فبدعة " وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار " والذي صح عنه صلى الله عليه وسلم في الإحرام إنما هو قوله : " لبيك اللهم عمرة وحجا " فيتوقف عند هذا ولا يزاد عليه كما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالته في " النية " ( ص 244 - 245 من مجموعة الرسائل الكبرى الجزء الأول ) وله كلام في هذه المسألة ذكره في " منسكه " ( 2 / 359 ) قد يخالف ظاهره ما ذكرنا فلا يلتفت إليه فعليك أن تعرف الحق بدليله لا بقائله لا سيما إذا كان له قولان في المسألة . ( 9 ) أي من ذي الحليفة كما في " الصحيحين " من حديث ابن عمر وقال الحافظ ابن حجر في شرحه : " وفيه الندب إلى سوق الهدي من المواقيت ومن الأماكن البعيدة وهي من السنن التي أغفلها كثير من الناس " . كذا قال وفيه نظر لأن سوق الهدي مما لم يستقر عليه هديه صلى الله عليه وسلم بل ندب عليه كما في الفقرة الآتية ( 41 ) : " ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي فحلوا " . فهذا القول منه صلى الله عليه وسلم دل على أمرين هامين : أولا : على أن التمتع بالعمرة إلى الحج بالتحلل بينهما أفضل من سوق الهدي مع القران لأنه صلى الله عليه وسلم تأسف إذ لم يفعل ذلك ولا يمكن أن يكون إلا على ما هو الأفضل ظاهر فالأفضل إذن ترك سوق الهدي . ثانيا : أن كل من لم يسق الهدي من الحجاج سواء كان قارنا أو مفردا فيجب عليه أن يتحلل من ذلك بعمرة ثم يلبي بالحج يوم التروية لأمره صلى الله عليه وسلم بذلك كما يأتي بل صح أن النبي صلى الله عليه وسلم غضب على الذين لم يبادروا إلى تنفيذ أمره بالتحلل وأكد ذلك صلى الله عليه وسلم بقوله : " دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة فهذا نص أيضا على أن العمرة صارت جزء لا يتجزء من الحج فكل حاد لا بد له من أن يقرن مع حجه عمرة إما بدون تحلل منها وذلك إذا كان قد ساق معه الهدي وإما بالتحلل إذا لم يسق الهدي وبهذا قال ابن حزم وكطاه عن ابن عباس ومجاهد وعطاء وإسحاق بن راهوية وغيرهم . وانتصر له ابن القيم في " زاد المعاد " انتصارا بالغا فليراجعه من شاء البسط . www.alalbani.info صفحة رقم -49- 7 - فخرجنا معه [ معنا النساء والولدان : م نخ ] ( 10 ) . ______ ( 10 ) وأما الزيادة التي عند ابن ماجه وغيره عن جابر بلفظ : " . . . فلبينا عن النساء ورمينا عن الصبيان " فلا يصح إسنادها وقد رواها الترمذي أيضا بلفظ : " فكنا نلبي عن النساء ونرمي عن الصبيان " . وقال : " حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه " . قلت : وفيه علتان : عنعنة أبي الزبير وضعف أشعث بن يسار فلا يغتر بسكوت من سكت عن الحديث من الفقهاء قديما وحديثا كالشيخ ابن قدامة وغيره . لكن في المغني ( 3 / 254 ) ما نصه : " قال ابن المنذر : كل من حفظت عنه من أهل العلم يرى الرمي عن الصبي الذي لا يقدر على الرمي كان ابن عمر يفعل ذلك وبه قال عطاء والزهري ومالك والشافعي وإسحاق " . فإن كانت المسألة مما لا خلاف فيها ففيه مقنع وإلا فقد عرفت حال الحديث وأما التلبية عن النساء فقد قال الترمذي عقبه : " وقد أجمع أهل العلم على أن المرأة لا يلبي عنها غيرها وهي تلبي عن نفسها ويكره لها رفع الصوت بالتلبية " . صفحة رقم -50- 8 - حتى أتينا ذا الحليفة فولدت أسماء بنت عميس محمد ابن أبي بكر . 9 - فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف أصنع ؟ 10 - [ ف ] قال : اغتسلي واستثفري ( 11 ) بثوب وأحرمي . 11 - فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد [ وهو صامت : ن ] ( 12 ) . ______ ( 11 ) أمر من الاستثفار . قال ابن الأثير في النهاية : " وهو أن تشد فرجها بخرقة عريضة بعد أن تحتشى قطنا وتوثق طرفيها في شيء تشده على وسطها فتمنع بذلك سيل الدم " . ( 12 ) يعني أنه لما يلب بعد وإنما لبى حين استوت به ناقته كما يأتي . صفحة رقم -51- الإحرام : ( 13 ) 12 - ثم ركب القصواء ( 14 ) حتى إذا استوت به ناقته على البيداء [ أهل ( 15 ) بالحج ( وفي رواية : أفرد الحج : مج سع ) هو وأصحابه : مج ] . ______ ( 13 ) وطيبته عائشة قبل إحرامه بأطيب الطيب . ورؤي وبيض الطيب في مفارق رأيه بعد إحرامه بثلاث . كما في الصحيح . ( 14 ) هي بفتح القاف وبالمد اسم ناقته صلى الله عليه وسلم ولها أسماء أخرى مثل " العضباء " و" الجدعاء " . وقيل : هي أسماء لنوق له صلى الله عليه وسلم . انظر " شرح مسلم للنووي . ( 15 ) من الإهلال وهو رفع الصوت بالتلبية يقال : أهل المحرم بالحج يهل إهلالا : إذا لبى ورفع صوته . كذا في النهاية . وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم حرم بالحج وحده لكن في حديث أنس وغيره في الصحيحين وغيرهما أنه صلى الله عليه وسلم أهل بالحج والعمرة معا وهو الصحيح كما بينه ابن القيم في " زاد المعاد " وساق فيه نحو عشرين حديثا عن نحو عشرين صحابيا أن النبي صلى الله عليه وسلم حج قارنا فليراجعه من شاء التوسع في التحقيق وقد فاته قول عائشة : " يا رسول الله أتنطلقون بحج وعمرة وأنطلق بحج " وهو عند البخاري وأحمد من حديث جابر نفسه وهو نص في المسألة . انظر الفقرة الآتية ( 111 ) . وعليه فجابر رضي الله عنه على علم بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان قارنا فكيف يخبر عنه أنه أهل بالحج وحده وأفرده . والجواب من وجهين : الأول : أن يحمل على أول الإحرام . وقبل نزوله صلى الله عليه وسلم في وادي العقيق الذي أمر فيه بالقران كما أخبر عمر رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بوادي العقيق : عمرة في ( وفي رواية : و) حجة " . رواه البخاري وغيره . وفي هذا بعد عندي لأن جابرا رضي الله عنه لم يتفرد برواية الإفراد عنه صلى الله عليه وسلم بل تابعه عليها جماعة من الأصحاب كالسيدة عائشة رضي الله عنها في الصحيحين وغيرهما وفي رواية لمسلم و" الموطأ " وابن سعد عنها بلفظ جابر الصريح : " أفرد الحج " ومن الصعب حينئذ الحمل المذكور لما فيه من نسبة عدم العلم إلى الأصحاب . ولذلك اختار الوجه الأول جماعة من العلماء كابن المنذر وابن حزم والقاضي عياض ورجحه الحافظ في " الفتح " . فمن شاء التوسع في التحقيق فليرجع إليه . وأما إعلال ابن القيم لرواية جابر هذه الصريحة يتفرد الداوردي بها فيرده أنه تابعه عبد العزيز بن أبي حازم عليها . أخرجها ابن سعد في " الطبقات " ( 2 / 1 / 179 ) . www.alalbani.info صفحة رقم -52- 13 - [ قال جابر : د مج هق ] : فنظرت إلى مد بصري [ من : دمي مج جا ] بين يديه من راكب وماش ( 16 ) وعن يمينه ______ ( 16 ) قال النووي ما مختصره : " فيه جواز الحج راكبا وماشيا وهو مجمع عليه واختلف في الأفضل منهما فقال جمهور العلماء : الركوب أفضل اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ولأنه أعون له على وظائف ومناسكه ولأنه أكثر نفقة وقال داود : ماشيا أفضل لمشقته وهذا فاسد لأن المشقة ليست " . ومنه تعلم جواز بل استحباب الحج راكبا في الطائرة خلافا لمن يظن العكس وأما حديث : " إن للحاج الراكب بكل خطوة تخطوها راحلته سبعين حسنة والماشي بكل خطوة يخطوها سبعمائة حسنة " فهو ضعيف لا تقوم به حجته وروي بلفظ : " للماشي أجر سبعين حجة وللراكب أجر ثلاثين حجة " وهو أشد ضعفا من الأول ومن شاء الاطلاع عليها فليراجع كتابنا " سلسلة الأحاديث الضعيفة " ( رقم 496 - 497 ) وقد صرح شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في " مناسك الحج " أن الحكمة في هذه المسألة تختلف باختلاف الناس " فمنهم من يكون حجه راكبا أفضل ومنهم من يكون حجه ماشيا أفضل " . قلت : ولعل هذا هو الأقرب إلى الصواب 

  صفحة رقم -53- مثل ذلك وعن يساره مثل ذلك ومن خلفه مثل ذلك ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا وعليه ينزل القرآن وهو يعرف تأويله وما عمل به من شيء عملنا به ( 17 ) . ______ ( 17 ) فيه إشارة لطيفة إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يبين للصحابة ما نزل عليه من القرآن وأنه هو وحده الذي يعرف تأويله وتفسيره حق المعرفة وأن غيره - حتى من الصحابة - لا يمكنه الاستغناء عن بيانه صلى الله عليه وسلم ولذلك كان الصحابة رضي الله عنهم في هذه الحجة - كغيرها من العبادات - يتتبعون خطاه فما عمل به من شيء عملوا به ففيه رد ظاهر على فريقين من الناس : أ - الصوفية الذين يستغني أحدهم عن سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهديه وبيانه بما يزعمونه من العلم اللدني يرمز إليه بعضهم بقوله : " حدثني قلبي عن ربي " بل زعم الشعراني في " الطبقات الكبرى " أن أحد شيوخه ( المجذوبين ) والذين يترضى هو عنهم كان يقرأ قرآنا غير قرآننا ويهدي ثواب تلاوته لأموات المسلمين . ب - طائفة يسمون أنفسهم ب " القرآنيين " والقرآن منهم بريء يزعمون أن لا حاجة بهم لفهم القرآن إلى سنة النبي عليه الصلاة والسلام ويكفي في ذلك المعرفة باللغة العربية وآدابها . مع أن هذا لم يكف جابرا وأصحابه ما عرفت لا سيما وهم عرب أقحاح نزل القرآن بلغتهم بينا هذه الطائفة كلهم أو جلهم من الأعاجم وكان من نتيجة زعمهم المذكور أن خرجوا عن الإسلام وجاؤوا بدين جديد فصلاتهم غير صلاتنا وحجهم غير حجنا وصومهم غير صومنا ولا أدري لعل توحيدهم غير توحيدنا وقد نبغ هؤلاء في الهند ثم سرت فنتهم إلى مصر وسوريا وكنت قرأت لهم كتابا باسم " الدين " ليس عليه اسم مؤلفه من قرأه عرف منه ضلالهم وخروجهم من الدين كفى الله المسلمين شر الفريقين .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق