7.{ خبر الواحد الصحيح وأثره في العمل والعقيدة رسائل في علوم الحديث علم الجرح والتعديل علم علل الحديث ودوره في حفظ السنة النبوية قاعدة في الجرح والتعديل قاعدة في المؤرخين كتابة الحديث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بين النهي والإذن كشف المغطا في فضل الموطا }
خبر الواحد الصحيح وأثره في العمل والعقيدة رسائل في علوم الحديث علم الجرح والتعديل علم علل الحديث ودوره في حفظ السنة النبوية قاعدة في الجرح والتعديل قاعدة في المؤرخين كتابة الحديث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بين النهي والإذن كشف المغطا في فضل الموطا خبر الواحد الصحيح وأثره في العمل والعقيدة الكتاب: خبر الواحد الصحيح وأثره في العمل والعقيدة المؤلف: نور الدين محمد عتر الحلبي الناشر: مجلة التراث العربي - مجلة فصلية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب، دمشق العددان: 11 - جمادى الآخر 1403 هـ، 12 - رمضان 1403 هـ عدد الأجزاء: 1 أعده للشاملة/ توفيق بن محمد القريشي [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] خبر الواحد الصحيح وأثره في العمل والعقيدة الدكتور نور الدين عتر. " مجلة التراث العربي " - مجلة فصلية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب - دمشق. العددان: 11 - جمادى الآخر 1403 هـ / نيسان (أبريل) السنة الثالثة و12 - رمضان 1403 هـ / تموز (يوليو) 1983 م. عدد الأجزاء: 1. - عدد الصفحات: 19. أعده للمكتبة الشاملة / توفيق بن محمد القريشي، - غفر الله له ولوالديه -. [ترقيم الكتاب موافق للأصل]. __
[تعليق معد الكتاب للمكتبة الشاملة]: ملاحظة: ذكر الدكتور نور الدين عتر - حفظه الله تعالى - الحواشي في صفحة 176 من المجلة، وقد أدرجت كل حاشية في الصفحة المناسبة لها تسهيلا على الباحث. (/) خبر الواحد الصحيح وأثره في العمل والعقيدة الدكتور نور الدين عتر وقع بين طوائف من الناس تطرف في حكم الحديث الأحادي الصحيح، وما يترتب على صحة الحديث من التزام، وذلك بسبب الغلو في المسألة قبولا أو تحفظا. فقد غلا بعضهم في قبول الحديث حتى بدوا لكثير ممن قرأ كلامهم وكأنهم لا يرون أحدا عاملا بالحديث غيرهم، وإن ثمة إيحاء في كلامهم بأن من أنكر حديثا صحيحا أو تأوله فقد استحق أن يحكم عليه بالخروج عن هذه الملة الحنيفية السمحة. وفرط بعض آخر في حق الحديث الآحادي الصحيح حتى صار كأنه لا يعني شيئا عنده، فإذا قيل له هذا واجب أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - أو سنة، أو ورد حديث يخبر بكذا بادر للقول: إنه خبر آحاد والعقيدة لا تثبت به عند العلماء؟! كذا. وقد درج هذا وذاك للأسف على لسان بعض الإسلاميين، ولعل بعضهم وهو كاتب أديب اجتماعي أثر أكثر من غيره في نشر هذه الفكرة الخاطئة عن حكم الحديث الآحادي الصحيح عند العلماء. وهذا التناقض في طرفي الإفراط والتفريط يشوش كثيرا من الناس، ويدعو أهل العلم والاختصاص في المسألة إلى بحث الموضوع بحثا يلقي الضوء ساطعا على هذه الاشتباهات، ليكون المثقف بصورة عامة والجامعي بصورة خاصة على بينة من الأمر، فيما يتعلق بحكم الحديث الآحادي الصحيح، وما يترتب عليه من الأحكام. وألفت النظر إلى أمر آخر في تقديم هذا البحث يرجع إلى الناحية العلمية الموضوعية بخصوص هذا العلم العظيم علم الحديث، ذلك الأمر هو إبراز دقة المنهج العلمي لأصول هذا العلم، دقة تعتز بها هذه الأمة، حيث اختصت من بين سائر الأمم بإبداع هذا المنهج الدقيق المتكامل في فحص النقول والروايات الذي هو منهج علم مصطلح الحديث، أو علم الحديث (1). __________
(1) وقد كان هناك من يظن هذه القواعد متفرقة لا ترتبط مع بعضها برباط التكامل، حتى تكلم بعض أهل الفرق المبتدعة طعنا على أهل الحديث، ثم جاء المستشرقون يدندنون حول هذا المنحى في العصور المتأخرة. وقد قمنا بدراسة هذا العلم دراسة مبتكرة على أسلوب منهجي جديد، أثبتنا فيه تكامل هذه القواعد وأنها تشكل نظرية نقدية متكاملة، تحيط بجميع ما يحتاج إليه البحث النقدي للروايات وتأخذ بزمام الحيطة والحذر. وذلك في كتابنا "منهج النقد في علوم الحديث"، وتوصلنا بذلك إلى بيان بطلان ما أورده الناقدون على منهج المحدثين، بإقامة الحجج والبراهين الدامغة على تلك الانتقادات. (1/158) إن الحديث الصحيح يعتبر نقطة الارتكاز التطبيقية الأولى لعلوم الحديث، لأنه يقع في الدرجة الأولى من غايات وضع هذا العلم بقواعده وفنونه الكثيرة المتشعبة التي تبلغ أصولها خمسة وثمانين نوعا. قال الشيخ عز الدين بن جماعة: «علم الحديث: علم بقوانين يعرف بها أحوال السند والمتن ... وغايته: معرفة الصحيح من غيره» (2). لذلك كان تصحيح الحديث تصحيحا علميا منهجيا من عمل الأئمة المتقنين، وجهابذة الحفاظ المتقدمين، خلافا لما يفعله كثير من العوام وأشباههم، يشهدون بالعلم والتقدم في هذا الفن لشخص لمجرد أن يقوم بنقد حديث أو تجريح راو .. ! ومن أجل تحقيق هذين الغرضين الكبيرين فسوف ندرس الحديث الصحيح دراسة مبتكرة، لا تقف عند الدراسة التقليدية لشرح كلمات تعريفه أو قانونه. بل نتجاوز لإبراز تطبيق نظريتنا في منهج النقد في علوم الحديث، وكيف أن شروط الحديث الصحيح قد اشتملت على دفع الخلل عن الحديث من كل جهاته، وفقا لهذه النظرية، كما سنوضحه في تعريف الحديث الصحيح. وهذا هو تعريف الحديث الصحيح نسوقه ثم نشرحه فيما يلي: الحديث الصحيح: «هو الحديث الذي اتصل سنده بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط إلى منتهاه، ولم يكن شاذا ولا معلا» (3). هذه العبارة أدق تعريف للحديث الصحيح، وللعلماء عبارات أخرى لا تخالف ما حوته هذه الجمل، في مضمونها، لكنها منتقدة شكلا من حيث صياغتها. وبالتأمل في هذا التعريف نجد أن للحديث الصحيح خمسة شروط لا بد أن تتوفر فيه كلها حتى يحكم له بالصحة، فإذا اختل واحد منها فليس الحديث بصحيح، وهذه الشروط الخمسة تتضمن أركان البحث النقدي التي سبق أن أشرنا إليها، ونبين لك ذلك فيما يلي: [شروط الحديث الصحيح]: (*) الشرط الأول: أن يكون كل واحد من رواة الحديث عدلا: أي متحليا بصفة العدالة. والعدالة خصلة تلزم صاحبها سبيل الاستقامة والصدق. لأنها كما عرفها العلماء: «ملكة تحمل صاحبها على التقوى واجتناب الأدناس وما يخل بالمروءة عند الناس». وتتضمن العدالة خصالا عدة كما هو ظاهر لمن تأمل في تعريفها، قد فصلها العلماء (4) وفرعوا أحكام العدالة في الرواية على هذه الخصال (5). ويجب أن يتنبه إلى أن العدالة لا تعني العصمة من الخطأ، لكن تستلزم تغلب عنصر الاستقامة بحيث لا يكاد يحيد عنه حتى يثوب ويرجع إليه، لذلك قالوا: من غلب نقصه على فضله وهب نقصه لفضله. الشرط الثاني: أن يكون الراوي ضابطا لما يرويه: وهذه الصفة تمنح الراوي القدرة على أن يروي الحديث كما سمعه. ويقسم المحدثون الضبط إلى قسمين: القسم الأول: ضبط صدر: ومعناه أن يحفظ الحديث عن ظهر قلب من حين سماعه إلى أن يؤديه، ويشترط فيه التيقظ لما يرويه، وألا يكون مغفلا، وإن كان حدث بالمعنى اشترط فيه مع ذلك أن يكون عالما بما يحيل المعاني. القسم الثاني: ضبط كتاب: ومعناه أن يعتمد الراوي في الرواية على وثائق كتب فيها الأحاديث التي تلقاها من شيوخه، ويشترط فيه أن يكون ضابطا لكتابه محافظا عليه أن تمتد إليه يد بالتبديل أو التغيير. __________ (2) " تدريب الراوي شرح تقريب النواوي " للسيوطي: ج1 ص 41. (3) انظر التعريف في مطلع كتاب " علوم الحديث " للإمام أبي عمرو ابن الصلاح. (4) منذ عصر الأولى كما نجده عند الشافعي في " الرسالة ": ص 370. (5) انظر على سبيل المثال " علوم الحديث " لابن الصلاح ص 94 و" شرح الألفية في علم الحديث " للحافظ عبد الرحيم بن الحسين العراقي: ج2 ص 2 - 8 وكتابنا " منهج النقد في علوم الحديث ": ص 79 وما بعد. ---------------------- [تعليق معد الكتاب للمكتبة الشاملة]: (*) هذا العنصر من وضعي أدرجته لتناسق البحث. (1/159) وللضبط مقياس دقيق وضعه العلماء، عولوا عليه في كشف مستوى حفظ الراوي للحديث، وهو كما لخصه الإمام ابن الصلاح (6): «أن نعتبر - أي نقايس - رواياته بروايات الثقات المعروفين بالضبط والإتقان، فإن وجدنا رواياته موافقة - ولو من حيث المعنى - لرواياتهم، أو موافقة لها في الأغلب والمخالفة نادرة، عرفنا حينئذ كونه ضابطا [ثبتا]، وإن وجدناه كثير المخالفة لهم، عرفنا اختلال ضبطه، ولم نحتج بحديثه». فإذا اجتمع في الراوي هذان الركنان: العدالة والضبط فهو حجة يلزم العمل بحديثه إذا استوفى الحديث بقية شروطه، ويطلق على الراوي حينئذ «ثقة». وذلك لأنه تحقق فيه الاتصاف بالصدق، وتحلى بقوة الحفظ الذي يمكنه من استحضار الحديث وأدائه كما سمعه، فتحقق أنه أدى الحديث كما سمعه فصار حجة، وإذا اختل فيه شيء من خصال الثقة كان مردود الحديث بحسب الاختلال الذي لحقه. وتحقيق هذين الشرطين في توثيق الراوي يستدعي استيفاء النظر فيه من جميع وجوه البحث في الرواة، وتتركز في وجهين يجمع كل واحد منهما عددا من علوم الحديث وقواعده: الوجه الأول: البحث في الراوي من حيث تحديد شخصه، أي بعبارة عصرنا تحصيل ما يسمى الآن بطاقة شخصية «تذكرة هوية» للراوي، وذلك من ناحيتين: - الأولى: ناحية اسم الراوي واسم أبيه وقبيلته ونسبته وتمييزه عما يشابهه في شيء من ذلك من أسماء الرواة، وذلك بدراسته في ضوء مجموعة علوم تدرس الرواة من هذه الناحية تبلغ ثلاثة عشر علما في أصولها، سميتها علوم أسماء الرواة. الناحية الثانية: تحديد شخص الراوي من حيث وجوده الزماني والمكاني، وذلك بمجموعة علوم نسميها "علوم الرواة التاريخية "، يبلغ عدد أصولها عشرة أنواع من العلوم. الوجه الثاني: البحث في الراوي من جهة العلوم التي تعرف بحاله من حيث القبول أو الرد. الشرط الثالث: الاتصال: أي اتصال السند: ومعناه أن يكون كل واحد من رواة الحديث قد تلقاه ممن فوقه من الرواة من أول السند حتى يبلغ التلقي قائله. وهذا الشرط يستدعي البحث من جهتين: الأولى: بحث السند من حيث الاتصال أو الانقطاع، فإذا كان متصلا بقانون أي نوع من أنواع الاتصال - وهي خمسة أنواع - كان مقبولا إذا ثبت استيفاؤه بقية الشروط، أما إذا كان منقطعا بموجب أي قانون من قوانين أنواع الانقطاع - وهي ستة أنواع - كان غير مقبول. الجهة الثانية: قوانين الرواية وهي خمسة أنواع من العلوم الحديثية، ولها صلة وثيقة بالاتصال لأن بعض طرق تحمل الحديث لا يعتبر الحديث به متصل السند، مثل الوجادة، كما أن المقبول منها درجاته متفاوتة، فضلا عن دلالة هذه العلوم على جانب التوثيق السابق فيما يتبين من تطبيق الراوي لها بدقة، أو تساهله فيها، وبيان مدى ذلك التساهل. الشرط الرابع: ألا يكون الحديث شاذا: الحديث الشاذ هو ما رواه الثقة مخالفا لمن هو أوثق منه بمزيد ضبط، أو كثرة عدد. وينقسم إلى قسمين: شاذ المتن، وشاذ السند. __________ (6) في كتاب " علوم الحديث ": ص 95، 96. (1/160) والسبب في اشتراط عدم الشذوذ أن الثقة إذا خالفه من هو أقوى منه كان ذلك دليلا على أن هذا الثقة قد وهم في رواية هذا الحديث. وقد يقال: ما فائدة هذا الشرط طالما أننا اشترطنا في الراوي أن يكون ضابطا؟. والجواب أن الضبط ملكة بالنسبة لجملة أحاديث الراوي، إلا أنه قد يحتمل أن يقع منه وهم في بعض ما يرويه، لذلك صرحوا بنفي الشذوذ. الشرط الخامس: ألا يكون الحديث معلا: والحديث المعلل هو الحديث الذي اطلع فيه على علة تقدح في صحة الحديث مع أن ظاهره السلامة منها. وهو على قسمين: معلل السند، ومعلل المتن. وهذا الشرط يفيد في خلو الحديث من أي وصف قادح في صحة الحديث يكون الحديث بحسب الظاهر سليما منه. وتعبيرنا بقولنا «ولا معلا» موافق لعبارة ابن الصلاح، وهو أصح وأدق من تعبير غيره بقوله: «من غير شذوذ ولا علة» وهو تعبير درج عليه بعض العصريين، وذلك لأن كلمة «علة» تطلق على نوعين، علة قادحة، وعلة غير قادحة كما هو مقرر في أصول الحديث، فلم يكن التعبير بـ «علة» صريحا في المراد، أما المعلل فلا يكون إلا متضمنا في باطنه وصفا قادحا في صحة الحديث. وهذان الشرطان الأخيران يستوجبان بحث الحديث من ناحية متنه على ضوء علوم المتن كلها، وذلك لأنه لا يمكن الحكم على المتن بالشذوذ أو الإعلال أو بسلامته منهما إلا بعد دراسته من جميع الوجوه، وقد تكفلت بذلك علوم المتن. كذلك يستوجب هذان الشرطان بحث الحديث من ناحية تفرد الراوي به أو عدم تفرده؛ وأنه قد تعدد رواته، وهل التعدد وقع من الرواة مع الاتفاق في المروي أو مع الاختلاف في المروي، وهو بحث يشترك فيه السند والمتن، وفيه ثلاث مجموعات من علوم الحديث هي: أولا: تفرد الراوي بأي نوع من أنواع التفرد. ثانيا: مجموعة علوم تعدد رواة الحديث مع اتفاقهم. ثالثا: مجموعة علوم تعدد رواة الحديث مع اختلافهم. وربما يتوهم بعض الناس الاكتفاء بالحديث المعلل عن المجموعة الثالثة وتضم عشرة أنواع من علوم الحديث، منها الحديث المعلل؟ لكن هذا ليس صحيحا، لأن أسباب القدح في الحديث المعلل كثيرة، تستنبط من الأنواع الأخرى لاختلاف الروايات سندا أو متنا، ويستعان بها للتوصل إلى إعلال الحديث. وهكذا اشتملت شروط الحديث الصحيح على اختبار الحديث سندا ومتنا من جميع جوانب البحث، واتضح بطلان ما وقع في كلام بعض المستشرقين من ادعائهم أن المحدثين ينظرون في نقدهم للحديث إلى الشكل فقط، فقد تبين من هذا البحث الموجز كيف احتاج الحكم بتصحيح الحديث إلى إعمال كل قواعد المصطلح، وأن هذه القواعد تعنى بدراسة المضمون «المتن» من جميع الجهات كما تعنى بدراسة السند أيضا. وقد أصبح هذا الشرح والفهم العميق الكلي للحديث الصحيح ميسرا بنتيجة ما وفقنا (1/161) إليه بفضل الله تعالى من التوصل إلى صياغة هذا العلم صياغة جديدة تدرس قواعده في شكل نظرية نقدية متكاملة، تتألف فيها أنواع علوم الحديث، وتدرس كل مجموعة من المجموعات التي سبق أن ذكرناها في باب مستقل بعد أن كانت مفرقة مختلطة ببعضها، وتنتقل بقواعد هذا العلم من التجزيء إلى التكامل، ومن المسائل المتفرقة التي قد يظن أنها وضعت دون غاية إلى النظرية المتناسقة التي تجلو دقة علم المصطلح وشموله، وقد أبرزنا ذلك ههنا في شرح تعريف الصحيح بإجمال يلقي ضوءا على الفكرة العامة لهذه النظرية، ويوضح في نفس الوقت دقة علماء الحديث في هذه الشروط التي جعلوها دليلا على صحة الحديث وأن رواته أدوه كما سمعوه. وذلك أن العدالة والضبط يحققان أداء الحديث كما سمع من قائله، واتصال السند على هذا الوصف، في الرواة يمنع اختلال ذلك في أثناء السند، وعدم الشذوذ يحقق ويؤكد ضبط هذا الحديث بعينه، وعدم الإعلال يدل على سلامته من القوادح الخفية بعد أن استدللنا بسائر الشروط على سلامته من القوادح الظاهرة، فكان الحديث بذلك صحيحا لتوفر عامل النقل الصحيح، واندفاع القوادح الظاهرة والخفية، فيحكم له بالصحة بالإجماع. تقسيم الخبر من حيث عدد رواته: يقسم المحدثون الخبر من حيث عدد رواته إلى أربعة أقسام: (7) 1 - الفرد المطلق، وهو الذي ليس له إلا راو واحد، ويسمى أيضا الغريب سندا ومتنا. 2 - العزيز، وهو ما رواه اثنان. 3 - المشهور: وهو ما رواه جمع محصور بثلاثة فأكثر ولم يبلغ درجة التواتر. 4 - المتواتر وهو الخبر الذي رواه جمع كثير يستحيل تواطؤهم على الكذب عن جمع مثلهم إلى نهاية السند، وكان مستندهم الحس. أما علماء أصول الفقه فيقسم الجمهور منهم الخبر إلى قسمين: القسم الأول: الخبر المتواتر: وقد عرفته. القسم الثاني: خبر الواحد أو الآحاد: وهو ما لم يبلغ درجة التواتر، فيشمل أنواع الفرد والعزيز والمشهور. وأضاف الحنفية قسما ثالثا هو المشهور، وهو عندهم الخبر الذي كان آحادي الأصل، متواترا في القرن الثاني والثالث مع قبول الأمة كما في " مسلم الثبوت ". قال في شرحه " فواتح الرحموت ": «وإن لم يكن كذلك فهو خبر الواحد» (8). وقد تسرع بعض العصريين في النقد لهذا التقسيم عند الحنفية، دون أن يرى لهم وجها أو عذرا، مما لا نتعرض له هنا، وسنرجع إليه في حينه إن شاء الله تعالى. وخبر الواحد الذي ذكرنا معناه ليس خاصا بالصحيح، بل هو مشترك بين الصحيح وغيره، وسنفرد البحث هنا لدراسة أثر خبر الآحاد الصحيح دراسة تشمل أثره في العمل أي الأحكام، وفي العلم أي العقيدة. ونبدأ أولا ببحث أثره في العمل، ثم نبحث أثره في العقيدة، فنقول وبالله التوفيق: __________ (7) " شرح نخبة الفكر " للحافظ ابن حجر العسقلاني ص 18 - 37 نسخة شرحه للقاري. (8) ج 2 ص111. (1/162) أثر خبر الآحاد الصحيح في العمل: قد ظهر لنا أن الحديث الصحيح - وهو هنا الذي لم يبلغ درجة التواتر- قد استوفى - متنا وسندا - شروطا تتحرى نفي كل أسباب الخلل عنه، من أي جهة كانت، مما يلزم النفس السليمة بأن تقبله وتلتزم العمل به. وذلك هو ما ذهب إليه جماهير العلماء من السلف والخلف، ومنهم الأئمة الأربعة وسائر فقهاء الأمصار، لم يشذ عن ذلك إلا نفر قليل جدا من أهل العلم في العصور السالفة ممن لم يكونوا أئمة في علوم الدين. قال الإمام السرخسي - رحمه الله - (9): «وقال بعض من لم يعتد بقوله: خبر الواحد لا يكون حجة في الدين أصلا» انتهى. وهذا القائل الذي أشار إليه السرخسي هو الجبائي من المعتزلة، وبعض أهل الابتداع الخارجين على السنة (10). واستدلوا بأدلة عديدة تدور كلها حول نقطة واحدة هي أن كل راو من رواة الخبر الآحادي غير معصوم عن الكذب، ولا عن الخطأ فيحتمل أن يكون هناك كذب في الحديث أو خطأ، فلا يجوز أن يكون مصدرا في الشرع، وأوردوا بناء على ذلك استدلالات من القرآن الكريم يشدون بها مذهبهم. وقد عرض أعلام أصول الفقه أدلتهم على بساط البحث، وناقشوها مناقشة علمية موضوعية دقيقة، أعرض للقارئ هذه الأدلة من كلام للإمام السرخسي الحنفي لما امتاز به عرضه من الاستكثار لهم من الأدلة مع الوضوح: قال الإمام السرخسي - رحمه الله تعالى -: استدلوا بقوله تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم} [الإسراء: 36]، وإذا كان خبر الواحد لا يوجب العلم لم يجز اتباعه والعمل به، بهذا الظاهر. وقال تعالى: {ولا تقولوا على الله إلا الحق} [النساء: 171]، وخبر الواحد إذا لم يكن معصوما عن الكذب محتمل للكذب والغلط، فلا يكون حقا على الإطلاق، ولا يجوز القول بإيجاب العمل به في الدين. وقال تعالى: {إلا من شهد بالحق وهم يعلمون} [الزخرف: 86]،وقال تعالى: {وإن الظن لا يغني من الحق شيئا} [النجم: 28]. ومعنى الصدق في خبر الواحد غير ثابت إلا بطريق الظن، ولأن خبر الواحد غير ثابت إلا بطريق الظن، ولأن خبر الواحد محتمل للصدق والكذب، والنص الذي هو محتمل لا يكون موجبا للعمل بنفسه مع أن كل واحد من المحتملين فيه يجوز أن يكون شرعا، فلأن لا يجوز العمل بما هو محتمل لكذب. والكذب باطل -أصلا - أولى» انتهى. وأود أن ألفت نظر القارئ إلى هذا الأسلوب العلمي الذي يعرض حجة المخالف وكأنها حجج كثيرة، حتى لربما اقتنع بها بعض القراء إذا لم يكن من أهل التأمل الناقد، وإن كانت هي في الواقع مغالطات ضعيفة يمكن الاستغناء عن الرد عليها، لولا ما نبغ في هذا الزمان العجيب من فئة قليلة معزولة عن المجتمع تخطت تحقيق أئمة العلم والدين، وأخذت سبيل التكلف والتوعر والشذوذ سبيلا لها، تستهوي بالإثارة العاطفية أغرار الشبان المتدينين تزعم لهم أنهم سيجدون الإسلام، وتلقنهم هذا المبدأ -فيما تلقنهم من شذوذ- مبدأ إنكار العمل بالحديث الصحيح، وإن كان معلم هذه الفكرة العصري لم يصل إلى أن يستند لدلائل كهذه التي ساقها علماؤنا -أجزل الله مثوبتهم- بدافع من أمانتهم العلمية، وإخلاصهم للحقيقة. ونحن نحذر هؤلاء من أنهم سينتهون بهذا الشذوذ إلى أفجع نتيجة من تجديدهم المزعوم، ألا وهي أن يأتوا بإسلام بلا سنة، أي بعبارة __________ (9) " أصول الفقه " للسرخسي: ج1 ص 321. (10) صرح بهم العلامة الأصولي المحقق محب الله بن عبد الشكور في " شرح مسلم الثبوت ": ج 2 ص 131. (1/163) أخرى أصرح: إسلام بلا دين إلا مجرد التسمية .. !!. ونبين فيما يلي الخطأ في هذه الاستدلالات، ثم نبين كيف اطرح هذا المذهب المخالف كل دلائل الشرع القطعية من الكتاب والسنة والإجماع، وخرقوا بداهة المنطق الذي تسير عليه الحياة. أما الخطأ في الاستدلال فيقول فيه الإمام الغزالي في " المستصفى ": (11) «وهذا باطل من أوجه: الأول: إنكارهم القول بخبر الواحد غير معلوم ببرهان قاطع، بل يجوز الخطأ فيه، فهو إذن حكم بغير علم. الثاني: إن وجوب العمل به معلوم بدليل قاطع من الإجماع فلا جهالة فيه. الثالث: أن المراد من الآيات منع الشاهد عن جزم الشهادة بما لم يبصر ولم يسمع، والفتوى بما لم يرو ولم ينقله العدول. الرابع: إن هذا لو دل على رد خبر الواحد لدل على رد شهادة الاثنين والأربعة والرجل والمرأتين والحكم باليمين، فكما علم بالنص في القرآن وجوب الحكم بهذه الأمور مع تجويز الكذب، فكذلك بالإخبار. الخامس: أنه يجب تحريم نصب الخلفاء والقضاة، لأنا لا نتيقن إيمانهم فضلا عن ورعهم، ولا نعلم طهارة إمام الصلاة عن الجنابة والحدث فليمتنع الاقتداء» انتهى. هذا رد للإمام الغزالي على مغالطات المنكرين للعمل بالخبر الآحادي الصحيح، وهو ظاهر في إبطال مستنداتهم، ونوضح ذلك بأسلوب آخر فنقول: أما ما ذكروه من عدم عصمة الراوي عن الكذب أو الخطأ فهو توهم ضعيف، لا يؤبه له بإزاء ما توفر من شروط العدالة والضبط والاتصال ثم تحري السلامة من الشذوذ والإعلال، ولو فتح باب رد الأدلة والقضايا الصحيحة بالأوهام على هذا النحو لما سلم للإنسان أمر قط في شأن من شؤون حياته، والنصوص التي أوردوها قد وضعوها في غير موضعها الصحيح، وصرفوها عن المعاني التي وردت لأجلها. وجملة ذلك أن الله تعالى نهى عباده المؤمنين أن يتبعوا ما لم يثبت عندهم بدليل مقبول في شريعة الله من نص شرعي أو برهان عقلي صحيح، وهذا معنى قوله: {ولا تقف ما ليس لك به علم} [الإسراء: 36]، وقوله: {ولا تقولوا على الله إلا الحق} [النساء: 171] ونحوهما من النصوص التي سبق أن ذكرت، ونعى القرآن على الكافرين تقليد آبائهم من غير برهان من الله، لكنهم اتبعوا الظنون أي الأوهام التي قامت في نفوسهم وتمكنت بعامل التقليد، فقال: {إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا} [النجم: 28]. وقد توفرت الأدلة اليقينية القطعية على وجوب العمل بخبر الواحد الصحيح، وهي أدلة من الكتاب والسنة والإجماع، كما نوضح فيما يلي: أ - دلالة القرآن على حجية خبر الواحد الصحيح: وذلك في مواضع عديدة، قال الإمام فخر الإسلام أبو الحسن البزدوي الحنفي في " أصوله " (12): «وهذا في كتاب الله أكثر من أن يحصى». وقد عني شارحه العلامة الأصولي عبد العزيز البخاري بالتوسع في إيرادها، مما لم يفعله غيره من الأصوليين، ونذكر طرفا مما ذكره فيما يلي: __________ (11) ج 1 ص 154 - 155. (12) ج 1 ص 692 بهامش شرحه " كشف الأسرار ". (1/164) 1 - قوله تعالى: {فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون} [التوبة: 122]. قال في " مسلم الثبوت " و" شرحه " (13): «فإن الحذر إنما يكون من الواجب، والكريمة دلت على الحذر فيكون الأخذ بمقتضى أخبار الطائفة واجبا، والطائفة من كل فرقة لا تبلغ مبلغ التواتر، بل الطائفة على ما قال ابن عباس - رضي الله عنه - تشمل الواحد والجماعة». 2 - قوله تعالى: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} [النحل: 43] و [الأنبياء: 7]. أمر الله تعالى في هذه الآية بسؤال أهل الذكر، ولم يفرق بين المجتهد وغيره، وسؤال المجتهد لغيره منحصر في طلب الإخبار بما سمع دون الفتوى، ولم لم يكن القبول واجبا لما كان السؤال واجبا (14). 3 - قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله} [النساء: 135]. «أمر بالقيام بالقسط والشهادة لله، ومن أخبر عن الرسول بما سمعه فقد قام بالقسط وشهد لله، وكان ذلك واجبا عليه بالأمر، وإنما يكون واجبا لو كان القبول واجبا، وإلا كان وجوب الشهادة كعدمها، وهو ممتنع» (15). ب - دلالة السنة: وهو أمر أشهر من أن يخفى لكثرة ما تواردت عليه الأحاديث في الوقائع التي لا تحصى كثرة كما صرح بذلك أئمة أهل العلم (16)، أذكر منها هذه الأحاديث مبينا تخريجها: 1 - «نضر الله امرءا سمع مقالتي فبلغها، فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه». وهذا حديث متواتر بلغ رواته من الصحابة نحو ثلاثين صحابيا، كما ذكر الإمام السيوطي في " تدريب الراوي " (17). وهو دليل جلي جدا على الموضوع، استدل به الإمام السرخسي الحنفي على وجوب قبول حديث الواحد الصحيح، قال يوجه استدلاله (18): «ثم أن من بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خليفته في التبليغ - يعني واجب الامتثال - فكل من سمع شيئا في أمر الدين فهو خليفته في التبليغ، مأمور من جهته بالبيان». يعني فيكون واجب القبول أيضا، فثبت بذلك وجوب العمل بخبر الواحد. 2 - حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - في تحريم الخمر: قال: « ... إني لقائم أسقيها أبا طلحة، وأبا أيوب، ورجالا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتنا إذ جاء رجل، فقال: هل بلغكم الخبر؟ قلنا: لا، قال: «فإن الخمر قد حرمت»، فقال أبو طلحة: يا أنس، أرق هذه القلال، قال: فما راجعوها، ولا سألوا عنها بعد خبر الرجل». متفق عليه. 3 - حديث عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إني رأيت الهلال - قال الحسن في حديثه - يعني هلال رمضان -، قال: «أتشهد أن لا إله إلا الله؟»، قال: نعم. قال: «أتشهد أن محمدا رسول الله؟»، قال: نعم، قال: «يا بلال، أذن في الناس أن صوموا غدا» أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي، وورد نحوه عن ابن عمر وأنس بن مالك وربعي بن حراش (19) وقد صحح العلماء ذلك. __________ (13) ج 2 ص 134. (14) " كشف الأسرار " لعبد العزيز البخاري: ج 1 ص 692. (15) نفس المكان. (16) البزدوي في كتابه " أصول الفقه "، وكذا غيره، وانظر مزيدا من سرد الأحاديث في " شرح البخاري " عليه: ج1 ص 693 - 694. (17) ج 2 ص179، وانظر " كشف الخفاء ومزيل الالباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس " للعجلوني: ج2 ص 441. (18) " أصول السرخسي ": ج1 ص 325. (19) انظر " توضيح الأفكار ": ج 2 ص 467. (1/165) وغير ذلك كثير لا نطيل به، فقد بلغ مبلغ التواتر المعنوي، فضلا عن تواتر الحديث الأول بنفسه كما بينا، نحيل القارئ للتوسع فيه إلى المراجع. ج - إجماع الصحابة: فقد تواتر عنهم العمل بخبر الواحد، حتى تركوا لأجله اجتهادهم. قال الإمام الغزالي في " المستصفى " (20): «تواتر واشتهر من عمل الصحابة بخبر الواحد في وقائع شتى لا تنحصر وإن لم تتواتر آحادها فيحصل العلم بمجموعها» أي أنها بمجموعها تبلغ درجة التواتر المعنوي، فتفيد بمجموعها العلم اليقيني القطعي. وقال العلامة المحقق محب الله بن عبد الشكور في كتابه "مسلم الثبوت" (21): «ثانيا إجماع الصحابة وفيهم علي، بدليل ما تواتر عنهم من الاحتجاج والعمل به في الوقائع التي لا تحصى من غير نكير، وذلك يوجب العلم عادة ... ». ومن أمثلة عمل الصحابة بخبر الواحد: 1 - عمل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بحديث عبد الرحمن بن عوف في قضية المجوس، وهم عبدة النار، حيث شهد عبد الرحمن بن عوف «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذها من مجوس هجر» يعني الجزية. فأخذ بذلك عمر. أخرجه " البخاري " وغيره (22). 2 - كذلك عمل عمر بن الخطاب في دية الجنين، كما رواه عنه ابن عباس - رضي الله عنهما -: أن عمر ناشد الناس في الجنين فقام حمل بن مالك بن النابغة فقال: كنت بين امرأتين فضربت إحداهما الأخرى [بمسطح] فقتلتها، وجنينها، «فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في [جنينها] بغرة عبد أو أمة وأن تقتل بها». أخرجه أصحاب السنن إلا الترمذي، وأخرجه ابن حبان في " صحيحه " والحاكم في " المستدرك " (23)، وأصله في " الصحيحين " من حديث أبي هريرة. فقد عمل الصحابة بحديث الواحد ولم يختلفوا في الاحتجاج بأخبار الآحاد، حتى تم إجماعهم على العمل بموجبها كما في الحديثين اللذين ذكرناهما، مما يدل على استقرار قضية العمل بخبر الواحد الصحيح لديهم، وأنها قضية مسلمة عندهم إجماعا. إشكال على عمل الصحابة بخبر الواحد: اعترض المخالفون على ما ذكرنا ببعض ما ورد من تحري الصحابة وتثبتهم، فجعلوه اعتراضا على دلائل إجماعهم على وجوب العمل بخبر الواحد، ولعل أشهر ذلك وأقواه هذان الحديثان: 1 - عن أبي سعيد الخدري، قال: كنت جالسا بالمدينة في مجالس الأنصار، فجاء أبو موسى فزعا له، فقالوا: ما أفزعك؟ قال: أمرني عمر أن آتيه، فأتيته، فاستأذنت ثلاثا فلم يؤذن لي، فرجعت، فقال: ما منعك أن تأتينا؟ فقلت: إني أتيت، فسلمت على بابك ثلاثا، فلم تردوا علي، فرجعت، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له، فليرجع». قال: لتأتيني على هذا بالبينة!. فقالوا: لا يقوم إلا أصغر القوم، فقام أبو سعيد معه فشهد له. فقال عمر لأبي موسى: «إني لم أتهمك ولكنه الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -». أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما (24). __________ (20) ج 1 ص 148. (21) ج 2 ص 132 من نسخة " شرحه " مع " المستصفى ". (22) " نصب الراية ": ج 3 ص 448. (23) " نصب الراية " للزيلعي: ج 4 ص384. (24) " فواتح الرحموت ": ج 2 ص133. (1/166) 2 - حديث عمر بن الخطاب وابنه عبد الله بن عمر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه». فقالت عائشة - رضي الله عنها -: رحم الله عمر، والله ما حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله ليعذب المؤمن ببكاء أهله عليه)؛ [ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال]: (إن الله ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه) وقالت: حسبكم القرآن {ولا تزر وازرة وزر أخرى} [الأنعام: 164]. متفق عليه. زاد مسلم: «إنكم لتحدثوني عن غير كاذبين، ولا مكذبين، ولكن السمع يخطئ». والجواب عن هذا: أنه ليس من إنكار خبر الواحد، لكن من باب التثبت والاحتياط لضبط الحديث، فهذا عمر - رضي الله عنه - يقول: «إني لم أتهمك ... » وحديث تعذيب الميت ببكاء أهله ردته عائشة - رضي الله عنها - اجتهادا منها كما هو ظاهر، لكن الحديث وارد في معنى صحيح يتحمل فيه الميت مسؤولية ذلك مثل أن يوصي أهله بالبكاء عليه كما كان يفعله أهل الجاهلية، يؤيد ذلك أن في رواية عمر - رضي الله عنه - لفظ الحديث: «ببعض بكاء أهله». فظهر بذلك أنه لا إشكال على حجية خبر الواحد الصحيح عند الصحابة الكرام. [د] دلالة العقل على حجية الواحد: وحقيقة ذلك أن الاحتجاج بخبر الواحد الصحيح أمر بدهي تقضي به الفطرة، لا يحتاج إلى كثير من الاستدلالات والبراهين، فما من إنسان إلا وهو يعول في إبرام شؤونه في العمل أو التجارة أو الدراسة أو غيرها على ما يخبره به واحد موثوق من الناس، حيث يقع في نفسه صدق المخبر، ويغلب على احتمال الغلط أو احتمال الكذب، بل إن الشؤون الكبرى في مصير الأمم يعتمد فيها على أخبار الآحاد المعتمدين، كالسفراء، أو المبعوثين من قبل الحكومات، فالتوقف عن قبول خبر الواحد يفضي إلى تعطيل الدين والدنيا. اشتباه ترك الفقيه للحديث: تردد في بعض الأبحاث نسبة ترك الحديث إلى الفقهاء، وربما عبر بعض الكاتبين بما لا يفهم حقيقة موقف الأئمة - رضوان الله عليهم -، بل إن بعضهم ربما صدر عنه مثل هذا لأنه لم يحتمل أن يرى عند أحد من الأئمة فهما أو استنباطا غير فهمه هو، وقد جازف بعضهم فزعم أن «الأحاديث التي خالفوا أوامره - صلى الله عليه وسلم - فيها التي لو تتبعها المتتبع لربما بلغت الألوف كما قال ابن حزم». هكذا بصيغة الألوف جمع الكثرة لا (الآلاف) جمع القلة. وهذا قول غريب جدا، فهل ترك أئمة الإسلام كل أحاديث الأحكام؟؟ ثم ها هي ذي مصادر تخريج أحاديث الأحكام التي هي موضوع نظر الفقهاء ليخبرونا كم بلغت فيها عدة هذه الأحاديث؟؟. إن القضية في واقع الأمر أن الإمام المجتهد قد يجد أمامه من الأدلة ما يجعله يقدم -على الدليل الذي بين يديه دليلا أقوى منه، أو يفهم منه معنى غير الذي أخذ به غيره أو استنبطه من النص. وأسرد لذلك ثلاثة أمثلة أشرح بها للأخوة القراء مواقف المجتهدين، فيتذكروا بذلك ما يجب تجاه أئمة هذا الدين، ولا يغتر أحد بما يردد من القيل حول هذه القضية من هجر الفقيه للحديث الصحيح، أو ادعاء أنه لم يطلع على الحديث. وهي أمثلة لفقهاء كبار من الصحابة والتابعين وأتباع التابعين. (1/167) المثال الأول: حديث فاطمة بنت قيس أن زوجها طلقها ثلاثا، فلم يجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لها سكنى ولا نفقة، قال عمر رضي الله عنه: «لا نترك كتاب الله وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم لقول امرأة، لا ندري لعلها حفظت، أو نسيت، لها السكنى والنفقة لها السكنى والنفقة، قال الله - عز وجل -: {لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة} [الطلاق: 1]» متفق عليه (25). فقد وجد عمر - رضي الله عنه - أن الأقوى هو الأخذ بنصوص القرآن والسنة التي تدل على وجوب النفقة والسكنى لكل مطلقة مدة العدة، ومن ذلك المطلقة ثلاثا، فقدم ذلك على حديث فاطمة بنت قيس ووافقه على ذلك كثير من الصحابة، وعمل بعض الصحابة بحديث فاطمة بنت قيس، لكن أحدا لم يتهم عمر - رضي الله عنه - بترك الحديث وعصيان أمر النبي - صلى الله عليه وسلم -. المثال الثاني: حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تصروا الإبل والغنم، فمن ابتاعها بعد فإنه بخير النظرين بعد أن يحتلبها: إن شاء أمسك، وإن شاء ردها وصاع تمر» متفق عليه (26). التصرية هي ربط أخلاف (أي أثداء) الناقة والشاة وترك حلبها حتى يجتمع لبنها فيكثر، فيظن المشتري أن ذلك عادتها، فنهى عن التصرية عند البيع لذلك. وقد ذهب الجمهور من العلماء إلى الأخذ بظاهر الحديث لمن اشترى شاة مصراة، إن شاء أمسكها، وإن شاء ردها وصاعا من تمر مقابل الحليب الذي احتلبه منها. وذهب أبو حنيفة وصاحبه محمد بن الحسن وعليه الفتوى عند الحنفية إلى أنه لا يرد البيع بعيب التصرية، بل يجب الأرش، وهو أن يدفع البائع للمشتري عوضا عن نقصان ثمن الشاة، الذي تبين له باكتشاف العيب أنها كانت مصراة. وقد اشتهر عن الحنفية أنهم قدموا القياس على الحديث الصحيح، والقياس رأي، ومعلوم أنه لا رأي في مقابل النص. والحقيقة أن لفظة قياس هنا أوهمت غير المراد، وإن استعملت في بعض كتب أصول الحنفية، فإن المراد بالقياس هو الأصل الشرعي الثابت بأدلة القرآن والسنة القطعية، التي توجب المساواة في العوض. مثل قوله تعالى: {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به} [النحل: 126]. وهذا عمل بالنص في الموضوع مدعما بأصول متفق عليها في المعاملات المالية (27)، نحو صنيع عمر - رضي الله عنه - في قصة فاطمة بنت قيس. المثال الثالث: ما أخرجه مالك عن نافع عن ابن عمر: ان النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يتفرقا، إلا بيع الخيار» وهو حديث متفق عليه، (28). وهذه السلسلة أصح الأسانيد وتسمى سلسلة الذهب، فقال الشافعي وأحمد بظاهر النص وهو تشريع الخيار بعد عقد البيع بعد أن يتفرق البيعان. وخالف الإمام مالك راوي الحديث بهذا السند الذي هو أصح الأسانيد وكذا الحنفية، وقالوا لهما الخيار بعد إيجاب أحدهما بقوله: «بعت» مثلا قبل قبول الآخر بقوله: «اشتريت». والسبب في ذلك أن القرآن أباح الانتفاع بالمبيع وبالثمن بمجرد العقد في قوله تعالى: {إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم} [النساء: 29] لم يقيده بما بعد المجلس، وكذلك ما قاله الإمام مالك نفسه في " الموطأ " فقال عقب رواية الحديث: «وليس لهذا عندنا حد معروف، ولا أمر معمول به فيه». __________ (25) انظر كتابنا " منهج النقد في علوم الحديث ": ص 53، 54. وتنبه إلى أن لفظة «صدقت أم كذبت» لا أصل لها في رواية الحديث. (26) انظر دراسة الحديث من كتابنا " دراسات تطبيقية في الحديث النبوي " - المعاملات -: ص 137 - 141. (27) انظر التفصيل في كتابنا " دراسات تطبيقية "، وقد وضحنا هناك ميلنا مع الجمهور، ونبين هنا دفع الطعن عن الحنفية ومن وافقهم في أصل الفكرة مثل الزيدية وغيرهم. (28) انظر تخريج الحديث ودراسته في كتابنا " دراسات تطبيقية ": ص 157 - 160. (1/168) وحاصله أنه لم يدر كم يستمر المجلس، فلو توقف الملك على التفرق لأدى إلى الغرر، وقد ثبت تحريم بيع الغرر بالسنن الصحيحة والإجماع. لذلك قالوا: إن المراد من الحديث إلا أن يتفرقا بأقوالهما، وذلك بأن يتم الإيجاب والقبول، ولفظ الحديث يتحمل هذا المعنى فعملوا بالحديث عليه للأدلة التي عرفتها، وهذا لا يجوز أن يجعل تركا للسنة النبوية. أثر الخبر الآحادي الصحيح في العقيدة: نمهد لهذا البحث ببيان مراتب العلم الذي يستفاد من الدليل المعمول به في الشريعة: وهي ثلاث مراتب: 1 - العلم اليقيني القطعي: وهو ما ثبت بالأدلة القطعية اليقينية، كنص القرآن الكريم والحديث المتواتر، والحكم العقلي الذي لا يقبل ردا، لكونه من المسلمات، مثل: «الثلاثة أكثر من الاثنين»، وكون «الاثنين نصف الأربعة». وهذا النوع يعرفه كل متعقل، ولو لم يكن من أهل الاختصاص العلمي في المسألة. والدليل الذي يثبت هذا العلم يجب قبوله والاعتقاد به ويكفر جاحده، لأنه لفرط ظهور قطعيته صار من المسلمات المقطوع بها. وصارت الوسائط كأن لم تكن، وصار المطلع عليه كالسامع من النبي نفسه سواء بسواء، فيكون منكره مكذبا بالنبي - صلى الله عليه وسلم -. 2 - العلم النظري: وهو علم يقيني، لكن ليس ضروريا، أي ليس ظاهرا لكل أحد، إنما هو علم نظري استدلالي، لا يحصل إلا للعالم المتبحر في العلم، لتبحر الباحث في علم الحديث وفي أحوال الرواة والعلل ... 3 - علم غلبة الظن، والمراد بها: إدراك رجحان صدق القضية ووقوع ذلك في القلب موقع القبول، وذلك في كل قضية دل دليل صحيح على ثبوتها، لكن بقي احتمال مغلوب بعدم الثبوت، لم يقطع الدليل ذلك الاحتمال، فهذا الاحتمال لا يمنع من القبول، وربما يظنه بعض الناس ولا سيما العوام يقينا، لعدم تفريقهم بين الأمرين، وإنما هو علم قائم على الشعور القوي بصحة القضية، وهذا يجب العمل به والأخذ بمقتضاه في الأحكام، كما أوضحنا فيما سبق، وهو في الواقع نوع من العلم، كما قال بعض الأصوليين. إنه إدراك الطرف الراجح. وهو ملزم أيضا، لكن العلماء نبهوا على هذا الاحتمال الضعيف الذي في هذا النوع والذي لا يلتفت إليه، ليأخذ حكمه المناسب، بإزاء المرتبتين السابقتين. بعد هذا البيان لمراتب العلم فإني أرى أيضا استكمال التمهيد بأن أقسم خبر الواحد الصحيح إلى قسمين: القسم الأول: خبر الواحد الصحيح من حيث هو. أي لم تحتف به قرائن تقويه. القسم الثاني: خبر الواحد الصحيح الذي احتف بقرائن تقويه، وترتفع به عن غلبة الظن. وهذا التمهيد في الواقع مهم جدا لتسهيل فهم البحث على القارئ ووضوح الرؤية فيه، كي لا يتوهم من البحث ما لا يقصد من سياق العبارات. عبارات موهمة في أثر الحديث الصحيح: وقع في بعض النشرات التي صدرت في بيان حكم الحديث الصحيح عبارات موهمة، تحتاج إلى تحرير المراد منها، نسوق للقارئ بعض النماذج منها فيما يلي: (1/169) 1 - «فكما كان لا يجوز للصحابي مثلا أن يرد حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا كان في العقيدة بحجة أنه خبر آحاد سمعه عن صحابي مثله عنه - صلى الله عليه وسلم -، فكذلك لا يجوز لمن بعده أن يرده بالحجة نفسها ما دام أن المخبر به ثقة عنده، وهكذا ينبغي أن يستمر الأمر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وقد كان الأمر كذلك في عهد التابعين والأئمة المجتهدين، كما سيأتي النص بذلك عن الإمام الشافعي - رحمه الله - تعالى. ثم خلف من بعدهم خلف أضاعوا السنة النبوية وأهملوها، بسبب أصول تبناها بعض علماء الكلام وقواعد زعمها بعض علماء الأصول والفقهاء المقلدين». 2 - «إن القائلين بأن حديث الآحاد لا تثبت به عقيدة يقولون في الوقت نفسه بأن الأحكام الشرعية تثبت بحديث الآحاد، وهم بهذا قد فرقوا بين العقائد والأحكام ... ». 3 - «لقد عرضت لهم شبهة ثم صارت لديهم عقيدة! وهي أن حديث الآحاد لا يفيد إلا الظن، ويعنون به الظن الراجح طبعا، والظن الراجح يجب العمل به في الأحكام، اتفاقا ولا يجوز الأخذ به عندهم في الأخبار الغيبية، والمسائل العلمية، وهي المراد بالعقيدة». 4 - ذكروا تحت عنوان: فساد قياس الخبر الشرعي على الأخبار الأخرى في إفادة العلم: قال ابن القيم - رحمه الله تعالى - (2/ 368): «وإنما أتي منكر إفادة خبر الواحد للعلم من جهة القياس الفاسد، فإنه قاس المخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرع عام للأمة أو بصفة من صفات الرب تعالى على خبر الشاهد على قضية معينة، ويا بعد ما بينهما! فإن المخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو قدر أنه كذب عمدا أو خطأ، ولم يظهر ما يدل على كذبه لزم على ذلك إضلال الخلق، إذ الكلام في الخبر الذي تلقته الأمة بالقبول وعملت [بموجبه]». 5 - سبق قبل هذا قولهم: «والحق الذي نراه ونعتقده أن كل حديث أحادي صحيح تلقته الأمة بالقبول من غير نكير منها عليه أو طعن فيه، فإنه يفيد العلم واليقين، سواء كان في أحد " الصحيحين " أو في غيرهما». 6 - وفي نشرة أخرى يقولون: «إن دعوى اتفاق الأصوليين على ذلك القول دعوى باطلة، وجرأة زائدة، فإن الاختلاف معروف في كتب الأصول وغيرها، وقد نص على أن خبر الواحد يفيد العلم الإمام مالك والشافعي وأصحاب أبي حنيفة وداود بن علي وأصحابه كابن حزم ... ». 7 - نقلوا عن الشيخ أبي اسحاق الشيرازي من فقهاء الشافعية قوله: «وخبر الواحد إذا تلقته الأمة بالقبول يوجب العلم والعمل، سواء عمل به الكل أو البعض». ونقلوا قول القاضي أبي يعلى الحنبلي: «خبر الواحد يوجب العلم إذا صح سنده، ولم تختلف الرواية فيه، وتلقته الأمة بالقبول، وأصحابنا يطلقون القول فيه وأنه يوجب العلم وإن لم تتلقه الأمة بالقبول». قال: «والمذهب على ما حكيت لا غير». ففي هذه العبارات إيهامات لغير الحق منها: 1 - إيهام أن المتأخرين من علماء المذاهب لم يأخذوا بالحديث الآحادي الصحيح في العقائد، كما قد يفهم من العبارتين رقم / 1 و 2/ وأنهم خالفوا مذاهب أئمتهم، في هذا الأمر، وأسلوب العبارة قد يؤخذ منه (1/170) التعميم، كما أنه لم يميز بين ما احتف بالقرائن وبين ما لم يحتف، ولم يوضح الوجه الذي حصل به عدم أخذهم بالحديث الصحيح الآحادي في العقائد؟! 2 - يؤخذ من العبارات عدم التمييز بين الخبر الآحادي الصحيح المحتف بالقرائن وبين المجرد عنها، حيث يذكر كلام العلماء في أن الخبر المحتف بالقرائن يفيد العلم ويجعل هذا شاهدا على إفادة الحديث الصحيح للعلم بتعبير مطلق لم يقيده بأنه محتف بالقرائن، كما يلاحظ أن التقديم الملخص لفكرة النشر التي نناقشها، يذكر اختيار إفادة الحديث الصحيح المتلقى بالقبول عند الأمة للعلم، ومضمون النشرة تارة يتقيد بذلك وتارة لا يتقيد وهو الأكثر. 3 - في العبارة رقم /6/ ينسب القول بإفادة الخبر الآحادي العلم إلى الشافعي ومالك وأصحاب أبي حنيفة، دون تقييد بكونه تلقته الأمة بالقبول، بينما كلام الإمام الشيرازي الشافعي واضح بأن هذا الحكم إنما هو للحديث الذي تلقته الأمة بالقبول، وكذلك صرح أبو يعلى الحنبلي بأن على هذا أيضا المذهب أي مذهب الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - تعالى. ونحرر فيما يلي البحث في هذه النواحي، بتحقيق يضع كل جزئية في موضعها الصحيح إن شاء الله تعالى: أثر الخبر الصحيح المجرد في العقيدة: المعروف أن الخبر الآحادي الصحيح الذي لم تتلقه الأمة بالقبول، ولم يحتف بقرائن تقويه لا يفيد العلم اليقيني، بل يفيد علم غلبة الظن، وهذا هو مذهب الأئمة الأربعة وجماهير علماء أصول الفقه، وعباراتهم في ذلك أكثر من أن تحصر. وذهب ابن حزم وبعض أهل الحديث إلى أنه يفيد العلم، ونسب ذلك الباجي إلى الإمام أحمد، وابن خويز منداد للإمام مالك. لكن في هذه النسبة إشكال: فقد رأيت من كلام القاضي أبي يعلى الجزم بأن مذهب الإمام أحمد إنما هو في إفادة الخبر المتلقى بالقبول للعلم، خلافا لمن لم يقيده بذلك، وكذلك نازع المازري ابن خويز منداد فيما نسبه لمالك (29)، وكتب أصول الفقه المالكي واضحة في اتجاه المازري. وقد استنكر الأصوليون أصل هذا المذهب، وأولوا ما عزي منه للأئمة؛ قال الإمام الغزالي (30): «خبر الواحد لا يفيد العلم، وهو معلوم بالضرورة فإنا لا نصدق بكل ما نسمع، ولو صدقنا وقدرنا تعارض خبرين فكيف نصدق بالضدين وما حكي عن المحدثين من أن ذلك يوجب العلم فلعلهم أرادوا أنه يفيد العلم بوجوب العمل؛ إذ يسمى الظن علما». أي لكن لا يراد به المعنى الاصطلاحي الذي شرحناه من قبل. فالحقيقة أن مستقر هذه الفكرة هو مذهب الظاهرية، وقد قال بها بعض العصريين ورجحها تبعا لميله إلى ابن حزم الظاهري. وليس مراد الجمهور من قولهم: «لا يفيد العلم» أنه لا يلزم تصديقه كما قد يتوهم، بل مرادهم أنه ليس بمنزلة المتواتر لأن المتواتر يفيد علما قاطعا يقينيا لا يخطر في البال وجود أي احتمال للخطأ فيه، مهما كان الاحتمال ضعيفا، مثل واحد من مليون. أما خبر الواحد فيفيد الصدق والقبول، لكن يقع في ذهن الباحث العالم أنه قد يحتمل وقوع الخطأ أو الكذب فيه، لما سبق أن الثقة ليس معصوما من الذنب، وليس وصفه بالضبط يعني أنه لا يخطئ، بل يعتبر ثقة إذا كانت أوهامه __________ (29) " تدريب الراوي ": ج 1 ص 75. (30) " المستصفى ": ج 1 ص 145. وانظر " شرح مسلم الثبوت ": ج 2 ص 121. (1/171) نادرة. فالاحتمال موجود في تصور العقل، لكنه بعيد لغلبة صدق الراوي وأمانته وضبطه للحديث، فكان من منهج العلماء العلمي الدقيق التنبيه على مثل هذا الفرق، لوضع كل شيء في موضعه الذي هو عليه، وإن كان مثل هذا قد يخفى على كثير من الناس، ولا سيما العوام، بل إن عامة الناس، بل بعض أهل العلم الذين لم يمهروا في تطبيق أصول هذا الفن قد يكتفي بتدين الشخص عن اتصافه بالضبط، يقول أحدهم: «حدثني فلان وهو رجل صدوق لو قطعت عنقه لم يكذب!». أما المحدث فلا يكتفي بذلك لقبول خبره، حتى يتثبت من ضبطه. لكن ليس معنى هذا أنه لا يجب التصديق بخبر الواحد الصحيح، كلا، ثم كلا، بل قد قرر العلماء من كل المذاهب لزوم الاعتقاد بالخبر الآحادي الصحيح، كما قرروا وجوب العمل به أيضا، ولم يفرقوا بين الأمرين كما قد يظن. يقول الإمام السرخسي الحنفي - رحمه الله - بعد بيان نحو ما قدمناه (31): «فأما الآثار المروية في عذاب القبر ونحوها فبعضها مشهورة وبعضها آحاد، وهي توجب عقد القلب عليه، والابتلاء بعقد القلب على الشيء بمنزلة الابتلاء بالعمل به أو أهم ... ». وقال الإمام البزدوي في " أصوله " (32): «فأما الآحاد في أحكام الآخرة فمن ذلك ما هو مشهور ومن ذلك ما هو دونه، لكنه يوجب ضربا من العلم على ما قلنا، وفيه ضرب من العمل أيضا، وهو عقد القلب .. ». وقال الإمام الشافعي - رضي الله تعالى عنه - في " الرسالة " (33): «أما ما كان نص كتاب بين أو سنة مجتمع عليها فالعذر فيها مقطوع، ولا يسع الشك في واحد منهما، ومن امتنع من قبوله استتيب. فأما ما كان من سنة من خبر الخاصة الذي قد يختلف الخبر فيه فيكون الخبر محتملا للتأويل وجاء الخبر فيه من طريق الانفراد، فالحجة فيه عندي أن يلزم العالمين حتى لا يكون لهم رد ما كان منصوصا منه، كما يلزمهم أن يقبلوا شهادة العدول، لا أن ذلك إحاطة كما يكون نص الكتاب وخبر العامة عن رسول الله. ولو شك في هذا شاك لم نقل له: تب، وقلنا: ليس لك إن كنت عالما أن تشك، كما ليس لك إلا أن تقضي بشهادة الشهود العدول، وإن أمكن فيهم الغلط، ولكن تقضي بذلك على الظاهر من صدقهم، والله ولي ما غاب عنك منهم». انتهى. وغير ذلك كثير لا نطيل به من نقل كلام الأئمة وغيرهم - رضي الله عنهم -، يدل على أنهم ألزموا قبول خبر الواحد الصحيح في الاعتقاد والعمل، ولم يفرقوا بينهما في حكم اللزوم هذا. نعم إنهم فرقوا في هذا الموضوع تفريقا آخر، هو التفريق في بعض النتائج بين خبر الواحد الصحيح وبين الخبر المتواتر. وهذا الفرق هو أنهم قالوا: من أنكر مسالة فكرية وردت في خبر آحادي صحيح فإنه لا يحل له ذلك ويأثم، لكنه لا يكفر، أما إذا جحد ما ثبت بالتواتر القطعي أو بنص القرآن القطعي فإنه يكفر عياذا بالله تعالى. والسبب في ذلك ما ذكرناه أن إنكار النص اليقيني القطعي يعني التكذيب بالشارع لا محالة، أما إنكار الخبر الآحادي ففيه شبهة احتمال الإنكار على الرواة، وشبهة خطئهم، لما عرفنا أن رواة الخبر الصحيح غير __________ (31) ج 1 ص 329، 330. (32) ج 1 ص 696. (33) ص 460، 461. (1/172) معصومين من الخطأ والكذب، وإن كان ذلك مستبعدا كما ذكرنا، لكن ذلك أورث شبهة منعت من الحكم عليه بالكفر. وكلام الإمام الشافعي الذي ذكرناه واضح في هذا الحكم قال: «ولو شك في هذا شاك لم نقل له تب، وقلنا: ليس لك إن كنت عالما أن تشك كما ليس لك إلا أن تقضي بشهادة الشهود العدول، وإن أمكن فيهم الغلط، ولكن تقضي بذلك على الظاهر من صدقهم، والله ولي ما غاب عنك منهم». وقال الإمام صدر الشريعة في كتاب " التوضيح " في أصول الحنفية: «والواجب لازم عملا، لا علما، فلا يكفر جاحده، بل يفسق إن استخف بأخبار الآحاد الغير المؤولة، وأما مؤولا فلا». ومعنى قوله مستخفا أي بغير حجة على الإنكار، بدليل مقابلته بالمتأول. أما المستخف حقيقة فحكمه أشد. وبهذا تكون قضية الخبر الآحادي الصحيح المجرد عن القرائن قد استكملت بيانها بما فيه الكفاية حسب مقتضى هذا المقام هنا إن شاء الله تعالى. أثر الحديث الصحيح المحتف بالقرائن في العقيدة: إذا كان التصديق يلزم بالحديث الصحيح الآحادي المجرد عن القرائن المقوية له، فإن من الأولى إلزام الاعتقاد بالحديث الصحيح المحتف بقرائن تجعله يفيد العلم النظري. لكن هل يبلغ خبر الآحاد قوة إفادة العلم بالقرائن، أو لا يمكن أن يبلغ ذلك المبلغ: يرى الإمام الغزالي أن القرائن قد ترقى بالخبر الصحيح إلى إفادة العلم، ويقول في ذلك (34): «ومجرد القرائن أيضا قد يورث العلم، وإن لم يكن فيه إخبار؛ فلا يبعد أن تنضم القرائن إلى الأخبار فيقوم بعض القرائن مقام بعض العدد من المخبرين، ولا ينكشف هذا إلا بمعرفة معنى القرائن وكيفية دلالتها، فنقول: لا شك في أنا نعرف أمورا ليست محسوسة، إذ نعرف من غيرنا حبه لإنسان وبغضه له وخوفه منه وغضبه وخجله، وهذه أحوال في نفس المحب والمبغض لا يتعلق الحس بها قد تدل عليها دلالات آحادها ليست قطعية، بل يتطرق إليها الاحتمال، ولكن تميل النفس بها إلى اعتقاد ضعيف. ثم الثاني والثالث يؤكد ذلك، ولو أفردت آحادها لتطرق إليها الاحتمال، ولكن يحصل القطع باجتماعها». ويقول الغزالي أيضا (35): «وكل دلالة شاهدة يتطرق إليها الاحتمال كقول كل مخبر على حياله، وينشأ من الاجتماع العلم، وكأن هذا مدرك سادس من مدارك العلم سوى ما ذكرناه في المقدمة من الأوليات والمحسوسات والمشاهدات الباطنة والتجريبات والمتواترات فيلحق هذا بها. وإذا كان هذا غير منكر فلا يبعد أن يحصل التصديق بقول عدد ناقص عند انضمام قرائن إليه لو تجرد عن القرائن لم يفد العلم، فإنه إذا أخبر خمسة أو ستة عن موت إنسان لا يحصل العلم بصدقهم، لكن إذا انضم إليه خروج والد الميت من الدار حاسر الرأس حافي الرجل ممزق الثياب مضطرب الحال يصفق وجهه ورأسه وهو رجل كبير ذو منصب ومروءة لا يخالف عادته ومروءته [إلا عن ضرورة فيجوز أن يكون قرينة تنضم إلى قول أولئك فتقوم في التأثير مقام بقية العدد] (*) والتجربة تدل عليه ... ». __________ (34) " المستصفى ": ج 1 ص 135. (35) ص136، لكن الغزالي يتوقف عن إفادة الخبر الآحادي الفرد للعلم، كما هو صريح كلامه بعد هذا. ---------------------- [تعليق معد الكتاب للمكتبة الشاملة]: (*) ما بين [ ..... ] لم أجده في " المستصفى " للإمام الغزالي. (1/173) وخالف في أصل المسألة صاحبا " مسلم الثبوت " وشرحه " فواتح الرحموت " من الحنفية، وقالا: إنه لا يفيد العلم، وفي " المسلم " و" شرحه " مناقشة مطولة متسلسلة حول هذه القضية، يمكن أن تتبلور فكرتها أمام القارئ بهذا النقاش الموجز نسوقه من المتن والشرح (36): «إن دلت القرينة على تحقق مضمون الخبر قطعا، كالعلم بخجل الخجل ووجل الوجل الحاصلين من مشاهدة الحمرة والصفرة، فالعلم بها أي بالقرينة دون الخبر، وإن دلت القرينة عليه ظنا، والخبر يدل على تحقق مضمونه أيضا يدل ظنا، فمن الظنين الحاصل أحدهما بالقرينة والآخر بالخبر لا يلزم العلم ضرورة». انتهى. وفي رأيي أن التحقيق والتدقيق في مناقشات الفريقين يؤدي إلى أن الخلاف بينهم في هذه القضية ليس خلافا حقيقيا، بل هو خلاف لفظي، لأن الذي ينفيه دليل المانعين في شقه الأول هو إفادة خبر الآحاد العلم بنفسه، وهذا لا يمنع إفادة العلم بالمجموع، وهو المطلوب، والذي ينفيه دليل المانعين في شقه الثاني هو لزوم إفادة مجموع الخبر والقرائن العلم ضرورة، وليس هذا هو المدعى، إنما المدعى إمكان إفادة العلم النظري، فإذا تحقق هذا الإمكان، فما المانع من الأخذ به عند تحقيقه؟. الفرق بين العلم القطعي والعلم النظري: وهذا العلم هو علم نظري استدلالي يقيني، لكنه ليس كالعلم الضروري القطعي الذي يفيده الخبر المتواتر، بل إن هناك فرقا بينهما ذكره علماء الأصول وعلماء الحديث: يقول الإمام الغزالي (37): «النظري هو الذي يجوز أن يعرض فيه الشك، وتختلف فيه [الأحوال] فيعلمه بعض الناس دون بعض [ولا يعلمه النساء والصبيان] ومن ليس من أهل النظر ولا يعلمه من ترك النظر قصدا، وكل علم نظري فالعالم به قد يجد نفسه [فيه] شاكا ثم طالبا». ويقول الحافظ ابن حجر في " شرح النخبة " (38): «وهذه الأنواع التي ذكرناها لا يحصل العلم بصدق الخبر منها إلا للعالم بالحديث المتبحر فيه العارف بأحوال الرواة المطلع على العلل. وكون غيره لا يحصل له العلم بصدق ذلك لقصوره عن الأوصاف المذكورة لا ينفي حصول العلم للمتبحر المذكور». حكم العلم النظري: ولما كان العلم النظري مختلفا عن العلم القطعي الضروري هذا الاختلاف، فقد اختلف حكم الخبر الذي ترقى بالقرائن لإفادة العلم النظري عن الحديث المتواتر، من أوجه نذكر منها: 1 - أن الحكم على الحديث إذا بلغ إفادة القطع يختلف من شخص إلى آخر، لأن القضية قضية بحث، وما يكون كافيا عند بعض أهل العلم قد لا يكفي عند غيره، فلا يجوز الإنكار فيه على من لم يجد البحث كافيا لإثبات أن الدليل الفلاني بعينه لا يبلغ درجة العلم. 2 - أن من أنكر قضية ثابتة بدليل يفيد العلم النظري يأثم، بل يضلل عياذا بالله تعالى، وهو حكم أشد من حكم المنكر للخبر الآحادي المجرد، لكنه لا يكفر اتفاقا. قال العلامة محب الله بن عبد الشكور في الكلام على الحديث المشهور (39): «وجعله الجصاص قسما من المتواتر مفيدا للعلم نظرا، والاتفاق على أن جاحده لا يكفر، بل يضلل». قال المحقق عبد العلي الأنصاري في " شرحه " يعلق على قوله: «جاحده لا يكفر» -: __________ (36) ج 2 ص 121. (37) " المستصفى ": ج 1 ص 132، 133. (38) " نسخة شرح الشرح ": للقاري ص 46. (39) في " مسلم الثبوت ":ج 2 ص 11، 112. (1/174) «أما عند غير الشيخ أبي بكر الجصاص فظاهر، وأما عنده فلأن قطعيته نظرية، فقد دخل في حيز الإشكال، وما قيل إنه لم يبق على هذا ثمرة للخلاف، ففيه أن الثمرة عنده لما كان قطعيا يعارض الكتاب وينسخه جميع أنحاء النسخ، بخلاف الجمهور ... ». ومن هنا نفهم المراد من إطلاق عبارات بعض الأصوليين حين يقولون: «خبر الواحد لا يفيد العلم». وقول بعضهم: «لا تثبت به العقيدة» فإن مرادهم أن خبر الواحد لا يفيد العلم اليقيني القطعي الذي يفيده نص القرآن والخبر المتواتر القطعي، إنما يفيد مع القرائن العلم النظري، وإنه بالتالي لا تثبت به العقيدة أي التي هي فرض مثل أركان الإيمان في أنه يكفر جاحدها، لكن يجب الاعتقاد به قولا واحدا كما ذكرنا من قبل، ويضلل منكره. أنواع من الحديث تفيد العلم النظري: وفي الختام نذكر للقارئ أنواعا من حديث الآحاد الذي يفيد العلم النظري لاحتفافه بالقرائن: 1 - الخبر الذي تلقته الأمة بالقبول، كما مر في أكثر من موضع. وألحق به الإمام أبو بكر الجصاص الحنفي الخبر المشهور كما ذكرنا، وذلك بمعنى الشهرة عند الحنفية. واستدل لرأيه باستحالة أن تتفق عليه الأمة ويكون خطأ لأنه يصير مجمعا عليه (40)، وغيره من الحنفية يقولون إنه يفيد علم الطمأنينة بسبب هذا التواتر والتلقي، وهذا قريب جدا من القول بأنه يفيد العلم النظري، لأنهم قالوا إنه قد يعرض فيه الشك كما سبق. ومن هنا نجد للحنفية مستمسكا بجعل المشهور قسما منفردا، لأنه استقل بهذه المزية في قوة الاحتجاج. 2 - المشهور عند علماء الحديث، وقد سبق تعريفه، وذلك إذا كانت له طرق متباينة سالمة من ضعف الرواة والعلل. 3 - المسلسل بالأئمة الحفاظ المتقنين حيث لا يكون غريبا، مثل حديث مالك عن نافع عن ابن عمر، وهي سلسلة الذهب. فإنه يفيد العلم عند سامعه بالاستدلال من جهة جلالة رواته، بما يقوم مقام العدد الكثير من غيرهم. فإذا انضاف إليه من هو في تلك الدرجة ازداد قوة وبعد عما يخشى عليه، وصار مفيدا للعلم عند العالم المتبحر كما ذكرنا من قبل (41). وبهذا نكون قد وفينا مسألة أثر الحديث الصحيح في العمل والعقيدة حقها من البيان في حدود ما يسمح به المجال ههنا، وظهرت بذلك منهجية أئمة العلم في إعطاء كل نوع من الحديث ما يطابق وضع رتبته تماما، من غير تشدد ولا غلو، خلافا لما يذهب إليه المتهوكون من الحكم على الناس بالكفر لأي مخالفة تبدر من الإنسان، ومن غير إجحاف بحق الدليل الشرعي وما يجب على المسلم نحوه. الدكتور نور الدين عتر. __________ (40) " فواتح الرحموت " ج 2 ص 111 وهذا المستند تبناه بعد ذلك ابن القيم في الاستدلال على إفادة الحديث الذي تلقته الأمة بالقبول للعلم النظري. (41) " نزهة النظر شرح نخبة الفكر " للحافظ ابن حجر: 45، 46. (1/175) ============= ( فهرس المحتويات ) رسائل في علوم الحديث الكتاب: مجموعة رسائل في علوم الحديث المؤلف: أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي الخراساني، النسائي (المتوفى: 303هـ) المحقق: جميل علي حسن الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية - بيروت الطبعة: الأولى، 1985 عدد الأجزاء: 1 [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] الرسالة الأولى (1/39) - تسمية فقهاء الأمصار من الصحابة فمن بعدهم (1/40) بسم الله الرحمن الرحيم أخبرنا الحسن بن رشيق حدثنا أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي النسائي قال تسمية فقهاء الامصار من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من أهل المدينة الصحابة من أهل المدينة عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت وعبد الله بن عمر وعائشة رضي الله عنهم أجمعين ومن التابعين سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وأبو سلمة بن عبد الرحمن وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وسليمان بن يسار وخارجة بن زيد بن ثابت وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وعلي بن الحسين والقاسم بن (1/41) محمد بن أبي بكر الصديق بن عبد الله بن عمر وأبو جعفر محمد بن علي وعمر بن عبد العزيز ومن بعد هؤلاء عبد الله بن يزيد بن هرمز ومحمد بن مسلم بن شهاب الزهري وربيعة بن أبي عبد الرحمن وأبو الزناد عبد الله بن ذكوان ويحيى بن سعيد الأنصاري وبعد هؤلاء مالك بن أنس وعبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون وأصحاب مالك من أهل المدينة عبد الملك بن عبد العزيز الماجشون ومن أهل مصر عبد الرحمن بن القاسم وأشهب بن عبد العزيز وأصحاب عبد الله بن عباس من أهل مكة عطاء وطاوس ومجاهد وسعيد بن جبير وجابر بن زيد وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة (1/42) وبعد هؤلاء عمرو بن دينار وبعده ابن جريج وسفيان بن عيينة وبعد هؤلاء مسلم بن خالد الزنجي وليس بالقوي في الحديث وسعيد بن سالم القداح وبعد هؤلاء محمد بن إدريس الشافعي وأصحاب الشافعي أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزني وأبو ثور إبراهيم بن خالد ويوسف بن يحيى البويطي وأبو موسى بن الجارود وعبد الله بن الزبير الحميدي والفقهاء من أهل الكوفة علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود ومن الفقهاء التابعين علقمة بن قيس والأسود بن يزيد وعمرو بن شرحبيل وأبو ميسرة وعبيدة السلماني وشريح ومسروق بن الأجدع وعبد الله بن عتبة (1/43) وبعد هؤلاء عامر بن شرحبيل وإبراهيم النخعي وبعد هذين الحكم وحماد بن أبي سليمان والحكم أثبتهما في الحديث ومنصور بن المعتمر والمغيرة بن مقسم وبعد هؤلاء ابن شبرمة وابن أبي ليلى محمد بن عبد الرحمن وليس بالقوي في الحديث وأبو حنيفة وليس بالقوي في الحديث وبعد هؤلاء سفيان بن سعيد الثوري والحسن بن صالح بن حي وأصحاب أبي حنيفة زفر بن الهذيل ويعقوب بن إبراهيم أبو يوسف القاضي وعافية بن يزيد وأسد بن عمرو وأصحاب الثوري عبد الله بن المبارك ووكيع بن الجراح وأبو إسحاق إبراهيم بن محمد الفزاري وعبد الرحمن بن مهدي (1/44) وأصحاب الحسن بن صالح حميد بن عبد الرحمن الرواسي ويحيى بن آدم ومن فقهاء البصرة أبو موسى الأشعري وعمران بن حصين ومن التابعين حميد بن عبد الرحمن الحميري ومطرف بن عبد الله الشخير وبعد هؤلاء الحسن بن أبي الحسن البصري ومحمد بن سيرين وجابر بن زيد وقد ذكرناه في أصحاب ابن عباس وأبو قلابة واسمه عبد الله بن يزيد الجرمي وبعد هؤلاء أيوب السختياني ويونس بن عبيد وعثمان البتي وبعد هؤلاء عبد الله بن الحسن القاضي وحماد بن زيد قال عبد الرحمن بن مهدي ما رأيت رجلا أعلم بالسنة من حماد بن زيد (1/45) وبالاسناد قال أخبرنا الحسن بن رشيق قال قال لنا النسائي وبعد حماد بن زيد بشر بن المفضل وبعد هؤلاء معاذ بن معاذ العنبري ومحمد بن عبد الله الأنصاري وبعد هؤلاء هلال بن يحيى الراثي ومن فقهاء الشام معاذ بن جبل وعويمر أبو الدرداء وبعد هؤلاء مكحول وبعده سليمان بن موسى وعبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز وفقهاء أهل مصر عمرو بن الحارث والليث بن سعد وبعد هؤلاء عبد الرحمن بن القاسم وأشهب بن عبد العزيز وقد ذكرناهما في أصحاب مالك (1/46) وبعد هؤلاء الحارث بن مسكين ومحمد بن عبد الله بن الحكم ومن فقهاء أهل خراسان الضحاك بن مزاحم وإبراهيم الصايغ قتله أبو مسلم وعبد الله بن المبارك وقد ذكرناه في أصحاب سفيان الثوري والنضر بن محمد المروزي وبعد هؤلاء أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهوية ويحيى بن أكثم وأثبت أصحاب الأوزاعي عبد الله بن المبارك والوليد بن مزيد أحب إلينا في الأوزاعي من الوليد بن مسلم ولا يخطىء ولا يدلس وأثبت أصحاب أيوب حماد بن زيد وبعده عبد الوارث وإسماعيل بن علية وأثبت أصحاب حماد بن سلمة (1/47) عبد الرحمن بن مهدي وابن المبارك وعبد الوهاب الثقفي كان قد اختلط فمن كتب عنه قبل ذلك فجيد وأثبت أصحاب سعيد بن أبي عروبة يزيد بن زريع وسوار بن بجير ومصعب بن ماهان كان فيما حكى عن رواد بن الجراح أن مصعبا كان سيء الأخذ كان لا يكتب عن سفيان الثوري ثم يجيء فيكتب ما سمع وما لم يسمع ورواد كان قد اختلط أيضا فلا أدري قال كان هذا بعد الاختلاط أو قبله (1/48) الرسالة الثانية - الطبقات - (1/49) بسم الله الرحمن الرحيم وبالاسناد قال أخبرنا الحسن بن رشيق قال حدثنا أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب قال الطبقة الأولى من أصحاب نافع مولى عبد الله بن عمر مالك بن أنس وأيوب بن كيسان وعبيد الله بن عمر وعمر بن نافع الطبقة الثانية صالح بن كيسان وابن عون ويحيى بن سعيد وابن جريج الطبقة الثالثة أيوب بن موسى وإسماعيل بن أمية وموسى بن عقبة وكثير بن فرقد (1/51) الطبقة الرابعة الليث بن سعد وجويرية بن أسماء وإسماعيل بن إبراهيم بن عقبة ويونس بن يزيد الطبقة الخامسة محمد بن عجلان وابن أبي ذئب والضحاك بن عثمان ومحمد بن عبد الرحمن بن غنيم وحنظلة بن أبي سفيان الطبقة السادسة سليمان بن موسى وبرد بن سنان وهشام بن الغاز وعبد العزيز بن ابي رواد الطبقة السابعة عبد الرحمن بن سراج وسلمة بن علقمة والوليد بن أبي هشام وعبيد الله بن الأخنس الطبقة الثامنة عمر بن محمد بن يزيد وأسامة بن زيد ومحمد بن (1/52) إسحاق وصخر بن جويرية وهمام بن يحيى وهشام بن سعد الطبقة التاسعة وهم الضعفاء عبد الكريم أبو أمية وليث بن أبي سليم وحجاج بن أرطاة وأشعت بن سوار وعبد الله بن عمر الطبقة المتروك حديثهم إسحاق بن أبي فروة وعبد الله بن نافع وعمرو بن قيس ونجيح أبو معشر المديني عثمان البرتي أبو أمية بن يعلى محمد بن عبد الرحمن بن المحبر وعبد العزيز بن عبيد الله الطبقة الأولى من أصحاب الأعمش يحيى بن سعيد القطان وسفيان الثوري وشعبة بن الحجاج الطبقة الثانية زائدة وابن أبي زائدة وحفص بن غياث (1/53) الطبقة الثالثة أبو معاوية وجرير بن عبد الحميد وأبو عوانة الطبقة الرابعة قتيبة بن عبد العزيز ومفضل بن مهلهل وداود الطائي وفضيل بن عياض وابن المبارك الطبقة الخامسة عبد الله بن إدريس وعيسى بن يونس ووكيع بن الجراح وحميد بن عبد الرحمن الرواسي وعبد الله بن داود والفضل بن موسى وزهير بن معاوية الطبقة السادسة أبو أسامة وعبد الله بن نمير وعبد الواحد بن زياد الطبقة السابعة عبيدة بن حميد وعبدة بن سليمان آخر الطبقات وهو آخر جزء ابن التمار والحمد لله رب العالمين وصلواته على سيدنا محمد وآله وسلم تسليما (1/54) الرسالة الثالثة - تسمية من لم يرو عنه غير رجل واحد - (1/55) بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على نبيه الكريم وبالاسناد وقال اخبرنا الحسن بن رشيق قال حدثنا أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب قال تسمية من لم يرو عنه غير رجل واحد 1 - أبو نهشل لا نعلم أحدا روى عنه غير المسعودي 2 - علي بن علي الكوفي يروي عن إبراهيم لا نعلم أحدا روى عنه غير شريك 3 - خالد بن الفزر لا نعلم أحدا روى عنه غير الحسن بن صالح 4 - طارق بن زياد لا نعلم أحدا روى عنه غير إبراهيم بن عبد الأعلى (1/57) صلى الله عليه وسلم 5 - أبو الزعراء لا نعلم أحدا روى عنه غير سلمة بن كهيل 6 - هشام بن عمرو الفزاري لا نعلم أحدا روى عنه غير حماد بن سلمة 7 - خالد بن غلاق لا نعلم أحدا روى عنه غير الجريري 8 - عمير بن إسحاق لا نعلم أحدا روى عنه غير عون 9 - نبيح العنزي لا نعلم أحدا روى عنه غير الأسود بن قيس 10 - شبيب بن بشير لا نعلم أحدا روى عنه غير أبي عاصم 11 - ولا عن أبي البزري ولا عن منقر أبي أسامة غير عمران بن حدير 12 - ولا عن ابن مريم غير نعيم بن حكيم 13 - ولا عن عبد العزيز بن عبيد الله (1/58) 14 - وحميد بن مالك غير إسماعيل بن عياش 15 - ولا عن عيسى بن جارية غير يعقوب وعنبسة الرازي 16 - ولا عن بجير بن أبي بجير غير إسماعيل بن أمية 17 - ولا عن ثابت الزرقي غير الزهري 18 - ولا عن أبي الأحوص غير الزهري 19 - ولا عن ابن علقمة غير الزهري 20 - ولا عن ابي أكيمة غير الزهري 21 - ولا عن عبد الله بن سلمة غير عمرو بن مرة 22 - ولا عن خليد بن جعفر غير شعبة 23 - ولا عن قدامة بن وبرة 24 - ولا عن أبي حسان غير قتادة 25 - ولا عن مطر بن عكامس غير أبي إسحاق 26 - ولا عن الحضرمي غير سليمان التيمي (1/59) الرسالة الرابعة - ذكر من حدث عنه ابن أبى عروبة ولم يسمع منه - (1/61) بسم الله الرحمن الرحيم وبالاسناد قال أخبرنا الحسن بن رشيق قال حدثنا ابو عبد الرحمن احمد بن شعيب قال ذكر من حدث عنه ابن أبي عروبة ولم يسمع منه 1 - لم يسمع من عمرو بن دينار 2 - ولا من هشام بن عروة 3 - ولا من زيد بن أسلم 4 - ولا من عبيد الله بن عمر 5 - ولا من أبي الزناد 6 - ولا من الحكم 7 - ولا من حماد 8 - ولا من إسماعيل بن أبي خالد (1/63) الرسالة الخامسة - أحسن الأسانيد التي تروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - (1/65) بسم الله الرحمن الرحيم وقال لنا أبو عبد الرحمن أحسن الأسانيد التي تروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة 1 - منها الزهري عن علي بن حسين عن أبيه الحسين عن علي بن أبي طالب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم 2 - والزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس عن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم 3 - وأيوب عن محمد بن سيرين عن عبيدة عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم 4 - ومنصور عن إبراهيم عن علقة عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم (1/67) الرسالة السادسة - تسمية الضعفاء والمتروكين والثقات ممن حمل عنهم الحديث من أصحاب أبي حنيفة - (1/69) بسم الله الرحمن الرحيم قال لنا أبو عبد الرحمن بن أحمد بن شعيب وأبو حنيفة ليس بالقوي في الحديث وهو كثير الغلط والخطأ على قلة روايته والضعفاء من أصحابه 1 - يوسف بن خالد السمتي كذاب 2 - والحسن بن زياد اللؤلؤي كذاب خبيث (1/71) 3 - ومحمد بن الحسن ضعيف الحديث والثقات من أصحابه 1 - أبو يوسف القاضي ثقة 2 - وعافية ابو يزيد ثقة 3 - ورفر بن هذيل ثقة 4 - والقاسم بن معن ثقة 5 - وأسد بن عمرو لا بأس به 6 - وسعيد بن إسحق ثقة فهؤلاء الثقات من اصحابه واولئك الضعفاء منهم (1/72) الرسالة السابعة - أسئلة للنسائي في الرجال - (1/73) بسم الله الرحمن الرحيم أخبرنا علي بن منير قال أخبرنا أبو محمد الحسن بن رشيق قال أبو عبد الرحمن النسائي امناء الله على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة شعبة بن الحجاج ويحيى بن سعيد القطان ومالك بن انس وسئل أبو عبد الرحمن عن ابن زغبة فقال هو انكد من أن يكذب وسئل عن محمد بن عبد الله بت عبد الحكم فقال هو أظرف من ان يكذب وقال لنا أبو عبد الرحمن ولا يعاب اللحن على المحدثين وقد كان اسماعيل بن أبي خالد وسفيان ومالك بن أنس وغيرهم من المحدثين (1/75) والكذابون المعروفون بوضع الحديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة 1 - ابن أبي يحيى بالمدينة 2 - والواقدي ببغداد 3 - ومقاتل بن سليمان بخراسان 4 - ومحمد بن السعيد بالشام ويعرف بالمصلوب (1/76) ============== ( فهرس المحتويات ) علم الجرح والتعديل الكتاب: علم الجرح والتعديل المؤلف: عبد المنعم السيد نجم الناشر: الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة الطبعة: السنة الثانية عشرة - العدد الأول - محرم صفر ربيع أول 1400هـ [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] علم الجرح والتعديل: لفضيلة الدكتور/ عبد المنعم السيد نجم. الأستاذ المشارك ورئيس قسم علوم الحديث بالجامعة الإسلامية. علم الجرح والتعديل: من المعلوم لدى المسلمين جميعا أن السنة المشرفة هي مصدر دينهم بعد كتاب ربهم وهي مناط عزهم ولولاها ما راح مسلم ولا جاء. وقد تكفلت ببيان القرآن وإبراز محتواه إلى الناس لأن الذي تحدث بها هو الذي جاء بالقرآن من عند الله وهو أدرى به، وعليه فالسنة هي الأصل الثاني للشريعة والقرآن هو الأصل الأول كما تقدم، ومنكر الأصل الثاني منكر للأصل الأول لأنه أمر بالأخذ بالثاني وبإنكاره يكون قد خلع ربقة الإسلام من عنقه. ولما كانت السنة بهذه الأهمية أمر النبي صلى الله عليه وسلم بحفظها وتبليغها على وجهها كما سمعت ونهى عن الكذب في الأخبار عنه وتوعد فاعله مقعدا في النار ولأن نسبة الخبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم شرع يعمل به وكذب عليه ليس ككذب على غيره، ومن هنا قام جماعة من الأئمة بحفظها في الصدور وتدوينها في السطور وقطعوا في سبيل ذلك الفيافي والقفار وواصلوا الليل بالنهار واعتبروا ذلك من أوجب الواجبات عليهم، وعلى قاعدة الحفظ والتبليغ مع الأمانة والصدق والبعد عن الكذب المشار إليها حرص العلماء على الوقوف على أحوال الرواة بالبحث عن مواليدهم وأسمائهم وكناهم وألقابهم وبلدانهم ورحلاتهم وأمانتهم وثقتهم وعدالتهم وضبطهم وغير ذلك من كذب أو غفلة أو علة أو نسيان وما إلى ذلك ووضعوا كل واحد منهم مادام قد تصدى للرواية في سجل يجمع كل هذا حتى يعرف من كان من أهل الشأن من غيره. ومن هنا نشأ علم الجرح والتعديل أو علم فحص الرجال أو علم ميزان أو معيار الرواة.. وقام جماعة من الأئمة بهذه المهمة الجليلة التي سنها لهم النبي صلى الله عليه وسلم ومشى عليها الصحابة عليهم الرضوان، وعلم الجرح والتعديل علم جليل القدر من أجل العلوم التي نشأت بنشأة حفظ السنة وتدوينها بعيدة عن الخلل والزيف. وهو علم لا نعرف له نظير في تاريخ الأمم الأخرى. واستطاع العلماء بهذا العلم الوقوف على أحوال الرواة وميزوا بين الصحيح وغيره من الأخبار، فجندوا أنفسهم لاختبار من يعاصرونهم من الرواة ولم يكتفوا بذلك بل ويسألونهم عن السابقين ممن لم يعاصروهم ويعلنوا رأيهم فيهم دون تحرج ومأثم إذ كان ذلك ذبا عن دين الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ وقد قيل لأبي عبد الله البخاري إن بعض الناس ينقمون عليك التاريخ يقولون فيه اغتياب الناس فقال: "لا إنما روينا ذلك رواية ولم نقله من عند أنفسنا وقد قال صلى الله عليه وسلم: "بئس أخو العشيرة" (1/53) تعريف علم الجرح والتعديل: الجرح: بفتح الجيم مصدر جرح كمنع وهو في اللغة التأثير في الجسم بالسيف ونحوه، وأكثر ما يستعمل بالفتح في المعاني والأعراض باللسان. وأما الجرح بالضم فهو الاسم وأكثر استعماله بالضم في الأبدان بالحديد ونحوه وهما في اللغة بمعنى واحد يقال فلان جرح فلانا أي سبه وشتمه وجرح الحاكم الشاهد أسقط عدالته وذلك مجاز ويقال: جرح الرجل، أصابته جراحه يقول مجد الدين بن الأثير: ومنه حديث بعض التابعين "كثرت هذه الأحاديث واستجرحت" أي فسدت وقل صلاحها وهو استفعل، من جرح الشاهد إذا طعن فيه ورد قوله، أراد أن الأحاديث كثرت حتى أحوجت أهل العلم بها إلى جرح بعض رواتها ورد روايته.. وجرح بتشديد الراء تجريحا أكثر ذلك فيه. والجرح في الاصطلاح: رد الحافظ المتقن رواية الراوي لعلة قادحة فيه أو في روايته من فسق أو تدليس أو كذب أو شذوذ أو نحوها. ويلاحظ في التعريف أنه اشترط فيمن يرد رواية الراوي أن يكون حافظا متقنا وهنا يرد به على البعض الذين يقحمون أنفسهم في غير مجالهم وتخصصهم ويطعنون في بعض الرواة والروايات وإليك تحديد الحافظ الذي يملك حق الرد والجرح، قال جمال الدين المزي:- حينما سئل عن حد الحفظ الذي إذا انتهى إليه الرجل جاز أن يطلق عليه الحافظ قال: "أقل ما يكون أن يكون الرجال الذين يعرفهم ويعرف تراجمهم وأحوالهم وبلدانهم أكثر من الذين لا يعرفهم ليكون الحكم للغالب.." وقال الشيخ فتح الدين بن سيد الناس: "وأما المحدث في عصرنا فهو من اشتغل بالحديث رواية ودراية وجمع رواة واطلع على كثير من الرواة والروايات في عصره وتميز في ذلك حتى عرف فيه خطه واشتهر فيه ضبطه، فإن توسع في ذلك حتى عرف شيوخه وشيوخ شيوخه طبقة بعد طبقة بحيث يكون ما يعرفهم من كل طبقة أكثر مما يجهله منها فهذا هو الحافظ". وما يحكى عن بعض المتقدمين من قولهم: "كنا لا نعد صاحب حديث من لم يكتب عشرين ألف حديث في الإملاء". معنى الحفظ: للعلماء اصطلاحات وألفاظ في معنى الحفظ.. قال عبد الرحمن بن مهدي: "الحفظ الإتقان.." وقال أبو زرعه: "الإتقان أكثر من حفظ السرد"، وقال غيره: "الحفظ المعرفة". قدر الحافظ: عين أئمة الشأن قدرا من الأحاديث إذا حفظها الراوي صار حافظا ومما روي في قدر حفظ الحافظ قول أحمد بن حنبل: "انتقيت المسند من سبعمائة ألف حديث وخمسين ألف حديث" وقال أبو زرعة الرازي: "كان أحمد ابن حنبل يحفظ ألف حديث قيل له وما يدريك قال ذاكرته فأخذت عليه الأبواب.." ويقول يحي بن معين: "كتبت بيدي ألف ألف حديث". ويقول البخاري: "أحفظ مائة ألف حديث صحيح ومائتي ألف حديث غير صحيح.." ويقول مسلم بن الحجاج: "صنفت هذا المسند الصحيح من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة" ويقول أبو داود السجستاني: "كتبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسمائة ألف حديث انتخبت منها ما ضمنته كتاب السنن أربعة آلاف وثمانمائة حديث" وقال أبو زرعة: "أحفظ مائة ألف حديث كما يحفظ الإنسان سورة قل هو الله أحد. وفي المذاكرة ثلاثمائة ألف حديث.." وعن الشعبي قال: "ما كتبت سوداء في بيضاء إلى يومي هذا ولا حدثني رجل بحديث قط إلا حفظته.." ويقول إسحاق بن راهويه: "أعرف مكان مائة ألف حديث كأني أنظر إليها، وأحفظ سبعين ألف حديث عن ظهر قلب" وقال يزيد ابن هارون: "أحفظ خمسه وعشرين ألف حديث بإسناده ولا فخر وأحفظ للشاميين عشرين ألف حديث". (1/54) وهناك الكثير من الحفاظ غير ما ذكرت ممن يحفظون الكثير وبمثل هذا الحفظ يستطيع الراوي أن يعرف الأسانيد سواء كانت للشاميين أو للمصريين أو للبصريين أو المدنيين أو الخراسانيين وما إلى ذلك مهما اختلفت، ويميز طريق كل حديث عن غيره وتصبح الروايات والرواة مهما تباعدت البلدان في حفظه وبين يديه ويفرق بين الصحيح والسقيم منها ولا يستطيع دخيل أن يندس بين راوة الحديث لأنه يعرف الرواة بأعيانهم وأحوالهم ولا تخفى علة عليه، وعمل البخاري مع الذين آتوا بمائة حديث مع عشرة أشخاص مقلوبة السند والمتن ليختبروه فلما سمعها على الحالة المذكورة رد كل حديث إلى سنده، وكل سند إلى حديثه، وما ذلك إلا لحفظه وتمكنه ومعرفته بتركيب الأسانيد والمتون، أما ما يفعله البعض من الجهلة والزنادقة من التطاول على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتعدي على المصنفات الحديثية المعتمدة ونقدها من غير حفظ ولا اطلاع على فن الحديث وعلومه ففعلهم مرض في قلوبهم وحقد على مصدر الإسلام وبعد عن الدين واتباع للشيطان حيث قام على غير أساس، ولو سألت الواحد منهم كم يحفظ من الأحاديث بأسانيدها لأجابك بالنفي وفاقد الشيء لا يعطيه. والسبب في رد الحافظ المتقن رواية الراوي وهو ما كان فيه من علة قادحة فيه أو في روايته كما جاء في التعريف، والعلة عبارة عن سبب غامض خفي قادح في الحديث مع أن ظاهره السلامة منه أي السبب الغامض، وبتعريف آخر نقول الحديث المعلل ما اطلع فيه الحافظ الخبير بالفن على علة تقدح في صحته مع ظهور السلامة عليه وتكون العلة في الإسناد الجامع شروط الصحة ظاهرا مع خفائها فيه، أما علامتها وكيفية معرفتها: فتعرف العلة بتفرد الراوي، وبمخالفة غيره له مع قرائن تضاف إلى ذلك تنبه العارف بهذا الشأن الذي أدمن الاطلاع فيه وسبر أهله على وهم وقع بإرسال الموصول أو وقف في المرفوع أو دخول حديث في حديث أو غير ذلك بحيث يغلب على ظنه فيحكم بعدم صحة الحديث أو يتردد فيتوقف في قبوله.. قال علي بن المديني: "الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطؤه.." وبقية قيود التعريف سنذكرها إن شاء الله بعد تعريف التعديل. التعديل: جاء من عدل الحكم أقامه، وعدل الرجل زكاه، والميزان سواه، وعليه فالتعديل التقويم والتسوية والتزكية، والعادل من الناس من يقضي بالحق والعدل من الأشياء ما قام في النفوس أنه مستقيم والمقبول والمرضى قوله وحكمه، وجائز الشهادة، وتقول امرأة عدل ونسوة عدل وقد يجري مجرى الوصف الذي ليس بمصدر فتقول امرأة عدالة. والتعديل في الاصطلاح: وصف الراوي بما يقتضي قبول روايته.. زيادة إيضاح: وأستطيع أن أعرفه بتعريف آخر مجمل فأقول: هو علم يبحث فيه عن جرح الرواة وتعديلهم بألفاظ مخصوصة.. ومراتب تلك الألفاظ.. وهذا العلم من فروع علم رجال الحديث ولم تكثر الكتابة فيه مع أنه علم عظيم لأنه ميزان رجال الحديث ومعيار الحكم عليهم وهو الحارس للسنة من كل زيف ودخيل.. والكلام في الرجال جرحا وتعديلا ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم عن كثير من الصحابة والتابعين فمن بعدهم، وجوز ذلك تورعا وصونا للشريعة لا طعن في الناس، وكما جاز الجرح في الشهود جاز في الرواة والتثبت في أمر الدين أولى من التثبت في الحقوق والأموال.. فلهذا افترضوا على أنفسهم الكلام في ذلك سيأتي بيان أول من عني بذلك من الأئمة. (1/55) الجرح وأحكامه.. الجرح أجيز في الرواة باتفاق أئمة الشأن صيانة للشريعة الإسلامية من أن يدخل فيها ما ليس منها ونصيحة لله ورسوله عليه السلام والمسلمين ولا يقف على معرفة ذلك إلا المحدث الصادق المشهور بطلب الحديث (1/55) التقى الورع.. روى الخطيب البغدادي في كفايته بسنده عن أحمد بن محمد البغدادي قال:- سمعت يحي بن معين يقول: "آلة الحديث الصدق والشهرة بطلبه وترك البدع واجتناب الكبائر". البيان: لما كانت السنة هي الصادرة عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأقوال والأفعال والتقريرات وكانت البيان لكتاب الله والتشريع للناس في كل زمان ومكان كان لابد فيها من أن تكون واردة عن النبي صلى الله عليه وسلم بطريق ثابت ومنسوبة إليه نسبة حقيقية، وقد أمر عليه السلام بتبليغها عنه ونهى عن الكذب فيها ونقل الصحابة عنه ذلك ومشوا عليه.. روى الخطيب أيضا بسنده عن الأعمش عن خيثمة عن سويد قال: قال علي بن أبي طالب: "إذا حدثتكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فوالله لأن أخر من السماء أحب إلي من أن أكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم..وإذا حدثتكم فيما بيننا فإن الحرب خدعة.." ومن هنا احتاط الصحابة في الرواية والبعض منهم لم يكثر منها خوف أن يدخل في الحديث شيء لم يرد.. روى الخطيب بسنده عن جامع بن شداد قال سمعت عامر بن عبد الله بن الزبير يحدث عن أبيه قال: "قلت لأبي الزبير مالي لا أراك تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حدث فلان وفلان وابن مسعود.." قال: والله يا بني ما فارقته منذ أسلمت ولكني سمعته يقول: "من كذب علي فليتبوأ مقعده في النار.." ومعنى هذا والله ما قال متعمدا وأنتم تقولون متعمدا.. ومعنى هذا أنه لا بد من الصدق في الرواية ويحرم الكذب فيها عمدا وغير عمد ولا يعذر غير اليقظ فيها.. قال الخطيب: "ومن سلم من الكذب وأتى شيئا من الكبائر فهو فاسق يجب رد خبره ومن أتى صغيرة فليس بفاسق، ومن تتابعت منه الصغائر وكثرت رد خبره.." وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيان الكبائر عدة أحاديث: "اجتنبوا السبع الموبقات" والكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم من الكذب على غيره..والفسق به أظهر والوزر به أكبر.. وروى بن أبي حاتم في كتاب الجرح والتعديل في تثبيت السنن بنقل الرواة لها من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره بنقل الأخبار عنه، روى بسنده قال أخبرني أبي نا الأوزاعي حدثني حسان بن عطية قال حدثني أبو كبشة السلولي قال: سمعت عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "بلغوا عني ولو آية وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار". وروى بسنده عن عبد الله بن عمرو قال: خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم..ونحن سكوت لا نتحدث فقال: "ما يمنعكم من الحديث" قلنا سمعناك تقول: من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار: "حدثوا عني ولا حرج.." وروى بسنده عن عباية بن رافع بن خديج عن رافع قال: مر بنا يوما رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نتحدث فقال "ما تتحدثون" قلنا نتحدث عنك يا رسول الله فقال: "حدثوا وليتبوأ من كذب علي مقعده من جهنم" وروى بسنده عن الحارث بن عمرو قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى أو بعرفات ثم قال: " أيها الناس أي يوم هذا وأي شهر هذا قال فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم وشهركم وبلدكم اللهم هل بلغت فليبلغ الشاهد الغائب.." بيان النبي صلى الله عليه وسلم أن سنته ستنقل وتقبل: وردت أخبار مفادها أن السنة ستنقل عن طريقة التحمل والأداة برواية العدول فقد روى ابن أبي حاتم بسنده عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن ثابت بن قيس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تسمعون ويسمع منكم ويسمع ممن يسمع منكم.." وروى بسنده أيضا عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "تسمعون ويسمع منكم ويسمع ممن يسمع منكم" ورواه عنه بثلاث طرق مثله وهذا إخبار من النبي صلى الله عليه وسلم: أن سنته ستشيع بين الناس وتنقل من إنسان لإنسان. (1/56) العدالة وأحكامها: أنشأ العلماء من سلف الأمة ومن تبعهم أمورا أو شروطا تعرف بها، منها ما رواد الخطيب البغدادي في كفايته بسنده عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أن عبد الله بن عتبة ابن مسعود قال سمعت عمر بن الخطاب يقول: "إن أناسا كانوا يأخذون بالوحي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن الوحي قد انقطع وإنما آخذكم الآن بما ظهر من أعمالكم فمن أظهر لنا خيرا أمناه وقربناه وليس لنا من سريرته شيء الله يحاسبه في سريرته، ومن أظهر لنا سوءا لم نأمنه ولم نصدقه وإن قال إن سريرته حسنة.." وروي أيضا بسنده عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن الحسين بن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من عامل الناس فلم يظلمهم وحدثهم فلم يكذبهم ووعدهم فلم يخلفهم فهو ممن كملت مروءته وظهرت عدالته ووجبت أخوته وحرمت غيبته". حد العدل: حد العدل في المسلمين من لم يظهر به ريبة، أو للعدل بين المسلمين أو العدل في الشهادة الذي لم تظهر منه ريبة وسئل عبد الله بن المبارك عن العدل فقال: "من كان فيه خمس خصال: يشهد الجماعة، ولا يشرب هذا الشراب، ولا تكون في دينه خربه، ولا يكذب، ولا يكون في عقله شيء". المقدار في تحقق العدالة: روى الخطيب بسنده عن مالك بن أنس يقول سمعت الزهري يقول سمعت سعيد ابن المسيب يقول: "ليس من شريف ولا عالم ولا ذي سلطان إلا وفيه عيب لابد ولكن من الناس من لا تذكر عيوبه من كان فضله أكثر من نقصه وهب نقصه لفضله"، وروى بسنده عن البويطى يقول قال الشافعي: "لا أعلم أحدا أعطى طاعة لله حتى لا يخلطها بمعصية إلا يحي بن زكريا عليه السلام، ولا عصى الله فلم يخلط بطاعته، فإذا الأغلب الطاعة فهو المعدل، وإذا كان الأغلب المعصية فهو المجرح". ومعنى آخر يحدد العدالة ويبين العدل: قال الخطيب حدثني أبو الفضل محمد بن عبيد الله المالكي أنه قرأ على القاضي أبي بكر محمد بن الطيب قال: "والعدالة المطلوبة في صفة الشاهد والمخبر هي العدالة الراجعة إلى استقامة دينه وسلامة مذهبه وسلامته من الفسق وما يجري مجراه مما اتفق على أنه مبطل للعدالة من أفعال الجوارح والقلوب المنهي عنها والواجب أن يقال في جميع صفات العدالة أنها اتباع أوامر الله تعالى والانتهاء عن ارتكاب ما نهى عنه مما يسقط العدالة.. وقد علم من ذلك أنه لا يكاد يسلم المكلف من البشر من كل ذنب ومن ترك بعض ما أمر به حتى يخرج لله من كل ما وجب عليه وأن ذلك يتعذر فيجب لذلك أن يقال إن العدل هو من عرف بأداء فرائضه ولزوم ما أمر به وتوقى ما نهى عنه وتجنب الفواحش المسقطة وتحري الحق والواجب في أفعاله ومعاملته والتوقي في لفظه مما يثلم الدين والمروءة فمن كانت هذه حاله فهو الموصوف بأنه عدل في دينه ومعروف بالصدق في حديثه، وليس يكفيه في ذلك اجتناب كبائر الذنوب التي يسمى فاعلها فاسقا وزادوا على هذا بعض الذنوب التي ليست من الكبائر، إما لأنها متهمة لصاحبها ومسقطة له ومانعة من ثقته، وأمانته أو لغير ذلك فإن العادة موضوعة على أن من احتملت أمانته سرقة بصله وتطفيف حبة احتملت الكذب، وأخذ الرشاوى على الشهادة ووضع الكذب في الحديث والاكتساب به فيجب أن تكون هذه الذنوب في إسقاطها للخبر والشهادة بمثابة ما اتفق على أنه فسق يستحق به العقاب.." إلى أن قال: "فهذه سبيله في أنه يجب كون الشاهد والمخبر سليما منه.." قال الخطيب: "والواجب عندنا أن لا يرد الخبر والشهادة إلا بعصيان قد اتفق على رد الخبر والشهادة به وما يغلب به ظن الحاكم والعلم أن مقترفه غير عدل ولا مأمون عليه الكذب في الشهادة والخبر ولو عمل العلماء والحكام على أن لا يقبلوا خبرا ولا شهادة إلا من مسلم بريء من كل كذب قل أو كثر لم يمكن قبول شهادة أحد ولا خبره لأن الله قد أخبر بوقوع الذنوب من كثير ولو لم يرد خبر صاحب ذلك شهادته بحال لوجب أن يقبل خبر الكافر والفاسق وشهادتهما وذلك خلاف الإجماع فوجب القول في جميع صفة العدل بما ذكر". (1/57) زيادة إيضاح: وفسر العدل أيضا بأن يكون مسلما بالغا عاقلا فلا يقبل كافر ومجنون مطبق بالإجماع ومن تقطع جنونه وأثر في زمن إفاقته وإن لم يؤثر قبل ولا صغير على الأصح، وقيل يقبل المميز إن لم يجرب عليه الكذب وأن يكون سليما من أسباب الفسق وخوارم المروءة، والمروءة بضم الميم والراء على وزن سهولة وهي آداب نفسانية تحمل مراعاتها على الوقوف عند محاسن الأخلاق وجميل العادات ومعرفتها ترجع إلى العرف. ما يستوي فيه المحدث والشاهد من الصفات وما يفترقان فيه جاء عن أبى بكر محمد ابن الطيب قال: لا خلاف في وجوب قبول خبر من اجتمع فيه جميع الصفات الشاهد في الحقوق من الإسلام والبلوغ والعقل والضبط والصدق والأمانة والعدالة إلى ما شاكل ذلك، ولا خلاف أيضا في وجوب اتفاق المخبر والشاهد في العقل والتيقظ فأما ما يفترقان فيه فوجوب كون الشاهد حرا وغير والد ولا مولود ولا قريب قرابة تؤدي إلى ظنه وغير صديق ملاطف وكونه رجلا إذا كان في بعض الشهادات وأن يكون اثنين في بعض الشهادات وأربعة في بعضها وكل ذلك غير معتبر في المخبر لأننا نقبل خبر العبد والمرأة والصديق وغيره، وإجمالا: الرواية والشهادة كلاهما خبر غير أن الرواية خبر عام قصد به تعريف دليل شرعي وأما الشهادة فهي خبر خاص قصد به ترتيب فصل القضاء عليه ويشترط عدم العداوة بين الشاهد والمشهود عليه. تنبيه: قال الخطيب البغدادي: "فأما الحديث الذي أخبرناه القاضي أبو عمر القاسم بن جعفر الهاشمي بسنده عن صالح بن حسان عن محمد بن كعب القرظي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تكتبوا العلم إلا عمن تجوز شهادته.." فإن صالح بن حسان تفرد بروايته وهو ممن اجتمع نقاد الحديث على ترك الاحتجاج به لسوء حفظه وقلة ضبطه، وكان يروي الحديث عن محمد بن كعب تارة متصلا، وأخري مرسل، ويرفعه تارة ويوقفه أخرى.. وساق كل طرقه"، ثم قال: "على أن هذا الحديث لو ثبت إسناده وصح رفعه، لكان محمولا على أن المراد به جواز الأمانة في الخبر بدليل الإجماع على أن خبر العبد العدل مقبول". روى ابن حبان بسنده عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخيف من منى فقال: "نضر الله عبدا سمع مقالتي فوعاها ثم أداها إلى من لم يسمعها فرب حامل فقه لا فقه له وفي رواية "غير فقيه " ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ثلاث لا يضل عليهن قلب المؤمن: إخلاص العمل والنصيحة لأولى الأمر ولزوم الجماعة فإن دعوتهم تكون من ورائهم" 1 قال أبو حاتم: "الواجب على كل من ركب فيها آلة العلم، أن يرعى أوقاته على حفظ السنن رجاء اللحوق بمن دعا لهم النبي صلى الله عليه وسلم إذ الله جل وعلا أمر عباده باتباع سنته وعند التنازع الرجوع إلى ملته حيث قال: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} 2 ثم نفى الإيمان عمن لم يحكمه فيما شجر بينهم فقال: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما} 3 ولم يقل حتى يحكموا فلانا وفلانا فيما شجر بينهم ولا قال حرجا مما قضى فلان وفلان، فالحكم بين الله عز وجل وبين خلقه رسوله صلى الله عليه وسلم فقط، فلا نحب لمن أشعر الإيمان قلبه أن يقصر في حفظ السنن بما قدر عليه حتى يكون رجوعه عند التنازع إلى قول من لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى صلى الله عليه وسلم وقد تقدم حديث "بلغوا عني ولو آية.." والأحاديث الواردة في تغليظ الكذب عليه صلى الله عليه وسلم كثيرة كما مر أيضا. __________ 1 الجرح والتعديل لابن أبى حاتم قسم 1ص 10 وأخرجه أبو داود، والترمذي، والبيهقي وهو حسن. 2 سورة النساء آية (59) . 3 سورة النساء آية (65) . (1/58) ثبوت السنة وترغيب النبي في طلبها من حاملها ووصيته بالمرتحلين فيها: لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم له السبق في دفع الناس إلى طلب العلم والتعلم والترغيب فيه روى عبد الرحمن بن أبى حاتم بسنده عن أبي صلح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة.." وروى بسنده عن كثير بن قيس قال: كنت جالسا مع أبي الدرداء في مسجد دمشق فأتاه رجل فقال: "يا أبا الدرداء جئتك من المدينة مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم لحديث بلغني أنك تحدثه عن رسول الله" قال: ولا جئت لحاجة؟ " قال: "لا"، قال: "ولا جئت لتجارة؟ " قال: "لا"، قال: "ولا جئت إلا لهذا الحديث؟ " قال نعم، قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله عز وجل به طريقا من طرق الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالبي العلم.." وروى أيضا بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الناس لكم تبع" قال فكان إذا أتوه قال مرحبا بوصية رسول الله، قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه سيأتيكم أناس من أقطار الأرض يتفقهون في الدين فإذا أتوكم فاستوصوا بهم خيرا.." قال عبد الرحمن بن أبي حاتم:.. وقد روي عن عبد الله بن مسعود، وعبد الله ابن عباس وأبي سعيد الخدري وعبد الله بن عمرو، وجابر بن عبد الله، وعقبة بن عامر، وقيس بن عبادة، وخلق من التابعين وأتباعهم يطول ذكرهم في رحلة بعضهم في طلب العلم الآثار وترغيب بعضهم فيها، أمسكنا عن ذلك اكتفاء بما جاء فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم.. ولما أوصى النبي بطالبي الآثار والمرتحلين فيها ونبه عن فضيلتهم علم أن في ذلك ثبوت الآثار بنقل الطالبين الناقلين لها ولو لم تثبت الأخبار بنقل الرواة لها لما كان في ترغيب النبي صلى الله عليه وسلم معنى.. قال بن أبي حاتم مستدلا على ما تقدم بما جاء في أول كتابه: "بدأنا في ذكر ثبوت السنن بنقل الرواة لها بما حضرنا من الدلائل الواضحة من كتاب الله عز وجل وأخبار رسوله صلى الله عليه وسلم إذ كان قوم من أهل الزيغ والبدع زعموا أن الأخبار لا تصح بنقل الرواة لها وأن طريق صحتها إجماع العامة عليها فأتينا في ذلك وفي إبطال دعواهم ودحض حجتهم بما رأيناه كافيا". (1/59) الجرح والتعديل وبيان أحوال الرواة ونفى تهمة الكذب عن الصحابة في الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل حديث اتصل إسناده بين من رواه والنبي صلى الله عليه وسلم لم يلزم العمل به إلا بعد ثبوت عدالة رجاله، ويجب النظر في أحوالهم سوى الصحابي الذي رفعه إلى النبي لأن عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم وإخباره عن طهارتهم واختياره لهم في نص القرآن فمن ذلك قوله تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف} 1 وقوله: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا} 2 وهذا اللفظ وإن كان عاما فالمراد به الخاص، وقيل هو وارد في الصحابة دون غيرهم، وقوله سبحانه وتعالى: {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا} 3 وقوله: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه} 4 وقوله: {يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين} 5.. وقوله تعالى: {للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون والذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} 6 في آيات كثيرة يكثر إيرادها ويطول __________ 1 سورة آل عمران آية (110) 2 سورة البقرة آية (134) 3 سورة الفتح آية (18) 4 سورة التوبة آية (100) 5 سورة آية الأنفال آية (64) 6 سورة الحشر آية (8،9) (1/59) تعدادها، ووصف رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابة مثل ذلك أطنب في تعظيمهم وأحسن الثناء عليهم، فمن الأخبار المستفيضة عنه في هذا المعنى ما رواه مسلم بسنده عن عبيدة السلماني عن عبد الله ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير أمتي القرن الذي يلوني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته" وروى بسنده عن عبيدة عن عبد الله قال: قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الناس خير قال: "قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجيء قوم تبدر شهادة أحدهم يمينه وتبدر يمينه شهادته فلا أدري في الثالثة أو في الرابعة، قال ثم يتخلف من بعدهم خلف تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته" وروى أيضا عن أبي عبيدة عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم فلا أدري في الثالثة أو في الربعة قال ثم يتخلف من بعدهم خلف تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته" كذلك عن أبي هريرة وعمران بن حصين بعدة روايات وفيها والله أعلم أذكر الثالث أم لا.. ولكن رواية عائشة رضى الله عنها خلت من الشك في العدد قالت سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم أي الناس خير قال: "القرن الذي أنا فيه ثم الثاني والثالث" 1 وقد حفظه كذلك عبد الله بن مسعود وعمران بن حصين وبه رواه الخطيب البغدادي 2 قال النووي بعد ذكر اختلاف العلماء في تحديد مدة القرن: "والصحيح أن قرنه صلى الله عليه وسلم الصحابة والثاني التابعون والثالث تابعوهم..". قال ابن القيم: "فقد اتفقت الأحاديث على قرنين بعد قرنه صلى الله عليه وسلم إلا حديث أبي هريرة فإنه شك فيه، وأما ذكر القرن الرابع فلم يذكر إلا في رواية في حديث عمران بن حصين لكن في الصحيحين له شاهد من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يأتي على الناس زمان فيغزوا فئام من الناس فيقال لهم هل فيكم من رأى رسول الله فيقولون نعم فيفتح لهم ثم يغزوا فئام من الناس فيقال لهم هل فيكم من رأى من صحب رسول الله فيقولون نعم فيفتح لهم ثم يغزوا فئام من الناس فيقال لهم هل فيكم من رأى من صحب صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون نعم فيفتح لهم" فهذا فيه ذكر قرنين بعده كما في الأحاديث المتقدمة ورواه مسلم.. فذكر فيه ثلاثة بعده ولفظة " يأتي على الناس زمان يبعث منهم البعث فيقولون أنظر هل تجدون فيكم أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيوجد الرجل فيفتح لهم به ثم يبعث البعث الثاني فيقولون هل فيكم من رأى أصحاب رسول الله فيفتح لهم ثم يبعث البعث الثالث فيقال انظروا هل ترون فيهم من رأى أصحاب أصحاب رسول الله فيفتح لهم ثم يكون البعث الرابع فيقال أن انظروا هل ترون فيم أحدا رأى من رأى أحدا رأى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيوجد الرجل فيفتح له" 3. __________ 1 صحيح مسلم بشرح النووي جـ ص 83،89 2 الكفاية للخطيب (ص 94) 3 صحيح مسلم بشرح النووي جـ 16 ص 84 وتهذيب السنن لابن القيم جـ 7 حديث 4491 (1/60) تحريم سب الصحابة سب الصحابة رضي الله عنهم من فواحش المحرمات سواء من لابس الفتن منهم وغيره لأنهم مجتهدون في تلك الحروب متأولون، فكانت لكل طائفة شبهة اعتقدت تصويب أنفسها عليها وكلهم عدول ولم يخرج شيء من ذلك أحدا منهم عن العدالة لأنهم مجتهدون كما قلنا اختلفوا في مسائل من محل الاجتهاد كما اختلف المجتهدون بعدهم في مسائل من الدماء وغيرها ولا يلزم من ذلك نقص أحد منهم، يقول النووي: "واعلم أن سبب تلك الحروب أن القضايا كانت مشتبهة فلشدة اشتباهها اختلف اجتهادهم وصاروا ثلاثة أقسام قسم ظهر لهم بالاجتهاد أن الحق في هذا الطرف وأن مخالفه باغ فوجب عليهم نصرته وقتال الباغي عليه فيما اعتقدوه ففعلوا ذلك ولم يكن يحل لمن هذه صفته التأخر عن مساعدة إمام العدل في قتال البغاة في اعتقاده، وقسم عكس هؤلاء ظهر لهم بالاجتهاد أن الحق في الطرف الآخر فوجب عليهم مساعدته وقتال الباغي عليه، وقسم ثالث اشتبهت عليهم القضية وتحيروا (1/60) فيها ولم يظهر لهم ترجيح أحد الطرفين فاعتزوا الفريقين وكان هذا الاعتزال هو الواجب في حقهم لأنه لا يحل الإقدام على قتال مسلم حتى يظهر أنه مستحق لذلك ولو ظهر لهؤلاء رجحان أحد الطرفين وأن الحق معه لما جاز لهم التأخر عن نصرته في قتال البغاة عليه فكلهم معذورون رضي الله عنهم..". ولهذا اتفق أهل الحق ومن يعتد به في الإجماع على قبول شهاداتهم ورواياتهم وكمال عدالتهم رضي الله عنهم أجمعين وعن تحريم سبهم روى مسلم بسنده عن أبي صالح عن أبي هريرة قال، قال: رسول الله صلى عليه سلم: " لا تسبوا أصحابي، لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهابا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه.." وروى بسنده عن أبي صالح عن أبي سعيد قال: كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف شيء فسبه خالد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا أحدا من أصحابي فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه.." قال النووي: قال القاضي عياض: وسب الصحابة من المعاصي الكبائر ومذهبنا ومذهب جمهور أنه يعزر ولا يقتل وقال المالكية يقتل"1 قال الخطابي: النصيف بمعنى النصف كما قالوا الثمين بمعنى الثمن والمعنى أن جهد المقل منهم واليسير من النفقة الذي أنفقوه في سبيل الله مع شدة العيش والضيق الذي كانوا فيه أوفى عند الله وأزكى من الكثير الذي ينفقه من بعدهم" 2. قال القاضي عياض: "ويؤيد هذا ما جاء عن الجمهور من تفضيل الصحابة كلهم على جميع من بعدهم، وسبب تفضيلهم نفقتهم أنها كانت في وقت الضرورة وضيق الحال بخلاف غيرهم، ولأن إنفاقهم كان في نصرته صلى الله عليه وسلم وحمايته، وذلك معدوم بعده وكذلك جهادهم وسائر طاعاتهم وقد قال الله تعالى: {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا..} الآية 3 هذا كله مع ما كان في أنفسهم من الشفقة والتودد والخشوع والتواضع وإيثار الجهاد في الله حق جهاده وفضيلة الصحابة ولو لحظة لا يوازيها عمل ولا تنال درجتها بشيء والفضائل لا تؤخذ بقياس، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء". وروى الخطيب بسنده عن أبي زرعة يقول: "إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق.. وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حق والقرآن حق وإنما أدي إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه سلم, وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة والجرح بهم أولى وهم زنادقة" 4. __________ 1 صحيح مسلم بشرح النووي جـ 16 ص 92 2 مختصر المزني مع معالم السنن جـ 7 حديث 4493 ص 34 3 الحديد آية 10 4 الكفاية للخطيب البغدادي ص 97 (1/61) لماذا لا نجرح الصحابة! لأنهم الذين شهدوا الوحي والتنزيل، وعرفوا التفسير والتأويل، وهم الذين اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ونصرته، وإقامة دينه وإظهار حقه فرضيهم له صحابة. وجعلهم لنا أعلاما وقدوة. فحفظوا عنه ما بلغهم عن الله عز وجل، وما سن وما شرع وحكم وقضى، وندب وأمر ونهى وحظر وأدب. فالصحابة رضي الله عنهم هم الناس بكتاب الله وسنة رسول الله صلى عليه وسلم وانظروا قضاءه وحكمه فيما اختلف الناس فيه، وشهدوا أخلاقه وآدابه، وأحواله وتصرفه في السلم والحرب والمعاهدات، وأمور الدنيا والآخرة، واستقى كل منهم بقدر استعداده من ينبوع الفيض الرباني. (1/61) وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك فيما رواه البخاري بسنده عن ابن الشهاب قال: قال حميد بن عبد الرحمن، سمعت معاوية خطيبا يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، وإنما أنا قاسم والله يعطى، ولن تزال هذه الأمة قائمة على أمر الله لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله.." وتسابق الصحابة في أخذ ما يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ووعوه وأتقنوه ففقهوا في الدين وعلموا أمر الله ونهيه ومراده- بمعاينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومشاهدتهم منه تفسير الكتاب وتلقفهم منه واستنباطهم عنه. فشرفهم الله بما من عليهم وأكرمهم به من وضعه إياهم موضع القدوة فنفى عنهم الشك والكذب والغلط والريبة والغمز، وسماهم عدول الأمة، فقال عز وجل في كتابه {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس} ففسر النبي صلى الله عليه وسلم عن الله عز ذكره قوله: {وسطا} قال: "عدلا.." فكانوا عدول الأمة، وأئمة الهدى وحجج الدين ونقلة الكتاب والسنة، وسندهم عال فليس بينهم وبين الله إلا واسطتان النبي وجبريل عليهما السلام. وقد قال قائل: فكيف جرحتم من بعد الصحابة؟ كما ظهر ذلك من عناية أئمة الحديث بحفظ السنن على المسلمين وذب الكذب عن رسول رب العالمين، ولولاهم لتغبرت الأحكام عن سنتها حتى لا يعرف أحد صحيحها من سقيمها والملزق بالنبي صلى الله عليه وسلم والموضوع عليه مما روى عنه الثقاة والأئمة في الدين، فإن قال قائل: كيف جرحتم من دون الصحابة وأبيتم ذلك في الصحابة والسهو قد يقع منهم كما وجد فيمن بعدهم من المحدثين؟ يقال له: إن الله نزه أقدار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثلب قادح، وصان أقدارهم عن وقيعة متنقص، وجعلهم كالنجوم يقتدى بهم. وقد قال الله: {إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين} ثم قال: {يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه} فمن أخبر الله أنه لا يخزيه يوم القيامة فقد شهد له باتباعه ملة إبراهيم حنيفا لا يجوز أن يجرح بالكذب، لأنه يستحيل أن يقول الله: {يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه} ثم يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار " فيطلق النبي صلى الله عليه وسلم إيجاب النار لمن أخبر الله أنه لا يخزيه يوم القيامة، بل الخطاب وقع على من بعد الصحابة. وأما من شهد التنزيل، وصحب الرسول صلى الله عليه وسلم فالثلب لهم غير حلال، والقدح فيهم ضد الإيمان والتنقيص لأحدهم نفس النفاق، لأنهم خير الناس قرنا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بحكم من لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى صلى الله عليه وسلم. وأن من تولى رسول الله صلى الله عليه وسلم إيداعهم ما ولاه الله بيانه للناس لا يجرح، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يودع أصحابه الرسالة وأمرهم أن يبلغ الشاهد الغائب إلا وهم عنده صادقون جائزوا الشهادة، ولو لم يكونوا كذلك لم يأمرهم بتبليغ من بعدهم ما شهدوا منه، لأنه لو كان كذلك لكان فيه قدحا في الرسالة، وكفى بمن عدله رسول الله صلى الله عليه وسلم شرفا، وأن من بعد الصحابة ليسوا في مرتبهم. والصحابة ندب الله عز وجل إلى التمسك بهديهم والجري على منهاجهم، والسلوك لسبيلهم والاقتداء بهم فقال: {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى} 1. وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد حض على التبليغ عنه في أخبار كثيرة ووجدناه يخاطب أصحابه فيها، منها أن دعا لهم فقال: "نضر الله امرأ سمع مقالتي فحفظها ووعاها حتى يبلغها غيره". وفي رواية زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "نضر الله امرأ سمع منا حديثا فحفظه وبلغه غيره، فرب حامل فقه ليس بفقيه"، وفي رواية، "ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ثلاث لا يضل عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله، ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم الجماعة فان دعوتهم تحيط من ورائهم" وغير ذلك. __________ 1 سورة النساء آية (115) (1/62) وقال صلى الله عليه وسلم في خطبته: "فليبلغ الشاهد منكم الغائب فإنه لعله أن يبلغه من هو أوعى له" وقال: "بلغوا عني ولو آية وحدثوا عني ولا حرج". وهذا وغيره مما أمر به الصحابة أولا، ثم أمروا إلى نقله إلى من بعدهم مع المحافظة على المنقول من الزيادة وطلب الوعي والضبط. (1/63) منع الرواية عن الضعفاء ... والتثبت في تحملها يقصد بهذا العنوان تأكيد ما سبق ووضع قاعدة لمن تؤخذ عنهم الرواية ومن تطرح روايتهم أو يتوقف فيها حتى يبين أمرهم.. روى عبد الرحمن بن أبي حاتم بسنده عن أبي عثمان مسلم بن يسار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "سيكون في آخر الزمان ناس من أمتي يحدثونكم بما لم تسمعوا به أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم.." وروى أيضا بسنده عن شراحيل بن يزيد يقول: حدثني مسلم بن يسار أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يكون آخر الزمان دجالون 1 كذابون يأتونكم من الأحاديث ما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم لا يضلوكم ولا يفتنوكم..". قال عبد الرحمن: "لما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذابين يكونون في آخر الزمان يكذبون عليه علم أن الأول وهم الصحابة خارجون من هذه الجملة وزائل عنهم التهمة" 2 ورواه مسلم بسنده عن أبي عثمان مسلم بن يسار عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "سيكون في آخر الزمان أناس يحدثونكم ما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم" وروى بسنده أيضا عن مسلم بن يسار أنه سمع أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يكون في الزمان دجالون كذابون به" وروي مسلم أيضا بسنده عن مجاهد قال بشير العدوي إلى ابن عباس فجعل يحدث ويقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل ابن عباس لا يأذن لحديثه ولا ينظر إليه فقال: يا ابن عباس مالي لا أراك تسمع لحديثي أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تسمع.. فقال ابن عباس: "إنا كنا مرة إذا سمعنا رجلا يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتدرته أبصارنا وأصغينا إليه بآذاننا فلما ركب الناس الصعب3والذلول لا نأخذ من الناس إلا ما نعرف". إلى غير هذه الروايات وهي كثيرة، وحاصلها أنه لا يقبل رواية المجهول وأنه يجب الاحتياط في أخذ الحديث، فلا يقبل إلا من أهله، وأنه لا ينبغي أن يروى عن الضعفاء، وسيأتي المراد بالضعف الذي تطرح الرواية بسببه. __________ 1 الدجالون جمع دجال قال ثعلب: كل كذاب فهو دجال ويقال: الدجال المموه ودجل فلان إذا موه. ودجل بباطله إذا غطاه. 2 مقدمات كتاب الجرح والتعديل ص 14 3 أصل الصعب. والذلول في الإبل، فالصعب العسر، المرغوب عنه. والذلول السهل الطيب المحبوب المرغوب فيه. فالمعنى سلك الناس كل مسلك مما يحمد ويذم. لا يأذن أي لا يستمع ولا يصغي ومنه سميت الأذن. (1/63) بيان أن الأخبار من الدين والتحرز من التوقي فيها.. هنا بيان أن الإسناد من الدين وأن الرواية لا تكون إلا عن الثقاة، وأن جرح الرواة بما هو فيهم جائز بل واجب، وأنه ليس من الغيبة المحرمة بل من الذب عن الشريعة المكرمة، وسيأتي زيادة في هذا.. روى عبد الرحمن بن أبي حاتم عن ابن سيرين قال: "إنما هذه الأحاديث دين فانظروا عمن تأخذونه". وروى أيضا بسنده عن محمد بن سيرين قال: "إن هذا الحديث دين فانظروا عمن تأخذونه ومرة يروى بلفظ أن هذا العلم دين به.." ويروى أيضا عن ابن سيرين بلفظ: "انظروا عمن تأخذون هذا الحديث فإنما هو دينكم.." وروى بسنده.. قال ابن شهاب: "إذا حدث لي بالإسناد ويقول: لا يصلح أن يرقى السطح إلا بدرجة". (1/63) بيان المبتدع الذي ترد روايته من غيره قال مسلم رحمه الله في مقدمة كتابه: "اعلم أن الواجب على أحد عرف التمييز بين صحيح الروايات وسقيمها وثقاة الناقلين لها من المتهمين أن لا يروى منها إلا ما عرف صحة مخارجه والستارة في ناقليه، وأن يتقي منها ما كان من أهل التهم والمعاندين من أهل البدع". قال النووي: قال العلماء من المحدثين والفقهاء وأصحاب الأصول: المبتدع الذي يكفر ببدعته لا تقبل روايته بالاتفاق، وأما الذي لا يكفر بها فاختلفوا في روايته: فمنهم من ردها مطلقا لفسقه ولا ينفعه التأويل، ومنهم من قبلها مطلقا، إذا لم يكن ممن يستحل الكذب في نصرة مذهبه أو لأهل مذهبه سواء كان داعية إلى بدعته أو غير داعية وهذا محكي عن الإمام الشافعي لقوله أهل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية من الرافضة لكونهم يرون الشهادة بالزور لموافقيهم ومنهم من قال: تقبل إذا لم يكن داعية لبدعته ولا تقبل إذا كان داعية وهذا مذهب كثيرين أو الأكثر من العلماء وهو الأعدل الصحيح وقال بعض أصحاب الشافعي: اختلف أصحاب الشافعي في غير الداعية واتفقوا على عدم قبول الداعية.. وقال أبو حاتم ابن حبان - بكسر الحاء -: "لا يجوز الاحتجاج بالداعية عند أئمتنا قاطبة لا خلاف بينهم في ذلك". وأما المذهب الأول فضعيف جدا ففي الصحيحين وغيرهما من أصحاب السنن وأئمة الحديث الاحتجاج بكثير من المبتدعة غير الدعاة، ولم يزل السلف والخلف على قبول الرواية منهم والاحتجاج بها والسماع منهم وإسماعهم من غير إنكار منهم، وروى مسلم بسنده في كون الإسناد من الدين عن سليمان بن موسى قال: "قلت لطاووس إن فلانا حدثني بكذا وكذا"، قال: "إن كان صاحبك مليا فخذ عنه". (مليا) : يعنى ثقة ضابطا متقنا يوثق بدينه ومعرفته ويعتمد عليه كما يعتمد على معاملة الملي بالمال ثقة بذمته.. وروى مسلم بسنده أيضا عن أبي الزناد عن أبيه قال: "أدركت بالمدينة مائة كلهم مأمون ما يؤخذ عنهم الحديث يقال ليس من أهله". وروى بسنده عن مسعر قال: "سمعت سعد بن إبراهيم يقول لا يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا الثقاة.." وروى بسنده عن عبد الله بن المبارك يقول: "الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء". ويقول أيضا: "بيننا وبين القوم القوائم.." ومعنى هذا الكلام إن جاء بإسناد صحيح قبلنا حديثه وإلا تركناه فجعل الحديث كالحيوان لا يقوم بغير إسناد كما لا يقوم الحيوان بغير قوائم.. زيادة إيضاح: سبق لنا أن أشرنا إلى رأي بعض الأئمة حكم رواية المبتدع وبقي هنا أن نزيد هذه المسألة إيضاحا، جمع الخطيب البغدادي رحمه الله مذاهب العلماء عما جاء في الأخذ عن أهل البدع والأهواء والاحتجاج بروايتهم. فقال: اختلف أهل العلم في السماع من أهل البدع والأهواء، كالقدرية والخوارج والروافض، وفي الاحتجاج بما (1/64) يروونه، فمنعت طائفة من السلف صحة ذلك؛ لعلة أنهم كفار- عند من ذهب إلى أكفار المتأولين، وفساق عند من لم يحكم بكفر متأول. وقال من ذهب إلى هذا المذهب: أن الكافر والفاسق بالتأويل بمثابة الكافر المعاند، والفاسق العامد فيجب ألا يقبل خبرهما ولا تثبت روايتهما. وذهبت طائفة من أهل العلم إلى قبول أخبار أهل الأهواء الذين لا يعرف منهم استحلال الكذب والشهادة لمن وافقهم بما ليس عندهم فيه شهادة. وممن قال بهذا القول من الفقهاء: أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، فإنه قال: "وتقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية من الرافضة، لأنهم يرون شهادة بالزور لموافقهيم". ويحكى أن هذا مذهب ابن أبي ليلى وسفيان الثوري. يقول الشيخ السبكي في طبقاته عند كلامه على شهادة المبتدع: "وقد تزايد الحال بالخطابية وهم المجسمة في زماننا هذا فصاروا يرون الكذب على مخالفيهم في العقيدة لا سيما القائم عليهم بكل ما يسوءه في نفسه وماله.. وبلغني أن كبيرهم استفتي في شافعي أيشهد عليه بالكذب فقال: ألست تعتقد أن دمه حلال؟ قال: نعم..قال: فما دون ذلك دون دمه، فاشهدوا دفع فساده عن المسلمين فهذه عقيدتهم ويرون أنهم المسلمون أنهم أهل السنة.." الخ قال الخطيب البغدادي: "وقال كثير من العلماء: تقبل أخبار غير الدعاة من أهل الأهواء، فأما الدعاة فلا يحتج بأخبارهم، وممن ذهب إلى ذلك أبو عبد الله أحمد بن محمد ابن حنبل". وقال جماعة من أهل النقل والمتكلمين: أخبار أهل الأهواء كلها مقبولة وإن كانوا كفارا وفساقا بالتأويل، فمن ذهب إلى منع قبول أخبارهم احتج بما قدمنا ذكره. وساق الخطيب السند عن أبي سكينة بن مشاجع بن قطبة: قال سمعت علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو في مسجد الكوفة يقول: "انظروا عمن تأخذون هذا العلم فإنما هو الدين" وأورد الروايات السابقة عن ابن سيرين وغيره في كون السند من الدين ... ومنها ما رواه الخطيب أيضا بسنده عن عاصم.. قال سمعت ابن سيرين يقول: "كانوا لا يسألون عن الإسناد، حتى كان بآخره، فكانوا يسألون عن الإسناد، لينظروا من كان صاحب سنة كتبوا عنه، ومن لم يكن صاحب سنة لم يكتبوا عنه". وجاء عنه ما رواه بسنده عن علي بن حرب قال: "من قدر ألا يكتب الحديث إلا عن صاحب سنة، فإنهم يكذبون كل صاحب هوى يكذب ولا يبالي.." وروى أيضا بسنده عن ابن لهيعة يذكر أنه سمع رجلا من أهل البدع رجع عن بدعته، فجعل يقول: "انظروا هذا الحديث عمن تأخذونه فإنا كنا إذا رأينا رأيا جعلناه حديثا.." وسيأتي مزيد بيان في هذا. وأما عن أدلة ما تقدم فقد ذكر الخطيب بعض المنقول عن أئمة أصحاب الحديث في جواز الرواية عن أهل الأهواء والبدع.. وأشار إلى ما قاله الشافعي في جواز قبول شهادة أهل الأهواء غير صنف من الرافضة خاصة.. وروى بسنده عن علي بن الجعد يقول سمعت أبا يوسف يقول: "أجيز شهادة أهل الأهواء - أهل الصدق منهم - إلا الخطابية والقدرية الذين يقولون إن الله لا يعلم الشيء (1/65) وروى بسنده أيضا عن ابن المبارك يقول: "سأل أبو عصمة أبا حنيفة ممن تأمرني أن أسمع الآثار؟ " قال: "من كل عدل في هواء، إلا الشيعة فإن أصل عقدهم تضليل أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ومن أتى السلطان طائعا، أما إني لا أقول أنهم يكذبونهم، أو يأمرونهم بما لا ينبغي، ولكن وطؤا لهم حتى انقادت العامة بهم فهذان لا ينبغي أن يكونا من أئمة المسلمين". وأما من ترك الدعاة من أهل البدع أن يروى عنهم، وروى عمن لم يكن داعية أو أفتى بذلك. يقول الخطيب: "فأخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن غالب الخوارزمي بسنده عن عبد الرحمن بن مهدي يقول: "من رأى رأيا ولم يدع إليه احتمل، ومن رأى رأيا ودعى إليه فقد استحق الترك". وروى ابن معين ومالك بن أنس وأحمد بن حنبل وجماعة أنهم كانوا يروون عن غير الداعية ويتركون الرواية عن الداعية فعل ابن المبارك فقد تحدث عن هشام الدستوائي، وترك عمرو بن عبيد ولما سئل قال:"إن عمرو يدعو"1وذكر من مثل هذه العبارات الكثيرة كلها يوضح مذهب كل من العلماء فيما ذهب إليه من الرد والقبول. الخبر الدال على طلب معرفة الضعفاء والوقوف على أحوالهم. وردت عدة أخبار تشير إلى الحث على معرفة الضعفاء حتى يقف الباحث على أمرهم. روى ابن حبان والمنذري: عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي وحجر بن حجر الكلاعي قالا: "أتينا العرباض بن سارية - وهو ممن نزل فيه {ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه} فسلمنا وقلنا: أتيناك زائرين، وعائدين ومقتبسين، فقال العرباض: "صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة، ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله، كأن هذه موعظة مودع، فماذا تعهد إلينا؟ فقال: "أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبد حبشي، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.." قال المنذري: "وأخرجه الترمذي وابن ماجه وليس في حديثهما ذكر حجر ابن حجر، غير أن الترمذي أشار إليه تعليقا" وقال الترمذي: "حسن: صحيح" والخلفاء: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي.. وقال صلى الله عليه وسلم "اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر". . فخص اثنين- فإذا قال أحدهما قولا وخالفه فيه أحد من الصحابة كان المصير إلى قوله أولى.. ويقول الخطابي في معالم السنن أيضا: (والنواجذ) آخر الأضراس.. واحدها ناجذ.. وإنما أراد الجد في لزوم السنة، فعل من أمسك الشيء بين أضراسه، وعضو عليه، منعا له أن ينتزع، وذلك أشد ما يكون من التمسك بالشيء، إذا كان ما يمسكه بمقاديم فيه أقرب تناولا وأسهل انتزاعا. وقد يكون معناه أيضا: الأمر بالصبر على ما يصيبه من المضض في ذات الله، كما يفعله المتألم بالوجع يصيبه.. وقوله: "كل محدثة بدعة" فإن هذا خاص في بعض الأمور دون بعض، وكل شيء على غير أصل من أصول الدين، وعلى غير عياره وقياسه.. وأما ما كان مبنيا على قواعد الأصول ومردود إليها فليصل ببدعة ولا ضلالة.2.. وقال ابن حبان قال أبو حاتم: في قوله صلى الله عليه وسلم: "فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا فعليكم بسنتي.." "دليل صحيح على أنه صلى الله عليه وسلم أمر أمته بمعرفة الضعفاء من الثقاة لأنه لا يتهيأ لزوم السنة مع ما خالطها من الكذب والأباطيل إلا بمعرفة الضعفاء من الثقاة وقد علم النبي عليه الصلاة والسلام بما يكون من ذلك في أمته إذ قال: "من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ... " __________ 1 انظر: مختصر سنن أبي داود لمنذري جـ 7 ص 11/12. ك السنة /باب في لزوم السنة حد 2 نفس المرجع السابق. (1/66) الأمر بجرح الضفعاء ونشوء هذا العلم.. تحت هذا الموضوع سنبين الأدلة المجوزة في جرح الضعفاء وأنه من الدين، وبيان الفرق بين الجرح والغيبة المنهي عنها.. روى محمد بن حبان بسنده عن سعيد بن المسيب قال: مر عمر بن الخطاب بحسان ابن ثابت وهو ينشد الشعر في المسجد فلحظ إليه فقال حسان: "قد كنت أنشد فيه مع من هو خير منك، ثم التفت إلى أبي هريرة فقال: "أنشدك الله هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " يا حسان أجب عني.. اللهم أيده بروح القدس؟ " قال: "نعم"1 ورواه مسلم في صحيحه2 قال أبو حاتم: "في هذا ... كالدليل على الأمر بجرح الضعفاء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لحسان بن ثابت أجب عني، وإنما أمر أن يذب عنه ما كان يقول عليه المشركون فإذا كان في تقول المشركين على رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر أن يذب عنه، وإن لم يضر كذبهم المسلمين، ولا أحلوا به الحرام، ولا حرموا به الحلال، كان من كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسلمين الذي يحل الحرام ويحرم الحلال بروايتهم أحرى أن يؤمر بذب ذلك الكذب عنه صلى الله عليه وسلم". وعقب أبو حاتم على حديث أبي هريرة: "يتقارب الزمان وينقص وتظهر الفتن ويكثر الهرج". قال: إن العلم ينقص عند تقارب الزمان، وفيه دليل على أن ضد العلم يزيد، وكل شيء زاد مما لم يكن مرجعه إلى الكتاب والسنة فهو ضد العلم، ولست أعلم العلوم كلها إلا في زيادة إلا هذا الجنس الواحد من العلم، وهو الذي لا يكون للإسلام قوام إلا به، إذ الله جل وعلا أمر باتباع رسوله عليه الصلاة والسلام، وعند التنازع الرجوع إلى ملته وعند الحوادث حيث قال: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا..} 3 ثم نفى الإيمان عمن لم يحكم رسول صلى الله عليه وسلم فيما شجر بينهم فقال: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما} 4 فمن لم يحفظ سنن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يحسن تمييز صحيحها من سقيمها ولا عرف الثقاة من المحدثين ولا الضعفاء والمتروكين ومن يجب قبول انفراد خبره ممن لا يجب قبول زيادة الألفاظ في روايته، ولم يحسن معاني الأخبار والجمع بين تضادها في الظواهر ولا الناسخ من المنسوخ، ولا اللفظ الخاص الذي يراد به العام، ولا اللفظ العام الذي يراد به الخاص.. ولا الأمر الذي هو فريضة وإيجاب، ولا الأمر الذي هو فضيلة وإرشاد، ولا النهي الذي هو حتم لا يجوز ارتكابه من النهي الذي هو ندب يباح استعماله، مع سائر فصول السنن، وأنواع أسباب الأخبار كيف يستحل أن يفتي، أو كيف يسوغ لنفسه تحريم الحلال، أو تحليل الحرام تقليد أمنه لمن يخطئ ويصيب رافضا قول من لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى صلى الله عليه وسلم. وقد أخبر صلى الله عليه وسلم عن كيفية نقص العلم الذي ذكره في خبر أبي هريرة، وأن ذلك ليس برفع __________ 1 أنظر المجروحين لابن حبان جـ 1/ص 10/ط 1 2 المجروحين لابن حبان ص 11/جـ 1 3 الحشر /7 4 النساء /65 (1/67) وهم وقع فيه البعض.. بعض الناس وقعوا في وهم سببه أنهم لم يستطيعوا أن يفرقوا بين وصف الشخص بما يجرحه نصيحة ومصلحة للشريعة الغراء وبين الغيبة التي يقصد بها القدح والانتقاص بدون مصلحة تتعلق بالدين. وقد عقد الخطيب البغدادي بابا في وجوب تعريف المزكي ما عنده من حال المسئول عنه.. ومهد له بما رواه بسنده عن عطاء عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سئل علم يعلمه فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار.." وقد أنكر قوم لم يتبحروا في العلوم قول الحافظ من أئمتنا، وأولى المعرفة من أسلافنا الراوي ضعيف، وفلانا غير ثقة، وما أشبه هذا من الكلام ورأوا في ذلك غيبة لمن قيل فيه، إن كان الأمر على ما ذكره القائل، وإن كان الأمر على خلافه فهو بهتان.. واحتجوا بالحديث الذي رواه الخطيب بسنده عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل ما الغيبة فقال: "ذكرك أخاك بما يكره" قال: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: "إن كان في أخيك ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول ففد بهته.." وروى محمد بن حبان بسنده عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما الغيبة؟ " الحديث.. قال أبو حاتم: "احتج بهذا ممن ليس الحديث صناعتهم، وزعموا أن قول أئمتنا فلان ليس بشيء، وفلان ضعيف، وما يشبه هذا من المقال غيبة إن كان فيهم ما قيل، وإلا فهو بهتان عظيم"1ثم قال: "إن هذا ليس بالغيبة المنهي عنها وذلك أن المسلمين قاطبة ليس بينهم خلاف أن الخبر لا يجب أن يسمع عند الاحتجاج إلا من الصدوق العاقل، فكان في إجماعهم هذا دليل على إباحة جرح من لم يكن يصدق في الرواية عن أن السنة تصرح عن المصطفى صلى الله عليه وسلم بضد ما انتحل مخالفونا فيه.." وعن ابن حبان الخبر الدال على صحة ما ذهب إليه.. قال حدثنا الحسن ابن سفيان الشيباني قال أنبانا روح بن القاسم عن محمد بن المنكدر عن عروة عن عائشة قالت: أقبل رجل فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال: " بئس أخو العشيرة، أو قال ابن العشيرة.." فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم كلمه وانبسط إليه فلما ولى قالت عائشة يا رسول الله: "لما رأيته قلت.. ولما جاء كلمته وانبسطت إليه"، فقال يا عائشة: "إن شر أمتي عند الله منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء فحشه" قال أبو حاتم: وفي هذا الخبر دليل على إخبار الرجل بما في الرجل على جنس الإبانة أو الديانة ليس بغيبة إذ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بئس أخو العشيرة، أو ابن العشيرة"، ولو كان هذا غيبة لم يطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما أراد بقوله هذا أن يفتدي ترك الفحش، إلا أنه أراد ثلبه وإنما الغيبة ما يريد القائل القدح في المقول فيه، وأئمتنا رحمة الله عليهم إنما بينوا هذه الأشياء وأطلقوا الجرح في غير العدول لئلا يحتج بأخبارهم لا أنهم أرادوا ثلبهم والوقيعة فيهم. والإخبار عن الشيء لا يكون غيبة إذا أراد القائل به الثلب 2 وجاء في مختصر سنن أبي داوود للمنذري 3 عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قيل: يا رسول الله ما الغيبة؟ قال: "ذكرك أخاك بما يكره" قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: "إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته ". ومعنى هذا: أي قلت فيه البهتان وهو الباطل وقيل واجهته بما لم يفعل. وقيل قلت فيه من الباطل ما حيرته به.. يقال بهت الرجل بفتح الباء وكسر الهاء إذا تحير وبهت بضم الهاء - مثله.. وأفصح منها بهت - بضم الباء وكسر الهاء - __________ 1 كتاب المجروحين لابن حبان البستي جـ 1/ ص 17 2 ابن حبان جـ 1/ ص 19 3 مختصر المنذري للسنن جـ 7/ ص 112 باب في (1/68) قال الله تعالى: {فبهت الذي كفر..} 1. وقال بعضهم: الاغتياب حرام والغيبة ذكر الإنسان بما يكره في غيبته- والبهت وجهه، وكلاهما مذموم كان بحق أو بباطل، إلا أن يكون بوجه شرعي.. فيقول ذلك في وجهه على طريق الوعظ والنصيحة وله التعريض دون التصريح والحديث رواه مسلم بسنده عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة به. قال النووي: "باب تحريم الغيبة وفيه يقال بهته بفتح الهاء مخففة قلت فيه البهتان وهو الباطل؛ والغيبة: ذكر الإنسان في غيبته بما يكره وأصل البهت أن يقال له الباطل في وجهه وهما حرامان لكن تباح لغرض شرعي، وذلك لستة أسباب: (1) التظلم فيجوز للمظلوم أن يتظلم لدى السلطان والقاضي وغيرهما ممن له ولاية، أو قدرة على إنصافه من ظالمه، فيقول ظلمني فلان أو فعل بي كذا.. (2) الاستغاثة على تغيير المنكر ورد العاصي إلى الصواب، فيقول لمن يرجو قدرته فلان يعمل كذا فأزجره عني ونحو ذلك.. (3) الاستفتاء: بأن يقول للمفتي ظلمني فلان أو أبي أو أخي أو زوجي بكذا فهل له ذلك وما طريقي في الخلاص منه ورفع ظلمه عني ونحو ذلك فهذا جائز، والأجود أن يقول في رجل أو زوج أو والد وولد كان من أمره كذا ومع ذلك فالتعيين جائز لحديث هند وقولها: "إن أبا سفيان رجل شحيح". (4) تحذير المسلمين من الشر وذلك من وجوه جرح المجروحين من الرواة والشهود والمصنفين، وذلك جائز بالإجماع، بل واجب صونا للشريعة. ومنها الإخبار بعيبه عند المشاورة في مصاهرته، ومنها إذا رأيت من يشتري شيئا معيبا أو عبدا سارقا أو زانيا أو شاربا أو نحو ذلك تذكره للمشتري إذا لم يلعمه نصيحة لا بقصد الإيذاء والإفساد، ومنها إذا رأيت متفقها يتردد إلى فاسق أو مبتدع يأخذ عنه علما وخفت عليه ضرره فعليك نصيحته ببيان حاله قاصدا النصيحة. ومنها أن يكون له ولاية لا يقوم بها على وجهها لعدم أهليته أو لفسقه فيذكره لمن له عليه ولاية ليستدل بها على حاله فلا يغتر به ويلزم الاستقامة. (5) أن يكون مجاهرا بفسقه أو بدعته كالخمر ومصادرة الناس وجباية المكوس وتولي الأمور الباطلة فيجوز بغيره إلا بسبب آخر. (6) التعريف: فإذا كان معروفا بلقب كالأعمش والأعرج والأزرق والقصير والأعمى والأقطع والأحول والضال ونحوها جاز تعريفه به ويحرم ذكره به تنقصا.. ولو أمكن التعريف بغيره كان أولى. أما عن حديث عائشة السابق في الرجل الذي تكلم فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقد ذكره المنذري في مختصر السنن عن عروة، وهو ابن الزبير رضى الله عنهما عن عائشة رضى الله عنها قالت: استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال: "بئس ابن العشيرة - أو بئس رجل العشيرة -" ثم قال: "أئذنوا له". فلما دخل ألان له القول، فقالت عائشة: "يا رسول الله ألنت له القول وقد قلت ما قلت؟ " قال: "إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من ودعه الناس- أو تركه - الناس اتقاء فحشه". وهذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم والترمذي. قال المنذري: "وهذا الرجل هو عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري". وقيل: "هو مخرمة بن نوفل الزهري والد المسور بن مخرمة". وعن أبي سلمة، وهو ابن عبد الرحمن بن عوف عن عائشة رضي الله عنها: أن رجلا استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "بئس أخو العشيرة.. فلما دخل انبسط إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلمه، فلما خرج قلت: "يا رسول الله لما استأذن قلت بئس أخو العشيرة فلما دخل انبسطت له؟ " __________ 1 سورة البقرة آية (258) (1/69) فقال: "يا عائشة إن الله لا يحب الفاحش المتفحش.." 1 قال الشيخ الخطابي: "أصل الفحش زيادة الشيء على مقداره ومن هذا قول الفقهاء "يصلى في الثوب الذي أصابه الدم إذا لم يكن فاحشا" أي كثيرا مجاوزا للقدر الذي يتعافاه الناس فيما بينهم. يقول صلى الله عليه وسلم: إن استقبال المرء صاحبه بعيوبه إفحاش والله لا يحب الفحش، ولكن الواجب أن يتأنى له، ويرفق به ويكني في القول، ويوري به ولا يصرح. وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قد ذكره بالعيب الذي عرف به قبل أن يدخل.. وهذا من النبي صلى الله علية وسلم لا يجري مجرى الغيبة، وإنما فيه تعريف الناس أمره، وزجرهم عن مثل مذهبه، ولعله تجاهر بسوء فعاله ومذهبه، ولا غيبة لمجاهر" 2. __________ 1 مختصر المنذري على سنن أبي داود جـ 7/ ص 169ـ170 كتاب الأدب حديث رقم /4624 2 نفس المرجع ص 171 (1/70) من ليست له غيبة: عن أبي عبد الله الجشمي عن جندب - وهو ابن عبد الله البجلي رضى الله عنه - قال: "جاء أعرابي فأناخ راحلته ثم عقلها ثم دخل المسجد فصلى خلف رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى راحلته فأطلقها.. ثم ركب ثم نادى "اللهم ارحمني ومحمدا ولا تشرك في رحمتنا أحدا"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتقولون هو أضل أم بعيره؟ ألم تسمعوا إلى ما قال؟ قالوا بلى". أبو عبد الله - هذا هو عباس الجشمي، ذكره النسائي في كتاب الكنى وقد أخرج الترمذي والنسائي وابن ماجه نحوا من حديث أبى وليس فيه الفصل الأخير.. وأخرجه البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك. قال الشيخ ابن القيم رحمه الله تعالى: (وإدخال أبي داود هذا الحديث هنا يريد به أن ذكر الرجل بما فيه في موضع الحاجة ليس بغيبة مثل هذا، ونظيره ما تقدم من حديث عائشة المتفق عليه "ائذنوا له فبئس أخو العشيرة" بوب عليه البخاري: "باب أهل الفساد والريب" وذكر في الباب عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أظن فلانا وفلانا يعرفان من ديننا شيئا". وفي الباب حديث فاطمة بنت قيس لما خطبها معاوية وأبو جهم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أما معاوية: فصعلوك، وأما أبو جهم: فلا يضع العصا عن عاتقه". وقالت هند للنبي صلى الله عليه وسلم: "إن أبا سفيان رجل شحيح". وقال الأشعث بن قيس للنبي صلى الله عليه وسلم في خصمه: "إنه امرؤ فاجر". وقال الحضرمي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في خصمه: "إنه رجل فاجر لا يبالي ما حلف عليه، وليس يتورع من شيء ... " رواه مسلم3. رأي الخطيب البغدادي في الأمر بجرح غير الثقاة من الرواة.. روى بسنده عن محمد ابن الفضل بن العباس يقول: "كنا عند عبد الرحمن بن أبي حاتم وهو إذن يقرأ علينا كتاب (الجرح والتعديل) فدخل عليه يوسف بن الحسين الرازي فقال له: "يا أبا محمد ما هذا الذي تقرؤه على الناس؟ __________ 3 مختصر المنذري جـ 7/ ص 217 حديث 4717 (1/70) " قال: "كتاب صنفته في الجرح والتعديل"، قال: "وما الجرح والتعديل؟ " قال: "أظهر أحوال أهل العلم من كان منهم ثقة أو غير ثقة.." فقال له يوسف بن الحسين: "استحييت لك يا أبا محمد، كم من هؤلاء القوم قد حطوا رواحلهم في الجنة منذ مائة ومائتي سنة وأنت تذكرهم وتغتابهم على أديم الأرض"، فبكى عبد الرحمن وقال: "يا أبا يعقوب لو سمعت هذه الكلمة قبل تصنيفي هذا الكتاب لما صنعته". قال الخطيب: وليس الأمر على ما ذهبوا إليه، لأن أهل العلم أجمعوا على أن الخبر لا يجب قبوله إلا من العاقل الصدوق المأمون على ما يخبر به. وفي ذلك دليل على جواز الجرح إن لم يكن صدوقا في روايته مع أن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وردت مصرحة بتصديق ما ذكرنا.. وبضد قول من خالفنا. وروى حديث عروة بن الزبير عن عائشة: "ائذنوا له فبئس أخو العشيرة". قال: ففي قول النبي صلى الله عليه وسلم للرجل: " بئس رجل العشيرة"، دليل أن أخبار المخبر بما يكون في الرجل من العيب على ما يوجب العلم من النصيحة للسائل ليس بغيبة. لما أطلقه النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما أراد عليه الصلاة والسلام بما ذكر فيه- والله اعلم- أن بئس للناس الحالة المذمومة منه، وهي الفحش، فيجتنبوها، لا أنه أراد الطعن عليه والثلب له. قال الخطيب: "وكذلك أئمتنا في العلم بهذه الصناعة، إنما أطلقوا الجرح فيمن ليس بعدل، لئلا يتغطى أمره على من لا يخبره فيظنه من أهل العدالة فيحتج بخبره، والإخبار عن حقيقة الأمر إذا كان على الوجه الذي ذكرنا، لا يكون غيبة". يقول أيضا: ومما يؤيد ذلك حديث فاطمة بنت قيس الذي أخبرناه عبد الرحمن ابن عبيد الله الحرفي بسنده عن مالك بن أنس عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن فاطمة بنت قيس أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة وهو غائب بالشام فأرسل إليها وكيله بشعير فتسخطته فقال والله مالك علينا من شيء فجاءت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكرت ذلك له فقال: "ليس لك عليه نفقة"، وأمرها أن تعتد في بيت أم شريك ثم قال: "إنها امرأة يغشاها أصحابي، اعتدي عند ابن أم مكتوم فانه رجل أعمى تضعين ثيابك، فإذا حللت فأذيني"، قالت: "فلما حللت ذكرت له أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه وأما معاوية فصعلوك لا مال له انكحي أسامة بن زيد"، قالت: "فكرهته" ثم قال: "انكحي أسامة ابن زيد" فنكحته فجعل الله فيه خيرا كثيرا واغتبطت به. في هذا الخبر دلالة على أن إجازة الجرح للضعفاء من جهة النصيحة لتجنب الرواية عنهم وليعدل عن الاحتجاج بأخبارهم لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ذكر في أبي جهم أنه لا يضع عصاه عن عاتقه، وأخبر عن معاوية أنه صعلوك لا مال له، عند مشورة استشير فيها لا تتعدى المستشير كان ذكر العيوب الكامنة في بعض نقلة السنن التي يؤدي السكوت عن إظهارها عنهم، وكشفهم عليهم إلى تحريم الحلال وتحليل الحرام.. وإلى الفساد في شريعة الإسلام أولى بالجواز وأحق بالإظهار. وأما الغيبة التي نهى الله عنها بقوله عز وجل: {ولا يغتب بعضكم بعضا} 1،وزجر رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها بقوله: "يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم". فنهى عن ذكر الرجل عيوب أخيه يقصد بها الوضع منه والتنقيص له والازدراء به، فيما لا يعود إلى حكم النصيحة، وإيجاب الديانة من التحذير عن ائتمان الخائن وقبول خبر الفاسق، واستماع شهادة الكاذب، وقد تكون الكلمة الواحدة لها معنيان مختلفان على حسب اختلاف حال قائلها، في بعض الأحوال يأثم قائلها وفي حالة أخرى لا يأثم.. __________ 1 سورة الحجرات آية (12) (1/71) ============== ( فهرس المحتويات ) قاعدة في الجرح والتعديل الكتاب: قاعدة في الجرح والتعديل (مطبوع مع كتاب «أربع رسائل في علوم الحديث» ) المؤلف: تاج الدين عبد الوهاب بن تقي الدين السبكي (المتوفى: 771هـ) المحقق: عبد الفتاح أبو غدة الناشر: دار البشائر - بيروت الطبعة: الخامسة، 1410هـ، 1990م عدد الأجزاء: 1 [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] قاعدة في الجرح والتعديل ضرورية نافعة لا تراها في شيء من كتب الاصول فانك اذا سمعت ان الجرح مقدم على التعديل ورايت الجرح والتعديل وكنت غرا بالامور او فدما مقتصرا على منقول الاصول حسبت ان العمل على جرحه فاياك ثم اياك والحذر كل الحذر من هذا الحسبان بل الصواب عندنا أن من ثبتت إمامته وعدالته وكثر مادحوه ومزكوه وندر جارحوه وكانت هناك قرينة دالة على سبب جرحه من تعصب مذهبي أو غيره فإنا لا نلتفت إلى الجرح فيه ونعمل فيه بالعدالة وإلا فلو فتحنا هذا الباب وأخذنا بتقديم الجرح على اطلاقه لما سلم لنا احد (1/19) من الاثم اذ ما من امام الا وقد طعن فيه طاعنون وهلك فيه هالكون وقد عقد الحافظ ابو عمر بن البر في كتاب العلم بابا في حكم قول العلماء بعضهم في بعض بدا فيه بحديث الزبير رضي الله عنه دب اليكم داء الامم قبلكم الحسد والبغضاء الحديث وروى بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما انه قال استمعوا كلام العلماء ولا تصدقوا بعضهم على بعض والذي نفسي بيده لهم اشد تغايرا من التيوس في زروبها وعن مالك بن دينار يؤخذ بقول العلماء والقراء الا بعضهم في بعض (1/20) قلت ورايت في كتاب معين الحكام لابن عبد الرفيع من المالكية وقع في المبسوط من قول عبد الله بن وهب انه لا يجوز (1/21) شهادة القارئ على القارئ يعني العلماء لانهم اشد الناس تحاسدا وتباغضا قاله سفيان الثوري ومالك بن دينار ولعل ابن عبد البر يرى هذا ولاباس به غير انا لا ناخذ به على اطلاقه ولكن نرى ان الضابط ما نقوله من ان ثابت العدالة لا يلتفت فيه الى قول من تشهد القرائن بانه متحامل عليه اما لتعصب مذهبي او غيره يم قال ابو عمر بعد ذلك الصحيح في هذا الباب ان من ثبتت عدالته وصحت في العلم امامته وبانت ثقته وبالعلم عنايته لم يلتفت فيه الى قول احد الا ان ياتي في جرحته ببينة عدالة تصح بها جرحته على طريق الشهادات واستدل بان السلف تكلم بعضهم في بعض بكلام منه ما حمل عليه الغضب او الحسد ومنه ما دعا اليه التاويل واختلاف الاجتهاد مما لا يلزم (1/22) المقول به ما قال القائل فيه وقد حمل بعضهم على بض بالسيف تاويلا واجتهادا ثم اندفع ابن عبد البر في ذكر كلام جماعة من النظراء بعضهم في بعض وعدم الاتفات اليه لذلك الى ان انتهى الى كلام ابن معين في الشافعي وقال انه مما نقم على ابن معين وعيب به وذكر قول احمد بن حنبل من اين يعرف يحيى بن معين الشافعي هو لا يعرف الشافعي ولا يعرف ما يقول الشافعي ومن جهل شيئا عاداه قلت وقد قيل ان ابن معين لم يرد الشافعي وانما اراد ابن عمه كما سنحكيه ان شاء الله تعالى في ترجمت الاستاذ ابي منصور وبتقدير ارادته (1/23) الشافعي فلا يلتفت اليه وهو عار عليه وقد كان في بكاء ابن معين على إجابته المامون الى القول بخلق القران وتحسره على ما فرط منه ما ينبغي ان يكون شاغلا له عن التعرض الى الامام الشافعي امام الائمة ابن عم المصطفى صلى الله عليه وسلم (1/24) ثم ذكر ابن عبد البر كلام ابن ابي ذئب وابراهيم بن سعد في مالك ابن انس قال وقد تكلم ايضا في مالك عبد العزيز بن ابي سلمة (1/25) وعبد الرحمن بن زيد بن اسلم ومحمد بن اسحاق وابن ابي يحيى وابن ابي الزناد وعابوا اشياء من مذهب وقد برا الله عز وجل مالكا عما قالوا وكان عند الله وجيها (1/26) قال وما مثل من تكلم في مالك والشافعي ونظائر هما الا قال الاعشى كناطح صخرة يوما ليوهنها لم يضرها واوهى قرنه الوعل او كما قال الحسن بن حميد يا ناطه الجبل العلي ليكمله اشفق على الراس لا تشفق على الجبل ولقد احسن ابو العتاهية حيث يقول (1/27) من ذا الذي ينجو من الناس سالما وللناس قال بالظنون وقيل وقيل لابن المبارك فلان بكلم في ابي حنيفة فانشد حسدا اذ راوك ضلك الله بما فضلت به النجباء وقيل لابي عاصم النبيل فلان يتكلم في ابي حنيفة فقال هو كما قال نصيب سلمت وهل حي على الناس يسلم وقال ابو الاسود الدولي حسدوا الفتى اذ لم ينالوا سعيه فالقوم اعداء له وخصوم (1/28) ثم قال ابن عبد البر من اراد قبول قول العلماء الثقات بعضهم في بعض فليقبل قول الصحابة بعضهم في بعص ان فعل ذلك فقد ضل ضلالا بعيدا وخسر خسرانا مبينا قال وان لم يفعل ولن يفعل ان هداه الله والهمه رشده فليقف عندما شرطناه في ان لا يقبل في صحيح العدالة المعلوم بالعلم عنايته قول قائل لا برهان له قلت هذا كلام ابن عبد البر وهو على حسنه غير صاف من القذى والكدر فانه لم يزد فيه على قوله ان من ثبتت عدالته ومعرفته لا يقبل قول جارجه الا ببرهان وهذا قد اشار اليه العلماء جميعا حيث قالوا لا يقبل الجرح الا مفسرا فما الذي زاده ابن عبد البر عليهم وان اوما الى ان كلام النظير في النظير والعلماء بعضهم في بعض مردود مطلقا كما قدمناه عن المبسوطة فليفصح به ثم هو مما لا ينبغي ان يؤخذ هنا على اطلاقه بل لا بد من زيادة على قولهم ان الجرح مقدم على التعديل او نقصان من قولهم كلام النظير في النظير مردود والقاعدة معقودة لهذه الجملة ولم ينح ابن عبد البر فينا يظهر سواها والا لصرح بان كلام العلماء بعضهم في بعض مردود او لكان كلامه غير ميد فائدة زائدة على ما ذكره الناس ولكن عبارته على ما ترى قاصرة عن المراد فان قلت فنا العبارة الوافية بما ترون قلت ما عرفناك اولا من ان (1/29) الجارح لا يقبل منه الجرح وان فسره في حق من غلبت طاعاته على معاصيه ومادحوه على ذاميه ومزكوه على جارحيه اذ كانت هناك قرينة يشهد العقل بان مثلها حامل على الوقيعة في الذي جرحه من تعصب مذهبي او منافسة دنيوية كما يكون بين النظراء او غير ذلك فنقول مثلا لا يلتفت الى كلام ابن ابي ذئب في مالك (1/30) وابن معين في الشافعي والنسائي في احمد بن (1/33) صالح لان هؤلاء ائمة مشهورون صار الجارح لهم كالاتي بخير غريب لو صح لتوفرت الدواعي على نقله وكان القاطع قائما على كذبه فيما (1/34) قاله ومما ينبغي ان يتفقد عند الجرح حال العقائد واختلافها بالنسبة الى الجارح والمجروح فربما خالف الجارح المجروح في العقيدة فجره لذلك واليه اشار الرافعي بقوله وينبغي ان يكون المزكون براء من الشحناء والعصبية في المذهب خوفا من ان يحملهم ذلك على جرح عدل او تزكية فاسق وقد وقع هذا لكثير من الائمة جرحوا بناء على معتقدهم وهم المخطئون والمجروح مصيب وقد اشار شيخ الاسلام سيد المتاخرين تقي الدين ابن دقيق العيد في كتابه الاقتراح الى هذا وقال اعراض المسلمين حفرة من حفر النار (1/35) وقف على شفيرها طائفتان من الناس المحدثون والحاكام قلت ومن امثلة ما قدمنا قول بعضهم في البخاري تركه ابو زرعة وابو حاتم من اجل مسالة اللفظ فيالله والمسلمين ايجوز لاحد ان يقول البخاري متروك وهو حامل لواء الصانعة ومقدم اهل السنة والجماعة ثم يالله والمسلمين اتجعل ممادحه مذام فان الحق في مسالة اللفظ معه اذ لا يستريب عاقل من المخلوقين في ان تلفظه من افعاله الحادثة التي هي مخلوق لله تعالى وانما انكرها الامام احمد رضي الله عنه لبشاعة لفظها ومن ذلك قول بعض المجسمة في ابي حاتم ابن حبان لم يكن له كبيردين نحن اخرجناه من سحستان لانه انكدر الحد لله فيا ليت شعري (1/36) من احق بالاخراج من يجعل ربه محدودا او من ينزهه عن الجسمية وامثلة هذا تكثر (1/37) وهذا شيخنا الذهبي رحمه الله تعالى من هذا القبيل (1/38) له علم وديانة وعنده على اهل السنة تحامل مفرط لا يجوز ان يعتمد عليه ونقلت من خط الحافظ صلاح الدين خليل بن كيكلدي العلائي رحمه الله ما نصه الشيخ الحافظ شمس الدين الذهبي لا اشك في دينه وورعه وتحريه فيما يقول الناس ولكنه غلب عليه مذهب الاثبات ومنافرة التاويل واغفلة عن التنزيه حتى اثر ذلك في طبعه انحرافا شديدا عن اهل التنزيه وميلا قويا الى اهل الاثبات فاذا ترجم واحد منهم يطنب في وصفه بجميع ما قيل يه من المحاسن ويبالغ في وصفه ويتغافل عن غلطاته ويتأول له ما امكن واذا ذكر احدا من الطرف الاخر كامام الحرمين والغزالي ونحوهما لا يبالغ في وصفه ويكثر من قول من طعن به ويعيد ذلك ويبديه ويعتقده دينا وهو لا يشعر ويعرض عن محاسنهم الطافحة فلا يستوعبها واذا ظفر (1/43) لاحد منهم بغلطة ذكرها وكذلك فعله في اهل عصرنا اذا لم يقدر على احد منهم بتصريح يقول في ترجمته والله يصلحه ونحو ذلك وسببه المخالفة في العقائد انتهى والحال في حق شيخنا الذهبي أزيد مما وصف وهو شيخنا ومعلمنا غير ان الحق احق ان يتبع وقد وصل من التعصب المفرط الى حد يسخر منه وانا اخشى عليه يوم القيام من غالب علماء المسلمين وائمتهم الذين حملوا لنا الشريعة النبوية فان غالبهم علماء المسلمين وائمتهم الذين حملوا لنا الشريعة النبوية فان غالبهم اشاعرة وهو اذا وقع باشعري لا يبقى ولا يذر والذي اعتقده انهم خصماؤه يوم القيامة عند من لعل ادناهم عنده اوجه منه فالله المسئول ان يخفف عنه وان يلهمهم العفو عنه وان يشفعهم فيه (*) والذي ادركنا عليه المشايخ النهى عن النظر في كلامه وعدم اعتبار قوله ولم يكن يستجري ان يظهر كتبه التاريخية الا لمن يغلب على ظنه انه لا ينقل عنه ما يعاقب عليه __________ (*) قال محقق الكتاب: ما عاب به شيخه الإمام شمس الدين الذهبي وقاله فيه - رحمهما الله تعالى - لا يخلو من مبالغة وتحامل بسبب المخالفة في العقيدة أيضا، نسأل الله أن يرزقنا العدل في الرضا والغضب. . . . (1/44) واما قول العلائي لا اشك في دينه وورعه وتحريه فيما يقوله فقد كنت اعتقد ذلك واقول عند هذه الاشياء انه ربما اعتقدها دينا ومنها امور اقطع بانه يعرفها بانها كذب واقطع بانه لا يختلقها واقطع بانه يحب وضعها في كتبه لتنشر واقطع بانه يحب ان بعتقد سامعها صحتها بغضا للمتحد فيه وتنفيرا للناس عنه مع قلة معرفته بمدلولات الالفاظ ومع عدم ممارسته لعلوم الشريعة غير اني لما اكثرت بعد موته النظر في كلامه عند الاحتياج الى النظر فيه توقت في تحريه فيما يقوله ولا ازيد على هذا غير االاحالة على كلامه لينظر كلامه من شاء ثم يبصر هل الرجل متحر عند غضبه او غير متحر واعني بغضبه وقت ترجمته لواحد من علماء المذاهب الثلاثة المشهورين من الحنفية والمالكية والشافعية فاني اعتقد ان الرجل كان اذا مد القلم لترجمة احدهم غضب غضبا مفرطا ثم قرطم الكلام ومزقه وفعل من التعصب ما لا يخفى على ذي بصيرة ثم هو مع ذلك غير خبير بمدلولات الالفاظ كما ينبغي ربما ذكر لفظة من الذم لو عقل معناها لما نطق لما بها (*) ودائما اتعجب من ذكره الامام __________ (*) قال محقق الكتاب: فيه مبالغة طافحة، وتحامل مكشوف! ومتى كان هذا الإمام الفذ الفريد الصاعقة في الحفظ والذكاء والفهم ولمعان الذهن، المدره: (لا يعقل ما ينطق به) نسأل الله السلامة من الشطط وسوء الأدب (1/45) فخر الدين الرازي في كتاب الميزان في الضعفاء وكذلك السيف الامدي واقول يا لله العجب هذان لا رواية لهما ولا جرحهما احد ولا سمع من احد انه ضعفهما فيما ينقلانه من علومهما أي مدخل لهما في هذا الكتاب (*) ثم انا لم نسمع احدا سمى الامام فخر الدين بالفخر بل اما الامام واما ابن الخطيب واذا ترجم كان من المحمدين فجعله في حرف الفاء وسماه الفخر ثم حلف في اخر الكتاب انه لم يتعمد فيه هوى نفسه فاي هوى نفس اعظم من هذا فاما ان يكون ورى في يمينه او استثنى غير الرواة فيقال له لم ذكرت غيرهم واما ان يكون اعتقد ان هذا ليس هوى نفس واذا وصل الى هذا الحد والعياذ بالله فهو مطبوع على قلبه (**) ولنعد الى ما كنا بصدده فنقول __________ (*) قال محقق الكتاب: صحيح ان أصل الكتاب: "ميزان الاعتدال" بني على نقد الرواة من حملة الأثار، ولكن العلماء- بصرف النظر عن الفخر الرازي والسيف الآمدي- الذين وقع منهم ما ينتقد في سيرتهم أوعقيدتهم، ولا رواية لهم، هل يؤاخذ الذهبى رحمه الله نعالى إذا ترجم لهم بما هم عليه، ليعرفوا لمن بعدهم؟ وقانا الله العصبية لغير الحق وأهله. (**) قال محقق الكتاب: لقد أسرف الشيخ تاج الدين في حق شيخه الإمام شمس الدين الذهبي- لقبا ومعنى، وبالغ حتى أفرط! ومال حتى قسط! ووقع في الشطط والغلط! وكيف ساغ له التعبير بهذه الكلمة الكبيرة؟ وإنها لكبيرة. وإذا كان الإمام شمى الدين الذهبي (مطبوعا على قلبه) وحاشاه من ذلك، فمن الذي أعاذه الله من (الطبع على قلبه) ؟ نسأل الله العدل في الرضا والغضب، والعافية من الإفراط والتفريط. . . (1/46) فان قلت قولكم لا بد من تفقد حال العقائد هل تعنون به انه لا يقبل قول مخالف عقيدة فيمن خالفه مطلقا سواء السني على المبتدع وعكسه او غير ذلك قلت هذا مكان معضل يجب على طالب التحقيق التوقف عنده لفهم ما يلقى عليه وان لا يبادر لانكار شيء قبل التامل فيه واعلم انا عندنا ما هو اعم من ذلك ولسنا نقول لا تقيل شهادة السني على المبتدع مطلقا معاذ الله ولكن نقول من شهد على اخر وهو مخالف له في العقيدة واوجبت مخالفته له في العقيدة ريبة عند الحاكم المتبصر لا يجدها اذا كانت الشهادة صادرة من غير تخالف في العقيدة ولا ينكر ذلك الا فدم اخرق ثم المشهود يه يختلف باختلاف الاحوال والغراض فربما وضح (1/47) غرض الشهادة على المشهود عليه ايضاحا لا يخفى على احد وذلك لقربه من نصر معتقده او ما اشبه ذلك وربما دق وغمض بحيث لا يدركه الا الفطن من الحكام ورب شاهد من اهل السنة ساذج قد مقت المبتدع مقتا زائدا على ما يطلبه الله منه واساء الظن به اساءة او جبت له ما يبلغه عنه فبلغه عنه شيء فغلب على ظنه صدقه لما قدمناه فشهد به فسبيل الحاكم التوقف في مثل هذا الى ان يتبين له الحال فيه وسبيل الشاهد الورع لو كان من اصلب اهل السنة ان يعرض على نفسه ما نقل له عن هذا المبتدع وقد صدق وعزم على ان يشهد عليه به ان يعرض على نفسه مثل هذا الخبر بعينه وهذا المخبر بعينه لو كان عن شخص من اهل عقيدته هل كان يصدقه وبتقدير انه كان يصدقه هل كان يبادر الى الشهادة عليه به وبتقديري انه كان يادر ليوازن ما بين المبادرتين فان وجدهما سواء فدونه والا فليعلم ان حظ النفس داخله وازيد من ذلك ان الشيطان استولى عليه فخيل له ان هذه قربة وقيام في نصر الحق وليعلم من هذه سبيله انه اتي من جهل وقلة دين وهذا قولنا في سني يجرح مبتدعا فما الظن بمبتدع يجرح سني كما قدمناه وفي المبتدعة لا سيما المجسمة زيادة لا توجد في غيرهم وهو انهم يرون الكذب لنصرة مذهبهم والشهادة على من يخالفهم في العقيدة بما في نفسه وماله بالكذب تأييدا لاعتقادهم ويزداد حنقهم وتقربهم الى الله بالكذب عليه بمقدار زيادته في النيل منهم فهؤلاء لا يحل لمسلم ان يعتبر كلامهم فان قلت اليس ان الصحيح في المذهب قبول شهادة المبتدع اذا لم نكفره قلت قبول شهادته لا يوجب دفع الريبة عند شهادته على مخالفه في (1/48) العقيدة والريبة توجب الفحص والتكشف والتثبت وهذه امور تظهر الحق ان شاء الله تعالى اذا اعتمدت على ما ينبغي وفي تعليقة القاضي حسين لا يجوز ان يبغض الرجل لانه من مذهب كذا فان ذلك يوجب رد الشهادة انتهى ومراده لانه مذهب من المذاهب المقبولة اما اذا ابغضه لكونه مبتدعا فلا ترد شهادته واعلم ان ما ذكرناه من قبول شهادة المبتدع هو ما صححه النووي وهو مصادم لنص الشافعي على عدم قبول شهادة الخطابية وهو طريقة الاصحاب واصحاب هذه الطريقة يقولون لو شهد خطابي وذكر في شهادته ما يقطع احتمال الاعتماد على قول المدعي بان قال سمعت فلانا يقر بكذا لفلان او رايته افرض قبلت شهادته وهذا منهم بناء على ان الخطابي يرى جواز الشهادة لصاحبه اذا سمعه يقول لي فلان كذا صدقه واليه اشار الشافعي وقد تزايد الحال بالخطابية وهم المجسمة في زمان هذا صاروا يرون الكذب على مخالفيهم في العقيدة لا سيما القائم عليهم بكل ما يسوءه في نفسه وماله وبلغني ان كبيرهم استفتى في شافعي ايشهد عليه بالكذب فقال الست تعتقد ان دمه حلال قال نعم قال فما دون ذلك دون دمه فاشهد وادفع فساده عن المسلمين هذه عقيدتهم وبرون انهم المسلمون وانهم اهل السنة ولو عدوا عددا لما بلغ علماؤهم ولا عالم فيهم على الحقيقة مبلغا يعتبر ويكفرون غالب علماء الامة ثم يعتزرون الى الامام احمد بن حنبل رضي الله عنه وهو منهم بريء ولكنه كما قال بعض العارفين ورايته بخط الشيخ تقي الدين ابن الصلاح امامان ابتلاهما الله باصحابهما وهما بريئان منهم احمد بن حنبل ابتلي بالمجسمة وجعفر الصادق ابتلي بالرافضة (1/49) ثم هذا الذي ذكرناه هو على طريقة النووي رحمه الله والذي اراه ان لا تقبل شهادته على سني فان قلت هل هذا راي الشيخ ابي حامد ومن تابعه ان اهل الاهواء كلهم لا تقبل لهم الشهادة قلت لا بل هذا قول بان شهادتهم على مخالفيهم في العقيدة غير مقبولة ولو كان مخالفهم في العقيدة مبتدعا وهذا لا اعتقد ان النووي ولا غيره يخالف فيه والذي قاله النووي قبول شهادة المبتدع اذا لم نكفره على الجملة اما ان شهادته تقبل بالنسبة الى مخالفه في العقيدة مع ما هنالك من الريبة لم يقل النووي وفى غيره ذلك فان قلت غاية المخالة في العقيدة ان توجب عداوة وهي دينية لا توجب رد الشهادة قلت انما لا توجب رد الشهادة من المحق على المبطل كما قال الاصحاب تقبل شهادة السني على المبتدع وكذا من ابغض الفاسق لفسقه ثم ساعرفك ما فيه واما عكسه وهو المبتدع على السني فلم يقله احد من اصحابنا ثم اقول فيما ذكره الاصحاب من قبول شهادة السني على المبتدع انما ذلك قي سني لم يصل في حق المبتدع وبغضه له لي ان يصير عنده حظ نفس قد يحمله على التعصب عليه وكذا الشاهد على الفاسق فمن وصل من السني والشاهد على الفاسق الى هذا الحد لم اقبل شهادته عليه لان عندهما زيادة على ما طلبه الشارع منهما اوجبت عندي الريبة في امرهما فكم من شاهد رايته يبغض انسانا ويشهد عليه بالفسق تدينا وجاءني وادى الشهادة عندي باكيا وقت تاديته الشهادة الدين فرقا خائفا يخسف بالمسلمين لوجود المشهود عليه بين اظهرنا (1/50) وانا والذي نفسي بيده اعتقد واتيقن ان المشهود عليه خير منه ولا اقول انه كذب عليه عامدا بل انه بنى على الظن وصدق اقوالا ضعيفة ابغض المشهود عليه بسببها منذ ابغضه لحقه هوى النفس واستولى عليه الشيطان وصار الحامل له في نفس الامر حظ نفسه وفيما يخطر له الدين هذا ما شاهدته وابصرته ولي في القضاء سنين عديدة فليتق الله امرؤ وقف على حفر النار فلا حول ولا قوة الا بالله قد جعلني الله قاضيا ومحدثا وقد قال ابن دقيق العيد اعراض الناس حفرة من حفر النار وقف عليها المحدثون والحكام (1/51) ومما يؤيد ما قلته ان اصحابنا قالوا من استباح دم غيره من المسلمين ولم يقدر على قتله فشهد بقتله لم يقتل ذكره الروياني في البحر في باب من تجوز شهادته نقلا عن بعض اصحابنا سكنا عليه ولا يعر في المذهب خلافه فان قلت قد قال عقيبه ومن شتم متاولا ثم شهد عليه قبل او غير متاول فلا (1/52) قلت يعني بالقبول بعد الشتم متاولا الشهادة بامر معين ونحن نعلم انه لا يحمله عليها بغض فليس كمن وصفناه ومما ينبغي ان بتقد عند الجرح ايضا حال الجارح في الخبرة بمدلولات الالفاظ فكثيرا ما رايت من يسمع لفظة فيفهمهما على غير وجهها والخبرة بمدلولات الالفاظ ولا سيما الالفاظ العرفية التي تختل باختلاف عرف الناس وتكون في بعض الازمان مدحا وفي بعضها ذما امر شديد لا يدركه الا فقيه بالعلم ومما ينبغي ان يتفقد ايضا حاله في العلم بالاحكام الشرعية فرب جاهل ظن الحلال حراما فجرح به ومن اوجب الفقهاء التفسير ليتوضح الحال وقال الشافعي رضي الله عنه حضرت بمصر رجلا مزكيا يجرح رجلا سئل عن سببه والح عليه فقال رايته يبول قائما قيل وما في ذلك قال يريد الريح من رشاشه على يده وثيابه فيصلي فيه قيل هل رايته قد اصابه الرشاش وصلى قبل ان يغتسل ما اصابه قال لا ولكن اراه سيفعل قال صاحب البحر وحكي ان رجلا جرح رجلا وقال انه طين سطحه بطين استخرج من حوض السبيل (1/53) ومما ينبغي ايضا تفقده وقد نبه عليه شيخ الاسلام ابن دقيق العيد الخلاف الواقع بين كثير من الصوفية واصحاب الحديث فقد اوجب كلام بعضهم في بعض كما تكلم بعضهم في حق الحارث المحاسبي وغيره وهذا في الحقيقة داخل في قسم مخالفة العقائد وان عدة ابن دقيق العيد غيره والطامت الكبرى انما هي في العقائد المثيرة للتعصب والهوى نعم وفي المنافسات الدنيوية على حطام الدنيا وهذا في المتاخرين اكثر منه في المتقدمين وامر العقائد سواء في الفريقين وقد وصل حال بعض المجسمة في زماننا الى ان كتب شرح صحيح مسلم للشيخ محي الدين النووي وحذف من كلام النووي ما تكلم به على احاديث الصفات فان النووي اشعري العقيدة فلم تحمل قوى هذا الكتاب ان بكتب الكتاب على الوضع الذي صنفه مصنف وهذا عندي من كبائر الذنوب فانه تحريف للشريعة وفتح باب لا يؤمن معه بكتب الناس (1/54) وما في ايديهم من المصنفات فقبح الله فاعله واخزاه وقد كان في غنية عن كتابة هذا الشرح وكان الشرح في غنية عنه ولنعد الى الكلام في الجرحين على النحو الذي عرفناك فان قلت فهذا يعود بالجرح على الجارح حيث جرح لا في موضعه قلت اما من تكلم بالهوى ونحوه فلا شك فيه واما من تكلم بمبلغ ظنه فها هنا وقفه محتومة على طالب التحقيقات ومزلة تاخذ باقدام من لا يبرا عن حوله وقوته ويكل امره الى عالم الخفيات فنقول لا شك ان تكلم في امام استقر في الاذهان عظمته وتناقلت الرواة ممادحة فقد جر الملام الى نفسه ولكنا لا نقضي ايضا على من عرفت عدالته اذا جرح من لم يقبل منه جرحه اياه بالفسق بل نجوز امورا احدهما ان يكون واهما ومن ذا الذي لا يهم والثاني ان يكون مؤولا قد جرح بشيء ظنه جارحا ولا يراه المجروح كذلك كاختلاف المجتهدين والثالث ان يكون نقله اليه من يراه هو صادقا ونراه نحن كاذبا (1/55) وهذا لاختلافنا في الجرح والتعديل رب مجروح عند عالم معدل عند غيره فيقع الاختلاف في الاحتجاج حسب الاختلاف في تزكية فلم يتعين ان يكون الحامل للجارح على الجرح مجرد التعصب والهوى حتى يجرحه بالجرح ومعنا اصلان نستصحبهما الى ان نتيقن خلافهما اصل عدالة الامام المجروح الذي قد استقرت عظمته واصل عدالة الجارح الذي ثبتت عدالته فلا يلتفت الى جرحه ولا نجرحه بجرحه فاحفظ هذا المكان فهو من المهمات فان قلت فهل ما قررتموه مخصص لقول الائمة ان الجرح مقدم لانكم تستثنون جارحا لمن شانه قد ندر بين المعدلين (1/56) قلت لا فان قولهم الجرح مقدم انما يعنون به حالة تعارض الجرح والتعديل فاذا تعارضا لامر من جهة الترجيح قدمنا الجرح لما فيه من زيادة العلم وتعارضهما هو استواء الظن عندهما لان هذا شان المتعارضين اما اذا لم يقع استواء الظن عندهما فلا تعارض بل العمل باقوى الظنين من جرح او تعديل وما نحن فيه لم يتعارضا لان غلبة الظن بالعدالة قائمة وهذا كما ان عدد الجارح اذا كان اكثر قدم الجرح اجماعا لانه لا تعارض والحالة هذه ولا يقول هنا احد بتقديم التعديل لا من قال بتقديمه عند التعرض ولا غيره وعبارتنا في كتابنا جمع الجوامع وهو مختصر جمعناه في الاصلين جمع فأوعى والجرح مقدم ان كان عدد الجرح اكثر من المعدل اجماعا وكذلك ان تساويا او كان الجارح اقل وقال ابن شعبان يطلب الترجيح انتهى وفيه زيادة على ما في مختصرات اصول الفقه فانا نبهنا فيه على مكان الاجماع ولم ينبهواعليه وحكينا فيه مقالة ابن شعبان من المالكية وهي غريبة لم يشيروا اليها واشرنا بقولنا يطلب الترجيح الى ان النزاع انما هو في (1/57) حالة التعارض لان طلب الترجيح انما هو في تلك الحالة وهذا شان كتابنا جمع الجوامع نفع الله به غالب ظننا ان في كل مسالة فيه زيادات لا توجد مجموعة في غيره مع البلاغة في الاختصار اذا عرفت هذا علمت انه ليس كل جرح مقدما وقد عقد شيخنا الذهبي رحمه الله فصلا في جماعة لا يعبا بالكلام فيهم بل ثقات على رغم ان من تفوه يهم بما هم عنه برءاء ونحن نورد ترجمته محاسن ذلك الفصل ان شاء الله ولنختتم هذه القاعدتين بفائدتين عظيمتين لا يراهما الناظر ايضا في غير كتابنا هذا احدهما ان قولهم لا يقبل الجرح الا مفسر انما هو ايضا في جرح من ثبتت عدالته واستقرت اذا اراد رفع رافعها بالجرح قيل له ائت ببرهان على هذا او فيمن يعرف حاله ولكن ابتدره جارحان ومزكيان فيقال اذ ذلك للجارحين فسرا ما رميتماه به اما من ثبت انه مجروح فيقبل قول من اطلق جرحه لجريانه على الاصل المقرر عندنا ولا نطلبه بالتفسير اذ لا حاجة الى طلبه والفائدة الثانية انا لا نطلب التفسير من كل احد بل انما نطلبه حيث يحتمل الحال شكا اما لاختلاف في الاجتهاد او لتهمة يسيرة في الجارح او نحو ذلك مما لا يوجب سقوط قول الجارح ولا ينتهي الى الاعتبار به على (1/58) الاطلاق بل يكون بين بين اما اذا انتفت الظنون واندفعت التهم وكان الجارح حبرا من احبار الامة مبرءا عن مظان التهمة او كان المجروح مشهورا بالضعف متروكا بين النقاد لا نتلعثم عند جرحه ولا نحوج الجارح الى تفسير بل طلب التفسير منه والحالة هذه طلب لغيبة لا حاجة اليهانحن نقبل قول ابن معين في ابراهيم بن شعيب المدني شيخ روى عنه ابن وهب انه ليس بشيء وفي ابراهيم بن يزيد المدني انه ضعيف وفي الحسين بن الفرج الخياط انه كذاب يسرق الحديث وعلى هذا وان لم يبين الجرح لانه اما مقدم في هذه الصناعة جرح طائفة غير ثابتي العدالة والثبت ولا نقبل قوله في الشافعي ولو سر واتى بالف ايضاح لقيام القاطع على انه غير محق بالنسبة اليه اعتبر ما اشرنا ليه في ان معين في غيره واحتفظ بما ذكرناه تنتفع به وينبغي لك ايها المسترشد ان تسلك سبيل الادب مع الائمة (1/59) الماضين وان لا تنظر الى كلام بعضهم في بعض الا اذا اتى برهان واضح ثم ان قدرت على التاويل وتحسين الظن دونك والا فاضرب صفحا عما جرى بينهم فانك لم تخلق لهذا فاشتغل بما يعنيك ودع ما لا يعنيك ولا يزال طالب العلم عندي نبيلا حتى يخوض فيما جرى بين السلف الماضين ويقضي لبعضهم على بعض فاياك ثم اياك ان تصغي الى ما اتفق بين ابي حنيفة وسفيان الثوري (1/60) او بين مالك وابن ابي ذئب او بين احمد بن صالح والنسائي او بين احمد بن حنبل والحارث المحاسبي وهلم جرا الى زمان العز (1/62) ابن عبد السلام وانتقى بن الصالح فانك اذا اشتغلت بذلك خشيت عليك الهلاك فالقوم ائمة اعلام ولاقوالهم محامل وربما لم يهم بعضها (1/63) فليس لنا الترضي عنهم والسكوت عما جرى بينهم كما نفعل فيما جرى بين الصحابة رضي الله عنهم اجمعين (1/65) ============= ( فهرس المحتويات ) قاعدة في المؤرخين الكتاب: قاعدة في المؤرخين (مطبوع مع كتاب «أربع رسائل في علوم الحديث» ) المؤلف: تاج الدين عبد الوهاب بن تقي الدين السبكي (المتوفى: 771هـ) المحقق: عبد الفتاح أبو غدة الناشر: دار البشائر - بيروت الطبعة: الخامسة، 1410هـ، 1990م عدد الأجزاء: 1 [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] قاعدة في المؤرخين ويقرب من هذه القاعدة التي ذكرناها في الجرح والتعديل قاعدة في المؤرخين نافعة جدا فان اهل التاريخ ربما وضعوا من اناس ورعوا اناسا اما لتعصب او لجهل او لمجرد اعتماد على نقل من لا يوثق به او لغير ذلك من الاسباب والجهل في المؤرخين اكثر منه في اهل الجرح والتعديل وكذلك التعصب قل ان رايت تاريخا خاليا من ذلك واما تاريخ شيخنا الذهبي غفر الله له فانه على حسنه وجمعه مشحون بالتعصب المفرط لا واخذه الله فلقد اكثر الوقيعة في اهل الدين اعني الفقراء الذين هم صفوة الخلق واستطال بلسانه على كثير من ائمة (1/66) الشافعية والحنفية ومال فاطرف على الاشعرية ومدح فزاد في المجسمة (1/67) هذا وهو الحافظ المدره والامام المبجل ما ظنك بعوام المؤرخين فالرأي عندنا ان لا يقبل مدح ولا ذم من المؤرخين الا بما اشترطه اما الأئمة وحبر الامة وهو الشيخ الامام الوالد رحمه الله حيث قال ونقلته من خطة في مجامعه يشترط في المؤرخ 1-الصدق 2-واذا نقل يعتمد اللفظ دون المعنى 3- وان لا يكون ذلك الذي نقله اخذه في المذكرة وكتبه بعد ذلك 4-وان يسمى المنقول عنه (1/68) فهذه شروط أربعة فيما ينقله (1/69) ويشترط فيه ايضا لما يترجمه من عند نفسه ولما عساه يطول في الترجم من النقول ويقصر (1/70) 1- ان يكون عارفا بحال صاحب الترجمة علما ودينا وغيرهما من الصفات وهذا عزيز جدا 2- وان يكون حسن العبارة عارفا بمدلولات الالفاظ 3- وان يكون حسن التصوير حتى يتصور حال ترجمته جميع حال ذلك الشخص ويعبر عنه بعبارة لا تزيد عليه ولا تنقص عنه 4- وان لا يغلبه الهوى فيخيل اليه هواه الاطناب في مدح من يحبه والتقصير في غيره بل اما ان يكون مجردا عن الهوى وهو عزيز واما ان يكون عنده من العدل ما يقهر به هواه ويسلك طريق الانصاف فهذه اربع شروط اخرى ولك ان تجعلها خمسة لان حسن تصويره وعلمه قد لا يحصل معهما الاستحضار حين التصنيف فيجعل 5- حضور التصور زائدا على حسن التصور والعلم فهي تسعة شروط في المؤرخ واصعبها الاطلاع على حال الشخص في العلم فانه يحتاج الى المشاركة في علمه والقرب منه حتى يعرف مرتبته انتهى وذكر ان كتابته لهذه الشروط كانت بعد ان وقف على كلام ابن معين في الشافعي وقول احمد بن حنبل انه لا يعر الشافعي ولا يعرف ما يقول (1/71) قلت وما احسن قوله ولما عساه يطول في التراجم من النقول ويقصر فانه اشار به الى فائدة جليلة يغفل عنها كثيرون ويحترز منها المووفثون وهي تطويل التراجم وتقصيرها فرب محتاط لنسه لا يذكر الا ما وجده منقولا ثم ياتي الى من يبغضه ينقل جميع ما ذكر من مذامه ويحذف كثيرا مما نقل من ممادحه ويجيء الى من يحبه فيعكس الحال فيه ويظن المسكين انه لم يات بذنب وانه لا يجب عليه تطويل ترجمة احد ولا استيفاء ما ذكر من ممادحه ولا يظن المغتر ان تقصيره لترجمة بهذه النية استزراء به وخيانة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين في تأديته ما قيل في حقه من مدح وذم فهو كمن بذكر بين يديه بغض الناس يقول دعونا منه وانه عجيب او الله يصلحه يظن انه لم يغتبه بشيء من ذلك وما يظن ان ذلك من اقبح الغيبة ولقد وقفت في تاريخ الذهبي رحمه الله على ترجمة الشيخ الموفق (1/72) ابن قدامة الحنبلي والشيخ فخر الدين بن عساكر وقد اطال تلك وقصر هذه واتى بما لا يشك لبيب انه لم يحمله على ذلك ان هذا اشعري وذالك حنبلي وسيقفون بين يدي رب العالمين وكذلك ما احسن قول الشيخ الامام وان لا يغلبه الهوى فان الهوى غلاب الا لمن عصمه الله وقوله فاما ان يتجرد هن الهوى او يكون عنده من العدل ما يقهر به هواه عندنا فيه زيادة فنقول قد لا يتجرد عن الهوى بان لا يظنه هوى بل يظنه لجهله او بدعته حقا فلا يتطلب حينئذ ما يقهر به هواه لان المستقر في ذهنه انه محق وهذا كما يعله المتخالفين في العقائد بعضهم في بعض فلا ينبغي ان يقبل قول مخالف ي العقيدة على الاطلاق الا ان يكون ثقة وقد روي شيئا مضبوطا عاينه او حققه فقولنا مضبوطا احترزنا يه عن رواية ما لا يضيط من الترهات التي لا يترتب عليها عند التامل والتحقق شيء (1/73) وقولنا عاينه او حققه ليخرج ما يرويه عمن غلا او رخص ترويجا لعقيدته وما احسن اشتراط العلم ومعرفة مدلولاته الالفاظ فلقد وقع كثيرون فيما لا يقتضى جرحا لجهلهم بهذا وفي كتب المتقدمين جرح جماعة بالفلسفة ظنا منهم ان علم الكلام فلسفة الى امثال ذلك مما يطول عده فقد قيل في احمد بن صالح الذي نحن في ترجمته انه يتفلسف والذي قال هذا لا يعرف الفلسفة وكذلك قيل في ابي حاتم الرازي وانما كان رجلا متكلما (1/74) وقريب من هذا قول الذهبي في المزي كما سياتي ان شاء الله تعالى في ترجمة المزي ولا الذهبي يدريان شيئا من المعقول (1/76) والذي افتي به انه لا يجوز الاعتماد على كلام شيخنا الذهبي في ذم اشعري ولا شكر حنبلي والله المستعان انتهى كلام التاج السبكي في كتابه طبقات الشافعية الكبرى (1/77) وقال في كتابه معيد النعم ومبيد النقم ص74 وهو يتحدث عن العلماء وما يؤخذ على بعضهم ومنهم المؤرخون وهم على شفا جرف هار لانهم يتسلطون على اعراض الناس وربما نقول مجرد ما يبلغهم من صادق او اكذب فلا ان يكون المؤرخ عالما عادلا عارفا بحال من يترجمه يس بينه وبينه من الصادق ما قد يحمله على التعصب له ولا من العداوة ما قدت يحمله على الغض منه (1/78) وربما كان الباعث له على الضعة من اقوام مخالفة العقيدة واعتقاد انهم على ضلال فيقع فيهم او يقصر في الثناء عليهم لذلك وقد اطلنا في تقرير هذا الفصل في الطبقات الكبرى وحكينا في ترجمة احمد بن صالح المصري ما ذكره الشيخ الامام في شروط المؤرخ ومن كلام ابي عمر بن عبد البر وغيره ما يزداد به الإنسان بصيرة ومن ذلك فقهاء عصر واحد فلا ينبغي سماع كلام بعضهم في بعض وقد عقد ابن البر في جامع بيان العلم وفضله بابا في ان كلام العلماء بعضهم في بعض لا يقبل وان كان كل منهم بمفرده ثقة حجة وقال أيضا في كتاب طبقات الشافعية الكبرى:1614-162في ترجمة الحاكم ابي عبد الله النيسابوري صاحب المستدرك على الصحيحين وقد عقد فيها فصلا بعنوان ذكر البحث عما رمي به الحاكم من التشيع وما زادت اعداؤه ونقصت اوداؤه رحمه الله تعالى والنصفة بين الفئتين اول ما ينبغي لك ايها المنصف اذا سمعت الطعن في رجل ان تبحث عن خلطائه والذين عنهم اخذ ما ينتحل وعن مرباه وسبيله ثم تنظر كلام اهل بلده وعشيرته من معاصريه العارفين به بعد البحث عن الصديق منهم (1/79) له والعدو الخالي عن الميل الى احد الجهتين وذلك قليل في المتعصرين المجتمعين في بلد واحد وقد استقرات فلم اجد مؤرخا ينتحل عقيدة ويخلو كتابه عن الغمز ممن يحيد عنها سنة الله في المؤرخين وعادته في النقلة ولا حول ولا قوة الا بحبله المتين ========= ( فهرس المحتويات ) كتابة الحديث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بين النهي والإذن الكتاب: كتابة الحديث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بين النهي والإذن المؤلف: ناصر بن إبراهيم العبودي الناشر: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة عدد الأجزاء: 1 [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] المقدمة: ن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد: فيقول الله تعالى في كتابه العزيز: {ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبآئث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون} [الأعراف: 156-158] . ويقول تعالى - أيضا -: {هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي (1/1) ضلال مبين} [الجمعة:2] . ويقول صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: "إنا أمة أمية، لا نكتب ولا نحسب" (1) . من خلال هذه النصوص يتبين لنا بوضوح لا مرية فيه أن القرآن الكريم يصف النبي صلى الله عليه وسلم ب "الأمي"، ويصف أمته التي بعث فيها، وهم العرب ب "الأميين" (2) ، فيمتن عليهم بذلك. أي: أنهم مع كونهم أميين قد بعث الله منهم رجلا أميا - مثلهم لا يقرأ ولا يكتب - بشرع عظيم كامل شامل لجميع الخلق، فيه تزكيتهم وتهذيب نفوسهم، وهدايتهم، والبيان لكل ما يحتاجون إليه من أمر معاشهم ومعادهم. وهذا من أقوى براهين حجته وصدق نبوته صلوات الله وسلامه عليه (3) . فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم بالإسلام – دين العلم والتعلم – اهتم صلى الله عليه وسلم بتعليم المسلمين الكتابة، فأذن لأسرى بدر من أهل مكة أن يفدوا أنفسهم بتعليم __________ (1) أخرجه البخاري في الصوم باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا نكتب ولا نحسب " 149: ح 1913، ومسلم في الصيام باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال 850: ح 1080. (2) أقول: هذا لا يعني عدم وجود من يعرف الكتابة من العرب في الجاهلية على الإطلاق، وإنما المقصود به الغالب والصفة العامة لهم، فإن وجد من يكتب منهم فإنما هم قلة، والظاهر أنهم في مكة أكثر عددا منهم في المدينة؛ لأن مكة بلد تجاري يفد الناس إليه، فاحتيج إلى أن يكون فيهم من يعرف الكتابة والقراءة، يشهد لذلك أنه صلى الله عليه وسلم أذن لأسرى بدر المكيين أن يفدي كل كاتب منهم نفسه بتعليم عشرة من صبيان المدينة القراءة والكتابة. انظر: " طبقات ابن سعد " 2: 22. (3) انظر: "تفسير ابن كثير" 4: 385. (1/2) عشرة من صبيان الأنصار القراءة والكتابة (1) ، وكان بعض المسلمين يتعلمون القراءة والكتابة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث تطوع بعض المعلمين بتعليمهم مثل: عبد الله بن سعيد بن العاص، وسعد بن الربيع الخزرجي، وبشير بن سعد بن ثعلبة، وأبان بن سعيد بن العاص (2) ، فكثر عدد الكاتبين حتى زاد عدد كتاب الوحي على أربعين كاتبا (3) ، ومع وجود عدد من الكتاب في عهده صلى الله عليه وسلم، وأمره لبعضهم بكتابة القرآن الكريم، نجده لم يأمر أحدا بكتابة الحديث النبوي كما أمر بكتابة القرآن، بل نهى عن ذلك وأمر بمحو ما كتب منه (4) ، ولعله أراد بذلك ألا يتكلوا على الكتاب، وأن يداوموا على ملكة الحفظ التي كان العرب يمتازون بها، ويعتمدون عليها في ضبط تواريخهم وأيامهم، ولاسيما أن الحديث تجوز روايته بالمعنى، بخلاف القرآن الذي هو معجز بلفظه ومعناه، ومن ثم لا تجوز روايته بالمعنى، وللتخلص – أيضا – من احتمال انشغال بعضهم به عن القرآن، أو حدوث التباس عند عامة المسلمين، فيخلطون القرآن بالحديث باختلاط صحف بعضهما مع بعض، وبخاصة في أول الإسلام قبل معرفة ألفاظ القرآن وتميز أسلوبه (5) ، لذلك اقتضت الحكمة __________ (1) انظر التعليقة رقم 1. (2) انظر: "طبقات ابن سعد" 3: 531، "الاستيعاب" لابن عبد البر 1: 64، "بحوث في تاريخ السنة" د. أكرم العمري: 287، "السنة قبل التدوين": 299. (3) انظر: "عيون الأثر" لابن سيد الناس 1: 315، "تهذيب الكمال" للمزي 1: 196، "زاد المعاد" لابن القيم 1: 117، "المصباح المضيء في كتاب النبي الأمي" لابن حديدة 1: 28. (4) انظر: المبحث الرابع في سياق أحاديث النهي عن الكتابة. (5) انظر: ص 47، 48، 52. (1/3) حصر جهود الكاتبين في نطاق تدوين القرآن الكريم دون الحديث، فلما تميز القرآن ورسخت معرفة الصحابة به، وأمن صلى الله عليه وسلم عليهم خلطهم غيره به أذن لهم في الكتابة، فكتب بعضهم صحائف وكتبا لأنفسهم، وكتب هو صلى الله عليه وسلم بعض الكتب والمكاتبات الكثيرة التي كان يبعث بها لإبلاغ هذا الدين، وهم قبيل موته أن يكتب كتابا للناس لا يضلون بعده أبدا. فلما توفي صلى الله عليه وسلم كثر عدد من يكتب الحديث من الصحابة والتابعين، وأحجم آخرون عن ذلك تورعا بسبب النهي الوارد، واستمر الأمر على ذلك، بعضهم يكتب، وبعضهم لا يكتب. إلى أن جاء عهد الخليفة الزاهد عمر بن عبد العزيز، الذي دعا إلى جمع السنة وتدوينها. قال البخاري في كتاب العلم: باب كيف يقبض العلم:34: وكتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر بن حزم – عامله على المدينة-: "انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبه؛ فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء"، وبدعوته انتهى الخلاف في كتابة الحديث. واستقر الأمر على استحباب كتابة الحديث، وبعهده ابتدأ التدوين الرسمي الشامل للأحاديث، الذي يقصد به جمع شتات الأحاديث وما تفرق منها في صحائف العلماء ومحفوظاتهم في كتاب واحد يتداوله عامة الناس، فكان "أول من دون الحديث ابن شهاب الزهري (ت 124هـ) على رأس المائة الأولى بأمر عمر بن عبد العزيز" (1) ، ثم انتشر التدوين وأخذ صفة العموم في هذا القرن -أعني القرن الثاني – ولم يزل التدوين يقوى ويشتد، حتى بلغ __________ (1) انظر: " فتح الباري "1: 208. (1/4) عنفوانه، واستوى على سوقه في القرن الثالث، خاتمة القرون الثلاثة المفضلة، والذي يمكن أن يطلق عليه العصر الذهبي للتدوين (1) . ومنذ ذلك العهد وعلماء الإسلام يعنون بخدمة السنة النبوية، والتصنيف فيها، والترتيب لها، وتقريب معانيها، واستنباط الأحكام منها، وبذل الوسع في بيان صحيحها من سقيمها، والدفاع عنها ورد الشبه القديمة والحديثة المثارة حولها، واستمرت سلسلة العناية بالسنة النبوية حتى يومنا هذا، فأتم اللاحق ما بدأه السابق، فأنشئت الجمعيات والمراكز العلمية، وشيدت الكليات الشرعية، وأقيمت الندوات المتخصصة التي تعنى بالسنة والسيرة النبوية، مما كان له أبرز الأثر في خدمة السنة النبوية، وإثراء المكتبة العلمية بالبحوث المتخصصة فيها، ونشر كتب السنة، وإبرازها للناس بتحقيق علمي موثق، ولعل هذا جزء من العناية التي تحظى به السنة النبوية في هذا البلد المبارك بلد الحرمين - المملكة العربية السعودية - بتوجيه ودعم متواصلين من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز حفظه الله تعالى، وسدد خطاه في خدمة الإسلام والمسلمين. ومما يشهد لذلك هذه الندوة المباركة – إن شاء الله تعالى – التي ينظمها مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة، بعنوان: "عناية المملكة العربية السعودية بالسنة والسيرة النبوية" __________ (1) انظر: كتاب "دفاع عن السنة" لفضيلة الدكتور محمد أبوشهبة: 23، "منهج النقد في علوم الحديث" للدكتور نور الدين عتر: 45. (1/5) يلتقي للتواصل والمشاركة فيها عدد كبير من صفوة العلماء والباحثين المهتمين بهذين المجالين من مختلف أقطار العالم، ولقد دعيت للمشاركة في فعاليات هذه الندوة، وتقديم بحث في أحد موضوعات المحور الأول من محاورها، بعنوان: "كتابة الحديث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بين النهي والإذن " فوقع ذلك في قلبي، واستجبت للمشاركة في الكتابة فيه، وقدمت له بهذه المقدمة التي تطرقت فيها إلى تطور كتابة الحديث في العهد النبوي، وما مر بكتابة الحديث من المراحل على سبيل الإجمال، ثم قسمته إلى عدة مباحث: * المبحث الأول: في سياق الأحاديث الواردة في الإذن بكتابة الحديث، مع تخريجها، ودراسة أسانيدها، والحكم عليها. * المبحث الثاني: في ذكر بعض الصحف والكتابات والمكاتبات التي وجدت في عهده صلى الله عليه وسلم. * المبحث الثالث: في إثبات تواتر الأحاديث في وقوع الكتابة في عهده صلى الله عليه وسلم. * المبحث الرابع: في سياق الأحاديث الواردة في النهي عن كتابة الحديث، مع تخريجها، ودراسة أسانيدها، والحكم عليها. * المبحث الخامس: في ذكر آراء العلماء في التوفيق بين أحاديث الإذن والنهي، وتحقيق المسألة في ذلك. * المبحث السادس: في الرد على الشبه المثارة حول السنة من جهة كتابتها. * الخاتمة: وتشتمل على أهم نتائج البحث. (1/6) * الفهارس، ولقد اقتصرت فيها على: - فهرس المصادر والمراجع التي رجعت لها في هذا البحث؛ لقرب مباحثه وقلة أحاديثه. هذا، والله تعالى أسال أن يجعل هذا البحث خالصا لوجهه الكريم، وأن يجعله من العلم النافع والعمل الصالح، وأن يغفر لي ولوالدي، ولعموم المسلمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. (1/7) كتابة الحديث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بين النهي والإذن إعداد: الدكتور ناصر بن إبراهيم العبودي بسم الله الرحمن الرحيم المبحث الأول: في سياق الأحاديث الواردة في الإذن بكتابة الحديث النبوي، مع تخريجها، ودراسة أسانيدها، والحكم عليها الحديث الأول: عن أبي هريرة –رضي الله عنه– قال: كان رجل من الأنصار يجلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيسمع من النبي صلى الله عليه وسلم الحديث فيعجبه ولا يحفظه، فشكا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إني لأسمع منك الحديث، فيعجبني ولا أحفظه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استعن بيمينك"، وأومأ بيده للخط. تخريج الحديث: هذا الحديث أخرجه الترمذي وغيره من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه– ومدار أغلب أسانيده على: "الخليل بن مرة، عن يحيى بن أبي صالح، عن أبي هريرة"، إلا أنه اختلف فيه على الخليل: * فمرة روي عنه كما تقدم: - أخرجه الترمذي (1) عن قتيبة، والخطيب في "الجامع لأخلاق الراوي" (2) من طريق داود بن منصور، كلاهما عن الليث بن سعد، عن الخليل، به، بلفظه، وعند الخطيب لقب يحيى بن أبي صالح ب "السمان". قال الترمذي: هذا حديث ليس إسناده بذاك القائم، وسمعت محمد بن إسماعيل يقول: الخليل بن مرة منكر الحديث. __________ (1) كتاب العلم باب ما جاء في الرخصة فيه – يعني: كتابة العلم – 1920: ح 2666. (2) 1: 249: ح 503. (1/8) *ومرة روي: "عنه، عن علي بن أبي صالح السمان، عن أبي هريرة" أخرجه ابن عدي في "الكامل" (1) عن علان، عن عيسى، عن الليث، عن الخليل، به، بنحوه مختصرا. *ومرة روي: "عنه، عن أبي صالح السمان، عن أبي هريرة": - أخرجه ابن عدي في "الكامل" (2) عن عبد الرحمن بن سليمان بن برد، عن عيسى بن حماد، عن الليث، عن الخليل، به، بنحوه مختصرا. *ومرة روي "عنه، عن يحيى بن أبي صالح السمان، عن أبيه، عن أبي هريرة ": - أخرجه الخطيب في "تقييد العلم" (3) من طرق عن النعمان بن عبد السلام وعبد الأعلى بن محمد وعثمان بن رقاد، - وابن عدي في "الكامل" (4) من طريق عبد الله بن عبد الله الأموي، أربعتهم عن الخليل، به، بنحوه. · النظر في اختلاف روايات الحديث: لم يتبين لي إمكان الترجيح بين روايات الحديث السابقة أو الجمع بينها، وعليه فإن الحديث يكون بهذا الإسناد مضطربا بهذه الاختلافات، فضلا عن ضعفه بسبب وجود الخليل بن مرة فيه، وهو: الخليل بن مرة الضبعي البصري، نزيل الرقة، أحد الصالحين، ضعفه بعضهم __________ (1) 3: 928. (2) 3: 928. (3) 66- 67. (4) 3: 928. (1/9) تضعيفا شديدا، كالبخاري – كما تقدم في تخريج الحديث – وغيره، ووثقه آخرون، وذكره ابن عدي في "الكامل في الضعفاء" (1) ، وساق له بعض الأحاديث المنتقدة، ثم قال: ولم أر في أحاديثه حديثا منكرا قد جاوز الحد، وهو في جملة من يكتب حديثه، وليس هو بمتروك الحديث. أ. هـ، وقد روى له الترمذي، مات سنة (160هـ) (2) . ·متابع للخليل بن مرة: هذا وقد تابع الخليل بن مرة على رواية هذا الحديث الخصيب بن جحدر، إلا أنه قد اختلف فيه عليه – أيضا -: *فمرة روي: "عنه، عن أبي صالح، عن أبي هريرة". - أخرجه الطبراني في "الأوسط" (3) ، - والخطيب في "تقييد العلم" (4) ، - والعقيلي في "الضعفاء" (5) ، ثلاثتهم من طرق عن عبد الصمد بن سليمان، عن الخصيب بن جحدر، به، بنحوه مختصرا. قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن أبي صالح إلا الخصيب بن جحدر. __________ (1) 3: 928. (2) انظر: " الكامل " 3: 928، " تهذيب الكمال " 8: 342، " الكاشف " 1: 376، " ديوان الضعفاء والمتروكين ": 89، " التقريب ": 196. (3) 1: 446: ح 805. (4) 65. (5) 3: 83. (1/10) وقد ذكر الهيثمي هذا الحديث في "مجمع الزوائد" (1) وقال: رواه البزار، وفيه الخصيب بن جحدر، وهو كذاب. قال محقق "الأوسط ": قوله رواه البزار خطأ، والصحيح رواه الطبراني في الأوسط. - وأخرجه الخطيب في "تقييد العلم " (2) ، - وابن عدي في "الكامل " (3) ، كلاهما من طريق طالوت بن عباد، عن الربيع بن مسلم، عن الخصيب، به، بنحوه مختصرا. -وأخرجه الخطيب في "تقييد العلم " (4) من طريق مسعدة بن اليسع، عن أبي الفضل رجل من أهل الشام، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، به. قلت: الظاهر أن أبا الفضل هذا، والذي أبهم في الإسناد، ووصف بأنه رجل من أهل الشام هو الخصيب بن جحدر، والله تعالى أعلم. *ومرة روي: "عنه، عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس، عن أنس". يعني: بجعله من مسند أنس - رضي الله عنه -. أخرجه الطبراني في "الأوسط " (5) ، والخطيب في "تقييد العلم" (6) عن الحسن بن أبي بكر، عن محمد ابن أحمد الصواف، كلاهما عن إبراهيم بن هاشم البغوي، عن إسماعيل __________ (1) 1: 152. (2) 65. (3) 3: 68. (4) 67. (5) 3: 393: ح 2846. (6) 67. (1/11) - ابن سيف، عن محمد بن عبد الواحد بن أخي حزم القطعي، عن الخصيب بن جحدر (1) ، عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس، عن أنس، به، بنحوه مختصرا. قال الطبراني: لا يروى هذا الحديث عن عبيد الله بن أبي بكر إلا بهذا الإسناد، تفرد به إسماعيل. وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (2) : رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه إسماعيل بن سيف، وهو ضعيف. أقول: هكذا ضعف الهيثمي هذا الحديث هنا ب إسماعيل بن سيف، مع أن في إسناده من هو أضعف منه، وهو الخصيب بن جحدر، كما سبق أن ضعف الحديث هو بنفسه به، كما تقدم في تخريج الوجه الأول من روايات هذا الحديث في الصفحة السابقة. __________ (1) في "الأوسط": "عن الخصيب بن جحدر، عن عبيد الله بن جحدر، عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس، عن أنس"، وما أثبته من "مجمع البحرين في زوائد المعجمين" 1: 246 ح 278، ولعله هو الصواب، والله تعالى أعلم. (2) 1: 152. (1/12) · الترجيح بين روايتي الحديث: رجح الخطيب البغدادي في "تقييد العلم" (1) الرواية الأولى للحديث، والتي فيها جعل الحديث من مسند أبي هريرة، فقال – بعد أن رواه من حديث أنس-: لا أعلم رواه عن الخصيب، عن عبيد الله بن أبي بكر، عن أنس إلا ابن أخي حزم، والمحفوظ: عن الخصيب، عن أبي هريرة، كما قدمناه. · الحكم على الحديث: وبعد تخريج روايات هذا الحديث بإسناديه السابقين، يتبين لنا أن الحديث ضعيف جدا بهما، أما إسناده الأول: فلاضطرابه، ووجود الخليل بن مرة فيه، وهو ضعيف – كما تقدم بيان ذلك، وأما إسناده الثاني، ففيه الخصيب بن جحدر، وهو كذاب: كذبه شعبة والقطان وابن معين والبخاري، وقال أحمد: لا يكتب حديثه (2) . هذا وقد ذكر ابن أبي حاتم هذا الحديث في كتابه "علل الحديث" (3) ، فقال -بعد سؤال أبيه عنه-: سمعت أبي يقول: هذا حديث منكر. __________ (1) 68. (2) انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" للبخاري 3: 221، "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم 3: 397، "المجروحين" لابن حبان: 1: 278. " الميزان " 1: 653، "لسان الميزان" 2: 398، "الكشف الحثيث عمن رمي بوضع الحديث": (167) . (3) 2: 339. (1/13) * الحديث الثاني: عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قيدوا العلم". قلت: وما تقييده؟. قال: "كتابته". (1/13) * تخريج الحديث: هذا الحديث – بهذا اللفظ – أخرجه الحاكم وغيره من حديث عبد الله ابن عمرو بن العاص –رضي الله عنه – ومدار أغلب أسانيده على: "عبد الله بن مؤمل، عن ابن جريج، عن عطاء، عنه"، إلا أنه اختلف فيه على ابن المؤمل: * فمرة روي عنه كما تقدم: - أخرجه الحاكم (1) من طريق محمد بن شاذان وصالح بن محمد بن حبيب كلاهما عن سعيد بن سليمان الواسطي، عن ابن المؤمل، به، بلفظه. قال الحاكم: أسنده شيخ من أهل مكة غير معتمد عن ابن جريج. وقال الذهبي: قلت: ابن المؤمل ضعيف. - وأخرجه الطبراني في "الأوسط" (2) عن محمد بن النضر الأزدي، عن سعيد بن سليمان، به، بنحوه. قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن ابن جريج إلا عبد الله بن المؤمل. - وأخرجه الطبراني – أيضا – في "الأوسط" (3) ، - والخطيب في "تقييد العلم" (4) من طريق محمد بن أحمد بن يعقوب، كلاهما عن أحمد بن يحيى الحلواني، عن سعيد بن سليمان، به، بنحوه. أقول: سقط ابن جريج من سند الطبراني في هذا الموضع، فالظاهر أن __________ (1) 1: 106. (2) 6: 26: ح 5052. (3) 1: 469: ح 852. (4) 68. (1/14) ذلك وهم، إذ إن الخطيب روى الحديث –كما تقدم– عن شيخ الطبراني بإثبات ابن جريج على الجادة، ومما يدل على إسقاطه عنده أنه قال بعد تخريجه: لم يرو هذا الحديث عن عطاء إلا عبد الله بن المؤمل (1) . وقد ذكر الهيثمي هذا الحديث في "مجمع الزوائد" مرتين في موضع واحد (2) وقال: رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وفيه عبد الله بن المؤمل وثقه ابن معين وابن حبان، وقال ابن سعد: ثقة قليل الحديث، وقال الإمام أحمد: أحاديثه مناكير؛ ثم ذكره مرة أخرى، وقال: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه عبد الله بن المؤمل، وقد تقدم الكلام فيه قبل هذا الحديث تراه. - وأخرجه الخطيب في "تقييد العلم" (3) ، ومن طريقه: - ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (4) عن الحسن بن أبي بكر، عن محمد بن عبد الله الشافعي، عن محمد بن بشر بن مطر، عن سعيد بن سليمان، به، بنحوه. أقول: قرن الخطيب مع الحسن بن أبي بكر محمد بن عمر النرسي. - وأخرجه الخطيب –أيضا– من طريق حنبل بن إسحاق ومحمد بن سليمان الباغندي، كلاهما عن سعيد بن سليمان، به، بنحوه. - وأخرجه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (5) من طريق محمد بن سنجر وأحمد بن زهير –فرقهما– كلاهما عن سعيد بن سليمان، به، بنحوه. __________ (1) انظر –أيضا– "مجمع البحرين" 1: 247، 248: ح 279، 280. (2) 1: 152. (3) 68. (4) 1: 78 ح 96. (5) 88. (1/15) - وأخرجه أبو نعيم في "الحلية" (1) عن محمد بن أحمد بن الحسن، عن محمد بن نصر الصائغ، عن سعيد بن سليمان، به، بنحوه. قال أبونعيم: غريب من حديث ابن جريج، عن عطاء، لم نكتبه إلا من حديث ابن المؤمل. * متابع لعبد الله بن المؤمل على هذه الرواية: هذا وقد تابع عبد الله بن المؤمل على هذه الرواية الوليد بن مسلم: - أخرجه ابن حبان (2) عن عمر بن محمد - والنسائي في "الكبرى" (3) كلاهما عن عمرو بن عثمان بن سعيد، عن الوليد، عن ابن جريج، عن عطاء (4) ، عن عبد الله بن عمرو، به، بمعناه، وفيه زيادات في آخره. __________ (1) 3: 321. (2) الإحسان" 10: 161: ح 4321. (3) 5: 53: ح 5010. (4) هكذا جاء عطاء في أسانيد هذا الحديث مهملا غير منسوب، وقد اختلف في تعيينه: هل هو الخراساني أو ابن أبي رباح المكي؟! والراجح الأول. قال الزيلعي في "نصب الراية" 4: 143: اعلم أن النسائي وابن حبان لم ينسباه، وذكره ابن عساكر في أطرافه في ترجمة عطاء ابن أبي رباح، عن عبد الله بن عمرو – أقول: وتبعه المزي في "التحفة" 10: 362: ح 8885 – ولم يذكر في كتابه لعطاء الخراساني عن عبد الله بن عمرو شيئا، وكأنه وهم في ذلك، فقد ذكر عبد الحق أنه عطاء الخراساني، وهو جاء منسوبا في مصنف عبد الرزاق، فقال: أخبرنا ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن عبد الله ابن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره.أ. هـ كلام الزيلعي، وقال محقق "موارد الظمآ" 1: 477: ح 1108 بعد أن ذكر هذا الحديث: جاء في حاشية الأصل من خط شيخ الإسلام ابن حجر رحمه الله: هو في النوع 66 من القسم الثالث، وقد قال النسائي في العتق بعد أن أخرجه: عطاء هو الخراساني، ولم يسمع من عبد الله بن عمرو، ولا أعلم أحدا ذكر له سماعا منه. (1/16) - هذا وقد ذكر المزي هذا الحديث في "التحفة" (1) وقال: قال النسائي: هذا الحديث حديث منكر، وهو عندي خطأ. * ومرة روي "عنه، عن ابن أبي مليكة، عن عبد الله بن عمرو": - أخرجه الخطيب في "تقييد العلم" (2) ، ومن طريقه: - ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (3) كلاهما من طريق العباس الدوري، عن سريج بن النعمان، عن ابن المؤمل، به، بنحوه مختصرا. * ومرة روي "عنه، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده": - أخرجه الخطيب في "تقييد العلم" (4) من طريق معن بن عيسى وقاسم بن يزيد الجرمي –فرق حديثيهما– كلاهما عن ابن المؤمل، به، بنحوه، وحديث قاسم بن يزيد بمعناه. · الترجيح بين روايات الحديث والحكم عليه: الذي يظهر لي أن أرجح روايات هذا الحديث هي أكثرها، وهي الرواية الأولى، رواية "ابن المؤمل، عن ابن جريج، عن عطاء، عن عبد الله بن عمرو "والتي تابعه عليها الوليد بن مسلم – كما تقدم في تخريج الحديث – وعلى كل فإن الحديث ضعيف الإسناد؛ لأمرين: أحدهما: انقطاعه بين عطاء الخراساني وبين عبد الله بن عمرو، فإنه لا يعرف له سماع منه – كما تقدم الإشارة إلى ذلك من كلام النسائي في حاشية الصفحة السابقة –والثاني: وجود ابن المؤمل فيه، وهو: عبد الله بن المؤمل بن وهب المخزومي المكي، __________ (1) 6: 362: ح 8885. (2) ص 68. (3) 1: 77: ح 94. (4) 69، 75. (1/17) ضعفه الأكثر، ووثقه بعضهم، وقال ابن عدي: أحاديثه عليها الضعف بين، وفي التقريب: ضعيف الحديث، مات سنة (160هـ) (1) . هذا وقد جاء لهذا الحديث طريق أخرى ضعيفة جدا – أيضا - أخرجها: - الخطيب في "تقييد العلم" (2) ، - وابن الجوزي في "العلل المتناهية" (3) كلاهما من طريق الدارقطني، عن أحمد بن عمار، عن عبد الله بن أيوب، عن إسماعيل بن يحيى، عن ابن أبي ذئب، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، به، بنحوه مختصرا. قال الخطيب: قال الدارقطني: تفرد به إسماعيل، عن ابن أبي ذئب. وقال ابن الجوزي: فيه –يعني: هذا الطريق– إسماعيل بن يحيى. قال الدارقطني: كذاب متروك. __________ (1) انظر ترجمته في: " الكامل" لابن عدي 4: 1454، "تهذيب الكمال" 16: 187، "الميزان" للذهبي2: 510، "التقريب": 325. (2) (69) . (3) 1: 78: ح 97. (1/18) · الحديث الثالث: عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنه- قال: كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد أحفظه، فنهتني قريش، وقالوا: أتكتب كل شيء تسمعه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشر يتكلم في الغضب والرضا؟!، فأمسكت عن الكتاب، فذكرت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأومأ بإصبعه إلى فيه، فقال: "اكتب، فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق". (1/18) * تخريج الحديث: حديث عبد الله بن عمرو هذا أخرجه أبوداود وأحمد وصححه الحاكم وغيرهم من طرق عنه، وقد خرج أغلب هذه الطرق الخطيب البغدادي في "تقييد العلم" (1) ، ولعل أحسن هذه الطرق وأشهرها طريقان: * الأول: "يحيى بن سعيد، عن عبيد الله بن الأخنس، عن الوليد بن عبد الله، عن يوسف بن ماهك، عن عبد الله بن عمرو"، * والثاني: "عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده"، ويأتي مجاهد مقرونا بأبيه أحيانا، وسأقتصر في التخريج على الأول منهما؛ خشية الإطالة، ولحصول المقصود من ثبوت الحديث بذلك، فأقول -وبالله التوفيق- هذا الحديث: - أخرجه أبو داود في العلم باب كتابة العلم (2) ، ومن طريقه: - الخطيب في "تقييد العلم" (3) ، - وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (4) ، - والقاضي عياض في "الإلماع" (5) ، عن مسدد وابن أبي شيبة، كلاهما عن يحيى بن سعيد، به، بلفظه. __________ (1) من ص74 حتى ص82. (2) السنن1493: ح 3646. (3) 80. (4) 1: 85. (5) 146. (1/19) - وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف "كتاب الأدب باب من رخص في كتاب العلم (1) عن يحيى، به، بلفظه. - وأخرجه الدارمي في المقدمة باب من رخص في كتابة العلم (2) عن مسدد، عن يحيى، به، بلفظه. - وأخرجه الحاكم في كتاب العلم، باب الأمر بكتابة العلم (3) من طريق مسدد، به، بلفظه. - وأخرجه أحمد (4) ، ومن طريقه: - الخطيب في "تقييد العلم" (5) عن يحيى بن سعيد، به، بلفظه. · الحكم على الحديث: وبعد النظر في رجال إسناد هذا الحديث يتبين لنا أنهم كلهم ثقات، قد خرج لهم الجماعة، غير الوليد بن عبد الله، وهو: ابن أبي مغيث العبدري، فمن رجال أبي داود وابن ماجه، وهو ثقة، وقد اتفق العلماء على توثيقهم، غير عبيد الله بن الأخنس، فقد وثقه الأئمة إلا ابن حبان انفرد بقوله فيه في "الثقات" (6) : "يخطئ كثيرا"، ولعل ذلك مما عرف عنه من __________ (1) 9: 49: ح 6479. (2) السنن 1: 103: ح 490. (3) المستدرك 1: 105. (4) المسند 11: 57، 406: ح 6510، ح 6802. (5) ص 80. (6) 7: 147. (1/20) التشدد في الجرح، ولذا فإن ابن حجر لما ذكره في "الفتح" (1) قال: "شذ ابن حبان، فقال في الثقات: يخطئ كثيرا"، وعليه يكون هذا الحديث صحيحا بهذا الإسناد، والله تعالى أعلم. __________ (1) 10: 199. (1/21) · الحديث الرابع: عن أبي قبيل قال: كنا عند عبد الله بن عمرو بن العاص –رضي الله عنه– وسئل: أي المدينتين تفتح أولا القسطنطينية أو رومية؟، فدعا عبد الله بصندوق له حلق، فأخرج منه كتابا، فقال: "بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب إذ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي المدينتين تفتح أولا، أقسطنطينية أو رومية؟، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مدينة هرقل تفتح أولا". يعني: قسطنطينية. · تخريج الحديث الرابع: - هذا الحديث أخرجه أحمد (1) ، - وابن أبي شيبة في "المصنف"كتاب الجهاد (2) ، - والدارمي في المقدمة باب من رخص في كتابة العلم (3) عن عثمان بن محمد، ثلاثتهم عن يحيى بن إسحاق، عن يحيى بن أيوب، عن أبي قبيل، به، بلفظه، ولفظ الدارمي فيه اختصار. - وأخرجه الحاكم (4) من طريق ابن وهب، __________ (1) المسند 503: ح 6645. (2) 5: 329. (3) السنن 1: 104: ح 492. (4) المستدرك 4: 508، 555. (1/21) - وابن عبد الحكم في "فتوح مصر" (1) عن سعيد بن عفير، كلاهما عن يحيى بن أيوب، به، بنحوه، ولفظ الحاكم في الموضع الأول فيه اختصار. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. · الحكم على الحديث: هذا الحديث صححه الحاكم ووافقه الذهبي – كما تقدم في تخريجه – وذكره الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (2) وقال بعد أن نقل تصحيح الحاكم والذهبي له -: "وهو كما قالا"، وقد ذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" (3) وقال: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح، غير أبي قبيل، وهو ثقة. __________ (1) 285. (2) 1: 7: ح 4. (3) 6: 219. (1/22) · الحديث الخامس: عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قيدوا العلم بالكتاب". · تخريج الحديث: هذا الحديث أخرجه الخطيب في "تقييد العلم"والحاكم وغيرهما من حديث أنس -رضي الله عنه- ومداره على: "عبد الله بن المثنى، عن عمه ثمامة بن عبد الله بن أنس، عن جده أنس"، إلا أنه اختلف فيه على ابن المثنى: (1/22) * فمرة روي عنه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم: - أخرجه الخطيب في "تقييد العلم" (1) ، وفي "تاريخ بغداد " (2) ، - وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (3) ، - وأبو الشيخ في "طبقات المحدثين بأصبهان" (4) ، جميعهم من طريق عبد الحميد بن سليمان، عن ابن المثنى، به، بلفظه. قال الخطيب في "تقييد العلم": تفرد برواية هذا الحديث عبد الحميد بن سليمان الخزاعي المدني أخو فليح، عن عبد الله بن المثنى، وغيره يرويه موقوفا على أنس. - ومرة روي عنه موقوفا على أنس من قوله: - أخرجه الحاكم (5) ، - وابن سعد في "الطبقات الكبرى" (6) ، كلاهما من طريق محمد بن عبد الله الأنصاري، - والدارمي (7) عن مسلم بن إبراهيم، - والطبراني في "الكبير" (8) من طريق خالد بن خداش، - والقاضي عياض في "الإلماع" (9) من طريق سعيد بن عبد الجبار، أربعتهم عن عبد الله بن المثنى، به، موقوفا على أنس من قوله. __________ (1) 70. (2) 10: 46. (3) 86. (4) 4: 142. (5) 1: 106. (6) 7: 22. (7) السنن 1: 104: ح 497. (8) 1: 218: ح 700. (9) 147. (1/23) قال عياض: قال موسى بن إبراهيم: اتفق الأنصاري ومسلم بن إبراهيم وسعيد على هذا في قول أنس، ورفعه عبد الحميد، ولا يصح رفعه. وقال الحاكم: الرواية عن أنس بن مالك صحيحة من قوله، وقد أسند -يعني: رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم- من غير وجه معتمد. · الترجيح بين روايتي الحديث والحكم عليه: وبهذا يتبين لنا ترجيح رواية الوقف، وهي رواية الأكثرين على رواية الرفع، والتي تفرد بها عبد الحميد بن سليمان – كما رجح ذلك الحاكم والخطيب والقاضي عياض – علما بأن رواية الوقف قد صححها الحاكم - كما تقدم - وقال عنها الهيثمي في "مجمع الزوائد" (1) : رجالها رجال الصحيح. أقول: عبد الله بن المثنى فيه ضعف، إلا أنه قد احتج بحديثه البخاري في مواضع من صحيحه من روايته عن عمه ثمامة، عن جده أنس رضي الله عنه، وروى له الترمذي وابن ماجه (2) __________ (1) 1: 152. (2) انظر: " الكاشف" 1: 592، " هدي الساري": 416، " التقريب": 320. (1/24) · الحديث السادس: عن رافع بن خديج -رضي الله عنه- قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "تحدثوا، وليتبوأ من كذب علي مقعده من جهنم". قلت: يا رسول الله، إنا نسمع منك أشياء، أفنكتبها؟، فقال: "اكتبوا ولا حرج". (1/24) * تخريج الحديث: - هذا الحديث أخرجه الخطيب في "تقييد العلم" (1) . - والطبراني في "الكبير" (2) من طرق عن بقية بن الوليد، عن عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، عن أبي مدرك، عن عباية بن رفاعة بن رافع بن خديج، عن رافع بن خديج، به، بنحوه مختصرا ومطولا، وهذا لفظ الطبراني. - وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" (3) وقال: رواه الطبراني في الكبير وفيه أبومدرك، روى عن رفاعة بن رافع، وعنه بقية، ولم أر من ذكره. · دراسة إسناد الحديث السادس: - عباية بن رفاعة بن رافع بن خديج الأنصاري الزرقي، أبو رفاعة المدني، روى عن جده رافع بن خديج وغيره، وعنه أبو مدرك عبد الله ابن مدرك الأزدي وآخرون، ثقة، خرج له الجماعة (4) . أبو مدرك، هكذا جاء في الإسناد غير منسوب، وقد نسبه المزي فيمن روى عن عباية بن رفاعة -كما تقدم في ترجمته- قال الهيثمي في "المجمع" (5) : لم أر من ذكره. __________ (1) 72، 73. (2) 4: 329: ح 4410. (3) 1: 151. (4) تهذيب الكمال14: 268،التقريب: 294. (5) 1: 151. (1/25) - عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان العنسي، الدمشقي الزاهد، روى عن أبي مدرك الأزدي وغيره، وعنه بقية بن الوليد وآخرون. قال الذهبي في الكاشف: قال دحيم وغيره: ثقة رمي بالقدر، ولينه بعضهم (1) . - بقية بن الوليد بن صائد الكلاعي، الحمصي، الحافظ، أبو يحمد -بضم التحتانية- محدث ثقة مكثر مشهور، إلا أنه كان معروفا بالتدليس، وقد جعله الحافظ في الطبقة الرابعة من طبقات المدلسين (2) . * الحكم على الحديث: ضعيف بهذا الإسناد؛ لوجود أبي مدرك فيه، وهو في عداد المجهولين، وقد صرح بقية بن الوليد ومن بعده من الرواة بتحديث بعضهم من بعض، فأمن الخوف من تدليسه، والله تعالى أعلم. __________ (1) تهذيب الكمال 17: 12، الكاشف 1: 623، ذكر أسماء من تكلم فيه وهو موثق: 117. (2) التهذيب 1: 473، الكاشف 1: 160، التقريب: 126، طبقات المدلسين: 76. (1/26) · الحديث السابع: عن أبي هريرة -رضي الله عنه - قال: "ما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحد أكثر حديثا عنه مني، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب". · تخريج الحديث السابع: - هذا الحديث أخرجه البخاري في العلم باب كتابة العلم (3) عن علي ابن عبد الله، __________ (3) 12: ح 113. (1/26) - والترمذي (1) ، - وأحمد (2) ، - والنسائي في "الكبرى" (3) ، - وابن حبان – كما في "الإحسان" (4) عن عبد الله بن محمد الأزدي، كلاهما عن إسحاق بن إبراهيم، - والدارمي في المقدمة باب من رخص في كتابة العلم (5) عن محمد بن أحمد، خمستهم عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن وهب ابن منبه، عن أخيه همام، عن أبي هريرة، به، بألفاظ مقاربة. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. - وأخرجه أحمد (6) من طريق ابن إسحاق، عن عمرو بن شعيب، عن مجاهد والمغيرة بن حكيم، عن أبي هريرة قال: "ما كان أحد أعلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مني، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب بيده ويعيه قلبه، وكنت أعيه بقلبي ولا أكتب بيدي، واستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكتاب عنه، فأذن له". __________ (1) في العلم باب ما جاء في الرخصة في كتابة العلم 1920: ح 2668، وفي المناقب باب مناقب أبي هريرة 2046: ح 3841 عن قتيبة. (2) 557: ح 7383. (3) في العلم باب كتابة العلم 3: 434: ح 5853. (4) 16: 103: ح 7152. (5) 1: 103: ح 489. (6) 671: ح 9220. (1/27) · الحديث الثامن: عن أبي هريرة –رضي الله عنه– قال: "لما فتح الله على رسوله صلى الله عليه وسلم مكة قام في الناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "إن الله حبس عن مكة القتل –أو الفيل– وسلط عليها رسوله والمؤمنين؛ فإنها لا تحل لأحد كان قبلي، وإنها أحلت لي ساعة من نهار، وإنها لن تحل لأحد من بعدي، فلا ينفر صيدها، ولا يختلى شوكها، ولا تحل ساقطتها إلا لمنشد، ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين، إما أن يفدى، وإما أن يقيد"، فقال العباس: إلا الإذخر؛ فإنا نجعله لقبورنا وبيوتنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إلا الإذخر"، فقام أبو شاه –رجل من أهل اليمن- فقال: اكتبوا لي يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اكتبوا لأبي شاه". · تخريج الحديث: - هذا الحديث أخرجه البخاري (1) ، - ومسلم (2) ، - وأبو داود (3) ، - والترمذي (4) ، - والنسائي في الكبرى (5) ، __________ (1) في العلم باب كتابة العلم 12: ح 112، وفي اللقطة باب كيف تعرف لقطة مكة 191: ح 2434، وفي الديات باب من قتل له قتيل فهو بخير النظرين. (2) في الحج باب تحريم مكة 904: ح 1355. (3) في المناسك باب تحريم مكة 1371: ح 2017، وفي العلم باب كتابة العلم 1493: ح 4649، وفي الديات باب ولي العمد يأخذ الدية 1553: ح 4505. (4) في العلم باب ماجاء في الرخصة فيه 1920: ح 2267. (5) في العلم باب كتابة العلم 3: 434: ح 5855. (1/28) - وأحمد (1) ، جميعهم من طرق عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، به، بألفاظ معناها واحد، مطولا ومختصرا. قيل للأوزاعي – أحد الرواة عن يحيى بن أبي كثير-: وما قوله: "اكتبوا لأبي شاه"، وما يكتبون له؟. قال: يقول: هذه الخطبة التي سمعها من النبي صلى الله عليه وسلم. قال أبو عبد الرحمن عبد الله بن الإمام أحمد: ليس يروى في كتابة الحديث شيء أصح من هذا الحديث،؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم. قال: "اكتبوا لأبي شاه" ما سمع النبي صلى الله عليه وسلم خطبته. __________ (1) 549: ح 7241. (1/29) الحديث التاسع: عن ابن عباس –رضي الله عنه – قال: لما حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هلم أكتب لكم كتابا لا تضلون بعده". فقال عمر: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد غلب عليه الوجع، وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله، فاختلف أهل البيت، فاختصموا: منهم من يقول: قربوا يكتب لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر، فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قوموا". فكان ابن عباس يقول: إن الرزية، كل الرزية، ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب، من اختلافهم ولغطهم. · تخريج الحديث: هذا الحديث اتفق الشيخان على إخراجه من حديث ابن عباس رضي الله عنه، وله عندهما طريقان عنه: أحدهما: "ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله، عنه"، (1/29) والثاني: "عن سليمان الأحول، عن سعيد بن جبير، عنه"، وإليك تخريجهما: - أخرجه البخاري (1) عن يحيى بن سليمان، عن ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب، به، بنحوه مختصرا. - وأخرجه البخاري (2) ، - ومسلم (3) ، كلاهما من طريق معمر، عن ابن شهاب الزهري، به، بلفظه. - وأخرجه البخاري (4) ، - ومسلم – الموضع السابق – كلاهما من طريق ابن عيينة، عن سليمان الأحول، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، بمعناه، وفيه قال ابن عباس: يوم الخميس، وما يوم الخميس؟!، ثم بكى حتى بل دمعه الحصى، فقلت: يا ابن عباس، وما يوم الخميس؟. قال: اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه، فقال: "ائتوني أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا"، فتنازعوا، وما ينبغي عند نبي تنازع، وقالوا: ما شأنه؟ أهجر؟، استفهموه. قال: "دعوني، فالذي أنا فيه خير، أوصيكم بثلاث: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم". قال: وسكت عن الثالثة، أو قال: فأنسيتها. __________ (1) في كتاب العلم باب كتابة العلم 12: ح 114. (2) في المغازي باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم 364: ح 4432، وفي المرضى باب قول المريض: قوموا عني 485: ح 5669، وفي الاعتصام باب كراهية الاختلاف 613: ح 7366. (3) في الوصية باب ترك الوصية 964: ح 1637. (4) في الجهاد باب جوائز الوفد 245: ح 3053، وفي باب إخراج اليهود من جزيرة العرب 256: ح 3168، وفي المغازي باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم 364: ح 4431. (1/30) المبحث الثاني: في ذكر بعض الصحف والكتب والمكاتبات التي وجدت في عهده صلى الله عليه وسلم. أولا: في ذكر بعض الصحف والكتب. ... المبحث الثاني: في ذكر بعض الصحف والكتب والمكاتبات التي وجدت في عهده صلى الله عليه وسلم · أولا: في ذكر بعض الصحف والكتب: 1. صحيفة علي بن أبي طالب: وقد ذكر خبرها البخاري في تسعة مواضع من "صحيحه" (1) مستدلا بها على جواز الكتابة، وفيه قال أبوجحيفة الراوي عن علي: قلت لعلي: هل عندكم كتاب؟. قال: لا، إلا كتاب الله، أو فهم أعطيه رجل مسلم، أو ما في هذه الصحيفة. قال: قلت: وما في هذه الصحيفة؟ قال: "العقل، وفكاك الأسير، ولا يقتل مسلم بكافر". وفي رواية (2) قال: فأخرجها – يعني: الصحيفة– فإذا فيها أشياء من الجراحات وأسنان الإبل. قال: وفيها: "المدينة حرم ما بين عير إلى ثور، فمن أحدث فيها حدثا، أو آوى محدثا، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه يوم القيامة صرف ولا عدل، ومن والى قوما بغير إذن مواليه، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه يوم القيامة صرف ولا عدل، وذمة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه يوم القيامة صرف ولا عدل". صحيفة عبد الله بن عمرو بن العاص: حيث أذن له النبي صلى الله عليه وسلم بالكتابة عنه –كما تقدم ذلك في المبحث السابق (3) – فكتب عنه هذه الصحيفة، __________ (1) أولها: في كتاب العلم باب كتابة العلم 12: ح 111. (2) 564: ح 6755. (3) ص 15، 21: ح 3، ح 7. (1/31) وكان يسميها: "الصادقة"، وهي تضم ألف حديث، كما ذكر ذلك ابن الأثير في "أسد الغابة" (1) ، وقد آلت هذه الصحيفة إلى حفيده عمرو ابن شعيب الذي كان يحدث منها أحيانا (2) ، وقد كان ابن عمرو يفتخر ويعتز بها، حتى قال: "ما يرغبني في الحياة إلا الصادقة والوهط: فأما الصادقة فصحيفة كتبتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما الوهط فأرض تصدق بها عمرو بن العاص كان يقوم عليها"، وقد كان رضي الله عنه شديد الحرص والمحافظة عليها. قال مجاهد بن جبر –رحمه الله تعالى-: أتيت عبد الله بن عمرو، فتناولت صحيفة من تحت مفرشه، فمنعني. قلت: ما كنت تمنعني شيئا. قال: "هذه الصادقة، هذه ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليس بيني وبينه أحد، إذا سلمت لي هذه وكتاب الله تبارك وتعالى والوهط، فما أبالي ما كانت عليه الدنيا" (3) . 3.كتاب سعد بن عبادة الأنصاري رضي الله عنه، سيد الخزرج: كان يكتب في الجاهلية -كما ذكر ذلك ابن سعد في "الطبقات" (4) - ويبدو أنه كتب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتبا، روى منها بعض أحفاده حديثا واحدا __________ (1) 3: 349. (2) قال الدكتور محمد عجاج الخطيب في كتابه: " السنة قبل التدوين": 349: عدد أحاديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، وهي أحاديث الصادقة –كما هو المرجح– (436) حديثا بما فيه المكرر عند الإمام أحمد وفي السنن الأربعة، فقد يكون حكم ابن الأثير مبنيا على أن جميع ما روي عن ابن عمرو هو الصادقة، وليس ببعيد. (3) انظر: "طبقات ابن سعد" 2: 373، "سنن الدارمي" 1: 105: ح 502، "تقييد العلم" 84، "جامع بيان العلم" 1: 86، " تهذيب الكمال " 22: 72، " تهذيب التهذيب" 8: 48، 49، "دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه" 1: 121. (4) 3: 613. (1/32) خرجه الترمذي (1) من طريق إسماعيل بن عمرو بن قيس بن سعد بن عبادة، عن أبيه، أنهم وجدوا في كتب – أو في كتاب – سعد بن عبادة رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد "، هذا لفظ أحمد. 4. صحيفة جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري رضي الله عنه: "له منسك صغير في الحج أخرجه مسلم" –قاله الذهبي في "تذكرة الحفاظ" (2) - ويحتمل أن يكون هذا المنسك جزءا من هذه الصحيفة، وقد كان التابعي الجليل قتادة بن دعامة أحد الرواة عن جابر يقول: "لأنا بصحيفة جابر بن عبد الله أحفظ مني لسورة البقرة " (3) . 5. صحيفة رافع بن خديج الأنصاري رضي الله عنه: كان عنده أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم مكتوبة على أديم. قال نافع بن جبير: خطب مروان الناس، فذكر مكة وحرمتها، فناداه رافع بن خديج، فقال: "إن مكة إن تكن حرما، فإن المدينة حرم، حرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مكتوب عندنا في أديم خولاني، إن شئت أن نقرئكه فعلنا "، فناداه مروان: أجل قد بلغنا ذلك (4) . 6. كتاب الصدقات والفرائض والديات والطهارة والصلاة وغير ذلك، __________ (1) في كتاب الأحكام باب ما جاء في اليمين والشاهد 1786: ح 1343، وأحمد 1661: ح 22827، والطبراني في "الكبير" 6: 19: ح 5361، ح 5362، والدارقطني 4: 214: ح 37. (2) 1: 43. (3) انظر: "التاريخ الكبير" للبخاري 7: 186، "تهذيب التهذيب" 4: 215، "دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه" 1: 104. (4) انظر: "صحيح مسلم" كتاب الحج باب فضل المدينة 904: ح 1361، "مسند أحمد" 1245: ح 17404. (1/33) الذي بعثه النبي صلى الله عليه وسلم مع عامله عمرو بن حزم الأنصاري رضي الله عنه إلى اليمن؛ ليفقههم ويقرأه عليهم: وهو كتاب مشهور، ذكر خبره بعض كتب السنة والسيرة مطولا ومختصرا (1) . 7. كتاب الزكاة والصدقة الذي كتبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى عماله، فلم يخرجه حتى قبض، ثم عمل به أبوبكر وعمر رضي الله عنهما من بعده حتى قبضا، وقد كتب به أبوبكر إلى أنس حين بعثه إلى البحرين مصدقا، وعليه خاتمه صلى الله عليه وسلم. هذا الكتاب ذكر في كتب السنة مطولا ومختصرا (2) . 8. الصحيفة التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بكتابتها في السنة الأولى من الهجرة في بيان حقوق المهاجرين والأنصار واليهود وعرب المدينة. ونصها: "هذا كتاب محمد النبي رسول الله بين المؤمنين والمسلمين من قريش وأهل يثرب، ومن تبعهم، فلحق بهم، وجاهد معهم،؛ أنهم أمة واحدة من دون الناس … " (3) . 9. الكتاب الذي بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جهينة قبل موته بشهر. قال __________ (1) انظر: "سنن النسائي " كتاب القسامة باب ذكر حديث عمرو بن حزم في العقول واختلاف الناقلين له 2401: ح 4857، " صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان " كتاب التاريخ باب كتب النبي (14: 501: ح 6559، " الموطأ " 2: 849: ح 1547، " المستدرك " للحاكم 1: 395، "سيرة ابن هشام " 4: 594، " إعلام السائلين عن كتب سيد المرسلين "لابن طولون: 138. (2) انظر: " البخاري " وقد ذكره في مواضع من صحيحه: منها في كتاب الزكاة باب زكاة الغنم 114: ح 1454، وفي كتاب فرض الخمس باب ما ذكر من درع النبي (وخاتمه 250: ح 3106، وأبو داود في كتاب الزكاة باب في زكاة السائمة 1338: ح 1567، ح 1568، ح 1570، والترمذي في كتاب الزكاة باب ما جاء في زكاة الإبل والغنم 1707: ح 621، " تقييد العلم ": 87. (3) انظر: "سيرة ابن هشام" 2: 119، "الأموال" لأبي عبيد: 126: ح 328، ح 329، "المصباح المضيء" 2: 5 "مجموعة الوثائق السياسية" د. محمد حميد الله: 15. (1/34) عبد الله بن عكيم الجهني رضي الله عنه: "قرئ علينا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن بأرض جهينة، أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب" (1) . 10. الكتاب الذي كتبه صلى الله عليه وسلم لوائل بن حجر رضي الله عنه إلى قومه في حضرموت، فيه الأصول العامة للإسلام، وبعض أحكام الزكاة، وذكر بعض المحرمات (2) . 11. كتابه صلى الله عليه وسلم إلى بني زهير بن أقيش مع صاحبهم النمر بن تولب الشاعر رضي الله عنه، وفيه دعوتهم للإسلام، وأداء الخمس وسهم الصفي. قال يزيد بن عبد الله بن الشخير: كنا بالمربد، فجاء رجل أشعث الرأس -هو: النمر ابن تولب- بيده قطعة أديم أحمر، فقلنا: كأنك من أهل البادية؟، فقال: أجل. قلنا: ناولنا هذه القطعة الأديم التي في يدك، فناولناها، فقرأناها، فإذا فيها: "من محمد رسول الله إلى بني زهير بن أقيش، إنكم إن شهدتم أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وأقمتم الصلاة، وآتيتم الزكاة، وأديتم الخمس من المغنم، وسهم النبي، وسهم الصفي، أنتم آمنون بأمان الله ورسوله"، فقلنا: من كتب لك هذا الكتاب؟.. __________ (1) انظر: "سنن الترمذي" كتاب اللباس باب ما جاء في جلود الميتة إذا دبغت 1829: ح 1729، "سنن النسائي" كتاب الفرع والعتيرة باب ما يدبغ به جلود الميتة 2365: ح 4254، ح 4255، ح 4256، "سنن ابن ماجه" كتاب اللباس باب من قال: لا ينتفع من الميتة بإهاب ولا عصب 2694: ح 3613، "مسند أحمد" 1369: ح 18987، ح 18989، ح 18990، ح 18991، ح 18992. (2) انظر: "طبقات ابن سعد" 1: 287، 349، 351، "المصباح المضيء" 2: 302، "مجموعة الوثائق السياسية": 205. (1/35) قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) . 12. كتابه صلى الله عليه وسلم إلى بكر بن وائل في دعوتهم إلى الإسلام. عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى بكر بن وائل: "من محمد رسول الله إلى بكر بن وائل، أن أسلموا تسلموا"، فما وجدوا له كاتبا يقرؤه إلا رجل منهم من بني ضبيعة، فهم يسمون بني الكاتب (2) . __________ (1) انظر: "سنن أبي داود" كتاب الخراج باب ما جاء في سهم الصفي 1448: ح 2999، "سنن النسائي" كتاب قسم الفيء 2359: ح 4151، "مسند أحمد" 1522: ح 21017، ح 21020. "صحيح ابن حبان" 14: 497: ح 6557. (2) انظر: "صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان" كتاب التاريخ باب كتب النبي (14: 500: ح 6558، "طبقات ابن سعد" 1: 281، "مسند أبي يعلى" 5: 325: ح 2947، "المعجم الصغير" للطبراني 1: 193: ح 307. (1/36) · ثانيا: في ذكر بعض مكاتباته صلى الله عليه وسلم إلى الملوك والعظماء وأمراء العرب يدعوهم إلى الإسلام في أول السنة السابعة بعد صلح الحديبية 1. كتابه صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي ملك الحبشة: أخرج مسلم في "صحيحه" (1) عن أنس رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى كسرى، وإلى قيصر، وإلى النجاشي، وإلى كل جبار يدعوهم إلى الله عز وجل"، وقد ذكرت كتب السير أن عمرو بن أمية الضمري رضي الله عنه هو الذي بعثه النبي صلى الله عليه وسلم بكتابه إلى النجاشي، وأنه لما قرأ النجاشي الكتاب أسلم، وكتب مع ولده كتابا جوابا لكتاب النبي صلى الله عليه وسلم (2) . كتابه صلى الله عليه وسلم إلى قيصر ملك الروم، وإرسال دحية الكلبي رضي الله عنه به: وقد ذكر نبأ هذا الكتاب صاحبا الصحيحين مطولا عن ابن عباس، عن أبي سفيان، وفيه: "أن رسول الله كتب إلى قيصر يدعوه إلى الإسلام، وبعث بكتابه مع دحية الكلبي، وأمره أن يدفعه إلى عظيم بصرى، ليدفعه إلى قيصر، فدفعه عظيم بصرى إلى قيصر … قال أبوسفيان: ثم دعا بكتاب رسول الله، فقرئ، فإذا فيه: "بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد ابن عبد الله، إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإني أدعوك بداعية الله، أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن __________ (1) في كتاب الجهاد باب كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى ملوك الكفار يدعوهم إلى الإسلام 993: ح 1774. (2) انظر: "طبقات ابن سعد" 1: 258، " نصب الراية" للزيلعي 4: 421، "زاد المعاد" 3: 689، "المصباح المضيء" 2: 33، "إعلام السائلين عن كتب سيد المرسلين": 54. (1/37) توليت فإن عليك إثم الأريسيين، و {يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون} [آل عمران:64] (1) . 3. كتابه صلى الله عليه وسلم إلى كسرى ملك الفرس، وإرسال عبد الله بن حذافة السهمي رضي الله عنه به. عن ابن عباس قال: "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتابه إلى كسرى مع عبد الله بن حذافة السهمي، فأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين، فدفعه عظيم البحرين إلى كسرى، فلما قرأه مزقه، فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمزقوا كل ممزق" (2) . 4. كتابه صلى الله عليه وسلم إلى المنذر بن ساوى العبدي صاحب البحرين، مع العلاء بن الحضرمي، يدعوه إلى الإسلام، فأسلم، وحسن إسلامه، وظل على إمارته على البحرين إلى أن توفي رضي الله عنه سنة (11) ، وقد وقع بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم مكاتبات يستفتيه فيها، ويسأله عمن بقي على دينه من قومه (3) . __________ (1) انظر: "البخاري" في مواضع: أولها: في كتاب بدء الوحي 2: ح 6، "مسلم" في كتاب الجهاد باب كتب النبي إلى هرقل ملك الشام يدعوه إلى الإسلام 992: ح 1773، "طبقات ابن سعد" 1: 259. (2) انظر: "البخاري" في مواضع، منها: كتاب العلم باب ما يذكر في المناولة وكتاب أهل العلم بالعلم إلى البلدان 8: ح 64، كتاب المغازي باب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر، "طبقات ابن سعد" 1: 259، "المصباح المضيء" 2: 151، "إعلام السائلين": 64. (3) انظر. "طبقات ابن سعد" 1: 263، "عيون الأثر" لابن سيد الناس 2: 266، "زاد المعاد" 3: 692، "نصب الراية" 4: 419، "إعلام السائلين": 59، " المصباح المضيء " 2: 280. (1/38) 5. كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس عظيم القبط، صاحب الإسكندرية، مع حاطب بن أبي بلتعة. وفيه: "بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد بن عبد الله إلى المقوقس عظيم القبط، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإني أدعوك بداعية الإسلام، أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم القبط، {يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون} [آل عمران:64] ، وختم الكتاب، فلما وصله الكتاب أكرم حامله، وبعث معه جوابا له، وأهدى للنبي صلى الله عليه وسلم جاريتين وكسوة وبغلة، إلا أنه لم يسلم (1) . 6. كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الحارث بن أبي شمر الغساني ملك الشام، مع شجاع بن وهب الأسدي رضي الله عنه، وفيه: "بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى الحارث بن أبي شمر، سلام على من اتبع الهدى، وآمن به وصدق، وإني أدعوك إلى أن تؤمن بالله وحده لا شريك له، يبقى لك ملكك"، وختم الكتاب، فلما وصله الكتاب استكبر، ثم رجع ووعد باتباع محمد صلى الله عليه وسلم، وأجاز الرسول، ويقال: إنه مات عام الفتح (2) . __________ (1) انظر: "طبقات ابن سعد" 1: 260، "عيون الأثر" 2: 266، "زاد المعاد" 3: 692، "نصب الراية" 4: 421، "إعلام السائلين": 81. (2) انظر: "طبقات ابن سعد" 1: 261، "عيون الأثر" 2: 270، "زاد المعاد" 3: 697، "نصب الراية" 4: 424، "إعلام السائلين": 106. (1/39) 7. كتابه صلى الله عليه وسلم إلى هوذة بن علي الحنفي صاحب اليمامة، مع سليط بن عمرو العامري رضي الله عنه، وفيه: "بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى هوذة بن علي، سلام على من اتبع الهدى، واعلم أن ديني سيظهر إلى منتهى الخف والحافر، فأسلم تسلم، وأجعل لك ما تحت يديك"، فرد ردا دون رد، وبعث كتابا للنبي صلى الله عليه وسلم يطلب منه أن يجعل له بعض الأمر، فدعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم، ويقال: إنه مات عام الفتح (1) . هذا، وقد ذكر ابن سعد في "الطبقات الكبرى" (2) كثيرا من كتبه صلى الله عليه وسلم ورسائله التي كان بعث بها إلى الملوك والبلدان وقبائل العرب يدعوهم فيها إلى الإسلام، اقتصرت في هذا البحث على أهمها مما تقدم، وقد عني بإفراد هذه الرسائل والكتب الإمام محمد بن طولون الدمشقي (ت 953هـ) في كتابه النافع: "إعلام السائلين عن كتب سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم"، فقارب بها الخمسين كتابا، جمع شتاتها من بعض كتب السنة والسيرة والتاريخ والأدب، وممن عني بجمع كتاب النبي صلى الله عليه وسلم ابن حديدة الأنصاري (ت 783?) في كتابه: "المصباح المضيء في كتاب النبي الأمي ورسله إلى ملوك الأرض من عربي وعجمي"، وقد ذكر ضمن ذلك كتبه صلى الله عليه وسلم ورسائله، مما يدل دلالة واضحة على إثبات وقوع كتابة السنة في عصره صلى الله عليه وسلم. __________ (1) انظر: "طبقات ابن سعد" 1: 262، "نصب الراية" 4: 425، "إعلام السائلين": 109. (2) 258:1 (1/40) المبحث الثالث: في إثبات تواتر الأحاديث في وقوع الكتابة في عهده صلى الله عليه وسلم يتبين لنا من خلال ما تقدم في المبحثين السابقين: * الأول: في سياق الأحاديث النبوية، في إذنه أو أمره صلى الله عليه وسلم بكتابة الحديث، والتي بلغ عددها تسعة أحاديث، رواها خمسة من الصحابة، هم: أبو هريرة، وعبد الله بن عمرو، وأنس، ورافع بن خديج، وابن عباس رضي الله تعالى عنهم أجمعين، خرج بعضها صاحبا الصحيحين أو أحدهما، وتم الحكم على باقي الأحاديث منفردة. * والثاني: في ذكر بعض الصحائف التي وجدت في عهده صلى الله عليه وسلم منسوبة للصحابة الذين كتبوها، حيث أذن لهم النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، أو بعض الكتب التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بكتابتها، أو بعثها لبعض أصحابه وعماله في البلدان، في بيان أصول الإسلام وشرائعه، وذكر بعض أحكامه وحدوده، والتي خرج بعضها البخاري ومسلم في "صحيحيهما" وبعض أصحاب السنن والصحيح، وقد ذكرت ثنتي عشرة صحيفة وكتابا، أحسب أنها من أحسن ما يذكر في هذا الباب (1) ، وكذا مكاتباته عليه الصلاة والسلام الكثيرة إلى الملوك والأمراء وقبائل العرب يدعوهم إلى الإسلام، وإلى عبادة الله وحده لا شريك له، وترك ما هم عليه من الكفر والشرك، والتي بلغ بها بعض أهل العلم قرابة الخمسين __________ (1) ذكر بعض الباحثين كثيرا من الصحف المنسوبة لبعض الصحابة مما لم أذكره في هذا البحث؛ لاحتمال أن يكون قد كتبها بعض تلاميذهم عنهم، أو أنهم كتبوها بعد عصر النبوة، وقد ذكر الدكتور محمد مصطفى الأعظمي في كتابه القيم "دراسات في الحديث النبوي، وتاريخ تدوينه" 1: 92 اثنين وخمسين صحابيا ممن كان يكتب الحديث أو كان له صحيفة أوكتاب. (1/41) كتابا (1) ، وقد سقت سبع نماذج من هذه المكاتبات، هي من أشهرها، خرج بعضها صاحبا الصحيحين أو أحدهما، والباقي موجود مشتهر عند أهل السير – كما تقدمت الإشارة إلى ذلك في موضعه – من مجموع ما تقدم يتبين لنا بوضوح ما يلي: 1. أن الأحاديث والروايات في كتابة الحديث، والصحائف والكتب والمكاتبات في إثبات وقوع الكتابة للحديث النبوي في عهده صلى الله عليه وسلم كثيرة جدا، وبمجموعها يمكن القول: إن وقوع الكتابة في عهده يبلغ رتبة التواتر – يعني: المعنوي – المفيد للعلم اليقيني القطعي. 2. أن ما كتب في عهده صلى الله عليه وسلم قد تناول قسما كبيرا من حديثه، يبلغ في مجموعه ما يضاهي مصنفا كبيرا من المصنفات الحديثية، ويكفي في إثبات ذلك أن نمثل بمثالين: الأول: صحيفة عبد الله بن عمرو "الصادقة"، والتي قيل: إنها تشتمل على ألف حديث (2) ، والثاني: كتاب عمرو بن حزم الأنصاري الذي اشتمل على كثير من الأحكام: في الزكاة، وفي التحذير من الكبائر والظلم، وفي ذكر الحج والعمرة، والوضوء، وفي ذكر الجمعة والغسل لها، وفي النهي عن مس القرآن لمن ليس بطاهر، وفي الطلاق، وفي العتق، وفي الصلاة وبيان أوقاتها، وفي الديات، والجزية، وغير ذلك (3) ، والله تعالى أعلم. __________ (1) انظر: المبحث السابق: 33. (2) انظر: المبحث السابق: 26. (3) انظر: "صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان" 14: 501: ح 6559، "إعلام السائلين عن كتب سيد المرسلين": 138. (1/42) المبحث الرابع: في سياق الأحاديث الواردة في النهي عن كتابة الحديث النبوي مع تخريجها ودراسة أسانيدها والحكم عليها · الحديث الأول: عن أبي سعيد الخدري –رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه". · تخريج الحديث: هذا الحديث أخرجه مسلم وغيره من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ومدار أغلب أسانيده على: "همام بن يحيى، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار المدني، عن أبي سعيد"، وإليك تخريجه مفصلا، فقد أخرجه: - مسلم (1) ، - وأبوعوانة (2) ، - والخطيب البغدادي في "تقييد العلم" (3) من طريق جعفر بن محمد، ثلاثتهم عن هداب –ويقال: هدبة – بن خالد، عن همام، به، بلفظه، وفيه زيادة في آخره. قال أبوعوانة: قال أبوداود: هو منكر، أخطأ فيه همام، وهو من قول أبي سعيد. - وأخرجه النسائي في "الكبرى" (4) عن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم، __________ (1) في الزهد باب التثبت في الحديث وحكم كتابة العلم ح 7510. (2) كما في "إتحاف المهرة" 5: ح 5482، عن أبي داود. (3) 30. (4) كتاب فضائل القرآن باب كتابة القرآن 5: 10: ح 8008. (1/43) - والدارمي في المقدمة (1) ، - وأحمد (2) ، ثلاثتهم عن يزيد بن هارون، عن همام، به، بلفظ مقارب؛ وفي الدارمي هشام بدل همام، والظاهر أنه تصحيف، والله تعالى أعلم. - وأخرجه النسائي –الموضع السابق– عن الفضل بن العباس بن إبراهيم، - وأحمد (3) ، - والخطيب في "تقييد العلم" (4) من طريق محمد بن إسحاق والحارث بن محمد، ثلاثتهم عن عفان بن مسلم، عن همام، به، بنحوه وفي آخره زيادة. - وأخرجه أبو يعلى (5) عن زهير، - وأبوعوانة –الموضع السابق– عن الصومعي، - والحاكم (6) من طريق العباس بن الفضل الأسفاطي، - والخطيب في "تقييد العلم" (7) : من طريق محمد بن أيوب، أربعتهم عن أبي الوليد هشام بن عبد الملك، عن همام، به، بنحوه وفي آخره __________ (1) باب من لم ير كتابة الحديث 1: 98: ح 456. (2) 17: 250: ح 11158. (3) 18: 94: ح 11536. (4) 29. (5) 2: 466: ح 1288. (6) 1: 126. (7) 29. (1/44) - زيادة. قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، ولا أعرف له علة. قال الحافظ في "إتحاف المهرة" (1) قلت: بل أخرجه مسلم عن هدبة، عن همام. - وأخرجه ابن حبان – كما في "ترتيبه لابن بلبان" (2) –، - والخطيب في "تقييد العلم" (3) كلاهما من طريق كثير بن يحيى، عن همام، به، بلفظ مقارب. - وأخرجه أحمد (4) ، ومن طريقه الخطيب في: - "تقييد العلم" (5) عن إسماعيل بن علية، عن همام، به، بنحوه. - وأخرجه أبوعوانة –الموضع السابق– عن حميد، عن موسى بن أيوب، - وأحمد (6) كلاهما عن شعيب بن حرب، عن همام، به، بنحوه. - وأخرجه أحمد (7) ، - والخطيب في "تقييد العلم" (8) من طريق محمد بن قدامة، كلاهما عن أبي عبيدة عبد الواحد بن واصل الحداد، عن همام، به، بنحوه وفيه __________ (1) 5: 325. (2) 1: 265: ح 64. (3) 30. (4) 17: 149: ح 11085. (5) 31. (6) 17: 151: ح 11087. (7) في "المسند " 17: 443: ح 114344. (8) 30. (1/45) - زيادة. - وأخرجه ابن عبد البر في "جامع العلم" (1) من طريق موسى بن إسماعيل. - والخطيب في "تقييد العلم" (2) من طريق عمرو بن عاصم، كلاهما عن همام، به، بنحوه، وفي "جامع العلم "تصحف اسم همام إلى هشام. · متابعان لهمام: - أخرجه الخطيب في "تقييد العلم" (3) عن عبد العزيز بن علي الوراق، عن محمد بن المظفر الحافظ. - وابن عدي في "الكامل " (4) كلاهما عن أبي بكر محمد بن الحسين القطان، عن النضر بن طاهر، عن عمرو بن النعمان، عن سفيان الثوري، عن زيد بن أسلم، به، بنحوه. - وأخرجه ابن عدي في "الكامل" (5) من طريق خارجة بن مصعب، عن زيد بن أسلم، به، بنحوه مختصرا. · متابع آخر لهمام بلفظ آخر: - أخرجه الترمذي (6) ، ومن طريقه: - القاضي عياض في "الإلماع " (7) عن سفيان بن وكيع، عن سفيان __________ (1) 1: 76. (2) 31. (3) 32. (4) 5: 1771. (5) 3: 926. (6) في كتاب العلم باب ما جاء في كراهية كتابة العلم 1920: ح 2665. (7) 148. (1/46) - ابن عيينة، عن [عبد الرحمن بن (1) ] زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عطاء ابن يسار، عن أبي سعيد قال: "استأذنا النبي صلى الله عليه وسلم في الكتابة فلم يأذن لنا". قال الترمذي: روي هذا الحديث من غير هذا الوجه – أيضا – عن زيد بن أسلم، رواه همام، عن زيد بن أسلم. - وأخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (2) عن محمد بن خزيمة، عن [محمد] بن بشار، عن ابن عيينة، عن عبد الرحمن بن زيد، به، بنحوه. - وأخرجه الخطيب في "تقييد العلم" (3) من طرق عن محمد بن سليمان لوين، ومن طريق الحسين بن الحسن بن حرب المروزي، كلاهما عن ابن عيينة، عن عبد الرحمن بن زيد، به، بنحوه. وأخرجه الدارمي –الموضع السابق- (4) عن أبي معمر، عن سفيان ابن عيينة قال: [حدث (5) ] زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد: "أنهم استأذنوا النبي صلى الله عليه وسلم في أن يكتبوا عنه، فلم يأذن لهم". أقول: هكذا سقط عبد الرحمن بن زيد من الإسناد عند الدارمي، فإما أن يكون دلسه ابن عيينة، أو أنه سقط من أصل نسخة __________ (1) سقط اسم "عبد الرحمن" من نسخ الترمذي المطبوعة، وما أثبته لعله هو الصواب كما جاء في "الإلماع"، حيث إن القاضي عياض يروي الحديث من طريق الترمذي، والحديث معروف بعبد الرحمن، كما سيأتي في تخريج بقية طرقه -إن شاء الله تعالى-. (2) باب كتابة العلم 4: 318. (3) 32، 33. (4) ح 457. (5) في نسخة الدارمي المطبوعة: "حدثنا" من "إتحاف المهرة" لابن حجر 5: 324: ح 5428. (1/47) - الدارمي، والله تعالى أعلم. · اختلاف وقع على عبد الرحمن بن زيد في رواية هذا الحديث عن أبي سعيد، حيث جعله من مسند أبي هريرة: - أخرجه أحمد (1) ، ومن طريقه: - الخطيب في "تقييد العلم " (2) عن إسحاق بن عيسى. - والبزار (3) عن محمد بن معمر، عن يعقوب بن محمد، كلاهما عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة، به، بنحوه وفيه زيادة في آخره، وهو عند أحمد بمعناه. - وأخرجه الخطيب في "تقييد العلم" (4) من طرق أخرى عن عبد الرحمن بن زيد، عن أبيه، عن عطاء، عن أبي هريرة. قال البزار: رواه همام، عن زيد، عن عطاء، عن أبي سعيد، وعبد الرحمن ابن زيد أجمع أهل العلم بالنقل على تضعيف أخباره، وليس هو بحجة فيما ينفرد به. ولما ذكر الذهبي هذا الحديث في "الميزان" (5) قال: هذا حديث منكر. هذا، وقد ذكر الهيثمي هذا الحديث في "مجمع الزوائد" (6) ، وضعفه بعبد الرحمن بن زيد، إلا أنه جعل الحديث عند أحمد من مسند أبي __________ (1) 17: 156: ح 11092. (2) 34. (3) كما في "كشف الأستار" 1: 108: ح 194. (4) 33، 34. (5) 2: 567. (6) 1: 151. (1/48) سعيد، وهو وهم منه، ولعل سببه أن أحمد خرج حديث أبي هريرة هذا ضمن مسند أبي سعيد، فظن الهيثمي أنه من حديثه، وهو من حديث أبي هريرة عند أحمد، كما روى ذلك الخطيب في "تقييد العلم" من طريق أحمد، وعلى كل فإن جعل الحديث من مسند أبي هريرة مما انفرد به عبد الرحمن بن زيد، وهو ضعيف، وعليه فهو من أوهامه، كما رجح ذلك البزار والذهبي، والله تعالى أعلم. · الحكم على الحديث: الحديث صحيح بإسناده الأول؛ حيث خرجه مسلم في "صحيحه"، وقد صححه –أيضا– ابن حبان والحاكم وأبوعوانة – كما تقدم في تخريجه - وأما قول أبي داود: "هو منكر، أخطأ فيه همام، وهو من قول أبي سعيد" (1) ، فهي دعوى بدون برهان، ولم أقف على مستند له في ذلك، ثم إنه قد تابع هماما سفيان الثوري وخارجة بن مصعب - كما تقدم في تخريجه – وقد أشار الخطيب في "تقييد العلم" (2) إلى تضعيف هذا القول، فقال: "ويقال: إن المحفوظ رواية هذا الحديث عن أبي سعيد الخدري من قوله غير مرفوع"، والله أعلم. __________ (1) وقد أشار الحافظ في "الفتح" 1 "308 إلى أن هذا هو رأي البخاري –أيضا-، ولم يتعقبه. قال الشيخ أحمد شاكر في "الباعث الحثيث" 2: 379:.. وهذا ليس بجيد؛ فإن الحديث صحيح. أ. هـ وانظر لزاما تعليق الألباني عليه. (2) 32. (1/49) · الحديث الثاني: عن زيد بن ثابت -رضي الله تعالى عنه-: أنه دخل على معاوية، فسأله عن حديث، فأمر إنسانا يكتبه، فقال له زيد: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا ألا نكتب شيئا من حديثه"، فمحاه. (1/49) · تخريج الحديث الثاني: - أخرجه أبو داود (1) ومن طريقه: - ابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (2) ، - والخطيب في "تقييد العلم" (3) ، - والقاضي عياض في "الإلماع" (4) عن نصر بن علي، عن أبي أحمد محمد بن عبد الله بن الزبير، عن كثير بن زيد، عن المطلب بن عبد الله، عن زيد بن ثابت، به، بلفظه. - وأخرجه أحمد (5) عن أبي أحمد به، بنحوه. - وأخرجه الخطيب في "تقييد العلم" (6) من طريق محمد بن رافع، عن محمد بن عبد الله بن الزبير، ومن طريق يحيى بن حسان، عن سليمان ابن بلال، كلاهما عن كثير بن زيد، به، بنحوه. · دراسة إسناده: المطلب بن عبد الله بن المطلب بن حنطب بن الحارث المخزومي، روى عن زيد بن ثابت وآخرين من الصحابة، إلا أنه لم يدركهم، وعنه كثير بن زيد وآخرون، ثقة، إلا أنه كان كثير الإرسال. قال ابن سعد: كان كثير الحديث، وليس يحتج بحديثه؛ لأنه كان يرسل __________ (1) في العلم باب كتابة العلم 1493: ح 3647. (2) 1: 76. (3) 35. (4) 148. (5) 35: 456: ح 21579. (6) 35. (1/50) كثيرا (1) . - كثير بن زيد الأسلمي، السهمي مولاهم، أبو محمد المدني، ويقال له: ابن مافنه –بفتح الفاء وتشديد النون- وهي أمه، روى عن المطلب ابن عبد الله بن حنطب وغيره، وعنه أبو أحمد الزبيري وآخرون، مختلف فيه، والخلاصة في حاله – والله أعلم -: أنه ضعيف الحديث، ويحمل توثيق من وثقه على عدالته، ولعل هذا هو ما مال إليه الإمامان الذهبي وابن حجر، حيث اختار الأول منهما قول أبي زرعة فيه: "صدوق فيه لين"، وقال الثاني: "صدوق يخطئ"، وقد توفي سنة 158هـ في آخر خلافة أبي جعفر المنصور (2) . - أبوأحمد الزبيري، اسمه: محمد بن عبد الله بن الزبير، الأسدي مولاهم، من شيوخ أحمد، ثقة ثبت، إلا أنه في حديثه عن الثوري ربما أخطأ، وقيل: كان يتشيع، مات سنة 203هـ (3) . · الحكم على الحديث: ضعيف بهذا الإسناد؛ لأمرين: أحدهما: انقطاعه بين المطلب بن عبد الله وبين زيد بن ثابت، والثاني: ضعف كثير بن زيد – كما تقدم في ترجمته – إلا أنه يشهد له الحديث الأول، والذي به يرتقي إلى الحسن لغيره، والله تعالى أعلم. __________ (1) جامع التحصيل 1: 281، الكاشف 2: 270، التهذيب 10: 161، التقريب: 534. (2) الجرح والتعديل 7: 150، المجروحين 2: 222، الكامل 6: 67، الكاشف 2: 144، التهذيب 8: 370، التقريب 1: 459. (3) التهذيب 9: 254، التقريب: 487. (1/51) · الحديث الثالث: عن ابن عباس وابن عمر – رضي الله تعالى عنهما – قالا: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم معصوبا رأسه، فرقي درجات المنبر، فقال: "ما هذه الكتب التي بلغني أنكم تكتبونها، أكتاب مع كتاب الله؟!، يوشك أن يغضب الله لكتابه، فيسري عليه ليلا، فلا يترك في ورقة ولا قلب منه حرفا إلا ذهب به"، فقال من حضر المجلس: فكيف يا رسول الله بالمؤمنين والمؤمنات؟. قال: "من أراد الله به خيرا أبقى في قلبه لا إله إلا الله". · تخريج الحديث: - هذا الحديث أخرجه الطبراني في "الأوسط" (1) عن محمد بن عبد الله ابن رسته، عن شيبان بن فروخ، عن عيسى بن ميمون، عن محمد بن كعب القرظي، عن ابن عباس، [و (2) ] عن زيد بن أسلم، عن ابن عمر [قالا (3) ] : "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم …"فذكر الحديث. قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن زيد إلا عيسى بن ميمون، تفرد به شيبان. وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (4) : رواه الطبراني في الأوسط، وفيه عيسى بن ميمون الواسطي، وهو متروك، وقد وثقه حماد بن سلمة. __________ (1) 8: 254: ح 7510. (2) في " الأوسط "سقطت الواو، وما أثبته من" مجمع البحرين في زوائد المعجمين1: 246: ح 277. (3) في "الأوسط": "قال"، وما أثبته من "مجمع البحرين" 1: 246: ح 277. (4) 1: 150. (1/52) · الحكم على الحديث: ضعيف جدا بهذا الإسناد؛ لوجود عيسى بن ميمون فيه، وهو: عيسى ابن ميمون المدني، المعروف بالواسطي، مولى القاسم بن محمد. قال عنه غبر واحد: متروك الحديث، وقال البخاري: منكر الحديث (1) . __________ (1) انظر: الضعفاء الصغير للبخاري: 86، الضعفاء والمتروكين للنسائي: 77، تهذيب الكمال للمزي 23: 48، ديوان الضعفاء والمتروكين للذهبي: 243. (1/53) · الحديث الرابع: عن أبي موسى الأشعري –رضي الله تعالى عنه– قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن بني إسرائيل كتبوا كتابا فاتبعوه، وتركوا التوراة". · تخريج الحديث: - هذا الحديث أخرجه الطبراني في "الأوسط" (1) عن محمد بن عثمان ابن أبي شيبة، عن جندل بن والق، عن عبيد الله بن عمرو، عن عبد الملك بن عمير، عن أبي بردة، عن أبيه قال: … فذكر الحديث. قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن عبد الملك إلا عبيد الله بن عمرو، تفرد به جندل بن والق. وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (2) : رواه الطبراني في الأوسط، وفيه محمد بن عثمان بن أبي شيبة، وهو ثقة، وقد ضعفه غير واحد، وقال في موضع آخر (3) : رواه الطبراني في الكبير، ورجاله ثقات. __________ (1) 6: 256: ح 5544. (2) 1: 150. (3) 1: 192. (1/53) · الحكم على الحديث: حسن بهذا الإسناد؛ لثقة رجاله إلا جندل بن والق فهو "صدوق، لا بأس به" كما قرر ذلك العجلي في "معرفة الثقات" (1) وأبوحاتم في "الجرح والتعديل" (2) ، وقد ذكره ابن حبان في "الثقات" (3) ، وفي "التقريب" (4) : أنه "كان يصحف"، وأما تضعيف مسلم والبزار له فهو تضعيف مجمل في مقابل التعديل فلا يقبل، أو يحمل ذلك على ما وقع في حديثه من التصحيفات والأغلاط، والله تعالى أعلم؛ وأما محمد بن عثمان بن أبي شيبة، فهو الإمام الحافظ المسند، أبو جعفر العبسي الكوفي، سمع من أبيه وعميه أبي بكر والقاسم وغيرهم، وعنه الطبراني وخلق. قال عنه الخطيب: كان كثير الحديث واسع الرواية له معرفة وفهم. أ. ?، ووثقه صالح جزرة، وقال ابن عدي: لم أر له حديثا منكرا فأذكره، وهو على ما وصف لي عبدان: لا بأس به،، وقال مسلمة بن قاسم: لا بأس به، وذكره ابن حبان في "الثقات" (5) ، وقال: كتب عنه أصحابنا. أ. هـ، إلا أنه قد كذبه عبد الله بن أحمد، ورماه ابن خراش بالوضع، والظاهر أن ذلك بسبب خلاف بينه وبين قرينه وبلديه مطين، فكان مطين يحمل عليه، وقد مات سنة 297هـ (6) . __________ (1) 1: 272. (2) 2: 535. (3) 8: 167. (4) 143. (5) 9: 155. (6) انظر ترجمته في: "تاريخ بغداد" 3: 43، "الكامل" لابن عدي 6: 295، "تذكرة الحفاظ" 2: 661، "الميزان" 3: 642، "لسان الميزان" 6: 339، "التنكيل" للمعلمي: 694. (1/54) المبحث الخامس: في ذكر آراء العلماء واجتهاداتهم في التوفيق بين أحاديث الإذن والنهي، وتحقيق المسألة في ذلك. مدخل ... المبحث الخامس: في ذكر آراء العلماء واجتهاداتهم في التوفيق بين أحاديث الإذن والنهي، وتحقيق المسألة في ذلك بعد أن تقرر ثبوت الأحاديث عنه صلى الله عليه وسلم في كتابة الأحاديث وكثرتها بما لا يدع مجالا للشك في ذلك، نجد بالمقابل أن هناك أحاديث أخرى تعارض هذه الأحاديث، فيها النهي الصريح عن الكتابة، وقد تقدم سياقها في المبحث السابق من هذا البحث، وهي أربعة أحاديث، رواها خمسة من الصحابة: أبوسعيد الخدري وزيد بن ثابت وابن عباس وابن عمر –مقرونان في حديث واحد– وأبو موسى الأشعري رضي الله تعالى عنهم أجمعين، ولعل من أحسن هذه الأحاديث وأقواها سندا حديث أبي سعيد الخدري، الذي خرجه مسلم مرفوعا، بلفظ: "لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه"، على أنه قد أعله البخاري وأبو داود -كما تقدم في تخريجه- وعلى كل فإن تخريج مسلم يعد تصحيحا له، ويكسبه هيبة الصحيح، ويدل على ثبوته –أيضا– ما يشهد له من الأحاديث الأخرى، التي تقدمت الإشارة إليها. وقد اختلفت آراء العلماء في إزالة هذا التعارض، ومحاولة الجمع والتوفيق بين أحاديث النهي والإذن، بعد أن استقر الأمر وانتهى الخلاف، وانعقد الإجماع على جواز كتابة الحديث، بل وعلى استحسانها. قال الخطابي في "معالم السنن" (1) : … أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته بالتبليغ، وقال: "ليبلغ الشاهد __________ (1) 5: 247. (1/55) الغائب"، فإذا لم يقيدوا ما يسمعونه منه تعذر التبليغ، ولم يؤمن ذهاب العلم، وأن يسقط أكثر الحديث، فلا يبلغ آخر القرون من الأمة، والنسيان من طبع أكثر البشر، والحفظ غير مأمون عليه الغلط، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل شكا إليه سوء الحفظ: "استعن بيمينك"، وقال: "اكتبوها لأبي شاه" خطبة خطبها، وقد كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتبا في الصدقات والمعاقل والديات أو كتبت عنه، فعملت بها الأمة، وتناقلها الرواة، ولم ينكرها أحد من علماء السلف والخلف، فدل ذلك على جواز كتابة الحديث والعلم. ا. هـ. وقال ابن الصلاح في "علوم الحديث" (1) : اختلف الصدر الأول رضي الله عنهم في كتابة الحديث، فمنهم من كره كتابة الحديث والعلم وأمروا بحفظه، ومنهم من أجاز ذلك، ثم إنه زال ذلك الخلاف، وأجمع المسلمون على تسويغ ذلك وإباحته، ولولا تدوينه في الكتب لدرس في الأعصر المتأخرة. ا. هـ. وقال النووي في "شرح مسلم" (2) : "قال القاضي: كان بين السلف من الصحابة والتابعين اختلاف كثير في كتابة العلم، فكرهها كثيرون منهم، وأجازها أكثرهم، ثم أجمع المسلمون على جوازها، وزال ذلك الخلاف ".ا.?. وقال المنذري في "مختصر السنن" (3) : … اختلف السلف في ذلك –يعني: في كتابة الحديث– فكرهه كثير منهم، وأجازه الأكثر، ومنهم من كان يكتب، فإذا حفظ محا، ثم وقع بعد الاتفاق على الجواز. ا. هـ، وقال الكرماني في "شرح __________ (1) 160. (2) 18: 129. (3) 5: 247. (1/56) البخاري" (1) : …كان بين السلف الاختلاف في كتابة غير القرآن، ثم أجمع المسلمون على جوازها، بل على استحبابها. ا. هـ، وقال ابن القيم في "تهذيب السنن" (2) : …وقع الاتفاق على جواز الكتابة وإبقائها، ولولا الكتابة ما كان بأيدينا اليوم من السنة إلا أقل القليل. ا. هـ، وقال ابن كثير في "اختصار علوم الحديث" (3) : …وقد حكي إجماع العلماء في الأعصار المتأخرة على تسويغ كتابة الحديث، وهذا أمر مستفيض شائع ذائع، من غير نكير" ا. هـ. وهكذا، بعد أن عرفنا إجماعهم على جواز كتابة الحديث واستحسانها أذكر ملخص آرائهم وأقوالهم في إزالة التعارض بين أحاديث النهي والإذن، فأقول –وبالله التوفيق بعد تتبعي كلامهم في ذلك-: إنه قد اختلفت أقوالهم، وتعددت مذاهبهم في هذه المسألة، إلا أنه يمكن حصر ذلك في مذهبين وقولين رئيسين: __________ (1) 2: 124. (2) 5: 246. (3) 2: 379. (1/57) · القول الأول: مذهب الجمع بين الأحاديث: ولا شك أن هذا المذهب هو الأصل، وهو الأولى عند تعارض الأحاديث الصحيحة، ولا يصار إلى غيره مع إمكان القول به، بدون تكلف، إلا أنه قد اختلفت أقوالهم في طريقة الجمع بين هذه الأحاديث: فقال قوم: إن النهي عام، والإذن خاص بعبد الله بن عمرو؛ لكونه قارئا كاتبا متقنا، لا يخشى عليه من الالتباس فيما كتبه، وكان غيره من (1/57) - الصحابة أميين، لا يكتب منهم إلا القليل، وإذا كتب لم يتقن، ولم يصب التهجي، فلما خشي عليهم الغلط فيما يكتبون نهاهم، ولما أمن على عبد الله بن عمرو ذلك أذن له (1) ، - وقال آخرون: إنما نهي عن كتابة الحديث؛ لئلا يضاهى بكتاب الله غيره، أو يشتغل عن القرآن بسواه، فلما أمن ذلك، ودعت الحاجة إلى كتب العلم أذن في كتبه (2) ، - وقال قوم: إن النهي في حق من يوثق بحفظه، ويخاف اتكاله على الكتابة دون الحفظ، والإذن لمن لا يوثق بحفظه ويخاف عليه من النسيان إذا لم يكتب (3) . - وقال قوم: إن النهي كان في أول الإسلام؛ خشية من اختلاط القرآن بغيره، فلما علم القرآن واشتهر وتميز، وأمنت عليه مفسدة الاختلاط أذن في الكتابة (4) ، وأخص من هذا القول: __________ (1) انظر: "تأويل مختلف الحديث" لابن قتيبة 287. (2) انظر: "تقييد العلم" للخطيب: 57، 93، "جامع بيان العلم" لابن عبد البر 1: 82، "النكت على مقدمة ابن الصلاح" للزركشي 3: 560. (3) انظر: "صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان" 1: 265، "تقييد العلم": 58، "جامع بيان العلم" لابن عبد البر 1: 82، "علوم الحديث" لابن الصلاح: 161، "شرح مسلم" للنووي" 18: 130، "اختصار علوم الحديث" لابن كثير 2: 380، "النكت على مقدمة ابن الصلاح" للزركشي 3: 558، "شرح البخاري" للكرماني 2 124، "فتح الباري" لابن حجر 1: 308، "عمدة القاري" للعيني 2: 131. (4) انظر: "تقييد العلم" للخطيب": 57، "علوم الحديث" لابن الصلاح: 161، "النكت على مقدمة ابن الصلاح" للزركشي: 3: 558، "تهذيب السنن" لابن القيم 5: 245، "شرح البخاري" للكرماني 2: 124، "فتح الباري" لابن حجر 1: 308، "عمدة القاري" 2: 131، "توضيح الأفكار" للصنعاني 2: 353. (1/58) - قول من قال: إن النهي إنما هو عن كتابة الحديث مع القرآن في صحيفة واحدة؛ خشية اختلاطهما على غير العارف في أول الإسلام (1) ، - وقال آخرون: إن النهي عن الكتابة مخصوص بحياة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن النسخ يطرأ في كل وقت، فيختلط الناسخ بالمنسوخ (2) . وبعد، فهذه جملة من اجتهادات العلماء والأئمة للتوفيق بين الأحاديث المتعارضة في النهي والإذن في الكتابة، إلا إنها تفتقر إلى الدليل النصي على أحدها؛ لترجيحه على الآخر، ولذا فإن المحدث العلامة المحقق الشيخ أحمد شاكر – لما ساق بعضها – قال: وكل هذه إجابات ليست قوية (3) ، وعليه فالذي يظهر أن الأقرب للصواب هو القول الثاني الآتي، وهو: __________ (1) انظر: "معالم السنن للخطابي" للخطابي 4: 61، "جامع الأصول" لابن الأثير 8: 33، "شرح مسلم" للنووي" 18: 130، "مختصر أبي داود" للمنذري 5: 274، "تهذيب السنن" لابن القيم 5: 245، "شرح البخاري" للكرماني 2: 124، "فتح الباري" 1: 308، "اختصار علوم الحديث" لابن كثير 2: 380، "توضيح الأفكار" 2: 354. (2) انظر: "النكت على مقدمة ابن الصلاح" 3: 559. (3) انظر: "الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث" 2: 380. (1/59) · القول الثاني: مذهب النسخ: والمراد به: أن أحاديث النهي الأربعة منسوخة بأحاديث الإذن الثابتة الكثيرة، والتي تدل على القطع بوقوع الكتابة للأحاديث في عهده صلى الله عليه وسلم، ومما يدل على ذلك ويقويه تأخر أحاديث الإذن، ووقوع بعضها في أواخر حياته صلى الله عليه وسلم. قال ابن القيم في كتابه القيم "تهذيب السنن" (1) : قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم __________ (1) 5: 245. (1/59) النهي عن الكتابة والإذن فيها، والإذن متأخر فيكون ناسخا لحديث النهي: - فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال في غزاة الفتح: "اكتبوا لأبي شاه". يعني: خطبته التي سأل أبوشاه كتابتها. - وأذن لعبد الله بن عمرو في الكتابة، وحديثه متأخر عن النهي؛ لأنه لم يزل يكتب، ومات وعنده كتابته، وهي الصحيفة التي كان يسميها الصادقة، ولو كان النهي عن الكتابة متأخرا لمحاها عبد الله؛ لأمر النبي بمحو ما كتب عنه غير القرآن، فلما لم يمحها وأثبتها دل على أن الإذن في الكتابة متأخر عن النهي عنها، وهذا واضح، والحمد لله، - وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في مرض موته: "ائتوني باللوح والدواة والكتف لأكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا" …، وإنما نهى النبي عن كتابة غير القرآن في أول الإسلام؛ لئلا يختلط القرآن بغيره، فلما علم القرآن وتميز، وأفرد بالضبط والحفظ، وأمنت عليه مفسدة الاختلاط أذن في الكتابة. أ. هـ كلامه رحمه الله. وهو كلام نفيس في بابه، وهذا القول هو الذي مال إليه كثير من الأئمة: كابن شاهين، كما في "ناسخ الحديث ومنسوخه" (1) ، وابن قتيبة في "تأويل مختلف الحديث " (2) ، والخطابي في "معالم السنن " (3) ، والمنذري في "مختصر سنن أبي داود " (4) ، والنووي في "شرح مسلم" (5) ، وابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (6) ، وتلميذه ابن القيم –كما __________ (1) 472. (2) 286. (3) 4: 61. (4) 5: 247. (5) 18: 130. (6) 20: 322. (1/60) تقدم – وابن حجر في "فتح الباري" (1) فإنه بعد أن ختم الأقوال في هذه المسألة بالنسخ قال: "… وهو أقربها مع أنه لا ينافيها". يعني أن القول بالنسخ لا ينافي الأقوال السابقة، التي قيلت في الجمع بين الأحاديث، بل ينسجم معها، فيستفاد منها معرفة علة النهي التي كانت في أول الأمر، ثم لما زالت أبيحت الكتابة، والله تعالى أعلم، وقد مال إلى هذا القول من المحدثين المعاصرين: الشيخ أحمد شاكر كما في "الباعث الحثيث" (2) ، والشيخ الألباني في "تعليقه على الباعث الحثيث" والشيخ الدكتور محمد أبوشهبة في كتابه "دفاع عن السنة" (3) ، ومما يزيد الأمر وضوحا وتأكيدا استقرار الأمر بين الأمة على الإجماع على جواز كتابة الأحاديث واستحباب ذلك، وهذا قرينة قاطعة على أن آخر الأمرين عنه صلى الله عليه وسلم هو الإذن بكتابة الحديث. قال السخاوي "… وبالجملة، فالذي استقر الأمر عليه الإجماع على الاستحباب، بل قال شيخنا: إنه لا يبعد وجوبه على من خشي النسيان، ممن يتعين عليه تبليغ العلم" (4) ، والله تعالى أعلم. __________ (1) 1: 308. (2) 2: 380. (3) 20. (4) انظر: "فتح المغيث" للسخاوي 3: 38، و "فتح الباري" لابن حجر 1: 204. (1/61) المبحث السادس: في الرد على بعض الشبه المثارة حول السنة من جهة كتابتها من خلال ما تقدم من المباحث السابقة يتبين لنا تواتر وقوع الكتابة في عهده صلى الله عليه وسلم، وأنه قد كتب من حديثه صلى الله عليه وسلم في حياته شيء كثير (1) ، حيث أذن لبعض الصحابة أن يكتبوا أحاديثه -بعد أن كان ينهي عن كتابتها في أول الإسلام؛ خشية اختلاطها بالقرآن– فأمر أن تكتب خطبته صلى الله عليه وسلم عام الفتح لأبي شاه، وكتب وبعث كثيرا من الكتب، وأراد أن يكتب قبيل وفاته كتابا يكون مرجعا للناس، لا يضلون بعده أبدا، وما إن توفي صلى الله عليه وسلم وجاور الرفيق الأعلى حتى كثر عدد من يكتب الحديث من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، وكذلك التابعين من بعدهم كتبوا فأكثروا. إلا إنه شاع في أوساط بعض المتفقهين والمثقفين مقولة خطيرة، سببها عدم فهم كلام أهل العلم على حقيقته، وقد تولى كبر هذه المقالة ونشرها والدعاية لها بعض المستشرقين (2) ، للكيد للإسلام والطعن في أعظم مصدر من مصادره بعد القرآن، ألا وهي السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة __________ (1) انظر: ص 35. (2) يقول شاخت، وهو أحد المستشرقين غير المنصفين: إن الأحاديث الفقهية من الصعوبة بمكان أن يعد واحد منها صحيحا، وهي قد وضعت للتداول بين الناس من النصف الأول من القرن الثاني وما بعده. انظر للمزيد من معرفة موقف المستشرقين من تدوين الحديث: كتاب "دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه" 1: 72،وكتاب "علوم الحديث ومصطلحه": 33، وكتاب "السنة قبل التدوين": 375. (1/62) والتسليم، وملخص هذه المقالة يقول: "إن الأحاديث لم تكتب في عهده صلى الله عليه وسلم كما هو الشأن بالنسبة للقرآن، حيث لم يأمر صلى الله عليه وسلم بذلك، بل إن الأمر تعدى ذلك إلى النهي والأمر بمحو ما كتب منها، وأن الأمر استمر على ذلك في عصر الصحابة والتابعين، فظلت الأحاديث تنقل شفاها لمدة مائة عام أو أكثر، حتى جاء الخليفة الزاهد عمر بن عبد العزيز على رأس المائة الأولى، فأمر بتدوينها، فكان أول من دون الحديث ابن شهاب الزهري (ت 124هـ) ، وقد أدى عدم تقييد السنة هذه الفترة الطويلة إلى احتمال ضياع كثير منها، واحتمال حصول الخطأ والنسيان، أو التبديل والتغيير فيها، مما يورث عدم الاعتماد عليها والاحتجاج بها"، والجواب عن هذه الشبهة في عدة نقاط: * أولا: أن إنكار تقييد الحديث وكتابته في عهده صلى الله عليه وسلم لا يمكن، حيث إنه قد تعددت الأحاديث والروايات وكثرت، مما يبلغ بها درجة التواتر المفيد للعلم القطعي اليقيني في إثبات وقوع الكتابة للأحاديث في عهده صلى الله عليه وسلم، وقد كان ذلك آخر الأمرين منه صلى الله عليه وسلم، بعد أن كان ينهى عن كتابتها في أول الإسلام خشية اختلاطها بالقرآن. * ثانيا: أن الحكمة في أمره صلى الله عليه وسلم بكتابة القرآن دون الحديث؛ لأن المقصود بالحديث هو المعنى، ولا يتعلق في الغالب حكم بالمبنى، بخلاف القرآن، فإن لألفاظه مدخلا في الإعجاز، فلا يجوز إبدال لفظ منه بلفظ آخر، ولو كان مرادفا، بل لا يجوز إبدال حرف منه بحرف آخر؛ لأن الله عز وجل قد تعبدنا بتلاوة لفظه في الصلاة وغيرها، علاوة على أن ترتيب الآيات ووضع بعضها بجانب بعض أمر توقيفي منه صلى الله عليه وسلم، وقد كان القرآن ينزل منجما بحسب (1/63) الوقائع؛ ولما لم تكن السنة بهذه المثابة: لا ترتيب بين الأحاديث بعضها مع بعض، وليست بمعجزة، ولم يتعبدنا الله تعالى بتلاوة لفظها، وأجاز لنا تغييره ما دامت المحافظة على المعنى متحققة، سواء أكان ذلك بنفس اللفظ الصادر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أم بغيره، لأجل ذلك كله لم يأمر صلى الله عليه وسلم بكتابة الحديث (1) . * ثالثا: أنه ما إن توفي النبي صلى الله عليه وسلم حتى كثر من يكتب الحديث من الصحابة والتابعين، حيث فهموا إذنه العام لكل من يرغب في ذلك ويقدر عليه، يدل عليه أنه قبيل وفاته أراد أن يكتب للمسلمين كتابا لا يضلون بعده أبدا، فلم ير بذلك بأسا بعد أن أمن اختلاط السنة بالقرآن (2) . * رابعا: أن تدوين الحديث الذي دعا إليه عمر بن عبد العزيز –رحمه الله تعالى– على رأس المائة الأولى، إنما كان المقصود به التدوين العام للأحاديث؛ ليكون هناك كتب معتمدة تجمع وترتب فيها الأحاديث، ويتداولها عامة الناس، وليس هذا يعني أن الأحاديث لم تدون من قبل، وهذا ما يرمي إليه الحافظ ابن حجر حين يقول: "إن آثار النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن في عصر أصحابه وكبار من تبعهم مدونة في الجوامع ولا مرتبة … " (3) ، وبدعوته هذه ينتهي الخلاف الذي وجد عند الصدر الأول في كتابة الحديث، __________ (1) انظر: كتاب "توجيه النظر إلى أصول الأثر" لطاهر الجزائري 1: 45، وكتاب "بيان الشبه التي أوردها بعض من ينكر حجية السنة والرد عليها" لعبد الغني عبد الخالق: 436. (2) انظر: كتاب: "دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه" للدكتور الأعظمي 1: 92، وكتاب "بحوث في تاريخ السنة المشرفة" للدكتور أكرم العمري 294، 296، فقد ذكر الأول أمثلة كثيرة للصحابة وكبار التابعين ممن توفي قبل المائة أو قريبا منها، ولصغار التابعين ممن توفي بعد ذلك، ممن كتب الحديث أو كتب عنه، أو كان له صحيفة أو كتاب. (3) انظر: "هدي الساري مقدمة فتح الباري": 6. (1/64) ويستقر الأمر على الإجماع على جواز كتابة الحديث، بل واستحبابه. * خامسا: أن الكتابة ليست من لوازم الحجة، فالتدوين والحجة غير متلازمين، فإن تواتر القرآن لم يجئ بسبب كتابته، وإنما جاء بسبب حفظ وتلقي الجمع الكثير له، بعضهم من بعض، تحيل العادة تواطؤهم على الكذب، عن مثلهم في جميع الأعصار إلى يومنا هذا، حتى وصل إلينا القرآن غضا طرياكما أنزل، لا تبديل فيه ولا تغيير، ولا تزيد ولا نقص، وهكذا الأحاديث فإن فيها المتواتر –وإن كان قليلا– الذي يقطع بثبوته وحجيته كالقرآن –مع كونها لم تكتب– وعليه فإن المعول في حجية الأخبار والاعتماد عليها هو عدالة حامليها، وضبطهم وصيانتهم لما تحملوه من التبديل والتغيير، سواء أكان الضبط: ضبط صدر أم ضبط كتاب، فإذا تحققت العدالة وانضم إليها الضبط بنوعيه كان ذلك الغاية والنهاية في المطلوب، أما إذا انتفت العدالة فإننا حينئذ لا نأمن من التبديل والتحريف في الأخبار ولو كانت مكتوبة، فهؤلاء اليهود والنصارى كانوا يكتبون التوراة والإنجيل، ومع ذلك وقع التبديل والتغيير فيهما لما تجردوا من صفة العدالة. قال تعالى: {فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون} [البقرة:79] ، يضاف إلى ذلك أن الكتابة دون الحفظ؛ يدل عليه: أن علماء الأصول إذا تعارض عندهم رواية مسموعة ورواية مكتوبة رجحوا (1/65) رواية السماع؛ لبعد احتمال تطرق التصحيف والغلط عليها (1) ، وقد اختلف علماء الحديث في صحة الرواية بالمكاتبة -بعد اتفاقهم على صحة الرواية بالسماع- والصحيح جوازها، مما يدل على أنها أقل مرتبة من السماع (2) ، فتقرر تقديم الحفظ على الكتابة، ولاسيما عند العرب، تلك الأمة الأمية، التي يقل فيها من يعرف الكتابة، ولذا كان جل اعتمادهم في تواريخهم وأخبارهم على الحفظ، حتى قويت عندهم هذه الملكة، فكانوا مطبوعين عليها مخصوصين بها، يعز أن يقع منهم خطأ أو نسيان لشيء مما حفظوه، وإذا كان هذا حالهم في الجاهلية، ففي الإسلام أعظم (3) ، حيث اختارهم الله تعالى لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، وقيضهم لحمل هذا الدين عنه، وتبليغه لمن بعدهم، فملأ قلوبهم بالإيمان والتقوى والخوف منه: أن يبلغوا شيئا من أحكام هذا الدين على خلاف ما رأوا عليه النبي صلى الله عليه وسلم أو سمعوه منه، وقريب منهم من اجتمع بهم وشاهد أحوالهم واقتفى آثارهم من التابعين لهم بإحسان رضي الله تعالى عنهم أجمعين (4) . __________ (1) انظر: "الإحكام في أصول الأحكام" للآمدي 4: 215. (2) انظر: "فتح الباري"1: 154. (3) مما يذكر عن الصحابة والتابعين في قوة الحفظ: أن ابن عباس -رضي الله عنه- حفظ قصيدة عمر بن أبي ربيعة التي مطلعها: أمن آل نعم أنت غاد فمبكر غداة غد أم رائح فمهجر في سمعة واحدة، وعدتها خمسة وسبعون بيتا، ويقول الزهري: إني لأمر بالنقيع، فأسد أذني مخافة أن يدخل فيها شيء من الخنا، فوالله ما دخل أذني شيء قط فنسيته، ويقول الشعبي: ما كتبت سوداء في بيضاء قط، وما حدثني أحد بحديث، فأحببت أن يعيده علي. انظر: "جامع بيان العلم" 1: 83، "سنن الدارمي" 1: 102، "فتح المغيث" 3: 35. (4) انظر: كتاب "دفاع عن السنة ورد شبه المستشرقين والكتاب المعاصرين" للدكتو محمد أبو شهبة: 199، 200، وكتاب "بيان الشبه التي أوردها بعض من ينكر حجية السنة والرد عليها " للدكتور عبد الغني عبد الخالق: 413 –رحمهما الله تعالى– فقد أجادا وأفادا وأطال الثاني في الرد على هذه الشبهة من جهة أن عدم الكتابة للسنة يلزم منه عدم الحجية، وما كتبته في هذه الفقرة ملخص في الغالب من كلامه رحمه الله تعالى. (1/66) الخاتمة: من خلال ما تقدم من مباحث في هذا الجزء اللطيف، الذي هو بعنوان: "كتابة الحديث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بين النهي والإذن"يمكن إيجاز أهم الفوائد والنتائج التي توصلت إليها فيما يلي: 1. أن الأحاديث الواردة في النهي عن كتابة الحديث النبوي لا تتجاوز أربعة أحاديث، أحسنها وأقواها سندا حديث أبي سعيد الخدري –رضي الله عنه– مرفوعا بلفظ "لاتكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه"، وقد أعله البخاري وأبو داود بالوقف، إلا أن تخريج مسلم له يعتبر تصحيحا له، ويجعل له هيبة الصحيح. 2. أن الأحاديث والروايات في الإذن في كتابة الحديث، والصحائف والكتب والمكاتبات في إثبات وقوع الكتابة للحديث النبوي في عهده صلى الله عليه وسلم كثيرة جدا، وبمجموعها يمكن القول: إن وقوع الكتابة في عهده يبلغ رتبة التواتر –يعني: المعنوي– المفيد للعلم اليقيني القطعي. 3. أن ما كتب في عهده صلى الله عليه وسلم قد تناول قسما كبيرا من حديثه، يبلغ في مجموعه ما يضاهي مصنفا كبيرا من المصنفات الحديثية. أن تدوين الحديث الذي دعا إليه عمر بن عبد العزيز – رحمه الله (1/67) تعالى – على رأس المائة الأولى إنما المقصود به التدوين الرسمي، الذي أخذ صفة العموم؛ لجمع شتات الأحاديث وما تفرق منها في صحف الناس ومحفوظاتهم في كتب معتمدة تجمع وترتب فيها الأحاديث، ويتداولها عامة الناس، وليس المقصود به أن الأحاديث لم تدون من قبل، وبدعوته انتهى الخلاف الذي كان في الصدر الأول من الصحابة والتابعين في كتابة الحديث، واستقر الأمر على الإجماع على الجواز. 5. أن أولى الأقوال في إزالة التعارض بين أحاديث النهي والإذن هو القول بالنسخ. يعني: أن أحاديث النهي منسوخة بأحاديث الإذن الثابتة الكثيرة، ومما يدل على ذلك تأخر أحاديث الإذن ووقوع بعضها في أواخر حياته صلى الله عليه وسلم، وهذا هو قول جمهور أهل العلم. 6. أن مما يقوي القول بنسخ النهي عن كتابة الحديث استقرار الأمر بين الأمة على الإجماع على جواز كتابة الحديث، بل وعلى استحبابه، بل إنه كما قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (1) : إنه لا يبعد وجوبه على من خشي النسيان ممن يتعين عليه تبليغ العلم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. __________ (1) 1: 204. (1/68) مصادر ومراجع ... المصادر والمراجع 1. إتحاف المهرة بالفوائد المبتكرة من أطراف العشرة لابن حجر العسقلاني، تحقيق د. زهير الناصر، نشر بالتعاون بين مجمع الملك فهد لطباعة المصحف ومركز خدمة السنة والسيرة بالمدينة المنورة، ط 1، 1415 هـ / 1994 م. 2. الإحكام في أصول الأحكام للآمدي، نشر مؤسسة الحلبي بالقاهرة. 3. اختصار علوم الحديث لابن كثير مطبوع مع شرحه الباعث الحثيث. انظر: الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث. 4. الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر، تحقيق علي البجاوي، نشر دار نهضة مصر، 1380هـ. 5. أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير، تحقيق محمد البنا ومحمد عاشور ومحمود فايد، نشر دار الشعب بالقاهرة، بدون تاريخ. 6. إعلام السائلين عن كتب سيد المرسلين لابن طولون، تحقيق محمود الأرناؤوط، نشر مؤسسة الرسالة ببيروت، ط 2، 1407هـ / 1987 م. 7. الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع للقاضي عياض، تحقيق السيد أحمد صقر، نشر دار التراث بالقاهرة، ط 2، 1398 هـ / 1978 م. 8. الأموال لأبي عبيد القاسم بن سلام، تحقيق محمد خليل هراس، نشر مكتبة الكليات الأزهرية بالقاهرة، ط3، 1401هـ / 1981 م. (1/69) 1. الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث للشيخ أحمد شاكر، وتعليق الشيخ ناصر الدين الألباني، تحقيق علي حسن عبد الحميد، نشر دار العاصمة بالرياض، ط 1، 1415 هـ. 2. بحوث في تاريخ السنة، ل د. أكرم العمري، نشر مكتبة العلوم والحكم بالمدينة المنورة، ط 5، 1415 هـ / 1994 م. 3. بيان الشبه التي أوردها بعض من ينكر حجية السنة والرد عليها ل د. عبد الغني عبد الخالق، نشر مكتبة السنة بالقاهرة، ط 1، 1409 هـ / 1989م. 4. تاريخ بغداد للخطيب البغدادي، مصورة عن الطبعة الأولى بدار الكتاب العربي ببيروت بدون تاريخ. 5. التاريخ الكبير للبخاري، تحقيق عبد الرحمن المعلمي، نسخة مصورة عن الطبعة الأولى بدار الكتب العلمية ببيروت. 6. تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة، تصحيح محمد زهري النجار، نشر مكتبة الكليات الأزهرية بالقاهرة، 1386 هـ / 1966 م. 7. تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف للمزي، تصحيح عبد الصمد شرف الدين، نشر الدار القيمة ببمباي الهند، ط 1، 1384?/1965م. 8. تذكرة الحفاظ للذهبي، بتصحيح عبد الرحمن المعلمي، نشر مطبعة دائرة المعارف بحيدر آباد الدكن، ط 4، 1388 هـ. 9. تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس لابن حجر، تحقيق عبد الغفار البنداري ومحمد عبد العزيز، نشر دار الكتب العلمية ببيروت، ط 1، 1405 هـ. (1/70) 1. تفسير القرآن العظيم لابن كثير، نشر مكتبة النهضة الحديثة بمكة المكرمة، مراجعة وتصحيح عبد الوهاب عبد اللطيف ومحمد الصديق ط 1، 1388 هـ. 2. تقريب التهذيب لابن حجر العسقلاني، تحقيق محمد عوامة، نشر دار الرشيد بحلب، ط 1، 1406هـ / 1986م. 3. تقييد العلم للخطيب، تحقيق يوسف العش نشر دار إحياء السنةط2، 1974م. 4. تلخيص المستدرك على الصحيحين للذهبي مطبوع بذيل المستدرك. 5. التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل للشيخ العلامة عبد الرحمن المعلمي، تعليق الشيخ الألباني وزهير الشاويش وعبد الرزاق حمزة، نشر المكتب الإسلامي ببيروت، ط 2، 1406 هـ / 1986 م. 6. تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني، نشر مطبعة مجلس دائرة المعارف بحيدر آباد الدكن، ط 2، 1399 هـ. 7. تهذيب سنن أبي داود لابن القيم، بتحقيق الشيخ أحمد شاكر وحامد الفقي، نشر المكتبة الأثرية بباكستان، ط 2، 1399 هـ. 8. تهذيب الكمال للمزي، تحقيق د. بشار عواد، نشر مؤسسة الرسالة ببيروت، ط 2، 1404 هـ. 9. توجيه النظر إلى أصول الأثر للشيخ طاهر الجزائري، اعتنى به عبد الفتاح أبوغدة، نشر مكتب المطبوعات الإسلامية بحلب، ط1، 1416هـ / 1995م. (1/71) 1. توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار للصنعاني، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، نشر مكتبة الخانجي بالقاهرة، ط 1، 1366?. 2. الثقات لابن حبان، تحقيق عبد المعين خان، مطبعة دائرة المعارف بحيدر آباد الدكن، ط 1، 1393 هـ. 3. جامع الأصول في أحاديث الرسول لابن الأثير الجزري، تحقيق عبد القادر الأرناؤوط، نشر مكتبة الحلواني ومطبعة الملاح ومكتبة دار البيان بسوريا، 1392 هـ / 1972 م. 4. جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر، تصحيح عبد الرحمن عثمان، نشر المكتبة السلفية بالمدينة، ط 2، 1388 هـ. 5. جامع التحصيل في أحكام المراسيل للعلائي، تحقيق حمدي السلفي، نشر وزارة الأوقاف بالعراق، ط 1، 1398 هـ. 6. الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي، تحقيق د. محمود الطحان، نشر مكتبة المعارف بالرياض، 1403 هـ / 1983 م. 7. الجرح والتعديل لابن أبي حاتم الرازي، مصورة عن الطبعة الأولى، نشر دائرة المعارف بحيدر آباد الدكن بالهند، 1371 ?/1952م. 8. حلية الأولياء وطبقات الأصفياء لأبي نعيم الأصبهاني، نشر مطبعة دار السعادة بمصر، ط 1، 1394 هـ / 1974 م. 9. دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه ل د. مصطفى الأعظمي، نشر المكتب الإسلامي ببيروت، 1400هـ، / 1980 م. 10. دفاع عن السنة ورد شبهات المستشرقين والكتاب المعاصرين ل د. محمد أبوشهبة، نشر مكتبة السنة بالقاهرة، ط 1،1409?/1989م. (1/72) 1. ديوان الضعفاء والمتروكين للذهبي، تحقيق حماد الأنصاري، نشر مكتبة النهضة الحديثة بمكة المكرمة، 1387هـ / 1967م. 2. ذكر أسماء من تكلم فيه وهو موثق للذهبي، تحقيق محمد شكور المياديني، نشر مكتبة المنار بالأردن، ط 1، 1406 هـ. 3. زاد المعاد في هدي خير العباد لابن قيم الجوزية، تحقيق شعيب وعبد القادر الأرنؤطيان، نشر مؤسسة الرسالة ببيروت ط2، 1401?/ 1981م. 4. سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني، نشر المكتب الإسلامي ببيروت، ط 3، 1403 هـ / 1983 م. 5. السنة قبل التدوين، ل د. محمد عجاج الخطيب، نشر دار الفكر ببيروت، ط 3، 1400 هـ / 1980 م. 6. سنن ابن ماجه، نشر دار السلام بالرياض، بإشراف معالي الشيخ صالح آل الشيخ، ضمن موسوعة الكتب الستة، ط 1،1420?/ 1999 م. 7. سنن أبي داود، نشر دار السلام بالرياض، بإشراف معالي الشيخ صالح آل الشيخ، ضمن موسوعة الكتب الستة، ط 1، 1420 هـ/ 1999 م. 8. سنن الترمذي، نشر دار السلام بالرياض، بإشراف معالي الشيخ صالح آل الشيخ، ضمن موسوعة الكتب الستة، ط 1، 1420 هـ 1999 م. 9. سنن الدارمي، تعليق ونشر عبد الله هاشم اليماني، 1386هـ/1966 م. (1/73) 1. السنن الكبرى للنسائي، تحقيق د. عبد الغفار البنداري وسيد كسروي حسن، نشر دار الكتب العربية، بيروت، ط 1، 1411هـ / 1991م. 2. سنن النسائي، نشر دار السلام بالرياض، بإشراف معالي الشيخ صالح آل الشيخ، ضمن موسوعة الكتب الستة، ط 1، 1420 هـ/ 1999 م. 3. السيرة النبوية لابن هشام، تحقيق مصطفى السقا وإبراهيم الأبياري وعبد الحفيظ شلبي، نشر مكتبة مصطفى البابي الحلبي، ط 2، 1375هـ/ 1955م. 4. شرح صحيح البخاري للكرماني، نشر دار إحياء التراث العربي ببيروت، ط 2، 1401 هـ / 1981 م. 5. شرح صحيح مسلم للنووي، نشر المطبعة المصرية بمصر، بدون تاريخ. 6. شرح معاني الآثار للطحاوي، تحقيق محمد زهدي النجار، نشر دار الكتب العلمية ببيروت، ط 2، 1407 هـ. 7. صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان، تحقيق شعيب الأرناؤوط، نشر مؤسسة الرسالة، ط 2، 1414هـ / 1993 م. 8. صحيح البخاري، نشر دار السلام بالرياض، بإشراف معالي الشيخ صالح آل الشيخ، ضمن موسوعة الكتب الستة، ط1،1420?/ 1999م. 9. صحيح مسلم، نشر دار السلام بالرياض، بإشراف معالي الشيخ صالح آل الشيخ، ضمن موسوعة الكتب الستة، ط 1، 1420?/ 1999م. (1/74) 1. الضعفاء الصغير للبخاري، تحقيق محمود إبراهيم زايد، نشر دار الوعي بحلب، ط 1، 1396 هـ. 2. الضعفاء الكبير للعقيلي، تحقيق عبد المعطي قلعجي، نشر دار الكتب العلمية ببيروت، ط 1، 1404هـ. 3. الضعفاء والمتروكين للنسائي، تحقيق محمود إبراهيم زايد، نشر دار الوعي بحلب، ط 1، 1396 هـ. 4. الطبقات الكبرى لابن سعد، نشر دار بيروت ببيروت، 1398هـ/ 1979م. 5. طبقات المحدثين بأصبهان لأبي الشيخ الأنصاري، تحقيق عبد الغفور البلوشي، نشر مؤسسة الرسالة، ط 1، 1408 هـ / 1988 م. 6. علل الحديث لابن أبي حاتم، مصورة عن الطبعة الأولى بدار السلام بحلب. 7. العلل المتناهية في الأحاديث الواهية لابن الجوزي، تحقيق إرشاد الحق الأثري، إدارة العلوم الأثرية بفيصل آباد بباكستان، ط 2، 1401 هـ. 8. علوم الحديث لابن الصلاح، تحقيق نور الدين عتر، نشر المكتبة العلمية بالمدينة المنورة، 1386 هـ. 9. علوم الحديث ومصطلحه ل د. صبحي الصالح، نشر دار العلم للملايين، ط 18، 1991 م. 10. عمدة القاري شرح صحيح البخاري للعيني، نشر مكتبة مصطفى البابي الحلبي بمصر، ط 1، 1392 هـ / 1972 م. (1/75) 1. عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير لابن سيد الناس، طبعة مصورة بدار المعرفة ببيروت، بدون تاريخ. 2. فتح الباري لابن حجر العسقلاني، تحقيق الشيخ عبد العزيز بن باز، عناية محمد عبد الباقي ومحب الدين الخطيب، نشر المطبعة السلفية بمصر. 3. فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للسخاوي، تحقيق الشيخ علي حسين علي، نشر إدارة البحوث الإسلامية بالجامعة السلفية ببنارس بالهند، ط 1، 1409 هـ / 1988 م. 4. فتوح مصر والمغرب لابن عبد الحكم، تحقيق د. علي محمد عمر، نشر مكتبة الثقافة الدينية بمصر، 1415 هـ / 1995 م. 5. الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة للذهبي، تحقيق محمد عوامة وأحمد الخطيب، نشر دار القبلة بجدة، ط 1، 1413هـ / 1992م. 6. الكامل لابن عدي، نشر دار الفكر، بيروت، ط 2، 1405هـ / 1985م. 7. كشف الأستار عن زوائد البزار على الكتب الستة للهيثمي، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، نشر مؤسسة الرسالة ببيروت، ط 1، 1399 هـ. 8. الكشف الحثيث عمن رمي بوضع الحديث لبرهان الدين الحلبي، تحقيق صبحي السامرائي، نشر وزارة الشئون الإسلامية بالعراق بدون تاريخ. (1/76) 1. لسان الميزان لابن حجر تحقيق مكتب التحقيق بدار إحياء التراث العربي ببيروت بإشراف محمد المرعشلي، ط 1، 1416 هـ / 1995 م. 2. المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين لابن حبان، تحقيق محمود زائد، نشر دار الوعي بحلب، ط 1، 1396 هـ. 3. مجمع البحرين في زوائد المعجمين للهيثمي، تحقيق عبد القدوس محمد نذير، نشر مكتبة الرشد بالرياض، ط 1، 1413 هـ. 4. مجمع الزوائد للهيثمي، نشر دار الكتاب العربي ببيروت، ط2، 1967م. 5. مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، جمع الشيخ عبد الرحمن بن قاسم، طبع بأمر خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز. 6. المستدرك على الصحيحين للحاكم، مصورة عن الطبعة الأولى بمكتبة المعارف بالرياض بدون تاريخ. 7. مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة ل د. محمد حميد الله، نشر دار الإرشاد ببيروت، ط 3، 1403 هـ. 8. مختصر سنن أبي داود للمنذري، بتحقيق الشيخ أحمد شاكر وحامد الفقي، نشر المكتبة الأثرية بباكستان، ط 2، 1399 هـ. 9. مسند أبي يعلى الموصلي، تحقيق حسين أسد، نشر دار المأمون للتراث بدمشق وبيروت، ط 1، 1404 هـ / 1984 م. مسند الإمام أحمد، وقد رجعت فيه إلى طبعتين: الأولى: في مجلد واحد نشر بيت الأفكار الدولية بالرياض، 1419هـ/1998م، (1/77) 1. والثانية: بتحقيق مجموعة من المحققين بمؤسسة الرسالة بإشراف معالي الشيخ عبد الله التركي، ط 1، 1414 هـ / 1994 م. 2. المصباح المضيء في كتاب النبي لابن حديدة الأنصاري، تحقيق محمد عظيم الدين، نشر عالم الكتب ببيروت، ط 2، 1405 هـ / 1985 م. 3. المصنف لابن أبي شيبة، تحقيق مختار الندوي، نشر الدار السلفية بالهند، ط 1، 1403 هـ. 4. معالم السنن للخطابي، بتحقيق الشيخ أحمد شاكر وحامد الفقي، نشر المكتبة الأثرية بباكستان، ط 2، 1399 هـ. 5. المعجم الأوسط للطبراني، تحقيق د. محمود الطحان، نشر مكتبة المعارف بالرياض ط 1، 1405هـ. 6. المعجم الصغير للطبراني، تحقيق محمد شكور محمود الحاج أمرير، نشر المكتب الإسلامي ببيروت ودار عمار بالأردن، ط 1، 1405هـ/ 1985م. 7. المعجم الكبير للطبراني، تحقيق حمدي السلفي، نشر وزارة الأوقاف بالعراق، ط 1، 1397 هـ. 8. معرفة الثقات للعجلي بترتيب الهيثمي والسبكي، تحقيق عبد العليم البستوي، نشر مكتبة الدار بالمدينة المنورة، ط 1، 1405 هـ/ 1985 م. 9. منهج النقد في علوم الحديث ل. د نور الدين عتر، نشر دار الفكر بدمشق، ط 3، 1418 هـ / 1997 م. (1/78) 1. موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان للهيثمي، تحقيق شعيب الأرناؤوط ومحمد رضوان، نشر مؤسسة الرسالة، ط 1، 1414هـ / 1993 م. 2. "الموطأ "للإمام مالك، تخريج محمد فؤاد عبد الباقي، نشر دار إحياء الكتب العربية بمصر، بدون تاريخ. 3. ميزان الاعتدال في نقد الرجال للذهبي، تحقيق علي البجاوي، نشر دار إحياء الكتب العربية بمصر، ط 1، 1382 هـ. 4. ناسخ الحديث ومنسوخه لابن شاهين، تحقيق سمير الزهيري، نشر مكتبة المنار بالأردن، ط 1، 1408 هـ / 1988 م. 5. نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية للزيلعي، نشر المجلس العلمي بباكستان، ط 2، 1393 هـ. 6. النكت على مقدمة ابن الصلاح للزركشي، تحقيق د. زين العابدين بلا فريح، نشر مكتبة أضواء السلف بالرياض، ط 1، 1419هـ / 1998 م. 7. هدي الساري مقدمة فتح الباري لابن حجر العسقلاني، تصحيح محب الدين الخطيب، نشر المطبعة السلفية بمصر، بدون تاريخ. ( فهرس المحتويات ) كشف المغطا في فضل الموطا الكتاب: كشف المغطا في فضل الموطا المؤلف: ثقة الدين، أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله المعروف بابن عساكر (المتوفى: 571هـ) المحقق: محب الدين أبي سعيد عمر العمروي الناشر: دار الفكر - بيروت سنة النشر: عدد الأجزاء: 1 [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم أخبرنا الشيخ الإمام المسند المعمر صدر الدين أبو الفتح محمد بن الإمام الحافظ شرف الدين أبي عبد الله محمد بن إبراهيم بن أبي القاسم الميدومي فيما أذن لي وكتبه لي بخطه عن شيخه الإمام الحافظ جمال الدين أبو حامد محمد بن علي بن محمود المحمودي المعروف بابن الصابوني قال أنبأنا الشيخ الإمام مفتي المسلمين شرف الدين أبو محمد عبد القادر بن أبي عبد الله محمد بن الحسين البغدادي سماعا عليه يوم (1/17) الخميس الثامن والعشرين من ذي الحجة سنة أربع وعشرين وستمائة بالجامع الأحمر بالقاهرة حرسها الله تعالى قال أخبرنا الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عساكر سماعا عليه يوم الثلاثاء الثامن والعشرين من رجب الفرد سنة ست وستين وخمسمائة بدار الحديث النورية بدمشق المحروسة قال أخبرنا أبو القاسم الخضر بن الحسين بن عبد الله بن عبدان قال أنبأنا عبد الوهاب بن الحسن بن الوليد الكلابي قراءة عليه قال حدثني خلف بن القاسم بن سليمان القيرواني (1/18) أبو سعيد قال أنبانا أبو بكر أحمد بن محمد بن إسماعيل المهندس وعبيد الله بن محمد بن خلف بن سهل البزار يعرف بابن أبي غالب العدل قالا ثنا أبو بكر محمد بن زبان قال سمعت محمد بن رمح يقول حججت مع أبي وأنا صبي لم أبلغ الحلم فنمت في مسجد النبي (صلى الله عليه وسلم) في الروضة بين القبر والمنبر فرأيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قد خرج من القبر الشريف وهو متوكيء على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فقمت فسلمت عليهم فردوا علي السلام فقلت يا رسول الله أين أنت ذاهب قال أقيم (1/19) لمالك الصراط المستقيم فانتبهت وأتيت أنا وأبي فوجدت الناس مجتمعين على مالك رضي الله عنه وقد أخرج لهم الموطأ أول خروج الموطإ وبه إلى أبي القاسم بن عساكر قال أخبرنا الفقيه أبو الفتح نصر الله بن محمد المصيصي قال أنبأنا أبو الفتح بن ابراهيم الزاهد قال أنبأنا أبو بكر محمد بن القاضي جعفر بن علي الميماسي قال أنبأنا العزيز بن أحمد الزيادي قال أنبأنا القاضي أبو بكر محمد بن عبيد الله بن إسحاق بن (1/20) الحسن بن إبراهيم بن جابر قال أنبأنا عمي محمد بن إسحاق بن الحسن بن إبراهيم بن جابر قال أنبأنا محمد المكنى بأبي الحكم بن أبي ذهل المصري قال سمعت محمد بن أبي السري العسقلاني يقول رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم فقلت يا رسول الله حدثني بعمل أحدث به عنك فقال لي صلى الله عليه وسلم إني قد أوعزت إلى مالك بكنز يفرق عليكم ثم مضى وتبعته فقلت يا رسول الله حدثني بعلم أحدث به عنك فقال لي صلى الله عليه وسلم يا ابن أبي السري إني قد أوعزت إلى مالك بن أنس بكنز يفرق عليكم ألا وهو الموطأ ألا وليس بعد كتاب الله عز وجل ولا سنتي في إجماع المسلمين حديث أصح من الموطإ فاسمعه تنتفع به فقلت يا رسول الله في قول الله عز وجل {والعنهم لعنا كبيرا} {والعنهم لعنا كبيرا} فأنا نجد الشواذ كاف وثلاث سنن منزولة قال فقال صلى الله عليه وسلم {والعنهم لعنا كبيرا والعنهم لعنا كثيرا} ثم إني انتبهت وبه قال ابن عساكر وحدثني بهذا الحديث المتأخر عبد الواحد بن عبيد الله بن عمر التنيسي قال أنبأنا القاضي أبو بكر محمد بن عبيد الله بن إسحاق بن الحسن بن إبراهيم بن جابر عن عمه بإسناده إلى محمد بن أبي السري رحمهم الله (1/21) وبه قال أخبرنا أبو القاسم زاهر بن طاهر المستملي قال أنبأنا أبو سعد محمد بن عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن محمد الجنزروذي قال أنبأنا الحاكم أبو أحمد محمد بن محمد بن إسحاق الحافظ قال ثنا محمد بن يعقوب بن يوسف قال ثنا أبو محمد بكر بن سهل بن إسماعيل القرشي الدمياطي بدمياط (ح) قال ابن عساكر وأنبأنا أبو بكر محمد بن أبي نصر شجاع بن أبي بكر اللفتواني قال أنبأنا أبو مسعود سليمان بن إبراهيم بن محمد (1/22) الحافظ وأبو الخير محمد بن ررا الإمام وأبو الحسين أحمد بن عبد الرحمن بن محمد الذكواني وأبو عمرو وعبد الوهاب بن محمد بن إسحاق وأبو الحسن سهل بن عبد الله الغازي وأبو بكر محمد بن علي بن محمد بن جولة الأبهري (ح) قال ابن عساكر وأنبأنا أيضا أبو محمد هبة الله بن أحمد المقري أنبأنا سليمان بن إبراهيم (ح) قال ابن عساكر وأنبأنا أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن الفضل الحداد بأصبهان قال أنبأنا أبو بكر محمد بن علي بن محمد الأبهري قالوا حدثنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن جعفر اليزدي إملاء أنبأنا أبو العباس محمد بن يعقوب أنبأنا بكر بن سهل الدمياطي أنبأنا عبد الله بن يوسف زاد اليزدي وهو التنيسي قال حدثني (1/23) خلف بن عمرو قال كنا عند مالك بن أنس رحمه الله فأتاه عبد الله بن كثير وقال زاهر بن أبي كثير وهو الصواب وقالوا قاريء المدينة فناوله رقعة فنظر فيها مالك ثم جعلها تحت مصلاه فلما قام من عنده ذهبت أقوم فقال اثبت يا خلف فناولني الرقعة فإذا فيها رأيت الليلة في منامي كأنه يقال لي هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فأتيت المسجد فإذا ناحية من القبر قد انفرجت وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس والناس يقولون له يا رسول الله مر لنا فقال لهم صلى الله عليه وسلم إني قد كنزت تحت المنبر كنزا وقد أمرت مالك أن يقسمه فيكم فاذهبوا إلى مالك فانصرف الناس وبعضهم يقول لبعض ما ترون مالكا فاعلا فقال زاد زاهر بعضهم وقالوا ينفذ لما أمر وقال زاهر أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم فرق مالك له وبكرى ثم خرجت وتركته على الحال وقال زاهر تلك الحال وانتهت روايته وزاد اليزدي قال عبد الله بن يوسف قال أبو ضمره علي بن حمزة قال أبو المعافى بن أبي رافع المدني رحمه الله تعالى ورضى عنه ألا إن فقد العلم في فقد مالك فلا زال فينا صالح الحال مالك يقيم طريق الحق والحق واضح ويهدي كما تهدي النجوم الشوابك ... فلولاه ما قامت حقوق كثيرة ولولاه لاستدت علينا المسالك ... عشونا إليه نبتغي ضوء رأيه وقد لزم الغي اللجوج المماحك ... فجاء برأي مثله يقتدى به كنظم جمان زينته السبائك وبه قال ابن عساكر أخبرنا أبو بكر وجيه بن طاهر بن محمد الشحامي قال أنبأنا أبو أحمد بن الحسن العدل قال أنبأنا أبو محمد (1/24) الحسن بن أحمد المخلدي قال أنبأنا أبو بكر الإسفرايني ثنا أبو بكر محمد بن محمد قال حدثني أبو موسى الأنصاري قال سمعت معن بن عيسى يقول سمعت مالك بن أنس يقول أرسل إلي أمير المؤمنين أبو جعفر يريد الموطأ فأتيته به فنظر فيه وقال هذا الحق وأراد أن يكتب ويبعث به إلى الآفاق فيحمل الناس عليه وبه قال أخبرنا أبو بكر محمد بن الباقي الأنصاري قال أنبأنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري قال أنبأنا أبو عمر محمد بن العباس بن حيوية قال أنبأنا سليمان بن إسحاق بن إبراهيم بن الخليل قال أنبأنا الحارث بن أبي أسامة أنبأنا محمد بن سعد قال أنبأنا محمد بن (1/25) عمر قال سمعت مالك بن أنس رحمه الله يقول لما حج أبو جعفر المنصور دعاني فدخلت عليه فحدثني وسألني فأجبته فقال إني عزمت أن آمر بكتبك هذه التي وضعتها يعني الموطأ فتنسخ نسخا ثم أبعث إلى كل مصر من أمصار المسلمين منها بنسخة وآمرهم أن يعملوا بما فيها لا يتعدونه إلى غيره ويدعو ما سوى ذلك من هذا العلم المحدث فإني رأيت أصل العلم رواية أهل المدينة وعلمهم قال فقلت يا أمير المؤمنين لا تفعل هذا ان الناس قد سبقت إليهم أقاويل وسمعوا أحاديث ورووا روايات وأخذ كل قوم منهم بما سبق إليهم وعملوا به ودانوا به من اختلاف الناس وغيرهم وإن ردهم عما اعتقدوه تشديد فدع الناس وما هم عليه وما اختار أهل كل هم عليه وما اختار أهل كل بلد مهم لأنفسهم فقال لعمري لو طاوعتني على ذلك لأمرت به وبالسند إلى أبي القاسم علي بن عساكر قال أخبرنا أبو المعالي محمد بن اسماعيل بن الحسن النيسابوري قال أنبانا أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي الخسروجردي قال ثنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو زكريا يحيى بن محمد العنبري (1/26) ثنا محمد بن ابراهيم الفندي قال حدثني عبد العزيز بن عمران بن مقلاص وأبو طاهر أحمد بن عمرو قالا ثنا خالد بن نزار الأيلي قال سمعت مالك بن أنس رحمه الله يقول دعاني أبو جعفر أمير المؤمنين فقال لي يا أبا عبد الله إني أريد أن أكتب إلى الآفاق فأحملهم على كتاب الموطإ حتى لا يبقى أحد يخالفك فيه قال مالك فقلت يا أمير المؤمنين إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرقوا في البلدان واتبعهم الناس فرأى كل فريق أن قد اتبع متبعا وبه قال أخبرنا أبو النجم بدر بن عبد الله الشيمي قال أنبأنا أبو الحسن بن سعيد قال أنبأنا أبو بكر الخطيب (1/27) قال أنبأنا ابن الفضل قال أنبأنا دعلج قال أنبأنا احمد بن علي الأبار قال سألت مجاهد بن موسى عن سعيد بن داود الزنبري قال سألت عنه عبد الله بن نافع الصائغ فقلت يا أبا محمد أن المهدي أمر مالك بن أنس حين أخرج الموطأ يصير في صندوق حتى إذا كان أيام الموسم حمل الناس عليه فإن كان فيه فأصلحه فقرأه على أربعة أنفس أنا فيهم (1/28) فقال كذب سعيد أنا والله أجالس مالكا منذ ثلاثين سنة أو خمس وثلاثين سنة بالغداة والعشي وربما هجرت ما رأيته قرأه على إنسان قط إنما أنكر ابن نافع قوله إنه سمعه من لفظه فإنما حمله الموطإ إلى العراق فلم يتعرض له وبه قال حدثنا أبو المعالي محمد بن إسماعيل بن الحسن بن محمد بن إسماعيل الفارسي قال أنبانا أبو بكر أحمد بن الحسين الحافظ قال أنبانا محمد بن عبد الله الحافظ قال أنبأنا مكرم بن أحمد بن مكرم القاضي قال ثنا أبو الفضل العباس بن عيسى بن عبد بن مسلم بن عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب قال سمعت أبا مصعب الزهري يقول قال هارون لمالك يا أبا عبد الله أريد أن أسمع منك الموطأ قال فقال مالك نعم يا أمير المؤمنين قال فقال لمالك متى قال مالك غدا قال مجلس هارون ينتظره وجلس مالك في بيته ينتظره قال فلما أبطأ عليه أرسل إليه هارون فدعاه قال فقال له يا أبا عبد الله ما زلت أنتظرك منذ اليوم فقال مالك وأنا أيضا يا أمير المؤمنين لم أزل أنتظرك منذ اليوم إن العلم يؤتى ولا يأتي وإن ابن عمك هو الذي جاء بالعلم صلى الله عليه وسلم فإن رفعتموه ارتفع وإن وضعتموه اتضع (1/29) وبه قال أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن منصور المالكي قال أنبأنا أبي أبو العباس الفقيه قال أنبأنا عبد الوهاب بن عبد الله الحافظ قال ثنا أبو يعلى عبد العزيز بن عبد القريب الحراني المقري قال أنبانا أبو بكر أحمد بن مروان المالكي قال حدثني إبراهيم بن نصر النهاوندي قال حدثني عتيق بن يعقوب الزبيري قال قدم هارون الرشيد المدينة وكان قد بلغه أن مالك بن أنس رحمه الله عنده الموطأ يقرأه على الناس فوجه إليه البرمكي فقال أقرئه السلام وقل له يحمل لي الكتاب فيقرأه علي فأتاه البرمكي فقال له مالك أقره السلام وقل له إن العلم يزار ولا يزور وإن العلم يؤتى ولا يأتي فأتاه البرمكي فأخبره وكان عنده أبو يوسف القاضي فقال يا أمير المؤمنين يبلغ أهل العراق أنك وجهت إلى مالك بن أنس في أمر فخالفك اعزم عليه فبينا هو كذلك إذ دخل مالك بن أنس فسلم وجلس فقال يا ابن أبي عامر أبعث إليك فتخالفني فقال مالك يا أمير المؤمنين أخبرني الزهري وذكره عن خارحة بن زيد بن (1/30) ثابت عن أبيه رضي الله عنه قال كنت أكتب الوحي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت {لا يستوي القاعدون من المؤمنين} قال وابن مكتوم عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني رجل ضرير يرقد أنزل الله عز وجل في فضل الجهاد ما قد علمت فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا أدري وقلمي رطب ما جف حتى وقع فخذ النبي صلى الله عليه وسلم على فخذي ثم أغمي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم جلس صلى الله عليه وسلم فقال يا زيد اكتب {غير أولي الضرر} ويا أمير المؤمنين حرف واحد بعث فيه جبريل والملائكة من مسيرة خمسين ألف عام ألا ينبغي لي أن أعزه وأجله وإن الله تبارك وتعالى رفعك وجعلك في هذا الموضع بعلمك فلا تكن أنت أول من يضع عن العلم فيضع الله عزك قال فقام الرشيد فمشى مع مالك إلى منزله يسمع منه الموطأ واجلسه معه المنصة فلما أراد أن يقرأه على مالك قال تقرأه علي قال مالك ما قرأته على أحد منذ زمان قال فتخرج الناس عني حتى أقرأه أنا عليك فقال مالك إن العلم إذا منع من العامة لأجل الخاصة لم ينفع الله به الخاصة فأمر له معن بن عيسى القزاز ليقرأه عليه فلما بدأ بالقراءة ليقرأه قال مالك بن أنس لهارون الرشيد يا أمير المؤمنين أدركت أهل العلم ببلدنا وإنهم ليحبون التواضع للعلم فنزل هارون عن المنصة فجلس بين يديه وبه قال أخبرنا أبو المعالي محمد بن إسماعيل الفارسي قال أنبانا أبو بكر أحمد بن الحسين الحافظ قال أنبانا أبو عبد الله الحافظ أبنأبنا أبو الطيب محمد بن أحمد بن الحسن المنادي قال أنبانا محمد بن عبد الوهاب بن حبيب العبدي قال سمعت أبي رحمه الله يقول كنا نأتي (1/31) مالك بن أنس فنجلس في دهليز له وعليه مصراعان فتجيء بنو هاشم فتجلس وتجيء قريش فتجلس على منازلها ثم نجيء نحن فنجلس وتخرج جارية له بالمراوح فيأخذ الناس فيتروحون فتقول الشيخ بالباب فتفتحه فيخرج فينظر إلى قريش كأنما على رؤوسهم الطير إذا نظروا إليه إجلالا قال وفي ذلك يقول الشاعر يأبى الجواب فما يراجع هيبة ... والسائلون نواكس الأذقان ... أدب الوقار وعز سلطان التقى ... فهو الأمير وليس ذا سلطان وبه قال أخبرنا أبو محمد عبد الكريم بن حمزة بن الخضر السلمي بدمشق قال أنبانا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قال أنبأنا أبو حازم عمر بن أحمد العبدوي قال سمعت أبا عمرو محمد بن أحمد بن حمدان يقول سمعت إبراهيم بن عبد الله بن جبلة يقول حدثني أبي عن يحيى بن عبد الله بن بكير قال كان مالك رحمه الله إذا عرض عليه الموطأ تهيأ ولبس ثيابه وتاجه أوساجه وعمامته ثم أطرق فلا يتنحنح ولا يبزق ولا يعبث بشيء في لحيته حتى يفرغ من القراءة إعظاما لحديث رسول الله (صلع) (1/32) وبه قال أنبأني أبو القاسم النسيب وجماعة عن أبي محمد الحسن بن علي الجوهري قال حدثنا محمد بن العباس الخزاز قال أنبأنا عثمان بن جعفر بن اللبان أنبأنا محمد بن نصر المروزي أنبأنا أبو بكر الأعين أنبأنا أبو سلمة يعني الخزاعي قال كان مالك بن أنس رحمه الله إذا أراد أن يخرج يحدث توضأ وضوءه للصلاة ولبس أحسن ثيابه ولبس قلنسوته ومشط لحيته فقيل له في ذلك فقال أو قربه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وبه قال أخبرنا عاليا أبو عبد الله محمد بن الفضل بن أحمد الفراوي وأبو المظفر عبد المنعم بن عبد الكريم بن هوازن القشيري وأبو القاسم زاهر بن طاهر بن محمد الشحامي بنيسابور قالوا أنبانا أبو عثمان سعيد بن أبي عمر ومحمد بن محمد النجيرمي قال ثنا أبو عمرو محمد بن أحمد بن حمدان وقال الشحامي أنبأنا أبو عمرو بن حمدان قال سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن عبد الله بن جبلة الهروي قال قال أبي رحمه الله قال (1/33) يحيى بن عبد الله بن بكير كان مالك بن أنس رحمه الله إذا عرض له الموطأ تهيأ ولبس عمامته ثم أطرق ولا يتنحنح ولا يعبث بشيء من لحيته حتى يفرغ من القراءة إعظاما لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وبه قال أخبرنا أبو نصر محمد بن أحمد بن عبد الله الكبريتي الوزان بأصبهان قال أنبانا أبو بكر أحمد بن الفضل بن محمد الباطرقاني إملاء قال أنبانا أبو بكر أحمد بن عبد الرحمن المعدل قال أنبانا أبو عمرو محمد بن أحمد بن حمدان قال قال أبو نعيم عبد الملك بن محمد بن عدي قال قال أبو طالب الهروي قال قال أبو خليل عتبة بن حماد عرضت على مالك بن أنس رحمه الله الموطأ في أربعة أيام فقال مالك علم جمعة شيخ في ستين سنة أخذتموه في أربعة أيام لا والله لا ينفعكم الله به أبدا وبه قال أخبرنا أبو الأعز قراتكين بن الأسعد بن المذكور الأزجي (1/34) ببغداد قال أنبأنا أبو محمد الحسن بن علي بن محمد الجوهري قال أنبأنا أبو الحسن علي بن عبد العزيز بن مردك البرديجي أنبأنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي أنبأنا يونس بن عبد الأعلى المصري قال قال الشافعي رحمه الله ما في الأرض كتاب من العلم أكثر صوابا من موطإ مالك رحمه الله وبه قال أخبرنا أبو الحسن علي بن الحسن بن الحسين السلمي الموازيني قراءة عليه بدمشق قال أنبانا أبو عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر القضاعي في كتابه إلينا من مصر قال قرأت على أبي عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن عمرو بن شاكر القطان (1/35) قال أنبأنا الحسن بن رشيق أنبأنا سعيد بن أحمد بن زكريا القضاعي قال سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول قال محمد بن إدريس يا أبا موسى ما على الأرض بعد كتاب الله تعالى أصح من كتاب مالك بن أنس وإذا ذكر الأثر فمالك النجم وإذا جاءك الحديث من ناحية الكوفين فلم تجد له أصلا عند المدنيين فاضرب به عرض الحائط ولا تلتفت إليه وبه قال ابن عساكر وقرأت على الموازيني عن القضاعي قال قرأت على محمد بن أحمد القطان أنبأنا عتيق بن موسى بن هارون المالكي أنبأنا محمد بن الربيع الجيزي أنبأنا يحيى بن عثمان السهمي (1/36) أنبأنا هارون بن محمد السعدي أنه سمع الشافعي رحمه الله يقول ما كتاب بعد كتاب الله عز وجل أنفع من موطإ مالك بن أنس وبه قال أخبرنا أبو الفتح نصر الله بن محمد الفقيه قال ثنا أبو الفتح نصر بن إبراهيم الزاهد قال أنبأنا أبو بكر محمد بن جعفر بن علي الميماسي قال أخبرني أبو بكر محمد بن أحمد بن حسان العسقلاني المعروف بالخواص قال سمعت أبا عبد الله محمد بن إسماعيل الجابري يقول سمعت محمد بن الربيع بن سليمان يقول سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول سمعت محمد بن إدريس الشافعي يقول ما وضع على الأرض كتاب هو أقرب إلى الصواب من كتاب مالك بن أنس وبه قال حدثنا أبو القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل التيمي بأصبهان إملاء قال أنبأنا أحمد بن محمد بن أحمد الكندلاني قال أنبأنا محمد بن أحمد بن عبد الرحمن (ح) وأنبانا أبو علي الحداد أنبأنا أبو بكر محمد بن علي أحمد الجوزجاني (ح) وأنبأنا أبو سعيد محمد بن محمد (1/37) المطرز وأبو الفضل جعفر بن عبد الواحد وسعيد بن أبي الرجاء قالوا أنبأنا منصور بن الحسين وأحمد بن محمود قالا أنبأنا محمد بن عبد الرحمن بن سهل قال سمعت محمد بن زبان بن حبيب قال سمعت الربيع بن سليمان يقول سمعت الشافعي رحمه الله يقول ما بعد كتاب الله عز وجل أكثر صوابا من موطإ مالك وبه قال حدثنا إسماعيل بن محمد التيمي املاء أنبأنا الكندلاني أنبأنا محمد بن أحمد بن عبد الرحمن أنبأنا أبو بكر المقري قال سمعت يوسف بن عبد الأحد يقول سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول سمعت الشافعي رحمه الله يقول ما نظرت في موطإ مالك إلا ازددت منه فهما وعلما وبه قال أخبرنا أبو الفتح نصر بن محمد قال أنبأنا أبو البركات أحمد بن عبد الله بن علي المقري قال أنبأنا عبيد الله بن أحمد بن عثمان قال أنبأنا الحسن بن الحسين بن حمدان قال حدثني أبو العباس الفضل بن الفضيل الكندي (1/38) قال أنبأنا عبد الله بن جامع عن يحيى بن عثمان بن صالح قال سمعت هارون بن سعيد الأيلي يقول سمعت الشافعي رضي الله عنه يقول ما كتاب بعد كتاب الله تعالى أنفع من كتاب مالك رحمه الله ورضي عنه وبه قال أخبرنا أبو القاسم الخضر بن الحسين بن عبدان قال أنبأنا أبو الحسن علي بن الحسين بن أبي الحرور قال أنبأنا أبو الحسن علي بن موسى بن الحسين بن السمسار قال أنبأنا أبو يحيى البلخي يعني زكريا بن أحمد أنبأنا البوشنجي يعني محمد بن إبراهيم قال حدثني بعض أصحابنا قال قال الشافعي رحمه الله ما أعلم كتابا بعد كتاب الله أولى من كتاب الموطإ وبه قال أخبرنا أبو الحسن علي بن الحسن الموازيني قال أنبانا أبو عبد الله محمد بن سلامة القضاعي في كتابه إلينا قال قرأت على أبي عبد الله محمد بن أحمد القطان أنبأنا عبيد الله بن محمد بن خلف بن سهل البزاز قال أنبأنا عبد الله بن محمد بن جعفر القاضي قال سمعت يونس بن عبد (1/39) الأعلى يقول قال لي الشافعي رحمه الله وذكر الموطأ وما فيه من الحديث فقال ما علمنا أن أحدا من المتقدمين ألف كتابا أحسن من موطإ مالك وما ذكر فيه من الأخبار عن أهل المدينة وغيرهم من العلماء المشهورين ولم يذكر فيه مرغوبا عنه في الرواية كما ذكر غيره في كتبه وما علمت ذكر حديثا فيه ذكر أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ما في حديث العلاء بن عبد الرحمن ليذادن رجال عن حوضي ولقد أخبرني من سمع مالكا ذكر هذا الحديث وأنه قال ود أنه لم يخرجه في الموطإ وبه قال أخبرنا أبو الفتح نصر الله بن محمد قال أنبأنا أبو الفتح نصر بن إبراهيم قال أنبأنا أبو بكر محمد بن أحمد بن حسان قال أنبأنا أبو محمد الحسن بن رشيق قال حدثني أبي القاسم نصر بن الفتح المروزي قال قال أبو الزنباع سمعت أبا محمد عبد الرحمن بن عبد المؤمن يقول سمعت أحمد بن عيسى اللخمي يقول قال لنا عمر بن أبي سلمة ما قرأت كتاب الجامع مع موطإ مالك قط إلا أتاني في منامي فقال لي هذا كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم حقا وبه قال أخبرنا أبو المظفر عبد المنعم بن عبد الكريم بن هوازن القشيري بنيسابور قال أنبانا أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي قال أنبانا أبو عبد الله الحافظ أنبأنا دعلج بن أحمد بن أحمد السجزي ببغداد (1/40) أنبأنا أحمد بن علي الآبار أنبأنا أبو عمار قال سألت أحمد بن حنبل رحمه الله عن كتاب مالك بن أنس فقال ما أحسن لمن تدين به وبالإسناد إلى ابن عساكر قال أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن أحمد السمرقندي قال أنبأنا أبو القاسم إسماعيل بن مسعدة قال أنبانا حمزة بن يوسف السهمي الجرجاني (ح) قال أن عساكر وأخبرنا أبو محمد عبد الجبار بن محمد بن أحمد البيهقي بنيسابور قال أنبانا أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي قال أنبأنا أ [وسعد الماليني قال أنبأنا أبو أحمد بن عدي الحافظ قال أنبأنا عبد الله بن محمد بن جعفر القزويني (1/41) قال أنبأنا صالح بن أحمد بن حنبل قال سمعت أبي رحمه الله يقول سمعت الموطأ من محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه لأني رأيته ثبتا وقد سمعته من جماعة قبله وبه قال ابن عساكر قرأت على أبي محمد عبد الكريم بن حمزة بن الخضر السلمي عن أبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب الحافظ قال أنبأنا أبو بكر عبد الله بن علي بن حمدويه بن أبرك الهمداني بقراءتي عليه بها قال أنبانا أبو بكر أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن موسى الشيرازي قال أنشدنا أبو الحسين أحمد بن فارس القزويني الأديب بالري لنفسه إذا شئت أن تعرف الواضحات من العلم فاقرأ كتاب الموطا ... تجد حين تحويه فروض الإله وسنة أحمد خطا ونقطا ... ودع ما تكلفه الجاهلون بلفظ معمى ومعنى مغطا ... ودونك علما يفيد الفوائد لفظا ومعنى وشرحا وبسطا وبه قال ابن عساكر أنشدني الشيخ أبو بكر يحيى بن إبراهيم بن أحمد بن محمد السلماسي الواعظ قدم علينا دمشق قال أنشدني والدي الشيخ أو طاهر قال أنشدني أبو عبد الله الحميدي الأندلسي قال يحيى (1/42) ولي منه إجازة لنفسه إذا قيل من نجم الحديث وأهله أشار ذوو الألباب يعنون مالكا ... إليه تناهى علم دين محمد فوطأ فيه للرواة المسالكا ... ونظم بالتصنيف أشتات نشره وأوضح ما قد كان لولاه حالكا ... ووقت دروس العلم شرقا ومغربا تقدم في تلك المسالك سالكا ... وقد جاء في الآفاق من ذاك شاهد على أنه في العلم خص بذلكا ... فمن كان ذا طعن على علم مالك ولم يقتبس من نوره كان هالكا ... وقال أبو عثمان الأورجواني رحمه الله لقد بان للناس الهدى غير أنهم غدوا بجلابيب الهوى قد تجلببوا ... فلو أحدثت في بلدة الصين بدعة رأيت إليها السفن في البحر تركب ... فمن رام أن ينجو بمهجة نفسه فلا يعد ما يحوي من العلم يثرب أأتترك دارا كان بين بيوتها يروح ويغدو جبرئيل المقرب ... وكان رسول الله فيها وبعده بسنته أصحابه قد تأدبوا ... وفرق سبل العلم في تابعيهم فكل امريء منهم له فيه مذهب ... فخلصه بالسبك للناس مالك ومنه صحيح في المجس وأجرب ... فأبرى بتصحيح الرواية داءه وتصحيحها فيه دواء مجرب ... ولم يأت هذا العلم إلا من أهله وفي قلة التمييز بالعلم معطب ... فبادر موطا مالك قبل فوته فما بعده إن فات للعلم مطلب ... ودع للموطا كل علم تريده فإن الموطا الشمس والعلم كوكب (1/43) هو الحق عند الله بعد كتابه وفيه لسان الصدق بالحق معرب ... لقد أعربت آثاره ببيانها فإن لها في العالمين مكذب ... ومما به أهل الحجاز تفاخروا بأن الموطا بالعراق محبب ... وكل كتاب بالعراق مؤلف تراه بآثار الموطا يعصب ... ومن لم تكن كتب الموطا ببيته فذاك من التوفيق بيت مخرب ... ولو بالموطا يعمل الناس كلهم لأمسوا وما منهم على الأرض مذنب جزى الله عنا في موطاه مالكا بأفضل ما يجزى اللبيب المهذب ... فقد أحسن التحصيل في كل ما روى كذلك من يخشى الإله ويرهب ... لقد رفع الرحمن في العلم قدره غلاما وكهلا ثم إذ هو أشيب ... أتعجب منه إذ علا في حياته تعاليه من بعد المنية أعجب ... لقد فاق أهل العلم شرقا ومغربا فأضحت به الأمثال في الناس تضرب ... وما فاقهم إلا بتقوى وخشية وإذ كان يرضى في الإله ويغضب ... فلا زال يسقي قبره كل عارض بمنبثق ظلت غزاليه تسكب ... ويسقي قبورا حوله دون سقيه فيصبح فيما بينها وهو معشب ... وما بي بخل أن سقاها كسقيه ولكن حق العلم أولى وواجب والحمد لله وحده وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم كثيرا وحسبنا الله ونعم الوكيل تمت مجموعة الكتب المنتقاة بحمد الله ومنته وفضله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق