الخميس، 30 نوفمبر 2023

ج13وج14وج15.كتاب منهاج السنة النبوية لشيخ الإسلام بن تيمية

 

ج13وج14وج15.كتاب منهاج السنة النبوية 

لشيخ الإسلام بن تيمية 

فيقال ما يرويه مثل أبي نعيم و الثعلبي و النقاش و غيرهم أتقبلونه مطلقا أم تردونه مطلقا أم تقبلونه إذا كان لكم لا عليكم و تردونه إذ كان عليكم فأن تقبلوه مطلقا ففي ذلك أحاديث كثيره في فضائل أبي بكر و عمر و عثمان تناقض قولكم و قد روى أبو نعيم في أول الحلية في فضائل الصحابة و في كتاب مناقب أبي بكر و عمر و عثمان و علي أحاديث بعضها صحيحة و بعضها ضعيفة بل منكرة و كان رجلا عالما بالحديث فيما ينقله لكن هو و أمثاله يروون ما في الباب لا يعرف أنه روى كالمفسر الذي ينقل أقوال الناس في التفسير و الفقيه الذي يذكر الأقوال في الفقه و المصنف الذي يذكر حجج الناس ليذكر ما ذكروه و أن كان كثير من ذلك لا يعتقد صحته بل يعتقد ضعفه لأنه يقول أنا نقلت ما ذكر غيري فالعهدة على القائل لا على الناقل و هكذا كثير ممن صنف في فضائل العبادات و فضائل الأوقات و غير ذلك يذكرون أحاديث كثيرة و هي ضعيفة بل موضوعة باتفاق أهل العلم كما يذكرون أحاديث في فضل صوم رجب كلها ضعيفة بل موضوعة عند أهل العلم و يذكرون صلاة الرغائب في أول ليلة جمعة منه و ألفية نصف شعبان و كما يذكرون في فضائل عاشوراء ما ورد من التوسعة على العيال و فضائل المصافحة و الحناء و الخضاب و الاغتسال و نحو ذلك و يذكرون فيها صلاة و كل هذا كذب على رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يصح في عاشوراء إلا فضل صيامه قال حرب الكرماني قلت لأحمد بن حنبل الحديث الذي يروى من وسع على عياله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته فقال لا اصل له وقد صنف في فضائل الصحابة علي و غيره غير واحد مثل خيثمة بن سليمان إلاطرابلسي و غيره و هذا قبل أبي نعيم يروي عنه إجازة و هذا و أمثاله جروا على العادة المعروفة لأمثالهم ممن يصنف في الأبواب أنه يروي ما سمعه في هذا الباب

 

 

و هكذا المصنفون في التواريخ مثل تاريخ دمشق لابن عساكر و غيره إذا ذكر ترجمة واحد من الخلفاء الأربعة أو غيره يذكر كل ما رواه في ذلك الباب فيذكر لعلي و معاوية من الأحاديث المروية في فضلهما ما يعرف أهل العلم بالحديث أنه كذب و لكن لعلي من الفضائل الثابتة في الصحيحين و غيرهما و معاوية ليست له بخصوصه فضيلة في الصحيح لكن قد شهد مع رسول الله صلى الله عليه و سلم حنينا و الطائف و تبوك و حج معه حجة الوداع و كان يكتب الوحي فهو ممن ائتمنه النبي صلى الله عليه و سلم على كتابة الوحي كما ائتمن غيره من الصحابة فإذا كان المخالف يقبل كل ما رواه هؤلاء و أمثالهم في كتبهم فقد رووا أشياء كثيرة تناقض مذهبهم و أن كان يرد الجميع بطل احتجاجه بمجرد عزوه الحديث بدون المذهب إليهم و أن قال أقبل ما يوافق مذهبي وارد ما يخالفه أمكن منازعه أن يقول له مثل هذا و كلاهما باطل لا يجوز أن يحتج على صحة مذهب بمثل هذا فأنه يقال أن كنت أنما عرفت صحة هذا الحديث بدون المذهب فاذكر ما يدل على صحته و أن كنت إنما عرفت صحته لأنه يوافق المذهب امتنع تصحيح الحديث بالمذهب لأنه يكون حينئذ صحة المذهب موقوفة على صحة الحديث و صحة الحديث موقوفة على صحة المذهب فيلزم الدور الممتنع

 

و أيضا فالمذهب أن كنت عرفت صحته بدون هذا الطريق لم يلزم صحة هذا الطريق فأن الإنسان قد يكذب على غيره قولا و أن كان ذلك القول حقا فكثير من الناس يروي عن النبي صلى الله عليه و سلم قولا هو حق في نفسه لكن لم يقله رسول الله صلى الله عليه و سلم فلا يلزم من كون الشيء صدقا في نفسه أن يكون النبي صلى الله عليه و سلم قاله و أن كنت أنما عرفت صحته بهذا الطريق امتنع أن تعرف صحة الطريق بصحته لإفضائه إلى الدور فثبت أنه على التقديرين لا يعلم صحة هذا الحديث لموافقته للمذهب سواء كان المذهب معلوم الصحة أو غير معلوم الصحه وأيضا فكل من له أدنى علم و أنصاف يعلم أن المنقولات فيها صدق و كذب و أن الناس كذبوا في المثالث و المناقب كما كذبوا في غير ذلك و كذبوا فيما يوافقه و يخالفه و نحن نعلم أنهم كذبوا في كثير مما رووه في فضائل أبى بكر وعمر وعثمان كما كذبوا في كثير مما رووه في فضائل علي و ليس في أهل الأهواء اكثر كذبا من الرافضة بخلاف غيرهم فأن الخوارج لا يكادون يكذبون بل هم من اصدق الناس مع بدعتهم و ضلالهم

 

و أما أهل العلم و الدين فلا يصدقون بالنقل و يكذبون به بمجرد موافقة ما يعتقدون بل قد ينقل الرجل أحاديث كثيرة فيها فضائل النبي صلى الله عليه و سلم و أمته و أصحابه فيردونها لعلمهم بأنها كذب و يقبلون أحاديث كثيرة لصحتها و أن كان ظاهرها بخلاف ما يعتقدونه أما لاعتقادهم أنها منسوخة أو لها تفسير لا يخالفونه و نحو ذلك فالأصل في النقل أن يرجع فيه إلى أئمة النقل و علمائه و من يشركهم في علمهم علم ما يعلمون و أن يستدل على الصحة و الضعف بدليل منفصل عن الرواية فلا بد من هذا و هذا و إلا فمجرد قول القائل رواه فلان لا يحتج به لا أهل السنة و لا الشيعة و ليس في المسلمين من يحتج بكل حديث رواه كل مصنف فكل حديث يحتج به نطالبه من أول مقام بصحته و مجرد عزوه إلى رواية الثعلبي و نحوه ليس دليلا على صحته باتفاق أهل العلم بالنقل و لهذا لم يروه أحد من علماء الحديث في شيء من كتبهم التي ترجع الناس إليها في الحديث لا في الصحاح ولا في السنن و لا المسانير و لاغير ذلك لان كذب مثل هذا لا يخفى على من له أدنى معرفة بالحديث وإنما هذا عند اهل العلم بمنزلة ظن من يظن من العامة و بعض من يدخل في غمار الفقهاء أن النبي صلى الله عليه و سلم كان على أحد المذاهب الأربعة و أن أبا حنيفة و نحوه كانوا من قبل النبي صلى الله عليه و سلم

 

أو كما يظن طائفة من التركمان أن حمزة له مغاز عظيمة و ينقلونها بينهم و العلماء متفقون على انه لم يشهد إلا بدرا و أحدا قتل يوم أحد و مثل ما يظن كثير من الناس أن في مقابر دمشق من أزواج النبي صلى الله عليه و سلم أم سلمة و غيرها و من أصحابه أبي بن كعب و أويس القرني و غيرهما وأهل العلم يعلمون أن أحدا من أزواج النبي صلى الله عليه و سلم لم يقدم دمشق و لكن كان في الشام أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصاري و كان أهل الشام يسمونها أم سلمة فظن الجهال أنها أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه و سلم و أبي بن كعب مات بالمدينة و أويس تابعي لم يقدم الشام ومثل من يظن من الجهال أن قبر علي بباطن النجف و أهل العلم بالكوفة و غيرها يعلمون بطلان هذا و يعلمون أن عليا و معاوية و عمرو بن العاص كل منهم دفن في قصر الإمارة ببلده خوفا عليه من الخوارج أن ينبشوه فانهم كانوا تحالفوا على قتل الثلاثة فقتلوا عليا و جرحوا معاوية و كان عمرو بن العاص قد استخلف رجلا يقال له خارجة فضربه القاتل يظنه عمرا فقتله فتبين انه خارجة فقال أردت عمرا و أراد الله خارجة فصار مثلا و مثل هذا كثير مما يظنه كثير من الجهال و أهل العلم بالمنقولات يعلمون خلاف ذلك

 

الوجه الثاني: أن نقول في نفس هذا الحديث ما يدل على انه كذب من وجوه كثيرة فان فيه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما كان بغدير يدعى خما نادى الناس فاجتمعوا فاخذ بيدي علي و قال من كنت مولاه فعلي مولاه و أن هذا قد شاع و طار في بالبلاد و بلغ ذلك الحارث بن النعمان الفهري و انه أتى النبي صلى الله عليه و سلم على ناقته و هو في الأبطح و أتى و هو في ملا من الصحابه فذكر انهم امتثلوا أمره بالشهادتين و الصلاة و الزكاة و الصيام و الحج ثم قال ألم ترضى بهذا حتى رفعت بضبعي ابن عمك تفضله علينا و قلت من كنت مولاه فعلي مولاه و هذا منك أم من الله فقال النبي صلى الله عليه و سلم هو من أمر الله فولى الحارث بن النعمان يريد راحلته و هو يقول اللهم أن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم فما و صل إليها حتى رماه الله بحجر فسقط على هامته و خرج من دبره فقتله و انزل الله سال سائل بعذاب واقع للكافرين الآيه فيقال لهؤلاء الكذابين اجمع الناس كلهم على أن ما قاله النبي صلى الله عليه و سلم بغدير خم كان مرجعه من حجة الوداع و الشيعة تسلم هذا و تجعل ذلك اليوم عيدا و هو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة و النبي صلى الله عليه و سلم لم يرجع إلى مكة بعد ذلك بل رجع من حجة الوداع إلى المدينة و عاش تمام ذي الحجة و المحرم و صفر و توفي في أول ربيع الأول

 

و في هذا الحديث يذكر انه بعد أن قال هذا بغدير خم و شاع في البلاد جاءه الحارث و هو بالأبطح و الأبطح بمكة فهذا كذب جاهل لم يعلم متى كانت قصة غدير خم و أيضا فان هذه السورة سورة سأل سائل مكية باتفاق أهلا العلم نزلت بمكة قبل الهجرة فهذه نزلت قبل غدير خم قبل بعشر سنين أو اكثر من ذلك فكيف تكون نزلت بعده و أيضا قوله و غذ قالوا اللهم أن كان هذا هو الحق من عندك في (سورة الأنفال). و قد نزلت عقيب بدر بالاتفاق قبل غدير خم بسنين كثيرة و أهل التفسير متفقون على أنها نزلت بسبب ما قاله المشركون للنبي صلى الله عليه و سلم قبل الهجرة كأبي جهل و أمثاله و أن الله ذكر نبيه بما كانوا يقولونه بقوله و إذ قالوا الله أن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أي اذكر قولهم كقوله و إذ قال ربك للملائكة و إذ غدوت من أهلك و نحو ذلك يأمره بان يذكر كل ما تقدم فدل على أن هذا القول كان قبل نزول هذه السورة و أيضا فانهم لما استفتحوا بين الله انه لا ينزل عليهم العذاب محمد صلى الله عليه و سلم فيهم فقال و إذ قالوا اللهم أن كان هذا هو الحق

 

 

من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ثم قال الله تعالى و ما كان الله ليعذبهم و أنت فيهم و ما كان الله معذبهم و هم يستغفرون و اتفق الناس على أن أهل مكة لم تنزل عليهم حجارة من السماء لما قالوا ذلك فلو كان هذا آية لكان من جنس آية أصحاب الفيل و مثل هذا مما تتوفر الهمم و الدواعي على نقله و لو أن الناقل طائفة من أهل العلم فلما كان هذا لا يرويه أحد من المصنفين في العلم لا المسند و لا الصحيح و لا الفضائل و لا التفسير و لا السير و نحوها إلا ما يروى بمثل هذا الإسناد المنكر علم انه كذب و باطل و أيضا فقد ذكر في هذا الحديث أن هذا القائل أمر بمباني الإسلام الخمس و على هذا فقد كان مسلما فانه قال فقبلناه منك و من المعلوم بالضرورة أن أحدا من المسلمين على عهد النبي صلى الله عليه و سلم لم يصبه هذا و أيضا فهذا الرجل لا يعرف في الصحابة بل هو من جنس الأسماء التي يذكرها الطرقية من جنس الأحاديث التي في سيرة عنترة و دلهمة و قد صنف الناس كتبا كثيرة في أسماء الصحابة الذين ذكروا في شيء من الحديث حتى في الأحاديث الضعيفة مثل كتاب الاستيعاب لابن

 

 

عبد البر و كتاب ابن منده و أبي نعيم الأصبهاني و الحافظ أبي موسى و نحو ذلك و لم يذكر أحد منهم هذا الرجل فعلم انه ليس له ذكر في شيء من الروايات فان هؤلاء لا يذكرون إلا ما رواه أهل العلم لا يذكرون أحاديث الطرقية مثل تنقلات الأنوار للبكري الكذاب و غيره.

الوجه الثالث: أن يقال أنتم ادعيتم أنكم إثبتم بالقرآن و القران ليس في ظاهره ما يدل على ذلك أصلا فانه قال بلغ ما انزل إليك من ربك و هذا اللفظ عام في جميع ما انزل إليه من ربه لا يدل على شيء معين فدعوى المدعى أن إمامة علي هي مما بلغها أو مما أمر بتبليغها لا تثبت بمجرد القران فان القران ليس فيه دلالة على شيء معين فان ثبت ذلك بالنقل كان ذلك إثباتا بالخبر لا بالقران فمن ادعى أن القران يدل على أن إمارة علي مما أمر بتبليغه فقد افترى على القران فالقران لا يدل على ذلك عموما و لا خصوصا.

الوجه الرابع: أن يقال هذه الآية مع ما علم من أحوال النبي صلى الله عليه و سلم تدل على نقيض ما ذكروه و هو أن الله لم ينزلها عليه و لم يأمره بها فأنها لو كانت مما أمره الله بتبليغه لبلغه فانه لا يعصي الله في ذلك

 

و لهذا قالت عائشة رضي الله عنها من زعم أن محمدا كتم شيئا من الوحي فقد كذب و الله تعالى يقول يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك و أن لم تفعل فما بلغت رسالته لكن أهل العلم يعلمون بالاضطرار أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يبلغ شيئا من إمامة علي و لهم على هذا طرق كثيرة يثبتون بها هذا العلم منها أن هذا مما تتوفر الهمم و الدواعي على نقله فلو كان له أصل لنقل كما نقل أمثاله من حديثه لا سيما مع كثرة ما ينقل من فضائل علي من الكذب الذي لا أصل له فكيف لا ينقل الحق الصدق الذي قد بلغ للناس ولان النبي صلى الله عليه و سلم أمر أمته بتبليغ ما سمعوا منه فلا يجوز عليهم كتمان ما أمرهم الله بتبليغه و منها أن النبي صلى الله عليه و سلم لما مات و طلب بعض الأنصار ان يكون منهم أمير و من المهاجرين أمير فأنكر ذلك عليه و قالوا الإمارة لا تكون إلا في قريش و روى الصحابة في مواطن متفرقة الأحاديث عن النبي صلى الله عليه و سلم في أن الأمامه في قريشو لم يرو واحد منهم لا في ذلك المجلس و لا غيره ما يدل على إمامة علي و بايع المسلمون أبا بكر و كان اكثر بني عبد مناف من بني أمية و بني هاشم و غيرهم لهم ميل قوي إلى علي بن أبي طالب يختارون ولايته و لم يذكر أحد منهم هذا النص و هكذا اجري الأمر في عهد عمر و عثمان و في عهده أيضا لما صارت له ولآية و لم يذكر هو ولا أحد من أهل بيته و لا من الصحابة المعروفين هذا النص و إنما ظهر هذا النص بعد ذلك و أهل العلم بالحديث و السنة الذين يتولون عليا و يحبونه و يقولون انه كان الخليفة بعد عثمان كأحمد بن حنبل و غيره من الأئمة قد نازعهم في ذلك طوائف من أهل العلم و غيرهم و قالوا كان زمانه زمان فتنة و اختلاف بين الأمة لم تتفق الأمة فيه لا عليه و لا على غيره

 

 

و قال طوائف من الناس كالكرامية بل هو كان إماما و معاوية إماما و جوزوا أن يكون للناس إمامان للحاجة و هكذا قالوا في زمن ابن الزبير و يزيد حيث لم يجدوا الناس اتفقوا على إمام وأحمد بن حنبل مع انه اعلم أهل زمانه بالحديث احتج على إمامة علي بالحديث الذي في السنن تكون خلافة النبوة ثلاثين سنة ثم تصير ملكا و بعض الناس ضعف هذا الحديث لكن أحمد و غيره يثبتونه فهذا عمدتهم من النصوص على خلافة علي فلو ظفروا بحديث مسند أو مرسل موافق لهذا لفرحوا به فعلم أن ما تدعيه الرافضة من النص هو مما لم يسمعه أحد من أهل العلم بأقوال الرسول صلى الله عليه و سلم لا قديما و لا حديثا و لهذا كان أهل العلم بالحدث يعلمون بالضرورة كذب هذا النقل كما ليعلمون كذب غيره من المنقولات المكذوبة و قد جرى تحكيم الحكمين و معه اكثر الناس فلم يكن في المسلمين من أصحابه و لا غيرهم من ذكر هذا النص مع كثرة شيعته ولا فيهم من احتج به في مثل هذا المقام الذي تتوفر فيه الهمم و الدواعي على إظهار مثل هذا النص ومعلوم انه لو كان النص معروفا عند شيعة علي فضلا عن غيرهم لكانت العادة المعروفة تقتضي أن يقول أحدهم هذا نص رسول الله صلى الله عليه و سلم على خلافته فيجب تقديمه على معاوية و أبو موسى نفسه كان من خيار المسلمين لو علم أن النبي صلى الله

 

 

عليه وسلم نص عليه لم يستحل عزله و لو عزله لكان من أنكر عزله عليه يقول كيف تعزل من نص النبي صلى الله عليه و سلم على خلافته و قد احتجوا بقوله صلى الله عليه و سلم تقتل عمارا الفئة الباغية و هذا الحديث خبر وأحد أو اثنين أو ثلاثة و نحوهم و ليس هذا متواترا و النص عند القائلين به متواتر فيا لله العجب كيف ساغ عند الناس احتجاج شيعة علي بذلك الحديث و لم يحتج أحد منهم بالنص.

*

فصل قال الرافضي البرهان الثالث قوله تعالى اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلام دينا روى أبو نعيم بإسناده إلى أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم دعا الناس إلى غدير خم و أمر بإزالة ما تحت الشجر من الشوك فقام فدعاعليا فاخذ بضبعيه فرفعهما حتى نظر الناس إلى بياض إبطي رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم لم يتفرقوا حتى نزلت هذه الآية اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلام دينا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم الله اكبر على إكمال الدين و إتمام النعمة و رضا الرب برسالتي و بالولاية لعلي من بعدي ثم قال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه عاد من عاداه و انصر من نصره و اخذل من خذله.

*و الجواب من وجوه...

أحدها: أن المستدل عليه بيان صحة الحديث و مجرد عزوه إلى رواية أبي نعيم لا تفيد الصحة باتفاق الناس علماء السنة و الشيعة فان أبا نعيم روى كثيرا من الأحاديث التي هي ضعيفة بل موضوعة باتفاق علماء أهل الحديث السنة و الشيعة و هو وأن كان حافظا كثير الحديث واسع الرواية لكن روى كما عادة المحدثين أمثاله يروون جميع ما في الباب لأجل المعرفة بذلك و أن كان لا يحتج من ذلك إلا ببعضه و الناس في مصنفاتهم منهم من لا يروي عمن يعلم انه يكذب مثل مالك و شعبة و يحيى بن سعيد و عبد الرحمن بن مهدي و أحمد بن حنبل فان هؤلاء لا يروون عن شخص ليس بثقة عندهم

 

و لا يروون حديثا يعلمون انه عن كذاب فلا يروون أحاديث الكذابين الذين يعرفون بتعمد الكذب لكن قد يتفق فيما يروونه ما يكون صاحبه أخطأ فيه و قد يروي الإمام أحمد و اسحاق و غيرهما أحاديث تكون ضعيفة عندهم لاتهام رواتها بسوء الحفظ و نحو ذلك ليعتبر بها و يستشهد بها فانه قد يكون لذلك الحديث ما يشهد له انه محفوظ و قد يكون له ما يشهد بأنه خطا و قد يكون صاحبها كذبها في الباطن ليس مشهورا بالكذب بل يروى كثيرا من الصدق فيروى حديثه و ليس كل ما رواه الفاسق يكون كذبا بل يجب التبين من خبره كما قال تعالى يا أيها الذين آمنوا أن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا فيروى لتنظر سائر الشواهد هل تدل على الصدق أو الكذب و كثير من المصنفين يعز عليه تمييز ذلك على وجهه بل يعجز عن ذلك فيروي ما سمعه كما سمعه و الدرك على غيره لا عليه و أهل العلم ينظرون في ذلك و في رجاله و إسناده.

الوجه الثاني: أن هذا الحديث من الكذب الموضوع باتفاق أهل المعرفة بالموضوعات و هذا يعرفه أهل العلم بالحديث و المرجع إليهم في ذلك و لذلك لا يوجد هذا في شيء من كتب الحديث التي يرجع إليها أهل العلم بالحديث.

 

الوجه الثالث: انه قد ثبت في الصحاح و المساند و التفسير أن هذه الآية نزلت على النبي صلى الله عليه و سلم و هو واقف بعرفة و قال رجل من اليهود لعمر بن الخطاب يا أمير المؤمنين آية في كتابكم تقرؤونها لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا فقال له عمر و أي آية هي قال قوله اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلام دينا فقال عمر أني لأعلم أي يوم نزلت و في أي مكان نزلت نزلت يوم عرفة بعرفة و رسول الله صلى الله عليه و سلم واقف بعرفة و هذا مستفيض من زيادة و وجوه أخر و هو منقول في كتب المسلمين الصحاح و المساند و الجوامع و السير و التفسير و غير ذلك وهذا اليوم كان قبل غدير خم بتسعة أيام فانه كان يوم الجمعة تاسع ذي الحجة فكيف يقال أنها نزلت يوم الغدير.

لوجه الرابع:أن هذه الأيه ليس فيها دلالة على علي و لا إمامته بوجه

 

من الوجوه بل فيها إخبار الله بإكمال الدين و إتمام النعمة على المؤمنين و رضا الإسلام دينا فدعوى المدعي أن القران يدل على إمامته من هذا الوجه كذب ظاهر و أن قال الحديث يدل على ذلك فيقال الحديث أن كان صحيحا فتكون الحجة من الحديث لا من الآية و أن لم يكن صحيحا فلا حجة في هذا و لا في هذا فعلى التقديرين لا دلالة في الآية على ذلك و هذا مما يبين به كذب الحديث فان نزول الأية لهذا السبب و ليس فيها ما يدل عليه أصلا تناقض.

الوجه الخامس:أن هذا اللفظ و هو قوله اللهم وال من والاه و عاد من عاداه و انصر من نصره و اخذل من خذله كذب باتفاق أهل المعروفة بالحديث و أما قوله من كنت مولاه فعلي مولاه فلهم فيه قولان و سنذكره فان شاء الله في موضعه.

الوجه السادس:أن دعاء النبي صلى الله عليه و سلم مجاب و هذا الدعاء ليس بمجاب فعلم انه ليس من دعاء النبي صلى الله عليه و سلم فإنه من المعلوم انه لما تولى كان الصحابة و سائر المسلمين ثلاثة أصناف صنف قاتلوا معه و صنف قاتلوه و صنف قعدوا عن هذا و هذا و اكثر السابقين الأولين كانوا من القعود و قد قيل أن بعض السابقين الألين قاتلوه و ذكر ابن حزم أن عمار بن ياسر قتله أبو الغادية و أن أبا الغادية

 

هذا من السابقين ممن بايع تحت الشجرة و أولئك جميعهم قد ثبت في الصحيحين انه لا يدخل النار منهم أحد ففي صحيح مسلم و غيره عن جابر عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة و في الصحيح أن غلام حاطب بن ابي بلتعة قال يا رسول الله ليدخلن حاطب النار فقال كذبت انه شهد بدرا و الحديبية و حاطب هذا هو الذي كاتب المشركين بخبر النبي صلى الله عليه و سلم و بسبب ذلك نزل يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي و عدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة الأية و كان مسيئا إلى مماليكه و لهذا قال مملوكه هذا القول و كذبه النبي صلى الله عليه و سلم و قال انه شهد بدرا و الحديبية و في الصحيح لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة و هؤلاء فيهم ممن قاتل عليا كطلحة و الزبير و أن كان قاتل عمار فيهم فهو ابلغ من غيره وكان الذين بايعوه تحت الشجرة نحو ألف و أربعمائة و هم الذين فتح الله عليهم خيبر كما وعدهم الله بذلك في (سورة الفتح). و قسمها بينهم

 

 

النبي صلى الله عليه و سلم على ثمانية عشر سهما لأنه كان فيهم مائتا فارس فقسم للفارس ثلاثة اسهم سهما له و سهمين لفرسه فصار لأهل الخيل ستمائة سهم و لغيرهم ألف و مائتا سهم هذا هو الذي ثبت في الأحاديث الصحيحة و عليه اكثر أهل العلم كمالك و الشافعي و أحمد و غيرهم و قد ذهب طائفة إلى أنه أسهم للفارس سهمين وأن الخيل كانت ثلاثمائة كما يقول ذلك من يقول من أصحاب أبي حنيفة وأما على فلا ريب أنه قاتل معه طائفة من السابقين لأولين كسهل بن حنيف و عمار بن ياسر لكن الذين لم يقاتلوا معه كانوا افضل فان سعد بن أبي وقاص لم يقاتل معه و لم يكن قد بقي من الصحابة بعد علي افضل منه و كذلك محمد بن مسلمة من الأنصار و قد جاء في الحديث أن الفتنة لا تضره فاعتزل و هذا مما استدل به على أن القتال كان قتال فتنة بتأويل لم يكن من الجهاد الواجب و لا المستحب وعلي و من معه أولى بالحق من معاوية و أصحابه كما ثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال تمرق مارقة على خير فرقة من المسلمين تقتلهم أولى الطائفتين بالحق فدل هذا الحديث على أن عليا أولى بالحق ممن قاتله فانه هو الذي قتل الخوارج لما افترق المسلمون فكان قوم معه و قوم عليه ثم أن هؤلاء الذين قاتلوه لم يخذلوا بل ما زالوا

 

 

منصورين يفتحون البلاد و يقتلون الكفار و في الصحيح عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم و لا من خذلهم حتى تقوم الساعة قال معاذ بن جبل و هم بالشام و في مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال لا يزال أهل الغرب ظاهرين حتى تقوم الساعة قال أحمد بن حنبل و غيره أهل الغرب هم أهل الشام و هذا كما ذكروه فان كل بلد له غرب و شرق والاعتبار في لفظ النبي صلى الله عليه و سلم بغرب مدينته و من الفرات هو غرب المدينة فالبيرة و نحوها على سمت المدينة كما أن حران و الرقة و سميساط و نحوها على سمت مكة و لهذا يقال أن قبلة هؤلاء اعدل القبل بمعنى انك تجعل القطب الشمالي خلف ظهرك فتكون مستقبل الكعبة فما كان غربي الفرات فهو غربي المدينة إلى آخر الأرض و أهل الشام أول هؤلاءو العسكر الذين قاتلوا مع معاوية ما خذلوا قط بل و لا في قتال علي فكيف يكون النبي صلى الله عليه و سلم قال اللهم اخذل من خذله و انصر من نصره و الذين قاتلوا معه لم ينصروا على هؤلاء بل الشيعة الذين تزعمون انهم مختصون بعلي ما زالوا مخذولين مقهورين لا ينصرون إلا مع غيرهم أما مسلمين وإما كفار و هم يدعون انهم أنصاره فأين نصر الله لمن نصره و هذا و غيره مما يبين كذب هذا الحديث.

*

فصل قال الرافضي البرهان الرابع قوله تعالى و النجم إذا هوى ما ضل صاحبكم و ما غوى روى الفقيه علي بن المغازلي الشافعي بإسناده عن ابن عباس قال كنت جالسا مع فتية من بني هاشم عند النبي صلى الله عليه و سلم إذ انقض كوكب فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم من انقض هذا النجم في منزله فهو الوصي من بعدي فقام فتية من بني هاشم فنظروا فإذا الكوكب قد انقض في منزل علي قالوا يا رسول الله قد غويت في حب علي فانزل الله تعالى والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم و ما غوى.

 

*و الجواب من وجوه...

أحدها: المطالبة بصحته كما تقدم و ذلك أن القول بلا علم حرام بالنص و الإجماع قال تعالى و لا تقف ما ليس لك به علم وقال قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها و ما بطن و الإثم و البغي بغير الحق و أن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا و أن تقولوا على الله ما لا تعلمون وقال ها انتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم و قال ومن الناس من يجادل في الله بغير علم و قال الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتا عند الله و عند الذين آمنوا والسلطان الذي أتاهم هو الحجة الآتية من عند الله كما قال أم أنزلنا عليهم سلطانا فهو يتكلم بما كانوا به يشركون و قال أم لكم سلطان مبين فأتوا بكتابكم أن كنتم صادقين و قال أن هي إلا أسماء سميتموها انتم و آباؤكم ما انزل الله بها من سلطان

 

فما جاءت به الرسل عن الله فهو سلطان فالقرآن سلطان و السنة سلطان لكن لا يعرف أن النبي صلى الله عليه و سلم جاء به إلا بالنقل الصادق عن الله فكل من احتج بشيء منقول عن النبي صلى الله عليه و سلم فعليه أن يعلم صحته قبل أن يعتقد موجبه و يستدل به و إذا احتج به على غيره فعليه بيان صحته و إلا كان قائلا بلا علم مستدلا بلا علم و إذا علم أن في الكتب المصنفة في الفضائل ما هو كذب صار الاعتماد على مجرد ما فيها مثل الاستدلال بشهادة الفاسق الذي يصدق تارة و يكذب أخرى بل لو لم يعلم أن فيها كذبا لم يفدنا علما حتى نعلم ثقة من رواها و بيننا و بين الرسول مئون من السنين و نحن نعلم بالضرورة أن فيما ينقل الناس عنه و عن غيره صدقا و كذبا و قد روى عنه انه قال سيكذب علي فان كان هذا الحديث صدقا فلا بد أن يكذب عليه و أن كان كذبا فقد كذب عليه و أن كان كذلك لم يجز لأحد أن يحتج في مسالة فرعية بحديث حتى يبين ما به يثبت فكيف يحتج في مسائل الأصول التي يقدح فيها خيار القرون و جماهير المسلمين و سادات أولياء الله المقربين بحيث لا يعلم المحتج به صدقه

 

 

و هو لو قيل له أتعلم أن هذا واقع فان قال اعلم ذلك فقد كذب فمن أين يعلم و قوعه و يقال له من أين علمت صدق ذلك و ذلك مما لا يعرف إلا بالإسناد و معرفة أحوال الرواة و أنت لا تعرفه و لو انك عرفته لعرفت أن هذا كذب و أن قال لا اعلم ذلك فكيف يسوغ لك الاحتجاج بما لا تعلم صحته.

الثاني: أن هذا كذب باتفاق أهل العلم بالحديث و هذا المغازلي ليس من أهل الحديث كابي نعيم و أمثاله و لا هو أيضا من جامعي العلم الذين يذكرون ما غالبه حق و بعضه باطل كالثعلبي و أمثاله بل هذا لم يكن الحديث من صنعته فعمد إلى ما وجده من كتب الناس من فضائل علي فجمعها كما فعل اخطب خوار زم و كلاهما لا يعرف الحديث و كل منهما يروي فيما جمعه من الأكاذيب الموضوعة ما لا يخفى انه كذب على اقل علماء النقل و الحديث و لسنا نعلم أن أحدهما يتعمد الكذب فيما ينقله لكن الذيتيقناه أن الأحاديث التي يروونها فيها ما هو كذب كثير باتفاق أهل العلم و ما قد كذبه الناس قبلهم و هما و أمثالهما قد يروون ذلك و لا يعلمون أنه كذب و قد يعلمون أنه كذب فلا ادري هل كانا من أهل العلم بان هذا كذب أو كانا مما لا يعلمان ذلك و هذا الحديث ذكره الشيخ أبو الفرج في الموضوعات لكن بسياق آخر من حديث محمد بن مروان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال لما عرج بالنبي صلى الله عليه و سلم إلى السماء السابعة و أراه الله من العجائب في كل سماء فلما اصبح جعل يحدث الناس عن عجائب ربه فكذبه من أهل مكة من كذبه و صدقه من صدقه فعند ذلك انقض نجم من السماء فقال النبي صلى الله عليه و سلم في دار من و قع هذا النجم فهو خليفتي من بعدي فطلبوا ذلك النجم فوجدوه في دار علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال أهل مكة

 

ضل محمد و غوى و هوى أهل بيته و مال إلى ابن عمه على بن أبي طالب رضي الله عنه فعند ذلك نزلت هذه السورة و النجم إذا هوى ما ضل صاحبكم و ما غوى قال أبو الفرج هذا حديث موضوع لا شك فيه و ما ابرد الذي وضعه و ما ابعد ما ذكر و في إسناده ظلمات منها أبو صالح و كذلك الكلبي و محمد بن مروان السدي و المتهم به الكلبي قال أبو حاتم بن حبان كان الكلبي من الذين يقولون أن عليا لم يمت و أنه يرجع إلى الدنيا و أن راو سحابة قالوا أمير المؤمنين فيها لا يحل الاحتجاج به قال و العجب من تغفيل من وضع هذا الحديث كيف رتب ما لا يصح في المعقول من أن النجم يقع في دار و يثبت إلى أن يرى و من بلهه أنه وضع هذا الحديث على ابن عباس و كان ابن عباس زمن المعراج ابن سنتين فكيف يشهد تلك الحالة و يرويهاقلت إذا لم يكن هذا الحديث في تفسير الكلبي المعروف عنه فهو مما وضع بعده و هذا هو الأقرب قال أبو الفرج و قد سرق هذا الحديث بعينه قوم و غيروا إسناده و رووه بإسناد غريب من طريق أبي بكر العطار عن سليمان بن احمد المصري و من طريق أبي قضاعة ربيعة بن محمد حدثنا ثوبان بن إبراهيم حدثنا مالك بن غسان النهشلي عن انس قال انقض كوكب على عهد النبي صلى الله عليه و سلم فقال النبي صلى الله عليه و سلم انظروا ألي هذا الكوكب فمن انقض في داره فهو خليفة من بعدي قال فنظرنا فإذا هو قد انقض في منزل علي فقال جماعة قد غوى محمد في حب علي فانزل الله تعالى و النجم إذا هوى ما ضل صاحبكم و ما غوى

 

 

قال أبو الفرج و هذا الحديث هو المتقدم سرقه بعض هؤلاء الرواة فغير إسناده و من تغفيله وضعه إياه على انس فان أنسا لم يكن بمكة زمن المعراج و لا حين نزول هذه السورة لأن المعراج كان قبل الهجرة بسنة و انس أنما عرف رسول الله صلى الله عليه و سلم بالمدينة و في هذا الإسناد ظلمات أما مالك النهشلي فقال ابن حبان يأتي عن الثقات بما لا يشبه حديث الإثبات وأما ثوبان فهو أخو ذي النون المصري ضعيف في الحديث و أبو قضاعة منكر الحديث متروكه و أبو بكر العطار و سليمان بن أحمد مجهولان.

الوجه الثالث: أنه مما يبين أنه كذب أن فيه ابن عباس شهد نزول (سورة النجم). حين انقض الكوكب في منزل علي و (سورة النجم). باتفاق الناس من أول ما نزل بمكة و بن عباس حين مات النبي صلى الله عليه و سلم كان مراهقا للبلوغ لم يحتلم بعد هكذا ثبت عنه في الصحيحين فعند نزول هذه إلآيه أما أن ابن عباس لم يكن ولد بعد و أما أنه كان طفلا لا يميز فان النبي صلى الله عليه و سلم لما هاجر كان لابن عباس نحو خمس سنين و الأقرب أنه لم يكن ولد عند نزول (سورة النجم). فإنها من أوائل ما نزل من القران.

 

الوجه الرابع: أنه لم ينقض قط كوكب إلى الأرض بمكة و لا بالمدينة و لا غيرهما و لما بعث النبي صلى الله عليه و سلم كثر الرمي بالشهب و مع هذا فلم ينزل كوكب إلى الأرض و هذا ليس من الخوارق التي تعرف في العالم بل هو من الخوارق التي لا يعرف مثلها في العالم و لا يروي مثل هذا ألا من هو من اوقح الناس و أجرئهم على الكذب و اقلهم حياء و دينا و لا يروج ألا على من هو من اجهل الناس و أحمقهم و اقلهم معرفة و علما.

الوجه الخامس: أن نزول سورة النجم كان قي أول الإسلام و علي إذ ذاك كان صغيرا و الأظهر أنه لم يكن احتلم و لا تزوج بفاطمة و لا شرع بعد فرائض الصلاة أربعا و ثلاثا و اثنين و لا فرائض الزكاة و لا حج البيت و لا صوم رمضان و لا عأمةقواعد الإسلام و أمر الوصية بالإمأمة لو كان حقا أنما يكون في آخر الأمر كما ادعوه يوم غدير خم فكيف يكون قد نزل في ذلك الوقت.

الوجه السادس: أن أهل العلم بالتفسير متفقون على خلاف هذا و أن النجم المقسم به أما نجوم السماء و أما نجوم القران و نحو ذلك و لم يقل أحد أنه كوكب نزل في دار أحد بمكة.

الوجه السابع: أن من قال لرسول الله صلى الله عليه و سلم غويت فهو كافر و الكفار لم يكن النبي صلى الله عليه و سلم يأمرهم بالفروع قبل الشهادتين و الدخول في الإسلام.

 

الوجه الثامن: أن هذا النجم أن كان صاعقة فليس نزول الصاعقة في بيت شخص كرأمةله و أن كان من نجوم السماء فهذه لا تفارق الفلك و أن كان من الشهب فهذه يرمى بها رجوما للشياطين و هي لا تنزل إلى الأرض و لو قدر أن الشيطان الذي رمي بها وصل إلى بيت علي حتى احترق بها فليس هذا كرأمةله مع أن هذا لم يقع قط.

*

فصل: قال الرافضي البرهان الخامس قوله تعالى أنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا فروى احمد بن حنبل في مسنده عن واثلة بن الاسقع قال طلبت عليا في منزله فقالت فاطمة رضي الله عنها ذهب إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال فجاءا جميعا فدخلا و دخلت معهما فاجلس عليا عن يساره و فاطمة عن يمينه و الحسن و الحسين بين يديه ثم التفع عليهم بثوبهو قال أنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا اللهم أن هؤلاء أهلي حقا و عن أم سلمة قالت أن النبي صلى الله عليه و سلم كان في بيتها فاتته فاطمة رضي الله عنها ببرمة فيها حريرة فدخلت بها عليه فقال ادعي زوجك و ابنيك قالت فجاء علي و الحسن و الحسين فدخلوا و جلسوا يأكلون من تلك الحريرة و هو و هم على منام له علي و كان تحته كساء خيبري قالت و أنا في الحجرة أصلي فانزل الله تعالى هذه الآية أنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا قالت فاخذ فضل الكساء و كساهم به ثم اخذ يده فألوى بها إلى السماء و قال هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس

 

و طهرهم تطهيرا و كرر ذلك قالت فأدخلت رأسي و قلت و أنا معهم يا رسول الله قال انك إلى خير وفي هذه الآية دلالة على العصمة مع التأكيد بلفظه أنما و إدخال اللام في الخبر و الاختصاص في الخطاب بقوله أهل البيت والتكرير بقوله ويطهركم والتأكيد بقوله تطهيرا و غيرهم ليس بمعصوم فتكون الإمأمةفي علي و لأنه ادعاها في عدة من أقواله كقوله و الله لقد تقمصها ابن أبي قحافة و هو يعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى و قد ثبت نفي الرجس عنه فيكون صادقا فيكون هو الإمام.

*و الجواب: أن هذا الحديث صحيح في الجملة فانه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لعلي و فاطمة و حسن و حسين اللهم أن هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيراو روى ذلك مسلم عن عائشة قالت خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم غداة و عليه مرط مرحل من شعر اسود فجاء الحسن بن علي فادخله معه ثم جاءت فاطمة فادخلها معه ثم جاء علي فادخله ثم قال ثم لاجاء الحسين فأدخله معه أنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا و هو مشهور من رواية أم سلمة من رواية احمد و الترمذي لكن ليس في هذا دلالة على عصمتهم و لا إمامتهم و تحقيق ذلك في مقامين أحدهما أن قوله أنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا كقوله ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج و كقوله يريد الله بكم اليسر و لا يريد بكم العسر و كقوله يريد الله ليبن لكم و يهديكم سنن الذين من قبلكم و يتوب عليكم و الله عليم حكيم و الله يريد أن يتوب عليكم و يريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما فان أرادة الله في هذه الآيات متضمنة المحبة الله لذلك المراد و رضاه به و أنه شرعه للمؤمنين و أمرهم به ليس في ذلك أنه خلق ذلك المراد و لا أنه قضاه و قدره و لا أنه يكون لا محالة والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه و سلم بعد نزول هذه الآية

 

قال اللهم هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا فطلب من الله لهم إذهاب الرجس و التطهير فلو كانت الآية تتضمن إخبار الله بأنه قد اذهب عنهم الرجس و طهرهم لم يحتج إلى الطلب و الدعاء وهذا على قول القدرية أظهر فان أرادة الله عندهم لا تتضمن وجود المراد بل قد يريد ما لا يكون و يكون ما لا يريد فليس في كونه تعالى مريدا لذلك ما يدل على وقوعه و هذا الرافضي و أمثاله قدرية فكيف يحتجون بقوله أنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت على وقوع المراد و عندهم أن الله قد أراد إيمان من على وجه الأرض فلم يقع مراده و أما على قول أهل الإثبات فالتحقيق في ذلك أن الأرادة في كتاب الله نوعان أرادة شرعية دينية تتضمن محبته و رضاه و أرادة كونية قدرية تتضمن خلقه و تقديره الأولى مثل هؤلاء الآيات و الثانية مثل قوله تعالى فمن يرد الله أن يهديه يشرح زيارده صدره للإسلام و من يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء و قول نوح و لا ينفعكم نصحي أن أردت أن انصح لكم أن كان الله يريد أن يغويكم

 

 

و كثير من المثبة و القدرية يجعل الأرادة نوعا واحدا كما يجعلون الأرادة و المحبة شيئا واحدا ثم القدرية ينفون أرادته لما بين أنه مراد في آيات التقدير وأولئك ينفون إرادته لما بين أنه مراد في آيات التشريع فان عندهم كل ما قيل أنه مراد فلا بدان يكون كائنا و الله قد اخبر أنه يريد أن يتوب على المؤمنين و أن يطهرهم و فيهم من تاب و فيهم من لم يتب و فيهم من تطهر و فيهم من لم يتطهر و إذا كانت الآية دالة على وقوع ما أراده من التطهير و إذهاب الرجس لم يلزم بمجرد الآية ثبوت ما ادعاه و مما يبين ذلك أن أزواج النبي صلى الله عليه و سلم مذكورات في الآية و الكلام في الأمر بالتطهير بإيجابه و وعد الثواب على فعله و العقاب على تركه قال تعالى يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين و كان ذلك على الله يسيرا و من يقنت منكن لله و رسوله و تعمل صالحا نؤتها اجرها مرتين و اعتدنا لها رزقا كريما يا نساء النبي لستن كأحد من النساء أن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض إلى قوله و اطعن الله و رسوله أنما يريد الله

 

 

ليذهب الرجس عنكم أهل البيت و يطهركم تطهيرا فالخطاب كله لأزواج النبي صلى الله عليه و سلم و معهن الأمر و النهي و الوعد والوعيد لكن لما تبين ما في هذا من المنفعة التي تعمهن و تعم غيرهن من أهل البيت جاء التطهير بهذا الخطاب و غيره و ليس مختصا بأزواجه بل هو متناول لأهل البيت كلهم و علي و فاطمة و الحسن و الحسين أخص من غيرهم بذلك و لذلك خصهم النبي صلى الله عليه و سلم بالدعاء لهم و هذا كما أن قوله لمسجد أسس على التقوى من أول يوم نزلت بسبب مسجد قباء لكن الحكم يتناوله و يتناول ما هو أحق منه بذلك و هو مسجد المدينة وهذا يوجه ما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه سئل عن المسجد الذي أسس على التقوى فقال هو مسجدي هذا و ثبت عنه في الصحيح أنه كان يأتي قباء كل سبت ماشيا و راكبا فكان يقوم في مسجده يوم الجمعة و يأتي قباء يومالسبت و كلاهما مؤسس على التقوى و هكذا أزواجه و علي و فاطمة و الحسن و الحسين كلهم من أهل البيت لكن عليا و فاطمة و الحسن و الحسين أخص بذلك من أزواجه و لهذا خصهم بالدعاء و قد تنازع الناس في آل محمد من هم فقيل هم أمته و هذا قول طائفة من أصحاب مالك و احمد و غيرهم و قيل المتقون من أمته و رووا حديثا آل محمد كل مؤمن تقي رواه الخلال و تمام في الفوائد له و قد احتج به طائفة من أصحاب احمد و غيرهم و هو حديث موضوع و بنى على ذلك طائفة من الصوفية أن آل محمد هم خواص الأولياء كما ذكر الحكيم الترمذي والصحيح أن آل محمد هم أهل بيته و هذا هو المنقول عن الشافعي و احمد و هو اختيار الشريف أبي جعفر و غيرهم لكن هل أزواجه من أهل

 

 

بيته على قولين هما روايتان عن احمد أحدهما أنهن لسن من أهل البيت و يروى هذا عن زيد بن أرقم و الثاني هو الصحيح أن أزواجه من آله فانه قد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه علمهم الصلاة عليه الله صل على محمد و أزواجه و ذريته و لأن أمرأة إبراهيم من آله و أهل بيته و أمرأة لوط من آله و أهل بيته بدلالة القران فكيف لا يكون أزواج محمد من آله و أهل بيته و لأن هذه الآية تدل على أنهن من أهل بيته و ألا لم يكن لذكر ذلك في الكلام معنى و أما الأتقياء من أمته فهم أولياؤه كما ثبت في الصحيح أنه قال أن آل بني فلان ليسوا لي بأولياء و أنما وليي الله و صالح المؤمنين فبين أن أولياءه صالح المؤمنين و كذلك في حديث آخر أن أوليائي المتقون حيث كانوا و اين كانواو قد قال تعالى و أن تظاهرا عليه فان الله هو مولاه و جبريل و صالح المؤمنين و في الصحاح عنه أنه قال وددت أنى رأيت إخواني قالوا أولسنا إخوانك قال بل انتم أصحابي و إخواني قوم يأتون من بعدي يؤمنون بي و لم يروني

 

 

و إذا كان كذلك فأولياؤه المتقون بينه و بينهم قرابة الدين و الإيمان و التقوى و هذه القرابة الدينية أعظم من القرابة الطينية و القرب بين القلوب و الأرواح أعظم من القرب بين الأبدان و لهذا كان افضل الخلق أولياؤه المتقون و أما أقاربه ففيهم المؤمن و الكافر و البر و الفاجر فان كان فاضلا منهم كعلي رضي الله عنه و جعفر و الحسن و الحسين فتفضيلهم بما فيهم من الإيمان و التقوى و هم أولياؤه بهذا الاعتبار لا بمجرد النسب فأولياؤه أعظم درجة من آله و أن صلى على آله تبعا له لم يقتض ذلك أن يكونوا افضل من أوليائه الذين لم يصل عليهم فان الأنبياء و المرسلين هم من أوليائه و هم افضل من أهل بيته و أن لم يدخلوا في الصلاة معه تبعا فالمفضول قد يختص بأمر و لا يلزم أن يكون افضل من الفاضل و دليل ذلك أن أزواجه هم ممن يصلي عليه كما ثبت ذلك في الصحيحين فقد ثبت باتفاق الناس كلهم أن الأنبياء افضل منهن كلهن

 

 

فان قيل فهب أن القران لا يدل على وقوع ما أريد من التطهير و إذهاب الرجس لكن دعاء النبي صلى الله عليه و سلم لهم بذلك يدل على وقوعه فان دعاءه مستجاب قيل المقصود ان القرآن لا يدل ما ادعاه من ثبوت الطهارة و إذهاب الرجس فضلا عن ان يدل على العصمة و الإمأمة و أما الاستدلال بالحديث فذاك مقام آخر ثم نقول في المقام الثاني هب أن القران دل على طهارتهم و إذهاب الرجس عنهم كما أن الدعاء المستجاب لا بد أن يتحقق معه طهارة المدعو لهم و إذهاب الرجس عنهم لكن ليس في ذلك ما يدل على العصمة من الخطأ و الدليل عليه أن الله لم يرد بما أمر به أزواج النبي صلى الله عليه و سلم أن لا يصدر من واحدة منهن خطأ فأن الخطأ مغفور لهن و لغيرهن و سياق الآية يقتضي أنه يريد ليذهب عنهم الرجس الذي هو الخبث كالفواحش و يطهرهم تطهيرا من الفواحش و غيرها من الذنوب و التطهير من الذنب على وجهين كما في قوله و ثيابك فطهر و قوله إنهم أناس يتطهرون فإنه قالفيها من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين و التطهير عن الذنب أما بأن لا يفعله العبد و أما بأن يتوب منه كما في قوله خذ من أموالهم صدقة تطهرهم و تزكيهم بها لكن ما أمر الله به من الطهارة ابتداء و أرادة فإنه يتضمن نهيه عن الفاحشة لا يتضمن الإذن فيها بحال لكن هو سبحانه ينهى عنها و يأمر من فعلها بأن يتوب منها و في الصحيح عن النبي انه كان يقول اللهم باعد بيني و بين خطاياي كما باعدت بين المشرق و المغرب و اغسلني بالثلج و البرد و الماء البارد اللهم نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس و في الصحيحين أنه قال لعائشة رضي الله عنها في قصة الإفك قبل أن يعلم النبي براءتها و كان قد ارتاب في أمرها فقال يا عائشة أن كنت بريئة فسيبرئك الله و أن كنت الممت بذنب

 

 

فاستغفري الله وتوبي إليه فان العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب الله عليه و بالجملة لفظ الرجس أصله القذر و يراد به الشرك كقوله فاجتنبوا الرجس من الأوثان و يراد به الخبائث المحرمة كالمطعومات و المشروبات كقوله قل لا أجد فيما أوحى إلى محرما على طاعم يطعمه ألا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسق و قوله أنما الخمر و الميسر و الأنصاب و الأزلام رجس من عمل الشيطان و إذهاب ذلك إذهاب لكله و نحن نعلم أن الله اذهب عن أولئك السادة الشرك و الخبائث و لفظ الرجس عام يقتضي أن الله يريد أن يذهب جميع الرجس فإن النبي صلى الله عليه و سلم دعا بذلك و أما قوله و طهرهم تطهيرا فهو سؤال مطلق بما يسمى طهارة و بعض الناس يزعم أن هذا مطلق فيكتفي فيه بفرد من أفراد الطهارة و يقول مثل ذلك في قوله فاعتبروا يا أولى الأبصار و نحو ذلك و التحقيق أنه أمر بمسمى الاعتبار الذي يقال عند الإطلاق كما إذا قيل اكرم هذا أي افعل معه ما يسمى عند الإطلاق إكراما و كذلك

 

 

ما يسمى عند الإطلاق اعتبارا و الإنسان لا يسمى معتبرا إذا اعتبر في قصة و ترك ذلك في نظيرها و كذلك لا يقال هو طاهر أو متطهرا أو مطهرا إذا كان متطهرا من شيء متنجسا بنظيره و لفظ الطاهر كلفظ الطيب قال تعالى و الطيبات للطيبين و الطيبون للطيبات كما قال الخبيثات للخبيثين و الخبيثون للخبيثات و قد روى أنه قال لعمار ائذنوا له مرحبا بالطيب المطيب و هذا أيضا كلفظ المتقي و لفظ المزكي قال تعالى قد افلح من زكاها و قد خاب من دساها و قال خذ من أموالهم صدقة تطهرهم و تزكيهم بها و قال قد افلح من تزكى و قال و لولا فضل الله عليكم و رحمته ما زكى منكم من أحد و لكن الله يزكي من يشاء و ليس من شرط المتقين و نحوهم أن لا يقع منهم ذنب و لا أن يكونوا معصومين من الخطأ و الذنوب فإن هذا لو كان كذلك لم يكن في الأمة متق بل من تاب من ذنوبه دخل في المتقين و من فعل ما يكفر سيئاته دخل في المتقين كما قال أن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم و ندخلكم مدخلا كريما

 

 

فدعاء النبي صلى الله عليه و سلم بان يطهرهم تطهيرا كدعائه بان يزكيهم و يطيبهم و يجعلهم متفقين و نحو ذلك و معلوم أن من استقر أمره على ذلك فهو داخل في هذا لا تكون الطهارة التي دعا بها بأعظم مما دعا به لنفسه و قد قال اللهم طهرني من خطاياي بالثلج و البرد و الماء البارد فمن وقع ذنبه مغفورا أو مكفرا فقد طهره الله منه تطهيرا و لكن من مات متوسخا بذنوبه فانه لم يطهر منها في حياته و قد يكون من تمام تطهيرهم صيانتهم عن الصدقة التي هي أوساخ الناس و النبي صلى الله عليه و سلم إذا دعا بدعاء أجابه الله بحسب استعداد المحل فإذا استغفر للمؤمنين و المؤمنات لم يلزم أن لا يوجد مؤمن مذنب فإن هذا لو كان واقعا لما عذب مؤمن لا في الدنيا و لا في الآخرة بل يغفر الله لهذا بالتوبة و لهذا بالحسنات الماحية و يغفر الله لهذا ذنوبا كثيرة و أن واحدة بأخرى و بالجملة فالتطهير الذي أراده الله و الذي دعا به النبي صلى الله عليه و سلم ليس هو العصمة بالإتفاق فان أهل السنة عندهم لا معصوم ألا النبي صلى الله عليه و سلم و الشيعة يقولون لا معصوم غير النبي صلى الله عليه و سلم و الإمام فقد وقع الاتفاق على انتفاء العصمة المختصة بالنبي صلى الله عليه و سلم و الإمام عن أزواجه و بناته و غيرهن من النساء

 

 

و إذا كان كذلك امتنع أن يكون التطهير المدعو به للأربعة متضمنا للعصمة التي يختص بها النبي صلى الله عليه و سلم و الإمام عندهم فلا يكون من دعاء النبي صلى الله عليه و سلم بهذه العصمة لا لعلي و لا لغيره فإنه دعا بالطهارة لأربعة مشتركين لم يختص بعضهم بدعوة و أيضا فالدعاء بالعصمة من الذنوب ممتنع على أصل القدرية بل و بالتطهير أيضا فإن الأفعال الاختيارية التي هي فعل الواجبات و ترك المحرمات عندهم غير مقدورة للرب و لا يمكنه أن يجعل العبد مطيعا و لا عاصيا و لا متطهرا من الذنوب و لا غير متطهر فامتنع على أصلهم أن يدعو لأحد بان يجعله فاعلا للواجبات تاركا للمحرمات و أنما المقدور عندهم قدرة تصلح للخير و الشر كالسيف الذي يصلح لقتل المسلم و الكافر و المال الذي يمكن إنفاقه في الطاعة و المعصية ثم العبد يفعل باختياره أما الخير و أما الشر بتلك القدرة و هذا الأصل يبطل حجتهم و الحديث حجة عليهم في إبطال هذا الأصل حيث دعا النبي صلى الله عليه و سلم لهم بالتطهير فإن قالوا المراد بذلك أنه يغفر لهم و لا يؤاخذهمكان ذلك أدل على البطلان من دلالته على العصمة فتبين أن الحديث لا حجة لهم فيه بحال على ثبوت العصمة و العصمة مطلقا التي هي فعل المأمور و ترك المحظور ليست مقدورة عندهم لله و لا يمكنه أن يجعل أحدا فاعلا لطاعة و لا تاركا لمعصية لا لنبي و لا لغيره فيمتنع عندهم أن من يعلم انه إذا عاش يطيعه باختيار نفسه لا بإعانة الله و هدايته و هذا مما يبين تناقض قولهم في مسائل العصمة كما تقدم و لو قدر ثبوت العصمة فقد قدمنا أنه لا يشترط في الإمام العصمة و لا إجماع على انتفاء العصمة في غيرهم و حينئذ فتبطل حجتهم بكل طريق و أما قوله أن عليا ادعاها و قد ثبت نفي الرجس عنه فيكون صادقا فجوابه من وجوه أحدها أنا لا نسلم أن عليا ادعاها بل نحن نعلم بالضرورة علما متيقنا أن عليا ما ادعاها قط حتى قتل عثمان و أن

 

 

كان قد يميل بقلبه إلى أن يولي لكن ما قال إني أنا الإمام و لا أنى معصوم و لا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم جعلني إلإمام بعده و لا أنه أوجب على الناس متابعتي و لا نحو هذه الألفاظ بل نحن نعلم بالاضطرار أن من نقل هذا و نحوه عنه فهو كاذب عليه و نحن نعلم أن عليا كان اتقى لله من أن يدعي الكذب الظاهر الذي تعلم الصحابة كلهم أنه كذب و أما نقل الناقل عنه أنه قال لقد تقمصها ابن أبي قحافة و هو يعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى فنقول أولا أين إسناد هذا النقل بحيث ينقله ثقة عن ثقة متصلا إليه و هذا لا يوجد قط و أنما يوجد مثل هذا في كتاب نهج البلاغة و أمثاله و أهل العلم يعلمون أن اكثر خطب هذا الكتاب مفتراة على علي و لهذا لا يوجد غالبها في كتاب متقدم و لا لها إسناد معروف فهذا الذي نقلها من أين نقلها و لكن هذه الخطب بمنزلة من يدعي أنه علوي أو عباسي و لا نعلم أحدا من سلفه ادعى ذلك قط ولا ادعى ذلك له فيعلم كذبه فإن النسب يكون معروفا من أصله حتى يتصل بفرعه و كذلك المنقولات لا بد أن تكون ثابته معروفة عمن نقل عنه حتى تتصل بنا فإذا صنف واحد كتابا ذكر فيه خطبا كثيرة للنبي صلى الله عليه و سلم و أبي بكر

 

 

و عمر و عثمان و لم علي و لم يرو أحد منهم تلك الخطب قبله بإسناد معروف علمنا قطعا أن ذلك كذب و في هذه الخطب أمور كثيرة قد علمنا بقينا من علي ما يناقضها و نحن في هذا المقام ليس علينا أن نبين أن هذا كذب بل يكفينا المطالبة بصحة النقل فإن الله لم يوجب على الخلق أن يصدقوا بما لم يقم دليل على صدقه بل هذا ممتنع بالاتفاق لا سيما على القول بامتناع تكليف ما لا يطاق فإن هذا من أعظم تكليف ما لا يطاق فكيف يمكن الإنسان أن يثبت ادعاء علي للخلافة بمثل حكاية ذكرت عنه في اثناء المائة الرابعة لما كثر الكذابون عليه و صار لهم دولة تقبل منهم ما يقولون سواء كان صدقا أو كذبا و ليس عندهم من يطالبهم بصحة النقل و هذا الجواب عمدتنا في نفس الأمر و فيما بيننا و بين الله تعالى ثم نقول هب أن عليا قال ذلك فلم قلت أنه أراد اني إمام معصوم منصوص عليه و لم لا يجوز أنه أراد اني كنت احق بها من غيري لاعتقاده في نفسه أنه افضل و احق من غيره و حينئذ فلا يكون مخبرا عن أمر تعمد فيه الكذب و لكن يكون متكلما باجتهاده و الاجتهاد يصيب و يخطئ

 

 

و نفي الرجس لا يوجب أن يكون معصوما من الخطإ بالاتفاق بدليل أن الله لم يرد من أهل البيت أن يذهب عنهم الخطإ فإن ذلك غير مقدور عليه عندهم و الخطإ مغفور فلا يضر وجوده و أيضا فالخطأ لا يدخل فيه عموم الرجس وأيضا فانه لا معصوم من أن يقر على خطأ ألا رسول الله صلى الله عليه و سلم و هم يخصون ذلك بالأئمة بعده و إذهاب الرجس قد اشترك فيه علي و فاطمة و غيرهما من أهل البيت و أيضا فنحن نعلم أن عليا كان اتقى لله من أن يتعمد الكذب كما أن أبا بكر و عمر و عثمان و غيرهم كانوا اتقى لله من أن يتعمدوا للكذب لكن لو قيل لهذا المحتج بالآلية أنت لم تذكر دليلا على أن الكذب من الرجس و إذا لم تذكر على ذلك دليلا لم يلزم من إذهاب الرجس إذهاب الكذبة الواحدة إذا قدر أن الرجس ذاهب فهو فيمن يحتج بالقران و ليس في القران ما يدل على إذهاب الرجس و لا ما يدل على أن الكذب و الخطأ من الرجس و لا أن عليا قال ذلك و لكن هذا كله لو صح شيء منه لم يصح ألا بمقدمات ليست في القران فأين البراهين التي في القران على الإمامة و هل يدعي هذا إلا من هو من أهل الخزي و الندامة.

*

فصل قال الرافضي البرهان السادس في قوله تعالى في بيوت أذن الله أن ترفع و يذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو و الآصال رجال إلى قوله يخافون يوما تتقلب فيه القلوب و الأبصار قال الثعلبي بإسناده عن انس و بريده قالا قرأ رسول الله صلى الله عليه و سلم هذه الآية فقام رجل فقال أي بيوت هذه يا رسول الله فقال بيوت الأنبياء فقام إليه أبو بكر فقال يا رسول الله هذا البيت منها يعني بيت علي و فاطمة قال نعم من أفضلها وصف فيها الرجال بما يدل على أفضليتهم فيكون علي هو الإمام و ألا لزم تقديم المفضول على الفاضل.

 

*والجواب من وجوه...

أحدها: المطالبة بصحة هذا النقل و مجرد عزو ذلك إلى الثعلبي ليس بحجة باتفاق أهل السنة و الشيعة و ليس كل خبر رواه واحد من الجمهور يكون حجة عند الجمهور بل علماء الجمهور متفقون على أن ما يرويه الثعلبي و أمثاله لا يحتجون به لا في فضيلة أبي بكر و عمر و لا في إثبات حكم من الأحكام ألا أن يعلم ثبوته بطريق فليس له أن يقول أنا نحتج عليكم بالأحاديث التي يرويها واحد من الجمهور فإن هذا بمنزلة من يقول أنا احكم عليكم بمن يشهد عليكم من الجمهور فهل يقول أحد من علماء الجمهور أن كل من شهد منهم فهو عدل أو قال أحد من علمائهم أن كل من روى منهم حديثا كان صحيحا ثم علماء الجمهور متفقون على أن الثعلبي و أمثاله يروون الصحيح و الضعيف و متفقون على أن مجرد روايته لا توجب اتباع ذلك و لهذا يقولون في الثعلبي و أمثاله أنه حاطب ليل يروي ما وجد سواء كان صحيحا أو سقيما فتفسيره و أن كان غالب الأحاديث التي فيه صحيحة ففيه ما هو كذب موضوع باتفاق أهل العلم

 

و لهذا اختصره أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي و كان اعلم بالحديث و الفقه منه و الثعلبي اعلم بأقوال المفسرين ذكر البغوي عنه أقوال المفسرين و النحاة و قصص الأنبياء فهذه الأمور نقلها البغوي من الثعلبي و أما الأحاديث فلم يذكر في تفسيره شيئا من الموضوعات التي رواها الثعلبي بل يذكر الصحيح منها و يعزوه إلى البخاري و غيره فإنه مصنف كتاب شرح السنة و كتاب المصابيح و ذكر ما في الصحيحين و السنن و لم يذكر الأحاديث التي تظهر لعلماء الحديث إنها موضوعة كما يفعله غيره من المفسرين كالوا حدي صاحب الثعلبي و هو اعلم بالعربية منه و كالزمخشري و غيرهم من المفسرين الذين يذكرون من الأحاديث ما يعلم أهل الحديث أنه موضوع.

الثاني: أن هذا الحديث موضوع عند أهل المعرفة بالحديث و لهذا لم يذكره علماء الحديث في كتبهم التي يعتمد في الحديث عليها كالصحاح و السنن و المساند مع أن في بعض هذه ما هو ضعيف بل ما يعلم أنه كذب لكن هذا قليل جدا و أما هذا الحديث و أمثاله فهو أظهر كذبا من أن يذكروه في مثل ذلك.

 

الثالث: أن يقال الآية باتفاق الناس هي في المساجد كما قال في بيوت أذن الله أن ترفع و يذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو و الآصال و بيت علي و غيره ليس موصوفا بهذه الصفة.

الرابع: أن يقال بيت النبي صلى الله عليه و سلم افضل من بيت علي باتفاق المسلمين و مع هذا لم يدخل في هذه الآية لأنه ليس في بيته رجال و أنما فيه هو و الواحدة من نسائه و لما أراد بيت النبي صلى الله عليه و سلم قال لا تدخلوا بيوت النبي و قال و اذكرن ما يتلى في بيوتكن.

الوجه الخامس: أن قوله هي بيوت الأنبياء كذب فانه لو كان كذلك لم يكن لسائر المؤمنين فيها نصيب و قوله يسبح له فيها بالغدو و الآصال رجال لا تليهم تجارة و لا بيع عن ذكر الله متناول لكل من كان بهذه الصفة.

الوجه السادس: أن قوله في بيوت أذن الله أن ترفع نكرة موصوفة ليس فيها تعيين وقوله أذن الله أن ترفع و يذكر فيها اسمه أن أراد بذلك ما لا يختص به المساجد من الذكر في البيوت و الصلاة فيها دخل ذلك بيوت اكثر المؤمنين المتصفين بهذه الصفة فلا تختص بيوت الأنبياء

 

وان أراد بذلك ما يختص به المساجد من وجود الذكر في الصلوات الخمس و نحو ذلك كانت مختصة بالمساجد و أما بيوت الأنبياء فليس فيها خصوصية المساجد و أن كان لها فضل بسكنى الأنبياء فيها.

الوجه السابع: أن يقال أن أريد ببيوت الأنبياء ما سكنه النبي صلى الله عليه و سلم فليس في المدينة من بيوت الأنبياء ألا بيوت أزواج النبي صلى الله عليه و سلم فلا يدخل فيها بيت علي و أن أريد ما دخله الأنبياء فالنبي صلى الله عليه و سلم قد دخل بيوت كثير من الصحابة و أي تقدير قدر في الحديث لا يمكن تخصيص بيت علي بأنه من بيوت الأنبياء دون بيت أبي بكر و عمر و عثمان و نحوهم و إذا لم يكن له اختصاص فالرجال مشتركون بينه و بين غيره.

الوجه الثامن: أن يقال قوله الرجال المذكورون موصوفون بأنهم لا تلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر الله ليس في الآية ما يدل على انهم افضل من غيرهم و ليس فيها ذكر ما وعدهم الله به من الخير و فيها الثناء عليهم و لكن ليس كل من اثني عليه أو وعد بالجنة يكون افضل من غيره و لهذا لم يلزم أن يكون هو افضل من الأنبياء.

 

الوجه التاسع: أن يقال هب أن هذا يدل على انهم افضل ممن ليس كذلك من هذا الوجه لكن لم قلت أن هذه الصفة مختصة بعلي بل كل من كانت لا تلهيه التجارة و البيع عن ذكر الله و اقام الصلاة و إيتاء الزكاة و يخاف بوم القيامة فهو متصف بهذه الصفة فلم قلت أنه ليس متصف بذلك ألا عليا و لفظ الآية يدل على انهم رجال ليسوا رجلا واحدا فهذا دليل على أن هذا لا يختص بعلي بل هو و غيره مشتركون فيها و حينئذ فلا يلزم أن يكون افضل من المشاركين له فيها.

الوجه العاشر: أنه لو سلم أن عليا افضل من غيره في هذه الصفة فلم قلت أن ذلك يوجب الإمامة و أما امتناع تقديم المفضول على الفاضل إذا سلم فإنما هو في مجموع الصفات التي تناسب الإمامة و ألا فليس كل من فضل في خصلة من الخير استحق أن يكون هو الإمام و لو جاز هذا لقيل ففي الصحابة من قتل من الكفار اكثر مما قتل علي و فيهم من انفق من ماله اكثر مما انفق علي و فيهم من كان اكثر صلاة و صياما من علي و فيهم من أوذي في الله اكثر من علي و فيهم من كان أسن من علي و فيهم من كان عنده من العلم ما ليس عند علي و بالجملة لا يمكن أن يكون واحد من الأنبياء له مثل ما لكل واحد من الأنبياء من كل وجه و لا أحد من الصحابة يكون له مثل ما لكل أحد

 

من الصحابة من كل وجه بل يكون في المفضول نوع من الأمور التي يمتاز بها عن الفاضل و لكن الاعتبار في التفضيل بالمجموع.

*

فصل قال الرافضي البرهان السابع قوله تعالى قل لا أسألكم عليه أجرا ألا المودة في القربى روى احمد بن حنبل في مسنده عن ابن عباس قال لما نزلت قل لا أسألكم عليه أجرا ألا المودة في القربى قالوا يا رسول الله من قرابتك الذين وجبت علينا مودتهم قال علي و فاطمة و ابناهما و كذا في تفسير الثعلبي و نحوه في الصحيحين و غير علي من الصحابة و الثلاثة لا تجب مودته فيكون علي افضل فيكون هو الإمام و لأن مخالفته تنافي المودة و بامتثال أوامره تكون مودته فيكون واجب الطاعة و هو معنى الإمامة.

*و الجواب من وجوه...

أحدها: المطالبة بصحة هذا الحديث و قولهأن احمد روى هذا في مسنده كذب بين فان هذا مسند احمد موجود به من النسخ ما شاء الله و ليس فيه هذا الحديث و أظهر من ذلك كذبا قوله أن نحو هذا في الصحيحين و ليس هو في الصحيحين بل فيهما و في المسند ما يناقض ذلك ولا ريب أن هذا الرجل و أمثاله جهال بكتب أهل العلم لا يطالعونها و لا يعلمون ما فيها و رأيت بعضهم جمع لهم كتابا في أحاديث من كتب متفرقة معزوة تارة إلى الصحيحين و تارة إلى مسند احمد و تارة إلى المغازلي و الموفق خطيب خوارزم و الثعلبي و أمثاله و سماه الطرائف في الرد على الطوائف و آخر صنف كتابا لهم سماه العمدة و اسم مصنفه ابن البطريق و هؤلاء مع كثرة الكذب فيما يروونه فهم امثل حالا من أبي جعفر محمد بن علي الذي صنف لهم و أمثاله فان هؤلاء يروون من الأكاذيب ما لا يخفى ألا على من هو من اجهل الناس و رأيت كثيرا من ذلك المعزو الذي عزاه أولئك إلى المسند و الصحيحين و غيرهما باطلا لا حقيقة له يعزون إلى مسند احمد ما ليس فيه أصلا لكن احمد صنف كتابا في فضائل أبي بكر و عمر و عثمان و علي و غيرهم وقد يروي في هذا الكتاب ما ليس في المسند و ليس كل

 

ما رواه احمد في المسند و غيره يكون حجة عنده بل يروي ما رواه أهل العلم و شرطه في المسند أن لا يروي عن المعروفين بالكذب عنده و أن كان في ذلك ما هو ضعيف و شرطه في المسند مثل شرط أبي داود في سننه و أما كتب الفضائل فيروي ما سمعه من شيوخه سواء كان صحيحا أو ضعيفا فانه لم يقصد أن لا يروي في ذلك إلا ما ثبت عنده ثم زاد ابن احمد زيادات وزاد أبو بكر القطيعى زيادات و في زيادات القطيعي زيادات كثيرة كذب موضوعة فظن الجاهل أن تلك من رواية احمد و انه رواها في المسند و هذا خطأ قبيح فإن الشيوخ المذكورين شيوخ القطيعي و كلهم متأخر عن احمد وهم ممن يروى عن أحمد لا ممن يروي احمد عنه و هذا مسند احمد و كتاب الزهد له و كتاب الناسخ و المنسوخ و كتاب التفسير و غير ذلك من كتبه يقول حدثنا و كيع حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا سفيان حدثنا عبد الرزاق فهذا احمد و تارة يقول حدثنا أبو معمر القطيعي حدثنا علي بن الجعد حدثنا أبو نصر التمار فهذا عبد الله و كتابه في فضائل الصحابة له فيه هذا و هذا و فيه من زيادات القطيعي يقول حدثنا احمد بن عبد الجبار الصوفي و أمثاله ممن هو مثل عبد الله بن احمد في الطبقة و هو ممن غايته أن يروي عن احمد فإن احمد ترك الرواية في آخر عمره لما طلب الخليفة أن يحدثه و يحدث ابنه

 

 

و يقيم عنده فخاف على نفسه من فتنة الدنيا فامتنع من الحديث مطلقا ليسلم من ذلك و لأنه كان قد حدث بما كان عنده قبل ذلك فكان يذكر الحديث بإسناده بعد شيوخه و لا يقول حدثنا فلان فكان من يسمعون منه ذلك يفرحون بروايته عنه فهذا القطيعي يروي عن شيوخه زيادات و كثير منها كذب موضوع و هؤلاء قد وقع لهم هذا الكتاب و لم ينظروا ما فيه من فضائل سائر الصحابة بل اقتصروا على ما فيه من فضائل علي و كلما زاد حديثا ظنوا أن القائل ذلك هو احمد بن حنبل فإنهم لا يعرفون الرجال و طبقاتهم و أن شيوخ القطيعي يمتنع أن يروي احمد عنهم شيئا ثم انهم لفرط جهلهم ما سمعوا كتابا إلا المسند فلما ظنوا أن احمد رواه و انه إنما يروي في المسند صاروا يقولون لما رواه القطيعي رواه احمد في المسند هذا أن لم يزيدوا على القطيعي ما لم يروه فإن الكذب عندهم غير مأمون و لهذا يعزو صاحب الطرائف و صاحب العمدة أحاديث يعزوها إلى احمد لم يروها احمد لا في هذا و لا في هذا و لا سمعها أحد

 

 

قط و احسن حال هؤلاء أن تكون تلك مما رواه القطيعي و ما رواه القطيعي فيه من الموضوعات القبيحة الوضع ما لا يخفى على عالم و نقل هذا الرافضي من جنس صاحب كتاب العمدة و الطرائف فما ادري نقل منه أو عمن ينقل عنه و إلا فمن له بالنقل أدنى معرفة يستحي ان يعزو مثل هذا الحديث إلى مسند احمد و الصحيحين والصحيحان و المسند نسخهما ملء الأرض و ليس هذا في شيء منها و هذا الحديث لم يرو في شيء من كتب العلم المعتمدة أصلا و إنما يروي مثل هذا من يحطب بالليل كالثعلبي و أمثاله الذين يروون الغث و السمين بلا تمييز.

الوجه الثاني: أن هذا الحديث كذب موضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث و هم المرجوع إليهم في هذا و هذا لا يوجد في شيء من كتب الحديث التي يرجع إليها.

الوجه الثالث: أن هذه الأيه في (سورة الشورى). و هي مكية باتفاق أهل السنة بل جميع آل حم مكيات و كذلك آل طس و من المعلوم أن عليا إنما تزوج فاطمة بالمدينة بعد غزوة بدر و الحسن ولد في السنة الثالثة من الهجرة و الحسين في السنة الرابعة فتكون هذه الآية قد نزلت قبل وجود الحسن و الحسين بسنين متعددة فكيف يفسر النبي صلى الله عليه و سلم الآية بوجوب مودة قرابة لا تعرف و لم تخلق بعد.

 

الوجه الرابع: ان تفسير الآية الذي في الصحيحين عن ابن عباس يناقض ذلك ففي الصحيحين عن سعيد بن جبير قال سئل ابن عباس عن قوله تعالى قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى فقلت أن لا تؤذوا محمدا في قرابته فقال ابن عباس عجلت انه لم يكن بطن من قريش إلا لرسول الله صلى الله عليه و سلم فيهم قرابة فقال لا أسألكم عليه أجرا لكن أسألكم ان تصلوا القرابة التي بيني و بينكم فهذا ابن عباس ترجمان القران و اعلم أهل البيت بعد علي يقول ليس معناها مودة ذوي القربى لكن معناها لا أسألكم يا معشر العرب و يا معشر قريش عليه أجرا لكن أسألكم ان تصلوا القرابة التي بيني و بينكم فهو سأل الناس الذين أرسل إليهم أولا ان يصلوا رحمه فلا يعتدوا عليه حتى يبلغ رسالة ربه.

الوجه الخامس: انه قال لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى لم يقل إلا المودة في للقربى و لا المودة لذوي القربى فلو أراد المودة لذوي القربى لقال المودة لذوى القربى كما قال و اعلموا إنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه و للرسول و لذوي القربى و قال ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله و للرسول و لذي القربى وكذلك قوله فآت ذا القربى حقه و المسكين و ابن السبيل و قوله و أتى المال على حبه ذوي القربى و هكذا في غير موضع فجميع ما في القران من التوصية بحقوق ذوي قربى النبي صلى الله عليه و سلم و ذوي قربى الإنسان إنما قيل فيها ذوي القربى لم يقل في القربى فلما ذكر هنا المصدر دون الاسم دل على انه لم يرد ذوي القربى.

الوجه السادس: انه لو أريد المودة لهم لقال المودة لذوي القربى و لم يقل في القربى فإنه لا يقول من طلب المودة لغيره أسألك المودة في فلان و لا في قربى فلان و لكن أسألك المودة لفلان و المحبة لفلان فلما قال المودة في القربى علم انه ليس المراد لذوي القربى.

 

الوجه السابع: ان يقال إن النبي صلى الله عليه و سلم لا يسأل على تبليغ رسالة ربه أجرا ألبته بل أجره على الله كما قال قل ما أسألكم عليه من أجر و ما انا من المتكلفين و قوله أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون و قوله قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله و لكن الاستثناء هنا منقطع كما قال قل ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء ان يتخذ إلى ربه سبيلا ولا ريب ان محبة أهل بيت النبي صلى الله عليه و سلم واجبة لكن لم يثبت وجوبها بهذه الآية و لا محبتهم أجر للنبي صلى الله عليه و سلم بل هو مما أمرنا الله به كما أمرنا بسائر العبادات و في الصحيح عنه انه خطب أصحابه بغدير يدعى خما بين مكة و المدينة فقال أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي و في السنن عنه انه قال و الذي نفسي بيده لا يدخلون الجنة حتى يحبوكم لله و لقرابتي فمن جعلمحبة أهل بيته أجرا له يوفيه إياه فقد اخطأ خطأ عظيما و لو كان أجرا له لم نثب عليه نحن لانا أعطيناه أجره الذي يستحقه بالرسالة فهل يقول مسلم مثل هذا.

الوجه الثامن: ان القربى معرفة باللام فلا بد ان يكون معروفا عند المخاطبين الذين أمر ان يقول لهم قل لا أسألكم عليه أجرا و قد ذكرنا أنها لما نزلت لم يكن قد خلق الحسن و لا الحسين و لا تزوج علي بفاطمة فالقربى التي كان المخاطبون يعرفونها يمتنع ان تكون هذه بخلاف القربى التي بينه و بينهم فإنها معروفة عندهم كما تقول لا أسألك إلا المودة في الرحم التي بيننا و كما تقول لا أسألك إلا العدل بيننا و بينكم و لا أسألك إلا ان تتقي الله في هذا الأمر.

 

الوجه التاسع: أنا نسلم أن عليا تجب مودته و موالاته بدون الاستدلال بهذه الآية لكن ليس في وجوب موالاته و مودته ما يوجب اختصاصه بالامامة ولا الفضيله بالفضيلة و أما قوله و الثلاثة لا تجب موالاتهم فممنوع بل يجب أيضا مودتهم و موالاتهم فإنه قد ثبت ان الله يحبهم و من كان الله يحبه وجب علينا ان نحبه فإن الحب في الله و البغض في الله واجب و هو أوثق عرى الإيمان و كذلك هم من أكابر أولياء الله المتقين و قد أوجب الله موالاتهم بل قد ثبت ان الله رضي عنهم و رضوا عنه بنص القران وكل من رضي الله عنه فانه يحبه و الله يحب المتقين والمحسنين والمقسطين و الصابرين و هؤلاء أفضل من دخل في هذه النصوص من هذه الأمة بعد نبيها و في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال مثل المؤمنين في توادهم و تراحمهم و تعاطفهم كمثل الجسد الواحد ان اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى و السهر فهو اخبرنا المؤمنين يتوادون و يتعاطفون و يتراحمون و انهم في ذلك كالجسد ال و هؤلاء قد ثبت إيمانهم بالنصوص و الإجماع كما قد ثبت إيمان علي و لا يمكن من قدح في إيمانهم يثبت إيمان علي بل كل طريق دل

 

على إيمان علي فإنها على إيمانهم أدل و الطريق التي يقدح بها فيهم يجاب عنها كما يجاب عن القدح في علي و أولى فان الرافضي الذي يقدح فيهم و يتعصب لعلي فهو منقطع الحجة كاليهود و النصارى الذين يريدون إثبات نبوة موسى و عيسى و القدح في نبوة محمد صلى الله عليه و سلم و لهذا لا يمكن الرافضي أن يقيم الحجة على النواصب الذين يبغضون عليا أو يقدحون في إيمانه من الخوارج و غيرهم فإنهم إذا قالوا له بأي شيء علمت ان عليا مؤمن أو ولي لله تعالى فان قال بالنقل المتواتر بإسلامه و حسناته قيل له هذا النقل موجود في أبي بكر و عمر و عثمان و غيرهم من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم بل النقل المتواتر بحسنات هؤلاء السليمة عن المعارض اعظم من النقل المتواتر في مثل ذلك لعلي وإن قال بالقران الدال على إيمان علي قيل له القران إنما دل بأسماء عامة كقوله لقد رضي الله عن المؤمنين و نحو ذلك و أنت تخرج من ذلك أكابر الصحابة فإخراج واحد ان اسهل و قال بالأحاديث الدالة على فضائله أو نزول القران فيه قيل أحاديث أولئك أكثر و اصح و قد قدحت فيهم

 

 

و قيل له تلك الأحاديث التي في فضائل علي إنما رواها الصحابة الذين قدحت فيهم فان كان القدح صحيحا بطل النقل و كان النقل صحيحا بطل القدح و قال بنقل الشيعة أو تواترهم قيل له الصحابة لم يكن فيهم من الرافضة أحد و الرافضة تطعن في جميع الصحابة إلا نفرا قليلا بضعة عشر و مثل هذا قد يقال انهم قد تواطأوا على ما نقلوه فمن قدح في نقل الجمهور كيف يمكنه إثبات نقل نفر قليل و هذا مبسوط في موضعه و المقصود ان قوله و غير علي من الثلاثة لا تجب مودته كلام باطل عند الجمهور بل مودة هؤلاء أوجب عند أهل السنة من مودة علي لان وجوب المودة على مقدار الفضل فكل من كان أفضل كانت مودته اكمل وقد قال تعالى أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا قالوا يحبهم ويحببهم إلى عباده وهؤلاء أفضل من آمن وعمل صالحا من هذه الأمة بعد نبيها كما قال تعالى محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من اثر السجود إلى السورة وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم انه سئل أي الناس احب إليك قال عائشة قيل فمن الرجال قال أبوها

 

 

وفي الصحيح أن عمر قال لأبي بكر رضي الله عنهما يوم السقيفة بل أنت سيدنا وخيرنا واحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتصديق ذلك ما استفاض في الصحاح من غير وجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن مودة الإسلام فهذا يبين انه ليس في أهل الأرض أحق بمحبته ومودته من أبي بكر وما كان احب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو احب إلى الله وما كان احب إلى الله ورسوله فهو أحق ان يكون احب إلى المؤمنين الذين يحبون ما احبه الله ورسوله كما احب الله ورسوله والدلائل الدالة على انه أحق بالمودة كثيرة فضلا عن ان يقال ان المفضول تجب مودته وان الفاضل لا تجب مودته وأما قوله إن مخالفته تنافي المودة وامتثال أوامره هو مودته فيكون واجب الطاعة وهو معنى الإمامة فجوابه من وجوه أحدها ان كان المودة توجب الطاعة فقد وجبت مودة ذوى القربى فتجب طاعتهم فيجب ان تكون فاطمة أيضا إماما وان كان هذا باطلا فهذا مثله الثاني ان المودة ليست مستلزمة للإمامة في حال وجوب المودة فليس

 

 

من وجبت مودته كان إماما حينئذ بدليل ان الحسن والحسين تجب مودتهما قبل مصيرهما إمامين وعلي تجب مودته في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن إماما بل تجب وان تأخرت إمامته إلى مقتل عثمان الثالث ان وجوب المودة ان كان ملزوم الإمامة وانتفاء الملزوم يقتضي انتفاء اللازم فلا تجب المودة إلا من يكون إماما معصوما فحينئذ لا يود أحد آمن المؤمنين ولا يحبهم فلا تجب مودة أحد من المؤمنين ولا يحبهم فلا ولا محبته إذا لم يكونوا أئمة لا شيعة على ولا غيرهم وهذا خلاف الإجماع وخلاف ما علم بالاضطرار من دين الإسلام الرابع ان قوله والمخالفة تنافى المودة يقال متى كان ذلك واجب الطاعة أو مطلقا الثاني ممنوع و إلا لكان من أوجب على غيره شيئا لم يوجبه الله عليه أن خالفه فلا يكون محبا له فلا يكون مؤمن محبا لمؤمن حتى يعتقد وجوب طاعته وهذا معلوم الفسادأما و الأول فيقال إذا لم تكن المخالفة قادحة في المودة إلا إذا كان واجب الطاعة فحينئذ يجب ان يعلم أولا وجوب الطاعة حتى تكون مخالفته قادحة في مودته فإذا ثبت وجوب الطاعة بمجرد وجوب المودة

 

 

باطلا وكان ذلك دورا ممتنعا فانه لا يعلم ان المخالفة تقدح في المودة حتى يعلم وجوب الطاعة ولا يعلم وجوب الطاعة إلا إذا علم انه إمام ولا يعلم انه إمام حتى يعلم ان مخالفته تقدح في مودته الخامس ان يقال المخالفة تقدح في المودة إذا أمر بطاعته أم لم يؤمروالثاني منتف ضرورة وأما الأول فإنا نعلم ان عليا لم يأمر الناس بطاعته في خلافة أبي بكر ان وعثمان السادس يقال هذا بعينه يقال في حق أبي بكر وعمر وعثمان فان مودتهم ومحبتهم وموالاتهم واجبة كما تقدم ومخالفتهم تقدح في ذلك السابع الترجيح من هذا الحديث لان القوم دعوا الناس إلى ولايتهم وطاعتهم وادعوا الإمامة والله أوجب طاعتهم فمخالفتهم تقدح في مودتهم بل تقدح في محبة الله ورسوله ولا ريب ان الذي ابتدع الرفض لم يكن محبا لله ولرسوله بل كان عدوا لله وهؤلاء القوم مع أهل السنة بمنزلة النصارى مع المسلمين فالنصارى يجعلون المسيح إلها و يجعلون إبراهيم و موسى و محمدا اقل من الحواريين الذين كانوا مع عيسى و هؤلاء يجعلون عليا هو الإمام المعصوم أو هو النبي أو اله و الخلفاء الأربعةاقل من مثل الاشتر النخعي و أمثاله الذين قاتلوا معه و لهذا كان جهلهم و ظلمهم اعظم من ان يوصف و يتمسكون بالمنقولات المكذوبة و الألفاظ المتشابهة و الاقيسة الفاسدة و يدعون المنقولات الصادقة بل المتواترة و النصوص البينة و المعقولات الصريحة.

*

فصل قال الرافضي البرهان الثامن قوله تعالى و من الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله قال الثعلبي ان رسول الله صلى الله عليه و سلم لما أراد الهجرة خلف علي بن أبي طالب لقضاء ديونه و رد الودائع التي كانت عنده و أمره ليلة خرج إلى الغار و قد أحاط المشركون بالدار ان ينام على فراشه فقال له يا علي اتشح ببردي الحضرمي الأخضر و نم على فراشي فانه لا يخلص إليك منهم مكروه ان شاء الله

 

تعالى ففعل ذلك فأوحى الله تعالى إلى جبريل و ميكائيل أنى قد آخيت بينكما و جعلت عمر أحدكما أطول من عمر الآخر فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة فاختاره كلامهماالحياه فأوحى الله إليها إلا كنتما مثل علي بن أبي طالب آخيت بينه و بين محمد عليه الصلاة و السلام فبات على فراشه يفديه بنفسه و يؤثره بالحياة اهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوه فنزلا فكان جبريل عند رأسه و ميكائيل عند رجليه فقال جبريل بخ بخ من مثلك يا ابن أبي طالب يباهي الله بك الملائكة فأنزل الله عز و جل على رسوله صلى الله عليه و سلم و هو متوجه إلى المدينة في شان علي و من الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله و قال ابن عباس إنما نزلت في علي لما هرب النبي صلى الله عليه و سلم من المشركين إلى الغار و هذهفضيلة لم تحصل لغيره تدل على أفضلية علي على جميع الصحابة فيكون هو الإمام.

*الجواب من وجوه...

أحدها: المطالبة بصحة هذا النقل و مجرد نقل الثعلبي و أمثاله لذلك بل روايتهم ليس بحجة باتفاق طوائف أهل السنة و الشيعة لان هذا مرسل متأجر و لم يذكر إسناده و في نقله من هذا الجنس للإسرائيليات و الأسلاميات أمور أنها يعلم باطلة و أن كان هو لم يتعمد الكذب.

ثانيها: ان هذا الذي نقله من هذا الوجه كذب باتفاق أهل العلم بالحديث و السيرة و المرجع إليهم في هذا الباب.

الثالث: ان النبي صلى الله عليه و سلم لما هاجر هو و أبو بكر إلى المدينة لم يكن للقوم غرض في طلب علي و إنما كان مطلوبهم النبي صلى الله عليه و سلم و أبا بكر و جعلوا في كل واحد منهما ديته لمن جاء به كما ثبت ذلك في الصحيح الذي لا يستريب أهل العلم في صحته و ترك عليا في

 

فراشه ليظنوا ان النبي صلى الله عليه و سلم في البيت فلا يطلبوه فلما اصبحوا وجدوا عليا فظهرت خيبتهم و لم يؤذوا عليا بل سألوه عن النبي صلى الله عليه و سلم فاخبرهم انه لا علم له به و لم يكن هناك خوف على علي من أحد و إنما كان الخوف على النبي صلى الله عليه و سلم و صديقه و لو كان لهم في علي غرض لتعرضوا له لما وجدوه فلما لم يتعرضوا له دل على انهم لا غرض لهم فيه فأرى فداء هنا بالنفس و الذي كان يفديه بنفسه بلا ريب و يقصد ان يدفع بنفسه عنه و يكون الضرر به دونه هو أبو بكر كان يذكر الطلبة فيكون خلفه و يذكر الرصد فيكون إمامه وكان يذهب فيكشف له الخبر وإذا كان هناك ما يخاف احب أن يكون به لا بالنبي صلى الله عليه وسلم و غير واحد من الصحابة قد فداه بنفسه في مواطن الحروب فمنهم من قتل بين يديه و منهم من شلت يده كطلحة بن عبد الله و هذا واجب على المؤمنين كلهم فلو قدر انه كان هناك فداء بالنفس لكان هذا من الفضائل المشتركة بينه و بين غيره من الصحابة فكيف إذا لم يكن هناك خوف على علي قال ابن إسحاق في السيرة مع انه من المتولين لعلي المائلين إليه وذكر خروج النبي صلى الله عليه وسلم من منزله واستخلاف علي على فراشه ليلة مكر الكفار به قال فأتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم

 

 

فقال له لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه قال فلما كانت عتمة الليل اجتمعوا على بابه يرصدونه متى ينام فيثبون عليه فلما رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم مقامهم قال لعلي نم على فراشي و اتشح ببردي هذا الحضرمي الأخضر فنم فيه فإنه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم و عن محمد بن كعب القرظي قال لما اجتمعوا له و فيهم أبو جهل فقال و هم على بابه أن محمدا يزعم أنكم أن تابعتموه على أمره كنتم ملوك العرب و العجم ثم بعثتم من بعد موتكم فجعلت لكم جنات كجنات الأردن و أن لم تفعلوا كان له فيكم ذبح ثم بعثتم من بعد موتكم فجعلت لكم نار تحرقون فيها قال وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم فاخذ حفنةمن تراب في يده ثم قال نعم أنا أقول ذلك أنت أحدهم و اخذ الله على أبصارهم عنه فلا يرونه و لم يبق منهم رجلا إلا وضع على رأسه ترأبا ثم انصرف إلى حيث أراد أن يذهب فاتاهم آت ممن لم يكن معهم فقال ما تنتظرون هاهنا قالوا محمدا قال خيبكم الله قد و الله خرج عليكم محمد ثم ما ترك منكم رجلا إلا و قد وضع على رأسه ترأبا و انطلق لحاجته افما ترون ما بكم قال فوضع كل رجل منهم يده على رأسه فإذا عليه تراب ثم جعلوا يطلعون فيرون عليا على الفراش مسجى ببرد رسول الله صلى الله عليه و سلم فيقولون و الله أن هذا لمحمد نائما عليه بردة فلم يبرحوا كذلك حتى اصبحوا فقام علي عن الفراش فقالوا و الله لقد كان صدقنا الذي كان حدثنا و كان مما انزل الله من القران ذلك اليوم و إذ يمكر بك الذين كفروا

 

 

ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك و يمكرون و يمكر الله و الله خير الماكرين و قوله أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون و أذن الله لنبيه في الهجرة عند ذلك فهذا يبين أن القوم لم يكن لهم غرض في علي أصلا و أيضا فان النبي صلى الله عليه و سلم قد قال اتشح ببردي هذا الأخضر فنم فيه فانه لن يخلص إليك منهم رجل بشيء تكرهه فوعده و هو الصادق انه لا يخلص إليه مكروه و كان طمأنينته بوعد الرسول صلى الله عليه و سلم.

الرابع: أن هذا الحديث فيه من الدلائل على كذبه ما لا يخفى فان الملائكة لا يقال فيهم مثل هذا الباطل الذي لا يليق بهم و ليس أحدهما جائعا فيؤثره الآخر بالطعام و لا هناك خوف فيؤثر أحدهما صاحبه بالآمن فكيف يقول الله لهما أيكما يؤثر صاحبه بالحياة و لا للمؤاخاة بين الملائكة اصل بل جبريل له عمل يختص به دون ميكائيل و ميكائيل له عمل يختص به دون جبريل كما جاء في الآثار أن الوحي و النصر لجبريل و أن الرزق و المطر لميكائيلثم أن كان الله قضى بان عمر أحدهما أطول من الآخر فهو ما قضاه وان قضاه لواحد واراد منهما أن يتفقا على تعيين الأطول أو يؤثر به أحدهما الآخر و هما راضيان بذلك فلا كلام و أما أن كانا يكرهان ذلك فكيف يليق بحكمة الله و رحمته أن يحرش بينهما و يلقي بينهما العداوة و لو كان ذلك حقا تعالى الله عن ذلك ثم هذا القدر لو وقع مع انه باطل فكيف تأخر من حين خلقهما الله قبل آدم إلى حين الهجرة و إنما كان يكون ذلك لو كان عقب خلقهما.

الخامس: أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يؤاخ عليا و لا غيره بل كل ما روي في هذا فهو كذب و حديث المؤاخاة الذي يروى في ذلك مع ضعفه و بطلانه إنما فيه مؤاخاته له في المدينة هكذا رواه الترمذي فأما بمكة فمؤاخاته له باطلة على التقديرين وأيضا فقد عرف انه لم يكن فداء بالنفس و لا إيثار بالحياة باتفاق علماء النقل.

 

السادس: أن هبوط جبريل و ميكائيل لحفظ واحد من الناس من اعظم المنكرات فان الله يحفظ من شاء من خلقه دون هذا و إنما روي هبوطهما يوم بدر للقتال و في مثل تلك الأمور العظام و لو نزلا لحفظ واحد من الناس النزلا لحفظ النبي صلى الله عليه و سلم و صديقه اللذين كان الأعداء يطلبانهما من كل وجه و قد بذلوا في كل واحد منهما ديته و هم عليهما غلاظ شداد سود الكباد.

السابع: أن هذه الآية في (سورة البقرة). و هي مدنية بلا خلاف و إنما نزلت بعد هجرة النبي صلى الله عليه و سلم إلى المدينة لم تنزل وقت هجرته و قد قيل أنها نزلت لما هاجر صهيب و طلبه المشركون فأعطاهم ماله و أتى المدينة فقال النبي صلى الله عليه و سلم ربح البيع أبا يحيى و هذه القصة مشهورة في التفسير نقلها غير واحد و هذا ممكن فان صهيبا هاجر من مكة إلى المدينة قال ابن جرير اختلف أهل التأويل فيمن نزلت هذه الآية فيه و من عني بهافقال بعضهم نزلت في المهاجرين و الأنصار و عني بها المجاهدون في سبيل الله و ذكر بإسناده هذا القول و عن قتادة وقال بعضهم نزلت في قوم بأعيانها وروى عن القاسم قال حدثنا الحسين حدثنا حجاج حدثنا ابن جريح عن عكرمة قال نزلت في صهيب و أبي ذر جندب اخذ أهل أبي ذر أبا ذر فانفلت منهم فقدم على النبي صلى الله عليه و سلم فلما رجع مهاجرا عرضوا له و كانوا بمر الطهران فانفلت أيضا حتى قدم عليه و أما صهيب فاخذ أهله فافتدى منهم بماله ثم خرج مهاجرا فأدركه قنفذ بن عمير بن جدعان

 

فخرج له مما بقي من ماله فخلى سبيله و قال آخرون عني بذلك كل شار نفسه في طاعة الله و جهاد في سبيل الله و أمر بمعروف و نسب هذا القول إلى عمر بل و ابن عباس و أن صهيبا كان سبب النزول.

الثامن: أن لفظ الآية مطلق ليس فيه تخصيص فكل من باع نفسه ابتغاء مرضات الله فقد دخل فيها و أحق من دخل فيها النبي و صديقه فانهما شريا نفسهما ابتغاء مرضات الله و هاجرا في سبيل الله و العدو يطلبهما من كل وجه.

التاسع :أن قوله هذه فضيلة لم تحصل لغيره فدل على أفضليته فيكون هو الإمام فيقال لا ريب أن الفضيلة التي حصلت لأبي بكر قي الهجرة لم تحصل لغيره من الصحابة بالكتاب و السنة و الإجماع فتكون هذه الأفضلية ثابتة له دون عمر و عثمان و علي و غيرهم من الصحابة فيكون هو الإمام فهذا هو الدليل الصدق الذي لا كذب فيه يقول الله إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن أن الله معنا و مثل هذه الفضيلة لم تحصل لغير أبي بكر قطعا بخلاف الوقاية بالنفس فإنها لو كانت صحيحة فغير واحد من الصحابة وقى النبي صلى الله عليه و سلم بنفسه و هذا واجب على كل مؤمن ليس من الفضائل المختصة بالأكابر من الصحابة و الأفضلية إنما تثبت بالخصائص لا بالمشتركات يبين ذلك انه لم ينقل أحد أن عليا أوذي في مبيته على فراش النبي و قد أوذي غيره في وقايتهم النبي صلى الله عليه و سلم تارة بالضرب و تارة بالجرح و تارة بالقتل فمن فداه و أوذي اعظم ممن فداه و لم يؤذ و قد قال العلماء ما صح لعلي من الفضائل فهي مشتركة شاركه فيها غيره بخلاف الصديق فان كثيرا من فضائله و أكثرها خصائص له لا يشركه فيها غيره و هذا مبسوط في موضعه.

 

*

فصل قال الرافضي البرهان التاسع قوله تعالى فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا و أبناءكم ونساءنا ونساءكم و أنفسنا و أنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين نقل الجمهور كافة أن أبناءنا إشارة إلى الحسن والحسين ونساءنا إشارة إلى فاطمة و أنفسنا إشارة إلى على وهذه الآية دليل على ثبوت الإمامة لعلى لأنه تعالى قد جعل نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم والاتحاد محال فيبقى المراد بالمساواة له الولاية وأيضا لو كان غير هؤلاء مساويا لهم وأفضل منهم في استجابة الدعاء لأمره تعالى بأخذهم معه لأنه في موضع الحاجة وإذا كانوا هم الأفضل تعينت الإمامة فيهم وهل تخفى دلالة هذه الآية على المطلوب إلا على من استحوذ الشيطان عليه واخذ بمجامع قلبه وحببت إليه الدنيا التي لا ينالها إلا بمنع أهل الحق من حقهم.

*والجواب أن يقال أما أخذه عليا وفاطمة والحسن والحسين في المباهلة فحديث صحيح رواه مسلم عن سعد بن أبي وقاص قال في حديث طويل لما نزلت هذه الآية فقل تعالوا ندع أبناءنا و أبناءكم ونساءنا ونساءكم و أنفسنا و أنفسكم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال اللهم هؤلاء أهل ولكن لا دلالة في ذلك على الإمامة و لا على الأفضلية.

وقوله قد جعله الله نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم والاتحاد محال فبقى المساواة له وله الولاية العامة فكذا المساوية قلنا لا نسلم انه لم يبق إلا المساواة ولا دليل على ذلك، بل حمله على ذلك ممتنع لان أحدا لا يساوي رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عليا ولا غيره

 

وهذا اللفظ في لغة العرب لا يقتضي المساواة قال تعالى في قصة الإفك لولا إذا سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا ولم يوجب ذلك أن يكون المؤمنون والمؤمنات متساوين وقد قال الله تعالى في قصة بني إسرائيل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم أي يقتل بعضكم بعضا ولم يوجب ذلك أن يكونوا متساوين ولا أن يكون من عبد العجل مساويا لمن لم يعبده وكذلك قد قيل في قوله ولا تقتلوا أنفسكم أي لا يقتل بعضكم بعضا وان كانوا غير متساوين وقال تعالى ولا تلمزوا أنفسكم أي لا يلمز بعضكم بعضا فيطعن عليه ويعيبه وهذا نهي لجميع المؤمنين أن لا يفعل بعضهم ببعض هذا الطعن و العيب مع انهم غير متساوين لا في الأحكام ولا في الفضيلة ولا الظالم كالمظلوم ولا الإمام كالمأموم ومن هذا الباب قوله تعالى ثم انتم هؤلاء تقتلون وأنفسكم أي يقتل بعضكم بعضا وإذا كان اللفظ وأنفسنا كأنفسكم كاللفظ في قوله ولا تلمزوا أنفسكم وقوله تعالى لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا ونحو ذلك مع أن التساوي هنا ليس بواجب بل ممتنع فكذلك هناك واشد بل هذا اللفظ يدل على المجانسة والمشابهة والتجانس والمشابهة يكون بالاشتراك

 

في بعض الأمور كالاشتراك في الإيمان فالمؤمنون اخوة في الإيمان وهو المراد بقوله لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا، وقوله ولا تلمزوا أنفسكم، وقد يكون الاشتراك في الدين وان كان فيهم المنافق كاشتراك المسلمين في الإسلام الظاهر، وان كان مع ذلك الاشتراك في النسب فهو أوكد وقوم موسى كانوا أنفسنا بهذا الاعتبار قوله تعالى تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم، أي رجالنا ورجالكم أي الرجال الذين هم من جنسنا في الدين والنسب والرجال الذين هم من جنسكم، أو المراد التجانس في القرابة فقط لأنه قال أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم، فذكر الأولاد وذكر والنساء والرجال فعلم انه أراد الأقربين إلينا من الذكور والإناث من الأولاد والعصبة. ولهذا دعا الحسن والحسين من الأبناء ودعا فاطمة من النساء ودعا عليا من رجاله ولم يكن عنده أحد أقرب إليه نسبا من هؤلاء وهم الذين أدار عليهم الكساء والمباهلة إنما تحصل بالأقربين إليه و إلا فلو بأهلهم بالابعدين في

 

النسب وان كانوا أفضل عند الله لم يحصل المقصود فان المراد انهم يدعون الأقربين كما يدعوا هو الأقرب إليه والنفوس تحنوا على أقاربها مالا تحنوا على غيرهم. وكانوا يعلمون انه رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعلمون انهم أن باهلوه نزلت البهلة عليهم وعلى أقاربهم واجتمع خوفهم على أنفسهم وعلى أقاربهم فكان ذلك أبلغ في امتناعهم، و إلا فالإنسان قد يختار أن يهلك ويحيا ابنه والشيخ الكبير قد يختار الموت إذا بقى أقاربه في نعمة ومال وهذا موجود كثير فطلب منهم المباهلة بالأبناء والنساء والرجال والأقربين من الجانبين فلهذا دعا هؤلاء.

وآية المباهلة نزلت سنة عشر لما قدم وفد نجران ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم قد بقي من أعمامه إلا العباس والعباس لم يكن من السابقين الأولين ولا كان له به اختصاص كعلي و أما بنو عمه فلم يكن فيهم مثل علي وكان جعفر قد قتل قبل ذلك. فان المباهلة كانت لما قدم وفد نجران سنة تسع أو عشر وجعفر قتل بمؤتة سنة ثمان فتعين علي رضي الله عنه وكونه تعين للمباهلة إذ ليس في الأقارب من يقوم مقامه لا يوجب أن يكون مساويا للنبي صلى الله عليه وسلم في شيء من الأشياء بل ولا أن يكون أفضل من سائر الصحابة مطلقا بل له بالمباهلة نوع فضيلة

 

وهي مشتركة بينه وبين فاطمة وحسن وحسين ليست من خصائص الإمامة، فان خصائص الإمامة لا تثبت للنساء ولا يقتضي أن يكون من بأهل به أفضل من جميع الصحابة، كما لم يوجب أن تكون فاطمة وحسن وحسين أفضل من جميع الصحابة.

و أما قول الرافضي لو كان غير هؤلاء مساويا لهم أو أفضل منهم في استجابة الدعاء لأمره تعالى بأخذهم معه لأنه في موضع الحاجة. فيقال في الجواب لم يكن المقصود إجابة الدعاء فان دعاء النبي صلى الله عليه وسلم وحده كاف ولو كان المراد بمن يدعوه معه أن يستجاب دعاؤه لدعا المؤمنين كلهم ودعا بهم كما كان يستسقى بهم وكما كان يستفتح بصعاليك المهاجرين وكان يقول وهل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم بدعائهم وصلاتهم و إخلاصهم ومن المعلوم أن هؤلاء وان كانوا مجابين فكثرة الدعاء ابلغ في الإجابة لكن لم يكن المقصود دعوة من دعاه لإجابة دعائه بل لأجل المقابلة بين الأهل والأهل ونحن نعلم بالاضطرار أن النبي صلى الله عليه

 

وسلم لو دعا أبا بكر وعمر وعثمان و طلحة و الزبير وابن مسعود وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وغيرهم للمباهلة لكانوا من اعظم الناس استجابة لأمره وكان دعاء هؤلاء وغيرهم ابلغ في إجابة الدعاء، لكن لم يأمره الله سبحانه بأخذهم معه لان ذلك لا يحصل به المقصود فان المقصود أن أولئك يأتون بمن يشفقون عليه طبعا كأبنائهم ونسائهم ورجالهم الذين هم أقرب الناس إليهم.

فلو دعا النبي صلى الله عليه وسلم قوما أجانب لأتى أولئك بأجانب ولم يكن يشتد عليه نزول البهلة بأولئك الأجانب كما يشتد عليهم نزولها بالأقربين إليهم، فان طبع البشر يخاف على أقربيه مالا يخاف على الأجانب فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعوا قرابته وأن يدعوا أولئك قرابتهم و الناس عند المقابلة تقوا كل طائفة للأخرى ارهنوا عندنا أبناءكم و نساءكم فلو رهنت إحدى الطائفتين أجنبيا لم يرض أولئك كما أنه لو دعا النبيي الأجانب لم يرض أولئك المقابلون له و لا يلزم أن يكون أهل الرجل أفضل عند الله إذا قابل بهم لمن يقابله بأهله.

فقد تبين أن الآية لا دلالة فيها أصلا على مطلوب الرافضي لكنه و أمثاله ممن في قلبه زيغ كالنصارى الذين يتعلقون بالألفاظ المجملة و يدعون النصوص الصريحة ثم قدحه في خيار الأمة بزعمه الكاذب

 

حيث زعم أن المراد بالأنفس المساوون و هو خلاف المستعمل في لغة العرب و مما يبين ذلك أن قوله نساءنا لا يختص بفاطمة بل من دعاه من بناته كانت بمنزلتها في ذلك لكن لم يكن عنده إذ ذاك إلا فاطمة فإن رقية و أم كلثوم و زينب كن قد توفين قبل ذلك. فكذلك أنفسنا ليس مختصا بعلي بل هذه صيغة جمع كما انه صيغة جمع، و كذلك أبناءنا صيغة جمع و إنما دعا حسنا و حسينا لأنه لم يكن ممن ينسب إليه بالبنوة سواهما فان إبراهيم أن كان موجودا إذ ذاك فهو طفل لا يدعى فان إبراهيم هو ابن مارية القبطية التي أهداها له المقوقس صاحب مصر و أهدى له البغلة و مارية و سيرين فأعطى سيرين لحسان بن ثابت و تسرى مارية فولدت له إبراهيم و عاش بضعة عشر شهرا و مات فقال النبي صلى الله عليه و سلم أن له مرضعا في الجنة تتم إرضاعه. و كان إهداء المقوقس بعد الحديبية بل بعد حنين.

*

فصل قال الرافضي البرهان العاشر قوله تعالى فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه روى الفقيه ابن المغازلي الشافعي بإسناده عن ابن عباس قال سئل النبي صلى الله عليه و سلم عن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه قال سأله بحق محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين أن يتوب عليه فتاب عليه و هذه فضيلة لم يلحقه أحد من الصحابة فيها فيكون هو الإمام لمساواته النبي صلى الله عليه و سلم في التوسل به إلى الله تعالى.

و الجواب من وجوه...

أحدها: المطالبة بصحة هذا النقل فقد عرف أن مجرد رواية ابن المغازلي لا يسوغ الاحتجاج بها باتفاق أهل العلم.

 

الثاني: أن هذا الحديث كذب موضوع باتفاق أهل العلم و ذكره أبو الفرج بن الجوزي في الموضوعات عن طريق الدار قطني فان له كتبا في الأفراد و الغرائب قال الدار قطني تفرد به عمرو بن ثابت عن أبيه عن أبي المقدام لم يروه عنه غير حسن الأشقر قال يحيى بن معين عمرو بن ثابت ليس ثقة و لا مأمونا و قال ابن حبان يروي الموضوعات عن الأثبات.

الثالث: إن الكلمات التي تلقاها آدم قد جاءت مفسرة في قوله تعالى ربنا ظلمنا أنفسنا و أن لم تغفر لنا و ترحمنا لنكونن من الخاسرين وقد روي عن السلف هذا و ما يشبهه و ليس في شيء من النقل الثابت عنهم ما ذكره من القسم.

الرابع: انه معلوم بالاضطرار أن من هو دون آدم من الكفار و الفساق إذا تاب أحدهم إلى الله تاب الله عليه و أن لم يقسم عليه بأحد فكيف يحتاج آدم في توبته إلى ما لا يحتاج إليه أحد من المذنبين لا مؤمن و لا كافر و طائفة قد رووا انه توسل بالنبي صلى الله عليه و سلم حتى قبل توبته و هذا كذب و روي عن مالك في ذلك حكاية في خطابه للمنصور و هو كذب على مالك و إن كان ذكرها القاضي عياض في الشفا

 

الخامس: أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يأمر أحدا بالتوبة بمثل هذا الدعاء بل و لا أمر أحدا بمثل هذا الدعاء في توبة و لا غيرها بل و لا شرع لامته أن يقسموا على الله بمخلوق و لو كان هذا الدعاء مشروعا لشرعه لامته.

السادس: أن الأقسام على الله بالملائكة و الأنبياء أمر لم يرد به كتاب و لا سنة بل قد نص غير واحد من أهل العلم كأبي حنيفة و أبي يوسف و غيرهما على انه لا يجوز أن يقسم على الله بمخلوق و قد بسطنا الكلام على ذلك.

السابع: أن هذا لو كان مشروعا فآدم نبي كريم كيف يقسم على الله بمن هو اكرم عليه منه و لا ريب أن نبينا صلى الله عليه و سلم أفضل من آدم لكن آدم أفضل من علي و فاطمة وحسن و حسين.

الثامن: أن يقال هذه ليست من خصائص الأئمة فأنها قد ثبتت لفاطمة و خصائص الأئمة لا تثبت للنساء و ما لم يكن من خصائصهم لم يستلزم الإمأمةفان دليل الإمأمةلا بد أن يكون ملزوما لها يلزم من وجوده استحقاقها فلو كان هذا دليلا على الإمأمة لكان من يتصف به يستحقها و المرأة لا تكون إماما بالنص و الإجماع.

 

*

فصل قال الرافضي البرهان الحادي عشر قوله تعالى إني جاعلك للناس إماما و من ذريتي روى الفقيه ابن المغازلي الشافعي عن ابن مسعود قال قال النبي صلى الله عليه و سلم انتهت الدعوة إلى و إلى علي لم يسجد أحدنا لصنم قط فاتخذني نبيا و اتخذ عليا وصيا و هذا نص في الباب.

*و الجواب من وجوه...

أحدها: المطالبة بصحة هذا كما تقدم.

الثاني: أن هذا الحديث كذب موضوع بإجماع أهل العلم بالحديث.

الثالث: أن قوله انتهت الدعوة إلينا كلام لا يجوز أن ينسب إلى النبي صلى الله عليه و سلم فانه إن أريد أنها لم تصب من قبلنا كان ممتنعا لأن الأنبياء من ذرية إبراهيم دخلوا في الدعوة قال تعالى و وهبنا له اسحق و يعقوب نافلة و كلا جعلنا صالحين و جعلناهم أئمة يهدون بأمرنا و أوحينا إليهم فعل الخيرات و أقام الصلاة و إيتاء الزكاة و قال تعالى و آتينا موسى الكتاب و جعلناه هدى لبني إسرائيل و قال عن بني إسرائيل و جعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا و كانوا بآياتنا يوقنون

 

و قال نريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض و نجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين و نمكن لهم في الأرض فهذه عدة نصوص من القران في جعل الله أئمة من ذرية إبراهيم قبل امتنا و إن أريد انتهت الدعوة إلينا انه لا إمام بعدنا لزم أن إلا يكون الحسن و الحسين و لا غيرهما أئمة و هو باطل بالإجماع ثم التعليل بكونه لم يسجد لصنم هو علة موجودة في سائر المسلمين بعدهم.

الوجه الرابع: أن كون الشخص لم يسجد لصنم فضيلة يشاركه فيها جميع من ولد على الإسلام مع أن السابقين الأولين أفضل منه فكيف يجعل المفضول مستحقا لهذه المرتبة دون الفاضل.

الخامس: انه لو قيل انه لم يسجد لصنم لأنه اسلم قبل البلوغ فلم يسجد بعد إسلامه فهكذا كل مسام و الصبي غير مكلف و إن قيل انه لم يسجد قبل إسلامه فهذا النفي غير معلوم و لا قائله ممن يوثق به و يقال ليس كل من لم يكفر أو من لم يأت بكبيرة أفضل ممن تاب عنها مطلقا بل قد يكون التائب من الكفر و الفسوق أفضل ممن لم يكفر و لم يفسق كما دل على ذلك الكتاب العزيز فان الله فضل الذين أنفقوا من فبل الفتح و قاتلوا على الذين أنفقوا من بعد و قاتلوا و أولئك كلهم اسلموا بعد الكفر و هؤلاء فيهم من ولد على الإسلام و فضل

 

السابقين الأولين على التابعين لهم بإحسان و أولئك آمنوا بعد الكفر و أكثر التابعين ولدوا على الإسلام و قد ذكر الله في القران أن لوطا آمن لإبراهيم و بعثه الله نبيا و قال شعيب قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها و ما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا و قال تعالى و قال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا و قد اخبر الله عن اخوة يوسف بما اخبر ثم نباهم بعد توبتهم و هم الأسباط الذين امرنا أن نؤمن بما أوتوا في (سورة البقرة). و آل عمران و النساء و إذا كان في هؤلاء من صار نبيا فمعلوم أن الأنبياء أفضل من غيرهم و هذا مما تنازع فيه الرافضة و غيرهم و يقولون من صدر منه ذنب لا يصير نبيا و النزاع فيمن اسلم أعظم لكن الاعتبار بما دل عليه الكتاب و السنة و الذين منعوا من هذا عمدتهم أن التائب من الذنب يكون ناقصا مذموما لا يستحق النبوة و لو صار من أعظم الناس طاعة و هذا هو الأصل الذي نوزعوا فيه و الكتاب و السنة و الإجماع يدل على بطلان قولهم فيه.

 

*

فصل قال الرافضي البرهان الثاني عشر قوله تعالى إن الذين آمنوا و عملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا روى الحافظ أبو نعيم الاصبهاني بإسناده إلى ابن عباس قال نزلت في علي و الود محبة في القلوب المؤمنة و في تفسير الثعلبي عن البراء بن عازب قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يا لعلي قل اللهم اجعل لي عندك عهدا و اجعل لي في صدور المؤمنين مودة فانزل الله إن الذين آمنوا و عملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا و لم يثبت لغيره ذلك فيكون هو الإمام.

*و الجواب من وجوه...

أحدها: انه لا بد من إقأمة الدليل على صحة المنقول إلا فالاستدلال بما لا تثبت مقدماته باطل بالاتفاق و هو من القول بلا علم و من قفو الإنسان بما ليس له به علم و من المحاجة بغير علم و العزو المذكور لا يفيد الثبوت باتفاق أهل السنة و الشيعة.

الوجه الثاني: أن هذين الحديثين من الكذب باتفاق أهل المعرفة بالحديث.

الثالث: أن قوله إن الذين آمنوا و عملوا الصالحات عام في جميع المؤمنين فلا يجوز تخصيصها بعلي بل هي متناولة لعلي و غيره و الدليل عليه أن الحسن و الحسين و غيرهما من المؤمنين الذين تعظمهم الشيعة داخلون في الآية فعلم بذلك الإجماع على عدم اختصاصها بعلي و أما قوله و لم يثبت مثل ذلك لغيره من الصحابة فممنوع كما تقدم فانهم خير القرون فالذين آمنوا و عملوا الصالحات فيهم أفضل منهم في سائر القرون و هم بالنسبة إليهم أكثر منهم في كل قرن بالنسبة إليه.

الرابع: أن الله قد اخبر انه سيجعل للذين آمنوا و عملوا الصالحات ودا و هذا وعد منه صادق و معلوم أن الله قد جعل للصحابة مودة في قلب كل مسلم لا سيما الخلفاء رضي الله عنهم لا سيما أبو بكر و عمر فان عأمةالصحابة و التابعين كانوا يودونهما و كانوا خير القرون و لم يكن كذلك علي فان كثيرا من الصحابة و التابعين كانوا يبغضونه

 

و يسبونه و يقاتلونه و أبو بكر و عمر رضي الله عنهما قد ابغضهما و سبهما الرافضة و النصيرية و الغالية و الإسماعيلية لكن معلوم أن الذين احبوا دينك أفضل و أكثر و أن الذين ابغضوهما ابعد عن الإسلام و اقل بخلاف علي فان الذين ابغضوه و قاتلوه هم خير من الذين ابغضوا أبا بكر و عمر بل شيعة عثمان الذين يحبونه و يبغضون عليا وان كانوا مبتدعين ظالمين فشيعة علي الذين يحبونه و يبغضون عثمان انقص منهم علما و دينا و أكثر جهلا و ظلما فعلم أن المودة التي جعلت للثلاثة أعظم و إذا قيل علي قد ادعيت فيه الاهية و النبوة قيل قد كفرته الخوارج كلها و أبغضته المر وانية و هؤلاء خير من الرافضة الذين يسبون أبا بكر و عمر رضي الله عنهما فضلا عن الغالية.

*

فصل: قال الرافضي البرهان الثالث عشر قوله تعالى إنما أنت منذر و لكل قوم هاد من كتاب الفردوس عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أناالمنذر و علي الهادي بك يا علي يهتدي المهتدون و نحوه رواه أبو نعيم و هو صريح في ثبوت الولاية و الإمأمة.

*و الجواب من وجوه...

و أحدها: أن هذا لم يقم دليل على صحته فلا يجوز الاحتجاج به و كتاب الفردوس للديلمي فيه موضوعات كثيرة اجمع أهل العلم على أن مجرد كونه رواه لا يدل على صحة الحديث و كذلك رواية أبي نعيم لا تدل على الصحة.

الثاني: أن هذا كذب موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث فيجب تكذيبه و رده.

 

الثالث: أن هذا الكلام لا يجوز نسبته إلى النبي صلى الله عليه و سلم فان قوله أنا المنذر و بك يا علي يهتدى المهتدون ظاهره انهم بك يهتدون دوني و هذا لا يقوله مسلم فان ظاهره أن النذارة و الهداية مقسومة بينهما فهذا نذير لا يهتدي به و هذا هاد و هذا لا يقوله مسلم الرابع أن الله تعالى قد جعل محمدا هاديا فقال و انك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله فكيف يجعل الهادي من لم يوصف بذلك دون من وصف به الخامس أن قوله بك يهتدي المهتدون ظاهره أن كل من اهتدى من أمةمحمد فبه اهتدى و هذا كذب بين فانه قد آمن بالنبي صلى الله عليه و سلم خلق كثير و اهتدوا به و دخلوا الجنة و لم يسمعوا من علي كلمة واحدة و أكثر الذين آمنوا بالنبي صلى الله عليه و سلم و اهتدوا به لم يهتدوا بعلي في شيء و كذلك لما فتحت الأمصار و آمن و اهتدى الناس بمن سكنها من الصحابة و غيرهم كان جماهير المؤمنين لم يسمعوا من علي شيئا فكيف يجوز أن يقال بك يهتدي المهتدون.

السادس: انه قد قيل معناه إنما أنت نذير و لكل قوم هاد و هو الله تعالى و هو قول ضعيف و كذلك قول من قال أنت نذير و هاد لكل قوم قول ضعيف و الصحيح أن معناها إنما أنت نذير كما أرسل من قبلك نذير و لكل أمةنذير يهديهم أن يدعوهم كما في قوله و إن من أمةإلا خلا فيها نذير و هذا قول جماعة من المفسرين مثل قتادة و عكرمة و أبي الضحى و عبد الرحمن بن زيد قال ابن جرير الطبري حدثنا بشر حدثنا يزيد حدثنا سعيد عن قتادة و حدثنا أبو كريب حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن السدي عن عكرمة و منصور عن أبي الضحى إنما أنت منذر و لكل قوم هاد قالا محمد هو المنذر و هو الهادي حدثنا يونس حدثنا ابن وهب قال قال ابن زيد لكل قوم نبي الهادي النبي و المنذر النبي أيضا و قرا وأن من أمة

 

إلا خلا فيها نذير و قرا نذير من النذر الأولى قال نبي من الأنبياء حدثنا بشار حدثنا أبو عاصم حدثنا سفيان عن ليث عن مجاهد قال المنذر محمد و لكل قوم هاد قال نبي و قوله يوم ندعوا كل أناس بإمامهم إذ الإمام هو الذي يؤتم به أي يقتدي به و قد قيل أن المراد به هو الله الذي يهديهم و الأول اصح و أما تفسيره بعلي فانه باطل لأنه قال و لكل قوم هاد و هذا يقتضي أن يكون هادي هؤلاء غيرها دي هؤلاء فيتعدد الهداة فكيف يجعل علي هاديا لكل قوم من الأولين و الآخرين السابع أن الاهتداء بالشخص قد يكون بغير تاميره عليهم كما يهتدي بالعالم و كما جاء في الحديث الذي فيه أصحابي كالنجوم فبأيهم اقتديتم اهتديتم فليس هذا صريحا في أن الإمأمةكما زعمه هذا المفتريالثامن أن قوله لكل قوم هاد نكرة في سياق الإثبات و هذا لا يدل على معين فدعوى دلالة القران على علي باطل و الاحتجاج بالحديث ليس احتجاجا بالقرآن مع انه باطل التاسع أن قوله كل قوم صيغة عموم و لو أريد أن هاديا واحدا للجميع لقيل لجميع الناس هاد لا يقال لكل قوم فان هؤلاء القوم غير هؤلاء القوم و هو لم يقل لجميع القوم و لا يقال ذلك بل أضاف كلا إلى نكرة لم يضفه إلى معرفة كما في قولك كل الناس يعلم أن هنا قوما و قوما متعددين و أن كل قوم لهم هاد ليس هو هادي الآخرين و هذا يبطل قول من يقول أن الهادي هو الله تعالى و دلالته على بطلان قول من يقول هو علي اظهر.

 

*

فصل قال الرافضي البرهان الرابع عشر قوله تعالى قفوهم انهم مسؤولون من طريق أبي نعيم عن الشعبي عن ابن عباس قال في قوله تعالى و قفوهم انهم مسئولون عن ولآية علي و كذا في كتاب الفردوس عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم و إذا سئلوا عن الولاية وجب ان تكون ثابتة له و لم يثبت لغيره من الصحابة ذلك فيكون هو الإمام.

*و الجواب من وجوه...

أحدها: المطالبة بصحة النقل و العزو إلى الفردوس و إلى أبي نعيم لا تقوم به حجة باتفاق أهل العلم.

الثاني: أن هذا كذب موضوع بالاتفاق.

الثالث: أن الله تعالى قال بل عجبت و يسخرون و إذا ذكروا لا يذكرون و إذا رأوا آية يستسخرون و قالوا إن هذا إلا سحر مبين أإذا متنا و كنا ترأبا وعظاما أئنا لمبعوثون أو آباؤنا الأولون قل نعم و انتم دآخرون فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم ينظرون و قالوا يا ويلنا هذا يوم الدين هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون احشروا الذين ظلموا و أزواجهم و ما كانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم و قفوهم انهم مسئولون ما لكم لا تناصرون بل هم اليوم مستسلمون و اقبل بعضهم على بعض يتساءلون قالوا إنكم كنتم تأتوننا عن أليمين قالوا بل لم تكونوا مؤمنين و ما كان لنا عليكم من سلطان بل كنتم قوما طاغين فحق علينا قول ربنا إنا لذائقون فأغويناكم إنا كنا غاوين فانهم يومئذ في العذاب مشتركون إنا كذلك نفعل بالمجرمين انهم كانوا إذا

 

قيل لهم لا اله إلاالله يستكبرون و يقولون أإنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون بل جاء بالحق و صدق المرسلين فهذا خطاب عن المشركين المكذبين بيوم الدين و هؤلاء يسألون عن توحيد الله و الأيمان برسله و اليوم الآخر و أي مدخل لحب علي في سؤال هؤلاء تراهم لو أحبوه مع هذا الكفر و الشرك أكان ذلك ينفعهم أو تراهم لو ابغضوه أين كان بغضهم له في بغضهم لأنبياء الله و لكتابه و دينه و ما يفسر القران بهذا و يقول النبي صلى الله عليه و سلم فسره بمثل هذا إلا زنديق ملحد متلاعب بالدين قادح في دين الإسلام أو مفرط في الجهل لا يدري ما يقول و أي فرق بين حب علي و طلحة و الزبير و سعد و أبي بكر و عمر و عثمان و لو قال قائل انهم مسئولون عن حب أبي بكر لم يكن قوله ابعد من قول من قال عن حب علي و لا في الآية ما يدل على أن ذلك القول ارجح بل دلالتها على ثبوتهما و انتفائهما سواء و الأدلة الدالة على وجوب حب أبي بكر أقوى.

الرابع: أن قوله مسئولون لفظ مطلق لم يوصل به ضمير يخصه بشيء و ليس في السياق ما يقتضي ذكر حب علي فدعوى المدعي دلالة اللفظ على سؤالهم عن حب علي من أعظم الكذب و البهتان.

الخامس: انه لو ادعى مدع انهم مسئولون عن حب أبي بكر و عمر لم يكن إبطال ذلك بوجه إلا و إبطال السؤال عن حب علي أقوى و اظهر.

*

فصل قال الرافضي البرهان الخامس عشر قوله تعالى و لتعرفنهم في لحن القول روى أبو نعيم بإسناده عن أبي سعيد الخدري في قوله تعالى و لتعرفنهم في لحن القول قال ببغضهم عليا و لم يثبت لغيره من الصحابة ذلك فيكون أفضل منهم فيكون هو الإمام.

*و الجواب المطالبة بصحة النقل أولا.

و الثاني: أن هذا من الكذب على أبي سعيد عند أهل المعرفة بالحديث.

الثالث: أن يقال لو ثبت انه قاله فمجرد قول أبي سعيد قول واحد من الصحابة و قول الصاحب إذا خالفه صاحب آخر ليس بحجة باتفاق

 

أهل العلم و قد علم قدح كثير من الصحابة في علي و إنما احتج عليهم بالكتاب و السنة لا بقول آخر من الصحابة.

الرابع: إنا نعلم بالاضطرار أن عأمةالمنافقين لم يكن ما يعرفون به من لحن القول هو بغض علي فتفسير القران بهذا فرية ظاهرة.

الخامس: أن عليا لم يكن أعظم معاداة للكفار و المنافقين من عمر بل و لا نعرف انهم كانوا يتأذون منه كما يتأذون من عمر بل و لا نعرف انهم كانوا يتأذون منه إلا و كان بغضهم لعمر اشد.

السادس: انه في الصحيح عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال آية الأيمان حب الأنصار و آية النفاق بغض الأنصار و قال لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله و اليوم الآخر فكان معرفة المنافقين في لحنهم ببغض الأنصار أولى فان هذه الأحاديث اصح مما يروى عن علي انه قال انه لعهد النبي الأمي إلي انه لا يحبني إلا مؤمن و لا يبغضني لا منافق فان هذا من أفراد مسلم و هو من رواية عدي بن ثابت عن زر بن حبيش عن علي و البخاري عن هذا الحديث بخلاف أحاديث الأنصار

 

فأنها مما اتفق عليه أهل الصحيح كلهم البخاري غيره و أهل العلم يعلمون يقينا أن النبي قاله و حديث علي قد شك فيه بعضهم.

السابع: أن علامات النفاق كثيرة كما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب و إذا وعد اخلف و إذا ائتمن خان فهذه علامات ظاهرة فعلم أن علامات النفاق لا تختص بحب شخص أو طائفة و لا بغضهم إن كان ذلك من العلامات و لا ريب أن من حب عليا لله بما يستحقه من المحبة لله فذلك من الدليل على أيمانه و كذلك من احب الأنصار لأنهم نصروا الله و رسوله فذلك من علامات أيمانه و من ابغض عليا و الأنصار لما فيهم من الأيمان بالله و رسوله و الجهاد في سبيله فهو منافق و أما من احب الأنصار أو عليا أو غيرهم لأمر طبيعي مثل قرابة بينهما فهو كمحبة أبي طالب للنبي و ذلك لا ينفعه عند الله و من غلا في الأنصار أو في علي أو في المسيح أو في نبي فاحبه و اعتقد فيه فوق مرتبته فانه لم يحبه في الحقيقة إنما احب مالا وجود له كحب النصارى للمسيح فان المسيح أفضل من علي و هذه المحبة لا تنفعهم فإنه إنما ينفع الحب لله لا الحب مع الله قال تعالى و من الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله و الذين آمنوا اشد حبا لله

 

و من قدر انه سمع عن بعض الأنصار أمرا يوجب بغضه فابغضه لذلك كان ضالا مخطئا و لم يكن منافقا بذلك و كذلك من اعتقد في بعض الصحابة اعتقادا غير مطابق و ظن فيه انه كان كافرا أو فاسقا فابغضه لذلك كان جاهلا ظالما و لم يكن منافقا و هذا مما يبين به كذب ما يروى عن بعض الصحابة كجابر انه قال ما كنا نعرف المنافقين على عهد النبي صلى الله عليه و سلم إلا ببغضهم علي بن أبي طالب فان هذا النفي من اظهر الأمور كذبا لا يخفى بطلان هذا النفي على آحاد الناس فضلا عن أن يخفى مثل ذلك على جابر أو نحوه فان الله قد ذكر في (سورة التوبة). و غيرها من علامات المنافقين و صفاتهم أمورا متعددة ليس في شيء منها بغض علي كقوله و منهم من يقول ائذن لي و لا تفتني إلا في الفتنة سقطوا و قوله و منهم من يلمزك في الصدقات فان أعطوا منها رضوا و إن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون و قوله و منهم الذين يؤذون النبي و يقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن بالله و قوله و منهم من عاهد الله لئن أتانا من فضله لنصدقن و لنكونن منالصالحين إلى قوله وبما كانوا يكذبون إلى أمثال ذلك من الصفات التي يصف بها المنافقين وذكر علاماتهم وذكر الأسباب الموجبة للنفاق وكل ما كان موجبا للنفاق فهو دليل عليه وعلامة له فكيف يجوز لعاقل أن يقول لم يكن للمنافقين علامة يعرفون بها غير بغض علي وقد كان من علامتهم التخلف عن الجماعة كما في الصحيح عن ابن مسعود انه قال أيها الناس حافظوا على هؤلاء الصلوات الخمس حيث ينادى بهن فإنهن من سنن الهدى وان الله شرع لنبيه سنن الهدى وإنكم لو صليتم في بيوتكم كما يصلى هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم ولقد رايتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف

 

 

وعامة علا مات النفاق وأسبابه ليست في أحد من أصناف الأمة اظهر منها في الرافضة حتى يوجد فيهم من النفاق الغليظ الظاهر ما لا يوجد في غيرهم وشعار دينهم التقية التي هي أن يقول بلسانه ما ليس في قلبه وهذا علامة النفاق كما قال الله تعالى وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبأذن الله وليعلم المؤمنين وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم هم للكفر يومئذ اقرب منهم للأيمان يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله اعلم بما يكتمون وقال تعالى يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا وقال تعالى في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون وفيها قراءتان يكذبون و يكذبون وفي الجملة فعلامات النفاق مثل الكذب والخيانة و إخلاف الوعد والغدر لا يوجد في طائفة أكثر منها في الرافضة وهذا من صفاتهم القديمة حتى انهم كانوا يغدرون بعلي والحسن والحسين

 

 

وفي الصحيحين عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا حدث كذب و إذا وعد اخلف و إذا عاهد غدر و إذا خاصم فجر وهذا لبسطه موضوع آخر والمقصود هنا أنه يمتنع أن يقال لا علامة للنفاق إلا بغض على ولا يقول هذا أحد من الصحابة لكن الذي قد يقال أن بغضه من علا مات النفاق كما في الحديث المرفوع لا يبغضني إلا منافق فهذا يمكن توجيهه فانه من علم ما قام به على رضى الله عنه من الأيمان بالله ورسوله والجهاد في سبيله ثم ابغضه على ذلك فهو منافق ونفاق من يبغض الأنصار اظهر فان الأنصار قبيلة عظيمة لهم مدينة وهم الذين تبؤاالدار الدار والأيمان من قبل المهاجرين وبالهجرة إلى دارهم عز الأيمان واستظهر أهله وكان لهم من نصر الله ورسوله ما لم يكن لأهل مدينة غيرهم ولا لقبيلة سواهم فلا يبغضهم إلا منافق ومع هذا فليسوا بأفضل من المهاجرين بل المهاجرون أفضل منهم فعلم انه لا يلزم من كون بغض الشخص من علامات النفاق أن يكون أفضل من غيره ولا يشك من عرف أحوال الصحابة أن عمر كان اشد عداوة للكفار والمنافقين من على وان تأثيره في نصر الإسلام و إعزازه

 

 

وإذلال الكفار والمنافقين أعظم من تأثير على وان الكفار والمنافقين أعداء الرسول يبغضونه أعظم مما يبغضون علي ولهذا كان الذي قتل عمر كافرا يبغض دين الإسلام ويبغض الرسول و أمته فقتله بغضا للرسول ودينه و أمته و الذي قتل عليا كان يصلى ويصوم ويقرأ القران وقتله معتقدا أن الله ورسوله يحب قتل على وفعل ذلك محبة لله ورسول في زعمه وان كان في ذلك مبتدعا ضالا والمقصود أن النفاق في بغض عمر اظهر منه في بغض علي ولهذا لما كان الرافضة من أعظم الطوائف نفاقا كانوا يسمون عمر فرعون الأمة و كانوا يوالون أبا لؤلؤة قاتله الله الذي هو من اكفر الخلق و أعظمهم عداوة لله ولرسوله.

*

فصل قال الرافضي البرهان السادس عشر قوله تعالى والسابقون السابقون أولئك المقربون روى أبو نعيم عن ابن عباس في هذه الآية سابق هذه الأمةعلي بن أبي طالب روى الفقيه ابن المغازلي الشافعي عن مجاهد عن ابن عباس في قوله والسابقون السابقون قال سبق يوشع بن نون إلى موسى وسبق موسى إلى هارون وسبق صاحب يس إلى عيسى وسبق على إلى محمد صلى الله عليه وسلم وهذه الفضيلة لم تثبت لغيره من الصحابة فيكون هو الإمام.

*والجواب من وجوه...

أحدها: المطالبة بصحة النقل فان الكذب كثير فيما يرويه هذا وهذا.

الثاني: أن هذا باطل عن ابن عباس ولو صح عنه لم يكن حجة إذا خالفه من هو أقوى منه.

الثالث: أن الله يقول والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه واعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار

 

وقال تعالى ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بأذن الله الآيه والسابقون الأولون هم الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا الذين هم أفضل ممن أنفق من بعد الفتح وقاتل ودخل فيهم أهل بيعة الرضوان وكانوا أكثر من ألف وأربعمائة فكيف يقال أن سابق هذه الأمة واحد.

الرابع: قوله وهذه الفضيلة لم تثبت لغيره من الصحابة ممنوع فان الناس متنازعون في أول من اسلم فقيل أبو بكر أول من اسلم فهو اسبق إسلاما من على وقيل أن عليا أسلم قبله لكن علي كان صغيرا وإسلام الصبي فيه نزاع بين العلماء ولا نزاع في أن إسلام أبي بكر أكمل وانفع فيكون هو أكمل سبقا بالاتفاق واسبق على الإطلاق على القول الآخر فكيف يقال على اسبق منه بلا حجة تدل على ذلك.

الخامس: أن هذه الآية فضلت السابقين الأولين ولم تدل على أن كل من كان اسبق إلى الإسلام كان أفضل من غيره وإنما يدل على أن السابقين أفضل قوله تعالى لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى فالذين سبقوا إلى الإنفاق والقتال قبل الحديبية أفضل ممن بعدهم فان الفتح فسره النبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية و إذا كان أولئك السابقون قد سبق بعضهم بعضا إلى الإسلام فليس

 

في الآيتين ما يقتضي أن يكون أفضل مطلقا بل قد يسبق إلى الإسلام من سبقه غيره إلى الإنفاق والقتال ولهذا كان عمر رضي الله عنه ممن اسلم بعد تسعة وثلاثين وهو أفضل من أكثرهم بالنصوص الصحيحة وبإجماع الصحابة والتابعين وما علمت أحدا قط قال أن الزبير ونحوه أفضل من عمر و الزبير اسلم قبل عمر ولا قال من يعرف من أهل العلم إن عثمان أفضل من عمر وعثمان اسلم قبل عمر وان كان الفضل بالسبق إلى الإنفاق والقتال فمعلوم أن أبا بكر أخص بهذا فانه لم يجاهد قبله أحد لا بيده ولا بلسانه بل هو من حين آمن بالرسول ينفق ماله ويجاهد بحسب الإمكان فاشترى من المعذبين في الله غير واحد وكان يجاهد مع الرسول قبل الأمر بالقتال وبعد الأمر بالقتال كما قال تعالى وجاهدهم به جهادا كبيرا فكان أبو بكر اسبق الناس و أكملهم في أنواع الجهاد بالنفس والمال ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح إن آمن الناس علي في صحبته وذات يده أبو بكر والصحبة بالنفس وذات اليد هو المال فاخبر النبي صلى الله عليه وسلم انه آمن الناس عليه في النفس والمال.

*

فصل قال الرافضي البرهان السابع عشر قوله تعالى الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله روى رزين بن معاوية في الجمع بين الصحاح الستة أنها نزلت في علي لما افتخر طلحة بن شيبة والعباس وهذه لم ثبت لغيره من الصحابة فيكون أفضل فيكون هو الإمام.

*والجواب من وجوه...

أحدها: المطالبة بصحة النقل ورزين قد ذكر في كتابه أشياء ليست في الصحاح.

الثاني: أن الذي في الصحيح ليس كما ذكره عن رزين بل الذي في الصحيح ما رواه النعمان بن بشير قال كنت عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل لا أبالي أن لا اعمل عملا بعد الإسلام إلا أن اسقي الحاج وقال آخر لا أبالي أن لا اعمل عملا بعد الإسلام إلا أن

 

اعمر المسجد الحرام وقال آخر الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم فزجرهم عمر وقال لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوم الجمعة ولكن إذا صليت الجمعة دخلت فاستفتيته فيما اختلفتم فيه فانزل الله تعالى أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله الآية إلى آخرها أخرجه مسلم وهذا الحديث يقتضي أن قول على الذي فضل به الجهاد على السدانة والسقامة اصح من قول من فضل السدانة والسقاية وان عليا كان اعلم بالحق في هذه المسالة ممن نازعه فيها وهذا صحيح وعمر قد وافق ربه في عدة أمور يقول شيئا وينزل القران بموافقته قال للنبي صلى الله عليه وسلم لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى فنزلت واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وقال إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر فلو أمرتهن بالحجاب فنزلت آية الحجاب وقال عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات فنزلت كذلك وأمثال ذلك وهذا كله ثابت في الصحيح وهذا أعظم من تصويب علي في مسالة واحدة وأما التفضيل بالأيمان والهجرة والجهاد فهذا ثابت لجميع الصحابة الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا فليس هاهنا فضيلة اختص بها علي حتى يقال أن هذا لم يثبت لغيره

 

 

الثالث: انه لو قدر انه اختص بمزية فهذه ليست من خصائص الإمامة ولا موجبة لأن يكون أفضل مطلقا فان الخضر لما علم ثلاث مسائل لم يعلمها موسى لم يكن أفضل من موسى مطلقا والهدهد لما قال لسليمان أحطت بما لم تحط به لم يكن اعلم من سليمان مطلقا.

الرابع: أن عليا كان يعلم هذه المسألة فمن أين يعلم أن غيره من الصحابة لم يعلمها فدعوى اختصاصه بعلمها باطل فبطل الاختصاص على التقديرين بل من المعلوم بالتواتر أن جهاد أبي بكر بماله أعظم من جهاد على فان أبا بكر كان موسرا قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم ما نفعني مال كمال أبي بكر وعلي كان فقيرا وأبو بكر أعظم جهادا بنفسه كما سنذكره إن شاء الله تعالى.

*

فصل قال الرافضي البرهان الثامن عشر قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقهمن طريق الحافظ أبي نعيم إلى ابن عباس قال أن الله حرم كلام رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا بتقديم الصدقة و بخلوا أن يتصدقوا قبل كلامه و تصدق علي و لم يفعل ذلك أحد من المسلمين غيره و من تفسير الثعلبي قال ابن عمر كان لعلي ثلاثة لو كانت لي واحدة منهن كانت أحب إلي من حمر النعم تزويجه فاطمة و إعطاؤه الراية يوم خيبر و آية النجوى و روى رزين بن معاوية في الجمع بين الصحاح الستة عن علي ما عمل بهذه الآية غيري و بي خفف الله عن هذه الأمة و هذا يدل على فضيلته عليهم فيكون هو أحق بالإمامة.

*و الجواب أن يقال أما الذي ثبت فهو أن عليا رضي الله عنه تصدق و ناجى ثم نسخت الآية قبل أن يعمل بها غيره لكن الآيه لم توجب الصدقة عليهم لكن أمرهم إذا ناجوا أن يتصدقوا فمن لم يناج لم يكن عليه أن يتصدق و إذا لم تكن المناجاة واجبة لم يكن أحد ملوما إذا ترك ما ليس بواجب و من كان فيهم عاجزا عن الصدقة و لكن لو قدر لناجى

 

فتصدق فله نيته و اجره و من لم يعرض له سبب يناجي لأجله لم يجعل ناقصا و لكن من عرض له سبب اقتضى المناجاة فتركه بخلا فهذا قد ترك المستحب و لا يمكن أن يشهد على الخلفاء أنهم كانوا من هذا الضرب و لا يعلم أنهم كانوا ثلاثتهم حاضرين عند نزول هذه الآية بل يمكن غيبة بعضهم و يمكن حاجة بعضهم و يمكن عدم الداعي إلى المناجاة و لم يطل زمان عدم نسخ الآية حتى يعلم أن الزمان الطويل لا بد أن يعرض فيه حاجة إلى المناجاة و بتقدير أن يكون أحدهم ترك المستحب فقد بينا غير مرة أن من فعل مستحبا لم يجب أن يكون أفضل من غيره مطلقا و قد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لأصحابه من اصبح منكم اليوم صائما فقال أبو بكر أنا قال فمن تبع منكم جنازة قال أبو بكر أنا قال هل فيكم من عاد مريضا قال أبو بكر أنا قال هل فيكم من تصدق بصدقة فقال أبو بكر أنا قال ما اجتمع لعبد هذه الخصال إلا و هو من أهل الجنة و هذه الأربعة لم ينقل مثلها لعلي و لا غيره في يوم و في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه و سلم قال من أنفق زوجين في سبيل الله دعي من أبواب الجنة يا عبد الله هذا خير فإن كان من

 

 

أهل الصلاة دعي من باب الصلاة و أن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد و أن كان من اهل الصدقة دعي من باب الصدقة فقال أبو بكر يا رسول الله فما على من دعى من تلك الأبواب كلها من ضرورة فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها قال نعم و ارجوا أن تكون منهم و لم يذكر هذا لغير أبي بكر رضي الله عنه وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال بينما رجل يسوق بقرة قد حمل عليها فالتفتت إليه و قالت إني لم اخلق لهذا و لكني أنما خلقت للحرث فقال الناس سبحان الله بقرة تتكلم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم فإني أؤمن به أنا و أبو بكر و عمر و ما هما ثم قال أبو هريرة و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم بينما راع في غنمه عدا عليها الذئب فأخذ منها شاة فطلبه الراعي حتى استنقذها منه فالتفت إليه الذئب فقال من لها يوم السبع يوم ليس لها راع غيري فقال الناس سبحان الله فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم فإني أؤمن بذلك أنا و أبو بكر و عمر و هما ثمو قد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما نفعني مال كمال أبي بكر و هذا صريح في اختصاصه بهذه الفضيلة لم يشركه فيها علي و لا غيره و كذلك قوله في الصحيحين أن آمن الناس علي في صحبته و ماله أبو بكر و لو كنت متخذا خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلا لكن اخوة الإسلام و مودته لا يبقين باب في المسجد إلا سد إلا بارك أبي بكر و في سنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لأبي بكر أما أنك يا أبا بكر أول من يدخل الجنة من أمتي

 

 

و في الترمذي و سنن أبي داود عن عمر رضي الله عنه قال امرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن نتصدق فوافق منى مالا فقلت اليوم اسبق أبا بكر أن سبقته قال فجئت بنصف مالي فقال النبي صلى الله عليه و سلم ما أبقيت لأهلك قلت مثله و اتى أبو بكر بكل ما عنده فقال يا أبا بكر ما أبقيت لأهلك قال الله و رسوله قلت لا أسابقه إلى شيء أبدا و في البخاري عن أبي الدرداء قال كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه و سلم إذ اقبل أبو بكر أخذا بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته فقال النبي الله عليه و سلم أما صاحبكم فقد غامر فسلم و قال أنه كان بيني و بين ابن الخطاب شيء فأسرعت إليه ثم ندمت فسألته أن يغفر لي فأبى علي فأقبلت إليك فقال يغفر الله لك يا أبا بكر ثلاثا ثم أن عمر ندم فأتى منزل أبي بكر فسأل أثم أبو بكر قالوا لا فأتى النبي صلى الله عليه و سلم فسلم عليه فجعل وجه النبي صلى الله عليه و سلم يتمعر حتى أشفق أبو بكر فجثا على ركبتيه و قاليا رسول الله و الله أنا كنت اظلم مرتين فقال النبي صلى الله عليه و سلم إن الله بعثني إليكم فقلتم كذبت و قال أبو بكر صدق وواسني بنفسه و ماله فهل أنتم تاركون لي صاحبي فهل أنتم تاركون لي صاحبي فما أوذي بعدها و في لفظ آخر إني قلت أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا فقلتم كذبت و قال أبو بكر صدقت و في الترمذي مرفوعا لا ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يؤمهم غيره و تجهيز عثمان بألف بعير اعظم من صدقة علي بكثير كثير فإن الأنفاق في الجهاد كان فرضا بخلاف الصدقة إمام النجوى فإنه مشروط بمن يريد النجوى فمن لم يردها لم يكن عليه أن يتصدق و قد أنزل الله في بعض الأنصار و يؤثرون على أنفسهم و لو كان بهم خصاصة

 

 

و في الصحيحين عن أبي هريرة رضي لله عنه قال جاء رجل إلى النبي النبي الله عليه و سلم فقال إني مجهود فأرسل إلى بعض نسائه فقالت و الذي بعثك بالحق نبيا ما عندي إلا ماء ثم إلى أخرى فقالت مثل ذلك حتى قلن كلهن مثل ذلك لا و الذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء فقال من يضيفه هذه الليلة رحمه الله فقام رجل من الأنصار فقال أنا يا رسول الله و أنطلق به إلى رحله فقال لامرأته هل عندك شيء فقالت لا قوت صبياننا فقال فعلليهم بشيء فإذا دخل ضيفنا فأطفئ السراج و أريه أنا نأكل فإذا أهوى ليأكل فقومي إلى السراج حتى تطفئيه قال فقعدوا فأكل الضيف فلما اصبح غدا على رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال قد عجب الله صنعكما بضيفكما الليلة و في رواية فنزلت هذه الآية و يؤثرون على أنفسهم و لو كان بهم خصاصةو بالحملة فباب الإنفاق في سبيل الله و غيره لكثير من المهاجرين و الأنصار فيه من الفضيلة ما ليس لعلي فإنه لم يكن له مال على عهد رسول الله صلى عليه و سلم.

*

فصل قال الرافضي البرهان التاسع عشر و اسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا قال ابن عبد البر و أخرجه أبو نعيم أيضا أن النبي الله عليه و سلم ليلة اسري به جمع الله بينه و بين الأنبياء ثم قال سلهم يا محمد علام بعثتم قالوا بعثنا على شهادة ا ن لا اله إلا الله و على الإقرار بنبوتك و الولاية لعلي بن أبي طالب و هذا صريح بثبوت الإمامة لعلي.

*والجواب من وجوه...

أحدها: المطالبة في هذا وأمثاله بالصحة وقولنا في هذا الكذب القبيح وأمثاله المطالبة بالصحة ليس بشك منا في أن هذا وأمثاله من اسمج الكذب أقبحه لكن علي طريق التنزل في المناظرة وأن هذا لو لم يعلم أنه كذب ولم يجز أن يحتج به حتى يثبت صدقه فإن

 

الاستدلال بما لا تعلم صحته لا يجوز بالإتفاق فإنه قول بلا علم وهو حرام بالكتاب بالسنة والإجماع.

الوجه الثاني: أن مثل هذا مما أتفق أهل العلم على أنه كذب موضوع.

الوجه الثالث: أن هذا مما يعلم من له علم ودين أنه من الكذب الباطل الذي لا يصدق به من له عقل ودين وإنما يختلق مثل هذا أهل الوقاحة والجراءة في الكذب فإن الرسل صلوات الله عليهم كيف يسألون عما لا يدخل في اصل الإيمان وقد اجمع المسلمون على أن الرجل لو آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم وأطاعه ومات في حياته قبل أن يعلم أن الله خلق أبا بكر وعمر وعثمان وعليا لم يضره ذلك شيئا ولم يمنعه ذلك من دخول الجنة فإذا كان هذا في أمة محمد صلى الله عليه وسلم فكيف يقال أن الأنبياء يجب عليهم الإيمان بواحد من الصحابة والله تعالى قد أخذ الميثاق عليهم لئن بعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه هكذا قال ابن عباس وغيره كما قال تعالى وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول إلى قوله تعالى أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصرى قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين

 

فأما الإيمان بتفصيل ما بعث به محمد فلم يؤخذ عليهم فكيف يؤخذ عليهم موالاة واحد من الصحابة دون غيره من المؤمنين.

الرابع: أن لفظ الآية و سأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا اجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون ليس في هذا سؤال لهم بماذا بعثوا.

الخامس: أن قول القائل أنهم بعثوا بهذه الثلاثة أن أراد أنهم لم يبعثوا إلا بها فهذا كذب على الرسل وأن أراد أنها أصول ما بعثوا به فهذا أيضا كذب فإن أصول الدين التي بعثوا بها من الإيمان بالله واليوم الآخر و أصول الشرائع أهم عندهم من ذكر الإيمان بواحد من أصحاب نبي غيرهم بل ومن الإقرار بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم فإن الإقرار بمحمد يجب عليهم مجملا كما يجب علينا نحن الإقرار بنبواتهم مجملا لكن من أدركه منهم وجب عليه الإيمان بشرعه على التفصيل كما يجب علينا و أما الإيمان بشرائع الأنبياء على التفصيل فهوواجب على أممهم فكيف يتركون ذكر ما هو واجب على أممهم ويذكرون ما ليس هو الأوجب.

الوجه السادس: أن ليلة الإسراء كانت بمكة قبل الهجرة بمدة قيل أنها سنة ونصف وقيل أنها خمس سنين وقيل غير ذلك وكان على صغيرا ليلة المعراج لم يحصل له هجرة ولا جهاد ولا أمر يوجب أن يذكره به الأنبياء والأنبياء لم يكن يذكر على في كتبهم أصلا وهذه كتب الأنبياء الموجودة التي اخرج الناس ما فيها من ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ليس في شيء منها ذكر على بل ذكروا أن في التابوت الذي كان فيه عند المقوقس صور الأنبياء صورة أبي بكر وعمر مع صورة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه بها يقيم الله أمره وهؤلاء الذين أسلموا من أهل الكتاب لم يذكر أحد منهم أنه ذكر علي عندهم فكيف يجوز أن يقال أن كلا من الأنبياء بعثوا بالإقرار بولاية علي ولم يذكروا ذلك لأممهم ولا نقله أحد منهم.

 

*

فصل قال الرافضي البرهان العشرون قوله تعالى وتعيها أذن واعية في تفسير الثعلبي قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم سالت الله عز و جل أن يجعلها أذنك يا علي و من طريق أبي نعيم قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يا علي أن الله امرني أن أدنيك و أعلمك يا علي أن الله امرني أن أدنيك و أعلمك لتعي و أنزلت علي هذه الآية و تعيها أذن واعية فأنت أذن واعية و هذه الفضيلة لم تحصل لغيره فيكون هو الإمام.

*و الجواب من وجوه...

أحدها: بيان صحة الإسناد و الثعلبي و أبو نعيم يرويان ما لا يحتج به بالإجماع.

الثاني: أن هذا موضوع باتفاق أهل العلم.

الثالث: أن قوله لما طغى الماء حملناكم في الجارية لنجعلها لكم تذكرة و تعيها أذن واعية لم يرد به أذن واحد من الناس فقط فإن هذا خطاب لبني آدم و حملهم في السفينة من اعظم الآيات قال تعالى و آية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون و خلقنا لهم من مثله ما يركبون

 

و قال ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمة الله ليريكم من آياته أن في ذلك لآيات لكل صبار شكور فكيف يكون ذلك كله ليعي ذلك واحد من الناس نعم أذن علي من الأذن الواعية كأذن أبي بكر و عمر و عثمان و غيرهم و حينئذ فلا اختصاص لعلي بذلك و هذا مما يعلم بالاضطرار أن الآذان الواعية ليست أذن علي وحدها أترى أذن رسول الله صلى الله عليه و سلم ليست واعية و لا أذن الحسن و الحسين و عمار و أبي ذر و المقداد و سلمان الفارسي و سهل بن حنيف و غيرهم ممن يوافقون على فضيلتهم و إيمانهم و إذا كانت الأذن الواعية له و لغيره لم يجز أن يقال هذه الأفضلية لم تحصل لغيره و لا ريب أن هذا الرافضي الجاهل الظالم يبني أمره على مقدمات باطلة فإنه لا يعلم في طوائف أهل البدع أوهى من حجج الرافضة بخلاف المعتزلة و نحوهم فإن لهم حججا و أدلة قد تشبه على كثير من أهل العلم و العقل أما الرافضة فليس لهم حجة قط تنفق إلا على جاهل أو ظالم صاحب هوى يقبل ما يوافق هواه سواء كان حقا أو باطلا و لهذا يقال فيهم ليس لهم عقل و لا نقل و لا دين صحيح و لا دنيا منصورة

 

 

و قالت طائفة من العلماء لو علق حكما بأجهل الناس لتناول الرافضة مثل أن يحلف إني ابغض اجهل الناس و نحو ذلك و أما لو وصى لأجهل الناس فلا تصح الوصية لأنها لا تكون إلا قربة فإذا وصى لقوم يدخل فيهم الكافر جاز بخلاف ما لو جعل الكفر و الجهل جهة و شرطا في الاستحقاق ثم الرافضي يدعي في شيء أنه من فضائل علي و قد لا يكون كذلك ثم يدعي أن تلك الفضيلة ليست لغيره و قد تكون من الفضائل المشتركة فإن فضائل علي الثابتة عامتها مشتركة بينه و بين غيره بخلاف فضائل أبي بكر و عمر فإن عامتها خصائص لم يشاركا فيها ثم يدعي أن تلك الفضيلة توجب الإمامة و معلوم أن الفضلية الجزئية في أمر من الأمور ليست مستلزمة للفضيلة المطلقة و لا للإمامة و لا مختصة بالإمام بل تثبت للإمام و لغيره و للفاضل المطلق و لغيره فبنى هذا الرافضي أمره على هذه المقدمات الثلاث و الثلاث باطلة ثم يردفها بالمقدمة الرابعة و تلك فيها نزاع لكن نحن لا ننازعه فيها بل نسلم أنه من كان أفضل كان أحق بالإمامة لكن الرافضي لا حجة معه على ذلك.

*

فصل قال الرافضي البرهان الحادي و العشرون سورة هل اتى في تفسير الثعلبي من طرق مختلفة قال مرض الحسن و الحسين فعادهما جدهما رسول الله صلى الله عليه و سلم و عامة العرب فقالوا يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك فنذر صوم ثلاثة أيام و كذا نذرت أمهما فاطمة و جاريتهم فضة فبرئا و ليس عند آل محمد قليل و لا كثير فاستقرض علي ثلاثة آصع من شعير فقامت فاطمة إلى صاع فطحنته و خبزت منه خمسة أقراص لكل واحد منهم قرصا و صلى علي مع النبي صلى الله عليه و سلم المغرب ثم اتى المنزل فوضع الطعام بين يديه إذ أتاهم مسكين فقال السلام عليكم أهل بيت محمد صلى

 

الله عليه و سلم مسكين من مساكين المسلمين أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة فسمعه علي فأمر بإعطائه فأعطوه الطعام و مكثوا يومهم و ليلتهم لم يذوقوا شيئا إلا الماء القراح فلما كان اليوم الثاني قامت فاطمة فخبزت صاعا و صلى علي مع النبي صلى الله عليه و سلم ثم اتى المنزل فوضع الطعام بين يديه فاتاهم يتيم فوقف بالباب و قال السلام عليكم أهل بيت محمد صلى الله عليه و سلم يتيم من أولاد المهاجرين استشهد والدي يوم العقبة أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة فسمعه علي فأمر بإعطائه فأعطوه الطعام و مكثوا يومين و ليلتين لم يذوقوا إلا الماء القراح فلما كان اليوم الثالث قامت فاطمة إلى الصاع الثالث فطحنته و خبزته و صلى علي مع النبي صلى الله عليه و سلم ثم اتى المنزل فوضع الطعام بين يديه إذ اتى أسير فقال أتأسروننا و تشردوننا و لا تطعموننا أطعموني فإني أسير محمد أطعمكم الله من موائد الجنة فسمعه علي فأمر بإعطائه فأعطوه الطعامو مكثوا ثلاثة أيام بلياليها لم يذوقوا شيئا إلا الماء القراح فلما كان اليوم الرابع و قد وفوا نذورهم أخذ علي الحسن بيده اليمنى و الحسين بيده اليسرى و اقبل على رسول الله صلى الله عليه و سلم و هم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع فلما بصرهما النبي صلى الله عليه و سلم قال يا أبا الحسن ما اشد ما يسوؤني ما أرى بكم أنطلق بنا إلى منزل ابنتي فاطمة فانطلقوا أليها و هي في حجرتها قد لصق بطنها بظهرها من شدة الجوع و غارت عيناها فلما رآها النبي صلى الله عليه و سلم قال و اغوثاه بالله أهل بيت محمد يموتون جوعا فهبط جبريل على محمد صلى الله عليه و سلم فقال يا محمد خذ

 

 

ما هنأك الله في أهل بيتك فقال ما أخذ يا جبريل فأقراه هل اتى على الإنسان حين و هي تدل على فضائل جمة لم يسبقه أليها أحد و لا يلحقه أحد فيكون أفضل من غيره فيكون هو الإمام و الجواب من وجوه أحدها المطالبة بصحة النقل كما تقدم و مجرد رواية الثعلبي و الواحدي و أمثالهما لا تدل على أنه صحيح باتفاق أهل السنة و الشيعة و لو تنازع اثنان في مسالة من مسائل الأحكام و الفضائل و احتج أحدهما بحديث لم يذكر ما يدل على صحته إلا رواية الواحد من هؤلاء له في تفسيره لم يكن ذلك دليلا على صحته و لا حجة على منازعه باتفاق العلماء و هؤلاء من عادتهم يروون ما رواه غيرهم و كثير من ذلك لا يعرفون هل هو صحيح أم ضعيف و يروون من الأحاديث الإسرائيليات ما يعلم غيرهم أنه باطل في نفس الأمر لأن وصفهم النقل لما نقل أو حكاية أقوال الناس و أن كان كثير من هذا و هذا باطلا و ربما تكلموا على صحة بعض المنقولات و ضعفها و لكن لا يطردون هذا و لا يلتزمونه الثاني أن هذا الحديث من الكذب الموضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث الذي هم أئمة هذا الشأن و حكامه و قول هؤلاء هو المنقول في

 

 

هذا الباب و لهذا لم يرو هذا الحديث في شيء من الكتب التي يرجع أليها في النقل لا في الصحاح و لا في المساند و لا في الجوامع و لا السنن و لا رواه المصنفون في الفضائل و أن كانوا قد يتسامحون في رواية أحاديث ضعيفة كالنسائي فإنه صنف خصائص علي و ذكر فيها عدة أحاديث ضعيفة و لم يرو هذا و أمثاله و كذلك أبو نعيم في الخصائص و خيثمة بن سليمان و الترمذي في جامعة روى أحاديث كثيرة في فضائل علي كثير منها ضعيف و لم يرو مثل هذا لظهور كذبه و أصحاب السير كابن اسحق و غيره يذكرون من فضائله أشياء ضعيفة و لم يذكروا مثل هذا و لا رووا ما قلنا فيه أنه موضوع باتفاق أهل النقل من أئمة أهل التفسير الذين ينقلونها بالأسانيد المعروفة كتفسير ابن جريج و سعيد بن أبي عروبة و عبد الرزاق و عبد بن حميدو أحمد و إسحاق و تفسير بقي بن مخلد و ابن جرير الطبري و محمد بن أسلم الطوسي و ابن أبي حاتم و أبي بكر بن المنذر و غيرهم من العلماء الأكابر الذين لهم في الإسلام لسان صدق و تفاسيرهم متضمنة للمنقولات التي يعتمد عليها في التفسير الوجه الثالث أن الدلائل على كذب هذا كثيرة منها أن عليا أنما تزوج فاطمة بالمدينة و لم يدخل بها إلا بعد غزوة بدر كما ثبت ذلك في الصحيح و الحسن و الحسين ولدا بعد ذلك سنة ثلاث أو أربع و الناس متفقون على أن عليا لم يتزوج فاطمة إلا بالمدينة لم يولد له ولد إلا بالمدينة وهذا من العم العام المتواتر الذي يعرفه كل من عنده طرف من العلم بمثل هذه الأمور و سورة هل اتى مكية باتفاق أهل التفسير و النقل لم يقل أحد منهم أنها مدنية و هي على طريقة السور المكية في تقرير أصول الدين المشتركة بين الأنبياء كالإيمان بالله و اليوم الآخر و ذكر الخلق والبعث و لهذا قيل أنه كان النبي صلى الله عليه و سلم يقرؤها مع ألم تنزيل

 

 

في فجر يوم الجمعة لأن فيه خلق آدم و فيه دخل الجنة و فيه تقوم الساعة و هاتان السورتان متضمنتان لابتداء خلق السماوات و الأرض و خلق الإنسان إلى أن يدخل فريق الجنة و فريق النار و إذا كانت السورة نزلت بمكة قبل أن يتزوج علي بفاطمة تبين أن نقل أنها نزلت بعد مرض الحسن و الحسين من الكذب و البين الوجه الرابع أن سياق هذا الحديث و ألفاظه من وضع جهال الكذابين فمنه قوله فعادهما جدهما و عامة العرب فإن عامة العرب لم يكونوا بالمدينة و العرب الكفار ما كانوا يأتونهما يعودونهما و منه قوله فقالوا يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك و علي لا يأخذ الدين من أولئك العرب بل يأخذه من النبي صلى الله عليه و سلم فإن كان هذا أمرا بطاعة فرسول الله صلى الله عليه و سلم أحق أن يأمره به من أولئك العرب و أن لم يكن طاعة لم يكن علي يفعل ما يأمرون به ثم كيف يقبل منهم ذلك من غير مراجعة إلى النبي صلى الله عليه و سلم في ذلك الوجه الخامس أن في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه نهى عن النذر و قال أنه لا يأتي بخير و أنما يستخرج به من البخيل

 

 

و في طريق آخر ا أن النذر يرد ابن آدم إلى القدر فيعطى على النذر ما لا يعطى غيره و إذا كان رسول الله صلى الله عليه و سلم ينهى عن النذر و يقول أنه لا يأتي بخير و إنما يرد ابن آدم إلى القدر فإن كان علي و فاطمة و سائر أهلهما لم يعلموا مثل هذا و علمه عموم الأمة فهذا قدح في علمهم فأين المدعي للعصمة و أن كانوا علموا بذلك و فعلوا ما لا طاعة فيه لله و لرسوله و لا فائدة لهما فيه بل قد نهيا عنه إما نهي تحريم و أما نهي تنزيل كان هذا قدحا أما في دينهم و أما في عقلهم و علمهم فهذا الذي يروي مثل هذا في فضائلهم جاهل يقدح فيهم من حيث يمدحهم و يخفضهم من حيث يرفعهم و يذمهم من حيث يحمدهم و لهذا قال بعض أهل البيت للرافضة ما معناه أن محبتكم لنا صارت معرة علينا و في المثل السائر عدو عاقل خير من صديق جاهلو الله تعالى أنما مدح على الوفاء بالنذر لا على نفس عقد النذر و الرجل ينهى عن الظهار و أن ظاهر وجبت عليه كفارة للظهار و إذا عاود مدح على فعل الواجب و هو التكفير لا على نفس الظهار المحرم و كذلك إذا طلق امرأته ففارقها بالمعروف مدح على فعل ما أوجبه الطلاق لا نفس الطلاق المكروه و كذلك من باع أو اشترى فأعطى ما عليه مدح على فعل ما أوجبه العقد لا على نفس العقد الموجب و نظائر هذا كثيرة الوجه السادس أن عليا و فاطمة لم يكن لهما جارية اسمها فضة بل و لا لأحد من أقارب النبي صلى الله عليه و سلم و لا نعرف أنه كان بالمدينة جارية اسمها فضة و لا ذكر ذلك أحد من أهل العلم الذين ذكروا أحوالهم دقها و جلها و لكن فضة هذه بمنزلة ابن عقب الذي يقال أنه كان معلم الحسن و الحسين و أنه أعطى تفاحة كان فيها علم الحوادث المستقبلة و نحو ذلك من الأكاذيب التي تروج على الجهال و قد اجمع أهل العلم على أنهما لم يكن لهما معلم و لم يكن في الصحابة أحد يقال له أب عقب و هذه الملاحم المنظومة المنسوبة إلى ابن عقب هي من نظم بعض

 

 

متأخري الجهال الرافضة الذين كانوا زمن نور الدين و صلاح الدين لما كان كثير من الشام بأيدي النصارى و مصر بأيدي القرامطة الملاحدة بقايا بني عبيد فذكر من الملاحم ما يناسب تلك الأمور بنظم جاهل عامي و هكذا هذه الجارية فضة و قد ثبت في الصحيحين عن علي أن فاطمة سالت النبي صلى الله عليه و سلم خادما فعلمها أن تسبح عند المنام ثلاثا و ثلاثين وتكبر ثلاثا وثلاثين و تحمد أربعا و ثلاثين و قال هذا خير لك من خادم قال علي فما تركتهن منذ سمعتهن من النبي صلى الله عليه و سلم قيل له و لا ليلة صفين قال و لا ليلة صفين و هذا خبر صحيح باتفاق أهل العلم و هو يقتضي أنه لم يعطها خادما فإن كان بعد ذلك حصل خادم فهو ممكن لكن لم يكن اسم خادمها فضة بلا ريب الوجه السابع أنه قد ثبت في الصحيح عن بعض الأنصار أنه آثرضيفه بعشائهم و نوم الصبية و بات هو و امرأته طاويين فأنزل الله سبحانه و تعالى و يؤثرون على أنفسهم و لو كان بهم خصاصة و هذا المدح اعظم من المدح بقوله و يطعمون الطعام على حبه مسكينا فإن هذا كقوله وآتى المال على حبه ذوي القربى و اليتامى و المساكين و في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه سئل أي الصدقة أفضل قال أن تصدق و أنت صحيح شحيح تأمل البقاء و تخاف الفقر و لا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا و لفلان كذا و قد كان لفلان و قال تعالى لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون فالتصدق بما يحبه الإنسان جنس تحته أنواع كثيرة و أما الإيثار مع الخصاصة فهو اكمل من مجرد التصدق مع المحبة فإنه ليس كل متصدق محبا مؤثرا و لا كل متصدق يكون به خصاصة بل قد يتصدق بما يحب مع اكتفائه ببعضه مع محبة لا تبلغ به الخصاصة

 

 

فإذا كان الله مدح الأنصار بإيثار الضيف ليلة بهذا المدح و الإيثار المذكور في قصة أهل البيت هو اعظم من ذلك فكان ينبغي أن يكون المدح عليه اكثر أن كان هذا مما يمدح عليه و أن كان مما لا يمدح عليه فلا يدخل في المناقب الثامن أن في هذه القصة ما لا ينبغي نسبته إلى علي و فاطمة رضي الله عنهما فإنه خلاف المأمور به المشروع و هو إبقاء الأطفال ثلاثة أيام جياعا و وصالهم ثلاثة أيام و مثل هذا الجوع قد يفسد العقل و البدن و الدين و ليس هذا مثل قصة الأنصاري فإن ذلك بيتهم ليلة واحدة بلا عشاء و هذا قد يحتمله الصبيان بخلاف ثلاثة أيام بلياليها التاسع أن في هذه القصة أن اليتيم قال استشهد والدي يوم العقبة و هذا من الكذب الظاهر فإن ليلة العقبة لم يكن فيها قتال و لكن النبي صلى الله عليه و سلم بايع الأنصار ليلة العقبة قبل الهجرة و قبل أن يؤمر بالقتال و هذا يدل على أن الحديث مع أنه كذب فهو من كذب اجهل الناس بأحوال النبي صلى الله عليه و سلم و لو قال استشهد والدي يوم أحد لكان اقرب العاشر أن يقال أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يكفي أولاد من قتل معه و لهذا قال لفاطمة لما سألته خادما لا ادع يتامى بدر و أعطيك

 

 

فقول القائل أنه كان من يتامى المجاهدين الشهداء من لا يكفيه النبي صلى الله عليه و سلم كذب عليه و قدح فيه الحادي عشر أنه لم يكن في المدينة قط أسير يسال الناس بل كان المسلمون يقومون بالأسير الذي يستاسرونه فدعوى المدعي أن أسراهم كانوا محتاجين إلى مسالة الناس كذب عليهم و قدح فيهم و الإسراء الكثيرون أنما كانوا يوم بدر قبل أن يتزوج علي بفاطمة رضي الله عنها و بعد ذلك فالأسرى في غاية القلة الثاني عشر أنه لو كانت هذه القصة صحيحة و هي من الفضائل لم تستلزم أن يكون صاحبها أفضل الناس و لا أن يكون هو الإمام دون غيره فقد كان جعفر اكثر إطعاما للمساكين من غيره حتى قال له النبي صلى الله عليه و سلم أشبهت خلقي و خلقي و كان أبو هريرة يقول ما احتذى النعال بعد النبي صلى الله عليه و سلم أحد أفضل من جعفر يعني في الأحسان إلى المساكين إلى غير ذلك من الفضائل فلم يكن بذلك أفضل من علي و لا غيره فضلا عن أن يكون مستحقا للإمامة الثالث عشر أنه من المعلوم أن أنفاق الصديق أمواله اعظم و أحب إلى الله و رسوله فإن إطعام الجائع من جنس الصدقة المطلقة التي يمكن كل واحد فعلها إلى يوم القيامة بل و كل أمة يطعمون جياعهم من المسلمين و غيرهم و أن كانوا لا يتقربون إلى الله بذلك بخلاف المؤمنين

 

 

فإنهم يفعلون ذلك لوجه الله بهذا تميزوا كما قال تعالى عنهم أنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء و لا شكورا و أما أنفاق الصديق و نحوه فإنه كان في أول الإسلام لتخليص من آمن و الكفار يؤذونه أو يريدون قتله مثل اشترائه بماله سبعة كانوا يعذبون في الله منهم بلال حتى قال عمر أبو بكر سيدنا و اعتق سيدنا يعني بلالا و أنفاقه على المحتاجين من أهل الإيمان و في نصر الإسلام حيث كان أهل الأرض قاطبة أعداء الإسلام و تلك النفقة ما بقي يمكن مثلها و لهذا قال النبي صلى الله عليه و سلم في الحديث المتفق على صحته لا تسبوا أصحابي فو الذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ أحدهم و لا نصيفه و هذا في النفقة التي اختصوا بها و أما جنس إطعام الجائع مطلقا فهذا مشترك يمكن فعله إلي يوم القيامة.

*

فصل قال الرافضي البرهان الثاني و العشرون قوله تعالى و الذي جاء بالصدق و صدق به أولئك هم المتقون من طريق أبي نعيم عن مجاهد في قوله و الذي جاءبالصدق محمد صلى الله عليه و سلم و آله و صدق به قال علي بن أبي طالب و من طريق الفقيه الشافعي عن مجاهد و الذي جاء بالصدق و صدق به قال جاء به محمد صلى الله عليه و سلم و صدق به علي و هذه فضيلة اختص بها فيكون هو الإمام.

*و الجواب من وجوه...

أحدها: أن هذا ليس منقولا عن النبي صلى الله عليه و سلم و قول مجاهد وحده ليس بحجة يجب اتباعها على كل مسلم لو كان هذا النقل صحيحا عنه فكيف إذا لم يكن ثابتا عنه فإنه قد عرف بكثرة الكذب و الثابت عن مجاهد خلاف هذا و هو أن الصدق هو القرآن و الذي صدق به هو المؤمن الذي عمل به فجعلها عامة رواه الطبري و غيره عن مجاهد قال هم أهل القرآن يجيئون به يوم القيامة

 

فيقولون هذا الذي أعطيتمونا قد اتبعنا ما فيه و رواه أبو سعيد الأشج قال حدثنا ابن إدريس عن ليث عن مجاهد فذكره و حدثنا المحاربي عن جويبر عن الضحاك و صدق به قال المؤمنون جميعا قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا أبو صالح حدثنا معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس و صدق به قال رسول الله صلى الله عليه و سلم.

الوجه الثاني: أن هذا معارض بما هو اشهر منه عند أهل التفسير و هو أن الذي جاء بالصدق محمد و الذي صدق به أبو بكر فإن هذا يقوله طائفة و ذكره الطبري بإسناده إلى علي قال جاء به محمد و صدق به أبو بكر و في هذا حكاية ذكرها بعضهم عن أبي بكر عبد العزيز بن جعفر غلام أبي بكر الخلال أن سائلا سأله عن هذه الآية فقال له هو أو بعض الحاضرين نزلت في أبي بكر فقال السائل بل في علي فقال أبو بكر ابن جعفر اقرأ ما بعدها أولئك هم المتقون إلى قوله ليكفر الله عنهم اسوأ الذي عملوا الآية فبهت السائل.

الثالث: أن يقال لفظ الآية عام مطلق لا يختص بابي بكر و لا بعلي

 

بل كل من دخل في عمومها دخل في حكمها و لا ريب أن أبا بكر و عمر و عثمان و عليا أحق هذه الأمة بالدخول فيها لكنها لا تختص بهم و قد قال تعالى فمن اظلم ممن كذب على الله و كذب بالصدق إذا جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين و الذي جاء بالصدق و صدق به أولئك هم المتقون الآية فقد ذم الله سبحانه و تعالى الكاذب على الله و المكذب بالصدق و هذا ذم عام و الرافضة اعظم أهل البدع دخولا في هذا الوصف المذموم فإنهم اعظم الطوائف افتراء للكذب على الله و أعظمهم تكذيبا بالصدق لما جاءهم وأبعد الطوائف عن المجيء بالصدق و التصديق به و أهل السنة المحضة أولى الطوائف بهذا فإنهم يصدقون و يصدقون بالحق في كل ما جاء به و ليس لهم هوى إلا مع الحق و الله تعالى مدح الصادق فيما يجئ به و المصدق بهذا الحق فهذا مدح للنبي صلى الله عليه و سلم و لكل من آمن به و بما جاء به و هو سبحانه لم يقل و الذي جاء بالصدق و الذي صدق به فلم يجعلهما صنفين بل جعلهما صنفا واحدا لأن المراد مدح النوع الذي يجئ بالصدق و يصدق بالصدق فهو ممدوح على اجتماع الوصفين على أن لا يكون من شأنه إلا أن يجيء بالصدق و من شأنه أن يصدق بالصدق و قوله جاء بالصدق اسم جنس لكل صدق و أن كان القرآن أحق بالدخول في ذلك من غيره و لذلك صدق به أي بجنس الصدق و قد

 

 

يكون الصدق الذي صدق به ليس هو عين الصدق الذي جاء به كما تقول فلان يسمع الحق و يقول الحق و يقبله و يأمر بالعدل و يعمل به أي هو موصوف بقول الحق لغيره و قبول الحق من غيره وأنه يجمع بين الأمر بالعدل و العمل به وإن كان كثير من العدل الذي يأمر به ليس هو عين العدل الذي يعمل به فلما ذم الله سبحانه من اتصف بأحد الوصفين الكذب على الله و التكذيب بالحق إذ كل منهما يستحق به الذم مدح ضدهما الخالي عنهما بأن يكون يجيء بالصدق لا بالكذب و أن يكون مع ذلك مصدقا بالحق لا يكون ممن يقوله هو و إذا قاله غيره لم يصدقه فإن من الناس من يصدق و لا يكذب لكن يكره أن غيره يقوم مقامه في ذلك حسدا و منافسة فيكذب غيره في غيره أو لا يصدقه بل يعرض عنه و فيهم من يصدق طائفة فيما قالت قبل أن يعلم ما قالوه اصدق هو أم كذب و الطائفة الأخرى لا يصدقها فيما تقول و أن كان صادقا بل إما أن يصدقها وإما أن يعرض عنها و هذا موجود في عامة أهل الأهواء تجد كثيرا منهم صادقا فيما ينقله لكن ما ينقله عن طائفته يعرض عنه فلا يدخل هذا في المدح بل في الذم لأنه لم يصدق بالحق الذي جاءه

 

 

والله قد ذم الكاذب والمكذب بالحق لقوله في غير آية ومن اظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق لما جاءه وقال ومن اظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته ولهذا لما كان مما وصف الله به الأنبياء الذين هم أحق الناس بهذه الصفة أن كلا منهم يجيء بالصدق فلا يكذب فكل منهم صادق في نفسه مصدق لغيره ولما كان قوله و الذي صنفا من الأصناف لا يقصد به واحد بعينه أعاد الضمير بصيغة الجمع فقال و الذي جاء بالصدق و صدق به أولئك هم المتقون وأنت تجد كثيرا من المنتسبين إلى علم و دين لا يكذبون فيما يقولونه بل لا يقولون إلا الصدق لكن لا يقبلون ما يخبر به غيرهم من الصدق بل يحملهم الهوى و الجهل على تكذيب غيرهم وإن كان صادقا أما تكذيب نظيره وإما تكذيب من ليس من طائفته و نفس تكذيب الصادق هو من الكذب ولهذا قرنه بالكاذب على الله فقال فمن اظلم ممن كذب على الله و كذب بالصدق إذ جاءه فكلاهما كاذب هذا كاذب فيما يخبر به عن الله و هذا كاذب فيما يخبر به عن المخبر عن الله

 

 

و النصارى يكثر فيهم المفترون للكذب على الله و اليهود يكثر فيهم المكذبون بالحق و هو سبحانه ذكر المكذب بالصدق نوعا ثانيا لأنه أولا لم يذكر جميع أنواع الكذب بل ذكر من كذب على الله و أنت إذا تدبرت هذا و علمت أن كل واحد من الكذب على الله و التكذيب بالصدق مذموم و أن المدح لا يستحقه إلا من كان آتيا بالصدق مصدقا للصدق علمت أن هذا مما هدى الله به عباده إلى صراطه المستقيم إذا تأملت هذا تبين لك أن كثيرا من الشر أو أكثره يقع من أحد هذين فتجد إحدى الطائفتين أو الرجلين من الناس لا يكذب فيما يخبر به من العلم لكن لا يقبل ما تأتي به الطائفة الأخرى فربما جمع بين الكذب على الله و التكذيب بالصدق و هذا وإن كان يوجد في عامة الطوائف شيء منه فليس في الطوائف ادخل في ذلك من الرافضة فإنما اعظم الطوائف كذبا على الله و على رسوله و على الصحابة و على ذوي القربى و كذلك هم من اعظم الطوائف تكذيبا بالصدق فيكذبون بالصدق الثابت المعلوم من المنقول الصحيح و المعقول الصريح فهذه الآية و لله الحمد ما فيها من مدح فهو يشتمل على الصحابة الذين افترت عليهم الرافضة و ظلمتهم فإنهم جاءوا بالصدق و صدقوا بهو هم من اعظم أهل الأرض دخولا في ذلك و علي منهم و ما فيها من ذم فالرافضة ادخل الناس فيه فهي حجة عليهم من الطرفين و ليس فيها حجة على اختصاص علي دون الخلفاء الثلاثة بشيء فهي حجة عليهم من كل وجه و لا حجة لهم فيها بحال.

*

فصل قال الرافضي البرهان الثالث و العشرون قوله تعالى هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين من طريق أبي نعيم عن أبي هريرة قال مكتوب على العرش لا اله إلا الله وحده لا شريك له محمد عبدي و رسولي أيدته بعلي بن أبي طالب و ذلك قوله في كتابه هو الذي أيدك بنصره و بالمؤمنين يعني بعلي و هذه من اعظم الفضائل التي لم تحصل لغيره من الصحابة فيكون هو الإمام.

 

*و الجواب من وجوه...

أحدها: المطالبة بصحة النقل و أما مجرد العزو إلى رواية أبي نعيم فليس حجة بالإتفاق و أبو نعيم له كتاب مشهور في فضائل الصحابة و قد ذكر قطعة من الفضائل في أول الحلية فإن كانوا يحتجون بما رواه فقد روى في فضائل أبي بكر و عمر و عثمان ما ينقض بنيانهم و يهدم أركانهم وإن كانوا لا يحتجون بما رواه فلا يعتمدون على نقله و نحن نرجع فيما رواه هو و غيره إلى أهل العلم بهذا الفن و الطرق التي بها يعلم صدق الحديث و كذبه من النظر في إسناده و رجاله و هل هم ثقات سمع بعضهم من بعض أم لا و ننظر إلى شواهد الحديث و ما يدل عليه على أحد الأمرين لا فرق عندنا بين ما يروى في فضائل علي أو فضائل غيره فما ثبت أنه صدق صدقناه و ما كان كذبا كذبناه فنحن نجيء بالصدق و نصدق به و لا نكذب صادقا و هذا معروف عند أئمة السنة و أما من افترى على الله كذبا أو كذب بالحق فعلينا أن نكذبه في كذبه وتكذيبه للحق كاتباع مسيلمة

 

الكذاب و المكذبين بالحق الذي جاء به الرسول و اتبعه عليه المؤمنون به صديقه الأكبر و سائر المؤمنين و لهذا نقول في.

الوجه الثاني: إن هذا الحديث كذب موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث و هذا الحديث و أمثاله مما جزمنا أنه كذب موضوع نشهد أنه كذب موضوع فنحن و الله الذي لا اله إلا هو نعلم علما ضروريا في قلوبنا لا سبيل لنا إلى دفعه أن هذا الحديث كذب ما حدث به أبو هريرة و هكذا نظائره مما نقول فيه مثل ذلك وكل من كان عارفا بعلم الحديث و بدين الإسلام يعرف و كل من لم يكن له بذلك علم لا يدخل معنا كما أن أهل الخبرة بالصرف يحلفون على ما يعلمون يعلمون أنه مغشوش وإن كان من لا خبرة له لا يميز بين المغشوش والصحيح.

الثالث: أن الله تعالى قال هو الذي أيدك بنصره و بالمؤمنين و ألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما الفت بين قلوبهم و لكن الله ألف بينهم و هذا نص في أن المؤمنين عدد مؤلف بين قلوبهم و علي واحد منهم ليس له قلوب يؤلف بينها و المؤمنون صيغة جمع فهذا نص صريح لا يحتمل أنه أراد به واحدا

 

معينا و كيف يجوز أن يقال المراد بهذا علي وحده.

الوجه الرابع: أن يقال من المعلوم بالضرورة و التواتر أن النبي صلى الله عليه و سلم ما كان قيام دينه بمجرد موافقة علي فإن عليا كان من أول من أسلم فكان الإسلام ضعيفا فلولا أن الله هدى من هداه إلى الأيمان و الهجرة و النصرة لم يحصل بعلي وحده شيء من التأييد و لم يكن إيمان الناس و هجرتهم و لا نصرتهم على يد علي و لم يكن علي منتصبا لا بمكة و لا بالمدينة للدعوة إلى الإيمان كما كان أبو بكر منتصبا لذلك و لم ينقل أنه أسلم على يد علي أحد من السابقين الأولين لا من المهاجرين ولا من الأنصار بل لا نعرف أنه على يد علي أحد من الصحابة لكن لما بعثه النبي صلى الله عليه و سلم إلى اليمن قد يكون قد أسلم على يديه من أسلم إن كان وقع ذلك و ليس أولئك من الصحابة وإنما أسلم أكابر الصحابة على يد أبي بكر و لا كان يدعو المشركين و يناظرهم كما كان أبو بكر يدعوهم و يناظرهم و لا كان المشركون يخافونه كما يخافون أبا بكر و عمر بل قد ثبت في الصحاح و المساند و المغازي واتفق عليه الناس أنه لما كان يوم أحد وانهزم المسلمون صعد أبو سفيان على الجبل و قال أفي القوم محمد أفي القوم محمد فقال النبي صلى الله عليه و سلم

 

لا تجيبوه فقال أفي القوم ابن أبي قحافة أفي القوم ابن أبي قحافة فقال النبي صلى الله عليه و سلم لا تجيبوه فقال أفي القوم ابن الخطاب فقال النبي صلى الله عليه و سلم لا تجيبوه فقال لأصحابه أما هؤلاء فقد كفيتموهم فلم يملك عمر رضي الله عنه نفسه أن قال كذبت يا عدو الله إن الذين عددت لأحياء و قد بقي لك ما يسوؤك فقال يوم بيوم بدر فقال عمر لا سواء قتلانا في الجنة و قتلاكم في النار ثم أخذ أبو سفيان يرتجز و يقول اعل هبل اعل هبل فقال النبي صلى الله عليه و سلم ألا تجيبوه فقالوا و ما نقول قال قولوا الله أعلى وأجل فقال إن لنا العزى و لا عزى لكم فقال النبي صلى الله عليه و سلم ألا تجيبوه فقالوا و ما نقول قال قولوا الله مولانا و لا مولى لكم فقال ستجدون في القوم مثله لم آمر بها و لم تسؤني فهذا جيش المشركين إذ ذاك لا يسال إلا على النبي صلى الله عليه و سلم و أبي بكر و عمر فلو كان القوم خائفين من علي أو عثمان أو طلحة أو الزبير أو نحوهم أو كان للرسول تأييد بهؤلاء كتأييده بابي بكر و عمر لكان يسال عنهم كما يسال عن هؤلاء فإن المقتضى للسؤال قائم و المانع

 

 

منتف و مع وجود القدرة و الداعي و انتفاء الصارف يجب معه وجود الفعل.

الوجه الخامس: أنه لم يكن لعلي في الإسلام اثر حسن إلا و لغيره من الصحابة مثله و لبعضهم آثار اعظم من آثاره و هذا معلوم لمن عرف السيرة الصحيحة الثابتة بالنقل و أما من يأخذ بنقل الكذابين و أحاديث الطرقية فباب الكذب مفتوح و هذا الكذب يتعلق بالكذب على الله و من اظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق لما جاءه و مجموع المغازي التي كان فيها القتال مع النبي صلى الله عليه و سلم تسع مغاز و المغازي كلها بضع و عشرون غزاة و أما السرايا فقد قيل إنها تبلغ سبعين و مجموع من قتل من الكفار في غزوات الرسول صلى الله عليه و سلم يبلغون ألفا أو اكثر أو اقل و لم يقتل علي منهم عشرهم و لا نصف عشرهم وأكثر السرايا لم يكن يخرج فيها و أما بعد النبي صلى الله عليه و سلم فلم يشهد شيئا من الفتوحات لا هو و لا عثمان و لا طلحة

 

و لا الزبير إلا أن يخرجوا مع عمر حين خرج إلى الشام و أما الزبير فقد شهد فتح مصر و سعد شهد فتح القادسية و أبو عبيدة فتح الشام فكيف يكون تأييد الرسول بواحد من أصحابه دون سائرهم و الحال هذه و أين تأييده بالمؤمنين كلهم من السابقين الأولين من المهاجرين و الأنصار الذين بايعوه تحت الشجرة و التابعين لهم بإحسان و قد كان المسلمون يوم بدر ثلاثمائة و ثلاث عشر و يوم أحد نحو سبعمائة و يوم الخندق اكثر من ألف أو قريبا من ذلك و يوم بيعة الرضوان ألفا و أربع مائة و هم الذين شهدوا فتح خيبر و يوم فتح مكة كانوا عشرة آلاف و يوم حنين كانوا اثني عشر ألفا تلك العشرة و الطلقاء ألفان و أما تبوك فلا يحصى من شهدها بل كانوا اكثر من ثلاثين ألفا و أما حجة الوداع فلا يحصى من شهدها معه و كان قد أسلم على عهده أضعاف من رآه و كان من أصحابه و أيده الله بهم في حياته باليمن و غيرها و كل هؤلاء من المؤمنين الذين أيده الله بهم بل كل من آمن و جاهد إلى يوم القيامة دخل في هذا المعنى.

*

فصل قال الرافضي البرهان الرابع و العشرون قوله تعالى يا أيها النبي حسبك الله و من اتبعك من المؤمنين من طريق أبي نعيم قال نزلت في علي و هذه فضيلة لم تحصل لأحد من الصحابة غيره فيكون هو الإمام.

*و الجواب من وجوه...

أحدها: منع الصحة.

الثاني: أن هذا القول ليس بحجة.

الثالث: أن يقال هذا الكلام من اعظم الفرية على الله و رسوله و ذلك أن قوله حسبك الله و من اتبعك من المؤمنين معناه أن الله حسبك و حسب من اتبعك من المؤمنين فهو وحده كافيك و كافي من معك من المؤمنين و هذا كما تقول العرب حسبك و زيدا درهم و منه قول الشاعر فحسبك و الضحاك سيف مهند

 

و ذلك أن حسب مصدر فلما أضيف لم يحسن العطف عليه إلا بإعادة الجار فإن العطف بدون ذلك وإن كان جائزا في اصح القولين فهو قليل و إعادة الجار احسن وأفصح فعطف على المعنى و المضاف إليه في معنى المنصوب فإن قوله فحسبك و الضحاك معناه يكفيك و الضحاك وزياده المصدر يعمل عمل الفعل لكن إذا أضيف عمل في غير المضاف إليه و لهذا أن أضيف إلى الفاعل نصب المفعول و أن أضيف إلى المفعول رفع الفاعل فتقول أعجبني دق القصار الثوب و هذا وجه الكلام و تقول أعجبني دق الثوب القصار و من النحاة من يقول أعماله منكرا احسن من أعماله مضافا لأنه بالإضافة قوي شبهه بالأسماء و الصواب أن إضافته إلى أحدهما و أعماله في الآخر احسن من تنكيره و أعماله فيهما فقول القائل أعجبني دق القصار الثوب احسن من قوله دق الثوب القصار فإن التنكير أيضا من خصائص الأسماء و الإضافة أخف لأنه اسم و الأصل فيه أن يضاف و لا يعمل لكن لما تعذرت إضافته إلى الفاعل و المفعول جميعا أضيف إلى أحدهما و اعمل في الآخر و هكذا في المعطوفات أن أمكن إضافتها أليها كلها كالمضاف إلى الظاهر فهو احسن كقول النبي صلى الله عليه و سلم أن الله حرم بيعالخمر والميتة والدم والخنزير والأصنام وكقولهم نهى عن بيع الملاقيح والمضامين وحبل الحبلة وإن تعذر لم يحسن ذلك كقولك حسبك وزيدا درهم عطفا على المعنى ومما يشبه هذا قوله وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا نصب هذا على محل الليل المجرور فإن اسم الفاعل كالمصدر ويضاف تارة ويعمل تارة أخرى

 

 

وقد ظن بعض الغالطين أن معنى الآية أن الله والمؤمنين حسبك ويكون من اتبعك رفعا عطفا على الله وهذا خطا قبيح مستلزم للكفر فإن الله وحده حسب جميع الخلق كما قال تعالى الذين قال لهم الناس أن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا و قالوا حسبنا الله و نعم الوكيل أي الله وحده كافينا كلنا و في البخاري عن ابن عباس في هذه الكلمة قالها إبراهيم حين القي في النار و قالها محمد حين قال لهم الناس أن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا و قالوا حسبنا الله و نعم الوكيل فكل من النبيين قال حسبي الله فلم يشرك بالله غيره في كونه حسبه فدل على أن الله وحده حسبه ليس معه غيره و مه قوله تعالى أليس الله بكاف عبده و قوله تعالى و لو أنهم رضوا ما أتاهم الله و رسوله و قالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله و رسوله الآية فدعاهم إلى أن يرضوا ما اتاهم الله و رسوله و إلى أن يقولوا حسبنا الله و لا يقولوا حسبنا الله و رسوله لأن الإيتاء يكون بأذن الرسول كما قال و ما آتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا

 

 

و أما الرغبة فإلى الله كما قال تعالى فإذا فرغت فانصب و إلى ربك فارغب و كذلك التحسب الذي هو التوكل على الله وحده فلهذا أمروا أن يقولوا حسبنا الله و لا يقولوا و رسوله فإذا لم يجز أن يكون الله و رسوله حسب المؤمن كيف يكون المؤمنون مع الله حسبا لرسوله و أيضا فالمؤمنون محتاجون إلى الله كحاجة الرسول إلى الله فلا بد لهم من حسبهم و لا يجوز أن يكون معونتهم و قوتهم من الرسول و قوة الرسول منهم فإذا هذا يستلزم الدور بل قوتهم من الله وقوة الرسول من الله فالله وحده يخلق قوتهم و الله وحده يخلق قوة الرسول فهذا كقوله هو الذي أيدك بنصره و بالمؤمنين و ألف بين قلوبهم فإنه وحده هو المؤيد للرسول بشيئين أحدهما نصره الذي ينصر به و الثاني بالمؤمنين الذين اتى بهم و هناك قال حسبك الله و لم يقل نصر الله فنصر الله منه كما أن المؤمنين من مخلوقاته أيضا فعطف ما منه على ما منه إذ كلاهما منه و أما هو سبحانه فلا يكون معه غيره في إحداث شيء من الأشياء بل هو وحده الخالق لكل ما سواه و لا يحتاج في شيء من ذلك إلى غيره و إذا تبين هذا فهؤلاء الرافضة رتبوا جهلا على جهل فصاروا في

 

 

ظلمات بعضها فوق بعض فظنوا أن قوله حسبك الله و من أتبعك من المؤمنين معناه أن الله و من اتبعك من المؤمنين حسبك ثم جعلوا المؤمنين الذين اتبعوه هم علي بن أبي طالب و جهلهم في هذا اظهر من جهلهم في الأول فإن الأول قد يشتبه على بعض الناس و أما هذا فلا يخفى على عاقل فإن عليا لم يكن وحده من الخلق كافيا لرسول الله صلى الله عليه و سلم و لو لم يكن معه إلا علي لما اقام دينه و هذا علي لم يغن عن نفسه و معه أكثر جيوش الأرض بل لما حاربه معاوية مع أهل الشام كان معاوية مقاوما له أو مستظهرا سواء كان ذلك بقوة قتال أو قوة مكر و احتيال فالحرب خدعة الرأي قبل شجاعة الشجعان هو أول و هي المحل الثاني فإذا هما اجتمعا لنفس مرة بلغت من العلياء كل مكان فإذا لم يغن عن نفسه بعد ظهور الإسلام و اتباع اكثر أهل الأرض له فكيف يغني عن الرسول صلى الله عليه و سلم و أهل الأرض كلهم أعداؤه و إذا قيل أن عليا أنما لم يغلب معاوية و من معه لأن جيشه لا يطيعونه بل كانوا مختلفين عليه

 

 

قيل فإذا كان من معه من المسلمين لم يطيعوه فكيف يطيعه الكفار الذين يكفرون بنبيه و به و هؤلاء الرافضة يجمعون بين النقيضين لفرط جهلهم و ظلمهم يجعلون عليا اكمل الناس قدرة و شجاعة حتى يجعلوه هو الذي اقام دين الرسول و أن الرسول كان محتاجا إليه و يقولون مثل هذا الكفر إذ يجعلونه شريكا لله في إقامة دين محمد ثم يصفونه بغاية العجز و الضعف و الجزع و التقية بعد ظهور الإسلام و قوته و دخول الناس فيه أفواجا و من المعلوم قطعا أن الناس بعد دخولهم في الدين الإسلام أتبع للحق نمهم قبل دخولهم فيه فمن كان مشاركا لله في إقامة دين محمد حتى قهر الكفار و أسلم الناس كيف لا يفعل هذا في قهر طائفة بغوا عليه هم اقل من الكفار الموجودين عند بعثة الرسول و اقل منهم شوكة و اقرب إلى الحق منهم فإن الكفار حين بعث الله محمدا كانوا اكثر ممن نازع عليا ابعد عن الحق فإن أهل الحجاز و الشام و اليمن و مصر و العراق و خرا سان و المغرب كلهم كانوا كفارا ما بين مشرك و كتابي و مجوسي و صابئ و لما مات النبي صلى الله عليه و سلم كانت جزيرة العرب قد ظهر فيها الإسلام و لما قتل عثمان كان الإسلام قد ظهر في الشام و مصر و العراق و خرا سان و المغرب فكان أعداء الحق عند موت النبي صلى الله عليه و سلم اقل منهم

 

 

و اضعف و اقل عداوة منهم له عند مبعثه و كذلك كانوا عند مقتل عثمان اقل منهم و اضعف و اقل عداوة منهم له حين بعث محمد صلى الله عليه و سلم فإن جميع الحق الذي كان يقاتل عليه علي هو جزء من الحق الذي قاتل عليه النبي صلى الله عليه و سلم فمن كذب بالحق الذي بعث به محمد صلى الله عليه و سلم و قاتله عليه كذب بما قاتل عليه علي من ذلك فإذا كان على في هذه الحال قد ضعف وعجز عن نصر الحق ودفع الباطل فكيف يكون حاله حين المبعث وهو اضعف واعجز و أعداء الحق اعظم واكثر واشد عداوة ومثل الرافضة في ذلك مثل النصارى ادعوا في المسيح الإلهية وأنه رب كل شيء ومليكه وهو على كل شيء قدير ثم يجعلون أعداءه صفعوه ووضعوا الشوك على رأسه وصلبوه وأنه جعل يستغيث فلا يغيثوه فلا افلحوا بدعوى تلك القدرة القاهرة ولا بإثبات هذه الذلة التامة وأن قالوا كان هذا برضاه قيل فالرب أنما يرضى بأن يطاع لا بأن يعصى فإن كان قتله وصلبه برضاه كان ذلك عبادة وطاعة لله فيكون اليهود الذين صلبوه عابدين

 

 

لله مطيعين في ذلك فيمدحون على ذلك لا يذمون وهذا من اعظم الجهل والكفر وهكذا يوجد من فيه شبه من النصارى والرافضة من الغلاة في أنفسهم وشيوخهم تجدهم في غاية الدعوى وفي غاية العجز كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب اليم شيخ زان وملك كذاب وفقير مختال وفي لفظ عائل مزهو وفي لفظ وعائل مستكبر وهذا معنى قول بعض العامة الفقر والزنطرة فهكذا شيوخ الدعاوى والشطح يدعى أحدهم الإلهية وما هو اعظم من النبوة ويعزل الرب عن ربوبيته والنبي عن رسالته ثم آخرته شحاذ يطلب ما يقيته أو خائف يستعين بظالم على دفع مظلمته فيفتقر إلى لقمة ويخاف من كلمة فأين هذا الفقر والذل من دعوى الربوبية المتضمنة للغنى والعز وهذه حال المشركين الذين قال الله فيهم ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوى به الريح في مكان سحيق

 

 

وقال مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وأن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون وقال سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا والنصارى فيهم شرك بين كما قال تعالى اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا اله إلا هو سبحانه عما يشركون وهكذا من أشبههم من الغالية من الشيعة والنساك فيه شرك وغلو كما في النصارى شرك وغلو واليهود فيهم كبر والمستكبر معاقب بالذل قال تعالى ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباءوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون وقال تعالى أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون فتكذيبهم وقتلهم للأنبياء كان استكبارا فالرافضة فيهم شبه من اليهود من وجه وشبه من النصارى من وجه ففيهم شرك وغلو وتصديق بالباطل كالنصارى وفيهم من جبن وكبر وحسد وتكذيب بالحق كاليهود

 

 

وهكذا غير الرافضة من أهل الأهواء والبدع تجدهم في نوع من الضلال ونوع من الغي فيهم شرك وكبر لكن الرافضة ابلغ من غيرهم في ذلك ولهذا تجدهم من اعظم الطوائف تعطيلا لبيوت الله ومساجده من الجمع والجماعات التي هي أحب الاجتماعات إلى الله وهم أيضا لا يجاهدون الكفار أعداء الدين بل كثيرا ما يوالونهم ويستعينون بهم على عداوة المسلمين فهم أولياء الله المؤمنين ويوالون أعداءه المشركين وأهل الكتاب كما يعادون أفضل الخلق من المهاجرين والأنصار الذين اتبعوهم بإحسان ويوالون اكفر الخلق من الإسماعيلية و النصيرية ونحوهم من الملاحدة وأن كانوا يقولون هم كفار فقلوبهم وابدأنهم إليهم أميل منها إلى المهاجرين والأنصار والتابعين وجماهير المسلمين وما من أحد من أهل الأهواء والبدع حتى المنتسبين إلى العلم والكلام والفقه والحديث والتصوف إلا وفيه شعبة من ذلك كما يوجد أيضا شعبة من ذلك في أهل الأهواء من اتباع الملوك والوزراء والكتاب والتجار لكن الرافضة ابلغ في الضلال والغي من جميع الطوائف أهل البدع.

*

فصل قال الرافضي البرهان الخامس و العشرون قوله تعالى فسوف يأتي الله بقوم يحبهم و يحبونه قال الثعلبي أنما نزلت في علي و هذا يدل على أنه أفضل فيكون هو الإمام.

*و الجواب من وجوه...

أحدها: أن هذا كذب على الثعلبي فإنه قال في تفسيره في هذه الآيه قال علي و قتادة و الحسن أنهم أبو بكر و أصحابه و قال مجاهد هم أهل اليمن و ذكر حديث عياض بن غنم أنهم أهل اليمن و ذكر الحديث أتاكم أهل اليمن فقد نقل الثعلبي أن عليا فسر هذه الآية بأنهم أبو بكر و أصحابه و أما أئمة التفسير فروى الطبري عن المثنى حدثنا عبد الله بن هاشم حدثنا سيف بن عمر عن أبي روق عن الضحاك عن أبي أيوب عن علي في قوله يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه قال علم الله المؤمنين و وقع معنى السوء

 

على الحشو الذي فيهم من المنافقين و من في علمه أن يرتدوا فقال من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله المرتدة في دورهم بقوم يحبهم و يحبونه بابي بكر و أصحابه رضي الله عنهم و ذكر بإسناده هذا القول عن قتادة و الحسن و الضحاك و ابن جريج و ذكر قوم أنهم الأنصار و عن آخرين أنهم أهل اليمن و رجح هذا الآخر و أنهم رهط أبي موسى قال و لولا صحة الخبر بذلك عن النبي صلى الله عليه و سلم ما كان القول عندي في ذلك إلا قول من قال هم أبو بكر و أصحابه قال لما ارتد المرتدون جاء الله بهؤلاء على عهد عمر رضي الله عنه.

الثاني: أن هذا قول بلا حجة فلا يجب قبوله.

الثالث: أن هذا معارض بما هو اشهر منه واظهر و هو أنها نزلت في أبي بكر و أصحابه الذين قاتلوا معه أهل الردة و هذا هو المعروف عند الناس كما تقدم لكن هؤلاء الكذابون أرادوا أن يجعلوا الفضائل التي جاءت في أبي بكر يجعلونها لعلي و هذا من المكر السيء الذي لا يحيق إلا بأهله و حدثني الثقة من أصحابنا أنه اجتمع بشيخ اعرفه و كان فيه دين و زهد و أحوال معروفة لكن كان فيه تشيع قال و كان عنده كتاب يعظمه و يدعي أنه من الأسرار و أنه أخذه من خزائن الخلفاء و بالغ في وصفه فلما أحضره فإذا به كتاب قد كتب بخط حسن و قد عمدوا إلى الأحاديث التي في البخاري و مسلم جميعها في فضائل أبي بكر و عمر و نحوهما جعلوها لعلي و لعل هذا الكتاب كان من خزائن بني عبيد المصريين فإن خواصهم كانوا ملاحدة زنادقة غرضهم قلب الإسلام و كانوا قد وضعوا من الأحاديث المفتراة التي يناقضون بها الدين ما لا يعلمه إلا الله و مثل هؤلاء الجهال يظنون ان الاحداث التي في البخاري و مسلم أنما أخذت عن البخاري و مسلم كما يظن مثل ابن الخطيب و نحوه ممن لا يعرف حقيقة الحال و أن البخاري و مسلما كان الغلط يروج عليهما أو

 

كانا يتعمد أن الكذب و لا يعلمون أن قولنا رواه البخاري و مسلم علامة لنا على ثبوت صحته لا أنه كان صحيحا بمجرد رواية البخاري و مسلم بل أحاديث البخاري و مسلم رواها غيرهما من العلماء و المحدثين من لا يحصي عدده إلا الله و لم ينفرد واحد منهما بحديث بل ما من حديث إلا و قد رواه قبل زمانه و في زمانه و بعد زمانه طوائف و لو لم يخلق البخاري و مسلم لم ينقص من الدين شيء و كانت تلك الأحاديث موجوده بأسانيد يحصل بها المقصود و فوق المقصود و أنما قولنا رواه البخاري و مسلم كقولنا قراه القراء السبعة و القرآن منقول بالتواتر لم يختص هؤلاء السبعة بنقل شيء منه و كذلك التصحيح لم يقلد أئمة الحديث فيه البخاري و مسلما بل جمهور ما صححاه كان قبلهما عند أئمة الحديث صحيحا متلقي بالقبول و كذلك في عصرهما و كذلك بعدهما قد نظر أئمة هذا الفن في كتابيهما و وافقوهما على تصحيح ما صححاه إلا مواضع يسيرة نحو عشرين حديثا غالبها في مسلم أنتقدها عليهما طائفة من الحفاظ و هذه

 

 

المواد المنتقدة غالبها في مسلم و قد أنتصر طائفة لهما فيها وطائف قررت قول المنتقدة و الصحيح التفصيل فإن فيها مواضع منتقدة بلا ريب مثل حديث أم حبيبة و حديث خلق الله البرية يوم السبت و حديث صلاة الكسوف بثلاث ركوعات و اكثر و فيها مواضع لا انتقاد فيها في البخاري فإنه ابعد الكتابين عن الانتقاد و لا يكاد يروي لفظا فيه انتقاد إلا ويروي اللفظ الآخر الذي يبين أنه منتقد فما في كتابه لفظ منتقد إلا و في كتابه ما يبين أنه منتقد و في الجملة من نقد سبعة آلاف درهم فلم يرج عليه فيها إلا دراهم يسيرة و مع هذا فهي مغيرة ليست مغشوشة محضة فهذا إمام في صنعته و الكتابان سبعة آلاف حديث و كسر و المقصود أن أحاديثهما أنتقدها الأئمة الجهابذة قبلهم بعدهم و رواها خلائق لا يحصي عددهم إلا الله فلم ينفردا لا برواية و لا بتصحيح و الله سبحانه و تعالى هو الكفيل بحفظ هذا الدين كما قال تعالى أنا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظون و هذا مثل غالب المسائل التي توجد في الكتب المصنفة في مذاهب الأئمة مثل القدوري و التنبيه و الخرقي و الجلاب غالب ما فيها إذا

 

 

قيل ذكره فلأن علم أنه مذهب ذلك الإمام و قد نقل ذلك سائر أصحابه و هم خلق كثير ينقلون مذهبه بالتواتر و هذه الكتب فيها مسائل أنفرد بها بعض أهل المذهب وفيها نزاع بينهم لاكن غالبا هو قول أهل المذهب و أما البخاري و مسلم فجمهور ما فيهما أتفق عليه أهل العلم بالحديث الذين هم اشد عناية بألفاظ الرسول و ضبطا لها و معرفة بها من اتباع الأئمة لألفاظ أئمتهم وعلماء الحديث أعلم بمقاصد الرسول في ألفاظه من أتباع الأئمة بمقاصد أئمتهم و النزاع بينهم في ذلك اقل من تنازع اتباع الأئمة في مذاهب أئمتهم و الرافضة لجهلهم يظنون أنهم إذا قبلوا ما في نسخة من ذلك و جعلوا فضائل الصديق لعلي أن ذلك يخفى على أهل العلم الذين حفظ الله بهم الذكر.

الرابع:أن يقال أن الذي تواتر عند الناس أن الذي قاتل أهل الردة هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه الذي قاتل مسيلمة الكذاب المدعي للنبوة و اتباعه بني حنيفة و أهل اليمامة ز قد قيل كانوا نحو مائة ألف أو اكثر و قاتل طليحة الاسدي و كان قد ادعى النبوة بنجد و اتبعه من أسد تميم وغطفات ما شاء الله ادعت النبوة سجاح امرأة تزوجها مسيلمة الكذاب فتزوج الكذاب بالكذابة

 

و أيضا فكان من العرب من ارتد عن الإسلام و لم يتبع متنبئا كذابا و منهم قوم اقروا بالشهادتين لكن امتنعوا من أحكامهما كمانعي الزكاة و قصص هؤلاء مشهورة متواترة يعرفها كل من له بهذا الباب أدنى معرفة و المقاتلون للمرتدين هم من الذين يحبهم الله و يحبونه و هم أحق الناس بالدخول في هذه الآية و كذلك الذين قاتلوا سائر الكفار من الروم و الفرس و هؤلاء أبو بكر و عمر و من اتبعهما من أهل اليمن و غيرهم و لهذا روي أن هذه الآية لما نزلت سئل النبي صلى الله عليه و سلم عن هؤلاء فأشار إلى أبي موسى الاشعري و قال هم قوم هذا فهذا أمر يعرف بالتواتر و الضرورة أن الذين أقاموا الإسلام و ثبتوا عليه حين الردة وقاتلوا المرتدين و الكفار هم داخلون في قوله فسوف يأتي الله بقوم يحبهم و يحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله و لا يخافون في الله لومة لائم و أما علي رضي الله عنه فلا ريب أنه ممن يحب الله و يحبه الله لكن ليس بأحق بهذه الصفة من أبي بكر و عمر و عثمان و لا كان جهاده للكفار و المرتدين اعظم من جهاد هؤلاء و لا حصل به من المصلحة للدين اعظم مما حصل بهؤلاء بل كل منهم له سعي مشكور و عمل مبرور و آثار صالحة في الإسلام و الله يجزيهم عن الإسلام و أهله خير جزاء فهم

 

 

الخلفاء الراشدون و الأئمة المهديون الذين قضوا بالحق و به كانوا يعدلون و أما أن يأتي إلى أئمة الجماعة الذين كان نفعهم في الدين و الدنيا اعظم فيجعلهم كفارا أو فساقا ظلمة و يأتي إلى من لم يجر على يديه من الخير مثل ما جرى على يد واحد منهم فيجعله الله أو شريكا لله أو شريك رسول الله صلى الله عليه و سلم أو الإمام المعصوم الذي لا يؤمن إلا من جعله معصوما منصوصا عليه و من خرج عن هذا فهو كافر و يجعل الكفار المرتدين الذي قاتلهم أولئك كانوا مسلمين و يجعل المسلمين الذين يصلون الصلوات الخمس و يصومون شهر رمضان و يحجون البيت و يؤمنون بالقرآن يجعلهم كفارا لأجل قتال هؤلاء فهذا عمل أهل الجهل و الكذب و الظلم و الإلحاد في دين الإسلام عمل من لا عقل له و لا دين و لا إيمان و العلماء دائما يذكرون أن الذي ابتدع الرفض كان زنديقا ملحدا مقصوده إفساد دين الإسلام و لهذا صار الرفض مأوى الزنادقة الملحدين من الغالية و المعطلة كالنصيرية و الإسماعيلية و نحوهم و أول الفكرة آخر العمل فالذي ابتدع الرفض كان مقصوده إفساد

 

 

دين الإسلام ونقض عراه وقلعه بعروشه اخرا لكن صار يظهر منه ما يكنه من ذلك ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون وهذا معروف عن ابن سبا واتباعه وهو الذي ابتدع النص في علي وابتدع أنه معصوم فالرافضة الأمامية هم اتباع المرتدين وغلمان الملحدين وورثة المنافقين لم يكونوا أعيان المرتدين الملحدين.

الوجه الخامس: أن يقال هب أن الآية نزلت في علي أيقول القائل أنها مختصة به ولفضها يصرح بأنهم جماعة قال تعالى من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه إلى قوله لومة لائم أفليس هذا صريحا في أن هؤلاء ليسوا رجلا فإن الرجل لا يسمى قوما في لغة العرب لا حقيقة ولا مجازا ولو قال المراد هو وشيعته لقيل إذا كانت الآية أدخلت مع على غيره فلا ريب أن الذين قاتلوا الكفار والمرتدين أحق بالدخول فيها ممن لم يقاتل إلا أهل القبلة فلا ريب أن أهل اليمن الذين قاتلوا مع أبي بكر وعمر وعثمان أحق بالدخول فيها من الرافضة الذين يوالون اليهود والنصارى والمشركين ويعادون السابقين الأولين فإن قيل الذين قاتلوا مع علي كان كثير منهم من أهل اليمن قيل والذين قاتلوه أيظا كان كثير منهم من أهل اليمن فكلا

 

العسكرين كانت اليمانية والقيسية فيهم كثيرة جدا واكثر اذواء اليمن كانوا مع معاوية كذى كلاع وذى وذي رعين عمرو ونحوهم وهم الذين يقال لهم الذوين كما قال الشاعر وما أعني بذلك أصغريهم ولكنى أريد به الذوينا.

الوجه السادس: قوله فسوف يأتي الله بقوم بحبهم ويحبونه لفظ مطلق ليس فيه تعيين وهو متناول لمن قام بهذه الصفات كائنا ما كان لا يختص ذلك بابي بكر ولا بعلي وإذا لم يكن مختصا بإحداهما لم يكن هذا من خصائصه فبطل أن يكون بذلك أفضل ممن يشاركه فيه فضلا عن أن يستوجب بذلك الإمامة بل هذه الآية تدل على أنه لا يرتد أحد عن الدين إلى يوم القيامة إلا اقام الله قوما يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون هؤلاء المرتدين والردة قد تكون عن اصل الإسلام كالغالية من النصيرية والإسماعيلية فهؤلاء مرتدون باتفاق أهل السنة والشيعة وكالعباسيةوقد تكون الردة عن بعض الدين كحال أهل البدع الرافضة وغيرهم والله تعالى يقيم قوما يحبهم ويحبونه ويجاهدون من ارتد عن الدين أو عن بعضه كما يقيم من يجاهد الرافضة المرتدين عن الدين أو عن بعضه في كل زمان والله سبحانه المسؤول أن يجعلنا من الذين يحبهم ويحبونه الذين يجاهدون المرتدين واتباع المرتدين ولا يخافون لومة لائم.

*

فصل قال الرافضي البرهان السادس والعشرون قوله تعالى والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم روى أحمد بن حنبل بإسناد عن أبي ليلى عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

 

الصديقون ثلاثة حبيب بن موسى النجار مؤمن آل ياسين الذي قال يا قوم اتبعوا المرسلين وحزقيل مؤمن آل فرعون الذي قال اتقتلوا رجلا أن يقول ربي الله وعلي بن أبي طالب الثالث وهو أفضلهم ونحوه روى أبن المغازلي الفقيه الشافعي وصاحب كتاب الفردوس هذه وفضيلة تدل على إمامته.

*والجواب من وجوه إحدهما المطالبة بصحة الحديث وهذا ليس في مسند أحمد ومجرد روايته له في الفضائل لو كان رواه لا يدل على صحته عنده باتفاق أهل العلم فإنه يروي ما رواه الناس وأن لم تثبت صحته وكل من عرف العلم يعلم أنه ليس كل حديث رواه أحمد في الفضائل ونحوه يقول أنه صحيح بل ولا كل حديث رواه في مسنده يقول أنه صحيح بل أحاديث مسنده هي التي رواها الناس عمن هو معروف عند الناس بالنقل ولم يظهر كذبه وقد يكون في بعضها علة تدل على أنه ضعيف بل باطل لكن غالبها وجمهورها أحاديث جيدة يحتج بها وهي أجود من أحاديث سنن أبي داود و أما ما رواه في الفضائل فليس من هذا الباب عنده والحديث قد يعرف أن محدثه غلط فيه أو كذبه من غير علم بحال المحدث بل بدلائل آخروالكوفيون كان قد اختلط كذبهم بصدقهم فقد يخفى كذب أحدهم أو غلطه على المتأخرين ولكن يعرف ذلك بدليل آخر فكيف وهذا الحديث لم يروه أحمد لا في المسند ولا في كتاب الفضائل وإنما هو من زيادات القطيعى رواه عن محمد بن يونس القرشي حدثنا الحسن بن محمد الأنصاري حدثنا عمرو بن جميع حدثنا بن أبي ليلى عن أخيه عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره

 

ورواه القطيعي أيضا من طريق آخر قال كتب إلينا عبد الله بن غنام الكوفي يذكر أن الحسن بن عبد الرحمن بن أبي ليلى المكفوف حدثهم قال حدثنا عمرو بن جميع حدثنا محممد بن أبي ليلى عن عيسى ثم ذكر الحديث وعمرو بن جميع ممن لا يحتج بنقله بل قال بن عدي يتهم بالوضع قال يحيى كذاب خبيث وقال النسائي والدار قطني متروك وقال بن حبان يروي الموضوعات عن الإثبات والمناكير عن المشاهير لا يحل كتب حديثه إلا على سبيل الاعتبار الثاني أن هذا الحديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الثالث: أن في الصحيح من غير وجه تسميه غير علي صديقا كتسمية أبي بكر الصديق فكيف يقال الصديقون الثلاثة وفي الصحيحين عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد أحداوتبعه أبو بكر وعمر وعثمان فرجف بهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم اثبت أحد فما عليك إلا نبي أو صديق وشهيدان ورواه الإمام أحمد عن يحيى بن سعيد عن قتادة عن أنس وفي رواية ارتج بهم أحد وفي الصحيح عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر والبر يهدي إلى الجنة ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور والفجور يهدي إلى النار ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا.

الوجه الرابع: أن الله تعالى قد سمى مريم صديقة فكيف يقال الصديقون ثلاثة

 

الوجه الخامس: أن قول قول القائل الصديقون ثلاثة أن أراد به أنه لا صديق إلا هؤلاء فإنه كذب مخالف للكتاب والسنة و إجماع المسلمين وأن أراد أن الكامل في الصديقية هم الثلاثة فهو أيضا خطا لأن امتنا خير أمة أخرجت للناس فكيف يكون المصدق بموسى ورسل عيسى أفضل من المصدقين بمحمد والله تعالى لم يسم مؤمن آل فرعون صديقا ولا يسمى صاحب آل ياسين صديقا ولكنهم صدقوا بالرسل والمصدقون بمحمد صلى الله عليه وسلم أفضل منهم وقد سمى الله الأنبياء صديقين في مثل قوله واذكر في الكتاب إبراهيم أنه كان صديقا نبيا واذكر في الكتاب إدريس أنه كان صديقا نبيا وقوله عن يوسف أيها الصديق.

الوجه السادس: أن الله تعالى قال والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم وهذا يقتضي أن كل مؤمن آمن بالله ورسله فهو صديق.

السابع: أن يقال أن كان الصديق هو الذي يستحق الإمامة فأحق الناس بكونه صديقا أبو بكر فإنه الذي ثبت له هذا الاسم بالدلائل الكثيرة وبالتواتر الضروري عند الخاص والعام حتى أن أعداء الإسلام يعرفون ذلك فيكون هو المستحق للإمامة وأن لم يكن كونه صديقا يستلزم الإمامة بطلت الحجة.

*

فصل قال الرافضي البرهان السابع والعشرون قوله تعالى الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية من طريق أبي نعيم بإسناده إلى ابن عباس نزلت في على كان معه أربعة دراهم فأنفق درهما بالليل ودرهما بالنهار ودرهما سرا ودرهما علانية وروى الثعلبي ذلك ولم يحصل ذلك لغيره فيكون أفضل فيكون هو الإمام.

 

*والجواب من وجوه...

أحدها: المطالبة بصحة النقل ورواية أبي نعيم والثعلبي لا تدل على الصحة.

الثاني: أن هذا كذب ليس بثابت.

الثالث: أن الآية عامة في كل من ينفق بالليل والنهار سرا وعلانية فمن عمل بها دخل فيها سواء كان عليا أو غيره ويمتنع أن لا يراد بها إلا واحد معين.

الرابع: أن ما ذكر من الحديث يناقض مدلول الآية فإن الآية تدل على الأنفاق في الزمانين اللذين لا يخلو الوقت عنهما وفي الحالين اللذين لا يخلو الفعل منهما فالفعل لابد له من زمان والزمان أما ليل و أما نهار والفعل أما سرا و أما علانية فالرجل إذا أنفق بالليل سرا كان قد أنفق ليلا سرا وإذا أنفق علانية نهارا كان قد أنفق علانية نهارا وليس الأنفاق سرا وعلانية خارجا عن الأنفاق بالليل والنهار فمن قال أن المراد من أنفق درهما بالسر ودرهما في العلانية ودرهما بالليل ودرهما بالنهار كان جاهلا فإن الذي أنفقه سرا وعلانية قد أنفقه ليلا ونهارا والذي قد أنفقه ليلا ونهارا قد أنفقه سرا وعلانية فعلم أن الدرهم الواحد يتصف بصفتين لا يجب أن يكون المراد أربعة لكن هذه التفاسير الباطلة يقول مثلها كثير من الجهال كما يقولون

 

محمد رسول الله والذين معه أبو بكر أشداء على الكفار عمر رحماء بينهم عثمان تراهم ركعا سجدا على يجعلون هذه الصفات لموصوفات متعددة ويعينون الموصوف في هؤلاء الأربعة والآية صريحة في أبطال هذا وهذا فإنها صريحة في ان هذه الصفات كلها لقوم يتصفون بها كلها وأنهم كثيرون ليسوا واحدا ولا ريب أن الأربعة أفضل هؤلاء وكل من الأربعة موصوف بهذا كله وأن كان بعض الصفات في بعض أقوى منها في آخر واغرب من ذلك قول بعض جهال المفسرين والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين أنهم الأربعة فإن هذا مخالف للعقل والنقل لكن الله اقسم بالأماكن الثلاثة التي أنزل فيها كتبه الثلاثة التوراة والإنجيل والقرآن وظهر منها موسى وعيسى ومحمد كما قال في التوراة جاء الله من طور سينا واشرق من ساعين واستعلن من جبال فاران فالتين والزيتون الأرض التي بعث فيها المسيح وكثيرا ما تسمى الأرض بما ينبت فيها فيقال فلأن خرج إلى الكرم والى الزيتون و إلى الرمان ونحو ذلك ويراد الأرض التي فيها ذلك فإن الأرض تتناول ذلك فعبر عنها ببعضها وطور سينين حيث كلم الله موسى وهذا البلد الأمين مكة أم القرى التي بعث بها محمد صلى الله عليه وسلم

 

 

والجاهل بمعنى الآية لتوهمه أن الذي أنفقه سرا وعلانية غير الذي أنفقه في الليل والنهار يقول نزلت فيمن أنفق أربعة دراهم أما على و إما غيره ولهذا قال الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية لم يعطف بالواو فيقول سرا وعلانية بل هذأن داخلان في الليل والنهار سواء قيل هما منصوبان على المصدر لأنهما نوعان من الأنفاق أو قيل على الحال فسواء قدرا سرا وعلانية أو مسرا ومعلنا فتبين أن الذي كذب هذا كان جاهلا بدلالة القرآن والجهل في الرافضة ليس بمنكر.

الخامس: أنا لو قدرنا أن عليا فعل ذلك ونزلت فيه الآية فهل هنا إلا أنفاق أربعة دراهم في أربعة أحوال وهذا عمل مفتوح بابه ميسر إلى يوم القيامة والعاملون بهذا و أضعافه اكثر من أن يحصوا وما من أحد فيه خير إلا ولا بد أن ينفق ان إنشاء الله تارة بالليل وتارة بالنهار وتارة في السر وتارة في العلانية فليس هذا من الخصائص فلا يدل على فضيلة الإمامة.

 

*

فصل قال الرافضي البرهان الثامن والعشرون ما رواه أحمد بن حنبل عن ابن عباس قال ليس من آية في القرآن يا أيها الذين آمنوا إلا علي رأسها وأميرها وشريفها وسيدها ولقد عاتب الله تعالى أصحاب محمد في القرآن وما ذكر عليا إلا بخير وهذا يدل على أنه أفضل فيكون هو الإمام.

والجواب من وجوه...

أحدها: المطالبة بصحة النقل وليس هذا في مسند أحمد ولا مجرد روايته له لو رواه في الفضائل يدل على أنه صدق فكيف ولم يروه أحمد لا في المسند ولا في الفضائل وإنما هو من زيادات القطيعي رواه عن إبراهيم عن شريك الكوفي حدثنا زكريا بن يحيى الكسائى حدثنا عيسى عن على بن بذيمة عن عكرمة عن بن عباس ومثل هذا الإسناد لا يحتج به باتفاق أهل العلم فإن زكريا بن يحيى الكسائى قال فيه يحيى رجل سوء يحدث بأحاديث يستأهل أن يحفر له بئر فيلقى فيها وقال الدارقطني قطني متروك وقال ابن عدي كان يحدث بأحاديث في مثالب الصحابة.

الثاني: أن هذا كذب على ابن عباس والمتواتر عنه أنه كان يفضل عليه أبا بكر وعمر وله معايبات يعيب بها عليا ويأخذ عليه في أشياء من

 

أموره حتى أنه لما حرق الزنادقة الذين ادعوا فيه الإلهية قال لو كنت أنا لم احرقهم لنهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يعذب بعذاب الله ولضربت أعناقهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم من بدل دينه فاتتلوه رواه البخاري وغيره ولما بلغ عليا ذلك عليا قال ويح أم ابن عباس ومن الثابت أن ابن عباس أنه كان يفتي إذا لم يكن معه نص بقول أبي بكر وعمر فهذا اتباعه لأبي بكر وعمر وهذه معارضته لعلي وقد ذكر غير واحد منهم الزبير بن بكار مجاوبته لعلي لما أخذ ما أخذ من مال البصرة فأرسل إليه رسالة فيها تغليط عليه فأجاب عليا بجواب يتضمن أن ما فعلته دون ما فعلته من سفك دماء المسلمين على الإمارة ونحو ذلك.

الثالث: أن هذا الكلام ليس فيه مدح لعلي فإن الله كثيرا ما يخاطب الناس بمثل هذا في مقام عتاب كقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون فإن كان علي راس هذه الآية فقد وقع منه هذا الفعل الذي أنكره الله وذمه وقال تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وثبت في الصحاح أنها نزلت في حاطب بن أبي بلتعة لما كاتب المشركين بمكة فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم عليا والزبير ليأتيا بالمرأة التي كان معها الكتاب وعلي كان بريئا

 

من ذنب حاطب فكيف يجعل راس المخاطبين الملامين على هذا الذنب وقال تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن القي إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا وهذه الآية نزلت في الذين وجدوا رجلا في غنيمة له فقال أنا مسلم فلم يصدقوه وأخذوا غنمه فأمرهم الله سبحانه وتعالى بالتثبت والتبين ونهاهم عن تكذيب مدعي الإسلام طمعا في دنياه وعلي رضي الله عنه بري من ذنب هؤلاء فكيف يقال هو رأسهم و أمثال هذا كثير في القرآن.

الرابع: هو ممن شمله لفظ الخطاب وأن لم يكن هو سبب الخطاب فلا ريب أن اللفظ شمله كما يشمل غيره وليس في لفظ الآية تفريق بين مؤمن ومؤمن.

الخامس: أن قول القائل عن بعض الصحابة أنه راس الآيات وأميرها وشريفها وسيدها كلام لا حقيقة له فإن أريد أنه أول من خوطب بها فليس كذلك فإن الخطاب يتناول المخاطبين تناولا واحدا لا تتقدم بعضهم بما تناوله عن بعض وأن قيل أنه أول من عمل بها فليس كذلك فإن في الآيات آيات قد عمل بها من قبل علي وفيها آيات لم يحتج علي أن يعمل بها وأن قيل أن تناولها لغيره أو عمل غيره بها مشروط به كالإمام في الجمعة فليس الأمر كذلك فإن شمول الخطاب لبعضهم ليس مشروطا

 

بشموله لآخرين ولا وجوب العمل على بعضهم مشروط على آخرين بوجوبه وأن قيل أنه أفضل من عنى بها فهذا يبنى على كونه أفضل الناس فإن ثبت ذلك فلا حاجة إلى الاستدلال بهذه الآية وأن لم يثبت لم يجز الاستدلال بها فكان الاستدلال بها باطلا على التقديرين وغاية ما عندكم أن تذكروا أن ابن عباس كان يفضل عليا وهذا مع أنه هذا كذب على ابن عباس وخلاف المعلوم عنه فلو أنه قدر أنه قال ذلك مع مخالفة جمهور الصحابة لم يكن حجة.

السادس: أن قول القائل لقد عاتب الله أصحاب محمد في القرآن وما ذكر عليا إلا بخير كذب معلوم فإنه لا يعرف أن الله عاتب أبا بكر في القرآن بل ولا أنه ساء رسول الله بل روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال في خطبته أيها الناس اعرفوا أبي بكر حقه فإنه لم يسؤني يوما قط والثابت من الأحاديث الصحيحة يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينتصر لأبي بكر وينهى الناس عن معارضته ولم ينقل أنه ساءه كما نقل ذلك عن غيره فإن عليا لما خطب بنت أبي جهل خطب النبي صلى الله عليه وسلم الخطبة المعروفة وما حصل مثل هذا في حق أبي بكر قط

 

وأيضا فعلي لم يكن يدخل مع النبي صلى الله عليه وسلم في الأمور العامة كما كان يدخل معه أبو بكر مثل المشاوره في وولايته وحربه وعطائه وغير ذلك فإن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا مع النبي صلى الله عليه وسلم مثل الوزيرين له شاورهما في أسرى بدر ما يصنع بهم وشاورهما في وفد بني تميم لمن يولي عليهم وشاورهما في غير ذلك من الأمور العامة يخصهما بالشورى وفي الصحيحين عن علي أن عمر لما مات قال له والله إني لأرجو أن يحشرك الله مع صاحبيك فإني كنت كثيرا ما اسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول دخلت أنا وأبو بكر وعمر وخرجت أنا و أبو بكر وعمر وذهبت أنا وأبو بكر وعمر وكان يشاور أبا بكر بأمور حروبه يخصه كما شاوره في قصة الإفك كما استشار أسامة بن زيد وكما سال بريرة وهذا أمر يخصه فإنه لما اشتبه عليه أمر عائشة رضي الله عنها وتردد هل يطلق لما بلغه عنها أم يمسكها صار يسال عنها بريرة لتخبره بباطن أمرها ويشاور فيها عليا أيمسكها أم يطلقها فقال له أسامة أهلك ولا نعلم إلا خيرا وقال على لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير و اسأل الجارية تصدقك ومع

 

 

هذا فنزل القرآن ببراءتها وإمساكها موافقة لما أشار به أسامة بن زيد حب النبي صلى الله عليه وسلم وكان عمر يدخل في مثل هذه الشورى ويتكلم مع نسائه فيما يخص النبي صلى الله عليه وسلم حتى قالت له أم سلمة يا عمر لقد دخلت في كل شيء حتى دخلت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين نسائه و أما الأمور العامة الكلية التي تعم المسلمين إذا لم يكن فيها وحي خاص فكان يشاور فيها أبا بكر وعمر وأن دخل غيرهما في الشورى لكن هما الأصل في الشورى وكان عمر تاره ينزل القرآن بموافقته فيما يراه وتارة يتبين له الحق في الخلاف ما رآه فيرجع عنه و أما الأمور العامة الكلية التي تعم المسلمين إذا لم يكن فيها وحي خاص فكان يشاور فيها أبا بكر وعمر وأن دخل غيرهما في الشورى لكن هما الأصل في الشورى وكان عمر تارة ينزل القرآن بموافقته فيما يراه وتارة يتبين له الحق في خلاف ما رآه فيرجع عنه و أما أبو بكر فلم يعرف أنه أنكر عليه شيئا ولا كان أيضا يتقدم في شيء اللهم إلا لما تنازع هو وعمر فيمن يولى من بني تميم حتى ارتفعت أصواتهما فأنزل الله هذه الآية يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول وليس تأذي النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك بأكثر من تأذيه في قصة فاطمة وقد قال تعالى وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله وقد أنزل الله تعالى في على يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون لما صلى فقرا وخلطوقال النبي صلى الله عليه وسلم وكان الإنسان اكثر شيء جدلا لما قال له ولفاطمة إلا تصليان فقالا أنما أنفسنا بيد الله سبحانه وتعالى.

 

*

فصل قال الرافضي البرهان التاسع والعشرون قوله تعالى أن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما من صحيح البخاري عن كعب بن عجرة قال سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا يا رسول الله كيف الصلاة عليكم أهل البيت فإن الله علمنا كيف نسلم قال قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وفي صحيح مسلم قلنا يا رسول الله أما السلام عليك فقد عرفناه فكيف الصلاة عليك فقال قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ولا شك أن عليا أفضل آل محمد فيكون أولى بالإمامة.

*والجواب أنه لا ريب أن هذا الحديث صحيح متفق عليه وأن عليا من آل محمد الداخلين في قوله اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ولكن ليس هذا من خصائصه فإن جميع بني هاشم داخلون في هذا كالعباس وولده والحارث بن عبد المطلب وولده وكبنات النبي صلى الله عليه وسلم زوجتي عثمان رقية و أم كلثوم وبنته فاطمة وكذلك

 

أزواجه كما في الصحيحين فيه قوله اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته بل يدخل فيه سائر أهل بيته إلى يوم القيامة ويدخل فيه اخوة علي كجعفر وعقيل ومعلوم أن دخول هؤلاء في الصلاة والتسليم لا يدل على أنه أفضل من كل من لم يدخل في ذلك ولا أنه يصلح بذلك للإمامة فضلا عن أن يكون مختصا بها إلا ترى أن عمارا والمقداد وأبا ذر وغيرهم ممن أتفق أهل السنة والشيعة على فضلهم لا يدخلون في الصلاة على إلال ويدخل فيها عقيل والعباس وبنوه وأولئك أفضل من هؤلاء باتفاق أهل السنة والشيعة وكذلك يدخل فيها عائشة وغيرها من أزواجه ولا تصلح امرأة لإمامه وليست أفضل الناس باتفاق أهل السنة والشيعة فهذه فضيلة مشتركة بينه وبين غيره وليس كل من اتصف بها أفضل ممن لم يتصف بها وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال خير القرون القرن الذي بعثت فيهم ثم الذين يلونهم فالتابعون أفضل من القرن الثالث وتفضيل الجملة على الجملة لا يستلزم تفصيل الأفراد على كل فرد فإن القرن الثالث والرابع فيهم من هو أفضل من كثير ممن أدرك الصحابةكالاشتر النخعي وأمثاله من رجال الفتن وكالمختار بن أبي عبيد و أمثاله من الكذابين والمفترين والحجاج بن يوسف وأمثاله من أهل الظلم والشر وليس على أفضل أهل البيت بل أفضل أهل البيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه داخل في أهل البيت كما قال للحسن أما علمت أنا أهل بيت لا نأكل الصدقة وهذا الكلام يتناول المتكلم ومن معه وكما قالت الملائكة رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت وإبراهيم فيهم وكما قال اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم آل إبراهيم وإبراهيم داخل فيهم وكما في قوله تعالى إلا آل لوط نجيناهم فإن لوطا دخل فيهم وكذلك قوله أن الله اصطفى آدم ونوحا وال إبراهيم وال عمران على العالمين فقد دخل إبراهيم في الاصطفاء

 

 

وكذلك قوله سلام على آل ياسين فقد دخل ياسين في السلام وكذلك قول النبي اللهم صل عرلى آل أبي أوفى دخل في ذلك أبو أوفى وكذلك قوله لقد أوتى هذا مزمارا من مزامير آل داود وليس إذا كان علي أفضل أهل البيت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم يجب أن يكون أفضل الناس بعده لأن بني هاشم أفضل من غيرهم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم و أما إذا خرج منهم فلا يجب أن يكون أفضلهم بعده أفضل ممن سواهم كما أن التابعين إذا كانوا أفضل من تابعي التابعين وكان فيهم واحد أفضل لم يجب أن يكون الثاني أفضل من أفضل تابعي التابعين بل الجملة إذا فضلت على الجملة فكان أفضلهما أفضل من الجملة الأخرى حصل مقصود التفضيل وما بعد ذلك فموقوف على الدليل بل قد يقال لا يلزم أن يكون أفضلها أفضل من فاضل الأخرى إلا بدليلوفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أن الله اصطفى كنانة من بني إسماعيل واصطفى قريشا من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم فإذا كان جملة قريش أفضل من غيرها لم يلزم أن يكون كل منهم أفضل من غيرهم بل في سائر العرب وغيرهم من المؤمنين من هو أفضل من اكثر قريش والسابقون الأولون من قريش نفر معدودون وغالبهم أنما أسلموا عام الفتح وهم الطلقاء وليس كل المهاجرين من قريش بل المهاجرون من قريش وغيرهم كابن مسعود الهزلي وعمران بن حصين الخزاعي والمقداد بن الاسود الكندي وهؤلاء وغيرهم من البدريين أفضل من اكثر بني هاشم فالسابقون من بني هاشم حمزة وعلى وجعفر وعبيدة بن الحارث أربعة أنفس وأهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر فمنهم من بني هاشم ثلاثة وسائرهم أفضل من سائر بني هاشم وهذا كله بناء على أن الصلاة والسلام على آل محمد وأهل بيته تقتضي

 

 

أن يكونوا أفضل من سائر أهل البيوت وهذا مذهب أهل السنة والجماعة الذين يقولون بنو هاشم أفضل قريش وقريش أفضل العرب والعرب أفضل بني آدم وهذا هو المنقول عن أئمة السنة كما ذكره حرب الكرماني عمن لقيهم مثل أحمد وإسحاق وسعيد بن منصور وعبد الله بن الزبير الحميدي وغيرهم وذهبت طائفة إلى منع التفضيل بذلك كما ذكره القاضي أبو بكر والقاضي أبو يعلى في المعتمد وغيرهما و الأول اصح فإنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح أنه قال لأن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريش من كنانة واصطفى هاشما من قريش واصطفاني من بني هاشم وروي أن الله اصطفى بني إسماعيل وهذا مبسوط في غير هذا الموضع.

*

فصل قال الرافضي البرهان الثلاثون قوله تعالى مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيانمن تفسير الثعلبي وطريق أبي نعيم عن ابن عباس في قوله مرج البحرين يلتقيان قال علي وفاطمة بينهما برزخ لا يبغيان النبي صلى الله عليه وسلم وآله يخرج منها اللؤلؤ والمرجان الحسن والحسين ولم يحصل لغيره من الصحابة هذه الفضيلة فيكون أولى بالإمامة.

*والجواب أن هذا وأمثاله أنما يقوله من لا يعقل ما يقول وهذا بالهذيان أشبه منه بتفسير القرآن وهو من جنس تفسير الملاحدة والقرامطة الباطنية للقرآن بل هو شر من كثير منه والتفسير بمثل هذا طريق للملاحدة على القرآن والطعن فيه بل تفسير القرآن بمثل هذا من اعظم القدح فيه والطعن فيه و لجهال المنتسبين إلى السنة تفاسير في الأربعة وهي أن كانت باطلة فهي امثل من هذا كقولهم الصابرين محمد والصادقين أبو بكر والقانتين عمر والمنفقين عثمان والمستغفرين بالأسحار علي وكقوله محمد رسول الله والذين معه أبو بكر أشداء على الكفار عمر رحماء بينهم عثمان تراهم ركعا سجدا على

 

وكقولهم والتين أبو بكر والزيتون عمر وطور سينين عثمان وهذا البلد الأمين علي وكقولهم والعصر أن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا أبو بكر وعملوا الصالحات عمر وتواصوا بالحق عثمان وتواصوا بالصبر علي فهذه التفاسير من جنس تلك التفاسير وهي أمثل من الحادات الرافضة كقولهم وكل شئ أحصيناه في إمام مبين علي وكقولهم وأنه في أم الكتاب لدنيا لعلي حكيم أنه علي بن أبي طالب والشجرة الملعونة في القرآن بنو أمية و أمثال هذا الكلام الذي لا يقوله من يرجو لله وقارا ولا يقوله من يؤمن بالله وكتابه وكذلك قول القائل مرج البحرين يلتقيان علي وفاطمة بينهما برزخ لا يبغيان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان الحسن والحسين وكل من له أدنى علم وعقل يعلم بالاضطرار بطلان هذا التفسير وأن ابن عباس لم يقل هذا وهذا من التفسير الذي في تفسير الثعلبي وذكره بإسناد رواته مجهولون لا يعرفون عن سفيان الثوري وهو كذب على سفيان قال

 

 

الثعلبي أخبرني الحسن بن محمد الدينوري حدثنا موسى بن محمد بن علي بن عبد الله قال قرا أبي على أبي محمد بن الحسن بن علوية القطان من كتابه و أنا اسمع حدثنا بعض أصحابنا حدثنا رجل من أهل مصر يقال له طسم حدثنا أبو حذيفة عن أبيه عن سفيان الثوري في قوله مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان قال فاطمة و علي يخرج منهما اللؤلؤ و المرجان الحسن و الحسين و هذا الإسناد ظلمات بعضها فوق بعض لا يثبت بمثله شيء و مما يبين كذب ذلك وجوه أحدها أن تسمية هذين بحرين و هذا لؤلؤا هذا في سورة الرحمان وهي مكية بإجماع المسلمين والحسن والحسين إنما ولدا بالمدينة الثاني أن عن عيسى ثم ذكر و هذا مرجانا و جعل النكاح مرجا أمر لا تحتمله لغة العرب بوجه لا حقيقة و لا مجازا بل كما أنه كذب على الله و على القرآن فهو كذب على اللغة الثالث أنه ليس في هذا شيء زائد على ما يوجد في سائر بني آدم فإن كل من تزوج امرأة و ولد لهما ولدان فهما من هذا الجنس فليس في ذكر هذا ما يستعظم من قدرة الله و آياته

 

 

إلا ما في نظائره من خلق الآدميين فلا موجب للتخصيص و إن كان ذلك لفضيلة الزوجين و الولدين فإبراهيم و اسحق و يعقوب افضل من علي و في الصحيح أن النبي صلى الله عليه و سلم سئل أي الناس اكرم فقال اتقاهم فقالوا ليس عن هذا نسألك فقال يوسف نبي الله ابن يعقوب نبي الله ابن إسحاق نبي الله ابن إبراهيم خليل الله و آل إبراهيم الذين امرنا أن نسأل لمحمد و أهل بيته من الصلاة مثل ما صلى الله عليهم و نحن و كل مسلم نعلم أن آل إبراهيم افضل من آل علي لكن محمد افضل من إبراهيم و لهذا ورد هنا سؤال مشهور و هو انه إذا كان محمد افضل فلم قيل كما صليت على إبراهيم و المشبه دون المشبه به و قد أجيب عن ذلك بأجوبه منها أن يقال أن آل إبراهيم فيهم الأنبياء و محمد فيهم قال ابن عباس محمد من آل إبراهيم فمجموع آل إبراهيم بمحمد افضل من آل محمد و محمد قد دخل في الصلاة على

 

 

آل إبراهيم ثم طلبنا له من الله و لأهل بيته دونه مثل ما صلى على إبراهيم فيأخذ أهل بيته ما يليق بهم و يبقى سائر ذلك لمحمد صلى الله عليه و سلم فيكون قد طلب له من الصلاة ما جعل للأنبياء من آل إبراهيم و الذي يأخذه الفاضل من أهل بيته لا يكون مثلما يحصل لنبي فتعظم الصلاة عليه بهذا الاعتبار صلى الله عليه و سلم و قيل أن التشبيه في الأصل لا في القدر الرابع أن الله ذكر انه مرج البحرين في آية أخرى فقال في الفرقان و هو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات و هذا ملح أجاج فلو أريد بذلك علي و فاطمة لكان ذلك ذما لأحدهما و هذا باطل بإجماع أهل السنة و الشيعة الخامس انه قال بينهما برزخ لا يبغيان فلو أريد بذلك علي و فاطمة لكان البرزخ الذي هو النبي صلى الله عليه و سلم بزعمهم أو غيره هو المانع لأحدهما أن يبغي على الآخر و هذا بالذم أشبه منه بالمدح السادس أن أئمة التفسير متفقون على خلاف هذا كما ذكره ابن جرير و غيره فقال ابن عباس بحر السماء و بحر الأرض يلتقيان كل عام و قال الحسن مرج البحرين يعني بحر فارس و الروم بينهما برزخ هو الجزائر

 

 

و قوله يخرج منهما اللؤلؤ و المرجان قال الزجاج إنما يخرج من البحر الملح و إنما جمعهما لانه إذا خرج من أحدهما فقد خرج منهما مثل و جعل القمر فيهن نورا و قال الفارسي أراد من أحدهما فحذف المضاف و قال ابن جرير إنما قال منهما لانه يخرج من أصداف البحر عن قطر السماء و أما اللؤلؤ و المرجان ففيهما قولان أحدهما أن المرجان ما صغر من اللؤلؤ و اللؤلؤ العظام قاله الأكثر ون منهم ابن عباس و قتادة و الفراء و الضحاك و قال الزجاج اللؤلؤ اسم جامع للحب الذي يخرج من البحر و المرجان صغاره الثاني أن اللؤلؤ الصغار و المرجان الكبار قاله مجاهد و السدى و مقاتل قال ابن عباس إذا أمطرت السماء فتحت الأصداف أفواهها فما و قع فيها من المطر فهو لؤلؤ و قال ابن جرير حيث وقعت قطرة كانت لؤلؤة و قال ابن مسعود المرجان الخرز الأحمر و قال الزجاج المرجان ابيض شديد البياض و حكى عن أبي يعلى أن المرجان ضرب من اللؤلؤ كالقضبان.

 

*

فصل قال الرافضي البرهان الحادي و الثلاثون قوله تعالى و من عنده علم الكتاب من طريق أبي نعيم عن ابن الحنفية قال هو علي بن أبي طالب و في تفسير الثعلبي عن عبد الله بن سلام قال قلت من هذا الذي عنده علم الكتاب قال ذلك علي بن أبي طالب و هذا يدل على انه افضل فيكون هو الإمام.

*و الجواب من وجوه...

أحدها: المطالبة بصحة النقل عن ابن سلام و ابن الحنفية.

الثاني: انه بتقدير ثبوته ليس بحجة مع مخالفة الجمهور لها.

الثالث: أن هذا كذب عليهما.

الرابع: أن هذا باطل قطعا و ذلك أن الله تعالى قال قل كفى بالله شهيدا بيني و بينكم و من عنده علم الكتاب و لو أريد به علي لكان المراد أن محمدا يستشهد على ما قاله بابن عمه علي و معلوم أن عليا لو شهد له بالنبوة و بكل ما قال لم ينتفع محمد بشهادته له و لا يكون ذلك حجة له على الناس و لا يحصل بذلك دليل المستدل و لا ينقاد بذلك أحد لأنهم يقولون من أين لعلي بذلك و إنما هو استفاد ذلك من محمد فيكون محمد هو الشاهد لنفسه و منها أن يقال أن هذا ابن عمه و من أول من آمن به فيظن به

 

المحاباة والمداهنة والشاهد أن لم يكن عالما بما يشهد به بريئا من التهمه لم يحكم بشهادته ولم يكن حجة على المشهود عليه فكيف إذا لم يكن له علم بها إلا من المشهود له ومعلوم انه لو شهد له بتصديقه فيما قاله أبو بكر وعمر وغيرهما كان انفع له لان هؤلاء ابعد عن ا لتهمة ولان هؤلاء قد يقال انهم كانوا رجالا وقد سمعوا من أهل الكتاب ومن الكهان أشياء علموها من غير جهة محمد بخلاف على فانه كان صغيرا فكان الخصوم يقولون لا يعلم ما شهد به إلا من جهة المشهود له و أما أهل الكتاب فإذا شهدوا بما تواتر عندهم عن الأنبياء وبما علم صدقه كانت تلك شهادة نافعة كما لو كان الأنبياء موجودين وشهدوا له لان ما ثبت نقله عنهم بالتواتر وغيره كان بمنزلة شهادتهم أنفسهم ولهذا نحن نشهد على الأمم بما علمناه من جهة نبينا كما قال تعالى وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا فهذا الجاهل الذي جعل هذا فضيلة لعلى قدح بها فيه وفي النبي الذي صار به على من المؤمنين وفي الأدلة الدالة على الإسلام ولا يقول هذا إلا زنديق أو جاهل مفرط في الجهل

 

 

فان كنت لا تدري فتلك مصيبة وان كنت تدري فالمصيبة اعظم.

الخامس: أن الله سبحانه وتعالى قد ذكر الاستشهاد بأهل الكتاب في غير آية كقوله تعالى قل ارأيتم أن كان من عند الله ثم كفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل علي مثله افترى عليا هو من بني إسرائيل وقال تعالى فان كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك فهل كان على من الذين يقرؤون الكتاب من قبله وقال وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر فهل أهل الذكر الذين يسألونهم هل أرسل الله إليهم رجالا هم علي بن أبي طالب.

السادس: انه لو قدر أن عليا هو الشاهد لم يلزم أن يكون افضل من غيره كما أن أهل الكتاب الذين يشهدون بذلك مثل عبد الله بن سلام وسلمان وكعب الأحبار وغيرهم ليسوا أفضل من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار كابي بكر وعمر وعثمان وعلى وجعفر وغيرهم.

*

فصل قال الرافضي البرهان الثاني والثلاثون قوله تعالى يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه روى أبو نعيم مرفوعا إلى ابن عباس قال أول من يكسى من حلل الجنة إبراهيم عليه السلام بخلته من الله ومحمد صلى الله عليه وسلم لانه صفوة الله ثم على يزف بينهما إلى الجنان ثم قرا ابن عباس يوم لا يخزى الله النبي والذين آمنوا معه قال علي و أصحابه وهذا يدل على انه افضل من غيره فيكون هو الإمام.

 

*والجواب من وجوه...

أحدها: المطالبة بصحة النقل لا سيما في مثل هذا الذي لا اصل له.

الثاني: أن هذا كذب موضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث.

الثالث: أن هذا باطل قطعا لان هذا يقتضي أن يكون علي افضل من إبراهيم ومحمد لانه وسط و هما طرفان و افضل الخلق إبراهيم و محمد فمن فضل عليهما عليا كان اكفر من اليهود و النصارى.

الرابع: انه قد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال أول من يكسى يوم القيامة إبراهيم و ليس فيه ذكر محمد و لا علي و تقديم إبراهيم بالكسوة لا يقتضي انه افضل من محمد مطلقا كما أن قوله أن الناس يصعقون يوم القيامة فاكون أول من يفيق فأجد موسى باطشا بالعرش فلا ادري هل استفاق قبلي أم كان من الذين استثنى اللهفتجويز أن يكون سبقه في الإفاقة أو لم يصعق بحال لا يمنعنا أن نعلم أن محمدا افضل من موسى ولكن إذا كان التفضيل على وجه الغض من المفضول في النقص له نهى عن ذلك كما نهى في هذا الحديث عن تفضيله على موسى وكما قال لمن قال يا خير البرية قال ذاك إبراهيم وصح قوله أنا سيد ولد آدم ولا فخر آدم فمن دونه تحت لوائي يوم القيامة ولا فخر

 

وكذلك الكلام في تفضيل الصحابة يتقى فيه نقص أحد عن رتبته أو الغض من درجته أو دخول الهوى والفرية في ذلك كما فعلت الرافضة و النواصب الذين يبخسون بعض الصحابة حقوقهم.

الخامس: أن قوله تعالى يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا انك على كل شيء قدير وقوله يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم نص عام في المؤمنين الذين مع النبي صلى الله عليه وسلم وسياق الكلام يدل على عمومه والآثار المروية في ذلك تدل على عمومه قال ابن عباس ليس أحد من المسلمين إلا يعطى نورا يوم القيامة فأما المنافق فيطفأ نوره يوم القيامة والمؤمن يشفق مما يرى من إطفاء نور المنافق فهو يقول ربنا أتمم لنا نورنا فان العموم في ذلكيعلم قطعا ويقينا وانه لم يرد به شخص واحد فكيف يجوز أن يقال انه على وحده ولو أن قائلا قال في كل ما جعلوه عليا انه أبو بكر أو عمر أو عثمان أي فرق كان بين هؤلاء وهؤلاء إلا محض الدعوى والافتراء بل يمكن ذكر شبه لمن يدعي اختصاص ذلك بابي بكر وعمر اعظم من شبه الرافضة آلتي تدعى اختصاص ذلك بعلى وحينئذ فدخول على في هذه الآية كدخول الثلاثة بل هم أحق بالدخول فيها فلم يثبت بها أفضليته ولا إمامته.

*

فصل قال الرافضي البرهان الثالث والثلاثون قوله تعالى أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية روى الحافظ أبو نعيم بإسناده إلى ابن عباس لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي تأتى أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين ويأتي خصماؤك غضابا مفحمين وإذا كان خير البرية وجب أن يكون هو الإمام.

 

*والجواب من وجوه أحدها المطالبة بصحة النقل وان كنا غير مرتابين في كذب ذلك لكن مطالبة المدعي بصحة النقل لا يأباه إلا معاند ومجرد رواية أبي نعيم ليست بحجة باتفاق طوائف المسلمين.

الثاني أن هذا مما هو كذب موضوع باتفاق العلماء وأهل المعرفة بالمنقولات.

الثالث: أن يقال هذا معارض بمن يقول أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات هم النواصب كالخوارج وغيرهم ويقولون أن من تولاه فهو كافر مرتد فلا يدخل في الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويحتجون على ذلك بقوله ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون قالوا ومن حكم الرجال في دين الله فقد حكم بغير ما انزل الله فيكون كافرا ومن تولى الكافر فهو كافر لقوله ومن يتولهم منكم فانه منهم وقالوا انه هو وعثمان ومن تولاهما مرتدون بقول النبي صلى الله عليه وسلم ليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال فأقول أي رب أصحابي أصحابي فيقال انك لا تدري ما أحدثوا بعدك انهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهمقالوا وهؤلاء هم الذين حكموا في دماء المسلمين و اموالهم بغير ما انزل الله واحتجوا بقوله لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض قالوا والذين ضرب بعضهم رقاب بعض رجعوا بعده كفارا فهذا و أمثاله من حجج الخوارج وهو وان كان باطلا بلا ريب فحجج الرافضة ابطل منه والخوارج اعقل واصدق واتبع للحق من الرافضة فانهم صادقون لا يكذبون أهل دين ظاهرا وباطنا لكنهم ضالون جاهلون مارقون مرقوا من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية و أما الرافضة فالجهل والهوى والكذب غالب عليهم وكثير من أئمتهم وعامتهم زنادقة ملا حدة ليس لهم غرض في العلم ولا في الدين بل أن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى

 

والمر وانية الذين قاتلوا عليا وان كانوا لا يكفرونه فحججهم أقوى من حجج الرافضة وقد صنف الجاحظ كتابا للمر وانية ذكر فيه من الحجج التي لهم ما لا يمكن الرافضة نقضه بل لا يمكن الزيدية نقضه دع الرافضة أهل السنة والجماعة لما كانوا معتدلين متوسطين صارت الشيعة تنتصر بهم فيما يقولونه في حق علي من الحق ولكن أهل السنة قالوا ذلك بأدلة يثبت بها فضل الأربعة وغيرهم من الصحابة ليس مع أهل السنة ولا غيرهم حجة تخص عليا بالمدح وغيره بالقدح فان هذا ممتنع لا ينال إلا بالكذب المحال لا بالحق المقبول في ميدان النظر والجدال.

الوجه الرابع: أن يقال قوله أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات عام في كل من اتصف بذلك فما الذي أوجب تخصيصه بالشيعة فان قيل لان من سواهم كافر قيل أن ثبت كفر من سواهم بدليل كان ذلك مغنيا لكم عن هذا التطويل وان لم يثبت لم ينفعكم هذا الدليل فانه من جهة النقل لا يثبت فان أمكن إثباته بدليل منفصل فذاك هو الذي يعتمد عليه لا هذه الآية.

 

الوجه الخامس: أن يقال من المعلوم المتواتر أن ابن عباس كان يوالي غير شيعة علي اكثر مما يوالي كثيرا من الشيعة حتى الخوارج كان يجالسهم و يفتيهم و يناظرهم فلو اعتقد أن الذين آمنوا و عملوا الصالحات هم الشيعة فقط و أن من سواهم كفار لم يعمل مثل هذا و كذلك بنو أمية كانت معاملة ابن عباس و غيره لهم من اظهر الأشياء دليلا على انهم مؤمنون عنده لا كفار فان قبل نحن لا نكفر من سوى الشيعة لكن نقول هم خير البرية قيل الآية تدل على أن الذين آمنوا و عملوا الصالحات هم خير البرية فان قلتم أن من سواهم لا يدخل في ذلك فأما أن تقولوا هو كافر أو تقولوا فاسق بحيث لا يكون من الذين آمنوا و عملوا الصالحات و أن دخل اسمهم في الإيمان و إلا ممن كان مؤمنا فليس بفاسق فهو داخل في الذين آمنوا و عملوا الصالحات فان قلتم هو فاسق قيل لكم أن ثبت فسقهم كفاكم ذلك في الحجة و أن لم يثبت لم ينفعكم ذلك في الاستدلال و ما تذكرون به فسق طائفة من الطوائف إلا و تلك الطائفة تبين لكم أنكم أولى بالفسق منهم من وجوه كثيرة و ليس لكم حجة صحيحة تدفعون بها هذا

 

و الفسق غالب عليكم لكثرة الكذب فيكم و الفواحش و الظلم فان ذلك اكثر فيكم منه في الخوارج و غيرهم من خصومكم و اتباع بني أمية كانوا اقل ظلما و كذبا و فواحش ممن دخل في الشيعة بكثير و أن كان في بعض الشيعة صدق و دين و زهد فهذا في سائر الطوائف اكثر منهم و لو لم يكن إلا الخوارج الذين قيل فيهم يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم و صيامه مع صيامهم و قراءته مع قراءتهم الوجه السادس انه قال قبل ذلك أن الذين كفروا من أهل الكتاب و المشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية ثم قال أن الذين آمنوا و عملوا الصالحات أولئك هم خير البرية و هذا يبين أن هؤلاء من سوى المشركين و أهل الكتاب و في القران مواضع كثيرة ذكر فيها الذين آمنوا و عملوا الصالحات و كلها عامة فما الموجب لتخصيص هذه الآية دون نظائرها و إنما دعوى الرافضة أو غيرهم من أهل الاهواء الكفر في كثير ممن سواهم كالخوار و كثير من المعتزلة و الجهمية و انهم هم الذين آمنوا و عملوا الصالحات دون من سواهم كقول اليهود و النصارى لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم أن كنتم صادقين بلى من اسلم وجهه لله و هو محسن فله اجره عند ربه و لا خوف عليهم و لا هم يحزنون و هذا عام في كل من عمل

 

 

لله بما أمره الله فالعمل الصالح هو المأمور به و إسلام وجهه لله إخلاص قصده لله

*

فصل قال الرافضي البرهان الرابع و الثلاثون قوله تعالى و هو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا و صهرا و في تفسير الثعلبي عن ابن سيرين قال نزلت في النبي صلى الله عليه و سلم و علي بن أبي طالب زوج فاطمة عليا و هو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا و صهر ولم يثبت لغيره ذلك فكان افضل فيكون هو الإمام.

*و الجواب من وجوه...

أولا: المطالبة بصحة النقل.

و ثانيا: أن هذا كذب على ابن سيرين بلا شك.

و ثالثا: أن مجرد قول ابن سيرين الذي خالفه فيه الناس ليس بحجة.

الرابع: أن يقال هذه الآية في (سورة الفرقان). و هي مكية و هذا من الآيات المكية باتفاق الناس قبل أن يتزوج علي بفاطمة فكيف يكون ذلك قد أريد به علي و فاطمة.

الخامس: أن الآية مطلقة في كل نسب و صهر لا اختصاص لها بشخص دون شخص و لا ريب أنها تتناول مصاهرته لعلي كما تتناول مصاهرته لعثمان مرتين كما تتناول مصاهرة أبي بكر و عمر للنبي صلى الله عليه و سلم فان النبي صلى الله عليه و سلم تزوج عائشة بنت أبي بكر و حفصة بنت عمر من أبويهما و زوج عثمان برقية و أم كلثوم بنتيه و زوج عليا بفاطمة فالمصاهرة ثابتة بينه و بين الأربعة و روي عنه انه قال لو كانت عندنا ثالثة لزوجناها عثمان و حينئذ فتكون المصاهرة مشتركة بين علي و غيره فليست من خصائصه فضلا عن أن توجب أفضليته و إمامته عليهم.

السادس: انه لو فرض انه أريد بذلك مصاهرة علي فمجرد المصاهرة لا تدل على انه افضل من غيره باتفاق أهل السنة و الشيعة فان المصاهرة ثابتة لكل من الأربعة مع ان بعضهم افضل من بعض فلو كان المصاهرة توجب الأفضلية للزم التناقض

 

*

فصل قال الرافضي البرهان الخامس و الثلاثون قوله تعالى يا آيها الذين آمنوا اتقوا الله و كونوا مع الصادقين أوجب الله علينا الكون مع المعلوم منهم الصدق و ليس إلا المعصوم لتجويز الكذب في غيره فيكون هو عليا إذ لا معصوم من الأربعة سواه و في حديث أبي نعيم عن ابن عباس أنها نزلت في علي.

و الجواب من وجوه...

أحدها: أن الصديق مبالغة في الصادق فكل صديق صادق و ليس كل صادق صديقا و أبو بكر رضي الله عنه قد ثبت انه صديق بالأدلة الكثيرة فيجب أن تتناوله الآية قطعا و أن تكون معه بل تناولها له أولى من تناولها لغيره من الصحابة و إذا كنا معه مقرين بخلافته امتنع أن نقر بان عليا كان هو الإمام دونه فالآية تدل على نقيض مطلوبهم.

الثاني: أن يقال علي أما أن يكون صديقا و أما أن لا يكون فان لم يكن صديقا فأبو بكر الصديق فالكون مع الصادق الصديق أولى من الكون مع الصادق الذي ليس بصديق و أن كان صديقا فعمر و عثمان أيضا صديقون و حينئذ فإذا كان الأربعة صديقين لم يكن علي مختصا

 

بذلك ولا بكونه صادقا فلا يتعين الكون مع واحد دون الثلاثة بل لو قدرنا التعارض لكان الثلاثة أولى من الواحد فانهم اكثر عددا لا سيما وهم اكمل في الصدق.

الثالث: أن يقال هذه الآية نزلت في قصة كعب بن مالك لما تخلف عن غزوة تبوك وصدق النبي صلى الله عليه وسلم في انه لم يكن له عذر وتاب الله عليه ببركة الصدق وكان جماعة أشاروا عليه بان يعتذر ويكذب كما اعتذر غيره من المنافقين وكذبوا وهذا ثابت في الصحاح والمساند وكتب التفسير والسير والناس متفقون عليه ومعلوم انه لم يكن لعلي اختصاص في هذه القصة بل قال كعب بن مالك فقام إلي طلحة يهرول فعانقني والله ما قام إلي من المهاجرين غيره فكان كعب لا ينساها لطلحة وإذا كان كذلك بطل حملها على علي وحده.

الوجه الرابع: أن هذه الآية نزلت في هذه القصة ولم يكن أحد يقال انه معصوم لا علي ولا غيره فعلم أن الله أراد مع الصادقين ولم يشترط كونه معصوما.

الخامس: انه قال مع الصادقين وهذه صيغة جمع وعلي واحد فلا يكون هو المراد وحده.

السادس: أن قوله تعالى مع الصادقين أما أن يراد كونوا معهم في

 

الصدق وتوابعه فاصدقوا كما يصدق الصادقون ولا تكونوا مع الكاذبين كما في قوله واركعوا مع الراكعين وقوله ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وكما في قوله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما وأما أن يراد به كونوا مع الصادقين في كل شيء وان لم يتعلق بالصدق والثاني باطل فان الانسان لا يجب عليه أن يكون مع الصادقين في المباحات كالأكل والشرب واللباس ونحو ذلك فإن كان الأول هو الصحيح فليس في هذا أمر بالكون مع شخص معين بل المقصود اصدقوا ولا تكذبوا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح عليكم بالصدق فان الصدق يهدي إلى البر وان البر يهدي إلى الجنة ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا وإياك والكذب فان الكذب يهدي إلى الفجور وان الفجور يهدي إلى النار ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا

 

 

وهذا كما يقال كن مع المؤمنين كن مع الأبرار أي ادخل معهم في هذا الوصف وجامعهم عليه ليس المراد انك مأمور بطاعتهم في كل شيء.

الوجه السابع: أن يقال إذا أريد كونوا مع الصادقين مطلقا فذلك لان الصدق مستلزم لسائر البر كقول النبي صلى الله عليه وسلم عليكم بالصدق فان الصدق يهدي إلى البر الحديث وحينئذ فهذا وصف ثابت لكل من اتصف به.

الثامن: أن يقال أن الله امرنا أن نكون مع الصادقين ولم يقل مع المعلوم فيهم الصدق كما انه قال واشهدوا ذوى عدل منكم وأقيموا الشهادة لله لم يقل من علمتم انهم ذوو عدل منكم وكما قال أن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها لم يقل إلى من علمتم انهم أهلها وكما قال وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل لم يقل بما علمتم انه عدل لكن علق الحكم بالوصف ونحن علينا الاجتهاد بحسب الإمكان في معرفة الصدق والعدالة وأهل الأمانة والعدل ولسنا مكلفين في ذلك بعلم الغيب كما أن النبي صلى الله عليه وسلم المأمور أن يحكم بالعدل قال إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم ان يكون الحن بحجته من بعض و إنما اقضي بنحو مما اسمع فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه فإنما اقطع له من النار.

 

الوجه التاسع: هب أن المراد من المعلوم فيهم الصدق لكن العلم كالعلم في قوله فان علمتموهن مؤمنات والإيمان أخفى من الصدق فإذا كان العلم المشروط هناك يمتنع أن يقال فيه ليس إلا العلم بالمعصوم كذلك هنا يمتنع أن يقال لا يعلم إلا صدق المعصوم.

الوجه العاشر: هب أن المراد علمنا صدقه لكن يقال أن أبا بكر وعمر وعثمان ونحوهم ممن علم صدقهم وانهم لا يتعمدون الكذب وان جاز عليهم الخطأ أو بعض الذنوب فان الكذب اعظم ولهذا ترد شهادة الشاهد بالكذبة الواحدة في أحد قولي العلماء وهو إحدى الروايتين عن احمد وقد روى في ذلك حديث مرسل ونحن قد نعلم يقينا أن هؤلاء لم يكونوا يتعمدون الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم بل ولا يتعمدون الكذب بحال و لا نسلم أنا لا نعلم انتفاء الكذب إلا عمن يعلم انه معصوم مطلقا بل كثير من الناس إذا اختبرته تيقنت انه لا يكذب وان كان يخطىء ويذنب ذنوبا أخرى ولا نسلم أن كل من ليس بمعصوم يجوز أن يتعمد الكذب وهذا خلاف الواقع فان الكذب لا بتعمده إلا من هو من شر الناس وهؤلاء الصحابة لم يكن فيهم من يتعمد الكذب على رسول البنبي الله صلى الله عليه وسلم وأهل العلم يعلمون بالاضطرار أن مثل مالك وشعبة ويحيى بن

 

سعيد والثوري والشافعي واحمد ونحوهم لم يكونوا يتعمدون الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم بل ولا على غيره فكيف بابن عمر وابن عباس وأبى سعيد وغيرهم.

الوجه الحادي عشر: انه لو قدر أن المراد به المعصوم لا نسلم الإجماع على انتفاء العصمة من غير على كما تقدم بيان ذلك فان كثيرا من الناس الذين هم خير من الرافضة يدعون في شيوخهم هذا المعنى وان غيروا عبارته وأيضا فنحن لا نسلم انتفاء عصمتهم مع ثبوت عصمته بل أما انتفاء الجميع وأما ثبوت الجميع.

*

فصل قال الرافضي البرهان السادس والثلاثون قوله تعالى واركعوا مع الراكعين من طريق أبي نعيم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنها نزلت في رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي خاصة وهما أول من صلى وركع وهذا يدل على فضيلته فيدل على إمامته.

*الجواب من وجوه...

أحدها: أنا لا نسلم صحة هذا ولم يذكر دليلا على صحته.

الثاني: أن هذا كذب موضوع باتفاق أهل العلم الحديث.

الثالث: أن هذه الآية في (سورة البقرة). وهي مدنية باتفاق المسلمين وهي في سياق مخاطبة لبني إسرائيل وسواء كان الخطاب لهم أو لهم وللمؤمنين فهو خطاب انزل بعد الهجرة وبعد أن كثر المصلون والراكعون ولم تنزل في أول الإسلام حتى يقال أنها مختصة بأول من صلى وركع.

الرابع: أن قوله مع الراكعين صيغة جمع ولو أريد النبي صلى الله عليه وسلم وعلي لقيل مع الراكعين بالتثنية وصيغة الجمع لا يراد بها اثنان فقط باتفاق الناس بل أما الثلاثة فصاعدا وأما الاثنان فصاعدا أما إرادة اثنين فقط فخلاف الإجماع.

الخامس: انه قال لمريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين ومريم كانت قبل الإسلام فعلم انه كان راكعون قبل الإسلام فليس فيهم علي فكيف لا يكون راكعون في أول الإسلام ليس فيهم علي وصيغة الاثنين واحدة.

 

السادس: أن الآية مطلقة لا تخص شخصا بعينه بل أمر الرجل المؤمن أن يصلي مع المصلين وقيل المراد به الصلاة في الجماعة لان الركعة لا تدرك إلا بادراك الركوع.

السابع: انه لو كان المراد الركوع معهما لا نقطع حكمها بموتهما فلا يكون أحد مأمورا أن يركع مع الراكعين الثامن أن قول القائل علي أول من صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ممنوع بل اكثر الناس على خلاف ذلك وان أبا بكر صلى قبله التاسع انه لو كان أمرا بالركوع معه لم يدل ذلك على ان من ركع معه يكون هو الإمام فان عليا لم يكن إماما مع النبي صلى الله عليه وسلم وكان يركع معه.

*

فصل قال الرافضي البرهان السابع والثلاثون قوله تعالى واجعل لي وزيرا من أهلي من طريق أبي نعيم عنابن عباس قال اخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيد علي وبيدي ونحن بمكة وصلى أربع ركعات ورفع يده إلى السماء فقال اللهم موسى بن عمران سألك وأنا محمد نبيك أسألك أن تشرح لي صدري وتحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيرا من أهلي علي بن أبي طالب أخي اشدد به أزرى أشركه في أمري قال ابن عباس سمعت مناديا ينادي يا احمد قد أوتيت ما سالت وهذا نص في الباب.

*والجواب... المطالبة بالصحة كما تقدم أولا.

الثاني: أن هذا كذب موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث بل هم يعلمون أن هذا من أسمج الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان بمكة في اكثر الأوقات لم يكن ابن عباس قد ولد وابن عباس ولد وبنو هاشم في الشعب

 

محصور ون ولما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن ابن عباس بلغ سن التمييز ولا كان ممن يتوضأ ويصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم فان النبي صلى الله عليه وسلم مات وهو لم يحتلم بعد وكان له عند الهجرة نحو خمس سنين أو اقل منها وهذا لا يؤمر بوضوء ولا صلاة فان النبي صلى الله عليه وسلم قال مروهم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع ومن يكون بهذا السن لا يعقل الصلاة ولا يحفظ مثل هذا الدعاء إلا بتلقين لا يحفظ بمجرد السماع.

الرابع: انهم قد قدموا في قوله إنما وليكم الله ورسوله وحديث التصدق بالخاتم في الصلاة أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بهذا الدعاء وهنا قد ذكروا انه قد دعا بهذا الدعاء بمكة قبل تلك الواقعة بسنين متعددة فان تلك كانت في (سورة المائدة). والمائدة من آخر القران نزولا وهذا في مكة فإذا كان قد دعا بهذا في مكة وقد استجيب له فأي حاجة إلى الدعاء به بعد ذلك بالمدينة بسنين متعددة.

 

الخامس: أنا قد بينا فيما تقدم وجوها متعددة في بطلان مثل هذا فان هذا الكلام كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجوه كثيرة ولكن هنا قد زادوا فيه زيادات كثيرة لم يذكروها هناك وهي قوله أشركه في أمري فصرحوا هنا بان عليا كان شريكه في أمره كما كان هارون شريك موسى وهذا قول من يقول بنبوته وهذا كفر صريح وليس هو قول الأمامية و إنما هو من قول الغالية و ليس الشريك في الأمر هو الخليفة من بعده فانهم يدعون إمامته بعده و مشاركته له في أمره في حياته و هؤلاء الأمامية و إن كانوا يكفرون من يقول بمشاركته له في النبوة لكنهم يكثرون سوادهم في المقال و الرجال بمن يعتقدون فيه الكفر و الضلال و بما يعتقدون انه من الكفر و الضلال لفرط منابذتهم للدين و مخالفتهم لجماعة المسلمين و بغضهم لخيار أولياء الله المتقين و اعتقادهم فيهم انهم من المرتدين فهم كما قيل في المثل رمتني بدائها و انسلت و هذا الرافضي الكذاب يقول و هذا نص في الباب فيقال له يا دبير هذا نص في أن عليا شريكه في أمره في حياته كما كان هارون شريكا لموسى فهل تقول بموجب هذا النص أم ترجع عن الإحتجاج بأكاذيب المفترين و ترهات إخوانك المبطلينفصل قال الرافضي البرهان الثامن و الثلاثون قوله تعالى إخوانا على سرر متقابلين من مسند احمد بإسناده إلى زيد بن أبي أوفى قال دخلت على رسول الله صلى الله عليه و سلم مسجده فذكر قصة مؤاخاة رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال علي لقد ذهبت روحي و انقطع ظهري حين فعلت بأصحابك فان كان هذا من سخط الله علي فلك العقبى و الكرامة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم و الذي بعثني بالحق نبيا ما اخترتك لا لنفسي فأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا انه لا نبي بعدي و أنت أخي

 

و وارثي و أنت معي في قصري في الجنة و مع ابنتي فاطمة فأنت أخي و رفيقي ثم تلا رسول الله صلى الله عليه و سلم إخوانا على سرر متقابلين المتحابين في الله ينظر بعضهم إلى بعض و المؤاخاة تستدعي المناسبة و المشاكلة فلما اختص علي بمؤاخاة النبي صلى الله عليه و سلم كان هو الإمام و الجواب من وجوه أحدها المطالبة بصحة هذا الإسناد و ليس هذا الحديث في مسند احمد و لا رواه احمد قط لا في المسند و لا في الفضائل و لا ابنه فقول هذا الرافضي من مسند احمد كذب و افتراء على المسند و إنما هو من زيادات القطيعي التي فيها من الكذب الموضوع ما اتفق أهل العلم على انه كذب موضوع رواه القطيعي عن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي حدثنا حسين بن محمد الذارع حدثنا عبد المؤمن بن عباد حدثنا يزيد بن معن عن عبد الله بن شرحبيل عن زيد بن أبي أوفىو هذا الرافضي لم يذكره بتمامه فان فيه عند قوله و أنت أخي و وارثي قال و ما ارث منك يا رسول الله قال ما ورث الأنبياء من قبلي قال و ما ورث الأنبياء من قبلك قال كتاب الله و سنة نبيهم و هذا الإسناد مظلم انفرد به عبد المؤمن بن عباد أحد المجروحين ضعفه أبو حاتم عن يزيد بن معن و لا يدري من هو فلعله الذي اختلقه عن عبد الله بن شرحبيل و هو مجهول عن رجل من قريش عن زيد بن أبي أوفى الوجه الثاني أن هذا مكذوب مفترى باتفاق أهل المعرفة الثالث أن أحاديث المؤاخاة بين المهاجرين بعضهم مع بعض والانصار بعضهم مع بعض كلها كذب و النبي صلى الله عليه و سلم لم يؤاخ عليا و لا آخى بين أبي بكر و عمر و لا بين مهاجري و مهاجري لكن آخى بين المهاجرين و الأنصار كما آخى بين عبد الرحمن بن عوف و سعد بن الربيع و بين سلمان الفارسي و أبي الدرداء و بين علي و سهل بن حنيف

 

 

وكانت المؤاخاة في دور بني النجار كما اخبر بذلك انس في الحديث الصحيح لم تكن في مسجد النبي صلى الله عليه و سلم كما ذكر في الحديث الموضوع و إنما كانت في دار كان لبعض بني النجار و بناه في محلتهم فالمؤاخاة التي اخبر بها انس ما في الصحيحين عن عاصم بن سليمان الأحول قال قلت لأنس أبلغت أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لا حلف في الإسلام فقال انس قد حالف رسول الله صلى الله عليه و سلم بين قريش و الأنصار في داري الرابع أن قوله في هذا الحديث أنت أخي و وارثي باطل على قول أهل السنة و الشيعة فانه أن أراد ميراث المال بطل قولهم أن فاطمة ورثته و كيف يرث ابن العم مع وجود العم و هو العباس و ما الذي خصه بالإرث دون سائر بني العم الذين هم في درجة واحدة و أن أراد وارث العلم و الولاية بطل احتجاجهم بقوله و ورث سليمان داود و قوله فهب لي من لدنك وليا يرثنيإذ لفظ الإرث إذا كان محتملا لهذا و لهذا أمكن أن أولئك الأنبياء ورثوا كما ورث علي النبي صلى الله عليه و سلم و أما أهل السنة فيعلمون أن ما ورثه النبي صلى الله عليه و سلم من العلم لم يختص به علي بل كل من أصحابه حصل له نصيب بحسبه و ليس العلم كالمال بل الذي يرثه هذا يرثه هذا و لا يتزاحمان إذ لا يمتنع أن يعلم هذا ما علمه هذا كما يمتنع أن يأخذ هذا المال الذي أخذه هذا الوجه الخامس أن النبي صلى الله عليه و سلم قد اثبت الاخوة لغير علي كما في الصحيحين انه قال لزيد أنت أخونا و مولانا و قال له أبو بكر لما خطب ابنته الست أخي قال أنا أخوك و بنتك حلال لي و في الصحيح انه قال في حق أبي بكر و لكن اخوة الإسلام

 

 

وقال في الصحيح أيضا وددت أن قد رأيت إخواني قالوا اولسنا إخوانك يا رسول الله قال لا انتم أصحابي و لكن إخواني قوم يأتون من بعدي يؤمنون بي و لم يروني يقول انتم لكم من الاخوة ما هو أخص منها و هو الصحبة و أولئك لهم اخوة بلا صحبة وقد قال تعالى إنما المؤمنون اخوة و قال صلى الله عليه و سلم لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا و لا تحاسدوا و كونوا عباد الله إخوانا أخرجاه في الصحيحين و قال المسلم أخو المسلم لا يظلمه و لا يسلمه و قال والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه من الخير ما يحب لنفسهوهذه الأحاديث و أمثالها في الصحاح و إذا كان كذلك علم أن مطلق المؤاخاة لا يقتضي التماثل من كل وجه و لا يقتضي المناسبة و المشاكلة من كل وجه بل من بعض الوجوه و إذا كان كذلك فلم قيل أن مؤاخاة علي لو كانت صحيحة اقتضت الإمامة و الأفضلية مع أن المؤاخاة مشتركة و ثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم في الصحاح من غير وجه انه قال لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا و لكن صاحبكم خليل الله لا يبقين في المسجد خوخة إلا سدت إلا خوخة أبي بكر أن أمن الناس علينا في صحبته و ذات يده أبو بكر و في هذا إثبات لخصائص لأبي بكر لا يشركه فيها أحد غيره و هو صريح في انه ليس من أهل الأرض من هو احب إليه و لا أعلى منزلة عنده و لا ارفع درجة و لا اكثر اختصاصا به من أبي بكر كما في الصحيحين قيل له أي الناس احب إليك قال عائشة قيل و من الرجال قال أبوها وفي الصحيحين عن عمر

 

 

انه قال أنت سيدنا و خيرنا و احبنا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فهذه الأحاديث التي اجمع أهل العلم على صحتها و تلقيها بالقبول و لم يقدح فيها أحد من العلم تبين أن أبا بكر كان احب إليه و أعلى عنده من جميع الناس و حينئذ فان كانت المؤاخاة دون هذه المرتبة لم تعارضها و أن كانت أعلي كانت هذه الأحاديث الصحيحة تدل على كذب أحاديث المؤاخاة و أن كنا نعلم أنها كذب بدون هذه المعارضة لكن المقصود أن هذه الأحاديث الصحيحة تبين أن أبا بكر كان احب إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم من علي و أعلى قدرا عنده منه و من كل من سواه و شواهد هذا كثيرة و قد روى بضعة و ثمانون نفسا عن علي انه قال خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر رواها البخاري في الصحيح عن علي رضي الله عنه و هذا هو الذي يليق بعلي رضي الله عنه فانه من اعلم الصحابة بحق أبي بكر و عمر و اعرفهم بمكانهما من الإسلام و حسن تأثيرهما في الدين حتى انه تمنى أن يلقى الله بمثل عمل عمر رضي الله عنهم أجمعينوروى الترمذي وغيره مرفوعا عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين و الآخرين لا تخبرهما يا علي وهذا الحديث وأمثاله لو عورض بها أحاديث المؤاخاة وأحاديث الطير ونحوه لكانت باتفاق المسلمين اصح منها فكيف إذا انضم إليها سائر الأحاديث التي لا شك في صحتها مع الدلائل الكثيرة المتعددة التي توجب علما ضروريا لمن علمها أن أبا بكر كان احب الصحابة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وافضل عنده من عمر وعثمان وعلي وغيرهم وكل من كان بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحواله اعلم كان بهذا اعرف وإنما يستريب فيه من لا يعرف الأحاديث الصحيحة من الضعيفة فأما أن يصدق الكل أو يتوقف في الكل

 

 

وأما أهل العلم بالحديث الفقهاء فيه فيعلمون هذا علما ضروريا دع هذا فلا ريب أن كل من له في الأمة لسان صدق من علمائها و عبادها متفقون على تقديم أبي بكر و عمر كما قال الشافعي رضي الله عنه فيما نقله عنه البيهقي بإسناده قال لم يختلف أحد من الصحابة و التابعين في تفضيل أبي بكر و عمر رضي الله عنهما و تقديمهما على جميع الصحابة و كذلك أيضا لم يختلف علماء الإسلام في ذلك كما هو قول مالك و أصحابه و أبي حنيفة وأصحابه واحمد وأصحابه وداود وأصحابه والثورى وأصحابه والليث وأصحابه والاوزاعي و أصحابه و إسحاق و أصحابه وابن جرير وأصحابه وأبي ثور وأصحابه و كما هو قول سائر العلماء المشهورين إلا من لا يؤبه له و لا يلتفت إليه وما علمت من نقل عنه في ذلك نزاع من أهل الفتيا إلا ما نقل عن الحسن بن صالح بن حي انه كان يفضل عليا و قيل أن هذا كذب عليه و لو صح هذا عنه لم يقدح فيما نقله الشافعي من الإجماع فان الحسن بن صالح لم يكن مكن التابعين ولا من الصحابة والشافعي ذكر إجماع الصحابة و التابعين على تقديم أبي بكر و لو قاله الحسن فإذا أخطأ واحد من مائة ألف إمام أو اكثر لم يكن ذلك بمنكر و ليس في شيوخ الرافضة إمام في شيء من علوم الإسلام لا علم

 

 

الحديث و لا الفقه و لا التفسير و لا القرآن بل شيوخ الرافضة أما جاهل و أما زنديق كشيوخ أهل الكتاب بل السابقون الأولون و أئمة السنة و الحديث متفقون على تقديم عثمان و مع هذا انهم لم يجتمعوا على ذلك رغبة و لا رهبة بل مع تباين آرائهم و أهوائهم و علومهم و اختلافهم و كثرة اختلافاتهم فيما سوى ذلك من مسائل العلم فأئمة الصحابة و التابعين رضي الله عنهم متفقون على هذا ثم من بعدهم كمالك بن انس و ابن أبي ذئب و عبد العزيز بن الماجشون و غيرهم من علماء المدينة و مالك يحكي الإجماع عمن لقيه انهم لم يختلفوا في تقديم أبي بكر و عمر و ابن جريج و ابن عيينة و سعد بن سالم و مسلم بن خالد و غيرهم من علماء مكة و أبي حنيفة و الثوري و شريك بن عبد الله و ابن أبي ليلى و غيرهم من فقهاء الكوفة و هي دار الشيعة حتى كان الثوري يقول من قدم عليا على أبي بكر ما أرى أن يصعد له إلى الله عمل رواه أبو داود في سننه و حماد بن زيد و حماد بن سلمة و سعيد بن أبي عروبة و أمثالهم من علماء البصرة و الاوزاعي و سعيد بن عبد العزيز و غيرهم من علماء الشام

 

 

و الليث و عمرو بن الحارث و ابن وهب و غيرهم من علماء مصر ثم مثل عبد الله بن المبارك و وكيع بن الجراح وعبد الرحمن بن مهدي و أبي يوسف و محمد بن الحسن و مثل الشافعي و احمد بن حنبل و اسحق ابن إبراهيم وإبي عبيد ومثل لالبخاري وأبي داود وإبراهيم الحربي و مثل الفضيل بن عياض و أبي سليمان الداراني و معروف الكرخي و السرى السقطي و الجنيد و سهل بن عبد الله التستري و من لا يحصي عدده إلا الله ممن له في الإسلام لسان صدق كلهم يجزمون بتقديم أبي بكر و عمر كما يجزمون بإمامتهما مع فرط اجتهادهم في متابعة النبي صلى الله عليه و سلم و موالاته فهل يوجب هذا إلا ما علموه من تقديمه هو لأبي بكر و عمر و تفضيله لهما بالمحبة و الثناء و المشاورة و غير ذلك من أسباب التفضيل.

 

*

فصل قال الرافضي البرهان التاسع و الثلاثون قوله تعالى و إذ اخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم و أشهدهم على أنفسهم الست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة أنا كنا عن هذا غافلين في كتاب الفردوس لابن شيرويه يرفعه عن حذيفة بن اليمان قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لو يعلم الناس متى سمي علي أمير المؤمنين ما أنكروا فضله سمي أمير المؤمنين و آدم بين الروح و الجسد قال تعالى و إذ اخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم و أشهدهم على انفسهم الست بربكم قالت الملائكة بلى فقال تبارك و تعالى أنا ربكم و محمد نبيكم و علي أميركم و هو صريح في الباب.

*و الجواب من وجوه...

أحدها: منع الصحة و المطالبة بتقريرها و قد اجمع أهل العلم بالحديث على أن مجرد رواية صاحب الفردوس لا تدل على أن الحديث صحيح فابن شيرويه الديلمي الهمذاني ذكر في هذا الكتاب أحاديث كثيرة صحيحة و أحاديث حسنة و أحاديث موضوعة و أن كان من أهل العلم و الدين و لم يكن ممن يكذب هو لكنه نقل ما في كتب الناس و الكتب فيها الصدق و الكذب ففعل كما فعل كثير من الناس في جمع الأحاديث أما بالأسانيد و أما محذوفة الأسانيد.

 

الثاني أن هذا الحديث كذب موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث.

الثالث: أن الذي في القران انه قال الست بربكم قالوا بلى ليس فيه ذكر النبي و لا الأمير و فيه قوله أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل و كنا ذرية من بعدهم فدل على أنه ميثاق التوحيد خاصة ليش فيه ميثاق النبوة فكيف ما دونها.

الرابع: أن الأحاديث المعروفة في هذا التي في المسند و السنن و الموطأ و كتب التفسير و غيرها ليس فيها شيء من هذا و لو كان ذلك مذكورا في الأصل لم يهمله جميع الناس و ينفرد به من لا يعرف صدقه بل يعرف انه كذب.

الخامس: أن الميثاق اخذ على جميع الذرية فيلزم أن يكون علي أميرا على الأنبياء كلهم من نوح إلى محمد صلى الله عليه و سلم و هذا كلام المجانين فان أولئك ماتوا قبل أن يخلق الله عليا فكيف يكون أميرا عليهم و غاية ما يمكن أن يكون أميرا على أهل زمانه أما الإمارة على من خلق قبله و على من يخلق بعده فهذا من كذب من لا يعقل ما يقول و لا يستحي فيما يقول و من العجب أن هذا الحمار الرافضي الذي هو احمر من عقلاء اليهود الذين قال الله فيهم مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا و العامة معذورون في

 

====================

 

ج14. كتاب : منهاج السنة النبوية

 

المؤلف : شيخ الإسلام بن تيمية

 

 

قولهم الرافضي حمار اليهودي و ذلك أن عقلاء اليهود يعلمون أن هذا ممتنع عقلا و شرعا و أن هذا كما يقال خر عليهم السقف من تحتهم فيقال لا عقل و لا قران و كذلك كون علي أميرا على ذرية آدم كلهم و إنما ولد بعد موت آدم بألوف السنين و أن يكون أميرا على الأنبياء الذين هم متقدمون عليه في الزمن و المرتبة و هذا من جنس قول ابن عربي الطائي و أمثاله من ملا حدة المتصوفة الذين يقولون أن الأنبياء كانوا يستفيدون العلم بالله من مشكاة خاتم الأولياء الذي وجد بعد محمد بنحو ستمائة سنة فدعوى هؤلاء في الإمامة من جنس دعوى هؤلاء في الولاية و كلاهما يبني أمره على الكذب و الغلو و الشرك و الدعاوي الباطلة و مناقضة الكتاب و السنة و إجماع سلف الأمة ثم أن هذا الحمار الرافضي يقول و هو صريح في الباب فهل يكون هذا حجة عند أحد من أولي الألباب أو يحتج بهذا من يستحقأو يؤهل للخطاب فضلا عن أن يحتج به في تفسيق خيار هذه الأمة و تضليلهم و تكفيرهم و تجهيلهم و لولا أن هذا المعتدي الظالم قد اعتدى على خيار أولياء الله و سادات أهل الأرض خير خلق الله بعد النبيين اعتداء يقدح في الدين و يسلط الكفار و المنافقين و يورث الشبه و الضعف عند كثير من المؤمنين لم يكن بنا حاجة إلى كشف أسراره و هتك أستاره و الله حسيبه و حسيب أمثاله.

*

فصل قال الرافضي البرهان الأربعون قوله تعالى فان الله هو مولاه و جبريل و صالح المؤمنين و الملائكة بعد ذلك ظهير اجمع المفسرون أن صالح المؤمنين هو علي روى أبو نعيم بإسناده إلى أسماء بنت عميس قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقرأ هذه الآية و أن تظاهرا عليه فان الله هو مولاه و جبريل و صالح المؤمنين قال صالح المؤمنين علي بن أبي طالب و اختصاصه

 

بذلك يدل عل أفضليته فيكون هو الإمام و الآيات في هذا المعنى كثيرة اقتصرنا على ما ذكرنا للاختصار.

*و الجواب من وجوه...

أحدها: قوله اجمع المفسرون على أن صالح المؤمنين هو علي كذب مبين فانهم لم يجمعوا على هذا ولا نقل الإجماع على هذا أحد من علماء التفسير ولا علماء الحديث ونحوهم ونحن نطالبهم بهذا النقل ومن نقل هذا الإجماع.

الثاني: أن يقال كتب التفسير مملوءة بنقيض هذا قال ابن مسعود وعكرمة ومجاهد والضحاك وغيرهم هو أبو بكر وعمر وذكر هذا جماعة من المفسرين كابن جرير الطبري وغيره وقيل هو أبو بكر رواه مكحول عن أبي امامة وقيل عمر قاله سعيد بن جبير ومجاهد وقيل خيار المؤمنين قاله الربيع بن انس وقيل هم الأنبياء قاله قتادة والعلاء بن زياد وسفيان وقيل هو علي حكاه الماوردي ولم يسم قائله فلعله بعض الشيعة.

الثالث: أن يقال لم يثبت هذا القول بتخصيص علي به عمن قوله حجة والحديث المذكور كذب موضوع وهو لم يذكر دلالة علي صحته ومجرد رواية أبي نعيم له لا تدل على الصحة.

الرابع: أن يقال قوله وصالح المؤمنين اسم يعم كل صالح من المؤمنين كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال أن آل أبي فلان ليسو لي بأولياء إنما وليي الله وصالح المؤمنين.

الخامس: أن يقال أن الله جعل في هذه الآية صالح المؤمنين مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما اخبر أن الله مولاه والمولى يمنع أن يراد به الموالي عليه فلم يبق المراد به إلا الموالي ومن المعلوم أن كل من كان صالحا من المؤمنين كان مواليا للنبي صلى الله عليه وسلم قطعا فانه لو لم يواله لم يكن من صالح المؤمنين بل قد يواليه المؤمن وان لم يكن صالحا لكن لا تكون موالاة كاملة وأما الصالح فيواليه موالاة كاملة فانه إذا كان صالحا احب ما احبه الله ورسوله وابغض ما ابغضه الله ورسوله و أمر بما أمر به الله ورسوله ونهى عما نهى الله عنه ورسوله وهذا يتضمن الموالاة

 

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن عمر أن عبد الله رجل صالح لو كان يصلي من الليل فما نام بعدها وقال عن أسامة بن زيد انه من صالحيكم فاستوصوا به خيرا وأما قوله والآيات في هذا المعنى كثيرة فغايته أن يكون المتروك من جنس المذكور والذي ذكره خلاصة ما عندهم وباب الكذب لا ينسد ولهذا كان من الناس من يقابل كذبهم بما يقدر عليه من الكذب ولكن الله يقذف بالحق على الباطل فيدمعه فإذا هو زاهق وللكذابين الويل مما يصفونوما ذكر وقال أريد به علي إذا ذكر انه أريد به أبو بكر أو عمر أو عثمان لم يكن هذا القول بأبعد من قولهم بل يرجح على قوله لا سيما في مواضع كثيرة وإذا قال فهذا لم يقله أحد بخلاف قولنا كان الجواب من وجهين أحدهما أن هذا ممنوع بل من الناس من يخص أبا بكر وعمر ببعض ما ذكره من الآيات وغيرهما الثاني أن قول القائل خص هذا بواحد من الصحابة إذا أمكن غيره أن يخصه بآخر تكون حجته من جنس حجته فانه يدل على فساد قوله وان كان لم يقله فان الإنسان إذا كذب كذبة لم يمكن مقابلتها بمثلها ولم يمكنه دفع هذا إلا بما يدفع به قوله ووجب أما تصديق الاثنين وأما كذب الاثنين كالحكاية المشهورة عن قاسم بن زكريا المطرز قال دخلت على بعض الشيعة وقد قيل انه عباد بن يعقوب فقال لي من حفر البحر فقلت الله تعالى فقال تقول من حفره قلت من حفره قال علي ابن أبي طالب قال من جعل فيه الماء قلت الله قال تقول من هو الذي جعل فيه الماء قلت من هو قال الحسن قال فلما أردت أن أقوم قال من حفر البحر قلت معاوية قال ومن الذي جعل فيه الماء قلت يزيد فغضب من ذلك وقام

 

 

وكان غرض القاسم أن يقول هذا القول مثل قولك وأنت تكره ذلك وتدفعه وبما به يدفع ذلك يدفع به قولك وكذلك ما تذكره الناس من المعارضات لتأويلات القرامطة والرافضة ونحوهم كقولهم في قوله فقاتلوا أئمة الكفر طلحة والزبير وأبو بكر وعمر ومعاوية فيقابل هذا بقول الخوارج انهم علي الحسن والحسين وكل هذا باطل لكن الغرض انهم يقابلون بمثل حجتهم والدليل على فسادها يعم النوعين فعلم بطلان الجميع.

*

فصل قال الرافضي المنهج الثالث في الأدلة المستندة إلى السنة المنقولة عن النبي صلى الله عليه وسلم وهي اثنا عشر الأول ما نقله الناس كافة انه لما نزل قوله تعالى وانذر عشيرتك الاقربين جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بني عبد المطلب في دار أبي طالب وهم أربعون رجلا و امر أن يصنع لهم فخذ شاه مع مد من البر ويعد لهمصاعا من اللبن و كان الرجل منهم يأكل الجذعة في مقعد واحد و يشرب الفرق من الشراب في ذلك المقام فأكلت الجماعة كلهم من ذلك الطعام اليسير حتى شبعوا و لم يتبين ما أكلوه فبهرهم النبي صلى الله عليه و سلم بذلك و تبين لهم آية نبوته فقال يا بني عبد المطلب أن الله بعثني بالحق إلى الخلق كافة و بعثني إليكم خاصة فقال و انذر عشيرتك الاقربين و أنا أدعوكم إلى كلمتين خفيفتين على اللسان تقيلتن في الميزان تملكون بهما العرب و العجم و تنقاد لكم بهما الأمم و تدخلون بهما الجنة و تنجون بهما من النار شهادة أن لا اله إلا الله و أني رسول الله فمن يجيبني إلى هذا الأمر و يؤازرني على القيام به يكن

 

أخي و وزيري و وصيي و وارثي و خليفتي من بعدي فلم يجبه أحد منهم فقال أمير المؤمنين أنا يا رسول الله أؤازرك على هذا الأمر فقال اجلس ثم أعاد القول على القوم ثانية فصمتوا فقال علي فقمت فقلت مثل مقالتي الأولى فقال اجلس ثم أعاد القول ثالثة فلم ينطق أحد منهم بحرف فقمت فقلت أنا أؤازرك يا رسول الله على هذا الأمر فقال اجلس فأنت أخي و وزيري و وصيي و وارثي و خليفتي من بعدي فنهض القوم و هم يقولون لأبي طالب ليهنئك اليوم أن دخلت في دين ابن أخيك فقد جعل ابنك أميرا عليك.

*و الجواب من وجوه...

الأول: المطالبة بصحة النقل و ما ادعاه من نقل الناس كافة من اظهر الكذب عند أهل العلم بالحديث فان هذا الحديث ليس في شيء من كتب المسلمين التي يستفيدون منها علم النقل لا في الصحاح و لا في المساند و السنن و المغازي و التفسير التييذكر فيها الإسناد الذي يحتج به و إذا كان في بعض كتب التفسير التي ينقل منها الصحيح و الضعيف مثل تفسير الثعلبي و الواحدي و البغوي بل و ابن جرير و ابن أبي حاتم لم يكن مجرد رواية واحد من هؤلاء دليلا على صحته باتفاق أهل العلم فانه إذا عرف أن تلك المنقولات فيها صحيح و ضعيف فلا بد من بيان أن هذا المنقول من قسم الصحيح دون الضعيف و هذا الحديث غايته أن يوجد في بعض كتب التفسير التي فيها الغث و السمين و فيها أحاديث كثيرة موضوعة مكذوبة مع أن كتب التفسير التي يوجد فيها هذا مثل تفسير ابن جرير و ابن أبي حاتم و الثعلبي و البغوي ينقل فيها بالأسانيد الصحيحة ما يناقض هذا مثل بعض المفسرين الذين ذكروا هذا في سبب نزول الآية فانهم ذكروا مع ذلك بالأسانيد الصحيحة الثابتة باتفق أهل العلم على صحتها ما يناقض ذلك و لكن هؤلاء المفسرون ذكروا ذلك على عادتهم في انهم ينقلون ما ذكر في سبب نزول الآية من المنقولات الصحيحة و الضعيفة و لهذا يذكر أحدهم في سبب نزول الآية عدة أقوال ليذكر

 

أقوال الناس و ما نقلوه فيها و أن كان بعض ذلك هو الصحيح و بعضه كذب و إذا احتج بمثل هذا الضعيف و أمثاله واحد بذكر بعض ما نقل في تفسير الآية من المنقولات و ترك سائر ما ينقل مما يناقض ذلك كان هذا من افسد الحجج كمن احتج بشاهد يشهد له و لم تثبت عدالته بل ثبت جرحه و قد ناقضه عدول كثيرون يشهدون بما يناقض شهادته أو يحتج برواية واحد لم تثبت عدالته بل ثبت جرحه ويدع روايات كثيرين عدول وقد رووا ما يناقض ذلك بل لو قدر أن هذا الحديث من رواية أهل الثقة والعدالة وقد روى آخرون من أهل الثقة والعدالة ما يناقض ذلك لوجب النظر في الروايتين أيهما اثبت وارجح فكيف إذا كان أهل العلم بالنقل متفقين على أن الروايات المناقضه لهذا الحديث هي الثابتة الصحيحة بل هذا الحديث مناقض لما علم بالتواتر وكثير من أئمة التفسير لم يذكروا هذا بحال لعلمهم انه باطل.

 

الثاني: أنا نرضى منه من هذا النقل العام بأحد شيئين أما بإسناد يذكره مما يحتج به أهل العلم في مسائل النزاع ولو انه مسالة فرعية وأما قول رجل من أهل الحديث الذين يعتمد الناس على تصحيحهم فانه لو تناظر فقيهان في فرع من الفروع لم تقم الحجة على المناظرة إلا بحديث يعلم انه مسند إسنادا تقوم به الحجة أو يصححه من يرجع إليه في ذلك فأما إذا لم يعلم إسناده ولم يثبته أئمة النقل فمن أين يعلم لا سيما في مسائل الأصول التي يبنى عليها الطعن في سلف الأمة وجمهورها ويتوسل بذلك إلى هدم قواعد المسالة فكيف يقبل في مثل ذلك حديث لا يعرف إسناده ولا يثبته أئمة النقل ولا يعرف أن عالما صححه.

الثالث: أن هذا الحديث كذب عند أهل المعرفة بالحديث فما من عالم يعرف الحديث إلا وهو يعلم انه كذب موضوع ولهذا لم يروه أحد منهم في الكتب التي يرجع إليها في المنقولات لان أدنى من له معرفة بالحديث يعلم أن هذا كذب وقد رواه بن جرير والبغوي بإسناد فيه عبد الغفار بن القاسم بن فهد أبو مريم الكوفي وهو مجمع على تركه كذبه سماك بن حرب وأبو داودوقال احمد ليس بثقة عامة أحاديث بواطيل قال يحيى ليس بشيء قال ابن المدينى كان يضع الحديث وقال النسائي وأبو حاتم متروك الحديث وقال ابن حبان البستي كان عبد الغفار بن قاسم يشرب الخمر حتى يسكر وهو مع ذلك يقلب الأخبار لا يجوز الاحتجاج به وتركه احمد ويحيى ورواه ابن أبي حاتم وفي إسناده عبد الله بن عبد القدوس وهو ليس بثقة وقال فيه يحيى بن معين ليس بشيء رافضي خبيث وقال النسائي ليس بثقة وقال الدار قطني ضعيف وإسناد الثعلبي اضعف لان فيه من لا يعرف وفيه من الضعفاء والمتهمين من لا يجوز الاحتجاج بمثله في اقل مسالة.

 

الرابع: أن بني عبد المطلب لم يبلغوا أربعين رجلا حين نزلت هذه الآية فإنها نزلت بمكة في أول الأمر ثم ولا بلغوا أربعين رجلا في مدة حياة النبي صلى الله عليه وسلم فان بني عبد المطلب لم يعقب منهم باتفاق الناس إلا أربعة العباس وأبو طالب والحارث وأبو لهب وجميع ولد عبد المطلب من هؤلاء الأربعة وهم بنو هاشم ولم يدرك النبوة من عمومته إلا أربعة العباس وحمزة وأبو طالب وأبو لهب فآمن اثنان وهما حمزة والعباس وكفر اثنان أحدهما نصره وأعانه وهو أبو طالب والآخر عاداه وعان أعداءه وهو أبو لهب وما العمومة وبنو العمومة فأبو طالب كان له أربعة بنين طالب وعقيل وجعفر وعلي وطالب لم يدرك الإسلام وأدركه الثلاثة فآمن علي وجعفر في أول الإسلام وهاجر جعفر إلى ارض الحبشة ثم إلى المدينة عام خيبر وكان عقيل قد استولى على رباع بني هاشم لما هاجروا وتصرف فيها ولهذا لما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم في حجته ننزل غدا في دارك بمكة قال وهل ترك لنا عقيل من داروأما العباس فبنوه كلهم صغار إذ لم يكن فيهم بمكة رجل وهب انهم كانوا رجالا فهم عبد الله وعبيد الله والفضل وأما قثم فولد بعدهم وأكبرهم الفضل وبه كان يكنى وعبد الله ولد في الشعب بعد نزول قوله وانذر عشيرتك الاقربين وكان له في الهجرة نحو ثلاث سنين أو أربع سنين ولم يولد للعباس في حياة النبي صلى الله عليه وسلم إلا الفضل وعبد الله وعبيد الله وأما سائرهم فولدوا بعده وأما الحارث بن عبد المطلب وأبو لهب فبنوهما اقل والحارث كان له ابنان أبو سفيان وربيعة وكلاهما تأخر إسلامه وكان من مسلمة الفتح وكذلك بنو أبي لهب تأخر إسلامهم إلى زمن الفتح وكان له ثلاثة ذكور فاسلم منهم اثنان عتبة ومغيث وشهد الطائف وحنينا وعتيبة دعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأكله الكلب فقتله السبع بالزرقاء من الشام كافرا

 

فهؤلاء بنو عبد المطلب لا يبلغون عشرين رجلا فأين الأربعون.

الخامس: قوله أن الرجل منهم كان يأكل الجذعة ويشرب الفرق من اللبن فكذب على القوم ليس بنو هاشم معروفين بمثل هذه الكثرة في الأكل ولا عرف فيهم من كان يأكل جذعة ولا يشرب فرقا.

السادس: أن قوله للجماعة من يجيبني إلى هذا الأمر ويؤازرني على القيام به يكن أخي ووزيري ووصيي وخليفتي من بعدي كلام مفترى على النبي صلى الله عليه وسلم لا يجوز نسبته إليه فان مجرد الإجابة إلى الشهادتين والمعاونة على ذلك لا يوجب هذا كله فان جميع المؤمنين أجابوا إلى هاتين الكلمتين وأعانوه على هذا الأمر وبذلوا أنفسهم وأموالهم في اقامته وطاعته وفارقوا أوطانهم وعادوا إخوانهم وصبروا على الشتات بعد الألفة وعلى الذل بعد العز وعلى الفقر بعد الغنى وعلى الشدة بعد الرخاء وسيرتهم معروفة مشهورة ومع هذا فلم يكن أحد منهم بذلك خليفة له

 

وأيضا فان كان عرض هذا الأمر على أربعين رجلا أمكن أن يجيبوه أو أكثرهم أو عدد منهم فلو أجابه منهم عدد من كان الذي يكون الخليفة بعده أيعين واحدا بلا موجب أم يجعل الجميع خلفاء في وقت واحد وذلك انه لم يعلق الوصية والخلافة والاخوة والمؤازرة إلا بأمر سهل وهو الإجابة على الشهادتين والمعاونة على هذا الأمر وما من مؤمن يؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر إلى يوم القيامة إلا وله من هذا نصيب وافر ومن لم يكن له من ذلك حظ فهو منافق فكيف يجوز نسبة مثل هذا الكلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

السابع: أن حمزة وجعفر وعبيده بن الحارث أجابوا إلى ما أجابه علي من الشهادتين والمعاونة على هذا الأمر فان هؤلاء من السابقين الأولين الذين آمنوا بالله ورسوله في أول الأمر بل حمزة اسلم قبل أن يصير المؤمنون أربعين رجلا وكان النبي صلى الله عليه وسلم في دار الأرقم ابن أبي الأرقم وكان اجتماع النبي صلى الله عليه وسلم به في دار الأرقم ولم يكن يجتمع هو وبنو عبد المطلب كلهم في دار واحدة فان أبا لهب كان مظهرا لمعاداة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما حصر بنو هاشم في الشعب لم يدخل معهم أبو لهب.

الثامن: أن الذي في الصحاح من نزول هذه الآية غير هذا ففي الصحيحين عن ابن عمر وأبي هريرة واللفظ له عن النبي صلى الله

 

عليه وسلم لما نزلت و انذر عشيرتك الاقربين دعا رسول الله صلى الله عليه و سلم قريشا فاجتمعوا فخص و عم فقال يا بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار يا بني مرة بن كعب أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد شمس أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار فإني لا املك لكم من الله شيئا غير أن لكم رحما سأبلها ببلالها و في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أيضا لما نزلت هذه الآية قال يا معشر قريش اشتروا أنفسكم من الله لا اغني عنكم من الله شيئا يا بني عبد المطلب لا اغني عنكم من الله شيئا يا صفية عمة رسول الله لا اغني عنك من الله شيئا يافاطمة بنت محمد لا أغنى عنك من الله شيئا سلاني ما شئتما من مالي و خرجه مسلم من حديث ابنالمخارق و زهير بن عمرو و من حديث عائشة و قال فيه قام علي الصفا و قال في حديث قبيصة انطلق إلى رضمة من جبل فعلا أعلاها حجرا ثم نادى يا بني عبد مناف إني لكم نذير إنما مثلي و مثلكم كمثل رجل رأى العدو فانطلق يربأ أهله فخشي أن يسبقوه فجعل يهتف يا صباحاه و في الصحيحين من حديث ابن عباس قال لما نزلت هذه الآية خرج رسول الله و سلم حتى صعد الصفا فهتف يا صباحاه فقالوا من هذا الذي يهتف قالوا محمد فاجتمعوا إليه فجعل ينادي يا بني فلان يا بني عبد مناف يا بني عبد المطلب و في رواية يا بني فهر يا بني عدي يا بني فلان لبطون قريش فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا ينظر ما هو فاجتمعوا فقال ارايتكم لو أخبرتكم أن خيلا تخرج بسفح هذا الجبل اكنتم

 

 

مصدقي قالوا ما جربنا عليك كذبا قال فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد فقال أبو لهب تبا لك أما جمعتنا إلا لهذا فقام فنزلت هذه السورة تبت يدا أبي لهب و تب و في رواية ارأيتم لو أخبرتكم أن العدو يصبحكم و يمسيكم اكنتم تصدقوني قالوا بلى فان قيل فهذا الحديث قد ذكره طائفة من المفسرين و المصنفين في الفضائل كالثعلبي و البغوي و أمثالهما و المغازلي قيل له مجرد رواية هؤلاء لا توجب ثبوت الحديث باتفاق أهل العلم بالحديث فان في كنت هؤلاء من الأحاديث الموضوعة ما اتفق أهل العلم على انه كذب موضوع و فيها شيء كثير يعلم بالأدلة اليقينية السمعية و العقلية أنها كذب بل فيها ما يعلم بالاضطرار انه كذب و الثعلبي و أمثاله لا يتعمدون الكذب بل فيهم من الصلاح و الدين ما يمنعهم من ذلك لكن ينقلون ما وجدوه في الكتب و يروون ما سمعوه و ليس لاحدهم من الخبرة بالأسانيد ما لائمة الحديث كشعبة و يحيى بن سعيد القطان و عبد الرحمن بن مهدي و احمد بن حنبل و علي بن

 

 

المديني و يحيى بن معين و إسحاق و محمد بن يحيى الذهلي و البخاري و مسلم و أبي داود و النسائي و أبي حاتم و أبي زرعة الرازيين و أبي عبد الله بن منده و الدار قطني و أمثال هؤلاء من أئمة الحديث و نقاده ومكامه و حفاظه الذين لهم خبرة و معرفة تامة بأحوال النبي و سلم وأحوال من نقل العلم والحديث عن النبي من الصحابة و التابعين و تابعيهم و من بعدهم من نقلة العلم و قد صنفوا الكتب الكثيرة في معرفة الرجال الذين نقلوا الآثار و أسماءهم و ذكروا أخبارهم و أخبار من اخذوا عنه و من اخذ عنهم مثل كتاب العلل و أسماء الرجال عن يحيى القطان و ابن المديني و احمد و ابن معين و البخاري و مسلم و أبي زرعة و أبي حاتم زو النسائي و الترمذي و احمد بن عدي و ابن حبان و أبي الفتح الازدي و الدار قطين قطني و غيرهم و تفسير الثعلبي فيه أحاديث موضوعة و أحاديث صحيحة و من الموضوع فيه الأحاديث التي في فضائل السور سورة و قد ذكر هذا الحديث الزمخشري و الواحدي و هو كذب موضوع باتفاق أهل الحديث و كذلك غير هذا

 

 

و كذلك الواحدي تلميذ الثعلبي و البغوي اختصر تفسيره من تفسير الثعلبي و الواحدي لكنهما اخبر بأقوال المفسرين منه و الواحدي اعلم بالعربية من هذا و هذا و البغوي اتبع للسنة منهما و ليس لكون الرجل من الجمهور الذين يعتقدون خلافة الثلاثة يوجب له أن كل ما رواه صدق كما أن كونه من الشيعة لا يوجب أن يكون كل ما رواه كذبا بل الاعتبار بميزان العدل و قد وضع الناس أحاديث كثيرة مكذوبة على رسول الله و سلم في الأصول والأحكام و الزهد و الفضائل و وضعوا كثيرا من فضائل الخلفاء الأربعة و فضائل معاوية و من الناس من يكون قصده رواية كل ما روي في الباب من غير تمييز بين صحيح و ضعيف كما فعله أبو نعيم في فضائل الخلفاء و كذلك غيره ممن صنف في الفضائل و مثل مل جمعه أبو الفتح بن أبي الفوارس و أبو علي الاهوازي و غيرهما في فضائل معاوية و مثل ما جمعه النسائي في فضائل علي و كذلك ما جمعه أبو القاسم بن عساكر في فضائل علي و غيره فان هؤلاء و أمثالهم قصدوا أن يرووا ما سمعوا من غير تمييز بين صحيح ذلك و ضعيفه فلا يجوز أن يجزم بصدق الخبر بمجرد رواية الواحد من هؤلاء باتفاق أهل العلم و أما من يذكر الحديث بلا إسناد ومن المصنفين في الأصول و الفقه و الزهد و الرقائق فهؤلاء يذكرون أحاديث كثيرة صحيحة و يذكر بعضهم أحاديث كثيرة ضعيفة و موضوعة كما يوجد ذلك في كتب الرقائق و الرأي و غير ذلك.

 

*

فصل قال الرافضي الثاني الخبر المتواتر عن النبي و سلم انه لما نزل قوله تعالى يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك خطب الناس في غدير خم وقال للجمع كله يا أيها الناس الست أولى منكم بأنفسكم قالوا بلى قال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله فقال عمر بخ بخ أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن و مؤمنة والمراد بالمولى هنا الأولى بالتصرف لتقدم التقرير منه صلى الله عليه وسلم بقوله الست أولى منكم بأنفسكم.

*والجواب عن هذه الآية والحديث المذكور قد تقدم وبينا أن هذا كذب وأن قوله بلغ ما انزل إليك من ربك نزل قبل حجة الوداع بمدة طويلة ويوم الغدير إنما كان ثامن عشر ذي الحجة بعد رجوعه من الحج وعاش بعد ذلك شهرين وبعض الثالث ومما يبين ذلك أن آخر المائدة نزولا قوله تعالى اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي وهذه الآية نزلت بعرفة تاسع ذي الحجة في حجة الوداع والنبي صلى الله عليه وسلم واقف بعرفة كما ثبت ذلك في الصحاح والسنن وكما قاله العلماء قاطبة من أهل التفسير والحديث وغيرهم وغدير خم كان بعد رجوعه إلى المدينة ثامن عشر ذي الحجة بعد نزول هذه الآية بتسعة أيام فكيف يكون قوله بلغ ما انزل إليك من ربك نزل ذلك الوقت ولا خلاف بين أهل العلم أن هذه الآية نزلت قبل ذلك وهي من أوائل ما نزل بالمدينة وإن كان ذلك في (سورة المائدة). كما أن فيها تحريم الخمر والخمر حرمت في أوائل الأمر عقب غزوة أحد وكذلك فيها الحكم بين أهل الكتاب بقوله فان جاءوك فاحكم بينهم أو اعرض عنهم وهذه الآية نزلت إما في الحد لما رجم اليهوديين وإما في الحكم بين قريظة والنضير لما تحاكموا إليه في الدماء ورجم اليهوديين كان أول ما

 

فعله بالمدينة وكذلك الحكم بين قريظة والنضير فان بني النضير أجلاهم قبل الخندق وقريظة قتلهم عقب غزوة الخندق والخندق باتفاق الناس كان قبل الحديبية وقبل فتح خيبر وذلك كله قبل فتح مكة وغزوة حنين وذلك كله قبل حجة الوداع وحجة الوداع قبل خطبة الغدير فمن قال أن المائدة نزل فيها شيء بغدير خم فهو كاذب مفتر باتفاق أهل العلم وأيضا فان الله تعالى قال في كتابه يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس فضمن له سبحانه انه يعصمه من الناس إذا بلغ الرسالة ليؤمنه بذلك من الأعداء ولهذا روى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قبل نزول هذه الآية يحرس فلما نزلت هذه الآية ترك ذلكوهذا إنما يكون قبل تمام التبليغ وفي حجة الوداع تم التبليغ وقال في حجة الوداع ألا هل بلغت ألا هل بلغت قالوا نعم قال اللهم اشهد وقال لهم أيها الناس إني تارك فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وأنتم تسألون عني فما انتم قائلون قالوا نشهد انك قد بلغت وأديت ونصحت فجعل يرفع إصبعه إلى السماء وينكبها إلى الأرض ويقول اللهم اشهد اللهم اشهد وهذا لفظ حديث جابر في صحيح مسلم وغيره في الأحاديث الصحيحة وقال ليبلغ الشاهد الغائب فرب مبلغ أوعى من سامع فتكون العصمة المضمونة موجودة وقت التبليغ المتقدم فلا تكون هذه الآية نزلت بعد حجة الوداع لانه قد بلغ قبل ذلك ولأنه حينئذ لم يكن خائفا من أحد يحتاج أن يعصم منه بل بعد حجة الوداع كان أهل مكة والمدينة وما حولهما كلهم مسلمين منقادين له ليس فيهم

 

 

كافر والمنافقون مقموعون مسرون للنفاق ليس فيهم من يحاربه ولا من يخاف الرسول منه فلا يقال له في هذه الحال بلغ ما انزل إليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس وهذا مما يبين أن الذي جرى يوم الغدير لم يكن مما أمر بتبليغه كالذي بلغه في حجة الوداع فإن كثيرا من الذين حجوا معه أو أكثرهم لم يرجعوا معه إلى المدينة بل رجع أهل مكة إلى مكة أهل الطائف إلى الطائف وأهل اليمن إلى اليمن وأهل البوادي القريبة من ذاك إلى بواديهم وإنما رجع معه أهل المدينة ومن كان قريبا منها فلو كان ما ذكره يوم الغدير مما أمر بتبليغه كالذي بلغه في الحج لبلغه في حجة الوداع كما بلغ غيره فلما لم يذكر في حجة الوداع امامة ولا ما يتعلق بالإمامة أصلا ولم ينقل أحد بإسناد صحيح ولا ضعيف انه في حجة الوداع ذكر امامة علي بل ولا ذكر عليا في شيء من خطبته وهو المجمع العام الذي أمر فيه بالتبليغ العام علم أن امامة علي لم تكن من الدين الذي أمر بتبليغه بل ولا حديث الموالاة وحديث الثقلين ونحو ذلك مما يذكر في إمامته

 

 

والذي رواه مسلم انه بغدير خم قال إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله فذكر كتاب الله وحض عليه ثم قال وعثرتي أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي ثلاثا وهذا مما انفرد به مسلم ولم يروه البخاري وقد رواه الترمذي وزاد فيه وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض وقد طعن غير واحد من الحفاظ في هذه الزيادة وقال إنها ليست من الحديث والذين اعتقدوا صحتها قالوا إنما يدل على أن مجموع العترة الذين هم بنو هاشم لا يتفقون على ضلالة وهذا قاله طائفة من أهل السنة وهو من أجوبة القاضي أبي يعلى وغيره والحديث الذي في مسلم إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد قاله فليس فيه إلا الوصية باتباع كتاب الله وهذا أمر قد تقدمت الوصية به في حجة الوداع قبل ذلك وهو لم يأمر باتباع العترة لكن قال أذكركم الله في أهل بيتي وتذكير الأمة بهم يقتضي أن يذكروا ما تقدم الأمر به قبل ذلك من إعطائهم حقوقهم والامتناع من ظلمهم وهذا أمر قد تقدم بيانه قبل غدير خمفعلم انه لم يكن في غدير خم أمر يشرع نزل إذ ذاك لا في حق علي ولا غيره لا إمامته ولا غيرها لكن حديث الموالاة قد رواه الترمذي وأحمد والترمذي في مسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال من كنت مولاه فعلى مولاه وأما الزيادة وهي قوله اللهم وال من والاه وعاد من عاداه الخ فلا ريب انه كذب ونقل الأثرم في سننه عن احمد أن العباس سأله عن حسين الأشقر وأنه حدث بحديثين أحدهما قوله لعلي انك ستعرض على البراءة مني فلا تبرا والآخر اللهم وال من والاه وعاد من عاداه فأنكره أبو عبيد الله جدا لم يشك أن هذين كذب وكذلك قوله أنت أولى بكل مؤمن ومؤمنة كذب أيضا وأما قوله من كنت مولاه فعلي مولاه فليس هو في الصحاح لكن هو مما رواه العلماء وتنازع الناس في صحته فنقل عن البخاري وإبراهيم الحربي وطائفة من أهل العلم بالحديث انهم طعنوا فيه

 

 

وضعفوه ونقل عن احمد بن حنبل انه حسنه كما حسنه الترمذي وقد صنف أبو العباس بن عقدة مصنفا في جميع طرقه وقال ابن حزم الذي صح من فضائل علي فهو قول النبي صلى الله عليه وسلم أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا انه لا نبي بعدي وقوله لاعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله وهذه صفة واجبة لكل مسلم مؤمن وفاضل وعهده صلى الله عليه وسلم أن عليا لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق وقد صح مثل هذا في الأنصار انهم لا يبغضهم من يؤمن بالله واليوم الآخر قال وأما من كنت مولاه فعلى مولاه فلا يصح من طريقالثقات أصلا وأما سائر الأحاديث التي يتعلق بها الروافض فموضوعة يعرف ذلك من له أدنى علم بالأخبار ونقلها فان قيل لم يذكر ابن حزم ما في الصحيحين من قوله أنت مني وأنا منك وحديث المباهلة والكساء قيل مقصود ابن حزم الذي في الصحيح من الحديث الذي لا يذكر فيه إلا علي وأما تلك ففيها ذكر غيره فإنه قال لجعفر أشبهت خلقي وخلقي وقال لزيد أنت أخونا ومولانا وحديث المباهلة والكساء فيهما ذكر علي وفاطمة وحسن وحسين رضي الله عنهم فلا يرد هذا على ابن حزم ونحن نجيب بالجواب المركب فنقول أن لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم قاله فلا كلام وإن كان قاله فلم يرد به قطعا الخلافة بعده إذ ليس في اللفظ ما يدل عليه ومثل هذا الأمر العظيم يجب أن يبلغ بلاغا مبينا

 

 

و ليس في الكلام ما يدل دلالة بينة على أن المراد به الخلافة و ذلك أن المولى كالمولى والله تعالى قال إنما وليكم الله و رسوله و الذين آمنوا وقال وإن تظاهرا عليه فان الله هو مولاه و جبريل و صالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير فبين أن الرسول ولي المؤمنين وأنهم مواليه أيضا كما بين أن الله ولي المؤمنين وأنهم أولياؤهم وأن المؤمنين بعضهم أولياء بعض فالموالاة ضد المعاداة و هي تثبت من الطرفين وإن كان أحد المتواليين اعظم قدرا و ولايته إحسان وتفضل وولاية الآخر طاعة وعبادة كما أن الله يحب المؤمنين و المؤمنون يحبونه فإن الموالاة ضد المعاداة و المحاربة و المخادعة و الكفار لا يحبون الله و رسوله و يحادون الله و رسوله و يعادونه و قد قال تعالى لا تتخذوا عدوي و عدوكم أولياء و هو يجازيهم على ذلك كما قال تعالى فان لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله و رسوله و هو ولي المؤمنين و هو مولاهم يخرجهم من الظلمات إلى النور و إذا كان كذلك فمعنى كون الله ولي المؤمنين و مولاهم و كون الرسول وليهم و مولاهم و كون علي مولاهم هي الموالاة التي هي ضد المعاداة

 

 

و المؤمنون يتولون الله و رسوله الموالاة المضادة للمعاداة و هذا حكم ثابت لكل مؤمن فعلي رضي الله عنه من المؤمنين الذين يتولون المؤمنين و يتولونه و في هذا الحديث إثبات إيمان علي في الباطن و الشهادة له بأنه يستحق المولاة باطنا و ظاهرا و ذلك يرد ما يقوله فيه أعداؤه من الخوارج و النواصب لكن ليس فيه انه ليس للمؤمنين مولى غيره فكيف و رسول الله صلى الله عليه و سلم له موالي و هم صالحو المؤمنين فعلي أيضا له مولى بطريق الأولى و الأحرى و هم المؤمنون الذين يتولونه و قد قال النبي صلى الله عليه و سلم أن اسلم و غفارا و مزينة و جهينة و قريشا و الأنصار ليس لهم مولى دون الله و رسوله و جعلهم موالي رسول الله صلى الله عليه و سلم كما جعل صالح المؤمنين مواليه و الله و رسوله مولاهم

 

 

و في الجملة فرق بين الولي و المولى و نحو ذلك و بين الوالي فباب الولاية التي هي ضد العداوة شيء و باب الولاية التي هي الإمارة شيء و الحديث إنما هو في الأولى دون الثانية و النبي صلى الله عليه و سلم لم يقل من كنت واليه فعلي واليه و إنما اللفظ من كنت مولاه فعلي مولاه و أما كون المولى بمعنى الوالي فهذا باطل فان الولاية تثبت من الطرفين فان المؤمنين أولياء الله و هو مولاهم و أما كونه أولى بهم من أنفسهم فلا يثبت إلا من طرفه صلى الله عليه و سلم و كونه أولى بكل مؤمن من نفسه من خصائص نبوته و لو قدر انه نص على خليفة من بعده لم يكن ذلك موجبا أن يكون أولى بكل مؤمن من نفسه كما انه لا يكون أزواجه أمهاتهم و لو أريد هذا المعنى لقال من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه و هذا لم يقله و لم ينقله أحد و معناه باطل قطعا لان كون النبي صلى الله عليه و سلم أولى بكل مؤمن من نفسه أمر ثابت في حياته و مماته و خلافة علي لو قدر وجودها لم تكن إلا بعد موته لم تكن في حياته فلا يجوز أن يكون علي خليفة في زمنه فلا يكون حينئذ أولى بكل مؤمن من نفسه بل و لا يكون مولى أحد من المؤمنين إذا أريد به الخلافة

 

 

و هذا مما يدل على انه لم يرد الخلافة فإن كونه ولي كل مؤمن وصف ثابت له في حياة النبي صلى الله عليه وسلم لم يتأخر حكمه إلى الموت وأما الخلافة فلا يصير خليفة إلا بعد الموت فعلم أن هذا ليس هذا وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم في حياته وبعد مماته إلى يوم القيامة وإذا استخلف أحدا على بعض الأمور في حياته أو قدر انه استخلف أحدا على بعض الأمور في حياته أو قدر انه استخلف أحدا بعد موته وصار له خليفة بنص أو إجماع فهو أولى بتلك الخلافة وبكل المؤمنين من أنفسهم فلا يكون قط غيره أولى بكل مؤمن من نفسه لا سيما في حياته وأما كون علي وغيره مولى كل مؤمن فهو وصف ثابت لعلي في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد مماته وبعد ممات علي فعلي اليوم مولى كل مؤمن وليس اليوم متوليا على الناس وكذلك سائر المؤمنين بعضهم أولياء بعض أحياء وامواتا.

*

فصل قال الرافضي الثالث قوله أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا انه لا نبي بعدي اثبت له عليه السلام جميعمنازل هارون من موسى عليه السلام للاستثناء ومن جملة منازل هارون انه كان خليفة لموسى ولو عاش بعده لكان خليفة أيضا وإلا لزم تطرق النقض إليه ولأنه خليفته مع وجوده وغيبته مدة يسيرة فبعد موته وطول مدة الغيبة أولى بأن يكون خليفته.

*والجواب أن هذا الحديث ثبت في الصحيحين بلا ريب وغيرهما كان النبي صلى الله عليه وسلم قال له ذلك في غزوة تبوك وكان صلى الله عليه وسلم كلما سافر في غزوة أو عمرة أو حج يستخلف على المدينة بعض الصحابة كما استخلف على المدينة في غزوة ذي أمر عثمان وفي غزوة بني قينقاع

 

بشير بن عبد المنذر ولما غزا قريشا ووصل إلى الفرع استعمل ابن أم مكتوم وذكر ذلك محمد بن سعد وغيره وبالجملة فمن المعلوم انه كان لا يخرج من المدينة حتى يستخلف وقد ذكر المسلمون من كان يستخلفه فقد سافر من المدينة في عمرتين عمرة الحديبية وعمرة القضاء وفي حجة الوداع وفي مغازيه اكثر من عشرين غزاة وفيها كلها استخلف وكان يكون بالمدينة رجال كثيرون يستخلف عليهم من يستخلفه فلما كان في غزوة تبوك لم يأذن لاحد في التخلف عنها وهي آخر مغازيه صلى الله عليه وسلم ولم يجتمعمعه أحد كما اجتمع معه فيها فلم يتخلف عنه إلا النساء و الصبيان أو من هو معذور لعجزه عن الخروج أو من هو منافق و تخلف الثلاثة الذين تيب عليهم و لم يكن في المدينة رجال من المؤمنين يستخلف عليهم كما كان يستخلف عليهم في كل مرة بل كان هذا الاستخلاف اضعف من الاستخلافات المعتادة منه لأنه لم يبق في المدينة رجال من المؤمنين أقوياء يستخلف عليهم أحدا كما كان يبقى في جميع مغازيه فإنه كان يكون بالمدينة رجال كثيرون من المؤمنين أقوياء يستخلف عليهم من يستخلف فكل استخلاف استخلفه في مغازيه مثل استخلافه في غزوة بدر الكبرى و الصغرى و غزوة بني المصطلق و الغابة و خيبر و فتح مكة و سائر مغازيه التي لم يكن فيها قتال و مغازيه بضع عشرة غزوة و قد استخلف فيها كلها إلا القليل و قد استخلف في حجة الوداع و عمرتين قبل غزوة تبوك و في كل مرة يكون بالمدينة افضل ممن بقي في غزوة تبوك فكان كل استخلاف قبل هذه يكون علي افضل ممن استخلف عليه عليا فلهذا خرج إليه علي رضي الله عنه يبكي و قال أتخلفني مع النساء و الصبيان د و قيل أن بعض المنافقين طعن فيه و قال أنما خلفه لانه يبغضه فبين له النبي صلى الله عليه و سلم اني إنما استخلفتك لأمانتك عندي

 

 

و أن الاستخلاف ليس بنقص و لا غض فإن موسى استخلف هارون على قومه فكيف يكون نقصا و موسى ليفعله بهارون فطيب بذلك قلب علي و بين أن جنس الاستخلاف يقتضي كرامة المستخلف و أمانته لا يقتضي إهانته ولا تخوينه و ذلك لان المستخلف يغيب عن النبي صلى الله عليه و سلم و قد خرج معه جميع الصحابة و الملوك و غيرهم إذا خرجوا في مغازيهم اخذوا معهم من يعظم انتفاعهم به و معاونته لهم و يحتاجون إلى مشاورته و الانتفاع برأيه و لسانه و يده و سيفه و المتخلف إذا لم يكن له في المدينة سياسة كثيرة لا يحتاج إلى هذا كله فظن من ظن أن هذا غضاضة من علي و نقص منه و خفض من منزلته حيث لم يأخذه معه في المواضع المهمة التي تحتاج إلى سعي و اجتهاد بل تركه في المواضع التي لا تحتاج إلى كثير سعي و اجتهاد فكان قول النبي صلى الله عليه و سلم مبينا أن جنس الاستخلاف ليس نقصا و لا غضا إذ لو كان نقصا أو غضا لما فعله موسى بهارون و لم يكن هذا الاستخلاف كاستخلاف هارون لان العسكر كان مع هارون و إنما ذهب موسى وحده و أما استخلاف النبي صلى الله عليه و سلم فجميع العسكر كان معه

 

 

و لم يخلف بالمدينة غير النساء و الصبيان إلا معذور أو عاص و قول القائل هذا بمنزلة هذا و هذا مثل هذا هو كتشبيه الشيء بالشيء و تشبيه الشيء بالشيء يكون بحسب ما دل عليه السياق لا يقتضي المساواة في كل شيء ألا ترى إلى ما ثبت في الصحيحين من قول النبي صلى الله عليه و سلم في حديث الأسارى لما استشار أبا بكر و أشار بالفداء و استشار عمر فاشار بالقتل قال سأخبركم عن صاحبيكم مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم إذ قال فمن تبعني فانه مني و من عصاني فإنك غفور رحيم و مثل عيسى إذ قال أن تعذبهم فانهم عبادك و أن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم و مثلك يا عمر مثل نوح إذ قال رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا و مثل موسى إذ قال ربنا اطمس على أموالهم و اشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم فقوله هذا مثلك كمثل إبراهيم و عيسى و لهذا مثل نوح و موسى اعظم من قوله أنت مني بمنزلة هارون من موسى فان نوحا و إبراهيم و موسى و عيسى اعظم من هارون و قد جعل هذين مثلهم و لم

 

 

يرد انهما مثلهم في كل شيء لكن فيما دل عليه السياق من الشدة في الله و اللين في الله و كذلك هنا إنما هو بمنزلة هارون فيما دل عليه السياق و هو استخلافه في مغيبه كما استخلف موسى هارون و هذا الاستخلاف ليس من خصائص علي بل و لا هو مثل استخلافاته فضلا عن أن يكون افضل منها و قد استخلف من علي افضل منه في كثير من الغزوات و لم تكن تلك الاستخلافات توجب تقديم المستخلف على علي إذا قعد معه فكيف يكون موجبا لتفضيله على علي بل قد استخلف على المدينة غير واحد و أولئك المستخلفون منه بمنزلة هارون من موسى من جنس استخلاف علي بل كان ذلك الاستخلاف يكون علي اكثر و أفضل ممن استخلف عليه عام تبوك و كانت الحاجة إلى الاستخلاف اكثر فإنه كان يخاف من الأعداء على المدينة فأما عام تبوك فإنه كان قد أسلمت العرب بالحجاز و فتحت مكة و ظهر الإسلام و عز و لهذا أمر الله نبيه أن يغزو أهل الكتاب بالشام و لم تكن المدينة تحتاج إلى من يقاتل بها العدو و لهذا لم يدع النبي صلى الله عليه و سلم عند علي أحدا من المقاتلة كما كان يدع بها في سائر الغزوات بل اخذ المقاتلة كلهم معه و تخصيصه لعلي بالذكر هنا هو مفهوم اللقب و هو نوعان لقب هو جنس و لقب يجري مجرى العلم مثل زيد و أنت و هذا المفهوم

 

 

اضعف المفاهيم و لهذا كان جماهير أهل الأصول و الفقه على انه لا يحتج به فإذا قال محمد رسول الله لم يكن هذا نفيا للرسالة عن غيره لكن إذا كان في سياق الكلام ما يقتضي التخصيص فإنه يحتج به على الصحيح كقوله ففهمناها سليمان و قوله كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون و أما إذا كان التخصيص لسبب يقتضيه فلا يحتج به باتفاق الناس فهذا من ذلك فإنه إنما خص عليا بالذكر لأنه خرج إليه يبكي و يشتكي تخليفه مع النساء و الصبيان و من استخلفه سوى علي لما لم يتوهموا أن في الاستخلاف نقصا لم يحتج أن يخبرهم بمثل هذا الكلام و التخصيص بالذكر إذا كان لسبب يقتضي ذاك لم يقتض الاختصاص بالحكم فليس في الحديث دلالة على أن غيره لم يكن منه بمنزلة هارون من موسى كما أنه لما قال للمضروب الذي نهى عن لعنه دعه فإنه يحب الله و رسوله لم يكن هذا دليلا على أن غيره لا يحب الله و رسوله بل ذكر ذلك لاجل الحاجة إليه لينهى بذلك عن لعنه و لما استأذنه عمر رضي الله عنه في قتل حاطب بن أبي بلتعة قال دعه فانه قد شهد بدرا و لم يدل هذا على أن غيره لم يشهد بدرا بل ذكر المقتضى لمغفرة ذنبهو كذلك لما شهد للعشرة بالجنة لم يقتض أن غيرهم لا يدخل الجنة لكن ذكر ذلك لسبب اقتضاه و كذلك لما قال للحسن و أسامة اللهم إني احبهما فأحبهما و أحب من يحبهما لا يقتضي انه لا يحب غيرهما بل كان يحب غيرهما اعظم من محبتهما و كذلك لما قال لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة لم يقتض أن من سواهم يدخلها و كذلك لما شبه أبا بكر بإبراهيم و عيسى لم يمنع ذلك أن يكون في أمته و أصحابه من يشبه إبراهيم و عيسى و كذلك لما شبه عمر بنوح و موسى لم يمتنع أن يكون في أمته من يشبه نوحا و موسى فان قيل أن هذين افضل من يشبههم من أمته قيل الاختصاص بالكمال لا يمنع المشاركة في اصل التشبيه و كذلك لما قال عن عروة بن مسعود إنه مثل صاحب ياسين

 

 

و كذلك لما قال للأشعريين هم مني و أنا منهم لم يختص ذلك بهم بل قال لعلي أنت مني و أنا منك و قال لزيد أنت أخونا و مولانا و ذلك لا يختص بزيد بل أسامة أخوهم و مولاهم و بالجملة الأمثال و التشبيهات كثيرة جدا و هي لا توجب التماثل من كل وجه بل فيما سيق الكلام له و لا يقتضي اختصاص المشبه بالتشبيه بل يمكن أن يشاركه غيره له في ذلك قال تعالى مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة انبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة و قال تعالى و اضرب لهم مثلا أصحاب القرية و قال مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر و قد قيل أن في القران اثنين و أربعين مثلا و قول القائل انه جعله بمنزلة هارون في كل الأشياء إلا في النبوة باطل فان قوله أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسىدليل على انه يسترضيه بذلك و يطيب قلبه لما توهم من وهن الاستخلاف و نقص درجته فقال هذا على سبيل الجبر له قوله بمنزلة هارون من موسى أي مثل منزلة هارون فإن نفس منزلته من موسى بعينها لا تكون لغيره و إنما يكون له ما يشابهها فصار هذا كقوله هذا مثل هذا و قوله عن أبي بكر مثله مثل إبراهيم و عيسى و عمر مثله مثل نوح و موسى و مما يبين ذلك أن هذا كان عام تبوك ثم بعد رجوع النبي صلى الله عليه و سلم بعث أبا بكر أميرا على الموسم و أردفه بعلي فقال لعلي أمير أم مأمور فقال بل مأمور فكان أبو بكر أميرا عليه و علي معه كالمأمور مع أميره يصلي خلفه و يطيع أمره و ينادي خلفه مع الناس بالموسم ألا لا يحج بعد العام مشرك و لا يطوف بالبيت عريان

 

 

وإنما اردفه به لينبذ العهد إلى العرب فإنه كان من عادتهم أن لا يعقد العقود وينبذها إلا السيد المطاع أو رجل من أهل بيته فلم يكونوا يقبلون نقض العهود إلا من رجل من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ومما يبين ذلك انه لو أراد أن يكون خليفة على أمته بعده لم يكن هذا خطابا بينهما يناجيه به ولا كان أخره حتى يخرج إليه على ويشتكي بل كان هذا من الحكم الذي يجب بيانه وتبليغه للناس كلهم بلفظ يبين المقصود ثم من جهل الرافضة انهم يتناقضون فان هذا الحديث يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخاطب عليا بهذا الخطاب إلا ذلك اليوم في غزوة تبوك فلو كان علي قد عرف انه المستخلف من بعده كما رووا ذلك في ما تقدم لكان علي مطمئن القلب انه مثل هارون بعده وفي حياته ولم يخرج إليه يبكي ولم يقل له أتخلفني مع النساء والصبيان ولو كان علي بمنزلة هارون مطلقا لم يستخلف عليه أحدا وقد كانيستخلف على المدينة غيره وهو فيها كما استخلف على المدينة عام خيبر غير علي وكان علي بها ارمد حتى لحق بالنبي صلى الله عليه وسلم فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم الراية حين قدم وكان قد أعطى الراية رجلا فقال لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله وأما قوله لانه خليفته مع وجوده وغيبته مدة يسيرة فبعد موته وطول مدة الغيبة أولى بان يكون خليفته فالجواب انه مع وجوده وغيبته قد استخلف غير علي استخلافا اعظم من استخلاف علي و استخلف أولئك على افضل من الذين استخلف عليهم عليا و قد استخلف بعد تبوك على المدينة غير علي في حجة الوداع فليس جعل علي هو الخليفة بعده لكونه استخلفه على المدينة بأولى من هؤلاء الذين استخلفهم على المدينة كما استخلفه و اعظم مما استخلفه و آخر الاستخلاف كان على المدينة كان عام حجة الوداع و كان علي باليمن و شهد معه الموسم لكن استخلف عليها في حجة الوداع غير علي

 

 

فإن كان الأصل بقاء الاستخلاف فبقاء من استخلفه في حجة الوداع أولى من بقاء استخلاف من استخلفه قبل ذلك و بالجملة فالاستخلافات على المدينة ليست من خصائصه و لا تدل على الأفضلية و لا على الإمامة بل قد استخلف عددا غيره لكن هؤلاء جهال يجعلون الفضائل العامة المشتركة بين علي و غيره خاصة بعلي و إن كان غيره اكمل منه فيها كما فعلوا في النصوص و الوقائع و هكذا فعلت النصارى جعلوا ما اتى به المسيح من الآيات دالا على شيء يختص به من الحلول و الاتحاد و قد شاركه غيره من الأنبياء فيما اتى به و كان ما اتى به موسى من الآيات اعظم مما جاء به المسيح فليس هناك سبب يوجب اختصاص المسيح دون إبراهيم و عيسى لا بحلول و لا اتحاد بل إن كان ذلك كله ممتنعا فلا ريب انه كله ممتنع في الجميع و إن فسر ذلك بأمر ممكن كحصول معرفة الله و الإيمان به و الأنوار الحاصلة بالإيمان به و نحو ذلك فهذا قدر مشترك و أمر ممكن و هكذا الأمر مع الشيعة يجعلون الأمور المشتركة بين علي و غيره التي تعمه و غيره مختصة به حتى رتبوا عليه ما يختص به من العصمة و الإمامة و الأفضلية و هذا كله منتف

 

 

فمن عرف سيرة الرسول و أحوال الصحابة و معاني القرآن و الحديث علم انه ليس هناك اختصاص بما يوجب أفضليته و لا إمامته بل فضائله مشتركة و فيها من الفائدة إثبات إيمان علي و ولايته و الرد على النواصب الذين يسبونه أو يفسقونه أو يكفرونه و يقولون فيه من جنس ما تقوله الرافضة في الثلاثة ففي فضائل علي الثابتة رد على النواصب كما أن في فضائل الثلاثة ردا على الروافض و عثمان رضي الله عنه تقدح فيه الروافض و الخوارج ولكن شيعته يعتقدون إمامته و يقدحون في إمامة علي و هم في بدعتهم خير من شيعة علي الذين يقدحون في غيره و الزيدية الذين يتولون أبا بكر و عمر مضطربون فيه و أيضا فالاستخلاف في الحياة نوع نيابة لا بد منه لكل ولي أمر و ليس كل من يصلح للاستخلاف في الحياة على بعض الأمة يصلح إن يستخلف بعد الموت فإن النبي صلى الله عليه و سلم استخلف في حياته غير واحد و منهم من لا يصلح للخلافة بعد موته و ذلك كبشير بن عبد المنذر و غيره و أيضا فإنه مطالب في حياته بما يجب عليه من القيام بحقوق الناس

 

 

كما يطالب بذلك ولاة الأمور و أما بعد موته فلا يطالب بشيء لانه قد بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وعبد الله حتى أتاه اليقين من ربه ففي حياته يجب عليه جهاد الأعداء وقسم الفيء و إقامة الحدود واستعمال العمال وغير ذلك مما يوجب على ولاة الأمور بعده وبعد موته لا يجب عليه شيء من ذلك فليس الاستخلاف في الحياة كالاستخلاف بعد الموت والإنسان إذا استخلف أحدا في حياته على أولاده وما يأمر به من البر كان المستخلف وكيلا محضا يفعل ما أمر به الموكل وان استخلف أحدا على أولاده بعد موته كان وليا مستقلا يعمل بحسب المصلحة كما أمر الله ورسوله ولم يكن وكيلا للميت وهكذا أولو الأمر إذا استخلف أحدهم شخصا في حياته فانه يفعل ما يأمره به في القضايا المعينة و أما إذا استخلفه بعد موته فإنه يتصرف بولايته كما أمر الله ورسوله فإن هذا التصرف مضاف إليه لا إلى الميت بخلاف ما فعله في الحياة بأمر مستخلفه فإنه يضاف إلى من استخلفه لا إليه فأين هذا من هذا ولم يقل أحد من العقلاء إن من استخلف شخصا على بعض الأمور وانقضى ذلك الاستخلاف انه يكون خليفة بعد موته علىشيء ولكن الرافضة من اجهل الناس بالمعقول والمنقول.

*

فصل قال الرافضي الرابع انه صلى الله عليه وسلم استخلفه على المدينة مع قصر مدة الغيبة فيجب أن يكون خليفة له بعد موته وليس غير علي إجماعا و لأنه لم يعزله عن المدينة فيكون خليفة له بعد موته فيها وإذا كان خليفة فيها كان خليفة في غيرها إجماعا.

*والجواب أن هذه الحجة و أمثالها من الحجج الداحضة التي هي من جنس بيت العنكبوت، والجواب عنها من وجوه...

أحدها: أن نقول على أحد القولين انه استخلف أبا بكر بعد موته كما تقدم وإذا قالت الرافضة بل استخلف عليا قيل الراوندية من جنسكم قالوا استخلف العباس وكل من كان له علم بالمنقولات الثابتة يعلم أن الأحاديث الدالة على استخلاف أحد بعد موته إنما تدل

 

على استخلاف أبي بكر ليس فيها شيء يدل على استخلاف علي ولا العباس بل كلها تدل على انه لم يستخلف واحدا منهما فيقال حينئذ إن كان النبي صلى الله عليه وسلم استخلف أحدا فلم يستخلف إلا أبا بكر وان لم يستخلف أحدا فلا هذا ولا هذا فعلى تقدير كون الاستخلاف واجبا على الرسول لم يستخلف إلا أبا بكر فان جميع أهل العلم بالحديث والسيرة متفقون على أن الأحاديث الثابتة لا تدل على استخلاف غير آبي بكر و إنما يدل ما يدل منها على استخلاف آبي بكر وهذا معلوم بالاضطرار عند العالم بالأحاديث الثابتة.

الوجه الثاني: أن نقول انتم لا تقولون بالقياس وهذا احتجاج بالقياس حيث قستم الاستخلاف في الممات على الاستخلاف في المغيب و أما نحن إذا فرضنا على أحد القولين فنقول الفرق بينهما ما نبهنا عليه في استخلاف عمر في حياته وتوقفه في الاستخلاف بعد موته لان الرسول في حياته شاهد على الأمة مأمور بسياستها بنفسه أو نائبه وبعد موته انقطع عنه التكليف كما قال المسيح وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم الآية لم يقل كان خليفتي الشهيد عليهم وهذا دليل على أن المسيح لم يستخلف فدل على أن الأنبياء لا يجب عليهم الاستخلاف بعد الموت وكذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال فأقول كما قال

 

العبد الصالح وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم وقد قال تعالى وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل افإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين فالرسول بموته انقطع عنه التكليف وهو لو استخلف خليفة في حياته لم يجب إن يكون معصوما بل كان يولي الرجل ولاية ثم يتبين كذبه فيعزله كما ولى الوليد بن عقبة بن آبي معيط وهو لو استخلف رجلا لم يجب إن يكون معصوما وليس هو بعد موته شهيدا عليه ولا مكلفا برده عما يفعله بخلاف الاستخلاف في الحياة.

الوجه الثالث: أن يقال الاستخلاف في الحياة واجب على كل ولي أمر فإن كل ولي أمر رسولا كان أو إماما عليه إن يستخلف فيما غاب عنه من الأمور فلا بد له من إقامة الأمر إما بنفسه و إما بنائبه فما شهده من الأمر أمكنه إن يقيمه بنفسه و أما ما غاب عنه فلا يمكنه إقامته إلا بخليفة يستخلفه عليه فيولى على من غاب عنه من رعيته من يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويأخذ منهم الحقوق ويقيم فيهم

 

الحدود ويعدل بينهم في الأحكام كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يستخلف في حياته على كل ما غاب عنه فيولي الأمراء على السرايا يصلون بهم ويجاهدون بهم ويسوسونهم ويؤمر أمراء على الأمصار كما أمر عتاب بن اسيد على مكة أمر خالد بن سعيد بن العاص وأبان بن سعيد بن العاص وأبا سفيان بن حرب ومعاذا وأبا موسى على قرى عرينة وعلى نجران وعلى اليمن وكما كان يستعمل عمالا على الصدقة فيقبضونها ممن تجب عليه ويعطونها لمن تحل له كما استعمل غير واحد وكان يستخلف في إقامة الحدود كما قال لأنيس يا أنيس اغد على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها فغدا عليها فاعترفت فرجمها وكان يستخلف على الحج كما استخلف أبا بكر على إقامة الحج عام تسع بعد غزوة تبوك وكان علي من جملة رعية أبي بكر يصلي خلفه ويأتمر بأمره وذلك بعد غزوة تبوك وكما استخلف على المدينة مرات كثيرة فإنه كان كلما خرج في غزاة

 

 

استخلف ولما حج واعتمر استخلف فاستخلف في غزوة بدر وبنى المصطلق وغزوة خيبر وغزوة الفتح واستخلف في غزوة الحديبية وفي غزوة القضاء وحجة الوداع وغير ذلك وإذا كان الاستخلاف في الحياة واجبا على متولي الأمر وإن لم يكن نبيا مع انه لا يجب عليه الاستخلاف بعد موته لكون الاستخلاف في الحياة أمرا ضروريا لا يؤدى الواجب إلا به بخلاف الاستخلاف بعد الموت فإنه قد بلغ الأمة وهو الذي يجب عليهم طاعته بعد موته فيمكنهم إن يعينوا من يؤمرونه عليهم كما يمكن ذلك في كل فروض الكفاية التي تحتاج إلى واحد معين علم انه لا يلزم من وجوب الاستخلاف في الحياة وجوبه بعد الموت.

الرابع: أن الاستخلاف في الحياة واجب في أصناف الولايات كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يستخلف على من غاب عنهم من يقيم فيهم الواجب ويستخلف في الحج وفي قبض الصدقات حفظ مال الفيء وفي إقامة الحدود وفي الغزو وغير ذلك ومعلوم إن هذا الاستخلاف لا يجب بعد الموت باتفاق العقلاء بل ولا يمكن فإنه لا يمكن إن يعين للأمة بعد موته من يتولى كل أمر جزئي فإنهم يحتاجون إلى واحد بعد واحد وتعيين ذلك متعذر و لأنه لو عين واحدا فقد يختلف حاله ويجب عزله فقد كان يولي في حياته من يشكى إليه فيعزله كما عزل الوليد بن عقبة وعزل سعد بن عبادة

 

عام الفتح وولى ابنه قيسا وعزل إماما كان يصلي بقوم لما بصق في القبلة وولى مرة رجلا فلم يقيم بالواجب فقال أعجزتم إذا وليت من لا يقوم بأمري إن تولوا رجلا يقوم بأمري فقد فوض إليهم عزل من لا يقوم بالواجب من ولاته فكيف لا يفوض إليهم ابتداء تولية من يقوم بالواجب وإذا كان في حياته من يوليه ولا يقوم بالواجب فيعزله أو يأمر بعزله كان لو ولى واحدا بعد موته يمكن فيه أن لا يقوم بالواجب وحينئذ فيحتاج إلى عزله فإذا ولته الأمة وعزلته كان خيرا لهم من إن يعزلوا من ولاه النبي صلى الله عليه وسلم وهذا مما يتبين به حكمة ترك الاستخلاف وعلى هذا فنقول في.

الوجه الخامس: إن ترك الاستخلاف بعد مماته كان أولى من الاستخلاف كما اختاره الله لنبيه فإنه لا يختار له إلا افضل الأمور وذلك لأنه إما أن يقال يجب إن لا يستخلف في حياته من ليس

 

بمعصوم وكان يصدر من بعض نوابه أمور منكرة فينكرها عليهم ويعزل من يعزل منهم كما استعمل خالد بن الوليد على قتال بني جذيمة فقتلهم فوداهم النبي صلى الله عليه وسلم بنصف دياتهم و أرسل علي بن آبي طالب فضمن لهم حتى ميلغة الكلب ورفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه إلى السماء وقال اللهم إني أبرا إليك مما صنع خالد واختصم خالد وعبد الرحمن بن عوف حتى قال صلى الله عليه وسلم لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو انفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه ولكن مع هذا لم يعزل النبي صلى الله عليه وسلم خالدا واستعمل الوليد بن عقبة على صدقات قوم فرجع فاخبره إن القوم امتنعوا وحاربوا فأراد غزوهم فأنزل الله تعالى إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا إن تصيبوا قوما بجهالة وولى سعد بن عبادة يوم الفتح فلما بلغه إن سعدا قال اليوم يوم الملحمة اليوم تستباح الحرمة عزله وولى ابنه قيسا و أرسل بعمامته علامة على عزله ليعلم سعد أن ذلك أمر من النبي صلى الله عليه وسلم وكان يشتكى إليه بعض نوابه فيأمره بما أمر الله به كما اشتكى أهلقباء معاذا لتطويله الصلاة بهم لما قرأ البقرة في صلاة العشاء فقال افتان أنت يا معاذ اقرأ بسبح اسم ربك الأعلى والليل إذا يغشى ونحوها وفي الصحيح إن رجلا قال له إني أتخلف عن صلاة الفجر مما يطول بنا فلان فقال يا أيها الناس إذا أم أحدكم فليخفف فإن من ورائه الضعيف والكبير وذي الحاجة وإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء ورأى إماما قد بصق في قبلة المسجد فعزله عن الإمامة وقال انك آذيت الله ورسوله

 

 

وكان الواحد من خلفائه إذا أشكل عليه الشيء أرسل إليه يسأله عنه فكان الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته يعلم خلفاءه ما جهلوا ويقومهم إذا زاغوا ويعزلهم إذا لم يستقيموا ولم يكونوا مع ذلك معصومين فعلم انه لم يكن يجب عليه إن يولي المعصوم وأيضا فإن هذا تكليف ما لا يمكن فإن الله لم يخلق أحدا معصوما غير الرسول صلى الله عليه وسلم فلو كلف إن يستخلف معصوما لكلف ما لا يقدر عليه وفات مقصود الولايات وفسدت أحوال الناس في الدين والدنيا وإذا علم انه كان يجوز بل يجب إن يستخلف في حياته من ليس بمعصوم فلو استخلف بعد موته كما استخلف في حياته لاستخلف أيضا غير معصوم وكان لا يمكن إن يعلمه و يقومه كما كان يفعل في حياته فكان أن لا يستخلف خيرا من ان يستخلف و الأمة قد بلغها أمر الله ونهيه وعلموا ما أمر الله به نهى عنه فهم يستخلفون من يقوم بأمر الله ورسوله ويعاونونه على إتمامهم القيام

 

 

بذلك إذا كان الواحد لا يمكنه القيام بذلك فما فاته من العلم بينه له من يعلمه وما احتاج إليه من القدرة عاونه عليه من يمكنه الإعانة وما خرج فيه عن الصواب أعادوه إليه بحسب الإمكان بقولهم وعملهم وليس على الرسول ما حملوه كما انهم ليس عليهم ما حمل فعلم أن ترك الاستخلاف من النبي صلى الله عليه وسلم بعد الموت اكمل في حق الرسول من الاستخلاف وان من قاس وجوب الاستخلاف بعد الممات على وجوبه في الحياة كان من اجهل الناس وإذا علم الرسول إن الواحد من الأمة هو أحق بالخلافة كما كان يعلم أن أبا بكر هو أحق بالخلافة من غيره كان في دلالته للأمة على انه أحق مع علمه بأنهم يولونه ما يغنيه عن استخلافه لتكون الأمة هي القائمة بالواجب ويكون ثوابها على ذلك اعظم من حصول مقصود الرسول و اما أبو بكر فلما علم انه ليس في الأمة مثل عمر وخاف إن لا يولوه إذا لم يستخلفه لشدته فولاه هو كان ذلك هو المصلحة للأمة فالنبي صلى الله عليه وسلم علم إن الأمة يولون أبا بكر فاستغنى بذلك عن توليته مع دلالته لهم على أنه أحق الأمة بالتولية وأبو بكر لم يكن يعلم إن الأمة يولون عمر إذا لم يستخلفه أبو بكر فكان ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم هو اللائق به لفضل علمه وما فعله صديق الأمة هو اللائق به إذ لم يعلم ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم.

 

الوجه السادس: أن يقال هب إن الاستخلاف واجب فقد استخلف النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر على قول من يقول انه استخلفه ودل على استخلافه على القول الآخر وقوله لانه لم يعزله عن المدينة قلنا هذا باطل فانه لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم انعزل علي بنفس رجوعه كما كان غيره ينعزل إذا رجع وقد أرسله بعد هذا إلى اليمن حتى وافاه بالموسم في حجة الوداع واستخلف على الدينة في حجة الوداع غيره افترى النبي صلى الله عليه وسلم فيها مقيما وعلي باليمن وهو خليفة بالمدينة ولا ريب إن كلام هؤلاء كلام جاهل بأحوال النبي صلى الله عليه وسلم كأنهم ظنوا إن عليا ما زال خليفة على المدينة حتى مات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعلموا أن عليا بعد ذلك أرسله النبي صلى الله عليه وسلم سنة تسع مع أبي بكر لنبذ العهود وأمر عليه أبا بكر ثم بعد رجوعه مع أبي بكر أرسله إلى اليمن كما أرسل معاذا وأبا موسى ثم لما حج النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع استخلف على المدينة غير علي ووافاه علي بمكة ونحر النبي صلى الله عليه وسلم مائة بدنة نحر بيده ثلثيها ونحر علي ثلثها وهذا كله معلوم عند أهل العلم متفق عليه بينهم وتواترت به

 

الأخبار كأنك تراه بعينك ومن لم يكن له عناية بأحوال الرسول لم يكن له أن يتكلم في هذه المسائل الأصولية والخليفة لا يكون خليفة إلا مع مغيب المستخلف أو موته فالنبي صلى الله عليه وسلم إذا كان بالمدينة امتنع أن يكون له خليفة فيها كما أن سائر من استخلفه النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع انقضت خلافته وكذلك سائر ولاة الأمور إذا استخلف أحدهم على مصره في مغيبه بطل استخلافه ذلك إذا حضر المستخلف ولهذا لا يصلح إن يقال إن الله يستخلف أحدا عنه فانه حي قيوم شهيد مدبر لعباده منزه عن الموت والنوم والغيبة ولهذا لما قالوا لأبى بكر يا خليفة الله قال لست خليفة الله بل خليفة رسول الله وحسبي ذلك والله تعالى يوصف بأنه يخلف العبد كما قال صلى الله عليه وسلم اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل وقال في حديث الدجال والله خليفتي على كل مسلم وكل من وصفه الله بالخلافة في القرآن فهو خليفة عن مخلوق كان قبله كقوله ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وعد الله الذين آمنوا منكم و عملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم و كذلك قوله إني جاعل في الأرض خليفة أي عن خلق كان في الأرض قبل ذلك كما ذكر المفسرون و غيرهم و أما ما يظنه طائفة من الاتحادية و غيرهم أن الإنسان خليفة الله فهذا جهل و ضلال.

 

*

فصل قال الرافضي الخامس ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال لأمير المؤمنين أنت أخي و وصيي و خليفتي من بعدي و قاضي ديني و هو نص في الباب.

*و الجواب من وجوه...

أحدها: المطالبة بصحة هذا الحديث فان هذا الحديث ليس في شيء من الكتب التي تقوم الحجة بمجرد إسناده إليها و لا صححه إمام من أئمة الحديث و قوله رواه الجمهور إن أراد بذلك إن علماء الحديث رووه في الكتب التي يحتج بما فيها مثل كتاب البخاري و مسلم و نحوهما و قالوا انه صحيح فهذا كذب عليهم و إن أراد بذلك إن هذا يرويه مثل آبي نعيم في الفضائل و المغازلي و خطيب خوارزم و نحوهم أو يروى في مكتب الفضائل فمجرد هذا ليس بحجة باتفاق أهل العلم في مسألة فروع فكيف في مسألة الإمامة التي قد أقمتم عليها القيامة.

الثاني: إن هذا الحديث كذب موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث و قد تقدم كلام ابن حزم إن سائر هذه الأحاديث موضوعة يعلم ذلك من له أدنى علم بالأخبار و نقلتها و قد صدق في ذلك فإن من له أدنى معرفة بصحيح الحديث و ضعيفة ليعلم إن هذا الحديث و مثله ضعيف بل و كذب موضوع و لهذا لم يخرجه أحد من أهل الحديث في الكتب التي يحتج بما فيها و إنما يرويه من يرويه في

 

الكتب التي يجمع فيها بين الغث و السمين التي يعلم كل عالم إن فيها ما هو كذب مثل كثير من كتب التفسير تفسير الثعلبي و الواحدي و نحوهما و الكتب التي صنفها في الفضائل من يجمع الغث و السمين لا سيما خطيب خوارزم فإنه من أروى الناس للمكذوبات و ليس هو من أهل العلم بالحديث و لا المغازلي قال أبو الفرج بن الجوزي في كتاب الموضوعات لما روى هذا الحديث من طريق آبي حاتم البستي حدثنا محمد بن سهل بن أيوب حدثنا عمار بن رجاء حدثنا عبيد الله بن موسى حدثنا مطر بن ميمون الإسكاف عن انس أن النبي صلى الله عليه و سلم قال إن أخي و وزيري و خليفتي من أهلي و خير من اترك بعدي يقضي ديني و ينجز موعدي علي بن آبي طالب قال هذا حديث موضوع قال ابن حبان مطر بن ميمون يروى الموضوعات عن الأثبات لا تحل الرواية عنه رواه أيضا من طريق احمد بن عدي بنحو هذا اللفظ و مداره على عبيد الله بن موسى عن مطر بن ميمون و كان عبيد الله بن موسى في نفسه صدوقا روى عنه البخاري لكنه معروف بالتشيع فكان لتشيعه يروي عن غير الثقات ما يوافق هواه كما روى عن مطر بن ميمون هذا و هو كذب و قد يكون علم انه كذب ذلك و قد يكون لهواه لم يبحث عن كذبه و لو بحث عنه لتبين له انه كذب هذا مع انه ليس في اللفظ الذي رواه هؤلاء المحدثون و خليفتي من بعدي و إنما في تلك الطريق و خليفتي في أهلي و هذا استخلاف خاص و أما اللفظ الآخر الذي رواه ابن عدي فإنه قال حدثنا ابن آبي سفيان حدثنا عدي بن سهل حدثنا عبيد الله بن موسى حدثنا مطر عن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم علي أخي و صاحبي و ابن عمي و خير من اترك من بعدي يقضي ديني و ينجز موعدي و لا ريب أن مطرا هذا كذاب لم يرو عنه أحد من علماء الكوفة

 

مع روايته عن انس فلم يرو عنه يحيى بن سعيد القطان و لا وكيع و لا أبو معاوية و لا أبو نعيم و لا يحيى بن آدم و لا أمثالهم مع كثرة من بالكوفة من الشيعة و مع أن كثيرا من عوامها يفضل عليا على عثمان و يروى حديثه أهل الكتب الستة حتى الترمذي و ابن ماجة قد يرويان عن ضعفاء و لم يرووا عنه و إنما روى عنه عبيد الله بن موسى لانه كان صاحب هوى متشيعا فكان لأجل هواه يروي عن هذا و نحوه و إن كانوا كذابين و لهذا لم يكتب احمد عن عبيد الله بن موسى بخلاف عبد الرزاق و ذكر احمد إن عبيد الله كان يظهر ما عنده بخلاف عبد الرزاق و مما افتراه مطر هذا ما رواه أبو بكر الخطيب في تاريخه من حديث عبيد الله بن موسى عند مطر عن انس قال كنت عند النبي صلى الله عليه و سلم فرأي عليا مقبلا فقال أنا و هذا حجة الله على أمتي يوم القيامة قال ابن الجوزي هذا حديث موضوع و المتهم بوضعه مطر قال أبو حاتم يروي الموضوعات عن الأثبات لا تحل الرواية عنه.

الوجه الثالث: أن دين النبي صلى الله عليه و سلم لم يقضه علي بل في الصحيح إن النبي صلى الله عليه و سلم مات و درعه مرهونة عند يهودي على ثلاثين و سقا من شعير ابتاعها لأهله فهذا الدين الذي كان عليه يقضي من الرهن الذي رهنه و لم يعرف عن النبي صلى الله عليه و سلم دين آخر و في الصحيح عنه انه قال لا يقتسم ورثتي دينارا و لا درهما ما تركت بعد نفقة نسائي و مؤنة عاملي فهو صدقة فلو كان عليه دين قضي مما تركه و كان ذلك مقدما على الصدقة كان ثبت ذلك في الحديث الصحيح.

 

*

فصل قال الرافصي السادس حديث المؤاخاة روى انس إن النبي صلى الله عليه و سلم لما كان يوم المباهلة و أخي بين المهاجرين و الأنصار و علي واقف يراه و يعرفه و لم يؤاخ بينه و بين أحد فانصرف باكيا فقال النبي صلى الله عليه و سلم ما فعل أبو الحسن قالوا انصرف باكي العين قال يا بلال اذهب فائتني به فمضى إليه و دخل منزله باكي العين فقالت له فاطمة ما يبكيك قال أخي النبي صلى الله عليه و سلم بين المهاجرين و الأنصار و لم يؤاخ بيني و بين أحد قالت لا يخزيك الله لعله إنما ادخرك لنفسه فقال بلال يا علي اجب رسول الله صلى الله عليه و سلم فأتى فقال ما يبكيك يا أبا الحسن فأخبره فقال إنما ادخرك لنفسي ألا يسرك أن تكون أخا نبيك قال بلى فأخذ بيده فأتى المنبر فقال اللهم هذا مني و أنا منه إلا انه مني بمنزلة هارون من موسى إلا من كنت مولاه فعلي مولاه فانصرف فاتبعه عمر فقال بخ بخ يا أبا الحسن أصبحت مولاي و مولى كل مسلم فالمؤاخاة تدل على الأفضلية فيكون هو الإمام.

*و الجواب...

أولا: المطالبة بتصحيح النقل فإنه لم يعز هذا الحديث إلى كتاب أصلا كما عادته يعزو و إن كان عادته يعزو إلى كتب لا تقوم بها الحجة و هنا أرسله إرسالا على عادة أسلافه شيوخ الرافضة يكذبون و يروون الكذب بلا إسناد و قد قال ابن المبارك الإسناد من الدين لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء فإذا سئل وقف و تحير.

الثاني: إن هذا الحديث موضوع عند أهل الحديث لا يرتاب أحد من أهل المعرفة بالحديث أنه موضوع وواضعه جاهل كذب كذبا

 

ظاهرا مكشوفا يعرف انه كذب من له أدنى معرفة بالحديث كما سيأتي بيانه.

الثالث: إن أحاديث المؤاخاة لعلي كلها موضوعة و النبي صلى الله عليه و سلم لم يؤاخ أحدا و لا أخي بين مهاجري و مهاجري و لا بين آبي بكر و عمر و لا بين أنصاري و أنصاري و لكن أخي بين المهاجرين و الأنصار في أول قدومه المدينة وأما المباهلة فكانت لما قدم وفد نجران سنة تسع أو عشر من الهجرة.

الرابع: إن دلائل الكذب على هذا الحديث بينة منها انه قال لما كان يوم المباهلة و أخي بين المهاجرين و الأنصار و المباهلة كانت لما قدم وفد نجران النصارى و أنزل الله (سورة آل عمران). و كان ذلك في آخر الأمر سنة عشر أو سنة تسع لم يتقدم على ذلك باتفاق الناس و النبي صلى الله عليه و سلم لم يباهل النصارى لكن دعاهم إلى المباهلة فاستنظروه حتى يشتوروا فلما اشتوروا قالوا هو نبي و ما باهل قوم نبيا إلا استؤصلوا فأقروا له بالجزية و لم يباهلوا و هم أول من اقر بالجزية من أهل الكتاب و قد اتفق الناس على انه لم يكن في ذلك اليوم مؤاخاة.

الخامس: إن المؤاخاة بين المهاجرين و الأنصار كانت في السنة الأولى من الهجرة في دار بني النجار و بين المباهلة و ذلك عدة سنين.

السادس: انه كان قد أخي بين المهاجرين و الأنصار و النبي صلى الله عليه و سلم و علي كلاهما من المهاجرين فلم يكن بينهم مؤاخاة بل أخي بين علي و سهل بن حنيف فعلم انه لم يؤاخ عليا و هذا مما يوافق ما في الصحيحين من أن المؤاخاة إنما كانت بين المهاجرين و الأنصار لم تكن بين مهاجري و مهاجري.

السابع: إن قوله أما ترضى إن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إنما قاله في غزوة تبوك مرة واحدة لم يقل ذلك في غير ذلك المجلس أصلا باتفاق أهل العلم بالحديث و أما حديث الموالاة فالذين رووه ذكروا انه قاله بغدير خم مرة واحدة لم يتكرر في غير ذلك المجلس أصلا.

 

الثامن: انه قد تقدم الكلام على المؤاخاة و إن فيها عموما و إطلاقا لا يقتضي الأفضلية و الإمامة و أن ما ثبت للصديق من الفضيلة لا يشركه فيه غيره كقوله لو كنت متخذا خليلا من أهل الأرض لاتخذت أبا بكر خليلا و أخباره إن احب الرجال إليه أبو بكر و شهادة الصحابة له انه احبهم إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و غير ذلك مما يبين أن الاستدلال بما روى من المؤاخاة باطل نقلا و دلالة.

التاسع: أن من الناس من يظن أن المؤاخاة وقعت بين المهاجرين بعضهم مع بعض لأنه روى فيها أحاديث لكن الصواب المقطوع به أن هذا لم يكن و كل ما روي في ذلك فإنه باطل إما إن يكون من رواية من يتعمد الكذب وإما إن يكون اخطأ فيه و لهذا لم يخرج أهل الصحيح شيئا من ذلك و الذي في الصحيح إنما هو المؤاخاة بين المهاجرين و الأنصار و معلوم انه لو آخى بين المهاجرين بعضهم مع بعض و بين الأنصار بعضهم مع بعض لكان هذا مما تتوفر الهمم و الدواعي على نقله و لكان يذكر في أحاديث المؤاخاة و يذكر كثيرا فكيف و ليس في هذا حديث صحيح و لا خرج أهل الصحيح من ذلك شيئا و هذه الأمور يعرفها من كان له خبرة بالأحاديث الصحيحة و السيرة

 

المتواترة و أحوال النبي صلى الله عليه و سلم و سبب المؤاخاة و فائدتها و مقصودها وأنهم كانوا يتوارثون بذلك فآخى النبي صلى الله عليه و سلم بين المهاجرين و الأنصار كما آخى بين سعد بن الربيع و عبد الرحمن بن عوف و بين سلمان الفارسي وأبي الدرداء ليقعد الصلة بين المهاجرين و الأنصار حتى انزل الله تعالى و أولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله و هي المحالفة التي انزل الله فيها و الذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم و قد تنازع الفقهاء هل هي محكمة يورث بها عند عدم النسب أو لا يورث بها على قولين هما روايتان عن احمد الأول مذهب أبي حنيفة و الثاني مذهب مالك و الشافعي.

*

فصل قال الرافضي السابع ما رواه الجمهور كافة أن النبي صلى الله عليه و سلم لما حاصر خيبر تسعا و عشرين ليلة و كانت الراية لأمير المؤمنين علي فلحقه رمد أعجزه عن الحرب و خرج مرحب يتعرض للحرب فدعا رسول الله صلى الله عليه و سلم أبا بكر فقال له خذ الراية فأخذها في جمع من المهاجرين فاجتهد و لم يغن شيئا و رجع منهزما فلما كان من الغد تعرض لها عمر فسار غير بعيد ثم رجع يخبر أصحابه فقال النبي صلى الله عليه و سلم جيؤني بعلي فقيل انه أرمد فقال ارونيه اروني رجلا يحب الله و رسوله و يحبه الله و رسوله ليس بفرار فجاءوا بعلي فتفل في يده و مسحها على عينيه و رأسه فبرئ فأعطاه الراية ففتح الله على يديه و قتل مرحبا و وصفه عليه السلام بهذا الوصف يدل على انتفائه عن غيره و هو يدل على أفضليته فيكون هو الإمام.

 

*و الجواب من وجوه...

أحدها: المطالبة بتصحيح النقل و أما قوله رواه الجمهور فان الثقات الذين رووه لم يرووه هكذا بل الذي في الصحيح إن عليا كان غائبا عن خيبر لم يكن حاضرا فيها تخلف عن الغزاة لأنه كان ارمد ثم انه شق عليه التخلف عن النبي صلى الله عليه و سلم فلحقه فقال النبي صلى الله عليه و سلم قبل قدومه لأعطين الراية رجلا يحب الله و رسوله و يحبه الله و رسوله يفتح الله علي يديه و لم تكن الراية قبل ذلك لأبى بكر و لا لعمر و لا قربها واحد منهما بل هذا من الأكاذيب و لهذا قال عمر فما أحببت الإمارة إلا يومئذ و بات الناس كلهم يرجون إن يعطاها فلما اصبح دعا عليا فقيل له انه ارمد فجاءه فتفل في عينيه حتى برأ فأعطاه الراية و كان هذا التخصيص جزاء مجيء علي مع الرمد و كان أخبار النبي صلى الله عليه و سلم بذلك و علي ليس بحاضر لا يرجونه من كراماته صلى الله عليه و سلم فليس في الحديث تنقيص بأبي بكر وعمر أصلا.

الثاني: إن أخباره أن عليا يحب الله و رسوله و يحبه الله و رسوله حق و فيه رد على النواصب لكن الرافضة الذين يقولون إن الصحابة ارتدوا بعد موته لا يمكنهم الاستدلال بهذا لأن الخوارج تقول لهم هو ممن ارتد أيضا كما قالوا لما حكم الحكمين انك قد ارتددت عن الإسلام فعد إليه قال الأشعري في كتاب المقالات أجمعت الخوارج على كفر علي

 

و أما أهل السنة فيمكنهم الاستدلال على بطلان قول الخوارج بأدلة كثيرة لكنها مشتركة تدل على إيمان الثلاثة و الرافضة تقدح فيها فلا يمكنهم إقامة دليل على الخوارج على إن عليا مات مؤمنا بل أي دليل ذكروه قدح فيه ما يبطله على أصلهم لان أصلهم فاسد و ليس هذا الوصف من خصائص علي بل غيره يحب الله و رسوله و يحبه الله و رسوله لكن فيه الشهادة لعينه بذلك كما شهد لاعيان العشرة بالجنة و كما شهد لثابت بن قيس بالجنة و شهد لعبد الله حمار بأنه يحب الله و رسوله و قد كان ضربه في الحد مرات و قول القائل إن هذا يدل على انتفاء هذا الوصف عن غيره فيه جوابان أحدهما انه إن سلم ذلك فانه قال لأعطين الراية رجلا يحب الله و رسوله و يحبه الله و رسوله يفتح الله علي يديه فهذا المجموع اختص به و هو أن ذلك الفتح كان على يديه ولا يلزم إذا كان ذلك الفتح المعين على يديه أن يكون افضل من غيره فضلا عن إن يكون مختصا بالإمامة الثاني إن يقال لا نسلم إن هذا يوجب التخصيص كما لو قيل لأعطين هذا المال رجلا فقيرا أو رجلا صالحا و لأدعون اليوم رجلا مريضا صالحا أو لأعطين هذه الراية رجلا شجاعا و نحو ذلك لم

 

يكن في هذه الألفاظ ما يوجب إن تلك الصفة لا توجد إلا في واحد بل هذا يدل على أن ذلك الواحد موصوف بذلك و لهذا لو نذر إن يتصدق بألف درهم على رجل صالح أو فقير فأعطى هذا المنذور لواحد لم يلزم إن يكون غيره ليس كذلك و لو قالوا أعطوا هذا المال لرجل قد حج عني فأعطوه رجلا لم يلزم أن غيره لم يحج عنه.

الثالث: انه لو قدر ثبوت أفضليته في ذلك الوقت فلا يدل ذلك على أن غيره لم يكن افضل منه بعد ذلك.

الرابع: انه لو قدرنا أفضليته لم يدل ذلك على انه إمام معصوم منصوص عليه بل كثير من الشيعة الزيدية و متأخري المعتزلة و غيرهم يعتقدون أفضليته وأن الإمام هو أبو بكر و تجوز عندهم ولاية المفضول و هذا مما يجوزه كثير من غيرهم ممن يتوقف في تفضيله بعض الأربعة على بعض أو ممن يرى إن هذه المسألة ظنية لا يقوم فيها دليل قاطع على فضيلة واحد معين فإن من لم يكن له خبره بالسنة الصحيحة قد يشك في ذلك وأما أئمة المسلمين المشهورون فكلهم متفقون على أن أبا بكر و عمر افضل من عثمان و علي و نقل هذا الإجماع غير واحد كما روى البيهقي في كتب مناقب الشافعي مسنده عن الشافعي قال ما اختلف أحد من الصحابة و التابعين في تفضيل أبي بكر و عمر و تقديمهما على جميع الصحابة و روى مالك عن نافع عن ابن عمر قال كنا نفاضل على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم فنقول خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر و قد تقدم نقل البخاري عن علي هذا الكلام و الشيعة الذين صحبوا عليا كانوا يقولون ذلك و تواتر ذلك عن علي من نحو ثمانين وجها و هذا مما يقطع به أهل العلم ليس هذا مما يخفى على من كان عارفا بأحوال الرسول و الخلفاء.

 

*

فصل قال الرافضي الثامن خبر الطائر روى الجمهور كافة أن النبي صلى الله عليه و سلم أتى بطائر فقال اللهم ائتني بأحب خلقك إليك و إلي يأكل معي من هذا الطائر فجاء علي فدق الباب فقال انس إن النبي صلى الله عليه و سلم على حاجة فرجع ثم قال النبي صلى الله عليه و سلم كما قال أولا فدق الباب فقال انس ألم اقل لك انه علي حاجة فانصرف فعاد النبي صلى الله عليه و سلم فعاد علي فدق الباب اشد من الأولين فسمعه النبي صلى الله عليه و سلم فأذن له بالدخول و قال ما ابطأك عني قال جئت فردني انس ثم جئت فردني انس ثم جئت فردني الثالثة فقال يا انس ما حملك على هذا فقال رجوت أن يكون الدعاء لرجل من الأنصار فقال يا انس أو في الأنصار خير من علي أو في الأنصار افضل من علي فإذا كان احب الخلق إلى الله وجب أن يكون هو الإمام.

*و الجواب من وجوه...

أحدها: المطالبة بتصحيح النقل و قوله روى الجمهور كافة كذب عليهم فإن حديث الطير لم يروه أحد من أصحاب الصحيح و لا صححه أئمة الحديث و لكن هو مما رواه بعض الناس كما رووا أمثاله في فضل غير علي بل قد روي في فضائل معاوية أحاديث كثيرة و صنف في ذلك مصنفات و أهل العلم بالحديث لا يصححون لا هذا و لا هذا.

الثاني: أن حديث الطائر من المكذوبات الموضوعات عند أهل العلم و المعرفة بحقائق النقل قال أبو موسى المديني قد جمع غير واحد من الحفاظ طرق أحاديث الطير للاعتبار و المعرفة كالحاكم النيسابوري وأبي نعيم وابن مردويه و سئل الحاكم عن حديث الطير فقال لا يصح.

 

هذا مع إن الحاكم منسوب إلى التشيع و فد طلب منه إن يروي حديثا في فضل معاوية فقال ما يجيء من قلبي ما يجيء من قلبي و قد ضربوه على ذلك فلم يفعل و هو يروي في الأربعين أحاديث ضعيفة بل موضوعة عند أئمة الحديث كقوله بقتال الناكثين و القاسطين و المارقين لكن تشيعه و تشيع أمثاله من أهل العلم بالحديث كالنسائي و ابن عبد البر و أمثالهما لا يبلغ إلى تفضيله على أبي بكر و عمر فلا يعرف في علماء الحديث من يفضله عليهما بل غاية المتشيع منهم أن يفضله على عثمان أو يحصل منه كلام أو إعراض عن ذكر محاسن من قاتله و نحو ذلك لأن علماء الحديث قد عصمهم و قيدهم ما يعرفون من الأحاديث الصحيحة الدالة على أفضلية الشيخين و من ترفض ممن له نوع اشتغال بالحديث كابن عقدة و أمثاله فهذا غايته أن يجمع ما يروى في فضائله من المكذوبات و الموضوعات لا يقدر إن يدفع ما تواتر من فضائل الشيخين

 

فإنها باتفاق أهل العلم بالحديث اكثر مما صح في فضائل علي و اصح و أصرح في الدلالة وأحمد بن حنبل لم يقل انه صح لعلي من الفضائل ما لم يصح لغيره بل احمد اجل من إن يقول مثل هذا الكذب بل نقل عنه انه قال روي له ما لم يرو لغيره مع إن في نقل هذا عن احمد كلاما ليس هذا موضعه.

الثالث: إن أكل الطير ليس فيه أمر عظيم يناسب إن يجيء احب الخلق إلى الله ليأكل منه فان إطعام الطعام مشروع للبر و الفاجر و ليس في ذلك زيادة و قربة عند الله لهذا الآكل و لا معونة على مصلحة دين و لا دينا فأي أمر عظيم هنا يناسب جعل أحب الخلق إلى الله يفعله.

الرابع: إن هذا الحديث يناقض مذهب الرافضة فانهم يقولون إن النبي صلى الله عليه و سلم كان يعلم إن عليا احب الخلق إلى الله و انه جعله خليفة من بعده و هذا الحديث يدل على انه ما كان يعرف احب الخلق إلى الله.

الخامس: إن يقال إما أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرف أن عليا احب الخلق إلى الله أو ما كان يعرف فان كان يعرف ذلك كان يمكنه إن يرسل يطلبه كما كان يطلب الواحد من الصحابة أو يقول اللهم ائتني بعلي فإنه احب الخلق إليك فأي حاجة إلى الدعاء و الإبهام في ذلك و لو سمى عليا لاستراح انس من الرجاء الباطل و لم يغلق الباب في وجه علي

 

و إن كان النبي صلى الله عليه و سلم لم يعرف ذلك بطل ما يدعونه من كونه كان يعرف ذلك ثم ان في لفظه احب الخلق إليك و إلي فكيف لا يعرف احب الخلق إليه.

السادس: إن الأحاديث الثابتة في الصحاح التي اجمع أهل الحديث على صحتها و تلقيها بالقبول تناقض هذا فكيف تعارض بهذا الحديث المكذوب الموضوع الذي لم يصححوه يبين هذا لكل متأمل ما في صحيح البخاري و مسلم و غيرهما من فضائل القوم كما في الصحيحين انه قال لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا و هذا الحديث مستفيض بل متواتر عند أهل العلم بالحديث فإنه قد اخرج في الصحاح من وجوه متعددة من حديث ابن مسعود وأبي سعيد و ابن عباس و ابن الزبير و هو صريح في انه لم يكن عنده من أهل الأرض أحد احب إليه من آبي بكر فإنه الخلة هي كمال الحب و هذا لا يصلح إلا لله فإذا كانت ممكنة و لم يصلح لها إلا أبو بكر علم انه احب الناس إليه و قوله في الحديث الصحيح لما سئل أي الناس احب إليك قال عائشة قيل من الرجال قال أبوها و قول الصحابة أنت خيرنا و سيدنا وأحب إلى رسول الله صلى الله

 

عليه و سلم يقوله عمر بين المهاجرين و الأنصار و لا ينكر ذلك منكر و أيضا فالنبي صلى الله عليه و سلم محبته تابعة لمحبة الله و أبو بكر احبهم إلى الله تعالى فهو احبهم إلى رسوله و إنما كان كذلك لأنه اتقاهم و أكرمهم وأكرم الخلق علي الله تعالى اتقاهم بالكتاب و السنة و إنما كان اتقاهم لأن الله تعالى قال و سيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى و ما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى و لسوف يرضى و أئمة التفسير يقولون إنه أبو بكر و نحن نبين صحة قولهم بالدليل فنقول الأتقى قد يكون نوعا و قد يكون شخصا وإذا كان نوعا فهو يجمع أشخاصا فإن قيل انهم ليس فيهم شخص هو اتقى كان هذا باطلا لأنه لا شك إن بعض الناس اتقى من بعض مع أن هذا خلاف قول أهل السنة و الشيعة فإن هؤلاء يقولون إن اتقى الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم من هذه الأمة هو أبو بكر و هؤلاء يقولون هو علي و قد قال بعض الناس هو عمر و يحكى عن بعض الناس غير ذلك و من توقف أو شك لم يقل

 

انهم مستوون في التقوى فإذا قال انهم متساوون في الفضل فقد خالف إجماع الطوائف فتعين إن يكون هذا اتقى و إن كان الأتقى شخصا فإما إن يكون أبا بكر أو عليا فإنه إذا كان اسم جنس يتناول من دخل فيه و هو النوع و هو القسم الأول أو معينا غيرهما و هذا القسيم منتف باتفاق أهل السنة و الشيعة و كونه عليا باطل أيضا لأنه قال الذي يؤتي ماله يتزكى و ما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى و لسوف يرضى و هذا الوصف منتف في علي لوجوه أحدها إن هذه السورة مكية بالاتفاق و كان علي فقيرا بمكة في عيال النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن له مال ينفق منه بل كان النبي صلى الله عليه وسلم قد ضمه إلى عياله لما أصابت أهل مكة سنة الثاني انه قال و ما لأحد عنده من نعمة تجزى و علي كان للنبي صلى الله عليه و سلم عنده نعمة تجزى و هو إحسانه إليه لما ضمه إلى عياله بخلاف أبي بكر فإنه لم يكن له عنده نعمة دنيوية لكن كان له عنده نعمة الدين و تلك لا تجزى فإن اجر النبي

 

صلى الله عليه و سلم فيها على الله لا يقدر أحد يجزيه فنعمة النبي صلى الله عليه وسلم عند آبي بكر دينية لا تجزى و نعمته عند علي دنيوية تجزى ودينية و هذا الأتقى ليس لأحد عنده نعمة تجزى و هذا الوصف لأبى بكر ثابت دون علي فان قيل المراد به انه انفق ماله لوجه الله لا جزاء لمن انعم عليه و إذا قدر أن شخصا أعطى من احسن إليه أجرا و أعطى شيئا آخر لوجه الله كان هذا مما ليس لأحد عنده من نعمة تجزى قيل هب إن الأمر كذلك لكن علي لو انفق لم ينفق إلا فيما يأمره به النبي صلى الله عليه و سلم و النبي له عنده نعمة تجزى فلا يخلص إنفاقه عن المجازاة كما يخلص إنفاق أبي بكر و علي اتقى من غيره لكن أبا بكر اكمل في وصف التقوى مع إن لفظ الآية انه ليس عنده قط لمخلوق نعمة تجزى و هذا وصف من يجازي الناس على إحسانهم إليه فلا يبقى لمخلوق عليه منة و هذا الوصف منطبق على أبي بكر انطباقا لا يساويه فيه أحد من المهاجرين فإنه لم يكن في المهاجرين عمر و عثمان و علي و غيرهم رجل اكثر إحسانا إلى الناس قبل الإسلام و بعده بنفسه و ماله من أبي بكر كان مؤلفا محببا يعاون الناس على مصالحهم كما قال فيه ابن الدغنة سيد القارة لما أراد إن يخرج من مكة مثلك يا أبا بكر لا يخرج و لا يخرج فإنك تحمل الكل و تقري الضيف و تكسب المعدوم وتعين على نوائب الحق و في صلح الحديبية لما قال لعروة بن مسعود امصص بظر اللات أنحن نفر عنه و ندعه قال لأبى بكر لولا يد لك عندي لم أجزك بها لأجبتك و ما عرف قط إن أحدا كانت له يد على أبي بكر في الدنيا لا قبل

 

الإسلام و لا بعده فهو أحق الصحابة وما لأحد عنده من نعمة تجزى فكان أحق الناس بالدخول في الآية و أما علي رضي الله عنه فكان للنبي صلى الله عليه و سلم عليه نعمة دنيوية و في المسند لأحمد أن أبا بكر رضي الله عنه كان يسقط السوط من يده فلا يقول لأحد ناولني إياه و يقول إن خليلي امرني أن لا أسال الناس شيئا و في المسند و الترمذي وأبي داود حديث عمر قال عمر امرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم إن نتصدق فوافق ذلك مالا عندي فقلت اليوم اسبق أبا بكر إن سبقته يوما فجئت بنصف مالي فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما أبقيت لأهلك فقلت مثله قال و اتى أبو بكر بكل ما عنده فقال ما أبقيت لأهلك قال أبقيت لهم الله و رسوله فقلت لا أسابقك إلى شيء أبدا فأبو بكر رضي الله عنه جاء بماله كله و مع هذا فلم يكن يأكل من أحد لا صدقة و لا صلة و لا نذرا بل كان يتجر و يأكل من كسبه و لما

 

ولي الناس و اشتغل عن التجارة بعمل المسلمين أكل من مال الله و رسوله الذي جعله الله له لم يأكل من مال مخلوق و أبو بكر لم يكن النبي صلى الله عليه و سلم يعطيه شيئا من الدنيا يخصه به بل كان في المغازي كواحد من الناس بل يأخذ من ماله ما ينفقه على المسلمين و قد استعمله النبي صلى الله عليه و سلم و ما عرف انه أعطاه عمالة و قد أعطى عمر عمالة و أعطى عليا من الفيء و كان يعطي المؤلفة قلوبهم من الطلقاء و أهل نجد و السابقون الأولون من المهاجرين و الأنصار لا يعطيهم كما فعل في غنائم حنين و غيرها و يقول إني لأعطي رجالا و ادع رجالا و الذي ادع احب إلي من الذي أعطي أعطى رجالا لما في قلوبهم من الجزع و الهلع و أكل رجالا إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى و الخير و لما بلغه عن الأنصار كلام سألهم عنه فقالوا يا رسول الله أما ذوو الرأي منا فلم يقولوا شيئا و أما أناس منا حديثة أسنانهم فقالوا يغفر الله لرسول الله يعطي قريشا و يتركنا و سيوفنا تقطر من دمائهم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم فإني أعطي رجالا حديثي عهد بكفر أتألفهم أفلا ترضون إن يذهب الناس بالأموال و ترجعوا إلى رحالكم برسول الله فوالله لما تنقلبون به خير مما ينقلبون به قالوا بلى يا رسول

 

 

الله قد رضينا قال فإنكم ستجدون بعدي أثرة شديدة فاصبروا حتى تلقوا الله و رسوله على الحوض قالوا سنصبر و قوله تعالى و سيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى و ما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى و لسوف يرضى استثناء منقطع و المعنى لا يقتصر في العطاء على من له عنده يد يكافئه بذلك فان هذا من العدل الواجب للناس بعضهم على بعض بمنزلة المعاوضة في المبايعة و المؤاجرة و هذا واجب لكل أحد على كل أحد فإذا لم يكن لأحد عنده نعمة تجزى لم يحتج إلى هذه المعادلة فيكون عطاؤه خالصا لوجه ربه الأعلى بخلاف من كان عنده لغيره نعمة يحتاج إن يجزيه لها فإنه يحتاج أن يعطيه مجازاة له على ذلك و هذا الذي ما لأحد عنده من نعمة تجزى إذا أعطى ماله يتزكى فانه في معاملته للناس يكافئهم دائما و يعاونهم و يجازيهم فحين أعطاه الله ماله يتزكى لم يكن لأحد عنده من نعمة تجزىو فيه أيضا ما يبين أن التفضيل بالصدقة لا يكون إلا بعد أداء الواجبات من المعاوضات كما قال تعالى و يسألونك ماذا ينفقون قل العفو و من تكون عليه ديون و فروض و غير ذلك أداها و لا يقدم الصدقة على قضاء هذه الواجبات و لو فعل ذلك فهل ترد صدقته على قولين معروفين للفقهاء و هذه الآية يحتج بها من ترد صدقته لأن الله إنما أثنى على من اتى ماله يتزكى و ما لأحد عنده من نعمة تجزى فإذا كان عنده نعمة تجزى فعليه إن يجزيها قبل إن يؤتي ماله يتزكى فإما إذا آتى ماله يتزكى قبل إن يجزيها لم يكن ممدوحا فيكون عمله مردودا لقوله عليه الصلاة والسلام من عمل عملا ليس عليه امرنا فهو رد الثالث انه قد صح عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال ما نفعني مال كمال أبي بكر و قال إن أمن الناس علينا في صحبته و ذات يده أبو بكر بخلاف علي رضي الله عنه فإنه لم يذكر عنه النبي

 

 

صلى الله عليه و سلم شيئا من إنفاق المال و قد عرف إن أبا بكر اشترى سبعة من المعذبين في الله في أول الإسلام و فعل ذلك ابتغاء لوجه ربه الأعلى لم يفعل ذلك كما فعله أبو طالب الذي أعان النبي صلى الله عليه و سلم لأجل نسبه وقرابته لا لأجل الله تعالى و لا تقربا إليه و إن كان الأتقى اسم جنس فلا ريب انه يجب أن يدخل فيه اتقى الأمة و الصحابة خير القرون فأتقاها اتقى الأمة وأتقى الأمة إما أبو بكر وإما علي وإما غيرهما و الثالث منتف بالإجماع و علي إن قيل انه يدخل في هذا النوع لكونه بعد أن صار له مال اتى ماله يتزكى فيقال أبو بكر فعل ذلك في أول الإسلام وقت الحاجة إليه فيكون اكمل في الوصف الذي يكون صاحبه هو الأتقى و أيضا فالنبي صلى الله عليه و سلم إنما كان يقدم الصديق في المواضع التي لا تحتمل المشاركة كاستخلافه في الصلاة و الحج و مصاحبته وحده في سفر الهجرة و مخاطبته و تمكينه من الخطاب و الحكم والإفتاء بحضرته و رضاه بذلك إلى غير ذلك من الخصائص التي يطول وصفهاو من كان اكمل في هذا الوصف كان اكرم عند الله فيكون احب إليه فقد ثبت بالدلائل الكثيرة إن أبا بكر هو اكرم الصحابة في الصديقية و افضل الخلق بعد الأنبياء الصديقون و من كان اكمل في ذلك كان افضل و أيضا فقد ثبت في النقل الصحيح عن علي انه قال خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر و عمر و استفاض ذلك و تواتر عنه و توعد بجلد المفتري من يفضله عليه و روي عنه انه سمع ذلك من النبي صلى الله عليه و سلم و لا ريب أن عليا لا يقطع بذلك إلا عن علم و أيضا فإن الصحابة اجمعوا على تقديم عثمان الذي عمر افضل منه و أبو بكر افضل منهما و هذه المسألة مبسوطة في غير هذا الموضع و تقدم بعض ذلك و لكن ذكر هذا لنبين إن حديث الطير من الموضوعات.

 

*

فصل قال الرافضي التاسع ما رواه الجمهور انه أمر الصحابة بان يسلموا على علي بإمرة المؤمنين و قال انه سيد المسلمين و إمام المتقين و قائد الغر المحجلين و قال هذا ولي كل مؤمن بعدي و قال في حقه إن عليا مني و أنا منه أولى بكل مؤمن و مؤمنة فيكون علي وحده هو الإمام لذلك و هذه نصوص في الباب.

*والجواب من وجوه...

أحدها: المطالبة بإسناده و بيان صحته و هو لم يعزه إلى كتاب على عادته فإما قوله رواه الجمهور فكذب فليس هذا في كتب الأحاديث المعروفة لا الصحاح و لا المساند و لا السنن و غير ذلك فإن كان رواه بعض حاطبي الليل كما يروي أمثاله فعلم مثل هذا ليس بحجة يجب اتباعها باتفاق المسلمين و الله تعالى قد حرم علينا الكذب وأن نقول عليه ما لا نعلم و قد تواتر عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار.

الوجه الثاني: أن هذا كذب موضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث و كل من له أدنى معرفة بالحديث يعلم أن هذا كذب موضوع لم يروه أحد من أهل العلم بالحديث في كتاب يعتمد عليه لا الصحاح و لا السنن و لا المساند المقبولة.

الثالث: أن هذا مما لا يجوز نسبته إلى النبي صلى الله عليه و سلم فإن قائل هذا كاذب و النبي صلى الله عليه و سلم منزه عن الكذب و ذلك إن سيد المسلمين و إمام المتقين و قائد الغر المحجلين هو رسول الله صلى الله عليه و سلم باتفاق المسلمين فان قيل علي هو سيدهم بعده قيل ليس في لفظ الحديث ما يدل على هذا التأويل بل هو مناقض لهذا لأن افضل المسلمين المتقين المحجلين هم القرن الأول و لم يكن لهم على عهد النبي صلى الله عليه و سلم سيد و لا إمام

 

و لا قائد غيره فكيف يخبر عن شيء بعد إن لم يحضر و يترك الخبر عما هو أحوج إليه و هو حكمهم في الحال ثم القائد يوم القيامة هو رسول الله صلى الله عليه و سلم فمن يقود علي و أيضا فعند الشيعة جمهور المسلمين المحجلين كفار أو فساق فلمن يقود و في الصحيح عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال وددت إني قد رأيت إخواني قالوا اولسنا إخوانك يا رسول الله قال انتم أصحابي و إخواننا الذين لم يأتوا بعد قالوا كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول الله قال أرأيتم لو أن رجلا له خيل غر محجلة بين ظهري خيل دهم بهم إلا يعرف خيله قالوا بلى يا رسول الله قال فإنهم يأتون يوم القيامة غرا محجلين من الوضوء و أنا فرطهم على الحوض الحديث فهذا يبين إن كل من توضأ و غسل وجهه و يديه و رجليه فإنه من الغر المحجلين و هؤلاء جماهيرهم إنما يقدمون أبا بكر و عمر و الرافضة لا تغسل بطون أقدامها و لا أعقابها فلا يكونون من المحجلين في الأرجل و حينئذ فلا يبقى أحد من الغر المحجلين يقودهم و لا يقادون

 

مع الغر المحجلين فإن الحجلة لا تكون إلا في ظهر القدم وإنما الحجلة في الرجل كالحجلة في اليد و قد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال ويل للأعقاب و بطون الأقدام من النار و معلوم إن الفرس لو لم يكن البياض إلا لمعة في يده أو رجله لم يكن محجلا و إنما الحجلة بياض اليد أو الرجل فمن لم يغسل الرجلين إلى الكعبين لم يكن من المحجلين فيكون قائد الغر المحجلين بريئا منه كائنا من كان ثم كون علي سيدهم و إمامهم و قائدهم بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم مما يعلم بالاضطرار انه كذب وأن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يقل شيئا من ذلك بل كان يفضل عليه أبا بكر و عمر تفضيلا بينا ظاهرا عرفه الخاصة و العامة حتى أن المشركين كانوا يعرفون منه ذلك و لما كان يوم أحد قال أبو سفيان و كان حينئذ أمير المشركين أفي القوم محمد أفي القوم محمد ثلاثا فقال النبي صلى الله عليه

 

و سلم لا تجيبوه فقال أفي القوم ابن آبي قحافة أفي القوم ابن أبي قحافة ثلاثا فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تجيبوه فقال أفي القوم ابن الخطاب أفي القوم ابن الخطاب ثلاثا فقال النبي صلى الله عليه و سلم لا تجيبوه فقال أبو سفيان لأصحابه أما هؤلاء فقد كفيتموهم فلم يملك عمر نفسه إن قال كذبت يا عدو الله إن الذين عددت لأحياء و قد بقي لك ما يسوءك وقد ذكر باقي الحديث رواه البخاري و غيره فهذا مقدم الكفار إذ ذاك لم يسأل إلا عن النبي صلى الله عليه و سلم وأبي بكر و عمر لعلمه و علم الخاص و العام إن هؤلاء الثلاثة هم رؤوس هذا الأمر وأن قيامه بهم و دل ذلك على انه كان ظاهرا عند الكفار إن هذين وزيراه و بهما تمام أمره و أنها أخص الناس به و إن لهما من السعي في إظهار الإسلام ما ليس لغيرهما و هذا أمر كان معلوما للكفار فضلا عن المسلمين و الأحاديث الكثيرة متواترة بمثل هذا و كما في الصحيحين عن ابن عباس قال وضع عمر على سريره فتكنفه الناس يدعون له و يثنون عليه و يصلون عليه قبل إن يرفع و أنا فيهم فلم يرعني إلا برجل قد اخذ بمنكبي من ورائي فالتفت فإذا هو علي فترحم على عمر و قال ما خلفت أحدا

 

احب إلي إن ألقى الله بمثل عمله منك وأيم الله إن كنت لأظن إن يجعلك الله مع صاحبيك و ذلك أني كثيرا ما كنت اسمع النبي صلى الله عليه و سلم يقول جئت أنا و أبو بكر و عمر و دخلت أنا و أبو بكر و عمر و خرجت أنا و أبو بكر و عمر فإن كنت لأرجوا إن يجعلك الله معهما فلم يكن تفضيلهما عليه و على أمثاله مما يخفى على أحد و لهذا كانت الشيعة القدماء الذين أدركوا عليا يقدمون أبا بكر و عمر عليه إلا من الحد منهم و إنما كان نزاع من نازع منهم في عثمان و كذلك قوله هو ولي كل مؤمن بعدي كذب على رسول الله صلى الله عليه و سلم بل هو في حياته و بعد مماته ولي كل مؤمن و كل مؤمن وليه في المحيا و الممات فالولاية التي هي ضد العداوة لا تختص بزمان وأما الولاية التي هي الإمارة فيقال فيها والي كل مؤمن بعدي كما يقال في صلاة الجنازة إذا اجتمع الولي و الوالي قدم الوالي في قول الأكثر و قيل يقدم الولي فقول القائل علي ولي كل مؤمن بعدي كلام يمتنع نسبته إلى النبي صلى الله عليه و سلم فإنه إن أراد الموالاة لم يحتج ان يقول بعدي و إن أراد الإمارة كان ينبغي أن يقول وال على كل مؤمن و أما قوله لعلي أنت مني و أنا منك فصحيح في غير هذا الحديث ثبت انه قال له ذلك عام القضية لما تنازع هو و جعفر و زيد ابن حارثة في حضانة بنت حمزة فقضى النبي صلى الله عليه و سلم بها لخالتها و كانت تحت جعفر و قال الخالة أم و قال لجعفر أشبهت خلقي و خلقي و قال لعلي أنت مني و أنا منك و قال لزيد أنت أخونا و مولانا و في الصحيحين عنه انه قال إن الأشعريين إذا أرملوا في السفر أو نقصت نفقة عيالاتهم بالمدينة جمعوا ما كان معهم في ثوب واحد فقسموه بينهم بالسوية هم مني و أنا منهم فقال للاشعريين هم مني و أنا منهم كما قال لعلي أنت مني و أنا منك و قال لجليبيب هذا مني و أنا منه فعلم إن هذه اللفظة لا تدل على الإمامة و لا على أن من قيلت له كان هو افضل الصحابة

 

*

فصل قال الرافضي العاشر ما رواه الجمهور من قول النبي صلى الله عليه و سلم إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله و عترتي أهل بيتي و لن يفترقا حتى يردا علي الحوض. و قال أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا و من تخلف عنها غرق. و هذا يدل على وجوب التمسك بقول أهل بيته و علي سيدهم فيكون واجب الطاعة على الكل فيكون هو الإمام.

*والجواب من وجوه...

أحدها: أن لفظ الحديث الذي في صحيح مسلم عن زيد بن أرقم قام فينا رسول الله صلى الله عليه و سلم خطيبا بماء يدعى خما بين مكة والمدينة، فقال أما بعد أيها الناس إنما أنا بشر يوشك ان يأتيني رسول ربي فأجيب ربي و إني تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى و النور فخذوا بكتاب الله و استمسكوا به فحث على كتاب الله و رغب فيه ثم قال و أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي. و هذا اللفظ يدل على إن الذي امرنا بالتمسك به و جعل المتمسك به لا يضل هو كتاب الله.

وهكذا جاء في غير هذا الحديث كما في صحيح مسلم عن جابر في حجة الوداع لما خطب يوم عرفة وقال قد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله وأنتم تسألون عنى فما انتم قائلون قالوا نشهد انك قد بلغت وأديت ونصحت فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكبها إلى الناس اللهم اشهد ثلاث مرات.

وأما قوله وعترتي أهل بيتي وأنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض فهذا رواه الترمذى وقد سئل عنه احمد بن حنبل فضعفه

 

وضعفه غير واحد من أهل العلم، وقالوا لا يصح.

وقد أجاب عنه طائفة بما يدل على أن أهل بيته كلهم لا يجتمعون على ضلالة قالوا ونحن نقول بذلك كما ذكر القاضي أبو يعلي وغيره ولكن أهل البيت لم يتفقوا ولله الحمد على شيء من خصائص مذهب الرافضة بل هم المبرؤون المنزهون عن التدنس بشيء منه.

وأما قوله مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح فهذا لا يعرف له إسناد لا صحيح ولا هو في شيء من كتب الحديث التي يعتمد عليها فإن كان قد رواه مثل من يروي أمثاله من حطاب الليل الذين يروون الموضوعات فهذا ما يزيده.

وهنا الوجه الثاني: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن عترته أنها والكتاب لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض وهو الصادق المصدوق فيدل على إن اجماع العترة حجة وهذا قول طائفة من أصحابنا وذكره القاضي في المعتمد لكن العترة هم بنو هاشم كلهم ولد العباس وولد علي وولد الحارث بن عبد المطلب وسائر بني أبي طالب وغيرهم وعلي وحده ليس هو العترة وسيد العترة هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يبين ذلك إن علماء العترة كابن عباس وغيره لم يكونوا يوجبون اتباع علي في كل ما يقوله ولا كان علي يوجب على الناس طاعته في

 

كل ما يفتي به ولا عرف أن أحدا من أئمة السلف لا من بنى هاشم ولا غيرهم قال انه يجب اتباع علي في كل ما يقوله.

الوجه الثالث: أن العترة لم تجتمع على إمامته ولا أفضليته بل أئمة العترة كابن عباس وغيره يقدمون أبا بكر وعمر في الإمامة والأفضلية وكذلك سائر بنو هاشم من العباسيين والجعفريين واكثر العلويين وهم مقرون بإمامة أبي بكر وعمر وفيهم من أصحاب مالك وأبي حنيفة والشافعي واحمد وغيرهم أضعاف من فيهم من الإمامية.

والنقل الثابت عن جميع علماء أهل البيت من بني هاشم من التابعين وتابعيهم من ولد الحسين بن علي وولد الحسن وغيرهما انهم كانوا يتولون أبا بكر وعمر وكانوا يفضلونهما على علي والنقول عنهم ثابتة متواترة وقد صنف الحافظ أبو الحسن الدارقطني كتاب ثناء الصحابة على القرابة وثناء القرابة على الصحابة وذكر فيه من ذلك قطعة وكذلك كل من صنف من أهل الحديث في السنة مثل كتاب السنة لعبد الله ابن احمد و السنة للخلال و السنة لابن بطة والسنة للآجري واللالكائي والبيهقي وابن ذر الهروي والطلمنكي وابن حفص بن شاهين و أضعاف هؤلاء الكتب التي يحتج هذا بالعزو إليها مثل كتاب فضائل الصحابة للإمام احمد ولأبي نعيم وتفسير الثعلبي وفيها من

 

ذكر فضائل الثلاثة ما هو من اعظم الحجج عليه فان كان هذا القدر حجة فهو حجة له وعليه و الا فلا يحتج به.

الوجه الرابع: إن هذا معارض بما هو أقوى منه وهو أن إجماع الأمة حجة بالكتاب والسنة والإجماع والعترة بعض الأمة فيلزم من ثبوت إجماع الأمة إجماع العترة. وأفضل الأمة أبو بكر كما تقدم ذكره ويأتي وإن كانت الطائفة التي إجماعها حجة يجب اتباع قول أفضلها مطلقا وان لم يكن هو الإمام ثبت أن أبا بكر هو الإمام وإن لم يجب إن يكون الأمر كذلك بطل ما ذكروه في إمامة علي فنسبة آبي بكر إلى جميع الأمة بعد نبيها كنسبة علي إلى العترة بعد نبيها على قول هذا.

*

فصل قال الرافضي الحادي عشر ما رواه الجمهور من وجوب محبته وموالاته روى احمد بن حنبل في مسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اخذ بيد حسن وحسين فقال من احبني وأحب هذين وأباهما وأمهما فهو معي في درجتي يوم القيامة. وروى ابن خالويه عن حذيفة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من احب إن يتمسك بقصبة الياقوت التي خلقها الله بيده ثم قال لها كوني فكانت فليتول علي بن أبي طالب من بعدي وعن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي حبك إيمان وبغضك نفاق و أول من يدخل الجنة محبك و أول من يدخل النار مبغضك وقد جعلك الله أهلا لذلك فأنت مني وأنا منك ولا نبي بعدي وعن شقيق بن سلمة عن عبد الله قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم و هو اخذ بيد علي وهو يقول هذا وليي وأنا وليه عاديت من عادى وسالمت من سالم وروى اخطب خوارزم عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءني جبريل من

 

عند الله بورقة خضراء مكتوب فيها ببياض إني قد افترضت محبة علي على خلقي فبلغهم ذلك عني والأحاديث في ذلك لا تحصى كثرة من طرق المخالفين وهي تدل على أفضليته واستحقاقه للإمامة.

*والجواب من وجوه...

أحدها: المطالبة بتصحيح النقل وهيهات له بذلك و أما قوله رواه احمد فيقال أولا احمد له المسند المشهور وله كتاب مشهور في فضائل الصحابة روى فيه أحاديث لا يرويها في المسند لما فيها من الضعف لكونها لا تصلح إن تروى في المسند لكونها مراسيل أو ضعافا بغير الإرسال ثم إن هذا الكتاب زاد فيه ابنه عبد الله زيادات ثم إن القطيعى الذي رواه عن ابنه عبد الله زاد عن شيوخه زيادات وفيها أحاديث موضوعة باتفاق أهل المعرفة وهذا الرافضي وأمثاله من شيوخ الرافضة جهال فهم ينقلون من هذا المصنف فيظنون إن كل ما رواه القطيعي أو عبد الله قد رواه احمد نفسه ولا يميزون بين شيوخ احمد وشيوخ القطيعي ثم يظنون إن احمد إذا رواه فقد رواه في المسند فقد رأيتهم في كتبهم يعزون إلى مسند احمد أحاديث ما سمعها احمد قط كما فعل ابن البطريق وصاحب الطرائف منهم وغيرهما بسبب هذا الجهل منهم وهذا غير ما يفترونه من الكذب فان الكذب كثير منهم وبتقدير إن يكون احمد روى الحديث فمجرد رواية احمد لا توجب إن يكون صحيحا يجب العمل به بل الإمام احمد روى أحاديث كثيرة ليعرف ويبين للناس ضعفها وهذا في كلامه وأجوبته اظهر وأكبر من أن يحتاج إلى بسط لا سيما في مثل هذا الأصل العظيم مع إن هذا الحديث الأول من زيادات القطيعي رواه عن نصر بن علي الجهضمي عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر والحديث الثاني ذكره ابن الجوزي في الموضوعات وبين انه موضوع وأما رواية ابن خالويه فلا تدل على إن هذا الحديث صحيح

 

باتفاق أهل العلم وكذلك رواية خطيب خوارزم فان في روايته من الأكاذيب المختلفة ما هو من اقبح الموضوعات باتفاق أهل العلم.

الوجه الثاني: إن هذه الأحاديث التي رواها ابن خالويه كذب موضوعة عند أهل الحديث و أهل المعرفة يعلمون علما ضروريا يجزمون به إن هذا كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه ليست في شيء من كتب الحديث التي يعتمد عليها علماء الحديث لا الصحاح ولا المساند ولا السنن ولا المعجمات ولا نحو ذلك من الكتب.

الثالث: إن من تدبر ألفاظها تبين له أنها مفتراة على رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل قوله من احب أن يتمسك بقصبة الياقوت التي خلقها الله بيده ثم قال لها كوني فكانت فهذه من خرافات الحديث وكأنهم لما سمعوا إن الله خلق آدم بيده من تراب ثم قال له كن فكان قاسوا هذه الياقوتة على خلق آدم و آدم خلق من تراب ثم قال له كن فكان فصار حيا بنفخ الروح فيه فإما هذا القصب فبنفس خلقه كمل ثم لم يكن له بعد هذا حال يقال له فيها كن ولم يقل أحد من أهل العلم إن الله خلق بيده ياقوتة بل قد روي في عدة آثار إن الله لم يخلق بيده إلا ثلاثة أشياء آدم والقلم وجنة عدن

 

ثم قال لسائر خلقه كن فكان فلم يذكر فيها هذه الياقوتة ثم أي عظيم في إمساك هذه الياقوتة حتى يجعل على هذا وعدا عظيما و كذلك قوله أول من يدخل النار مبغضك فهل يقول مسلم إن الخوارج يدخلون النار قبل أبي جهل بن هشام و فرعون وأبي لهب و أمثالهم من المشركين و كذلك قوله أول من يدخل الجنة محبك فهل يقول عاقل إن الأنبياء و المرسلين سبب دخولهم الجنة أولا هو حب علي دون حب الله و رسوله و سائر الأنبياء و رسله و حب الله و رسله ليس هو السبب في ذلك و هل تعلق السعادة و الشقاوة بمجرد حب علي دون حب الله و رسوله إلا كتعلقها بحب أبي بكر و عمر و عثمان و معاوية رضي الله عنهم فلو قال قائل من احب عثمان و معاوية دخل الجنة و من ابغضهما دخل النار كان هذا من جنس قول الشيعة.

*

فصل قال الرافضي الثاني عشر روى اخطب خوارزم بإسناده عن أبي ذر الغفاري قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من ناصب عليا الخلافة فهو في كافر و قد حارب الله و رسوله و من شك في علي فهو كافر وعن انس قال كنت عند النبي صلى الله عليه و سلم فرأي عليا مقبلا فقال أنا وهذا حجة الله على أمتي يوم القيامة و عن معاوية بن حيدة القشيري قال سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول لعلي من مات و هو يبغضك مات يهوديا أو نصرانيا.

*و الجواب من وجوه...

أحدها: المطالبة بتصحيح النقل و هذا على سبيل التنزل فإن مجرد رواية الموفق خطيب خوارزم لا تدل على أن الحديث ثابت قاله رسول الله صلى الله عليه و سلم و هذا لو لم يعلم ما في الذي جمعه من الأحاديث من الكذب و الفرية فأما من تأمل ما في جمع هذا الخطيب فإنه يقول سبحانك هذا بهتان عظيم.

الثاني: إن كل من له معرفة بالحديث يشهد أن هذه الأحاديث كذب مفتراة على رسول الله صلى الله عليه و سلم.

 

الثالث: أن هذه الأحاديث إن كانت مما رواها الصحابة و التابعون فأين ذكرها بينهم و من الذي نقلها عنهم و في أي كتاب وجد انهم رووها و من كان خبيرا بما جرى بينهم علم بالاضطرار إن هذه الأحاديث مما ولدها الكذابون بعدهم وأنها مما عملت أيديهم.

الوجه الرابع: إن يقال علمنا بان المهاجرين والأنصار كانوا مسلمين يحبون الله و رسوله و إن النبي صلى الله عليه و سلم كان يحبهم و يتولاهم اعظم من علمنا بصحة شيء من هذه الأحاديث و إن أبا بكر الإمام بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم فكيف يجوز أن يرد ما علمناه بالتواتر المتيقن بأخبار هي اقل و أحقر من إن يقال لها أخبار آحاد لا يعلم لها ناقل صادق بل أهل العلم بالحديث متفقون على أنها من اعظم المكذوبات ولهذا لا يوجد منها شيء في كتب الأحاديث المعتمدة بل أئمة الحديث كلهم يجزمون بكذبها.

الوجه الخامس: إن القران يشهد في غير موضع برضا الله عنهم و ثنائه عليهم كقوله تعالى و السابقون الأولون من المهاجرين و الأنصار و الذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم و رضوا عنه

 

و قوله لا يستوي منكم من انفق من قبل الفتح و قاتل أولئك اعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى و قوله محمد رسول الله و الذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله و رضوانا و قوله لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يباعيونك تحت الشجرة و قوله للفقراء المهاجرين الذين اخرجوا من ديارهم و أموالهم يبتغون فضلا من الله و رضوانا و أمثال ذلك فكيف يجوز إن يرد ما علمنا دلالة القران عليه يقينا بمثل هذه الأخبار المفتراة التي رواها من لا يخاف مقام ربه و لا يرجو لله وقارا.

الوجه السادس: أن هذه الأحاديث تقدح في علي و توجب انه كان مكذبا بالله و رسوله فيلزم من صحتها كفر الصحابة كلهم هو و غيره أما الذين ناصبوه الخلافة فإنهم في هذا الحديث المفترى كفار و أما علي فإنه لم يعمل بموجب هذه النصوص بل كان يجعلهم مؤمنين مسلمين و شر من قاتلهم علي هم الخوارج و مع هذا فلم يحكم فيهم بحكم الكفار بل حرم أموالهم و سبيهم و كان يقول لهم قبل قتالهم إن لكم علينا إن لا نمنعكم مساجدنا و لا حقكم من فيئنا و لما قتله ابن

 

ملجم قال إن عشت فأنا ولي دمي و لم يجعله مرتدا بقتله و أما أهل الجمل فقد تواتر عنه انه نهى عن أن يتبع مدبرهم وأن يجهز على جريحهم وأن يقتل أسيرهم وأن تغنم أموالهم وأن تسبى ذراريهم فإن كان هؤلاء كفارا بهذه النصوص فعلي أول من كذب بها فيلزمهم ان يكون علي كافرا و كذلك أهل صفين كان يصلي على قتلاهم ويقول إخواننا بغوا علينا طهرهم السيف و لو كانوا عنده كفارا لما صلى عليهم و لا جعلهم إخوانه و لا جعل السيف طهرا لهم و بالجملة نحن نعلم بالاضطرار من سيرة علي رضي الله عنه انه لم يكن يكفر الذين قاتلوه بل و لا جمهور المسلمين و لا الخلفاء الثلاثة و لا الحسن و لا الحسين كفروا أحدا من هؤلاء و لا علي بن الحسين و لا أبو جعفر فإن كان هؤلاء كفارا فأول من خالف النصوص علي و أهل بيته و كان يمكنهم إن يفعلوا ما فعلت الخوارج فيعتزلوا بدار غير دار الإسلام و إن عجزوا عن القتال و يحكموا على أهل دار الإسلام بالكفر و الردة كما يفعل ذلك كثير من شيوخ الرافضة و كان الواجب

 

 

على علي إذا رأى أن الكفار لا يؤمنون أن يتخذ له و لشيعته دار غير أهل الردة و الكفر و يباينهم كما باين المسلمون لمسيلمة الكذاب و أصحابه و هذا نبي الله صلى الله عليه و سلم كان بمكة هو و أصحابه في غاية الضعف و مع هذا فكانوا يباينون الكفار و يظهرون مباينتهم بحيث يعرف المؤمن من الكافر و كذلك هاجر من هاجر منهم إلى ارض الحبشة مع ضعفهم و كانوا يباينون النصارى و يتكلمون بدينهم قدام النصارى و هذه بلاد الإسلام مملوءة من اليهود و النصارى و هم مظهرون لدينهم متحيزون عن المسلمين فان كان كل من يشك في خلافة علي كافرا عنده و عند أهل بيته و ليس بمؤمن عندهم إلا من اعتقد انه الإمام المعصوم بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم و من لم يعتقد ذلك فهو مرتد عند علي و أهل بيته فعلي أول من بدل الدين و لم يميز المؤمنين من الكافرين و لا المرتدين من المسلمين و هب انه كان عاجزا عن قتالهم و إدخالهم في طاعته فلم يكن عاجزا عن مباينتهم ولم يكن اعجز من الخوارج الذين هم شرذمة قليلة من عسكره و الخوارج اتخذوا لهم دارا غير دار الجماعة و باينوهم كما كفروهم و جعلوا أصحابهم هم المؤمنين

 

 

و كيف كان يحل للحسن إن يسلم أمر المسلمين إلى من هو عنده من المرتدين شر من اليهود و النصارى كما يدعون في معاوية و هل يفعل هذا من يؤمن بالله و اليوم الآخر وقد كان الحسن يمكنه إن يقيم بالكوفة ومعاوية لم يكن بدأه بالقتال وكان قد طلب منه ما أراد فلو قام مقام أبيه لم قاتله معاوية وأين قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابت عنه في فضل الحسن إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين فإن كان علي و أهل بيته والحسن منهم يقولون لم يصلح الله به بين المؤمنين والمرتدين فهذا قدح في الحسن وفي جده الذي أثنى على الحسن إن كان الأمر كما يقوله الرافضة فتبين إن الرافضة من اعظم الناس قدحا وطعنا في أهل البيت وأنهم هم الذين عادوا أهل البيت في نفس الأمر ونسبوهم إلى اعظم المنكرات التي من فعلها كان من الكفار وليس هذا ببدع من جهل الرافضة و حماقاتهم ثم إن الرافضة تدعي أن الإمام المعصوم لطف من الله بعباده ليكون ذلك ادعى إلى إن يطيعوه فيرحموا وعلى ما قالوه فلم يكن على أهل الأرض نقمة اعظم من علي فإن الذين خالفوه وصاروا مرتدين كفارا والذين وافقوه أذلاء مقهورين تحت النقمة لا يد ولا لسان وهم مع

 

 

ذلك يقولون إن خلقه مصلحة ولطف وان الله يجب عليه أن يخلقه وإنه لا تتم مصلحة العالم في دينهم ودنياهم إلا به وأي صلاح في ذلك على قول الرافضة ثم انهم يقولون إن الله يجب عليه ان يفعل اصلح ما يقدر عليه للعباد في دينهم و دنياهم و هو يمكن الخوارج الذين يكفرون به بدار لهم فيها شوكة و من قتال أعدائهم و يجعلهم هم و الأئمة المعصومين في ذل اعظم من ذل اليهود و النصارى و غيرهم من أهل الذمة فإن أهل الذمة يمكنهم إظهار دينهم و هؤلاء الذين يدعي انهم حجج الله على عباده و لطفه في بلاده وأنه لا هدى إلا بهم و لا نجاة إلا بطاعتهم و لا سعادة إلا بمتابعتهم قد غاب خاتمتهم من اكثر من أربعمائة و خمسين سنة فلم ينتفع به أحد في دينه و لا دنياه و هم لا يمكنهم إظهار دينهم كما تظهر اليهود و النصارى دينهم و لهذا ما زال أهل العلم يقولون إن الرفض من إحداث الزنادقة الملاحدة الذين قصدوا إفساد الدين دين الإسلام و يأبى الله إلا أن يتم نوره و لو كره الكافرون فإن منتهى أمرهم تكفير علي و أهل بيته بعد أن كفروا الصحابة و الجمهور

 

 

و لهذا كان صاحب دعوى الباطنية الملاحدة رتب دعوته مراتب أول ما يدعو المستجيب إلى التشيع ثم إذا طمع فيه قال له علي مثل الناس و دعاه إلى القدح في علي أيضا ثم إذا طمع فيه دعاه إلى القدح في الرسول ثم إذا طمع فيه دعاه إلى إنكار الصانع هكذا ترتيب كتابهم الذي يسمونه البلاغ الأكبر و الناموس الأعظم و واضعه الذي أرسل به إلى القرمطي الخارج بالبحرين لما استولى على مكة و قتلوا الحجاج وأخذوا الحجر الأسود و استحلوا المحارم وأسقطوا الفرائض و سيرتهم مشهورة عند أهل العلم و كيف يقول النبي صلى الله عليه و سلم من مات و هو يبغض عليا مات يهوديا أو نصرانيا و الخوارج كلهم تكفره و تبغضه و هو نفسه لم يكن يجعلهم مثل اليهود و النصارى بل يجعلهم من المسلمين أهل القبلة و يحكم فيهم بغير ما يحكم به بين اليهود و النصارى و كذلك من كان يسبه و يبغضه من بني أمية وأتباعهم فكيف يكون من يصلي الصلوات و يصوم شهر رمضان و يحج البيت و يؤدي الزكاة مثل اليهود و النصارى و غايته إن يكون قد خفي عليه كون هذا إماما أو عصاه بعد معرفته و كل أحد يعلم أن أهل الدين و الجمهور ليس لهم غرض مع علي و لا لأحد منهم غرض في تكذيب الرسول وأنهم لو علموا أن الرسول جعله إماما كانوا اسبق الناس إلى التصديق بذلك

 

 

و غاية ما يقدر انهم خفي عليهم هذا الحكم فكيف يكون من خفي عليه جزء من الدين مثل اليهود و النصارى و ليس المقصود هنا الكلام في التكفير بل التنبيه على أن هذه الأحاديث مما يعلم بالاضطرار أنها كذب على النبي صلى الله عليه و سلم و أنها مناقضة لدين الإسلام و أنها تستلزم تكفير علي و تكفير من خالفه وأنه لم يقلها من يؤمن بالله و اليوم الآخر فضلا عن أن تكون من كلام رسول الله صلى الله عليه و سلم بل إضافتها و العياذ بالله إلى رسول الله من اعظم القدح و الطعن فيه و لا شك أن هذا فعل زنديق ملحد لقصد إفساد دين الإسلام فلعن الله من افتراها و حسبه ما وعده به الرسول حيث قال من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار.

*

فصل قال الرافضي قالت الامامية إذا رأينا المخالف لنا يورد مثل هذه الأحاديث و نقلنا نحن أضعافها عن رجالنا الثقات وجب علينا المصير إليها و حرم العدول عنها.

 

*و الجواب إن يقال لا ريب أن رجالكم الذين وثقتموهم غايتهم أن يكونوا من جنس من يروي هذه الأحاديث من الجمهور فإذا كان أهل العلم يعلمون بالاضطرار أن هؤلاء كذابون، وأنتم اكذب منهم وأجهل، حرم عليكم العمل بها و القضاء بموجبها.

والاعتراض على هذا الكلام من وجوه...

أحدها: إن يقال لهؤلاء الشيعة من أين لكم أن الذين نقلوا هذه الأحاديث في الزمان القديم ثقات وأنتم لم تدركوهم و لم تعلموا أحوالهم و لا لكم كتب مصنفة تعتمدون عليها في أخبارهم التي يميز بها بين الثقة و غيره و لا لكم أسانيد تعرفون رجالها بل علمكم بكثير مما في أيديكم شر من علم كثير من اليهود و النصارى بما في أيديهم بل أولئك معهم كتب وضعها لهم هلال و شماس وليس عند جمهورهم ما يعارضها وأما انتم فجمهور المسلمين دائما يقدحون في روايتكم و يبينون كذبكم وأنتم ليس لكم علم بحالهم ثم قد علم بالتواتر الذي لا يمكن حجبه كثرة الكذب و ظهوره في الشيعة من زمن علي و إلى اليوم وأنتم تعلمون أن أهل الحديث يبغضون الخوارج و يروون فيهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة صحيحة و قد روى البخاري

 

بعضها مسلم عشرة منها و أهل الحديث متدينون بما صح عندهم عن النبي صلى الله عليه و سلم و مع هذا فلم يحملهم بغضهم للخوارج على الكذب عليهم بل جربوهم فوجدوهم صادقين وأنتم يشهد عليكم أهل الحديث و الفقهاء و المسلمون و التجار و العامة و الجند و كل من عاشركم و جربكم قديما و حديثا إن طائفتكم اكذب الطوائف و إذا وجد فيها صادق فالصادق في غيرها اكثر و إذا وجد في غيرها كاذب فالكاذب فيها اكثر و لا يخفى هذا على عاقل منصف و أما من اتبع هواه فقد اعمى الله قلبه و من يضلل الله فلن تجد له وليا مرشدا و هذا الذي ذكرناه معروف عند أهل العلم قديما و حديثا كما قد ذكرنا بعض أقوالهم حتى قال الإمام عبد الله بن المبارك الدين لأهل الحديث و الكذب للرافضة و الكلام للمعتزلة و الحيل لأهل الرأي أصحاب فلان و سوء التدبير لآل أبي فلان وهو كما قال فإن الدين هو ما بعث الله به محمدا صلى الله عليه و سلم وأعلم الناس به أعلمهم بحديثه و سنته و أما الكلام فأشهر الطوائف به هم المعتزلة و لهذا كانوا اشهر الطوائف بالبدع عند الخاصة و أما الرافضة فهم المعروفون بالبدعة عند الخاصة و العامة حتى أن اكثر العامة لا تعرف في مقابلة الشيء إلا الرافضي لظهور

 

 

مناقضتهم لما جاء به الرسول عليه السلام عند الخاصة و العامة فهم عين على ما جاء به حتى الطوائف الذين ليس لهم من الخبرة بدين الرسول ما لغيرهم إذا قالت لهم الرافضة نحن مسلمون يقولون انتم جنس آخر و لهذا الرافضة يوالون أعداء الدين الذين يعرف كل أحد معاداتهم من اليهود و النصارى و المشركين مشركي الترك و يعادون أولياء الله الذين هم خيار أهل الدين و سادات المتقين و هم الذين أقاموه و بلغوه و نصروه و لهذا كان الرافضة من اعظم الأسباب في دخول الترك الكفار إلى بلاد الإسلام و أما قصة الوزير ابن العلقمي و غيره كالنصير الطوسي مع الكفار و ممالأتهم على المسلمين فقد عرفها الخاصة والعامة و كذلك من كان منهم بالشام ظاهروا المشركين على المسلمين و عاونوهم معاونة عرفها الناس و كذلك لما انكسر عسكر المسلمين لما قدم غازان ظاهروا الكفار النصارى و غيرهم من أعداء المسلمين و باعوهم أولاد المسلمين بيع العبيد و أموالهم و حاربوا المسلمين محاربة ظاهرة و حمل بعضهم راية الصليب و هم كانوا من اعظم الأسباب في استيلاء النصارى قديما على بيت المقدس حتى استنقذه المسلمون منهم

 

 

و قد دخل فيهم اعظم الناس نفاقا من النصيرية و الإسماعيلية و نحوهم ممن هو اعظم كفرا في الباطن و معاداة لله و رسوله من اليهود و النصارى فهذه الأمور و أمثالها مما هي ظاهرة مشهورة يعرفها الخاصة و العامة توجب ظهور مباينتهم للمسلمين و مفارقتهم للدين و دخولهم في زمرة الكفار و المنافقين حتى يعدهم من رأى أحوالهم جنسا آخر غير جنس المسلمين فإن المسلمين الذين يقيمون دين الإسلام في الشرق و الغرب قديما و حديثا هم الجمهور و الرافضة ليس لهم سعي إلا في هدم الإسلام و نقض عراه و إفساد قواعده و القدر الذي عندهم من الإسلام إنما قام بسبب قيام الجمهور به و لهذا قراءة القرآن فيهم قليلة و من يحفظه حفظا جيدا فإنما تعلمه من أهل السنة و كذلك الحديث إنما يعرفه و يصدق فيه و يؤخذ عن أهل السنة و كذلك الفقه و العبادة و الزهد و الجهاد و القتال إنما هو لعساكر أهل السنة و هم الذين حفظ الله بهم الدين علما و عملا بعلمائهم و عبادهم و مقاتليهم و الرافضة من اجهل الناس بدين الإسلام و ليس للإنسان منهم شيء يختص به إلا ما يسر عدو الإسلام و يسوء وليه فأيامهم في الإسلام

 

 

كلها سود وأعرف الناس بعيوبهم و ممادحهم أهل السنة لا تزال تطلع منهم على أمور غيرها عرفتها كما قال تعالى في اليهود و لا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا منهم و لو ذكرت بعض ما عرفته منهم بالمباشرة و نقل الثقات و ما رايته في كتبهم لاحتاج ذلك إلى كتاب كبير و هم الغاية في الجهل و قلة العقل يبغضون من الأمور ما لا فائدة لهم في بغضه ويفعلون من الأمور ما لا منفعة لهم فيه إذا قدر انهم على حق مثل نتف النعجة حتى كأن لهم عليها ثأرا كأنهم ينتفون عائشة و شق جوف الكبش كأنهم يشقون جوف عمر فهل فعل هذا أحد من طوائف المسلمين بعدوه غيرهم و لو كان مثل هذا مشروعا لكان بأبي جهل و أمثاله أولى و مثل كراهتهم للفظ العشرة لبغضهم للرجال العشرة و قد ذكر الله لفظ العشرة في غير موضع من القرآن كقوله و الفجر و ليال عشر و قوله و أتممناها بعشر تلك عشرة كاملة

 

 

و أما التسعة فذكرها في معرض الذم كقوله و كان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض و لا يصلحون فهل كره المسلمون التكلم بلفظ التسعة لأجل أولئك التسعة و هم يختارون التكلم بلفظ التسعة على لفظ العشرة و كذلك كراهيتهم لأسام سمي بها من يبغضونه و قد كان من الصحابة من تسمي بأسماء تسمى بها عدو الإسلام مثل الوليد الذي هو الوحيد و كان ابنه من خيار المسلمين و اسمه الوليد و كان النبي صلى الله عليه و سلم يقنت له في الصلاة و يقول اللهم نج الوليد بن الوليد كما رواه أهل الصحيحين و مثل آبي بن خلف الذي قتله النبي صلى الله عليه و سلم و في المسلمين آبي بن كعب و غيره و مثل عمرو بن ود العامري و في الصحابة عمرو بن أمية و عمرو بن العاص و مثل هذا كثير و لم يغير النبي صلى الله عليه و سلم اسم رجل من الصحابة لكون كافر سمي به فلو قدر كفر من يبغضونه لكان كراهتهم لمثل أسمائهم في غاية الجهل مع إن النبي صلى الله عليه و سلم كان يدعوهم بها و يقال لهم كل من جرب من أهل العلم و الدين الجمهور علم انهم

 

 

لا يرضون بالكذب و لو وافق أغراضهم فكم يروون لهم في فضائل الخلفاء الثلاثة و غيرها أحاديث بأسانيد خير من أسانيد الشيعة و يرويها مثل ابي نعيم و الثعلبي و آبي بكر النقاش و الاهوازي و ابن عساكر و أمثال هؤلاء و لا يقبل علماء الحديث منها شيئا بل إذا كان الراوي عندهم مجهولا توقفوا في روايته و أما انتم معاشر الرافضة فقد رأيناكم تقبلون كل ما يوافق رأيكم و أهواءكم لا تردون غثا و لا سمينا و يقال لكم إذا كان عند الجمهور من الأحاديث الصحيحة المعروفة عند من يعلم المسلمون كلهم صدقة و علمه و أنتم ممن يعلم ذلك أحاديث متلقاة بالقبول بل متواترة توجب العلم الضروري الذي لا يمكن دفعه عن القلب تناقض هذه الأدلة التي رواها طائفة مجهولة أو معروفة بالكذب منكم ومن الجمهور فهل يمكن أن يدفع الناس ما علموه بالضرورة و ما علموه مستفيضا بنقل الثقات الإثبات الذين يعرف صدقهم و ضبطهم هل يمكن دفع هذا بمثل هذه الروايات المسيبة التي لا زمام لها و لا خطام و لو روى رجل إن الصلوات كانت اكثر من خمس و إن الصوم الواجب شهران و إن على المسلمين حج بيت آخر هل كان الطريق إلى تكذيب هذا إلا من جنس الطريق إلى تكذيبهم و قد نبهنا في هذا الرد على طرق مما به يعلم كذب ما يعتمدون عليه

 

 

غير طرق أهل الحديث وبينا كذبهم تارة بالعقل وتارة بما علم بالقران وتارة بما علم بالتواتر وتارة بما اجمع الناس كلهم عليه ومن المعلوم إن الأخبار المخالفة للقران والتواتر والإجماع والمخالفة للعقل يعلم بطلانها وهذا من جملة الطرق التي يعلم بها طرق ما يناقضون به مذهب أهل السنة من الأخبار وهم لا يعتمدون في أدلتهم إلا على أحد ثلاثة أشياء أما نقل كاذب و أما دلالة مجملة مشبهة و أما قياس فاسد وهذا حال كل من احتج بحجة فاسدة نسبها إلى الشريعة فان عمدته أما نص و أما قياس والنص يحتاج إلى صحة الإسناد ودلالة المتن فلا بد إن يكون النص ثابتا عن الرسول ولا بد إن يكون دالا على المطلوب والحجج الباطلة السمعية أما نقل كاذب و أما نقل صحيح لا يدل و أما قياس فاسد وليس للرافضة وغيرهم من أهل الباطل حجة سمعية إلا من هذا الجنس وقولنا نقل يدخل فيه كلام الله ورسوله وكلام أهل الإجماع عند من يحتج به فان الرافضة لا تحتج بالإجماع و الأفعال والإقرار و الإمساك يجري مجرى ذلك.

 

*

فصل واعلم انه ليس كل أحد من أهل النظر والاستدلال خبيرا بالمنقولات والتمييز بين صدقها وكذبها وصوابها وخطئها فضلا عن العامة وقد علم من حيث الجملة إن المنقول منه صدق ومنه كذب وليس لهم خبرة أهل المعرفة علماء الحديث فهؤلاء يحتاجون في الاستدلال على الصدق والكذب إلى طرق أخرى والله سبحانه الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى أعطى كل شيء خلقه ثم هدى الذي اخرج الناس من بطون أمهاتهم لا يعلمون شيئا وجعل لهم السمع والأبصار والأفئدة يهدي من يشاء من عباده بما تيسر له من الأدلة التي تبين له الحق من الباطل والصدق من الكذب كما في الحديث الصحيح الإلهي يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم ولهذا تنوعت الطرق التي بها يعلم الصدق من الكذب حتى في أخبار المخبر عن نفسه بأنه رسول الله وهو دعوى النبوة فالطرق التي يعلم بها صدق الصادق وكذب المتنبئ الكذاب كثيرة متنوعة كما قد نبهنا عليه في غير هذا الموضع وكذلك بما يعلم به صدق المنقول عن الرسول وكذبه يتعدد ويتنوع وكذلك ما به يعلم صدق الذين حملوا العلم فان أهل العلم يعلمون صدق مثل مالك والثوري وشعبة ويحيى

 

ابن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي واحمد بن حنبل والبخاري ومسلم وأبي داود و أمثال هؤلاء علما يقينا يجزمون بانهم لا يتعمدون الكذب في الحديث ويعلمون كذب محمد بن سعيد المصلوب وأبي البختري القاضي واحمد بن عبد الله الجويباري وعتاب بن إبراهيم بن عتاب وأبي داود النخعي ونحوهم ممن يعلمون انهم يتعمدون الكذب و أما الخطأ فلا يعصم من الإقرار عليه إلا نبي لكن أهل الحديث يعلمون إن مثل الزهري والثوري ومالك ونحوهم من اقل الناس غطا في أشياء خفيفة لا تقدح في مقصود الحديث ويعرفون رجالا دون هؤلاء يغلطون أحيانا والغالب عليهم الحفظ والضبط ولهم دلائل يستدلون بها على غلط الغالط ودون هؤلاء قوم كثير غلطهم فهؤلاء لا يحتجون بهم إذا انفردوا لكن يعتبرون بحديثهم ويستشهدون به بمعنى انهم ينظرون فيما رووه هل رواه غيرهم فإذا تعددت الطرق واللفظ واحد مع العلم بانهم لم يتواطأ ولا يمكن في العادة اتفاق الخطأ في مثل ذلك كان هذا مما يدلهم على صدق الحديث ولهذا قال احمد اكتب حديث الرجل لاعتبر به مثل ابن لهيعة ونحوه فانه كان عالما دينا قاضيا لكن احترقت كتبه فصار يحدث بعد

 

 

ذلك بأشياء دخل فيها غلط لكن اكثر ذلك صحيح يوافقه عليها الثقات كالليث و امثاله و اهل الحديث يعلمون صدق متون الصحيحين ويعلمون كذب الأحاديث الموضوعة التي يجزمون بأنها كذب بأسباب عرفوا بها ذلك من شركهم فيها علم ما علموه ومن لم يشركهم لم يعلم ذلك كما إن الشهود الذين يتحملون الشهادة ويؤدونها يعرف من جربهم وخبرهم وصدق صادقهم وكذب كاذبهم و كذلك أهل المعاملات في البيع و الإجارة يعلم من جربهم و خبرهم صادقهم و كاذبهم و امينهم و خائنهم و كذلك الأخبار قد يعلم الناس صدق بعضها و كذب بعضها و يشكون في بعضها و باب المعرفة بأخبار النبي صلى الله عليه و سلم و أقواله و أفعاله و ما ذكره من توحيد و أمر و نهي و وعد و وعيد و فضائل لأعمال أو لأقوام أو أمكنة أو أزمنة و مثالب لمثل ذلك اعلم الناس به أهل العلم بحديثه الذين اجتهدوا في معرفة ذلك و طلبه من وجوهه و علموا أحوال نقلة ذلك و أحوال الرسول صلى الله عليه و سلم من وجوه متعددة و جمعوا بين رواية هذا و هذا و هذا فعلموا صدق الصادق و غلط الغالط و كذب الكاذب و هذا علم أقام الله له من حفظ به على الأمة ما حفظ من دينها و غير

 

 

هؤلاء لهم تبع فيه أما مستدل بهم و أما مقلد لهم كما إن الاجتهاد في الأحكام أقام الله له رجالا اجتهدوا فيه حتى حفظ الله بهم على الأمة ما حفظ من الدين و غيرهم لهم تبع فيه أما استدل بهم و أما مقلد لهم مثال ذلك إن خواص أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم اعلم به ممن هو دونهم في الاختصاص مثل آبي بكر و عمر و عثمان و علي و طلحة و الزبير و عبد الرحمن بن عوف و سعد و آبي بن كعب و معاذ بن جبل و ابن مسعود و بلال و عمار بن ياسر و آبي ذر الغفاري و سلمان و آبي الدرداء و آبي أيوب الأنصاري و عبادة بن الصامت و حذيفة وأبي طلحة و أمثال هؤلاء من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار هم اكثر اختصاصا به ممن ليس مثلهم لكن قد يكون بعض الصحابة أحفظ وأفقه من غيره وان كان غيره أطول صحبة وقد يكون اكثر مما اخذ عن غيره أيظا أخذ عن بعضهم من العلم لطول عمره وان كان غيره اعلم منه كما اخذ عن آبي هريرة وابن عمر وابن عباس وعائشة وجابر وأبي سعيد من الحديث اكثر مما اخذ عمن هو افضل منهم كطلحة والزبير ونحوهم و اما الخلفاء الأربعة فلهم في تبليغ كليات الدين ونشر أصوله واخذ الناس ذلك عنهم ما ليس لغيرهم وان كان يروى عن صغار الصحابة

 

 

من الأحاديث المفردة اكثر مما يروى عن بعض الخلفاء فالخلفاء لهم عموم التبليغ وقوته التي لم يشركهم فيها غيرهم ثم لما قاموا بتبليغ ذلك شاركهم فيه غيرهم فصار متواترا كجمع آبي بكر وعمر القران في الصحف ثم جمع عثمان له في المصاحف التي أرسلها إلى الأمصار فكان الاهتمام بجمع القران وتبليغه أهم مما سواه وكذلك تبليغ شرائع الإسلام إلى أهل الأمصار ومقاتلتهم على ذلك واستنابتهم في ذلك الأمراء والعلماء وتصديقهم لهم فيما بلغوه عن الرسول فبلغ من أقاموه من أهل العلم حتى صار الدين منقولا نقلا عاما متواترا ظاهرا معلوما قامت به الحجة ووضحت به المحجة وتبين به إن هؤلاء كانوا خلفاءه المهديين الراشدين الذين خلفوه في أمته علما وعملا وهو صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى في حقه والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى فهو ما ضل وما غوى وكذلك خلفاؤه الراشدون الذين قال فيهم عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ فانهم خلفوه في ذلك فانتفى عنهم بالهدى الضلال وبالرشد الغي

 

 

وهذا هو الكمال في العلم والعمل فان الضلال عدم العلم والغي اتباع الهوى ولهذا امرنا الله تعالى إن نقول في صلاتنا اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين وقال النبي صلى الله عليه وسلم اليهود مغضوب عليهم والنصارى ضالون فالمهتدي الراشد الذي هداه الله الصراط المستقيم فلم يكن من أهل الضلال الجهال ولا من أهل الغي المغضوب عليهم والمقصود هنا إن بعض الصحابة اعلم بالرسول من بعض وبعضهم اكثر تبليغا لما علمه من بعض ثم قد يكون عند المفضول علم قضية معينة لم يعلمها الأفضل فيستفيدها منه ولا يوجب هذا ذلك إن يكون هذا اعلم منه مطلقا ولا إن هذا الأعلم يتعلم من ذلك المفضول ما امتاز به ولهذا كان الخلفاء يستفيدون من بعض الصحابة علما لم يكن عندهم كما استفاد أبو بكر رضي الله عنه علم ميراث الجدة من محمد ابن مسلمة والمغيرة بن شعبة واستفاد عمر رضي الله عنه علم دية

 

 

الجنين والأستأذان وتوريث المرأة من دية زوجها وغير ذلك من غيره واستفاد عثمان رضي الله عنه حديث مقام المتوفى عنها في بيتها حتى يبلغ الكتاب اجله من غيره واستفاد علي رضي الله عنه حديث صلاة التوبة من غيره وقد يخفى ذلك العلم عن الفاضل حتى يموت ولم يعلمه ويبلغه من هو دونه وهذا كثير ليس هذا موضعه لكن المقصود إن نبين طرق العلم فالصحابة الذين اخذ الناس عنهم العلم بعد الخلفاء الأربعة مثل آبي بن كعب وابن مسعود ومعاذ بن جبل وأبي الدرداء وزيد بن ثابت وحذيفة وعمران بن حصين وأبي موسى وسلمان وعبد الله بن سلام و أمثالهم وبعد هؤلاء مثل عائشة وابن عباس وابن عمر وعبد الله بن عمرو وأبي سعيد وجابر وغيرهم ومن التابعين مثل الفقهاء وغيرهم وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وعلي بن الحسين وخارجة بن زيد بن ثابت وسليمان بن اليسار ومثل علقمة والاسود وشريح القاضي وعبيدة السلماني والحسن البصري ومحمد بن سيرين و أمثالهم ثم من بعد هؤلاء مثل الزهري و قتادة ويحيى بن آبي كثير

 

 

و مكحول الشامي و أيوب السختياني و يحيى بن سعيد الأنصاري و يزيد بن أبي حبيب المصري و أمثالهم ثم من بعد هؤلاء مثل مالك و الثوري و حماد بن زبد وحماد ابن سلمة و الليث والاوزاعي و شعبة و زائدة و سفيان بن عيينة و أمثالهم ثم من بعد هؤلاء مثل يحيى القطان و عبد الرحمن بن مهدي و ابن المبارك و عبد الله بن وهب و وكيع بن الجراح و إسماعيل بن علية و هشيم بن بشير و آبي يوسف القاضي و الشافعي و احمد و الحميدي وإسحاق بن راهويه والقاسم بن سلام وأبي ثور وابن معين وابن المديني و آبي بكر بن آبي شيبة و آبي خيثمة زهير بن حرب و بعد هؤلاء البخاري و مسلم و أبو داود و أبو زرعة و أبو حاتم و عثمان بن سعيد الدارمي و عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي و محمد بن مسلم بن واره و أبو بكر الاثرم و إبراهيم الحربي و بقي بن مخلد الأندلسي و محمد بن وضاحو مثل أبي عبد الرحمن النسائي و الترمذي و ابن خزيمة و محمد بن نصر المروزي و محمد بن جرير الطبري و عبد الله بن احمد ابن حنبل و عبد الرحمن بن أبي حاتم ثم من بعد هؤلاء مثل أبي حاتم ألبستي و أبي بكر النجاد و أبي بكر النيسابوري و أبي قاسم الطبراني و أبي الشيخ الاصبهاني وأبي احمد العسال الاصبهاني و أمثالهم ثم من بعد هؤلاء مثل أبي الحسن الدارقطني و ابن منده و الحاكم أبي عبد الله و عبد الغني بن سعيد و أمثال هؤلاء ممن لا يمكن إحصاؤهم فهؤلاء و أمثالهم اعلم بأحوال رسول الله صلى الله عليه و سلم من غيرهم و إن كان في هؤلاء من هو اكثر رواية و فيهم من هو اكثر منهم معرفة بصحيحه من وسقيمه و منهم من هو افقه فيه من غيره قال احمد بن حنبل معرفة الحديث و الفقه فيه احب إلي من حفظه و قال علي بن المديني اشرف العلم الفقه في متون الأحاديث و معرفة أحوال الرواة فان يحيى بن معين و علي بن المديني و نحوهما اعرف بصحيحيه و سقيمه من مثل أبي عبيد و أبي ثور و أبو عبيد و أبو ثور

 

 

و نحوهما افقه من أولئك و احمد كان يشارك هؤلاء و هؤلاء و كان أئمة هؤلاء و هؤلاء ممن يحبهم و يحبونه كما كان مع الشافعي و أبي عبيد و نحوهما من أهل الفقه في الحديث و مع يحيى بن معين و علي بن المديني و نحوهما من أهل المعرفة في الحديث و مسلم بن الحجاج له عناية بصحيحه اكثر من أبي داود و أبو داود له عناية بالفقه أكثر والبخاري له عناية بهذا و هذا وليس المقصود هنا توسعة الكلام في هذا بل المقصود أن علماء أهل العلم بالحديث لهم من المعرفة بأحوال الرسول ما ليس لغيرهم فهم أئمة هذا الشان وقد يكون الرجل صادقا كثير الحديث كثير الرواية فيه لكن ليس من أهل العناية بصحيحه وسقيمه فهذا يستفاد منه نقله فانه صادق ضابط و أما المعرفة بصحيحه وسقيمه فهذا علم آخر وقد يكون مع ذلك فقيها مجتهدا وقد يكون صالحا من خيار المسلمين وليس له كثير معرفة لكن هؤلاء وان تفاضلوا في العلم فلا يروج عليهم من الكذب ما يروج على من لم يكن له علمهم فكل من كان بالرسول اعرف كان تمييزه بين الصدق والكذب أتم فقد يروج على أهل التفسير والفقه والزهد والنظر أحاديث كثيرة إما يصدقون بها و إما يجوزون بصدقها وتكون معلومة الكذب عند علماء الحديث وقد يصدق بعض هؤلاء بما يكون كذبا عند أهل المعرفة مثل ما

 

 

يروي طائفة من الفقهاء حديث لا تفعلي يا حميراء فانه يورث البرص وحديث زكاة الأرض نبتها وحديث نهى عن بيع وشرط ونهى عن بيع المكاتب والمدبر و أم الولد وحديث نهى عن قفيز الطحان وحديث لا يجتمع العشر والخراج على مسلم وحديث ثلاث هن على فريضة وهن لكم تطوع الوتر والنحر وركعتا الفجر وحديث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر يتم ويقصر وحديث ثلاث هن علي فريضة وهن لكم تطوع الوتر والنحر وركعتا الفجر وحديث لا تقطع اليد إلا في عشر دراهم وحديث لا مهر دون عشرة دراهم وحديث الفرق بين الطلاق والعتاق في الاستثناء وحديث اقل الحيض ثلاثة وأكثره عشرة وحديث نهى عن البتراء وحديث يغسل الثوب من المنى والدم وحديث الوضوء مما خرج لامما دخل وحديث نهى عن البتراء وحديث كان يرفع يديه في ابتداء الصلاة ثم لا يعود إلى أمثال ذلك من الأحاديث التي يصدق بعضها طائفة من الفقهاء ويبنون عليها الحلال والحرام وأهل العلم بالحديث متفقون على إنها كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم موضوعة عليه وكذلك أهل العلم من الفقهاء يعلمون ذلك وكذلك أحاديث يرويها كثير من النساك ويظنها صدقا مثل قولهم

 

 

أن عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حبوا ومثل قولهم أن قوله تعالى ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة و العشي يريدون وجهه واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة و العشي يريدون وجهه نزل في أهل الصفة ومثل حديث غلام المغيرة بن شعبة أحد الإبدال الأربعين وكذلك حديث فيه ذكر الإبدال والأقطاب و الاغواث وعدد الأولياء و أمثال ذلك مما يعلم أهل العلم بالحديث انه كذب وكذلك أمثال هذه الأحاديث قد تعلم من غير طريق أهل الحديث مثل أن نعلم أن قوله تعالى ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة و العشي واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة و العشي في (سورة الأنعام). وفي (سورة الكهف). وهما سورتان مكيتان باتفاق الناس والصفة إنما كانت بالمدينة ومثل ما يروون في أحاديث المعراج انه رأي ربه في صورة كذا

 

 

و أحاديث المعراج التي في الصحاح ليس فيها شيء من أحاديث ذكر الرؤية وإنما الرؤية في أحاديث مدنية كانت في المنام كحديث معاذ ابن جبل أتاني البارحة ربي في احسن صورة إلى آخره فهذا منام رآه في المدينة و كذلك ما شابههه كلها كانت في المدينة في المنام و المعراج كان بمكة بنص القرآن و اتفاق المسلمين و قد يروج على طائفة من الناس من الحديث ما هو اظهر كذبا من هذا مثل تواجد النبي صلى الله عليه و سلم حتى سقطت البردة عنه فهذا من الكذب الموضوع باتفاق أهل المعرفة و طافة يظنون هذا صدقا لما رواه محمد بن طاهر المقدسي فانه رواه في مسالة السماع و رواه أبو حفص السهرودي لكن قال يخالج سري أن هذا الحديث ليس دون اجتماع النبي صلى الله عليه و سلم بأصحابه و هذا الذي ظنه و خالج سره هو يقين عند غيره قد خالط قلبه فإن أهل العلم بالديث متفقون على أن هذا كذب على رسول الله صلى الله عليه و سلم و اعظم من هذا ظن طائفة أن أهل الصفة قاتلوا النبي صلى الله عليه و سلم و انه يجوز للأولياء قتال الأنبياء إذا كان الغدر عليهم و هذا مع انه من اعظم الكفر و الكذب فقد راج على كثير ممن ينتسب إلى الأحوال و المعارف و الحقائق و هم في الحقيقة لهم أحوال شيطانية و الشياطين التي تقترن بهم قد تخبرهم ببعض الغائبات و تفعل بعض

 

 

أغراضهم و تقضي بعض حوائجهم و يظن كثير من الناس انهم بذلك أولياء الله و إنما هم من أولياء الشياطين و كذلك قد يروج على كثير ممن ينتسب إلى السنة أحاديث يظنونها من السنة و هي كذب كالأحاديث المروية في فضائل عاشوراء غير الصوم و فضل الكحل فيه و الاغتسال و الحديث و الخضاب و المصافحة و توسعة النفقة على العيال فيه و نحو ذلك و ليس في عاشوراء حديث صحيح غير الصوم و كذلك ما يروى في فضل صلوات معينة فيه فهذا كله كذب موضوع باتفاق أهل المعرفة و لم ينقل هذه الأحاديث أحد من أئمة أهل العلم في كتبهم و لهذا لما سئل الإمام احمد عن الحديث الذي يروى من وسع على أهله يوم عاشوراء فقال لا اصل له و كذلك الأحاديث المروية في فضل رجب بخصوصه أو فضل صيامه أو صيام شيء منه أو فضل صلاة مخصوصة فيه كالرغائب كلها كذب مختلق و كذلك ما يروى في صلاة الأسبوع كصلاة يوم الأحد و الاثنين

 

 

و غيرهما كذب و كذلك ما يروى من الصلاة المقدرة ليلة النصف و أول ليلة جمعة من رجب أو ليلة سبع و عشرين منه و نحو ذلك كلها كذب و كذلك كل صلاة فيها الأمر بتقدير عدد الآيات أو السور أو التسبيح فهي كذب باتفاق أهل المعرفة بالحديث إلا صلاة التسبيح فان فيها قولين لهم و اظهر القولين إنها كذب و إن كان قد اعتقد صدقها طائفة من أهل العلم و لهذا لم يأخذها أحد من أئمة المسلمين بل احمد بن حنبل و أئمة الصحابة كرهوها و طعنوا في حديثها و إما مالك و أبو حنيفة و الشافعي و غيرهم فلم يسمعوها بالكلية و من يستحبها من أصحاب الشافعي و احمد و غيرهما فإنما هو اختيار منهم لا نقل عن الأئمة و أما ابن المبارك فلم يستحب الصفة المذكورة المأثورة التي فيها التسبيح قبل القيام بل استحب صفة أخرى توافق المشروع لئلا تثبت سنة بحديث لا اصل له و كذلك أيضا في كتب التفسير أشياء منقولة عن النبي صلى الله عليه و سلم يعلم أهل العلم بالحديث إنها كذب مثل حديث فضائل سور القرآن الذي يذكره الثعلبي و الواحدي في أول كل سورة و يذكره الزمخشري في آخر كل سورة و يعلمون أن اصح ما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم في فضائل السور أحاديث قل هو الله أحد و لهذا رواها أهل الصحيح فافرد

 

 

الحفاظ لها مصنفات كالحافظ أبي محمد الخلال وغيره ويعلمون أن الأحاديث المأثورة في فضل فاتحة الكتاب و آية الكرسي وخواتيم البقرة والمعوذتين أحاديث صحيحة فلهم فرقان يفرقون به بين الصدق والكذب و أما أحاديث سبب النزول فغالبها مرسل ليس بمسند ولهذا قال الإمام احمد بن حنبل ثلاث علوم لا إسناد لها وفي لفظ ليس لها اصل التفسير والمغازي والملاحم ويعني أن أحاديثها مرسلة والمراسيل قد تنازع الناس في قبولها وردها وحسب الأقوال أن منها المقبول ومنها المردود الموقوف فمن علم من حاله انه لا يرسل إلا عن ثقة قبل مرسله ومن عرف انه يرسل عن ثقة وغير الثقة كان إرساله رواية عمن لا يعرف حاله فهذا موقوف وما كان من المراسيل مخالفا لما رواه الثقات كان مردودا وإذا جاء المرسل من وجهين كل من الراويين اخذ العلم عن شيوخ الآخر فهذا مما يدل على صدقه فان مثل ذلك لا يتصور في العادة تماثل الخطأ فيه وتعمد الكذب كان هذا مما يعلم انه صدق فان المخبر إنما يؤتي من جهة تعمد الكذب ومن جهة

 

 

الخطأ فإذا كانت القصة مما يعلم انه لم يتواطأ فيه المخبران والعادة تمنع تماثلهما في الكذب عمدا والخطأ مثل أن تكون القصة طويلة فيها أقوال كثيرة رواها هذا مثل ما رواها هذا فهذا يعلم انه صدق وهذا ما يعلم به صدق محمد صلى الله عليه وسلم وموسى عليه السلام فان كلا منهما اخبر عن الله وملائكته وخلقه للعالم وقصة آدم ويوسف وغيرهما من قصص الأنبياء عليهم السلام بمثل ما اخبر به الآخر مع العلم بانه واحدا منهما لم يستفد ذلك من الآخر وانه يمتنع في العادة تماثل الخبرين الباطلين في مثل ذلك فان من اخبر بأخبار كثيرة مفصلة دقيقه عن مخبر معين لو كان مبطلا في خبره لاختلف خبره لامتناع أن مبطلا يختلق ذلك من غير تفاوت لا سيما في أمور لا تهتدي العقول إليها بل ذلك بين كلا إن كلا منهما اخبر بعلم وصدق وهذا مما يعلمه الناس من أحوالهم فلو جاء رجل من بلد إلى آخر واخبر عن حوادث مفصلة حدثت فيه تنتطم أقوالا وأفعالا مختلفة وجاء من علمنا انه لم يوطئه على الكذب فحكي مثل ذلك علم قطعا أن الأمر كان كذلك فان الكذب قد يقع في مثل ذلك لكن على سبيل المواطأة وتلقي بعضهم عن بعض كما يتوارث أهل الباطل المقالات الباطلة مثل مقالة النصارى والجهمية والرافضة ونحوهم فإنها وان كان يعلم بضرورة العقل إنها باطلة لكنها تلقاها بعضهم عن بعض

 

 

فلما تواظأوا عليها جاز اتفاقهم فيها على الباطل والجماعة الكثيرون يجوز اتفاقهم على جحد الضروريات على سبيل التواطؤ إما عمدا للكذب و إما خطأ في الاعتقاد و إما اتفاقهم على جحد الضروريات من دون هذا وهذا فممتنع.

*

فصل في الطرق التي يعلم بها كذب المنقول منها أن يروى خلاف ما علم بالتواتر والاستفاضة مثل أن نعلم أن مسيلمة الكذاب ادعى النبوة واتبعه طوائف كثيرة من بني حنيفة فكانوا مرتدين لايمانهم بهذا المتنبئ الكذاب وان أبا لؤلؤة قاتل ععر كان مجوسيا كافرا وان أبا الهرمزان كان مجوسيا اسلم وان أبا بكر كان يصلي بالناس مدة مرض الرسول صلى الله عليه وسلم ويخلفه بالإمامة بالناس لمرضه وان أبا بكر وعمر دفن في حجرة عائشة مع النبي صلى الله عليه وسلم ومثل ما يعلم من غزوات النبي صلى الله عليه وسلم التي كان فيها القتال كبدر واحد ثم الخندق ثم خيبر ثم فتح مكة ثم غزوة الطائف والتي لم يكن فيها قتال كغزوة تبوك وغيرها وما نزل من القران

 

في الغزوات كنزول الأنفال بسبب بدر ونزول آخر آل عمران بسبب أحد ونزول أولها بسبب نصارى نجران ونزول (سورة الحشر). بسبب بني النضير ونزول الأحزاب بسبب الخندق ونزول (سورة الفتح). بسبب صلح الحديبية ونزول براءة بسبب غزوة تبوك وغيرها و أمثال ذلك فإذا روى في الغزوات وما يتعلق بها ما يعلم انه خلاف الواقع علم انه كذب مثل ما يروي هذا الرافضي و أمثاله من الرافضة وغيرهم من الأكاذيب الباطلة الظاهرة في الغزوات كما تقدم التنبيه عليه ومثل أن يعلم نزول القران في أي وقت كان كما يعلم أن (سورة البقرة). وال عمران والنساء والمائدة و الأنفال وبراءة نزلت بعد الهجرة في المدينة وان الأنعام والأعراف ويونس وهود ويوسف والكهف وطه ومريم واقتربت الساعة وهل أتى على الإنسان وغير ذلك نزلت قبل الهجرة بمكة وان المعراج كان بمكة وان الصفة كانت بالمدينة وان أهل الصفة كانوا من جملة الصحابة الذين لم يقاتلوا النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكونوا ناسا معينين بل كانت الصفة منزلا ينزل بها من لا أهل له من الغرباء القادمين وممن دخل فيهم سعد بن أبي وقاص وأبو هريرة وغيرهما من صالحي المؤمنين وكالعرنيين الذين ارتدوا عن الإسلامفبعث النبي صلى الله عليه وسلم في آثارهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم وألقاهم في الحرة يستسقون فلا يسقون و أمثال ذلك من الأمور المعلومة فإذا روى الجاهل نقيض ذلك علم انه كذب ومن الطرق التي يعلم بها الكذب أن ينفرد الواحد والاثنان بما يعلم انه لو كان واقعا لتوفرت الهمم والدواعي على نقله فانه من المعلوم انه لو اخبر الواحد ببلد عظيم بقدر بغداد والشام وبغداد والعراق لعلمنا كذبه في ذلك لانه لو كان موجودا لأخبر به الناس

 

 

وكذلك لو اخبرنا بأنه تولى رجل بين عمر وعثمان أو تولى بين عثمان وعلي أو اخبرنا بان النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤذن له في العيد أو في صلاة الكسوف أو الاستسقاء أو انه كان يقام بمدينته يوم الجمةاكثر من جمعة واحدة أو يصلى يوم العيد اكثر من عيد واحد أو انه كان يصلي العيد بمنى يوم العيد أو أن أهل مكة كانوا يتمون الصلاة بعرفة ومزدلفة ومنى خلفه أو انه كان يجمع الصلاتين بمنى كما كان يقصر أو انه فرض صوم شهر آخر غير رمضان أو انه فرض صلاة سادسة وقت الضحى أو نصف الليل أو انه فرض حج بيت آخر غير الكعبة أو أن القران عارضه طائفة من العرب وعيرهم بكلام يشابهه ونحو هذه الأمور لكنا نعلم كذب هذا الكاذب فإنا نعلم انتفاء هذه الأمور بانتفاء لازمها فان هذه لو كانت مما يتوفر الهمم والدواعي على نقلها عامة لبني آدم وخاصة لامتنا شرعا فإذا لم ينقلها أحد من أهل العلم فضلا عن أن تتواتر علم إنها كذب ومن هذا الباب نقل النص على خلافة علي فإنا نعلم انه كذب من طرق كثيرة فان هذا النص لم ينقله أحد من أهل العلم بإسناد صحيح فضلا عن أن يكون متواترا ولا نقل أن أحدا ذكره على عهد

 

 

الخلفاء مع تنازع الناس في الخلافة وتشاورهم فيها يوم السقيفة وحين موت عمر وحين جعل الأمر شورى بينهم في ستة ثم لما قتل عثمان واختلف الناس على علي فمن المعلوم أن مثل هذا النص و لو كان كما تقوله الرافضة من انه نص على على نصا جليا قاطعا للعذر علمه المسلمون لكان من المعلوم بالضرورة انه لا بد أن ينقله الناس نقل مثله وانه لابد أن يذكره لكثير من الناس بل أكثرهم في مثل هذه المواطن التي تتوفر الهمم على ذكره فيها غاية التوفر فانتفاء ما يعلم انه لازم يقتضي انتفاء ما يعلم انه ملزوم ونظائر ذلك كثيرة ففي الجملة الكذب هو نقيض الصدق واحد النقيضين يعلم انتفاؤه تارة بثبوت نقيضه وتارة بما يدل على انتفائه بخصوصه والكلام مع الشيعة أكثره مبني على النقل فمن كان خبيرا بما وقع وبالأخبار الصادقة التي توجب العلم اليقيني علم انتفاء ما يناقض ذلك يقينا ولهذا ليس في أهل العلم بالأحاديث النبوية إلا ما يوجب العلم بفضل الشيخين وصحة إمامتهما وكذب ما تدعيه الرافضةثم كل من كان اعلم بالرسول وأحواله كان اعلم ببطلان مذهب الزيدية وغيرهم ممن يدعي نصا خفيا وان عليا كان افضل من الثلاثة أو يتوقف في التفضيل فان هؤلاء إنما وقعوا بالجهل المركب أو البسيط لضعف علمهم بما علمه أهل العلم بالأحاديث والآثار.

*

فصل واعلم انه ثم أحاديث آخر لم يذكرها هذا الرافضي لو كانت صحيحة لدلت على مقصوده وفيها ما هو أدل من بعض ما ذكره لكنها كلها كذب والناس قد رووا أحاديث مكذوبة في فضل أبي بكر وعمر وعثمان وعلى ومعاوية رضي الله عنهم وغيرهم لكن المكذوب في فضل علي اكثر لان الشيعة أجرا على الكذب من النواصب قال أبو الفرج بن الجوزي فضائل علي الصحيحة كثيرة غير أن الرافضة لم تقنع فوضعت له ما يضع لا ما يرفع وحوشيت حاشيته من الاحتياج إلى الباطل قال فاعلم أن الرافضة ثلاث أصناف صنف منهم سمعوا

 

أشياء من الحديث فوضعوا أحاديث وزادوا ونقصوا وصنف لم يسمعوا فتراهم يكذبون على جعفر الصادق ويقولون قال جعفر وقال فلان وصنف ثالث عوام جهله يقولون ما يريدون مما يسوغ في العقل ومما لا يسوغ فمن أماثل الموضوعات ما رواه ابن الجوزي من طريق النسائي في كتابه الذي وضعه في خصائص علي من حديث عبيد الله بن موسى حدثنا العلاء بن صالح عن المنهال بن عمرو عن عباد بن عبد الله الاسدي قال قال علي رضي الله عنه أنا عبد الله و أخو رسول الله و أنا الصديق الأكبر لا يقولها بعدي إلا كاذب صليت قبل الناس سبع سنين ورواه احمد في الفضائل وفي رواية له ولقد أسلمت قبل الناس بسبع سنين ورواه من حديث العلاء بن صالح أيضا عن المنهال بن عبادقال أبو الفرج هذا حديث موضوع والمتهم به عابد بن عبد الله قال علي بن المديني كان ضعيف الحديث وقال أبو الفرج حماد الازدي روى أحاديث لا يتابع عليها و إما المنهال فتركه شعبة قال أبو بكر الاثرم سألت أبا عبد الله عن حديث علي أنا عبد الله و أخو رسول الله فقال اضرب عليه فانه حديث منكر قلت وعباد يروي من طريقه عن علي ما يعلم انه كذب عليه قطعا مثل هذا الحديث فإننا نعلم أن عليا كان ابر واصدق واتقى لله من أن يكذب ويقول مثل هذا الكلام الذي هو كذب ظاهر معلوم بالضرورة انه كذب وما علمنا أنه كذب ظاهر لا يشتبه فقد علمنا أن عليا لم يقله لعلمنا بأنه اتقى الله من أن يتعمد هذا الكذب القبيح وانه ليس مما

 

 

يشتبه حتى يخطئ فيه فالناقل عنه إما متعمد الكذب و إما مخطئ غالط وليس قدح المبغض لعلي من الخوارج والمتعصبين لبني مروان وغيرهم مما يشككنا في صدقه وبره وتقواه كما انه ليس قدح الرافضة في أبي بكر وعمر بل وقدح الشيعة في عثمان لا يشككنا في العلم بعرقهم وبرهم وتقواهم بل نحن نجزم بان واحدا منهم لم يكن ممن يتعمد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا هو فيما دون ذلك فإذا كان المنقول عنه مما لا يغلط في مثله وقد علمنا انه كذب جزمنا بكذب الناقل متعمدا أو مخطئا مثل ما رواه عبد الله في المناقب حدثنا يحيى بن عبد الحميد حدثنا شريك عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن عباد بن عبد الله عن علي وحدثنا أبو خيثمة حدثنا الأسود بن عامر حدثنا شريك عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن عباد بن عبد الله الاسدي عن علي قال لما نزلت وانذر عشيرتك الاقربين دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم رجالا من أهل بيته إن كان الرجل منهم لأكلا جذعة وان كان شاربا فرقا إلى آخر الحديثوهذا كذب على علي رضي الله عنه لم يروه قط وكذبه ظاهر من وجوه وهذا الحديث رواه احمد في الفضائل حدثنا عثمان حدثنا أبو عوانة عن عثمان بن المغيرة عن أبي صادق عن ربيعة بن ناجز عن علي وهؤلاء يعلم انهم يروون الباطل وروى أبو الفرج من طريق اجلح عن سلمة بن كهيل عن حبة بن جوين قال سمعت عليا يقول أنا عبدت الله عز وجل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يعبده رجل من هذه الأمة خمس سنين أو سبع سنين قال أبو الفرج حبة لا يساوي حبة فانه كذاب قال يحيى ليس بشيء وقال السعدي غير ثقة وقال ابن حبان كان غاليا في التشيع واهيا في الحديث و إما الاجلح فقال احمد قد روى غير حديث منكر قال أبو حاتم الرازي لا يحتج به وقال بن حبان كان لا يدري ما يقول

 

 

قال أبو الفرج ومما يبطل هذه الأحاديث انه لا خلاف في تقدم إسلام خديجة وأبي بكر وزيد وان عمر اسلم في سنة ست من النبوة بعد أربعين رجلا فكيف يصح هذا وذكر حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنا الصديق الأكبر وهو مما عملته يد احمد بن نصر الذراع فانه كان كذابا يضع الحديث وحديثا فيه أنا أولهم إيمانا وأوفاهم بعهد الله و أقومهم بأمر الله و أقسمهم بالسوية و أعدلهم في الرعية و أبصرهم بالقضية قال وهو موضوع والمتهم به بشر بن إبراهيم قال بن عدي وابن حبان كان يضع الحديث على الثقات ورواه الابرازي الحسن بن عبيد الله عن إبراهيم بن سعيد الجوهري عن مأمون عن الرشيد قال وهذا الابرازي كان كذاباوذكر حديثا أنت أول من آمن بي وأنت أول من يصافحني يوم القيامة وأنت الصديق الأكبر وأنت الفاروق تفرق بين الحق والباطل وأنت يعسوب المؤمنين والمال يعسوب الكافرين أو يعسوب الظلمة قال وهذا حديث موضوع وفي طريقه الأول عباد بن يعقوب قال ابن حبان يروي المناكير عن المشاهير فاستحق الترك وفيه علي ابن هاشم قال ابن حبان كان يروي المناكير عن المشاهير وكان غاليا في التشيع وفيه محمد بن عبد الله قال يحيى ليس بشيء و إما الطريق الثاني ففيه أبو الصلت الهروي كان كذابا رافضيا خبيثا فقد اجتمع عباده وأبو الصلت في روايته والله اعلم بهما وأيهما سرقه من صاحبه قلت لعل الآفة فيه من محمد بن عبد الله وروي عن طريق ابن عباس وفيه عبد الله بن زاهر قال بن معين ليس بشيء لا يكتب عنه إنسان في خير قال أبو الفرج بن الجوزي كان غاليا في الرفض.

 

*

فصل و هنا طرق يمكن سلوكها لمن لم تكن له معرفة بالأخبار من الخاصة فان كثيرا من الخاصة فضلا عن العامة يتعذر عليه معرفة التمييز بين الصدق و الكذب من جهة الإسناد في اكثر ما يروى من الأخبار في هذا الباب و غيره و إنما يعرف ذلك علماء الحديث و لهذا عدل كثير من أهل الكلام و النظر عن معرفة الأخبار بالإسناد و أحوال الرجال لعجزهم عنها و سلكوا طريقا آخر و لكن تلك الطريق هي طريقة أهل العلم بالحديث العالمين بما بعث الله به رسوله و لكن نحن نذكر طريقا آخر فنقول نقدر أن الأخبار المتنازع فيها لم توجد أو لم يعلم أيها الصحيح و نترك الاستدلال بها في الطرفين و نرجع إلى ما هو معلوم بغير ذلك من التواتر و ما يعلم من العقول و العادات و ما دلت عليه النصوص المتفق عليها فنقول من المعلوم المتواتر عند الخاصة و العامة الذي لم يختلف فيه أهل العلم بالمنقولات و السير أن أبا بكر رضي الله عنه لم يطلب الخلافة لا برغبة و لا برهبة لا بذل فيها ما يرغب الناس به و لا شهر

 

عليهم سيفا يرهبهم به و لا كانت له قبيلة و لا موال تنصره و تقيمه في ذلك كما جرت عادة الملوك أن أقاربهم و مواليهم يعاونونهم و لا طلبها أيضا بلسانه و لا قال بايعوني بل أمر بمبايعة عمر و أبي عبيدة و من تخلف عن بيعته كسعد بن عبادة لم يؤذه و لا اكرهه على المبايعة و لا منعه حقا له و لا حرك عليهم ساكنا و هذا غاية في عدم إكراه الناس على المبايعة ثم إن المسلمين بايعوه و دخلوا في طاعته و الذين بايعوه هم الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه و سلم تحت الشجرة و هم السابقون الأولون من المهاجرين و الأنصار و الذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم و رضوا عنه و هم أهل الإيمان و الهجرة و الجهاد و لم يتخلف عن بيعته إلا سعد بن عبادة و إما علي و سائر بني هاشم فلا خلاف بين الناس انهم بايعوه لكن تخلف فانه كان يريد الإمرة لنفسه رضي الله عنهم أجمعين ثم انه في مدة ولايته قاتل بهم المرتدين و المشركين لم يقاتل

 

 

مسلمين بل أعاد الأمر إلى ما كان عليه قبل الردة و اخذ يزيد الإسلام فتوحا و شرع في قتال فارس و الروم و مات و المسلمون محاصرو دمشق و خرج منها ازهد مما دخل فيها لم يستأثر عنهم بشيء و لا أمر له قرابة ثم ولي عليهم عمر بن الخطاب ففتح الأمصار و قهر الكفار و اعز أهل الإيمان و أذل أهل النفاق و العدوان و نشر الإسلام و الدين و بسط العدل في العالمين و وضع ديوان الخراج و العطاء لأهل الدين و مصر الأمصار للمسلمين و خرج منها ازهد مما دخل فيها لم يتلوث لهم بمال و لا ولى أحدا من أقاربه ولاية فهذا أمر يعرفه كل أحد و إما عثمان فانه بنى على أمر قد استقر قبله بسكينة و حلم و هدى و رحمة و كرم و لم يكن فيه قوة عمر و لا سياسته و لا فيه كمال عدله و زهده فطمع فيه بعض الطمع و توسعوا في الدنيا و ادخل من أقاربه في الولاية و المال و دخلت بسبب أقاربه في الولايات و الأموال أمور أنكرت عليه فتولد من رغبة بعض الناس في الدنيا و ضعف

 

 

خوفهم من الله و منه و من ضعفه هو و ما حصل من أقاربه في الولاية و المال ما أوجب الفتنة حتى قتل مظلوما شهيدا و تولى علي على اثر ذلك و الفتنة قائمة و هو عند كثير منهم متلطخ بدم عثمان و الله يعلم براءته مما نسبه إليه الكاذبون عليه المبغضون لغيره من الصحابة فان عليا لم يعن على قتل عثمان و لا رضي به كما ثبت عنه و هو الصادق انه قال ذلك فلم تصف له قلوب كثير منهم و لا أمكنه هو قهرهم حتى يطيعوه و لا اقتضى رأيه أن يكف عن القتال حتى ينظر ما يؤول إليه الأمر بل اقتضى رأيه القتال و ظن انه به تحصل الطاعة و الجماعة فما زاد الأمر إلا شدة و جانبه إلا ضعفا و جانب من حاربه إلا قوة و الأمة إلا افتراقا حتى كان في آخر أمره يطلب هو أن يكف عنه من قاتله كما كان في أول الأمر يطلب منه الكف و ضعفت خلافة النبوة ضعفا أوجب أن تصير ملكا فأقامها معاوية ملكا برحمة و حلم كما في الحديث المأثور تكون نبوة و رحمة ثمتكون خلافة نبوة و رحمة ثم يكون ملك و رحمة ثم يكون ملك و لم يتول أحد من الملوك خيرا من معاوية فهو خير ملوك الإسلام و سيرته خير من سيرة سائر الملوك بعده و على آخر الخلفاء الراشدين الذين هم ولايتهم خلافة نبوة ورحمة وةكل من الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم يشهد له بأنه من افضل أولياء الله المتقين بل هؤلاء الأربعة افضل خلق الله بعد النبيين لكن إذا جاء القادح فقال في أبي بكر و عمر انهما كانا ظالمين متعدين طمالبين للرئاسه مانعين للحقوق وإنهما كانا من احرص الناس على الرئاسة و انهما و من أعانهما ظلموا الخليفة المستحق المنصوص عليه من جهة الرسول و انهم منعوا أهل البيت ميراثهم و انهما كانا من احرص الناس على الرئاسة و الولاية

 

 

الباطلة مع ما قد عرف من سيرتهما كان من المعلوم أن هذا الظن لو كان حقا فهو أولى بمن قاتل عليها حتى غلب و سفكت الدماء بسبب المنازعة التي بينه و بين منازعه و لم يحصل بالقتال لا مصلحة الدين و لا مصلحة الدنيا و لا قوتل في خلافته كافر و لا فرح مسلم فان عليا لا يفرح بالفتنة بين المسلمين و شيعته لم تفرح بها لأنها لم تغلب و الذين قاتلوه لم يزالوا أيضا في كرب و شدة و إذا كنا ندفع من يقدح في علي من الخوارج مع ظهور هذه الشبهة فلان ندفع من يقدح في أبي بكر و عمر بطريق الأولى و الأحرى و إن جاز أن يظن بابي بكر انه كان قاصدا للرئاسة بالباطل مع انه لم يعرف منه إلا ضد ذلك فالظن بمن قاتل على الولاية و لم يحصل له مقصوده أولى و أحرى فإذا ضرب مثل هذا و هذا بإمامي مسجد و شيخي مكان أو مدرسي مدرسة كانت العقول كلها تقول أن هذا ابعد عن طلب الرئاسة و اقرب إلى قصد الدين و الخير فإذا كنا نظن بعلي انه كان قاصدا للحق و الدين و غير مريد علوا في الأرض و لا فسادا فظن ذلك بابي بكر و عمر رضي الله عنهما أولى و أحرى

 

 

وان ظن ظان بابي بكر انه كان يريد العلو في الأرض والفساد فهذا الظن بعلي اجدر و أولى إما أن يقال أن أبا بكر كان يريد العلو في الأرض والفساد وعلي لم يكن يريد علوا في الأرض ولا فسادا مع ظهور السيرتين فهذا مكابرة وليس فيما تواتر من السيرتين ما يدل على ذلك بل المتواتر من السيرتين يدل على أن سيرة أبي بكر افضل ولهذا كان الذين ادعوا هذا لعلي احالوا على ما لم يعرف وقالوا ثم نص على خلافته كتم وثم عداوة باطنة لم تظهر بسببها منع حقه ونحن الآن مقصودنا أن نذكر ما علم وتيقن وتواتر عند العامة والخاصة و إما ما يذكر من منقول يدفعه جمهور الناس ومن ظنون سوء لا يقوم عليها دليل بل نعلم فسادها فالمحتج بذلك ممن يتبع الظن وما تهوى الأنفس وهو من جنس الكفار وأهل الباطل وهي مقابلة بالأحاديث من الطرق الآخر ونحن لم نحتج بالأخبار التي رويت من الطرفين فكيف بالظن الذي لا يغني من الحق شيئا فالمعلوم المتيقن المتواتر عند العام والخاص أن أبا بكر كان ابعد عن إرادة العلو والفساد من عمر وعلي فضلا عن علي وحده وانه كان أولى بإرادة وجه الله تعالى وصلاح المسلمين من الثلاثة

 

 

بعده فضلا عن علي وانه كان اكمل عقلا ودينا وسياسة من الثلاثة وان ولايته الأمة خير من ولاية علي وان منفعته للمسلمين في دينهم ودنياهم اعظم من منفعة علي رضي الله عنهم أجمعين وإذا كنا نعتقد انه كان مجتهدا مريدا وجه الله بما فعل وان ما تركه من المصلحة كان عاجزا عنه وما حصل من المفسدة كان عاجزا عن دفعه وانه لم يكن مريدا للعلو في الأرض ولا الفساد كان هذا الاعتقاد بابي بكر وعمر أولى واخلق وأحرى فهذا وجه لا يقدر أحد أن يعارضه إلا بما يظن انه نقل خاص كالنقل لفضائل علي ولما يقتضي انه أولى بالإمامة أو أن إمامته منصوص عليها وحينئذ فيعارض هذا بنقل الخاصة الذين هم اصدق واكثر لفضائل الصديق التي تقتضي انه أولى بالإمامة وان النصوص إنما دلت عليه فما من حجة يسلكها الشيعي إلا وبازائها للسني حجة من جنسها أولى منها فان السنة في الإسلام كالإسلام في الملل فما من حجة يسلكها كتابي إلا وللمسلم فيها ما هو أحق بالاتباع منها قال تعالى ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق واحسن تفسيرا

 

 

لكن صاحب الهوى الذي له غرض في جهة إذا وجه له المخالف لهواه ثقل عليه سمعه واتباعه قال تعالى ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن وهنا طريق آخر وهو أن يقال دواعي المسلمين بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم كانت متوجهة إلى اتباع الحق وليس لهم ما يصرفهم عنه وهم قادرون على ذلك فإذا حصل الداعي إلى الحق وانتفى الصارف مع القدرة وجب الفعل فعلم أن المسلمين اتبعوا فيما فعلوه الحق وذلك انهم خير الأمم وقد اكمل الله لهم الدين و أتم عليهم النعمة ولم يكن عند الصديق غرض دنيوي يقدمونه لأجله ولا عند علي غرض دنيوي يأخرونه لأجله بل لو فعلوا بموجب الطبع لقدموا عليا وكانت الأنصار لو اتبعت الهوى أن تتبع رجلا من بني هاشم احب إليها من أن تتبع رجلا من بني تيم وكذلك عامة قبائل قريش لا سيما بنو عبد مناف وبنو مخزوم فان طاعتهم لمنافي كانت احب إليهم من طاعه تيمي لو اتبعوا الهوى وكان أبو سفيان بن حرب و أمثاله يختارون تقديم علي وقد روي أن أبا سفيان طلب من علي أن يتولى لأجل القرابة التي بينهما وقد قال أبو قحافة لما قيل له أن ابنك تولى قال أو رضيت بذلك بنو عبد مناف وبنو مخزوم قالوا نعم فعجب من ذلك لعلمه

 

 

بأن بني تيم كانوا من اضعف القبائل وان إشراف قريش كانت من تينك القبيلتين وهذا و أمثاله مما إذا تدبره العاقل علم انهم لم يقدموا أبا بكر إلا لتقديم الله ورسوله لانه كان خيرهم وسيدهم واحبهم إلى الله ورسوله فان الإسلام إنما يقدم بالتقوى لا بالنسب وأبو بكر كان اتقاهم وهنا طريق آخر وهو انه تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم أن خير هذه الأمة القرن الأول ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم وهذه الأمة هي خير الأمم كما دل عليها الكتاب والسنة وأيضا فانه من تأمل أحوال المسلمين في خلافة بني أمية فضلا عن زمن الخلفاء الراشدين علم أن أهل ذلك الزمان كان خيرا وافضل من أهل هذا الزمان وان الإسلام كان في زمنهم أقوى واظهر فان كان القرن الأول قد جحدوا حق الإمام المنصوص عليه المولى عليهم ومنعوا أهل بيت نبيهم ميراثهم وولوا فاسقا وظالما ومنعوا عادلا عالما مع علمهم بالحق فهؤلاء من شر الخلق وهذه الأمة شر الأمم لان هذا فعل خيارها فكيف بفعل شرارها وهنا طريق آخر وهو انه قد عرف بالتواتر الذي لا يخفى على العامة والخاصة أن أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم كان لهم بالنبي صلى

 

 

الله عليه وسلم اختصاص عظيم وكانوا من اعظم الناس اختصاصا به وصحبة له وقربا إليه واتصالا به وقد صاهرهم كلهم وما عرف عنه انه كان يذمهم ولا يلعنهم بل المعروف عنه انه كان يحبهم ويثني عليهم وحينئذ فإما أن يكونوا على الاستقامة ظاهرا وباطنا في حياته وبعد موته و إما أن يكونوا بخلاف ذلك في حياته أو بعد موته فان كانوا على غير الاستقامة مع هذا التقرب فأحد الأمرين لازم إما عدم علمه بأحوالهم أو مداهنته لهم وأيهما كان فهو اعظم القدح في الرسول صلى الله عليه وسلم كما قيل فان كنت لا تدري فتلك مصيبة وان كنت تدري فالمصيبة اعظم وان كانوا انحرفوا بعد الاستقامة فهذا خذلان من الله للرسول في خواص أمته و أكابر أصحابه و من قد اخبر بما سيكون بعد ذلك أين كان عن علم ذلك و أين الاحتياط للامة حتى لا يولي مثل هذا أمرها و من وعد أن يظهر دينه على الدين كله فكيف يكون أكابر خواصه مرتدين فهذا و نحوه من اعظم ما يقدح به الرافضة في الرسول كما قال مالك و غيره إنما أراد هؤلاء الرافضة الطعن في الرسول ليقول القائل رجل سوء كان له أصحاب سوء و لو كان رجلا صالحا لكان أصحابه صالحين و لهذا قال أهل العلم أن الرافضة دسيسة الزندقة و انه وضع عليها و طريق آخر أن يقال الأسباب الموجبة لعلي أن كان هو المستحق

 

 

قوية و الصوارف منتفية و القدرة حاصلة و مع وجود الداعي و القدرة و انتفاء الصارف يجب الفعل و ذلك أن عليا هو ابن عم نبيهم و من أفضلهم نسبا و لم يكن بينه و بين أحد عداوة لا عداوة نسب و لا إسلام بأن يقول القائل قتل أقاربهم في الجاهلية و هذا المعنى منتف في الأنصار فانهم لم يقتل أحدا من أقاربهم و لهم الشوكة و لم يقتل من بني تيم و لا عدي و لا كثير من القبائل أحدا و القبائل التي قتل منها كبني عبد مناف كانت تواليه و تختار ولايته لانه إليها اقرب فإذا كان النبي صلى الله عليه و سلم نص على ولايته أو كان هو الأفضل المستحق لها لم يكن هذا مما يخفى عليهم و علمهم بذلك يوجب انبعاث إرادتهم إلى ولايته إذا لم يكن هناك صارف يمنع و الأسباب كانت مساعدة لهذا الداعي و لا معارض لها و لا صارف أصلا و لو قدر أن الصارف كان في نفر قليل فجمهور المسلمين لم يكن لهم فيها صارف يصرفهم عنه بل هم قادرون على ولايته و لو قالت الأنصار علي أحق بها من سعد و من أبي بكر ما أمكن أولئك

 

 

النفر من المهاجرين أن يدافعوهم و قام اكثر الناس مع علي لا سيما و كان جمهور الذين في قلوبهم مرض يبغضون عمر لشدته عليهم و بغض الكفار و المنافقين لعمر اعظم من بغضهم لعلي بما لا نسبة بينهما بل لم يعرف أن عليا كان يبغضه الكفار و المنافقون إلا كما يبغضون أمثاله بخلاف عمر فانه كان شديدا عليهم و كان من القياس أن ينفروا عن جهة فيها عمر و لهذا لما استخلفه أبو بكر كره خلافته طائفة حتى قال طلحة ماذا تقول لربك إذا وليت علينا فظا غليظا فقال أبالله تخوفني أقول و ليت عليهم خير اهلك فإذا كان أهل الحق مع علي و أهل الباطل مع علي فمن الذي يغلبه إذا كان الحق معه و هب انهم إذا قاموا لم يغلبوا إما كانت الدواعي المعروفة في مثل ذلك توجب أن يجري في ذلك قيل و قال و نوع من الجدال أوليس ذلك أولى بالكلام فيه من الكلام في ولاية سعد فإذا كانت الأنصار بشبهة لا اصل لها طمعوا أن يتآمر سعد فمكن يكون فيهم المحق و نص الرسول الجلي كيف لا يكون أعوانه اطمع في الحق فإذا كان لم ينبز متكلم منهم بكلمة واحدة في ذلك و لم يدع داع إلى علي

 

 

لا هو و لا غيره و استمر الأمر على ذلك إلى أن بويع له بعد مقتل عثمان فحينئذ قام هو و أعوانه فطلبوا و قاتلوا و لم يسكتوا حتى كادوا يغلبوا علم بالاضطرار أن سكوتهم أولا كان لعدم المقتضى لا لوجود المانع و أن القوم لم يكن عندهم علم بان عليا هو الأحق فضلا عن نص جلي و انه لما بدا لهم استحقاقه قاموا معه مع وجود المانع و قد كان أبو بكر رضي الله عنه أبعدهم عن الممانعة من معاوية بكثير كثير لو كان لعلي حق فان أبا بكر لم يدع إلى نفسه و لا ارغب و لا ارهب و لا كان طالبا للرئاسة بوجه من الوجوه و لا كان في أول الأمر يمكن أحدا القدح في علي كما أمكن ذلك بعد مقتل عثمان فانه حينئذ نسبه كثير من شيعة عثمان إلى انه أعان على قتله و بعضهم يقول خذله و كان قتلة عثمان في عسكره و كان هذا من الأمور التي منعت كثيرا من مبايعته و هذه الصوارف كانت منتفية في أول الأمر فكان جنده اعظم و حقه إذا ذاك لو كان مستحقا اظهر و منازعوه اضعف داعيا و اضعف قوة و ليس هناك داع قوي يدعوا إلى منعه كما كان بعد مقتل عثمان و لا جند يجمع علي مقاتلته كما كان بعد مقتل عثمان

 

 

و هذه الأمور و أمثالها من تأملها تبين له انتفاء استحقاقه إذا ذاك بيانا لا يمكنه دفعه عن نفسه فلو تبين أن الحق لعلي و طلبه علي لكان أبو بكر إما أن يسلم إليه و إما أن يجامله و إما أن يعتذر إليه و لو قام أبو بكر و هو ظالم يدافع عليا و هو محق لكانت الشريعة و العادة و العقل توجب أن يكون الناس مع علي المحق المعصوم على أبي بكر المعتدي الظلوم لو كان الأمر كذلك لا سيما و النفوس تنفر عن مبايعة من ليس من بيت الولاية اعظم من نفرتها عن مبايعته أهل بيت المطاع فالدواعي لعلي من كل وجه كانت اعظم و اكثر لو كان أحق و هي عن أبي بكر من كل وجه كانت ابعد لو كان ظالما لكن لما كان المقتضي مع أبي بكر و هو دين الله قويا و الإسلام في جدته و طراوته و إقباله كان اتقى لله إلا يصرفوا الحق عمن يعلمون انه الأحق إلى غيره و لو كان لبعضهم هوى مع الغير و إما أبو بكر فلم يكن لأحد معه هوى إلا هوى الدين الذي يحبه الله و يرضاه فهذه الأمور و أمثالها من تدبرها علم بالاضطرار أن القوم علموا أن أبا بكر هو الأحق بخلافة النبوة و أن ولايته أرضى لله و رسوله فبايعوه

 

 

و أن لم يكن ذلك لزم أن يعرفوا و يحرفوا و كلاهما ممتنع عادة و دينا و الأسباب متعددة فهذا المعلوم اليقيني لا يندفع بأخبار لا يعلم صحتها فكيف إذا علم كذبها و ألفاظ لا تعلم دلالتها و مقاييس فكيف إذا علم انتفاء دلالتها و مقاييس لا نظام لها يعارضها من المعقول و المنقول الثابت الإسناد المعلوم المدلول ما هو أقوى و أولى بالحق و أحرى و هؤلاء الرافضة الذين يدفعون الحق المعلوم يقينا بطرق كثيرة علما لا يقبل النقيض بشبه في غاية الضعف هم من اعظم الطوائف الذين في قلوبهم الزيغ الذين يتبعون المتشابه و يدعون المحكم كالنصارى و الجهمية و أمثالهم من أهل البدع و الأهواء الذين يدعون النصوص الصحيحة التي توجب العلم و يعارضونها بشبه لا تفيد إلا الشك لو تعرض لم تثبت و هذا في المنقولات سفسطة كالسفسطة في العقليات و هو القدح فيما علم بالحس و العقل بشبه تعارض ذلك فمن أراد أن يدفع العلم اليقيني المستقر في القلوب بالشبه فقد سلك مسلك السفسطة فان السفسطة أنواع أحدها النفي و الجحد و التكذيب إما بالوجود و إما بالعلم به و الثاني الشك و الريب و هذه طريقة اللاأدرية الذين يقولون لا ندري فلا يثبتون و لا ينفون لكنهم في الحقيقة قد نفوا العلم و هو نوع

 

 

من النفي فعادت السفسطة إلى جحد الحق المعلوم أو جحد العلم به الثالث قول من يجعل الحقائق تبعا للعقائد فيقول من اعتقد العالم قديما فهو قديم و من اعتقده محدثا فهو محدث و إذا أريد بذلك انه قديم عنده و محدث عنده فهذا صحيح فان هذا هو اعتقاده لكن السفسطة أن يراد انه كذلك في الخارج و إذا كان كذلك فالقدح فيما علم من أحوال الرسول صلى الله عليه و سلم مع الخلفاء الثلاثة و ما علم من سيرتهم بعده بأخبار يرويها الرافضة يكذبهم فيها جماهير الأمة من اعظم السفسطة و من روى لمعاوية و أصحابه من الفضائل ما يوجب تقديمه على علي و أصحابه كان كاذبا مبطلا مسفسطا و مع هذا فكذب الرافضة الذين يروون ما يقدح في إيمان الخلفاء الثلاثة و يوجب عصمة علي اعظم من كذب من يروي ما يفضل به معاوية على علي و سفسطتهم اكثر فان ظهور إيمان الثلاثة اعظم من ظهور فضل على علي معاوية من وجوه كثيرة و إثبات عصمة علي ابعد عن الحق من إثبات فضل معاوية

 

 

ثم خلافة أبي بكر و عمر هي من كمال نبوة محمد صلى الله عليه و سلم و رسالته و مما يظهر انه رسول حق ليس ملكا من الملوك فان عادة الملوك إيثار أقاربهم بالولايات لوجوه أحدها محبتهم لأقاربهم اكثر من الجانب لما في الطباع من ميل الإنسان إلى قرابته و الثاني لان أقاربهم يريدون إقامة ملكهم ما لا يريده الأجنبي لان في عز قريب الإنسان عز لنفسه و من لم يكن له أقارب من الملوك استعان بممالكه و مواليه فقربهم و استعان بهم و هذا موجود في ملوك المسلمين و الكفار و لهذا لما كان ملوك بنو أمية و بنو العباس ملوكا كانوا يريدون أقاربهم و مواليهم بالولايات اكثر من غيرهم و كان ذلك مما يقيمون به ملكهم و كذلك ملوك الطوائف كبني بويه و بني سلجق و سائر الملوك بالشرق و الغرب و الشام و اليمن و غير ذلك و هكذا ملوك الكفار من أهل الكتاب و المشركين كما يوجد في ملوك الفرنج و غيرهم و كما يوجد في آل جنكشخان بان الملوك تبقى في أقارب الملك و يقولون هذا من العظم و هذا ليس من العظم أي من أقارب الملك و إذا كان كذلك فتوليه أبي بكر و عمر بعد النبي صلى الله عليه و سلم دون عمه العباس و بني عمه على و عقيل و ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب

 

 

و أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب و غيرهم و دون سائر بني عبد مناف كعثمان بن عفان و خالد بن سعيد بن العاص و إبان بن سعيد بن العاص و غيرهم من بني عبد مناف الذين كانوا اجل قريش قدرا و اقرب نسبا إلى النبي صلى الله عليه و سلم من اعظم الأدلة على أن محمدا عبد الله و رسوله و انه ليس ملكا حيث لم يقدم في خلافته أحدا لا بقرب نسب منه و لا بشرف بيته بل إنما قدم بالإيمان و التقوى و دل ذلك على أن محمدا صلى الله عليه و سلم و أمته من بعده إنما يعبدون الله و يطيعون أمره لا يريدون ما يريده غيرهم من العلو في الأرض و لا يريدون أيضا ما أبيح لبعض الأنبياء من الملك فان الله خير محمدا بين أن يكون عبدا رسولا و بين أن يكون ملكا نبيا فاختار أن يكون عبدا رسولا و تولية أبي بكر و عمر بعده من تمام ذلك فانه لو قدم أحدا من أهل بيته لكانت شبهة لمن يظن انه كان ملكا كما انه لو ورث مالا لورثته لكانت شبهة لمن يظن انه جمع المال لورثته فلما لم يستخلف أحدا من أهل بيته و لا خلف لهم مالا كان هذا مما يبين انه كان من ابعد الناس عن طلب الرياسة و المال و أن كان ذلك مباحا و انه لم يكن من الملوك الأنبياء بل كان عبد الله و رسولهكما قال صلى الله عليه و سلم في الحديث الصحيح إني و الله لا أعطي أحدا و لا امنع أحدا و إنما أنا قاسم أضع حيث أمرت و قال أن ربي خيرني بين أن أكون عبدا رسولا أو نبيا ملكا فقلت بل عبدا رسولا و إذا كان هذا مما دل على تنزيهه عن كونه من ملوك الأنبياء فدلالة ذلك على نبوته و نزاهته عن الكذب و الظلم اعظم و اعظم و لو تولى بعده علي أو واحد من أهل بيته لم تحصل هذه المصالح و الالطافات العظيمة و أيضا فانه من المعلوم أن الإسلام في زمن علي كان اظهر و اكثر مما كان في خلافة أبي بكر و عمر و كان الذين قاتلهم علي ابعد عن الكفر من

 

 

الذين قاتلهم أبو بكر و عمر فان أبا بكر قاتل المرتدين و أهل الكتاب مع ما حصل للمسلمين بموت النبي صلى الله عليه و سلم من الضعف العظيم و ما حصل من الارتداد لأكثر البوادي و ضعف قلوب أهل الأمصار و شك كثيرهم في جهاد مانعي الزكاة و غيرهم ثم عمر تولى قتال أمتين عظيمتين لم يكن في العادة المعروفة أن أهل الحجاز و اليمن يقهرونهم و هما فارس و الروم فقهرهم و فتح بلادهم و تمم عثمان ما تمم من فتح المشرق و المغرب ثم فتح بعد ذلك في خلافة بني أمية ما فتح بالمشرق و المغرب كما وراء النهر و الأندلس و غيرهما مما فتح في خلافة عبد الملك فمعلوم انه لو تولى غير أبي بكر و عمر موت النبي صلى الله عليه و سلم مثل علي أو عثمان لم يمكنه أن يفعل ما فعلا فان عثمان لم يفعل ما فعلا مع قوة الإسلام في زمانه و علي كان اعجز من عثمان و كان اعوانه اكثر من أعوانهما و عدوه اقل و اقرب إلى الإسلام من عدوهما و مع هذا فلم يقهر عدوه فكيف كان يمكنه قهر المرتدين و قهر فارس و الروم مع قلة الأعوان و قوة العدو و هذا مما يبين فضل أبي بكر و عمر و تمام نعمة الله بهما على محمد صلى الله عليه و سلم و على الناس بعده و أن من اعظم نعم الله تولية

 

 

أبي بكر و عمر بعد النبي صلى الله عليه و سلم فانه لو تولى غيرهما كان لم يفعل ما فعلا إما لعدم القدرة و إما لعدم الإرادة فانه إذا قيل لم لم يغلب علي معاوية و أصحابه فلا بد أن يكون سبب ذلك إما عدم كمال القدرة و إما عدم كمال الإرادة و إلا فمع كمال القدرة و كمال الإرادة يجب وجود الفعل و من تمام القدرة طاعة الاتباع له و من تمام الإرادة ما هو الأصلح الأنفع الأرضى لله و لرسوله و أبو بكر و عمر كانت قدرتهما اكمل و إرادتهما افضل فبهذا نصر الله بهما الإسلام و أذل بهما الكفر و النفاق و علي رضي الله عنه لم يؤت من كمال القدرة و الإرادة ما أوتيا و الله تعالى كما فضل بعض النبيين على بعض فضل بعض الخلفاء على بعض فلما لم يؤت ما أوتيا لم يمكنه أن يفعل في خلافته ما فعلا و حينئذ فكان عن ذلك بموت النبي صلى الله عليه و سلم اعجز و اعجز فانه على أي وجه قدر ذلك فان غاية ما يقول المتشيع أن اتباعه لم يكونوا يطيعونه فيقال إذا كان الذين بايعوه لم يطيعوه فكيف يطيعه من لم يبايعه و إذا قيل لو بايعوه بعد موت النبي صلى الله عليه و سلم لفعل بهم اعظم مما فعل أبو بكر و عمر

 

 

فيقال قد بايعه اكثر ممن بايع أبا بكر و عمر و نحوهما و عدوه اضعف و اقرب إلى الإسلام من عدو أبي بكر و عمر و لم يفعل ما يشبه فعلهما فضلا عن أن يفعل افضل منه و إذا قال القائل أن اتباع أبي بكر و عمر رضي الله عنهما اعظم إيمانا و تقوى فنصرهم الله لذلك قيل هذا يدل على فساد قول الرافضة فانهم يقولون أن اتباع أبي بكر و عمر كانوا مرتدين أو فاسقين و إذا كان نصرهم و تأييدهم لإيمانهم و تقواهم دل ذلك على أن الذين بايعوهما افضل من الشيعة الذين بايعوا عليا و إذا كان المقرون بإمامتهما افضل من المقرين بإمامة علي دل ذلك على انهما افضل منه و أن قالوا أن عليا إنما لم ينتصر لان اتباعه كانوا يبغضونه و يختلفون عليه قيل هذا أيضا يدل على فساد قول الشيعة أن الذين بايعوا عليا و اقروا بإمامته افضل ممن بايع أبا بكر و عمر و اقر بإمامتهما فإذا كان أولئك الشيعة الذين بايعوا عليا عصاة للإمام المعصوم كانوا من اشر

 

 

الناس فلا يكون في الشيعة طائفة محمودة أصلا ولا طائفة ينتصر بها على العدو فيمتنع أن يكون علي مع الشيعة قادرا على قهر الكفار وبالجملة فلا بد من كمال حال أبي بكر وعمر واتباعهما فالنقص الذي حصل في خلافة علي من إضافة ذلك إما إلى الإمام و إما إلى اتباعه و إما إلى المجموع وعلى كل تقدير فيلزم أن يكون أبي بكر وعمر واتباعهما افضل من علي وإتباعه فانه أن كان سبب الكمال والنقص من الإمام ظهر فضلهما عليه وان كان من اتباعه كان المقرون بإمامتها أفضل من المقرين بإمامته فتكون أهل السنة افضل من الشيعة وذلك يستلزم كونهما افضل منه لان ما امتاز به الأفضل افضل مما امتاز به المفضول وهذا بين لمن تدبره فان الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم وقاتلوا معهم هم افضل من الذين بايعوا عليا وقاتلوا معه فان أولئك فيهم من عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه

 

 

وعامة السابقين الأولين عاشوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم إنما توفى منهم أو قتل في حياته قليل منهم والذين بايعوا عليا كان فيهم من السابقين والتابعين بإحسان بعض من بايع أبا بكر وعمر وعثمان و إما سائرهم فمنهم من لم يبايعه ولم يقاتل معه كسعد بن أبي وقاص و أسامة بن زيد وابن عمر ومحمد بن مسلمة وزيد بن ثابت وأبي هريرة و أمثال هؤلاء من السابقين والذين اتبعوهم بإحسان ومنهم من قاتله كالذين كانوا مع طلحة والزبير وعائشة و معاوية من السابقين والتابعين وإذا كان الذين بايعوا الثلاثة وقاتلوا معهم افضل من الذين بايعوا عليا وقاتلوا معه لزم أن يكون كل من الثلاثة افضل لان عليا كان موجودا على عهد الثلاثة فلو كان هو المستحق للإمامة دون غيره كما تقوله الرافضة أو كان افضل و أحق بها كما يقوله من يقوله من الشيعة لكان افضل الخلق قد عدلوا عما أمرهم الله به ورسوله به إلى ما لم يؤمروا به بل ما نهوا عنه وكان الذين بايعوا عليا وقاتلوا معه فعلوا ما أمروا به ومعلوم أن من فعل ما أمر الله به ورسوله كان افضل ممن تركه وفعل ما نهى الله عنه ورسوله فلزم لو كان قول الشيعة حقا أن يكون اتباع علي

 

 

افضل وإذا كانوا هم أفضل وإمامهم افضل من الثلاثة لزم أن يكون ما فعلوه من الخير افضل مما فعله الثلاثة وهذا خلاف المعلوم بالاضطرار الذي تواترت به الأخبار وعلمته البوادي والحضار فانه في عهد الثلاثة جرى من ظهور الإسلام وعلوه وانتشاره ونموه وانتصاره وعزه وقمع المرتدين وقهر الكفار من أهل الكتاب والمجوس وغيرهم ما لم يجر بعدهم مثله وعلي رضي الله عنه فضله الله وشرفه بسوابقه الحميدة وفضائله العديدة لا بما جرى في زمن خلافته من الحوادث بخلاف أبي بكر وعمر وعثمان فانهم فضلوا مع السوابق الحميدة والفضائل العديدة بما جرى في خلافتهم من الجهاد في سبيل الله و إنفاق كنوز كسرى وقيصر وغير ذلك من الحوادث المشكورة والأعمال المبرورة وكان أبو بكر وعمر افضل سيرة واشرف سريرة من عثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين فلهذا كانا ابعد عن الملام و أولى بالثناء العام حتى لم يقع في زمنهما شيء من الفتن فلم يكن للخوارج في زمنهما لا قول مأثور ولا سيف مشهور بل كان كل سيوف المسلمين مسلولة على الكفار وأهل الإيمان في إقبال وأهل الكفر في إدبار

 

 

ثم أن الرافضة أو أكثرهم لفرط جهلهم وضلالهم يقولون انهم ومن اتبعهم كانوا كفارا مرتدين وان اليهود والنصارى كانوا خيرا منهم لان الكافر الأصلي خير من المرتد وقد رأيت هذا في عدة من كتبهم وهذا القول من اعظم الأقوال افتراء على أولياء الله المتقين وحزب الله المفلحين وجند الله الغالبين ومن الدلائل الدالة على فساده أن يقال من المعلوم بالاضطرار والمتواتر من الأخبار أن المهاجرين هاجروا من مكة وغيرها إلى المدينة وهاجر طائفة منهم كعمر وعثمان وجعفر بن أبي طالب هجرتين هجرة إلى الحبشة وهجرة إلى المدينة وكان الإسلام إذ ذاك قليلا والكفار مستولون على عامة الأرض وكانوا يؤذون بمكة ويلقون من أقاربهم وغيرهم من المشركين من الأذى ما لا يعلمه إلا الله وهم صابرون على الأذى متجرعون لمرارة البلوى وفارقوا الأوطان وهجروا الخلان لمحبة الله ورسوله والجهاد في سبيله كما وصفهم الله تعالى بقوله للفقراء المهاجرين الذين اخرجوا من ديارهم و أموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون وهذا كله فعلوه طوعا واختيارا من تلقاء أنفسهم لم يكرههم عليه مكره ولا الجاهم إليه أحد فانه لم يكن للإسلام إذ ذاك من القوة ما يكره به أحد على الإسلام وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذ ذاك هو ومن اتبعه منهيين عن القتال مأمورين بالصفح والصبر فلم يسلم

 

 

أحد إلا باختياره ولا هاجر أحد إلا باختياره ولهذا قال احمد بن حنبل وغيره من العلماء انه لم يكن من المهاجرين من نافق و إنما كان النفاق في قبائل الأنصار لما ظهر الإسلام بالمدينة ودخل فيه من قبائل الأوس والخزرج ولما صار للمسلمين دار يمتنعون بها ويقاتلون دخل في الإسلام من أهل المدينة وممن حولهم من الأعراب من دخل خوفا وتقية وكانوا منافقين كما قال تعالى وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ولهذا إنما ذكر النفاق في السور المدنية و إما السور المكية فلا ذكر فيها للمنافقين فان من اسلم قبل الهجرة بمكة لم يكن فيهم منافق و الذين هاجروا لم يكن فيهم منافق بل كانوا مؤمنين بالله و رسوله محبين لله و لرسوله و كان الله و رسوله احب إليهم من أولادهم و أهلهم و أموالهم و إذا كان كذلك علم أن رميهم أو رمي أكثرهم أو بعضهم بالنفاق كما يقوله من يقوله من الرافضة من اعظم البهتان الذي هو نعت الرافضة و إخوانهم من اليهود فان النفاق كثير ظاهر في الرافضة إخوان اليهود و لا يوجد في الطوائف اكثر و اظهر نفاقا منهم حتى يوجد فيهم النصيرية و الإسماعيلية و أمثالهم ممن هو من اعظم الطوائف نفاقا و زندقة و عداوة لله و لرسوله

 

 

و كذلك دعواهم عليهم الردة من اعظم الأقوال بهتانا فان المرتد إنما يرتد لشبهة أو شهوة و معلوم أن الشبهات و الشهوات في أوائل الإسلام كانت أقوى فمن كان إيمانهم مثل الجبال في حال ضعف الإسلام كيف يكون إيمانهم بعد ظهور آياته و انتشار أعلامه و إما الشهوة فسواء كانت شهوة رياسة أو مال أو نكاح أو غير ذلك كانت في أول الإسلام أولى بالأتباع فمن خرجوا من ديارهم و أموالهم و تركوا ما كانوا عليه من الشرف و العز حبا لله و رسوله طوعا غير إكراه كيف يعادون الله و رسوله طلبا للشرف و المال ثم هم في حال قدرتهم على المعاداة و قيام المقتضي للمعاداة لم يكونوا معادين لله و رسوله بل موالين لله و رسوله معادين لمن عادى الله و رسوله فحين قوي المقتضي للموالاة و ضعفت القدرة على المعاداة يفعلون نقيض هذا هل يظن هذا إلا من هو من اعظم الناس ضلالا و ذلك أن الفعل إذا حصل معه كمال القدرة عليه و كمال الإرادة له وجب وجوده و هم في أول الإسلام كان المقتضي لإرادة معاداة الرسول أقوى لكثرة أعدائه و قلة أوليائه و عدم ظهور دينه و كانت القدرة من يعاديه باليد واللسان حينئذ أقوى حتى كان يعاديه آحاد الناس

 

 

و يباشرون أذاه بالأيدي و الألسن و لما ظهر الإسلام و انتشر كان المقتضى للمعاداة اضعف و القدرة عليها اضعف و من المعلوم أن من ترك المعاداة أولا ثم عاداه ثانيا لم يكن إلا لتغير إرادته أو قدرته و معلوم أن القدرة على المعاداة كانت أولا أقوى و الموجب لإرادة المعاداة كان أولا أولى و لم يتجدد عندهم ما يوجب تغير إرادتهم ولا قدرتهم فعلم يقينا أن القوم لم يتجدد عندهم ما يوجب الردة عن دينهم ألبته و الذين ارتدوا بعد موته إنما كانوا ممن اسلم بالسيف كأصحاب مسيلمة و أهل نجد فأما المهاجرون الذين اسلموا طوعا فلم يرتد منهم والله الحمد احد وأهل مكة لما أسلموا بعد فتحها هم طئفة منهم بالردة ثم ثبتهم الله بسهيل بن عمرو و أهل الطائف لما حاصرهم النبي صلى الله عليه و سلم بعد فتح مكة ثم رأوا ظهور الإسلام فاسلموا مغلوبين فهموا بالردة فثبتهم الله بعثمان بن أبي العاص فأما أهل مدينة النبي صلى الله عليه و سلم فإنما اسلموا طوعا و المهاجرون منهم و الأنصار و هم قاتلوا الناس على الإسلام و لهذا لم يرتد من أهل المدينة أحد بل ضعف غالبهم بموت النبي صلى الله عليه و سلم و ذلت أنفسهم عن الجهاد على دينه حتى ثبتهم الله و قواهم بابي بكر الصديق رضي الله عنه فعادوا إلى ما كانوا عليه من قوة اليقين

 

 

و جهاد الكافرين فالحمد لله الذي من على الإسلام و أهله بصديق الأمة الذي أيد الله به دينه في حياة رسوله و حفظه به بعد وفاته فالله يجزيه عن الإسلام و أهله خير الجزاء.

*

فصل قال الرافضي المنهج الرابع في الأدلة الدالة على إمامته المستنبطة من أحواله و هي اثنا عشر ثم ذكر كان ازهد الناس و اعبدهم و أعلمهم و أشجعهم و ذكر أنواعا من خوارق العادات له و اجتماع الفضائل على اوجه تقدم بها عليهم فقال الأول انه كان ازهد الناس بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم.

*و الجواب المنع فان أهل العلم بحالهما يقولون ازهد الناس بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم الزهد الشرعي أبو بكر و عمر. و ذلك أن أبا بكر كان له مال يكتسبه فأنفقه كله في سبيل الله و تولى الخلافةفذهب إلى السوق يبيع و يتكسب فلقيه عمر و على يده ابراد فقال له أين تذهب فقال أظننت إني تارك طلب المعيشة لعيالي فاخبر بذلك أبا عبيدة و المهاجرين ففرضوا له شيئا فاستحلف عمر و أبا عبيدة فحلفا له انه يباح له اخذ درهمين كل يوم ثم ترك ماله في بيت المال ثم لما حضرته الوفاة أمر عائشة أن ترد إلى بيت المال ما كان قد دخل في ماله من مال المسلمين فوجدت جرد قطيفة لا يساوي خمسة دراهم و حبشية ترضع ابنه أو عبدا حبشيا و بعيرا ناضحا فأرسلت بذلك إلى عمر فقال عبد الرحمن بن عوف له أتسلب هذا عيال أبي بكر فقال كلا و رب الكعبة لا يتأثم منه أبو بكر في حياته و أتحمله أنا بعد موته و قال بعض العلماء علي كان زاهدا و لكن الصديق ازهد منه لان أبا بكر كان له المال الكثير في أول الإسلام و التجارة الواسعة فأنفقه في سبيل الله و كان حاله في الخلافة ما ذكر ثم رد ما تركه لبيت المال قال ابن زنجويه و إما علي فانه كان في أول الإسلام فقيرا يعال و لا يعول ثم استفاد المال الرباع و المزارع و النخيل و الأوقاف و استشهد و عنده تسع عشرة سرية و أربع نسوة و هذا كله مباح و لله

 

الحمد و لم يأمر برد ما تركه لبيت المال و خطب الحسن الناس بعد وفاته فقال ما ترك صفراء و لا بيضاء إلا سبعمائة درهم بقيت من عطائه و روى الأسود بن عامر حدثنا شريك النخعي عن عاصم بن كليب عن محمد بن كعب القرظي قال قال علي لقد رأيتني على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم اربط الحجر على بطني من شدة الجوع و أن صدقة مالي لتبلغ اليوم أربعين ألفا رواه احمد عن حجاج عن شريك و رواه إبراهيم بن سعيد الجوهري و فيه لتبلغ أربعة آلاف دينار فأين هذا من زهد أبي بكر و أن كانا رضي الله عنهما زاهدين و قال ابن حزم و قال قائلون علي كان أزهدهم قال و كذب هذاالجاهل و برهان ذلك أن الزهد إنما هو عزوف النفس عن حب الصوت و عن المال و عن اللذات و عن الميل إلى الولد و الحاشية ليس للزهد معنى يقع عليه اسم الزهد إلا هذا المعنى فأما عزوف النفس عن المال فقد علم كل من له أدنى بصر بشيء من الأخبار الخالية أن أبا بكر اسلم و له مال عظيم قيل أربعين ألفا أنفقها في سبيل الله كلها و اعتق المستضعفين من العبيد المؤمنين المعذبين في ذات الله و لم يعتق عبيدا أجلادا يمنعونه لكن كل معذب و معذبة في الله عز و جل حتى هاجر مع رسول الله صلى الله عليه و سلم و لم يبق لأبي بكر من جميع ماله إلا ستة آلاف درهم حملها كلها مع رسول الله صلى الله عليه و سلم و لم يبق لبنيه منها درهما ثم أنفقها كلها في سبيل الله حتى لم يبق له منها شيء و بقي في عباءة له قد خللها بعود إذا نزل فرشها و إذا ركب لبسها إذ تمول غيره من الصحابة و اقتنى الرباع الواسعة و الضياع العظيمة من حلها و حقها إلا أن من آثر بذلك الله في سبيل الله ازهد ممن انفق و امسك ثم ولي الخلافة فما اتخذ جارية و لا توسع في مال و عد عند موته ما انفق على نفسه و ولده من مال الله الذي لم يستوف منه

 

 

إلا بعض حقه و أمر بصرفه إلى بيت المال من صلب ماله الذي حصل له من سهامه في المغازي و المقاسم مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فهذا هو الزهد في اللذات و المال الذي لا يدانيه فيه أحد من الصحابة لا علي و لا غيره أن إلا يكون أبا ذر و أبا عبيدة من المهاجرين الأولين فانهما جريا على هذه الطريقة التي فارقا عليها رسول الله صلى الله عليه و سلم و لقد تلا أبا بكر عمر في هذا الزهد و كان فوق علي في ذلك يعني في إعراضه عن المال و اللذات و إما علي رضي الله عنه فتوسع في هذا المال من حله و مات عن أربع زوجات و تسع عشرة أم ولد سوى الخدم و العبيد و توفي عن أربعة و عشرين ولدا من ذكر و أنثى و ترك لهم من العقار والضياع ما كانوا به من أغنياء قومهم و مياسيرهم هذا أمر مشهور لا يقدر على إنكاره من له اقل علم بالأخبار و الآثار و من جملة عقاره ينبع التي تصدق بها كانت تغل ألف وسق تمر زرعها فأين هذا من هذا و إما حب الولد و الميل إليهم وإلى الحاشية فالأمر في هذا أبين من أن

 

 

يخفى على أحد له اقل علم بالأخبار فقد كان لأبي بكر رضي الله عنه من القرابة و الولد مثل طلحة بن عبيد الله من المهاجرين الأولين و السابقين من ذوي الفضائل العظيمة في كل باب من أبواب الفضائل في الإسلام و مثل ابنه عبد الرحمن بن أبي بكر و له مع النبي صلى الله عليه و سلم صحبة قديمة و هجرة سابقة و فضل ظاهر فما استعمل أبو بكر أحدا منهم على شيء من الجهات و هي بلاد اليمن كلها على سعتها و كثرة أعمالها و عمان و حضر موت و البحرين واليمامة و الطائف و مكة و خيبر و سائر اعمل الحجاز و لو استعملهم لكانوا لذلك أهلا و لكن خشي المحاباة و توقع أن يميله إليهم شيء من الهوى ثم جرى عمر رضي الله عنه على مجراه في ذلك لم يستعمل من بني عدي بن كعب أحدا على سعة البلاد و كبرها و قد فتح الشام و مصر و جميع مملكة الفرس إلى خراسان إلا النعمان بن عدي وحده على ميسان ثم أسرع عزله و فيهم من الهجرة ما ليس في شيء من أفخاذ قريش لان بني عدي لم يبق منهم أحد بمكة إلا هاجر و كان فيهم مثل سعيد بن زيد أحد المهاجرين الأولين ذي السوابق و أبي الجهم بن حذيفة و خارجة بن حذافة و معمر بن عبد الله و ابنه عبد الله بن عمر

 

 

ثم لم يستخلف أبو بكر ابنه عبد الرحمن و هو أحد الصحابة و لا استعمل عمر ابنه في حياته و لا بعد موته و هو من فضلاء الصحابة و خيارهم و قد رضي بخلافته بعض الناس و كان أهلا لذلك و لو استخلفه لما اختلف عليه أحد فما فعل و وجدنا عليا إذ ولي قد استعمل أقاربه ابن عباس على البصرة و عبيد الله بن عباس على اليمن و قثما و معبدا ابني العباس على مكة و المدينة و جعدة بن هبيرة و هو ابن أخته أم هانئ بنت أبي طالب على خراسان و محمد بن أبي بكر و هو ابن امرأته و أخو ولده على مصر و رضي ببيعة الناس الحسن ابنه بالخلافة بعده و لسنا ننكر استحقاق الحسن للخلافة و لا استحقاق عبد الله بن عباس للخلافة فكيف بإمارة البصرة لكنا نقول أن من زهد في الخلافة لولد مثل عبد الله بن عمر أو عبد الرحمن بن أبي بكر و الناس متفقون عليه و في تأمير مثل طلحة بنعبيد الله و سعيد بن زيد فلا شك انه أتم زهدا و اعزف عن جميع معاني الدنيا نفسا ممن يأخذ ما أبيح له أخذه فصح بالبرهان الضروري أن أبا بكر رضي الله عنه ازهد من جميع الصحابة ثم عمر رضي الله عنه.

*

فصل قال الرافضي علي قد طلق الدنيا ثلاثا و كان قوته جريش الشعير و كان يختمه لئلا يضع الإمامان فيه أدما و كان يلبس خشن الثياب و قصيرها و رقع مدرعته حتى استحى من رقعها و كان حمائل سيفه ليفا و كذا نعله و روى اخطب خوارزم عن عمار قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول يا علي أن الله زينك بزينة لم يزين العباد بزينة حب إلى الله منها زهدك في الدنيا و بغضها إليك

 

و حبب إليك الفقراء فرضيت بهم اتباعا و رضوا بك إماما يا علي طربى لمن احبك و صدق عليك و الويل لمن أبغضك و كذب عليك إما من احبك و صدق عليك فإخوانك في دينك و شركاؤك في جنتك و إما من أبغضك و كذب عليك فحقيق على الله أن يقيمهم مقام الكذابين قال سويد بن غفلة دخلت علي علي العصر فوجدته جالسا بين يديه صفحة فيها لبن حار و أجد ريحه من شدة حموضته و في يده رغيف أرى قشار الشعير في وجهه و هو يكسر بيده أحيانا فإذا غلبه كسره بركبته فطرحه فيه فقال ادن فاصب من طعامنا هذا فقلت إني صائم فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول من منعه الصيام عن طعام يشتهيه كان حقا على الله أن يطعمه من طعام الجنة و يسقيه من شرابها قال قلت لجاريته و هي قائمة و يحك يا فضة إلا تتقين الله في هذا الشيخ إلا تنخلين طعامه مما أرى فيه من النخال فقالتلقد عهد إلينا أن لا ننخل له طعاما قال ما قلت لها فأخبرته قال بأبي و أمي من لم ينخل له طعام و لم يشبع خبز البر ثلاثة أيام حتى قبضه الله عز و جل و اشترى يوما ثوبين غليظين فخير قنبرا فيهما فاخذ واحدا و لبس هو الآخر و رأي في كمه طولا عن أصابعه فقطعه قال ضرار بن ضمرة دخلت على معاوية بعد قتل أمير المؤمنين علي فقال صف لي عليا فقلت اعفني فقال لا بد من ذلك فقلت إما إذ لا بد فكأنه كان و الله بعيد المدى شديد القوى يقول فصلا و يحكم عدلا يتفجر العلم من جوانبه و تنطق الحكمة من نواحيه يستوحش من الدنيا و زينتها و يستأنس بالليل وحشته وكان و الله غزير العبرة طويل الفكرة يعجبه من اللباس ما خشن و من الطعام ما قشب و كان فينا كأحدنا يجيبنا إذا سألناه و يأتينا إذا دعوناه و نحن

 

 

و الله مع تقريبه لنا و قربه منا لا نكلمه هيبة له يعظم أهل الدين و يقرب المساكين لا يطمع القوي في باطله و لا ييأس الضعيف من عدله فاشهد بالله لقد رأيته و هو يقول يا دنيا غري غيري إلي تعرضت أم إلي تشوفت هيهات قد بنتك ثلاثا لا رجعة فيك عمرك قصير و خطرك كثير و عيشك حقير آه من قلة الزاد و بعد السفر و وحشة الطريق فبكى معاوية و قال رحم الله أبا الحسن كان و الله كذلك فما حزنك عليه يا ضرار قال حزن من ذبح ولدها في حجرها فلا ترقأ عبرتها و لا يسكن حزنها.

*و الجواب إما زهد علي رضي الله عنه في المال فلا ريب فيه لكن الشأن انه كان ازهد من أبي بكر و عمر و ليس فيما ذكره ما يدل علىذلك بل ما كان فيه حقا فلا دليل فيه على ذلك و الباقي إما كذب و إما ما لا مدح فيه إما كونه طلق الدنيا ثلاثا فمن المشهور عنه انه قال يا صفراء يا بيضاء قد طلقتك ثلاثا غري غيري لا رجعة لي فيك لكن هذا لا يدل على انه ازهد منه ممن لم يقل هذا فان نبينا و عيسى ابن مريم و غيرهما كانوا ازهد منه و لم يقولوا هذا و لان الإنسان إذا زهد لم يجب أن يقول بلسانه قد زهدت و ليس كل من قال زهدت يكون قد زهد فلا عدم هذا الكلام يدل على عدم الزهد و لا وجوده يدل على وجوده فلا دلالة فيه و إما قوله انه كان دائما يقتات جريش الشعير بلا آدم فلا دلالة في هذا لوجهين أحدهما انه كذب و الثاني انه لا مدح فيه فرسول الله صلى الله عليه و سلم إمام الزهد كان لا يرد موجودا و لا يتكلف مفقودا بل أن حضر لحم دجاج أكله أو لحم غنم أكله أو حلواء أو عسل أو فاكهة أكله و أن لم يجد شيئا لم يتكلفه و كان إذا حضر طعاما فان اشتهاه أكله و إلا تركه و لا يتكلف ما لا يحضر

 

و ربما ربط على بطنه الحجر من الجوع و قد كان يقيم الشهر و الشهرين لا يوقد في بيته نار و قد ثبت في الصحيحين أن رجالا قال أحدهم أما أنا فأصوم و لا افطر و قال الآخر أما أنا فأقوم و لا أنام و قال الآخر أما أنا فلا أتزوج النساء و قال الآخر أما أنا فلا آكل اللحم فقال النبي صلى الله عليه و سلم لكني أصوم و افطر و أقوم و أنام و أتزوج النساء و آكل اللحم فمن رغب عن سنتي فليس مني فكيف يظن بعلي انه رغب عن سنة النبي صلى الله عليه و سلم و يجعل ذلك من مناقبه و أي مدح لمن رغب عنها ثم كيف يقال أن عليا كان بالعراق و لا يقتات إلا شعيرا مجروشا لا آدم له و لا يأكل خبز بر و لا لحما و النقل المتواتر بخلاف ذلك و هل من الصحابة من فعل ذلك أو هل قال أحد منهم أن ذلك مستحب و إما قوله كان حمائل سيفه ليفا و نعله ليفا فهذا أيضا كذب و لا مدح فيه فقد روي أن نعل رسول الله صلى الله عليه و سلم كان من الجلود و حمائل سيف النبي صلى الله عليه و سلم كانت ذهبا و فضة و الله قد يسر الرزق عليهم فأي مدح في أن يعدلوا عن الجلود مع تيسرها و إنما يمدح هذا عند العدم

 

 

كما قال أبو أمامة الباهلي لقد فتح البلاد أقوام كانت خطم خيلهم ليفا و ركبهم العلابي رواه البخاري و حديث عمار من الموضوعات و كذلك حديث سويد بن غفلة ليس مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه و سلم و إما حديث الثوب الذي اشتراه فهو معروف و حديث ضرار بن ضمرة قد روي و ليس في واحد منهما ما يدل على انه ازهد من أبي بكر و عمر بل من عرف المنقول من سيرة عمر و عدله و زهده و صرفه الولايات عن أقاربه و نقصه لابنه في العطاء عن نظيره و لابنته في العطاء عن نظيرتها و أكله الخشن مع كونه هو الذي قسم كنوز كسرى و قيصر و إنما كان الذي يقسمه علي جزءا من فتوح عمر و انه مات و عليه ثمانون ألف درهم تبين له من وجوه كثيرة أن عمر كانت ازهد من علي و لا ريب أن أبا بكر ازهد من عمر.

*

فصل قال الرافضي و بالجملة زهده لم يلحقه أحد فيه و لا سبقهأحد إليه و إذا كان ازهد كان هو الإمام لامتناع تقدم المفضول عليه.

*و الجواب أن كلتا القضيتين باطلة لم يكن ازهد من أبي بكر و عمر و لا كل من كان ازهد كان أحق بالإمامة و ذلك أن عليا كان له من المال و السرارى و لأهله ما لم يكن لأبي بكر و عمر و قد روي عبد الله بن احمد حدثنا علي بن حكيم حدثنا شريك عن عاصم بن كليب عن محمد بن كعب القرظي قال سمعت عليا قال كنت مع النبي صلى الله عليه و سلم و إني لأربط الحجر على بطني من الجوع و أن صدقتي اليوم لتبلغ أربعين ألفا و هذا و أن كان ضعيفا فهو يقابل لمن قال انه كان لا يأكل في العراق إلا خبز الشعير مع أن ذلك النقل لا إسناد له و لا ريب أن عليا كان له مال اعظم من مال أبي بكر و عمر و لو لم يكن إلا ما كان عمر يعطيه و أولاده و أهل بيته فانه كان يعطيهم من المال اعظم مما يعطي سائر قبائل قريش و لم يكن عمر يعطي أحدا من بني عدي و لا تيم و لا غيرهم من القبائل مثل ما كان يعطي اقارب رسول الله صلى الله عليه و سلم فهذا وحده يوجب سعة أموالهم

 

و علي له وقف معروف فهل يوقف الوقوف من لم يكن له مال و عمر إنما وقف نصيبه من خيبر لم يكن له عقار غير ذلك و علي كان له عقار بالينبع و غيرها.

*

فصل قال الرافضي الثاني انه كان اعبد الناس يصوم النهار و يقوم الليل و منه تعلم الناس صلاة الليل ونوافل النهار و اكثر العبادات و الأدعية المأثورة عنه تستوعب الوقت و كان يصلي في ليله و نهاره ألف ركعة و لم يخل في صلاة الليل حتى في ليلة الهرير و قال ابن عباس رايته في حربه و هو يرقب الشمس فقلت يا أمير المؤمنين ماذا تصنع قال انظر إلى الزوال لأصلي فقلت في هذا الوقت فقال إنما نقاتلهم على الصلاة فلم يغفل عن فعل العبادات في أول وقتها في اصعب الأوقات و كان إذا أريد إخراج الحديد من جسده يترك إلى أن يدخلفي الصلاة فيبقى متوجها إلى الله غافلا عما سواه غير مدرك للآلام التي تفعل به و جمع بين الصلاة و الزكاة و تصدق و هو راكع فانزل الله تعالى فيه قرآنا يتلى و تصدق بقوته و قوت عياله ثلاثة أيام حتى انزل الله فيهم هل أتى على الإنسان و تصدق ليلا و نهارا سرا و علانية و ناجى الرسول فقدم بين يدي نجواه صدقة فانزل الله فيه قرآنا و اعتق ألف عبد من كسب يده و كان يؤجر نفسه و ينفق على رسول الله صلى الله عليه و سلم في الشعب و إذا كان اعبد الناس كان افضل فيكون هو الإمام.

*و الجواب أن يقال هذا الكلام فيه من الأكاذيب المختلفة ما لا يخفى إلا على اجهل الناس بأحوال القوم و مع انه كذب و لا مدح فيه و لا في عامة الأكاذيب.

فقوله انه كان يصوم النهار و يقوم الليل كذب عليه و قد تقدم قول النبي صلى الله عليه و سلم لكني أصوم و افطر و أقوم و أنام و أتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني

 

و في الصحيحين عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه و سلم قال له ألم أخبر انك تقول لأصومن النهار و لأقومن الليل ما عشت قال بلى قال فلا تفعل و في رواية ألم أخبر انك تصوم الدهر و تقرأ القرآن كل ليلة فقلت يا نبي الله لم أرد بذلك إلا الخير قال فان حسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام فقلت يا نبي الله إني أطيق اكثر من ذلك قال فان لزوجك عليك حقا ولزورك عليك حقا لجسدك عليك حقا قال فصم صوم داود نبي الله فانه كان اعبد الناس كان يصوم يوما و يفطر يوما و اقرأ القرآن في كل شهر قلت إني أطيق اكثر من ذلك قال اقرأه في عشرين إلى أن قال في سبع و لا تزد على ذلك و قال في الصوم إني أطيق افضل من ذلك و في الصحيحين عن علي قال طرقني رسول الله صلى الله عليه و سلم و فاطمة فقال إلا تقومان فتصليان فقلت يا رسول الله إنما أنفسنا بيد الله إذا شاء أن يبعثنا بعثنا قال فولى و هو يضرب فخذه و يقول و كان الإنسان اكثر شيء جدلا فهذا

 

 

الحديث دليل على نومه في الليل مع إيقاظ النبي صلى الله عليه و سلم و مجادلته حتى ولى و هو يقول و كان الإنسان اكثر شيء جدلا و قول القائل و منه تعلم الناس صلاة الليل و نوافل النهار إن أراد أن بذلك أن بعض المسلمين تعلم ذلك منه فكهذا كل من بالصحابة علم بعض الناس أن أراد بذلك أن بعض المسلمين تعلموا ذلك منه فهذا من الكذب البارد فاكثر المسلمين ما رأوه و قد كانوا يقومون الليل و يتطوعون بالنهار فاكثر بلاد المسلمين التي فتحت في خلافة عمر و عثمان رضي الله عنهما كالشام و مصر و المغرب و خراسان ما رأوه فكيف يتعلمون منه و الصحابة كانوا كذلك في حياة النبي صلى الله عليه و سلم و منه تعلموا ذلك و لا يمكن أن يدعى ذلك إلا في أهل الكوفة ومعلوم انهم كانوا تعلموا ذلك من ابن مسعود رضي الله عنه و غيره قبل أن يقدم إليهم و كانوا من اكمل الناس علما و دينا قبل قدوم علي رضي الله عنه إليهم و الصحابة كانوا كذلك و أصحاب ابن مسعود كانوا كذلك قبل أن يقدم إليهم العراق

 

 

و إما قوله الأدعية المأثورة عنه تستوعب الوقت فعامتها كذب عليه و هو كان اجل قدرا من أن يدعو بهذه الأدعية التي لا تليق بحاله و حال الصحابة و ليس لشيء من هذه إسناده و الأدعية الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم هي افضل ما دعا به أحد و بها يدعو خيار هذه الأمة من الأولين و الآخرين و كذلك قوله انه كان يصلي في اليوم و الليلة ألف ركعة من الكذب الذي لا مدح فيه فان النبي صلى الله عليه و سلم كان مجموع صلاته في اليوم و الليلة أربعين ركعة فرضا و نفلا و الزمان لا يتسع لألف ركعة لمن ولي أمر المسلمين مع سياسة الناس و أهله إلا أن تكون صلاته نقرا كنقر الغراب و هي صلاة المنافقين التي نزه الله عنها عليا و إما ليالي صفين فالذي ثبت في الصحيح انه قال الذكر الذي علمه رسول الله صلى الله عليه و سلم لفاطمة قال ما تركته منذ سمعته عن النبي صلى الله عليه و سلم قيل و لا ليلة صفين قال و لا ليلة صفين ذكرته من السحر فقلته و ما ذكر من إخراج الحديد من جسده فكذب فان عليا لم يعرف انه

 

 

دخل فيه حديد و ما ذكره من جمعه بين الصلاة و الزكاة فهذا كذب كما تقدم و لا مدح فيه فان هذا لو كان مستحبا لشرع للمسلمين و لو كان يستحب للمسلمين أن يتصدقوا و هم في الصلاة لتصدقوا فلما لم يستحب هذا أحد من المسلمين علمنا انه ليس عبادة بل مكروه و كذلك ما ذكره من أمر النذر و الدراهم الأربعة قد تقدم أن هذا كله كذب و ليس فيه كبير مدح و قوله اعتق ألف عبد من كسب يده من الكذب الذي لا يروج إلا على اجهل الناس فان عليا لم يعتق ألف عبد بل و لا مائة و لم يكن له كسب بيده يقوم بعشر هذا فانه لم تكن له صناعة يعملها و كان مشغولا إما بجهاد و إما بغيره و كذلك قوله كان يؤجر نفسه و ينفق على النبي صلى الله عليه و سلم في الشعب كذب بين من وجوه أحدها انهم لم يكونوا يخرجون من الشعب و لم يكن في الشعب من يستأجره و الثاني أن أباه أبا طالب كان معهم في الشعب و كان ينفق عليه و الثالث أن خديجة كانت موسرة تنفق من مالها و الرابع أن عليا لم يؤجر نفسه بمكة قط و كان صغيرا حين كان في الشعب إما مراهقا و إما محتلما فكان علي في الشعب ممن ينفق

 

 

عليه إما النبي صلى الله عليه و سلم و إما أبوه لم يكن ممن يمكنه أن ينفق على نفسه فكيف ينفق على غيره فان دخوله في الشعب كان في حياة أبي طالب بالنقل المتواتر و أبو طالب مات قبل ذهاب النبي صلى الله عليه و سلم إلى الطائف باتفاق الناس و كان موته و موت خديجة متقاربين فدخوله في الشعب كان في أول الإسلام فانه قد ثبت أن ابن عباس ولد و هم في الشعب و مات النبي صلى الله عليه و سلم و ابن عباس مراهق و علي عاش بعد الهجرة أربعين سنة باتفاق الناس و المبعث قبل ذلك بثلاث عشرة و أقصى ما قيل في موته انه كان ابن ثلاث و ستين فغايته أن يكون حين الإسلام كان له عشر سنين.

*

فصل قال الرافضي الثالث انه كان اعلم الناس بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم.

*و الجواب أن اهل السنة يمنعون ذلك و يقولون ما اتفق عليه علماؤهم أن اعلم الناس بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم أبو بكر ثم عمر و قد ذكر غير واحد الإجماع على أن أبا بكر اعلم الصحابة كلهم و دلائل ذلك مبسوطة في موضعها. فانه لم يكن أحد يقضي و يخطب و يفتي بحضرة النبي صلى الله عليه و سلم إلا أبو بكر رضي الله عنه و لم يشتبه على الناس شيء من أمر دينهم إلا فصله أبو بكر فانهم شكوا في موت النبي صلى الله عليه و سلم فبينه أبو بكر ثم شكوا في مدفنه فبينه ثم شكوا في قتال مانعي الزكاة فبينه أبو بكر. و بين لهم النص في قوله تعالى لتدخلن المسجد الحرام أن شاء الله آمنين، و بينت لهم أن عبدا خيره الله بين الدنيا و الآخرة و نحو ذلك، و فسر الكلالة، فلم يختلفوا عليه.

و كان علي و غيره يروون عن أبي بكر كما في السنن عن علي قال: كنت إذا سمعت من النبي صلى الله عليه و سلم حديثا نفعني الله بما شاء أن ينفعني منه فإذا حدثني غيره تاستحلفه فإذا حلف لي صدقته حدثني أبو بكر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما من مسلم يذنب ذنبا ثم يتوضأ و يصلي ركعتين يستغفر الله تعالى إلا غفر له

 

و لم يحفظ لأبي بكر فتيا تخالف نصا و قد وجد لعمر و علي و غيرهما فتاوى كثير ة تخالف النصوص حتى جمع الشافعي مجلدا في خلاف علي و ابن مسعود، و جمع محمد بن نصر المروزي كتابا كبيرا في ذلك.

و قد خالفوا الصديق في الجد و الصواب في الجد قول الصديق كما قد بينا ذلك في مصنف مفرد و ذكرنا فيه عشرة وجوه تدل على صحة قوله و جمهور الصحابة معه في الجد نحو بضعة عشر منهم و الذين نقل عنهم خلافة كزيد و ابن مسعود و اضطربت أقوالهم اضطرابا يبين أن قوله هو الصواب دون قولهم.

و قد نقل غير واحد الإجماع على أن أبا بكر اعلم من علي منهم الإمام منصور بن عبد الجبار السمعاني المروزي أحد أئمة الشافعية و ذكر في كتابه تقويم الأدلة الإجماع من علماء السنة أن أبا بكر اعلم من علي، كيف و أبو بكر كان بحضرة النبي صلى الله عليه و سلم يفتي و يأمر و ينهى و يخطب كما كان يفعل ذلك إذا خرج النبي صلى الله عليه و سلم هو و إياه يدعو الناس إلى الإسلام و لما هاجرا و يوم حنين و غير ذلك من المشاهد و هو ساكت يقره، و لم تكن هذه المرتبة لغيره و كان النبي صلى الله عليه و سلم في مشاورته لأهل الفقه و الرأي يقدم في الشورى أبا بكر و عمر فهما اللذان يتكلمان في العلم و يتقدمان

 

بحضرته على سائر الصحابة، مثل مشاورته في أسارى بدر، و غير ذلك.

و قد روى في الحديث انه قال إذا اتفقتما على أمر لم أخالفكما و في السنن عنه انه قال اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر و عمر و لم يحصل هذا لغيرهما. بل قال عليكم بسنتي و سنة الخلفاء فأمر باتباع سنة الخلفاء الأربعة و خص أبا بكر و عمر بالاقتداء و مرتبة المقتدي به في أفعاله و فيما سنه للمسلمين فوق مرتبة المتبع فيما سنه فقط.

و في صحيح مسلم أن أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم كانوا معه في سفره فذكر الحديث و فيه أن يطع القوم أبا بكر و عمر يرشدوا و ثبت عن ابن عباس انه كان يفتي بكتاب الله فان لم يجد فبما في سنة رسول الله فان لم يجد أفتى بقول أبي بكر و عمر و لم يكن يفعل ذلك بعثمان و لا بعلي و ابن عباس هو حبر الأمة و اعلم الصحابة في زمانه و هو يفتي بقول أبي بكر و عمر مقدما لهما على قول غيرهما و قد ثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال اللهم فقهه في الدين و علمه التأويل.

 

و أبو بكر و عمر اكثر اختصاصا بالنبي صلى الله عليه و سلم من سائر الصحابة و أبو بكر اكثر اختصاصا به فانه كان يسمر عنده عامة الليل يحدثه في العلم و الدين و مصالح المسلمين، كما روى أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش حدثنا إبراهيم حدثنا علقمة عن عمر قال كان النبي صلى الله عليه و سلم يسمر عند أبي بكر في الأمر من أمر المسلمين و أنا معه. و في الصحيحين عن عبد الرحمن بن أبي بكر أن أصحاب الصفة كانوا ناسا فقراء و أن النبي صلى الله عليه و سلم قال مرة من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث و من كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس و سادس و أن أبا بكر جاء بثلاثة و انطلق نبي الله صلى الله عليه و سلم بعشرة و أن أبا بكر تعشى عند النبي صلى الله عليه و سلم ثم لبث حتى صليت العشاء ثم رجع فلبث حتى نعس رسول الله صلى الله عليه و سلم فجاءنا بعد ما مضى من الليل ما شاء قالت امرأته ما

حبسك عن أضيافك قال أو ما عشيتهم قالت أبو حتى تجيء عرضوا عليهم العشاء فغلبوهم و ذكر الحديث. و في رواية قال كان أبي يتحدث إلى النبي صلى الله عليه و سلم من الليل و في سفر الهجرة لم يصحب غير أبي و يوم بدر لم يبق معه في العريش غيره. و قال أن أمن الناس علينا في صحبته و ذات يده أبو بكر و لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا و هذا من أصح في الأحاديث الصحيحة المستفيضة في الصحاح من وجوه كثيرة. و في الصحيحين عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال كنت جالسا

 

عند النبي صلى الله عليه و سلم إذ اقبل أبو بكر آخذا بطرف ثوبه حتى أبدى من ركبتيه فقال النبي صلى الله عليه و سلم إما صاحبكم فقد غامر فسلم و قال انه كان بيني و بين ابن الخطاب شيء فأسرعت إليه ثم ندمت فسألته أن يغفر لي فأبى علي و إني أتيتك فقال يغفر الله لك يا أبا بكر ثلاثا ثم أن عمر ندم فأتى منزل أبي بكر فلم يجده فأتى النبي صلى الله عليه و سلم فجعل وجه النبي صلى الله عليه و سلم يتمعر و غضب حتى أشفق أبو بكر و قال أنا كنت اظلم يا رسول الله مرتين فقال النبي صلى الله عليه و سلم أن الله بعثني إليكم فقلتم كذبت و قال أبو بكر صدقت و واساني بنفسه و ماله فهل انتم تاركوا لي صاحبي فهل انتم تاركوا لي صاحبي فما أوذي بعدها قال البخاري سبق بالخير. و قد تقدم ما في الصحيحين أن أبا سفيان يوم أحد لم يسال إلا عن النبي صلى الله عليه و سلم و أبي بكر و عمر لعلمه و علم سائر الناس أن هؤلاء هم رؤوس الإسلام و أن قيامه بهم و لهذا لما سال الرشيد مالك بن انس عن منزلتهما من النبي صلى الله عليه و سلم فقال منزلتهما منه في حياته كمنزلتهما منه في مماته فقال شفيتني يا مالك شفيتني يامالك

 

و كثرة الاختصاص و الصحبة مع كمال المودة و الائتلاف و المحبة و المشاركة في العلم و الدين تقتضي انهما أحق بذلك من غيرهما و هذا ظاهر بين لمن له خبرة بأحوال القوم إما الصديق فانه مع قيامه بأمور من العلم و الفقه عجز عنهما غيره حتى بينها لهم لم يحفظ له قول يخالف فيه نصا و هذا يدل على غاية البراعة و العلم.

و أما غيره فحفظت له أقوال كثيرة خالفت النصوص لكون النصوص لك تبلغه و الذي وجد لعمر من موافقته النصوص اكثر من موافقة علي، يعرف هذا من عرف مسائل العلم و أقوال العلماء فيها و الأدلة الشرعية و مراتبها و ذلك مثل عدة المتوفي عنها زوجها فان قول عمر فيها هو الذي وافق النص دون القول الآخر، و كذلك مسالة الحرام قول عمر و غيره فيها هو الأشبه بالنصوص من القول الآخر الذي هو قول علي، و كذلك المخيرة التي خيرها زوجها و المفوضة للمهر و مسالة الخلية و البرية و البائن و البتة، و كثير من مسائل الفقه.

و في الصحيحين عنه صلى الله عليه و سلم انه قال قد كان في الأمم قبلكم محدثون فان يكن في أمتي أحد فعمر.

 

و في الصحيحين عنه صلى الله عليه و سلم انه قال رأيت كأني أتيت بقدح لبن فشربت حتى إني لأرى الري يخرج من أظافري ثم ناولت فضلي عمر قالوا ما أولته يا رسول الله قال العلم. و في الترمذي و غيره عنه عليه الصلاة و السلام انه قال لو لم ابعث فيكم لبعث فيكم عمر و لفظ الترمذي لو كان بعدي نبي لكان عمر قال الترمذي حديث حسن.

و أيضا فان الصديق استخلفه النبي صلى الله عليه و سلم على الصلاة التي هي عمود الإسلام و على إقامة المناسك قبل أن يحج النبي صلى الله عليه و سلم فنادى أن لا يحج بعد العام مشرك و لا يطوف بالبيت عريان و أردفه بعلي فقال أمير أم مأمور فقال بل مأمور فأمر أبا بكر على على فكان ممن أمره النبي صلى الله عليه و سلم أن يسمع و يطيع لأبي بكر و هذا بعد غزوة تبوك التي استخلف فيها عليا على المدينة و كتاب أبي بكر في الصدقات اصح الكتب و آخرها و لهذا عمل به عامة الفقهاء و غيره في كتابه ما هو متقدم منسوخ فدل على انه اعلم بالسنة الناسخة و في الصحيحين عن أبي سعيد قال كان أبو بكر أعلمنا بالنبي صلى الله عليه و سلم

 

و أيضا فالصحابة لم يتنازعوا في زمن أبي بكر في مسالة إلا فصلها و ارتفع النزاع فلا يعلم بينهم في زمانه مسالة تنازعوا فيها إلا ارتفع النزاع بينهم بسببه كتنازعهم في وفاة النبي صلى الله عليه و سلم و دفنه و ميراثه و تجهيزه جيش أسامة و قتال مانعي الزكاة و غير ذلك من المسائل الكبار. بل كان رضي الله عنه هو خليفة رسول الله صلى الله عليه و سلم فيهم حقا يعلمهم و يقومهم و يشجعهم و يبين لهم من الأدلة ما تزول معه الشبهة فلم يكونوا معه يختلفون و بعده فلم يبلغ علم أحد و كماله علم أبي بكر و كماله، فصاروا يتنازعون في بعض المسائل كما تنازعوا في الجد و الاخوة و في الحرام و الطلاق الثلاث و في متعة الحج و نفقة المبتوتة و سكناها و غير ذلك من المسائل المعروفة مما لم يكونوا يتنازعون فيه على عهد أبي بكر و كانوا يخالفون عمر و عثمان و عليا في كثير من أقوالهم و لم يعرف انهم خالفوا الصديق في شيء مما كان يفتي به و يقضي و هذا يدل على غاية العلم.

 

و قام رضي الله عنه مقام رسول الله صلى الله عليه و سلم و أقام الإسلام فلم يخل بشيء بل ادخل الناس من الباب الذي خرجوا منه مع كثرة المخالفين من المرتدين و غيرهم و كثرة الخاذلين فكمل به من علمهم و دينهم ما لا يقاومه فيه أحد و كانوا يسمونه خليفة رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم انقطع هذا الاتصال اللفظي بموته قال أبو القاسم السهيلي ظهر سر قوله تعالى إذ يقول لصاحبه لا تحزن أن الله معنا في اللفظ و المعنى فانهم قالوا خليفة رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم انقطع هذا بموته.

و أيضا فعلي تعلم من أبي بكر بعض السنة و أبو بكر لم يتعلم من علي شيئا و مما يبين هذا أن علماء الكوفة الذين صحبوا عمر و عليا كعلقمة و الأسود و شريح وغيرهم كانوا يرجحون قول عمر على قول علي و إما تابعو المدينة و مكة و البصرة فهذا عندهم اظهر و اشهر من أن يذكر و إنما ظهر علم علي و فقهه في الكوفة بحسب مقامه فيها عندهم مدة خلافته و كل شيعة علي الذين صحبوه لا يعرف عن أحد منهم أنه قدمه على أبي بكر و عمر لا في فقه و لا علم و لا دين، بل كل شيعته الذين قاتلوا معه كانوا مع سائر المسلمين متفقين على تقديم أبي بكر وعمر إلا من كان ينكر عليه و يذمه مع قلتهم و حقارتهم و خمولهم و هم ثلاث طوائف طائفة غلت فيه و ادعت فيه الإلهية و هؤلاء حرقهم بالنار

 

و طائفة سبت أبا بكر رأسهم عبد الله بن سبأ فطلب علي قتله حتى هرب منه إلى المدائن و طائفة كانت تفضله حتى قال لا يبلغني عن أحد انه فضلني على أبي بكر و عمر إلا جلدته جلد المفتري و قد روي عن علي من نحو ثمانين وجها انه قال على منبر الكوفة خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر و عمر. و في صحيح البخاري و غيره من رواية رجال همدان خاصته التي يقول فيهم و لو كنت بوابا على باب جنة لقلت لهمدان ادخلي بسلام انه قال و قد سأله ابنه محمد بن الحنفية يا أبت من خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم قال أبو بكر قال ثم من قال ثم عمر قال ثم أنت قال إنما أبوك رجل من المسلمين. قال البخاري حدثنا محمد بن كثير حدثنا سفيان الثوري حدثنا جامع بن شداد حدثنا أبو يعلى منذر الثوري عن محمد بن الحنفية قال قلت لأبي يا أبت من خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يا بني أو ما تعرف فقلت لا فقال أبو بكر قلت ثم من قال ثم عمر و هذا يقوله لابنه الذي لا يتقيه و لخاصته و يتقدم بعقوبة من يفضله عليهما و يراه مفتريا و المتواضع لا يجوز أن يتقدم بعقوبة من يفضله عليهما يقول الحق و لا يسميه مفتريا و كل من كان افضل من غيره من الأنبياء و الصحابة و غيرهم فانه اعلم و رأس الفضائل العلم قال تعالى هل يستوي الذين يعلمون و الذين لا يعلمون و الدلائل على ذلك كثيرة و كلام العلماء كثير في ذلك.

 

و أما قوله قال رسول الله صلى الله عليه و سلم اقضاكم علي والقضاء يستلزم العلم و الدين، فهذا الحديث لم يثبت و ليس له إسناد تقوم به الحجة و قوله أعلمكم بالحلال و الحرام معاذ بن جبل أقوى إسنادا منه و العلم بالحلال و الحرام ينتظم القضاء اعظم مما ينتظم للحلال و الحرام و هذا الثاني قد رواه الترمذي و احمد و الأول لم يروه أحد في السنن المشهورة و لا المساند المعروفة لا بإسناد صحيح و لا ضعيف و إنما يروي من طريق من هو معروف بالكذب.

و قول عمر علي أقضانا إنما هو في فصل الخصومات في الظاهر مع جواز أن يكون في الباطن بخلافه كما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال إنكم تختصمون إلي و لعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فاقضي له بنحو ما اسمع فمن قضيت له من حق أخيه بشيء فلا يأخذه فإنما اقطع له قطعة من النار فقد اخبر سيد القضاة أن قضاءه لا يحل الحرام و علم الحلال و الحرام يتناول الظاهر و الباطن فكان الأعلم به اعلم بالدين و أيضا فالقضاء نوعان أحدهما الحكم عند تجاحد الخصمين مثل أن يدعي أحدهما أمرا ينكره الآخر فيحكم فيه بالبينة و نحوها و الثاني ما لا يتجاحدان فيه بل يتصادقان لكن لا يعلمان ما يستحق كل منهما كتنازعهما في قسمة فريضة أو فيما يجب لكل من الزوجين على الآخر أو فيما يستحقه كل من المتشاركين و نحو ذلك فهذا الباب هو من باب الحلال و الحرام فإذا أفتاهما من يرضيان بقوله كفاهما و لم يحتاجا إلى من يحكم بينهما و إنما يحتاجان إلى الحاكم عند التجاحد و ذلك غالبا إنما يكون مع الفجور و قد يكون مع النسيان فما لا يختص بالقضاء لا يحتاج إليه إلا قليل من الأبرار فأما الحلال و الحرام فيحتاج إليه البر و الفاجر و لهذا لما أمر أبو بكر عمر أن يقضي بين الناس مكث سنة لم يتحاكم إليه اثنان و لو عد مجموع ما قضى به النبي صلى الله عليه و سلم من هذا النوع لم يبلغ عشر حكومات فأين هذا من كلامه في الحلال و الحرام الذي هو قوام دين الإسلام

 

و إذا كان قوله اعلم أمتي بالحلال و الحرام معاذ بن جبل اصح إسنادا و اظهر دلالة علم أن المحتج بذلك على أن عليا اعلم من معاذ جاهل فكيف من أبي بكر و عمر اللذين هما اعلم من معاذ مع أن الحديث الذي فيه ذكر معاذ و زيد بعضهم يضعفه و بعضهم يحسنه و الذي فيه ذكر علي فضعيف أو باطل و حديث أنا مدينة العلم و علي بابها اضعف و أوهى و لهذا إنما يعد في الموضوعات و أن رواه الترمذي و ذكره ابن الجوزي و بين أن سائر طرقه موضوعة و الكذب يعرف من نفس متنه فإن النبي صلى الله عليه و سلم إذا كان مدينة العلم و لم يكن لها إلا باب واحد و لم يبلغ عنه العلم إلا واحد فسد أمر الإسلام و لهذا اتفق المسلمون على أنه لايجوز أن يكون المبلغ عنه العلم واحدا بل يجب أن يكون المبلغون أهل التواتر الذين يحصل العلم بخبرهم للغائب

 

و خبر الواحد لا يفيد العلم إلا بقرائن وتلك قد تكون منتفية أو خفية عن اكثر الناس فلا يحصل لهم العلم بالقران والسنن المتواترة وإذا قالوا ذلك الواحد المعصوم يحصل العلم بخبرة قيل لهم فلا بد من العلم بعصمته أولا وعصمته لا تثبت بمجرد خبره قبل أن يعلم عصمته فانه دور ولا تثبت بالإجماع فانه لا إجماع فيها وعند الإمامية إنما يكون الإجماع حجة لان فيهم الإمام المعصوم فيعود الأمر إلى إثبات عصمته بمجرد دعواه فعلم أن عصمته لو كانت حقا لا بد أن تعلم بطريق آخر غير خبره فلو لم يكن لمدينة العلم باب إلا هو لم يثبت لا عصمته ولا غير ذلك من أمور الدين فعلم أن هذا الحديث إنما افتراه زنديق جاهل ظنه مدحا وهو مطرق الزنادقة إلى القدح في دين الإسلام إذ لم يبلغه إلا واحد ثم إن هذا خلاف المعلوم بالتواتر فان جميع مدائن الإسلام بلغهم العلم عن الرسول من غير علي أما أهل المدينة ومكة فالأمر فيهما ظاهر وكذلك الشام والبصرة فان هؤلاء لم يكونوا يروون عن علي إلا شيئا قليلا وإنما كان غالب علمه في الكوفة ومع هذا فأهل الكوفة كانوا يعلمون القران والسنة قبل أن يتولى عثمان فضلا عن علي

 

 

وفقهاء أهل المدينة تعلموا الدين في خلافة عمر وتعليم معاذ لأهل اليمن ومقامه فيهم اكثر من علي ولهذا روى أهل اليمن عن معاذ بن جبل اكثر مما رووا عن علي وشريح وغيره من أكابر التابعين إنما تفقهوا على معاذ بن جبل ولما قدم علي الكوفة كان شريح فيها قاضيا وهو وعبيدة السلماني نفقها على غيره فانتشر علم الإسلام في المدائن قبل أن يقدم علي الكوفة وقال ابن حزم واحتج من احتج من الرافضة بان عليا كان أكثرهم علما قال وهذا كذب وإنما يعرف علم الصحابي بأحد وجهين لا ثالث لهما أحدهما كثرة روايته وفتاويه والثاني كثرة استعمال النبي صلى الله عليه وسلم له فمن المحال الباطل أن يستعمل النبي صلى الله عليه وسلم من لا علم له وهذا اكبر شهادة على العلم وسعته فنظرنا في ذلك فوجدنا النبي صلى الله عليه وسلم قد ولى أبا بكر الصلاة بحضرته طول علته وجميع أكابر الصحابة حضور كعمر وعلي وابن مسعود وأبي وغيرهم وهذا بخلاف استخلاف علي إذا غزا لان ذلك على النساء وذوي الأعذار فقط فوجب ضرورة أن يكون أبو بكر اعلم الناس بالصلاة وشرائعها واعلم المذكورين بها وهي عمود الإسلام ووجدناه أيضا قد استعمله على الصدقات فوجب ضرورة

 

 

أن يكون عنده من علم الصدقات كالذي عند غيره من علماء الصحابة لا اقل وربما كان اكثر إذ قد استعمل غيره وهو لا يستعمل إلا عالما بما استعمله فيه والزكاة ركن من أركان الدين بعد الصلاة وبرهان ما قلناه من تمام علم أبي بكر بالصدقات أن الأخبار الواردة في الزكاة أصحها والذي يلزم العمل به ولا يجوز خلافه فهو حديث أبي بكر ثم الذي من طريق عمر و إما من طريق علي فمضطرب وفيه ما قد تركه الفقهاء جملة وهو أن في خمس وعشرين من الإبل خمسا من الشياه وأيضا فوجدناه صلى الله عليه وسلم استعمل أبا بكر على الحج فصح ضرورة انه اعلم من جميع الصحابة بالحج وهذه دعائم الإسلام ثم وجدناه قد استعمله على البعوث فصح أن عنده من أحكام الجهاد مثل ما عند سائر من استعمله النبي صلى الله عليه وسلم على البعوث إذ لا يستعمل إلا عالما بالعمل فعند أبي بكر من علم الجهاد كالذي عند علي وسائر أمراء البعوث لا اقل وإذا صح التقدم لأبي بكر على علي وغيره في العلم بالصلاة

 

 

والزكاة والحج وساواه في الجهاد فهذه عمدة للعلم ثم وجدناه صلى الله عليه وسلم قد الزم نفسه في جلوسه ومسامرته وظعنه و إقامته أبا بكر فشاهد أحكامه وفتاويه اكثر من مشاهدة علي لها فصح ضرورة انه اعلم بها فهل بقيت من العلم بقية إلا و أبو بكر المقدم فيها الذي لا يلحق أو المشارك الذي لا يسبق فبطلت دعواهم في العلم والحمد لله رب العالمين و أما الرواية و الفتيا فان أبا بكر رضي الله عنه لم يعش بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا سنتين وستة اشهر ولم يفارق المدينة إلا حاجا أو معتمرا ولم يحتج الناس إلى ما عنده من الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لان كل من حواليه أدركوا النبي صلى الله عليه وسلم وعلى ذلك كله فقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة حديث واثنين و أربعين حديثا مسندة ولم يرو عن علي إلا خمسمائة وستة وثمانون حديثا مسندة يصح منها نحو خمسين حديثا وقد عاش بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أزيد من ثلاثين سنة فكثر لقاء الناس إياه وحاجتهم إلى ما عنده لذهاب جمهور الصحابة وكثر سماع أهل الافاق منه مرة بصفين وأعواما بالكوفة ومرة بالبصرة ومرة

 

 

بالمدينة فإذا نسبنا مدة أبي بكر من حياته واضفنا تفري على البلاد بلدا بلدا وكثرة سماع الناس منه إلى لزوم أبي بكر موطنه وانه لم تكثر حاجة من حواليه إلى الرواية عنه ثم نسبنا عدد حديثه من عدد حديثه وفتاويه من فتاويه علم كل ذي حظ من علم أن الذي عند أبي بكر من العلم أضعاف ما كان عند علي منه وبرهان ذلك أن من قبل عمر من الصحابة عغفمر قليلا قل النقل عنه ومن طال عمره كثر النقل عنه إلا اليسير ممن اكتفى بنيابة غيره عنه في تعليم الناس وقد عاش علي بعد عمر سبعة عشر عاما غير اشهر ومسند عمر خمسمائة حديث وسبعة وثلاثون حديثا يصح منها نحو خمسين كالذي عن علي سواء فكل ما زاد حديث علي على حديث عمر تسعة و أربعون حديثا في هذه المدة ولم يزد عليه في الصحيح إلا حديث أو حديثان وفتاوى عمر موازية لفتاوي علي في أبواب الفقه فإذا نسبنا مدة من مدة وضربا في البلاد من ضرب فيها واضفنا حديثا إلى حديثوفتاوى إلى فتاوى علم كل ذي حس علما ضروريا أن الذي كان عند عمر من العلم أضعاف ما كان عند علي ووجدنا مسند عائشة ألفي مسند ومائتي مسند وعشرة مسانيد وحديث أبي هريرة خمسة آلاف مسند وثلاثمائة مسند و أربعة وسبعون مسندا ووجدنا مسند ابن عمر وانس قريبا من مسند عائشة لكل واحد منهما ووجدنا مسند جابر وابن عباس لكل واحد منهما أزيد من ألف وخمسمائة ووجدنا لابن مسعود ثمانمائة مسند ونيفا ولكل من ذكرنا حاشا أبي هريرة وانس من الفتاوى اكثر من فتاوى علي أو نحوها فبطل قول هذا الجاهل إلى أن قال فان قالوا قد استعمل النبي صلى الله عليه وسلم عليا على الأخماس علما والقضاء باليمن قلنا نعم لكن مشاهدة أبي بكر لأقضية النبي صلى الله عليه وسلم أقوى في العلم واثبت مما عند علي وهو باليمن وقد استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم

 

 

أبا بكر على بعوث فيها الأخماس فقد ساوى علمه علم علي في حكمها بلا شك إذ لا يستعمل النبي إلا عالما بما يستعمله عليه وقد صح أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا يفتيان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعلم ذلك ومحال أن يبيح لهما ذلك إلا وهما اعلم من غيرهما وقد استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا على القضاء باليمن مع علي معاذا و أبا موسى الاشعري فلعلي في هذا شركاء كثير منهم أبو بكر وعمر ثم انفرد أبو بكر بالجمهور والأغلب من العلم.

*

فصل قال الرافضي وفيه نزل قوله تعالى وتعيها أذن واعية.

*والجواب انه حديث موضوع باتفاق أهل العلم ومعلوم بالاضطرار أن الله تعالى لم يرد بذلك أن لا تعيها إلا أذن واعية واحدة من الأذان ولا أذن شخص معين لكن المقصود النوع فيدخل في ذلك كل أذن واعية.

*فصل قال الرافضي وكان في غاية الذكاء شديد الحرص على التعلم ولازم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو اكمل الناس ملازمة ليلا ونهارا من صغره إلى وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

*والجواب أن يقال من أين علم انه أذكى من عمر ومن أبي بكر أو انه كان ارغب في العلم منهما أو أن استفادته من النبي صلى الله عليه وسلم اكثر منهما وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال انه كان في الأمم قبلكم محدثون فان يكن في أمتي أحد فعمر والمحدث الملهم يلهمه الله وهذا قدر زائد على تعليم البشر وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال رأيت كأني أتيت بلبن فشربت منه حتى رأيت الري يخرج من أظفاري ثم ناولت فضلي عمر قالوا فما أولته قال العلم ولم يرو مثل هذا لعلي

 

وفي الصحيحين عن أبي سعيد قال قال النبي صلى الله عليه وسلم رأيت الناس يعرضون علي وعلهم قمص منها ما يبلغ الثدي ومنها ما دون ذلك وعرض علي عمر وعليه قميص يجره قالوا فما أولته يا رسول الله قال الدين فهذان حديثان صحيحان يشهدان له بالعلم والدين ولم يرو مثل هذا لعلي وقال ابن مسعود لما مات عمر أني لأحسب هذا قد ذهب بتسعة أعشار العلم وشارك الناس في العشر الباقي ولا ريب أن أبا بكر كان ملازما للنبي صلى الله علي وسلم اكثر من علي ومن كل أحد و اكن أبو بكر و عمر رضي الله عنهما اكثر اجتماعا بالنبي صلى الله عليه و سلم من علي بكثير كما في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال وضع عمر رضي الله عنه على سريره فتكنفه الناس يدعون و يثنون ويصلون عليه قبل أن يرفع فلم يرعني إلا رجل قد اخذ بمنكبي من ورائي فالتفت إليه فإذا هو علي و ترحم على على عمر و قال ما خلفت أحدا احب إلى أن ألقى الله عز و جل بمثل عمله منك و أيم الله أن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك و ذلك أني كثيرا ما كنت اسمع النبي صلى

 

 

الله عليه وسلم يقول جئت أنا و أبو بكر و عمر و دخلت أنا و أبو بكر و عمر و خرجت أنا و أبو بكر و عمر فان كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك و كان النبي صلى الله عليه وسلم و أبو بكر يسمران في أمر المسلمين بالليل و المسائل التي تنازع فيها عمر و علي في الغالب يكون فيها قول عمر ارجح كمسألة الحامل المتوفي عنها زوجها و مسالة الحرام كما تقدم و لا ريب أن مذهب أهل المدينة ارجح من مذهب أهل العراق و هؤلاء يتبعون عمر و زيدا في الغالب و أولئك يتبعون عليا و ابن مسعود و كان ما يقوله عمر يشاور فيه عثمان و عليا و غيرهما و علي مع هؤلاء أقوى من علي وحده كما قال له قاضيه عبيدة السلماني رأيك مع عمر في الجماعة احب إلينا من رأيك وحدك في الفرقة وقال ابن مسعود كان عمر إذا فتح لنا بابا دخلناه فوجدناه سهلا آتى في زوج و أبوين و امرأة و أبوين فقال للام ثلث الباقي ثم أن عثمان و عليا و ابن مسعود و زيدا اتبعوه و سعيد بن المسيب كان من اعلم التابعين باتفاق المسلمين و كان عمدة فقهه قضايا عمر و كان ابن عمر يسأله عنها و في الترمذي عنالنبي صلى الله عليه وسلم انه قال لو كان بعدي نبي لكان عمر قال الترمذي حديث حسن و اعلم أن أهل الكوفة و أصحاب ابن مسعود كعلقمة و الأسود و شريح و الحارث بن قيس و عبيدة السلماني و مسروق و زر بن حبيش و أبي وائل و غيرهم هؤلاء كانوا يفضلون علم عمر و علم ابن مسعود على علم علي و يقصدون في الغالب قول عمر و ابن مسعود دون قول علي.

*

فصل قال الرافضي و قال صلى الله عليه وسلم العلم في الصغر كالنقش في الحجر. فتكون علومه اكثر من علوم غيره لحصول القابل الكامل و الفاعل التام.

*و الجواب أن هذا من عدم علم الرافضي بالحديث فان هذا مثل سائر ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم و أصحابه أيدهم الله تعالى فتعلموا الإيمان و القرآن و السنن و يسر الله ذلك عليهم و كذلك

 

علي فان القرآن لم يكمل حتى صار لعلي نحوا من ثلاثين سنة فإنما حفظ اكثر ذلك في كبره لا في صغره و قد اختلف في حفظه لجميع القران على قولين و الأنبياء اعلم الخلق و لم يبعث الله نبيا إلا بعد الأربعين إلا عيسى صلى الله عليه وسلم.

و تعليم النبي صلى الله علي وسلم كان مطلقا لم يكن يخص به أحدا و لكن بحسب استعداد الطالب و لهذا حفظ عنه أبو هريرة في ثلاث سنين و بعض أخرى ما لم يحفظه غيره و كان اجتماع أبي بكر به اكثر من سائر الصحابة.

و أما قوله أن الناس منه استفادوا العلوم فهذا باطل فان أهل الكوفة التي كانت داره كانوا قد تعلموا الإيمان و القران و تفسيره و الفقه و السنة من ابن مسعود و غيره قبل أن يقدم علي الكوفة. و إذا قيل أن أبا عبد الرحمن قرأ عليه فمعناه عرض عليه و إلا فأبو عبد الرحمن كان قد حفظ القران قبل أن يقدم علي الكوفة و هوو غيره من علماء الكوفة مثل علقمة و الأسود و الحارث التيمي و زر ابن حبيش الذي قرأ عليه عاصم بن أبي النجود اخذوا القران عن ابن مسعود و كانوا يذهبون إلى المدينة فيأخذون عن عمر وعائشه ولم يأخذوا عن علي كما اخذوا عن عمرو عائشة و شريح قاضيه إنما تفقه على معاذ بن جبل باليمن و كان يناظره في الفقه و لا يقلده و كذلك عبيدة السلماني كان لا يقلده بل يقول له رأيك مع عمر في الجماعة احب إلينا من رأيك وحدك في الفرقة و أما أهل المدينة و مكة فعلمهم أيضا ليس مأخوذا عنه و كذلك أهل الشام و البصرة فهذه الأمصار الخمسة الحجازان و العراقان و الشام هي التي خرج منها علوم النبوة من العلوم الإيمانية و القرآنية و الشريعة و ما اخذ هؤلاء عنه فان عمر رضي الله عنه كان قد أرسل إلى كل مصر من يعلمهم القران و السنة و أرسل إلى أهل الشام معاذ بن جبل و عبادة بن الصامت و غيرهما و أرسل إلى العراق ابن مسعود و حذيفة بن اليمان و غيرهما.

 

*

فصل قال الرافضي و أما النحو فهو واضعه، قال لأبي الأسود الكلام كله ثلاثة أشياء اسم و فعل و حرف، و علمه وجوه الأعراب.

*و الجواب أن يقال أولا هذا ليس من علوم النبوة و إنما هو علم مستنبط و هو وسيلة في حفظ قوانين اللسان الذي نزل به القران و لم يكن في زمن الخلفاء الثلاثة لحن فلم يحتج إليه فلما سكن علي الكوفة و بها الأنباط روي انه قال لأبي الأسود الدؤلي الكلام اسم و فعل و حرف و قال انح هذا النحو ففعل هذا للحاجة كما أن من بعد علي أيضا استخرج للخط النقط و الشكل و علامة المد و الشد و نحوه للحاجة ثم بعد ذلك بسط النحو نحاة الكوفة و البصرة و الخليل استخرج علم العروض.

*فصل قال الرافضي و في الفقه الفقهاء يرجعون إليه.

*و الجواب أن هذا كذب بين فليس في الأئمة الأربعة و لا غيرهم من أئمة الفقهاء من يرجع إليه في فقهه أما مالك فان علمه عن

 

أهل المدينة و أهل المدينة لا يكادون يأخذون بقول علي بل اخذوا فقههم عن الفقهاء السبعة عن زيد و عمر و ابن عمر و نحوهم.

أما الشافعي فانه تفقه أولا على المكيين أصحاب ابن جريج كسعيد بن سالم القداح و مسلم بن خالد الزنجي و ابن جريج اخذ ذلك عن أصحاب ابن عباس كعطاء و غيره و ابن عباس كان مجتهدا مستقلا و كان إذا أفتى بقول الصحابة أفتى بقول أبي بكر و عمر لا بقول علي و كان ينكر على علي أشياء. ثم أن الشافعي اخذ عن مالك ثم كتب كتب أهل العراق و اخذ مذاهب أهل الحديث و اختار لنفسه.

و أما أبو حنيفة فشيخه الذي اختص به حماد بن أبي سليمان و حماد عن إبراهيم و إبراهيم عن علقمة و علقمة عن ابن مسعود و قد اخذ أبو حنيفة عن عطاء و غيره.

و أما الإمام احمد فكان على مذهب أهل الحديث اخذ عن ابن عيينة و ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن عباس و ابن عمر و اخذ عن هشام بن بشير و هشام عن أصحاب الحسن و إبراهيم النخعي و اخذ عن عبد الرحمن بن مهدي و وكيع بن الجراح و أمثالهما و جالس الشافعي و اخذ عن أبي يوسف و اختار لنفسه قولا و كذلك إسحاق بن راهويه وابو عبيد ونحوهمو الاوزاعي و الليث اكثر فقههما عن أهل المدينة و أمثالهم لا عن الكوفيين.

*

فصل قال الرافضي أما المالكية فاخذوا علمهم عنه و عن أولاده.

*و الجواب أن هنا كذب ظاهر فهذا موطأ مالك ليس فيه عنه و لا عن أحد أولاده إلا قليل جدا و جمهور ما فيه عن غيرهم فيه عن جعفر تسعة أحاديث و لم يرو مالك عن أحد من ذريته إلا عن جعفر و كذلك الأحاديث التي في الصحاح و السنن و المساند منها قليل عن ولده و جمهور ما فيها عن غيرهم.

 

*

فصل قال الرافضي و أما أبو حنيفة فقرأ على الصادق.

*و الجواب أن هذا من الكذب الذي يعرفه من له أدنى علم فان أبا حنيفة من أقران جعفر الصادق توفي الصادق سنة ثمان و أربعين و توفي أبو حنيفة سنة خمسين و مائة و كان أبو حنيفة يفتي في حياة أبي جعفر والد الصادق و ما يعرف أن أبا حنيفة اخذ عن جعفر الصادق و لا عن أبيه مسألة واحدة بل اخذ عمن كان أسن منهما كعطاء بن أبي رباح و شيخه الأصلي حماد بن أبي سليمان و جعفر بن محمد كان بالمدينة.

*فصل قال الرافضي و أما الشافعي فقرأ على محمد بن الحسن.

*الجواب أن هذا ليس كذلك بل جالسه و علاف عرف طريقته و ناظره و أول من اظهر الخلاف لمحمد بن الحسن و الرد عليه هو الشافعي ان محمد بن الحسن اظهر الرد على مالك و أهل المدينة و هو أول من عرف منه رد على مخالفيه فنظر الشافعي في كلامه و انتصر لما تبين له انه الحق من قول أهل المدينة و كان انتصاره في الغالب لمذهب أهل الحجاز و أهل الحديث ثم أن عيسى بن إبان صنف كتابا تعرض فيه بالرد على الشافعي فصنف ابن سريج كتابا في الرد على عيسى بن إبان و كذلك احمد بن حنبل لم يقرأ على الشافعي لكن جالسه كما جالس الشافعي محمد بن الحسن و استفاد كل منهما من صاحبه و كان الشافعي و احمد يتفقان في أصولهما اكثر من اتفاق الشافعي و محمد بن الحسن و كان الشافعي أسن من احمد ببضع عشرة سنة و كان الشافعي قدم بغداد أولا سنة بضع و ثمانين في حياة محمد بن الحسن بعد موت أبي يوسف ثم قدمها ثانية سنة بضع و تسعين و في هذه القدمة اجتمع به احمد و بالجملة فهؤلاء اللاأمة الأربعة ليس فيهم من اخذ عن جعفر شيئا من قواعد الفقه لكن رووا عنه أحاديث كما رووا عن غيره و أحاديث غيره أضعاف أحاديثه و ليس بين حديث الزهري و حديثه نسبة لا في القوة و لا في الكثرة و قد استراب البخاري في بعض حديثه لما بلغه عن يحيى بن سعيد

 

القطان فيه كلام فلم يخرج له و لم يكذب على أحد ما كذب على جعفر الصادق مع براءته كما كذب عليه فنسب إليه علم البطاقة و الهفت و الجدول و اختلاج الأعضاء و منافع القران و الكلام على الحوادث و أنواع من الإشارات في تفسير القران وتفسير قراءة السورة في المنام وكل ذلك كذب عليه وأيضا جعفر الصادق اخذ عن أبيه وعن غيره كما قدمنا وكذلك أبوه اخذ عن علي بن الحسين وغيره وكذلك علي بن الحسين اخذ العلم عن غير الحسين اكثر مما اخذ عن الحسين فان الحسين قتل سنة إحدى وستين وعلي صغير فلما رجع إلى المدينة اخذ عن علماء أهل المدينة فإن علي بن الحسين اخذ عن أمهات المؤمنين عائشة وأم سلمة وصفية واخذ عن ابن عباس والمسور بن مخرمة وأبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم ومروان بن الحكم وسعيد بن المسيب وغيرهم وكذلك الحسن كان يأخذ عن أبيه وغيره حتى اخذ عن التابعين وهذا من علمه ودينه رضي الله عنه و أما ثناء العلماء على علي بن الحسين ومناقبه فكثيرة وقال الزهري لم أدرك بالمدينة افضل من علي بن الحسين وقال يحيى بن سعيد الأنصاري هو افضل هاشمي رايته بالمدينة وقال حماد بن زيد سمعت عن علي بن الحسين وكان افضل هاشمي أدركته يقولأيها الناس أحبونا حب الإسلام فما برح بنا حبكم حتى صار علينا عارا ذكره محمد بن سعد في الطبقات أنبأنا عارم بن الفضل أنبأنا حماد ثم قال بن سعد قالوا وكان علي بن الحسين ثقة مأمونا كثير الحديث عاليا رفيعا وروى عن شيبة بن نعامة قال كان علي بن الحسين يبخل فلما مات وجدوه يقوت أهل مائة بيت بالمدينة في السر.

 

*

فصل قال الرافضي ومالك قرا على ربيعة وربيعة على عكرمة وعكرمة على ابن عباس وابن عباس تلميذ علي.

*والجواب أن هذا من الكذب فان ربيعة لم يأخذ عن عكرمة شيئا، بل ولا ذكر مالك عن عكرمة في كتبه إلا أثرا أو اثرين ولا ذكر اسم عكرمة في كتبه أصلا لأنه بلغه عن ابن عمر وابن المسيب انهما تكلما فيه فتركه لذلك وكذلك لم يخرج له مسلم ولكن ربيعة اخذ عن سعيد بن المسيب و أمثاله من فقهاء أهل المدينة وسعيد كان يرجع علمه إلى عمر وكان قد اخذ عن زيد بن ثابت وأبي هريرة وتتبع قضايا عمر من أصحابه وكان ابن عمر يسأله عنها ولهذا يقال أن موطأ مالك أخذت أصوله عن ربيعة عن سعيد بن المسيب عن عمر وقال الرشيد لمالك قد أكثرت في موطئك عن ابن عمر وأقللت عن ابن عباس فقال كان أورع الرجلين يا أمير المؤمنين فهذا موطأ مالك يبين أن ما ذكره عن مالك من اظهر الكذب وقول ابن عباس تلميذ علي كلام باطل فان رواية ابن عباس عن علي قليلة وغالب أخذه عن عمر وزيد بن ثابت وأبي هريرة وغيرهم من الصحابة وكان يفتي بقول أبي بكر وعمر ونازع عليا في مسائل مثل ما اخرج البخاري في صحيحه قال أتى علي بقوم زنادقة فحرقهم فبلغ ذلك بن عباس فقال أما لو كنت لم احرقهم لنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعذب بعذاب الله ولقتلتهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدل دينه فاقتلوه فبلغ ذلك عليا فقال ويح ابن عباس ما أسقطه على الهنات تم بحمد الله

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اسم الكتاب: منهاج السنة النبوية

///

الجزء الثامن///

*

فصل قال الرافضي وأما علم الكلام فهو أصله ومن خطبة تعلم الناس وكل الناس تلاميذه.

*والجواب أن هذا الكلام كذب لا مدح فيه فإن الكلام المخالف للكتاب والسنة باطل وقد نزه الله عليا عنه ولم يكن في الصحابة والتابعين أحد يستدل على حدوث العالم بحدوث الأجسام ويثبت حدوث الأجسام بدليل الأعراض والحركة والسكون والأجسام مستلزمة لذلك لا تنفك عنه وما لا يسبق الحوادث فهو حادث ويبنى ذلك على حوادث لا أول لها بل أول ما ظهر هذا الكلام في الإسلام بعد المائة الأولى من جهة الجعد بن درهم والجهم بن صفوان ثم صار إلى أصحاب عمرو بن عبيد كأبي الهذيل العلاف وأمثاله وعمرو بن عبيد واصل بن عطاء إنما كانا يظهران الكلام في إنفاذ الوعيد وأن النار لا يخرج منها من دخلها وفي التكذيب بالقدر وهذا كله مما نزه الله عنه عليا وليس في الخطب الثابتة عن علي شيء من أصول المعتزلة الخمسة بل كل ذلك إذا نقل عنه فهو كذب عليه وقدماء المعتزلة لم يكونوا يعظمون عليا بل كان فيهم من يشك في عدالته ويقول قد فسق عند إحدى الطائفتين لا بعينها إما علي وإما طلحة والزبير فإذا شهد أحدهما لم أقبل شهادته وفي قبول شهادة علي منفردة قولان لهم وهذا معروف عن عمرو بن عبيد وأمثاله من المعتزلة والشيعة القدماء كلهم كالهشامين وغيرهما يثبتون الصفات ويقرون بالقدر على خلاف قول متأخري الشيعة بل يصرحون بالتجسيم ويحكى عنهم فيه شناعات وهم يدعون أنهم أخذوا ذلك عن أهل البيت

 

وقد ثبت عن جعفر الصادق أنه سئل عن القرآن أخالق هو أم مخلوق فقال ليس بخالق ولا مخلوق لكنه كلام الله وأما قول الرافضي إن واصل بن عطاء أخذ عن أبي هاشم ابن محمد بن الحنفية فيقال إن الحسن بن محمد بن الحنفية قد وضع كتابا في الإرجاء نقيض قول المعتزلة ذكر هذا غير واحد من أهل العلم وهذا يناقض مذهب المعتزلة الذي يقول به واصل بن عطاء ويقال إنه أخذه عن أبي هاشموقيل إن أبا هاشم هذا صنف كتابا أنكر عليه لم يوافقه عليه أخوه ولا أهل بيته ولا أخذه عن أبيه وبكل حال الكتاب الذي نسب إلى الحسن يناقض ما ينسب إلى أبي هاشم وكلاهما قد قيل إنه رجع عن ذلك ويمتنع أن يكونا أخذا هذين المتناقضين عن أبيهما محمد بن الحنفية وليس نسبة أحدهما إلى محمد بأولى من الآخر فبطل القطع بكون محمد بن الحنفية كان يقول بهذا وبهذا يل المقطوع به أن محمدا مع براءته من قول المرجئة فهو من قوله المعتزلة أعظم براءة وأبو علي أعظم براءة من المعتزلة والمرجئة منه وأما الأشعري فلا ريب عنه أنه كان تلميذا لأبي علي الجبائي لكنه

 

 

فارقه ورجع عن جمل مذهبه وإن كان قد بقي عليه شيء من أصول مذهبه لكنه خالفه في نفي الصفات وسلك فيها طريقة ابن كلاب وخالفهم في القدر ومسائل الإيمان والأسماء والأحكام وناقضهم في ذلك أكثر من مناقضة حسين النجار وضرار بن عمرو ونحوهما ممن هو متوسط في هذا الباب كجمهور الفقهاء وجمهور أهل الحديث حتى مال في ذلك إلى قول جهم وخالفهم في الوعيد وقال بمذهب الجماعة وانتسب إلى مذهب أهل الحديث والسنة كأحمد بن حنبل وأمثال وبهذا اشتهر عند الناس فالقدر الذي يحمد من مذهبه هو ما وافق فيه أهل السنة والحديث كالجمل الجامعة وأما القدر الذي يذم من مذهبه فهو ما وافق فيه المخالفين للسنة والحديث من المعتزلة والمرجئة والجهمية والقدرية ونحو ذلك وأخذ مذهب أهل الحديث عن زكريا بن يحيى الساجي بالبصرة وعن طائفة ببغداد من أصحاب أحمد وغيرهم وذكر في المقالات ما اعتقد أنه مذهب أهل السنة والحديث وقال بكل ما ذكرنا من قولهم نقول وإليه نذهبوهذا المذهب هو من أبعد المذاهب عن مذهب الجهمية والقدرية وأما الرافضة كهذا المصنف وأمثاله من متأخري الإمامية فإنهم جمعوا أخس المذاهب مذهب الجهمية في الصفات ومذهب القدرية في أفعال العباد ومذهب الرافضة في الإمامة والتفضيل فتبين أن ما نقل عن علي من الكلام فهو كذب عليه ولا مدح فيه وأعظم من ذلك أن القرامطة الباطنية ينسبون قولهم إليه وأنه أعطى علما باطنا مخالفا للظاهر وقد ثبت في الصحيح عنه أنه قال والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما عهد إلى النبي صلى الله عليه وسلم شيئا لم يعهده إلى الناس إلا ما في هذه الصحيفة وكان فيها العقل وفكاك الأسرى وأن لا يقتل مسلم بكافر إلا فهما يؤتيه الله عبدا في الكتاب ومن الناس من ينسب إليه الكلام في الحوادث كالجفر وغيره وآخرون ينسبون إليه البطاقة وأمورا أخرى يعلم أن عليا بريء منها

 

 

وكذلك جعفر الصادق قد كذب عليه من الأكاذيب مالا يعلمه إلا الله حتى نسب إليه القول في أحكام النجوم والرعود والبروق والقرعة التي هي من الاستقسام بالأزلام ونسب إليه كتاب منافع سور القرآن وغير ذلك مما يعلم العلماء أن جعفرا رضي الله عنه بريء من ذلك وحتى نسب إليه أنواع من تفسير القرآن على طريقة الباطنية كما ذكر ذلك عنه أبو عبد الرحمن السلمي في كتاب حقائق التفسير فذكر قطعة من التفاسير التي هي من تفاسيره وهي من باب تحريف الكلم عن مواضعه وتبديل مراد الله تعالى من الآيات بغير مراده وكل ذي علم بحاله يعلم أنه كان بريئا من هذه الأقوال والكذب على الله في تفسير كتابه العزيز وكذلك قد نسب إليه بعضهم الكتاب الذي يسمى رسائل إخوان الكدر وهذا الكتاب صنف بعد جعفر الصادق بأكثر من مائتي سنة فإن جعفرا توفي سنة ثمان وأربعين ومائة وهذا الكتاب صنف في أثناء الدولة العبيدية الباطنية الإسماعيلية لما استولوا على مصر وبنوا القاهرة صنفه طائفة من الذين أرادوا أن يجمعوا بين الفلسفة والشريعة والتشيع كما كان يسلكه هؤلاء العبيديون الذين كانوا يدعون أنهم من ولد علي

 

=========

 

ج15. كتاب : منهاج السنة النبوية

 

المؤلف : شيخ الإسلام بن تيمية

 

 

وأهل العلم بالنسب يعلمون أن نسبهم باطل وأن جدهم يهودي في الباطن وفي الظاهر وجدهم ديصاني من المجوس تزوج أمرأة هذا اليهودي وكان ابنه ربيبا لمجوسي فانتسب إلى زوج أمه المجوسي وكانوا ينتسبون إلى بأهله على أنهم من مواليهم وادعى هو أنه من ذرية محمد بن إسماعيل بن جعفر وإليه انتسب الإسماعيلية وادعوا أن الحق معهم دون الاثني عشرية فإن الإثنى عشرية يدعون إمامه موسى ابن جعفر وهؤلاء يدعون إمامه إسماعيل بن جعفر وأئمة هؤلاء في الباطن ملاحدة زنادقة شر من الغالية ليسوا من جنس الاثنى عشرية لكن إنما طرقهم على هذا المذاهب الفاسدة ونسبتها إلى علي ما فعلته الاثنا عشرية وأمثالهم كذب أولئك عليه نوعا من الكذب ففرعه هؤلاء وزادوا عليه حتى نسبوا الإلحاد إليه كما نسب هؤلاء إليه مذهب الجهمية والقدرية وغير ذلك ولما كان هؤلاء الملاحدة من الإسماعيلية والنصيرية ونحوهم ينتسبون إلى علي وهم طرقية وعشرية وغرباء وأمثال هؤلاء صاروا يضيفون إلى علي ما براه الله منه حتى صار اللصوص من العشرية يزعمون أن معهم كتابا من علي بالإذن لهم في سرقة أموال الناس كما ادعت اليهود الخيابرة أن معهم كتابا من على بإسقاط الجزية عنهم

 

 

وإباحة عشر أموال أنفسهم وغير ذلك من الأمور المخالفة لدين الإسلام وقد أجمع العلماء على أن هذا كله كذب على علي وهو من أبرأ الناس من هذا كله ثم صار هؤلأء يعدون ما افتروه عليه من هذه الأمور مدحا له يفضلونه بها على الخلفاء قبله ويجعلون تنزه أولئك من مثل الإباطيل عيبا فيهم وبغضا حتى صار رؤوس الباطنية تجعل منتهى الإسلام وغايته هو الإقرار بربوبية الأفلاك وأنه ليس وراء الأفلاك صانع لها ولا خالق ويجعلون هذا هو باطن دين الإسلام الذي بعث به الرسول وأن هذا هو تأويله وأن هذا التأويل ألقاه على إلى الخواص حتى اتصل بمحمد ابن إسماعيل بن جعفر وهو عندهم القائم ودولته هي القائمة عندهم وأنه ينسخ ملة محمد بن عبدالله ويظهر التأويلات الباطنة التي يكتمها التي أسرها إلى علي وصار هؤلاء يسقطون عن خواص أصحابهم الصلاة والزكاة والصيام والحج ويبيحون لهم المحرمات من الفواحش والظلم والمنكر وغير ذلك

 

 

وصنف المسلمون في كشف أسرارهم وهتك أستارهم كتبا معروفة لما علموه من إفسادهم الدين والدنيا وصنف فيهم القاضي عبد الجبار والقاضي أبو بكر بن الطيب وأبو يعلى والغزالي وابن عقيل وأبو عبد الله الشهرستاني وطوائف غير هؤلاء وهم الملاحدة الذين ظهروا بالمشرق والمغرب واليمن والشام ومواضع متعددة كأصحاب الألموت وأمثالهم وكان من أعظم ما به دخل هؤلاء على المسلمين وأفسدوا الدين هو طريق الشيعة لفرط جهلهم وأهوائهم وبعدهم من دين الإسلام وبهذا وصوا دعاتهم أن يدخلوا على المسلمين من باب التشيع وصاروا يستعينون بما عند الشيعة من الأكاذيب والأهواء ويزيدون هم على ذلك ما ناسبهم من الافتراء حتى فعلوا في أهل الإيمان مالم يفعله عبدة الأوثان والصلبان وكان حقيقة أمرهم دين فرعون الذي هو شر من دين اليهود والنصارى وعباد الأصنام وأول دعوتهم التشيع وآخرها الانسلاخ من الإسلام بل من الملل كلها ومن عرف أحوال الإسلام وتقلب الناس فيه فلا بد أنه قد عرف شيئا من هذا

 

 

وهذا تصديق لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه لتركبن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه قالوا يا رسول الله اليهود والنصارى قال فمن وفي الحديث الآخر المتفق عليه لتأخذن أمتي مأخذ الأمم قبلها شبرا بشبر وذراعا بذراع قالوا يا رسول الله فارس والروم قال ومن الناس إلا هولاء وهذا بعينه صار في هؤلاء المنتسبين إلى التشيع فإن هؤلاء الإسماعيلية أخذوا من مذاهب الفرس وقولهم بالأصلين النور والظلمة وغير ذلك أمورا وأخذوا من مذاهب الروم من النصرانية وما كانوا عليه قبل النصرانية من مذهب اليونان وقولهم بالنفس والعقل وغير ذلك امورا ومزجوا هذا بهذا وسموا ذلك باصطلاحهم السابق والتالي وجعلوه هو القلم واللوح وأن القلم هو العقل الذي يقول هؤلاء إنه أول المخلوقات واحتجوا بحديث يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أول ما خلق الله العقل قال له أقبل فأقبل فقال له أدبر فأدبر فقال وعزتي ما خلقت خلقا أكرم علي منك فبك آخذ وبك أعطى وبك الثواب وبك العقاب وهذا الحديث رواه بعض من صنف في فضائل العقل كداود بنالمحبر ونحوه وهو حديث موضوع كذب على النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل المعرفة بالحديث كما ذكر ذلك أبو حاتم بن حبان البستي والدارقطني وابن الجوزي وغيرهم لكن لما وافق رأي هؤلاء استدلوا به على عادتهم مع أن لفظ الحديث يناقض مذهبهم فإن لفظه أول بالنصب وروى أنه لما خلق الله العقل أي أنه قال له هذا الكلام في أول أوقات خلقه فالمراد به أنه خاطبه حين خلقه لا أنه أول المخلوقات ولهذا قال في أثنائه ما خلقت خلقا أكرم علي منك فدل على أنه خلق قبله غيره ووصفه بأنه يقبل ويدبر

 

 

والعقل الأول عندهم يمتنع عليه هذا وقال بك آخذ وبك أعطى وبك الثواب وهذا العقل عندهم هو رب العالم كله هو المبدع له كله وهو معلول الأول لا يختص به أربعة أعراض بل هو عندهم مبدع الجواهر كلها العلوية والسفلية والحسية والعقلية والعقل في لغة المسلمين عرض قائم بغيره وإما قوة في النفس وأما مصدر العقل عقل يعقل عقلا وأما العاقل فلا يسمى في لغتهم العقل وهؤلاء في اصطلاحهم العقل جوهر قائم بنفسه وقد بسطنا الكلام على هذا وبينا حقيقة أمره بالمعقول والمنقول وأن ما يثبتونه من المفارقات عند التحقيق لا يرجع إلا إلى أمر وجودها في الأذهان لا في الأعيان إلا النفس الناطقة وقد أخطأوا في بعض صفاتها وهؤلاء قولهم إن العالم معلول علة قديمة أزلية واجبة الوجود وإن العالم لازم لها لكن حقيقة قولهم إنه علة غائية وإن الأفلاك تتحرك حركة إرادية شوقية للتشبه به وهو محرك لها كما يحرك

 

 

المحبوب المتشبه به لمحبه الذي يتشبه به ومثل هذا لا يوجب أن يكون هو المحدث لتصوراته وإرادته وحركاته فقولهم في حركة الفلك من جنس قول القدرية في أفعال الحيوان لكن هؤلاء يقولون حركة الفلك هي سبب الحوادث فحقيقة قولهم إن الحوادث كلها تحدث بلا محدث أصلا وإن الله لا يفعل شيئا ولكل مقام مقال وهم جعلوا العلم الأعلى والفلسفة الأولى هو العلم الباطن في الوجود ولواحقه وقسموا الوجود إلى جوهر وعرض ثم قسموا الأعراض إلى تسعة أجناس ومنهم من ردها إلى خمسة ومنهم من ردها إلى ثلاثة فإنه لم يقم لها دليل على الحصر وقسموا الجواهر إلى خمسة أنواع العقل والنفس والمادة والصورة والجسم وواجب الوجود تارة يسمونه جوهرا وهو قول قدمائهم كأرسطو وغيره وتارة لا يسمونه بذلك كما قاله ابن سينا وكان قدماء القوم يتصورون في أنفسهم أمورا عقلية فيظنونها ثابتة في الخارج كما يحكى عن شيعة فيثاغورس وأفلاطون وأن أولئك أثبتوا أعدادا مجردة في الخارج وهؤلاء أثبتوا المثل الأفلاطونية وهي الكليات المجردة عن الأعيان وأثبتوا المادة المجردة وهي الهيولي الأولية وأثبتوا المدة

 

 

المجردة وهي الدهر العقلي المجرد عن الجسم وأعراضه وأثبتوا الفضاء المجرد عن الجسم وأعراضه وارسطو وأتباعه خالفوا سلفهم في ذلك ولم يثبتعوا من هذه شيئا مجردا ولكن أثبتوا المادة المقارنة للصورة وأثبتوا الكليات المقارنة للأعيان وأثبتوا العقول العشرة وأما النفس الفلكية فأكثرهم يجعلها قوة جسمانية ومنهم من يقول هي جوهر قائم بنفسه كنفس الإنسان ولفظ الصورة يريدون به تارة ما هو عرض كالصورة الصناعية مثل شكل السرير والخاتم والسيف وهذه عرض قائم بمحله والمادة هنا جوهر قائم بنفسه ويريدون بالصورة تارة الصورة الطبيعية وبالمادة المادة الطبيعية ولا ريب أن الحيوان والمعادن والنبات لها صورة هي خلقت من مواد لكن يعنون بالصورة جوهرا قائما بنفسه وبالمادة جوهرا آخر مقارنا لهذه وآخرون في مقابلتهم من أهل الكلام القائلين بالجوهر الفرد ويزعمون أنه ما ثم من حادث يعلم حدوثه بالمشاهدة إلا الأعراض وأنهم لا يشهدون حدوث جوهر من الجواهر

 

 

وكلا القولين خطأ وقد بسطنا عليهما في غير هذا الموضع وقد يراد بالمادة الكلية المشتركة بين الأجسام وبالصورة الصورة الكلية المشتركة بين الأجسام ويدعون أن كليهما جوهر عقلي وهو غلط فإن المشترك بين الأجسام أمر كلي والكليات لا توجد كليات إلا في الأذهان لا في الأعيان وكل ما وجد في الخارج فهو مميز بنفسه عن غيره لا يشركه فيه غيره إلا في الذهن إذا أخذ كليا والأجسام يعرض لها الاتصال والانفصال وهو الاجتماع والافتراق وهما من الأعراض ليس الانفصال شيئا قائما بنفسه كما أن الحركة ليست شيئا قائما بنفسه غير الجسم المحسوس يرد عليه الاتصال والانفصال ويسمونه الهيولي والمادة وهذا وغيره مبسوط في غير هذا الموضع وكثير من الناس قد لا يفهمون حقيقة ما يقولون وما يقول غيرهم وما جاءت به الرسل حتى يعرفوا ما فيه من حق وباطل فيعلمون هل هم موافقون لصريح المعقول أو هم مخالفون له ومن أراد التظاهر بالإسلام منهم عبر عن ذلك بالعبارات الإسلامية فيعبر عن الجسم بعالم الملك وعن النفس بعالم الملكوت وعن العقل بعالم الجبروت أو بالعكس ويقولون إن العقول والنفوس هي الملائكة

 

 

وقد يجعلون قوى النفس التي تقتضي فعل الخير هي الملائكة وقواها التي تقتضي الشر هي الشياطين وأن الملائكة التي تنزل على الرسل والكلام الذي سمعه موسى بن عمران إنما هو في نفوس الأنبياء ليس في الخارج بمنزله ما يراه النائم وما يحصل لكثير من الممرورين وأصحاب الرياضة حيث يتخيل في نفسه أشكالا نورانية ويسمع في نفسه أصواتا فتلك هي عندهم ملائكة الله وذلك هو كلام الله ليس له كلام منفصل ولهذا يدعى أحدهم أن الله كلمة كما كلم موسى بن عمران أو أعظم مما كلم موسى لأن موسى كلم عندهم بحروف وأصوات في نفسه وهم يكلمون بالمعاني المجردة العقلية وصاحب مشكاة الأنوار والكتب المضنون بها على غير أهلها وقع في كلامه قطعة من هذا النمط وقد كفرهم بذلك في مواضع آخر ورجع عن ذلك واستقر أمرة على مطالعة البخاري ومسلم وغيرهما ومن هنا سلك صاحب خلع النعلين ابن قسى وأمثاله وكذلكابن عربي صاحب فصوص الحكم والفتوحات المكية ولهذا أدعى أنه يأخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحى به إلى الأنبياء والنبي عنده يأخذ من الملك الذي يوحى به إلى الرسل لأن النبي عنده يأخذ من الخيالات التي تمثلت في نفسه لما صورت له المعاني العقلية في الصور الخيالية وتلك الصور عنده هي الملائكة وهي بزعمه تأخذ عن عقله المجرد قبل أن تصير خيالا ولهذا يفضل الولاية على النبوة ويقول مقام النبوة في برزخ فويق الرسول ودون الولى والولى على أصله الفاسد يأخذ عن الله بلا واسطة لأنه يأخذ عن عقله وهذا عندهم هو الأخذ عن الله بلا واسطة إذ ليس عندهم ملائكة منفصلة تنزل بالوحي والرب عندهم ليس هو موجودا مباينا

 

 

للمخلوقات بل هو وجود مطلق أو مشروط بنفي الأمور الثبوتية عن الله أو نفي الأمور الثبوتية والسلبية وقد يقولون هو وجود المخلوقات أو حال فيها أو لا هذا ولا هذا فهذا عندهم غاية كل رسول ونبي النبوة عندهم الأخذ عن القوة المتخيلة التي صورت المعاني العقلية في المثل الخيالية ويسمونها القوة القدسية فلهذا جعلوها الولاية فوق النبوة وهؤلاء من جنس القرامطة الباطنية الملاحدة لكن هؤلاء ظهروا في قالب التصوف والتنسك ودعوى التحقيق والتأله وأولئك ظهروا في قالب التشيع والموالاة فأولئك يعظمون شيوخهم حتى يجعلوهم أفضل من الأنبياء وقد يعظمون الولاية حتى يجعلوها أفضل من النبوة وهؤلاء يعظمون أمر الإمامة حتى قد يجعلون الأئمة أعظم من الأنبياء والإمام أعظم من النبي كما يقوله الإسماعيلية وكلاهما أساطين الفلاسفة الذين يجعلون النبي فيلسوفا ويقولون إنه يختص بقوة قدسية ثم منهم من يفضل النبي على الفيلسوف ومنهم من يفضل الفيلسوف على النبي ويزعمون أن النبوة

 

 

مكتسبة وهؤلاء يقولون إن النبوة عبارة عن ثلاث صفات من حصلت له فهو نبي أن يكون له قوة قدسية حدسية ينال بها العلم بلا تعلم وأن تكون نفسه قوية لها تأثير في هيولى العالم وأن يكون له قوة يتخيل بها ما يعقله ومرئيا في نفسه ومسموعا في نفسه هذا كلام ابن سينا وأمثاله في النبوة وعنه أخذ ذلك العزالي في كتبه المضنون بها على غير أهلها وهذا القدر الذي ذكروه يحصل لخلق كثير من آحاد الناس ومن المؤمنين وليس هو من أفضل عموم المؤمنين فضلا عن كونه نبيا كما بسط في موضعه وهؤلاء قالوا هذا لما احتاجوا إلى الكلام في النبوة على أصول سلفهم الدهرية القائلين بأن الأفلاك قديمة أزلية لا مفعولة لفاعل بقدرته واختياره وأنكروا علمه بالجزئيات ونحو ذلك من أصولهم الفاسدة فتكلم هؤلاء في النبوة على أصول أولئك وأما القدماء ارسطو وأمثاله فليس لهم في النبوة كلام محصل والواحد من هؤلاء يطلب أن يصير نبيا كما كان السهروردي المقتول يطلب أن يصير نبيا وكان قد جمع بين النظر والتأله وسلك نحوا من مسلك الباطنية وجمع بين فلسفة الفرس واليونان وعظم أمر الأنوار وقرب دين المجوس الأول وهو نسخة الباطنية الإسماعيلية وكان له

 

 

يد في السحر والسيمياء فقتله المسلمون على الزندقة بحلب في زمن صلاح الدين وكذلك ابن سبعين الذي جاء من المغرب إلى مكة وكان يطلب أن يصير نبيا وجدد غار حراء الذي نزل فيه الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم ابتداء وحكى عنه أنه كان يقول لقد ذرب ابن آمنة حيث قال لا نبي بعدي وكان بارعا في الفلسفة وفي تصوف المتفلسفة وما يتعلق بذلك وهو وابن عربي وأمثالهما كالصدر القونوي وابن الفارض والتلمساني منتهى أمرهم القول بوحدة الوجود وأن الوجود الواجب القديم الخالق هو الوجود الممكن المحدث المخلوق ما ثم لا غير ولا سوى لكن لما رأوا تعدد المخلوقات صاروا تارة يقولون مظاهر ومجالي فإذا قيل لهم فإن كانت المظاهر أمرا وجوديا تعدد الوجود وإلا لم يكن لها حينئذ حقيقة وما هو نحو هذا الكلام الذي يبين أن الوجود نوعان خالق ومخلوق قالوا نحن نثبت عندنا في الكشف ما يناقص صريح العقل ومنأراد أن يكون محققا مثلنا فلا بد أن يلتزم الجمع بين النقيضين وأن الجسم الواحد يكون في وقت واحد في موضعين وهؤلاء الأصناف قد بسط الكلام عليهم في غير هذا الموضع فإن هؤلاء يكثرون في الدول الجاهلية وعامتهم تميل إلى التشيع كما عليه ابن عربي وابن سبعين وأمثالهما فاحتاج الناس إلى كشف حقائق هؤلاء وبيان أمورهم على الوجه الذي يعرف به الحق من الباطل فإن هؤلاء يدعون في أنفسهم أنهم أفضل أهل الأرض وأن الناس لا يفهمون حقيقة إشاراتهم فلما يسر الله أني بينت لهم حقائقهم وكتبت في ذلك من المصنفات ما علموا به أن هذا هو تحقيق قولهم وتبين لهم بطلانه بالعقل الصريح والنقل الصحيح والكشف المطابق رجع عن ذلك من علمائهم وفضلائهم من رجع وأخذ هؤلاء يثبتون للناس تناقضهم ويردونهم إلى الحق وكان من أصول ضلالهم ظنهم أن الوجود المطلق يوجد في الخارج إما مطلق لا بشرط وإما مطلق بشرط فالمطلق لا

 

 

بشرط الذي يسمونه الكلي الطبيعي إذا قيل إنه موجود في الخارج فإن الذي يوجد في الخارج مقيدا معينا هو مطلق في الذهن مقيد في الخارج وأما من زعم أن في الذهن شيئا مطلقا وهو مطلق حال تحققه في الخارج فهو غالط غلطا ضل فيه كثير من أهل المنطق والفلسفة وأما المطلق بشرط الإطلاق فهو الوجود المقيد بسلب جميع الأمور الثبوتية والسلبية كما يوجد الإنسان مجردا عن كل قيد فإذا قلت موجود أو معدوم أو واحد أو كثير أو في الذهن أو في الخارج كان ذلك قيدا زائدا على الحقيقة المطلقة بشرط الإطلاق وهكذا الوجود تأخذه عن كل قيد ثبوتي وسلبي فلا تصفه لا بالصفات السلبية ولا الثبوتية وهذا هو واجب الوجود عند أئمة الباطنية كأبي يعقوب السجستاني صاحب الأقاليد الملكوتية وأمثاله لكن من هؤلاء من لا يعرف يرفع النقيضين فيقول لا موجود ولا معدوم ومنهم من يقول بل أمسك عن إثبات أحد النقيضين فلا أقول موجود ولا معدوم كأبي يعقوب وهو منتهى تجريد هؤلاء القائلين بوحدة الوجود

 

 

وابن سينا وأتباعه يقولون الوجود الواجب هو الوجود المقيد بسلب الأمور الثبوتية دون السلبية وهذا أبعد عن الوجود في الخارج من المقيد بسلب الوجود والعدم وإن كان ذلك ممتنعا في الموجود والمعدوم فقلت لأولئك المدعين للتحقيق أنتم بنيتم أمركم على القوانين المنطقية وهذا الوجود المطلق بشرط الإطلاق المقيد بسلب النقيضين عنه لا يوجد في الخارج باتفاق العقلاء وإنما يقدر في الذهن تقديرا وإلا فإذا قدرنا إنسانا مطلقا واشترطنا فيه أن لا يكون موجودا ولا معدوما ولا واحدا ولا كثيرا لم يوجد في الخارج بل نفرض في الذهن كما نفرض الجمع بين النقيضين ففرض رفع النقيضين كفرض الجمع بين النقيضين ولهذا كان هؤلاء تارة يصفونه بجمع النقيضين أو الإمساك عنهما كما يفعل ابن عربي وغيره كثيرا وتارة يجمعون بين هذا وهذا كما يوجد أيضا في كلام اصحاب البطاقة وغيرهم فإذا قالوا مع ذلك إنه مبدع العالم وشرطوا فيه أنه لا يوصف بثبوت ولا انتفاء كان تناقضا فإن كونه مبدعا لا يخرج عن هذا وهذا وكذلك إذا قالوا موجود واجب وشرطوا فيه التجريد عن النقيضين كان تناقضا

 

 

وحقيقة قولهم موجود لا موجود وواجب لا واجب وهذا منتهى أمرهم وهو الجمع بين النقيضين أو رفع النقيضين ولهذا يصيرون إلى الحيرة ويعظمونها وهي عندهم منتهى معرفة الأنبياء والأولياء والأئمة والفلاسفة ومن أصول ضلالهم ظنهم أن هذا تنزيه عن التشبيه وأنهم متى وصفوا بصفة إثبات أو نفي كان فيه تشبيه بذلك ولم يعلموا أن التشبيه المنفي عن الله هو ما كان وصفه بشيء من خصائص المخلوقين أو أن يجعل شيء من صفاته مثل صفات المخلوقين بحيث يجوز عليه ما يجوز عليهم أو يجب له ما يجب لهم أو يمتنع عليه ما يمتنع عليهم مطلقا فإن هذا هو التمثيل الممتنع المنفى بالعقل مع الشرع فيمتنع وصفه بشيء من النقائض ويمتنع مماثلة غيره له في شيء من صفات الكمال فهذان جماع لما ينزه الرب تعالى عنه كما بسطنا ذلك في مواضع كثيرة وعلى هذا وهذا دل قوله تعالى قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد سورة الإخلاص كما قد بسطنا ذلك في مصنف مفرد في تفسير هذه الشواهد فأما الموافقة في الاسم كحي وحي وموجود وموجود وعليم وعليم فهذا لا بد منه ويلزم من نفى هذا التعطيل المحض فإن كل

 

 

موجودين قائمين بأنفسهما فحينئذ لا بد أن يجمعهما اسم عام يدل على معنى عام لكن المعنى العام لا يوجد عاما إلا في الذهن لا في الخارج فإذا قيل هذا الموجود وهذا الموجود مشتركان في مسمى الوجود كان ما اشتركا فيه لا يوجد مشتركا إلا في الذهن لا في الخارج وكل موجود فهو يختص بنفسه وصفات نفسه لا يشركه غيره في شيء من ذلك في الخارج وإنما الاشتراك هو نوع من التشابه والاتفاق والمشترك فيه الكلي لا يوجد كذلك إلا في الذهن فإذا وجد في الخارج لم يوجد إلا متميزا عن نظيره لا يكون هو إياه ولا هما في الخارج مشتركان في شيء في الخارج فاسم الخالق إذا وافق اسم المخلوق كالموجود والحي وقيل إن هذا الاسم عام كلي وهو من الأسماء المتواطئة أو المشككة لم يلزم من ذلك أن يكون ما يتصف به الرب من مسمى هذا الاسم قد شاركه فيه المخلوق بل ولا يكون ما يتصف به أحد المخلوقين من مسمى هذا الاسم قد شاركه فيه مخلوق آخر بل وجود هذا يخصه

 

 

ووجود هذا يخصه لكن ما يتصف به المخلوق قد يماثل ما يتصف به المخلوق ويجوز على أحد المثلين ما يجوز على الآخر وأما الرب سبحانه وتعالى فلا يماثله شيء من الأشياء في شيء من صفاته بل التباين الذي بينه وبين كل واحد من خلقه في صفاته أعظم من التباين الذي بين أعظم المخلوقات وأحقرها وأما المعنى الكلي العام المشترك فيه فذاك كما ذكرنا لا يوجد كليا إلا في الذهن وإذا كان المتصفان به بينهما نوع موافقة ومشاركة ومشابهة من هذا الوجه فذاك لا محذور فيه فإنه ما يلزم ذلك القدر المشترك من وجوب وجواز وامتناع فإن الله متصف به فالموجود من حيث هو موجود أو العليم أو الحي مهما قيل إنه يلزمه من وجوب وامتناع وجواز فالله موصوف به بخلاف وجود المخلوق وحياته وعلمه فإن الله لا يوصف بما يختص به المخلوق من وجوب وجواز واستحالة كما أن المخلوق لا يوصف بما يختص به الرب من وجوب وجواز واستحالة فمن فهم هذا انحلت عنه إشكالات كثيرة يعثر فيها كثير من الأذكياء الناظرين في العلوم الكلية والمعارف الإلهية فهذا أحد أقوالهم في الوجود الواجب وهو المطلق بشرط الإطلاق عن النفي والإثبات وهو أكملها في التعطيل والإلحاد والثاني قول ابن سينا وأتباعه إنه هو الوجود المقيد بالقيود السلبية

 

 

لا الثبوتية وقد يعبر عنه بأنه الوجود المقيد تارة لا يعرض له شيء من الماهيات كما يعبر الرازي وغيره وهذه العبارات بناء على قولهم إن الوجود يعرض للماهية الممكنة فإن للناس ثلاثة أقوال قيل إن الوجود زائد على الماهية في الواجب والممكن كما يقول ذلك أبو هاشم وغيره وهو أحد قولي الرازي وقد يقوله بعض النظار من أصحاب أحمد وغيرهم وقيل بل الوجود في الخارج هو الحقيقة الثابتة في الخارج ليس هناك شيئان وهذا قول الجمهور من أهل الإثبات وهذا قول عامة النظار من مثبتة الصفات من أهل المذاهب الأربعة وغيرهم لكن ظن الشهرستاني والرازي والأمدي ونحوهم أن قائل هذا القول يقول إن لفظ الوجود مقول بالاشتراك اللفظي ونقلوا ذلك عن الأشعري وغيره وهو غلط عليهم فإن أصحاب هذا القول هم جماهير الخلق من الأولين والآخرين وليس فيهم من يقول بأن لفظ الوجود مقول بالاشتراك اللفظي إلا طائفة قليلة وليس هذا قول الأشعري وأصحابه بل هم متفقون على أن الوجود ينقسم إلى قديم ومحدث واسم الوجود يعمهما لكن الأشعري ينفي الأحوال ويقول العموم والخصوص يعود إلى الأقوال ومقصوده أنه ليس في الخارج معنى كلي عام ليس مقصوده أن الذهن لا يقوم به معنى عام كلي

 

 

وهؤلاء االذين قالوا إن من قال وجود كل شيء هو نفس حقيقته الموجودة إنما هذا هو قول بالاشتراك اللفظي لأنهم قالوا إذا جعلنا الوجود عاما من الألفاظ المتواطئة المتساوية أو المتفاضلة التي تسمى المشككة وقلنا إن الوجود ينقسم إلى واجب وممكن وقديم ومحدث كان النوعان قد اشتركا في مسمى الوجود وهو كلي مطلق فلا بد أن يتميز أحدهما عن الآخر بما يخصه وهو حقيقة فيلزم أن يكون لكل منهما حقيقة غير الوجود فمن قال إن الشيء الموجود في الخارج ليس شيئا غير الحقيقة الموجودة في الخارج لم يمكنه أن يقول لفظ الوجود يعمهما بل يقول هو مقول عليهما بالاشتراك اللفظي وهذا غلط ضلت فيه طوائف كالرازي وأمثاله بيان ذلك من ثلاثة وجوه أحدها أن يقال لفظ الوجود كلفظ الحقيقة وكلفظ الماهية وكلفظ الذات والنفس فإذا قلتم الوجود ينقسم إلى واجب وممكن أو قديم ومحدث كان بمنزلة قولكم الحقيقة تنقسم إلى واجبة وممكنة أو إلى قديمة ومحدثة وبمنزلة قولهم الذات تنقسم إلى هذا وهذا وهذا والماهية تنقسم إلى هذا وهذا ونحو ذلك من الأسماء العامة وبمنزلة قولهم الشيء ينقسم إلى واجب وممكن وقديم وحادث وحينئذ فإذا قلتم يشتركان في الوجود أو الوجوب ويمتاز أحدهما

 

 

عن الآخر بالحقيقة أو الماهية كان بمنزلة أن يقال يشتركان في الماهية أو الحقيقة ويمتاز أحدهما عن الآخر بالوجود أو الوجوب فإن قلتم إنما اشتركا في الرجود العام الكلي وامتاز كل منهما بالحقيقة التي تخصه قيل وكذلك يقال إنما اشتركا في الحقيقة العامة الكلية وامتاز كل منهما بالوجود الذي يخصه فلا فرق حينئذ بين ما جعلتموه كليا مشتركا كالجنس والعرض العام وبين ما جعلتموه مختصا مميزا جزئيا كالفصل والخاصة لكن عمدتم إلى شيئين متساويين في العموم والخصوص فقدرتم أحدهما في حال عمومه والآخر في حال خصوصه فهذا كان من تقديركم وإلا فكل منهما يمكن فيه التقدير كما أمكن في الآخر وكل منهما في نفس الأمر مساو للآخر في عمومه وخصوصه وكونه مشتركا ومميزا فلا فرق في نفس الأمر بين ما جعلتموه جنسا أو عرضا عاما وما جعلتموه فصلا أو خاصة إلا أنكم قدرتم أحد المتساويين عاما والاخر خاصا الوجه الثاني أن يقال إذا قلتم الموجودان يشتركان في مسمى الوجود فلا بد أن يتميز أحدهما عن الآخر بأمر آخر قيل لكم المميز أن يكون وجودا خاصا فلم قلتم إنه

 

 

يكون شيء خارج عن مسمى الوجود حتى تثبتون حقيقة أخرى وهذا كما إذا قلنا الإنسانان يشتركان في مسمى الإنسانية وأحدهما يمتاز عن الآخر بخصوصية أخرى كان المميز إنسانيتة التي تخصه لم يحتج أن يجعل المميز شيئا غير الإنسانية يعرض له الإنسانية ولكن هؤلاء يظنون أن الأنواع المشتركة في كلي لا يفصل بينها إلا مواد أخرى وفي هذا الموضع كلام مبسوط على غلط أهل المنطق فيما غلطوا فيه في الكلمات وتقسيم الكليات وتركيب الحدود من الذاتيات وغير ذلك ومواد الأقيسة والفرق بين اليقيني وغير اليقيني منها وغير ذلك مما هو مكتوب في غير هذا الموضع الوجه الثالث أن يقال إذا قلنا الموجودان يشتركان في مسمى الوجود وأحدهما لا بد أن يمتاز عن الآخر فليس المراد أنهما اشتركا في أمر بعينه موجود في الخارج فإن هذا ممتنع بل المراد أنهما اتفقا في ذلك وتشابها فيه من هذه الجهة ونفس ما اشتركا فيه لا يكون بعينه مشتركا فيه إلا في الذهن لا في الخارج وإلا فنفس وجود هذا لم يشركه فيه هذا وحينئذ فإذا قلنا لفظ الوجود من الألفاظ العامة الكلية المتواطئة أو المشككة وهي المتواطئة التي تتفاضل معانيها لا تتماثل مع الاتفاق في أصل المسمى كالبياض المقول على بياض الثلج القوي وبياض

 

 

العاج الضعيف والسواد المقول على سواد القار وعلى سواد الحبشة والعلو المقول على علو السماء وعلى علو السقف والواسع المقول على البحر وعلى الدار الواسعة والوجود المقول على الواجب بنفسه وعلى الممكن الموجود بغيره وعلى القائم بنفسه والقائم بغيره والقديم المقول على العرجون وعلى ما لا أول له والمحدث المقول على ما أحدث في اليوم وعلى كل ما خلقه الله بعد أن لم يكن والحي الذي يقال على الإنسان والحيوان والنبات وعلى الحي القيوم الذي لا يموت أبدا بل أسماء الله الحسنى تعالى التي تسمى بها خلقه كالملك والسميع والبصير والعليم والخبير ونحو ذلك كلها من هذا الباب فإذا قيل في جميع الألفاظ العامة ومعانيها العامة سواء كانت متماثلة أو متفاضلة إن أفرادها اشتركت فيها أو اتفقت ونحو ذلك لم يرد به أن في الخارج معنى عاما يوجد عاما في الخارج وهو نفسه مشترك بل المراد أن الموجودات المعينة اشتركت في هذا العام الذي لا يكون عاما إلا في علم العالم كما أن اللفظ العام لا يكون عاما إلا في لفظ اللافظ والخط العام لا يكون عاما إلا في خط الكاتب والمراد بكونه عاما شموله للأفراد الخارجة لا أنه نفسه شيء

 

 

موجود يكون هو نفسه مع هذا المعين وهو نفسه مع هذا المعين فإن هذا مخالف للحس والعقل والمقصود هنا أن ابن سينا مذهبه أن الوجود الواجب لنفسه هو الوجود المقيد بسلب جميع الأمور الثبوتية لا بجعله مقيدا بسلب النقيضين أو بالإمساك عن النقيضين كما فعل السجستاني وأمثاله من القرامطة وغيرهم وعبر ابن سينا عن قولهم بأنه الوجود المقيد بأنه لا يعرض لشيء من الحقائق أو لشيء من الماهيات لاعتقادهم أن الوجود يعرض للممكنات وهو يقول وجود الواجب نفس ماهيته والجمهور من أهل السنة يقولون ذلك لكن الفرق بينهما أن عنده هو وجود مطلق بشرط سلب الماهيات عنه فليس له ماهية سوى الوجود المقيد بالسلب وأما الأنبياء وأتباعهم وجماهير العقلاء فيعلمون أن الله له حقيقة يختص بها لا تماثل شيئا من الحقائق وهي موجودة وطائفة من المعتزلة ومن وافقهم يقولون هي موجودة بوجود زائد على حقيقتها

 

 

وأما الجمهور فيقولون الحقائق المخلوقة ليست في الخارج إلا الموجود الذي هو الحقيقة التي في الخارج وإنما يحصل الفرق بينهما بأن يجعل أحدهما ذهنيا والآخر خارجيا فإذا جعلت الماهية أو الحقيقة أسما لما في الذهن كان ذلك غير ما في الخارج وأما إذا قيل الوجود الذهني فهو الماهية الذهنية وإذا قيل الماهية الخارجية فهي الوجود الخارجي فإذا كان هذا في المخلوق فالخالق أولى ومذهب ابن سينا معلوم الفساد بضرورة العقل بعد التصور التام فإنه إذا اشترك الموجودان في مسمى الوجود لم يميز أحدهما عن الآخر بمجرد السلب فإن التمييز في نفس الأمر بين المشتركين لا يكون بمجرد العدم المحض إذ العدم المحض ليس بشيء وما ليس بشيء لا يحصل منه الامتياز في نفس الأمر ولا يكون الفاصل بين الشيئين الموجودين الذي يختص بأحدهما إلا أمرا ثبوتيا أو متضمنا لأمر ثبوتي وهذا مستقر عندهم في المنطق فكيف يكون وجود الرب مماثلا لوجود الممكنات في مسمى الوجود ولا يمتاز عن المخلوقات إلا بعدم محض لا ثبوت فيه بل على هذا التقدير يكون أي موجود قدر أكمل من هذا الموجود فإن ذلك الموجود مختص مع وجوده بأمر ثبوتي عنده والوجود الواجب لا يختص عنده إلا بأمر عدمي مع تماثلهما في مسمى الوجود فهذا القول يستلزم مماثلة الوجود الواجب لوجود كل ممكن في

 

 

الوجود وأن لا يمتاز عنه إلا بسلب الأمور الثبوتية والكمال هو في الوجود لا في العدم إذ العدم المحض لا كمال فيه فحينئذ يمتاز عن الممكنات بسلب جميع الكمالات وتمتاز عنه بإثبات جميع الكمالات وهذا غاية ما يكون من تعظيم الممكنات في الكمال والوجود ووصف الوجود الواجب بالنقص والعدم وأيضا فهذا الوجود الذي لا يمتاز عن غيره إلا بالأمور العدمية يمتنع وجودة في الخارج بل لا يمكن إلا في الذهن لأنه إذا شارك سائر الموجودات في مسمى الوجود كان هذا كليا والوجود لا يكون كليا إلا في الذهن لا في الخارج والأمور العدمية المحضة لا توجب ثبوته في الخارج فإن ما في الذهن هو بسلب الحقائق الخارجية عنه أحق بسلبها عما في الخارج لو كان ذلك ممكنا في الخارج فكيف إذا كان ممتنعا فإذا كان الكلي لا يكون إلا ذهنيا والقيد العدمي لا يخرجه عن أن يكون كليا ثبت أنه لا يكون في الخارج وأيضا فإن ما في الخارج لا يكون إلا معينا له وجود يخصه فما لا يكون كذلك لا يكون إلا في الذهن

 

 

فثبت بهذه الوجوه الثلاثة وغيرها أن ما ذكره في واجب الوجود لا يتحقق إلا في الذهن لا في الخارج فهذا قول من قيده بالأمور العدمية ولهم قول ثالث وهو الوجود المطلق لا بشرط الإطلاق الذي يسمونه الكلي الطبيعي وهذا لا يكون في الخارج إلا معينا فيكون من جنس القولين قبله ومنهم من يظن أنه ثابت في الخارج وأنه جزء من المعينات فيكون الوجود الواجب المبدع لكل ما سواه إما عرضا قائما بالمخلوقات وإما جزءا منها فيكون الواجب مفتقرا إلى الممكن عوضا فيه أو جزءا منه بمنزلة الحيوانية في الحيوانات لا تكون هي الخالقة للحيوان ولا الإنسانية هي المبدعة للإنسان فإن جزء الشئ وعرضه لا يكون هو الخالق له بل الخالق مباين له منفصل عنه إذ جزؤه وعرضه داخل فيه والداخل في الشئ لا يكون هو المبدع له كله فما وصفوا به رب العالمين يمتنع معه أن يكون خالقا لشئ من الموجودات فضلا عن أن يكون خالقا لكل شئ وهده الأمور مبسوطة في موضع آخر

 

 

والمقصود هنا أن هؤلاء الملاحدة حقيقة قولهم تعطيل الخالق وجحد حقيقة النبوات والمعاد والشرائع وينتسبون إلى موالاة علي ويدعون أنه كان على هذه الأقوال كما تدعى القدرية والجهمية والرافضة أنه كان على قولهم أيضا ويدعون أن هذه الأقوال مأخوذة عنه وهذا كله باطل كذب على علي رضي الله عنه.

*

فصل قال الرافضي وعلم التفسير إليه يعزي لأن ابن عباس كان تلميذه فيه.

قال ابن عباس حدثنى أمير المؤمنين في تفسير الباء من بسم الله الرحمن الرحيم من أول الليل إلى آخره.

*والجواب أن يقال...

أولا: أين الإسناد الثابت بهذا النقل عن ابن عباس فإن أقل مايجب على المحتج بالمنقولات أن يذكر الإسناد الذي يعلم به صحة النقل، وإلا فمجرد ما يذكر في الكتب من المنقولات لا يجوز الاستدلال به، مع العلم بأن فيه شيئا كثير من الكذب.

ويقال ثانيا: أهل العلم بالحديث يعلمون أن هذا من الكذب فإن هذا الأثر المأثور عن ابن عباس كذب عليه وليس له إسناد يعرف وإنما

 

يذكر مثل هذه الحكايات بلا إسناد وهذه يرويها أهل المجهولات الذين يتكلمون بكلام لا حقيقة له ويجعلون كلام علي وابن عباس من جنس كلامهم كما يقولون عن عمر أنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يتحدثان وكنت كالزنجي بينهما فإن هذا كذب على عمر باتفاق أهل العلم وكما ينقلون عن عمر أنه تزوج امرأة أبي بكر ليسألها عن علمه في السر فقالت كنت أشم من فيه رائحة الكبد المحترقة وهذا أيضا كذب وعمر لم يتزوج امرأة أبي بكر وإنما تزوجها علي تزوج أسماء بنت عميس ومعها ربيبه محمد بن أبي بكر فتربى عنده وهذا ابن عباس نقل عنه من التفسير ما شاء الله بالأسانيد الثابتة ليس في شيء منها ذكر علي وابن عباس يروى عن غير واحد من الصحابة يروى عن عمر وأبي هريرة وعبد الرحمن بن عوف وعن زيد بن ثابت وأبي بن كعب وأسامة بن زيد وغير واحد من المهاجرين والأنصار وروايته عن علي قليلة جدا ولم يخرج أصحاب الصحيح شيئا من حديثه عن علي وخرجوا حديثه عن عمر وعبد الرحمن بن عوف وأبي هريرة وغيرهم وأيضا فالتفسير أخذ عن غير ابن عباس أخذ عن ابن مسعود وغيره

 

 

من الصحابة الذين لم يأخذوا عن علي شيئا وما يعرف بأيدي المسلمين تفسير ثابت عنه وهذه كتب الحديث والتفسير مملوءة بالآثار عن الصحابة والتابعين والذي فيها عن علي قليل جدا وما ينقل في حقائق السلمى من التفسير عن جعفر الصادق عامته كذب على جعفر كما قد كذب عليه غير ذلك كما تقدم.

*

فصل قال الرافضي وأما علم الطريقة فإليه منسوب فإن الصوفية كلهم يسندون الخرقة إليه.

*والجواب أن يقال...

أولا: أما أهل المعرفة وحقائق الإيمان المشهورين في الأمة بلسان الصدق فكلهم متفقون على تقديم أبي بكر، وأنه أعظم الأمة في الحقائق الإيمانية والأحوال العرفانية وأين من يقدمونه في الحقائق التي هي أفضل الأمور عندهم إلى من ينسب إليه الناس لباس الخرقة، وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم فأين حقائق القلوب من لباس الأبدان.

 

ويقال ثانيا: الخرق متعددة أشهرها خرقتان خرقة إلى عمر وخرقة إلى علي فخرقة عمر لها إسنادان إسناد إلى أويس القرني وإسناد إلى أبي مسلم الخولاني وأما الخرقة المنسوبة إلى علي فإسنادها إلى الحسن البصري والمتأخرون يصلونها بمعروف الكرخي فإن الجنيد صحب السري السقطى والسري صحب معروفا الكرخي بلا ريب وأما الإسناد من جهة معروف فينقطع فتارة يقولون إن معروفا صحب علي بن موسى الرضا وهذا باطل قطعا لم يذكره المصنفون لأخبار معروف بالإسناد الثابت المتصل كأبي نعيم وأبي الفرج بن الجوزي في كتابه الذي صنفه في فضائل معروف ومعروف كان منقطعا في الكرخ وعلي بن موسى كان المأمون قد جعله ولي العهد بعده وجعل شعاره لباس الخضرة ثم رجع عن ذلك وأعد شعار السواد ومعروف لم يكن ممن يجتمع بعلي بن موسى ولا نقل عنه ثقة أنه اجتمع به أوأخذ عنه شيئا بل ولا يعرف أنه رآه ولا كان معروف بوابه ولا أسلم على يديه وهذا كله كذب وأما الإسناد الآخر فيقولون إن معروفا صحب داود الطائي وهذا أيضا لا أصل له وليس في أخباره المعروفة ما يذكر فيها وفي إسناد الخرقة أيضا أن داود الطائي صحب حبيبا العجمي وهذا أيضا لم يعرف له حقيقة

 

وفيها أن حبيبا العجمي صحب الحسن البصري وهذا صحيح فإن الحسن كان له أصحاب كثيرون مثل أيوب السختياني ويونس بن عبيد وعبد الله بن عوف ومثل محمد بن واسع ومالك بن دينار وحبيب العجمي وفرقد السبخي وغيرهم من عباد البصرة وفيها أن الحسن صحب عليا وهذا باطل باتفاق أهل المعرفة فإنهم متفقون على أن الحسن لم يجتمع بعلي وإنما أخذ عن أصحاب علي أخذ عن الأحنف بن قيس وقيس بن عباد وغيرهما عن علي وهكذا رواه أهل الصحيح والحسن ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر وقتل عثمان وهو بالمدينة كانت أمه أمة لأم سلمة فلما قتل عثمان حمل إلى البصرة وكان علي بالكونة والحسن في وقته صبي من الصبيان لا يعرف ولا له ذكر والأثر الذي يروى عن علي أنه دخل إلى جامع البصرة وأخرج القصاص إلا الحسن كذب باتفاق أهل المعرفة ولكن المعروف أن عليا دخل المسجد فوجد قاصا يقص فقال ما اسمك قال أبو يحيى قال هل تعرف الناسخ من المنسوخ قال لا قالهلكت وأهلكت إنما أنت أبو اعرفوني ثم أخذ بأذنه فأخرجه من المسجد فروى أبو حاتم في كتاب الناسخ والمنسوخ حدثنا الفضل بن دكين حدثنا سفيان عن أبي حصين عن أبي عبد الرحمن السلمى قال انتهى علي إلى قاص وهو يقص فقال أعلمت الناسخ والمنسوخ قال لا قال هلكت وأهلكت قال وحدثنا زهير بن عباد الرواسي حدثنا أسد بن حمران عن جويبر عن الضحاك أن علي بن أبي طالب دخل مسجد الكوفة فإذا قاص يقص فقام على رأسه فقال يا هذا تعرف الناسخ من المنسوخ قال لا قال أفتعرف مدنى القرآن من مكيه قال لا قال هلكت وأهلكت قال أتدرن من هذا هذا يقول اعرفوني اعرفوني اعرفوني وقد صنف ابن الجوزي مجلدا في مناقب الحسن البصري

 

 

وصنف أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي جزءا فيمن لقيه من الصحابة وأخبار الحسن مشهورة في مثل تاريخ البخاري وقد كتبت أسانيد الخرقة لأنه كان لنا فيها أسانيد فبينتها ليعرف الحق من الباطل ولهم إسناد آخر بالخرقة المنسوبة إلى جابر وهو منطقع جدا وقد عقل بالنقل المتواتر أن الصحابة لم يكونوا يلبسون مريديهم خرقة ولا يقصون شعورهم ولا التابعون ولكن هذا فعله بعض مشايخ المشرق من المتأخرين وأخبار الحسن مذكورة بالأسانيد الثابتة من كتب كثيرة يعلم منها ما ذكرنا وقد أفرد أبو الفرج بن الجوزي له كتابا في مناقبه وأخباره وأضعف من هذا نسبة الفتوة إلى علي وفي إسنادها من الرجال المجهولين الذين لا يعرف لهم ذكر ما يبين كذبها وقد علم كل من له علم بأحوال الصحابة والتابعين أنه لم يكن فيهم أحد يلبس سراويل ولا يسقى ملحا ولا يختص أحد بطريقة تسمى الفتوة لكن كانوا قد اجتمع بهم التابعون وتعلموا منهم وتأدبوا بهم واستفادوا منهم وتخرجوا على أيديهم وصحبوا من صحبوه منهم وكانوا يستفيدون من جميع الصحابة

 

 

وأصحاب ابن مسعود كانوا يأخذون من عمر وعلي وأبي الدرداء وغيرهم وكذلك أصحاب معاذ بن جبل رضي الله عنه كانوا يأخذون عن ابن مسعود وغيره وكذلك أصحاب ابن عباس يأخذون عن ابن عمر وأبي هريرة وغيرهما وكذلك أصحاب زيد بن ثابت يأخذون عن أبي هريرة وغيره وقد انتفع بكل منهم من نفعه الله وكلهم متفقون على دين واحد وطريق واحدة وسبيل واحدة يعبدون الله ويطيعون الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ومن بلغهم من الصادقين عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئا قبلوه ومن فهم من القرآن والسنة ما دل عليه القرآن والسنة استفادوه ومن دعاهم إلى الخير الذي يحبه الله ورسوله أجابوه ولم يكن أحد منهم يجعل شيخه ربا يستغيث به كالإله الذي يسأله ويرغب إليه ويعبده ويتوكل عليه ويستغيث به حيا وميتا ولا كالنبي الذي تجب طاعته في كل ما أمر فالحلال ما حلله والحرام ما حرمه فإن هذا ونحوه دين النصارى الذين قال الله فيهم اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون (سورة التوبة). وكانوا متعاونين على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان متواصين بالحق متواصين بالصبر

 

 

والإمام والشيخ ونحوهما عندهم بمنزلة الإمام في الصلاة وبمنزلة دليل الحاج فالإمام يفتدى به المأمومون فيصلون بصلاته لا يصلى عنهم وهو يصلى بهم الصلاة التي أمر الله ورسوله بها فإن عدل عن ذلك سهوا أو عمدا لم يتبعوه ودليل الحاج يدل الوفد على طريق البيت ليسلكوه ويحجوه بأنفسهم فالدليل لا يحج عنهم وإن أخطأ الدلالة لم يتبعوه وإذا اختلف دليلان وإمامان نظر أيهما كان الحق معه اتبع فالفاصل بينهم الكتاب والسنة قال تعالى يا أيها الذين امنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر الآية (سورة النساء). وكل من الصحابة الذين سكنوا الأمصار أخذ عنه الناس الإيمان والدين وأكثر المسلمين بالمشرق والمغرب لم يأخذوا عن علي شيئا فإنه رضي الله عنه كان ساكنا بالمدينة وأهل المدينة لم يكونوا يحتاجون إليه إلا كما يحتاجون إلى نظرائه كعثمان في مثل قصة شاورهم فيها عمر ونحو ذلك ولما ذهب إلى الكوفة كان أهل الكوفة قبل أن يأتيهم قد أخذوا الدين

 

 

عن سعد بن أبي وقاص وابن مسعود وحذيفة وعمار وأبي موسى وغيرهم ممن أرسله عمر إلى الكوفة وأهل البصرة أخذوا الدين عن عمران بن حصين وأبي بكرة وعبد الرحمن بن سمرة وأنس وغيرهم من الصحابة وأهل الشام أخذوا الدين عن معاذ بن جبل وعبادة بن الصامت وأبي الدرداء وبلال وغيره من الصحابة والعباد والزهاد من أهل هذه البلاد أخذوا الدين عمن شاهدوه من الصحابة فكيف يجوز أن يقال إن طريق أهل الزهد والتصوف متصل به دون غيره وهذه كتب الزهد مثل الزهد للإمام أحمد والزهد لابن المبارك ولوكيع بن الجراح ولهناد بن السري ومثل كتب أخبار الزهاد كحلية الأولياء وصفوة الصفوة وغير ذلك فيها من أخبار الصحابة والتابعين أمور كثيرة وليس الذي فيها لعلي أكثر مما فيها لأبي بكر وعمر ومعاذ وابن مسعود وأبي بن كعب وأبي ذر وأبي الدرداء وأبي أمامة وأمثالهم من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.

 

*

فصل قال الرافضي وأما علم الفصاحة فهو منبعه حتى قيل كلامه فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق، ومنه تعلم الخطباء.

*والجواب أن يقال لا ريب أن عليا كان من أخطب الصحابة، وكان أبو بكر خطيبا، وعمر خطيبا، وكان ثابت بن قيس بن شماس خطيبا معروفا بأنه خطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما كان حسان ابن ثابت وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة شعراءه.

ولكن كان أبو بكر يخطب عن النبي صلى الله عليه وسلم في حضوره وغيبته فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج في الموسم يدعو الناس إلى الإسلام وأبو بكر معه يخطب معه ويبين بخطابه ما يدعو الناس إلى متابعة النبي صلى الله عليه وسلم، ونبي الله ساكت يقره على ما يقول، وكان كلامه تمهيدا وتوطئة لما يبلغه الرسول معونة له، لا تقدما بين يدي الله ورسوله كما كان ثابت بن قيس بن شماس يخطب أحيانا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يسمى خطيب رسول الله وكان عمر من أخطب الناس وأبو بكر أخطب منه يعترف له عمر بذلك وهو الذي خطب المسلمين وكشف لهم عن موت النبي صلى الله عليه وسلم وثبت الإيمان في قلوب المسلمين حتى لا يضطرب الناس لعظيم المصيبة التي نزلت بهم.

 

ولما قدم هو وأبو بكر مهاجرين إلى المدينة قعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقام أبو بكر يخاطب الناس عنه، حتى ظن من لم يعرفهما أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن عرف بعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو القاعد، وكان يخرج معه إلى الوفود فيخاطب الوفود وكان يخاطبهم في مغيبه.

ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم كان هو الذي خطب الناس وخطب يوم السقيفة خطبة بليغة انتفع بها الحاضرون كلهم، حتى قال عمر كنت قد زورت في نفسي مقالة أعجبتني أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر وكنت أداري منه بعض الحد فلما أردت أن أتكلم قال أبو بكر على رسلك فكرهت أن أغضبه فتكلم أبو بكر وكان أحلم مني وأوقر والله ما ترك من كلمة اعجبتني في تزويري إلا قال في بديهته مثلها أو أفضل منها. وقال أنس خطبنا أبو بكر رضي الله عنه ونحن كالثعالب فما زال يثبتنا حتى صرنا كالأسود وكان زياد بن أبيه من أخطب الناس وأبلغهم حتى قال الشيعي ما تكلم أحد فأحسن إلا تمنيت أن يسكت خشية أن يزيد فيسيء إلا زيادا كان كلما أطال أجاد أو كما قال وقد كتب الناس خطب زياد

 

وكان معاوية خطيبا، وكانت عائشة من أخطب الناس حتى قال الأحنف بن قيس سمعت خطبة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي فما سمعت الكلام من مخلوق أفحم ولا أحسن من عائشة.

وكان الخطباء الفصحاء كثيرين في العرب قبل الإسلام وبعده وجماهير هؤلاء لم يأخذوا عن علي شيئا فقول القائل إنه منبع علم الفصاحة كذب بين، ولو لم يكن إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أخطب منه وأفصح ولم يأخذ منه شيئا وليست الفصاحة التشدق في الكلام والتقعير في الكلام ولا سجع الكلام ولا كان في خطبة علي ولا سائر خطباء العرب من الصحابة وغيرهم تكلف الأسجاع ولا تكلف التحسين الذي يعود إلى مجرد اللفظ الذي يسمى علم البديع كما يفعله المتأخرون من أصحاب الخطب والرسائل والشعر وما يوجد في القرآن من مثل قوله وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا (سورة الكهف). و إن ربهم بهم سورة العاديات ونحو ذلك. فلم يتكلف لأجل التجانس بل هذا تابع غير مقصود بالقصد الأول كما يوجد في القرآن من أوزان الشعر ولم يقصد به الشعر كقوله تعالى وجفان كالجواب وقدور راسيات (سورة سبأ).

 

وقوله نبىء عبادي أني أنا الغفور الرحيم (سورة الحجرات).. ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك سورة الشرح ونحو ذلك وإنما البلاغة المأمور بها في مثل قوله تعالى وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا (سورة النساء). هي علم المعاني والبيان فيذكر من المعاني ما هو أكمل مناسبة للمطلوب ويذكر من الألفاظ ما هو أكمل في بيان تلك المعاني فالبلاغة بلوغ غاية المطلوب أو غاية الممكن من المعاني بأتم ما يكون من البيان فيجمع صاحبها بين تكميل المعاني المقصودة وبين تبيينها بأحسن وجه ومن الناس من تكون همته إلى المعاني ولا يوفيها حقها من الألفاظ المبينة ومن الناس من يكون مبينا لما في نفسه من المعاني لكن لا تكون تلك المعاني محصلة للمقصود المطلوب في ذلك المقام فالمخبر مقصودة تحقيق المخبر به فإذا بينه وبين ما يحقق ثبوته لم يكن بمنزلة الذي لا يحقق ما يخبر به أو لا يبين ما يعلم به ثبوته والأمر مقصودة تحصيل الحكمة المطلوبة فمن أمر ولم يحكم ما أمر به أو لم يبين الحكمة في ذلك لم يكن بمنزلة الذي أمر بما هو حكمة وبين وجه الحكمة فيه وأما تكلف الأسجاع والأوزان والجناس والتطبيق ونحو ذلك مما

 

 

تكلفه متأخروا الشعراء والخطباء والمترسلين والوعاظ فهذا لم يكن من دأب خطباء الصحابة والتابعين والفصحاء منهم ولا كان ذلك مما يهتم به العرب وغالب من يعتمد ذلك يزخرف اللفظ بغير فائدة مطلوبة من المعاني كالمجاهد الذي يزخرف السلاح وهو جبان ولهذا يوجد الشاعر كلما أمعن في المدح والهجو خرج في ذلك إلى الإفراط في الكذب يستعين يالتخيلات والتمثيلات وأيضا فأكثر الخطب التي ينقلها صاحب نهج البلاغة كذب على علي وعلي رضي الله عنه أجل وأعلى قدرا من أن يتكلم بذلك الكلام ولكن هؤلاء وضعوا أكاذيب وظنوا انها مدح فلا هي صدق ولا هي مدح ومن قال إن كلام علي وغيره من البشر فوق كلام المخلوق فقد أخطأ وكلام النبي صلى الله عليه وسلم فوق كلامه وكلاهما مخلوق ولكن هذا من جنس كلام ابن سبعين الذي يقول هذا كلام بشير يشبه بوجه ما كلام البشر وهذا ينزع إلى أن يجعل كلام الله ما في نفوس البشر وليس هذا من كلام المسلمين وأيضا فالمعاني الصحيحة التي توجد في كلام علي موجودة في كلام غيره لكن صاحب نهج البلاغة وأمثاله أخذوا كثيرا من كلام الناس

 

 

فجعلوه من كلام علي ومنه ما يحكى عن علي أنه تكلم به ومنه ما هو كلام حق يليق به أن يتكلم به ولكن هو في نفس الأمر من كلام غيره ولهذا يوجد في كلام البيان والتبيين للجاحظ وغيره من الكتب كلام منقول عن غير علي وصاحب نهج البلاغة يجعله عن علي وهذه الخطب المنقولة في كتاب نهج البلاغة لو كانت كلها عن علي من كلامه لكانت موجودة قبل هذا المصنف منقوله عن علي بالأسانيد وبغيرها فإذا عرف من له خبرة بالمنقولات أن كثيرا منها بل أكثرها لا يعرف قبل هذا علم أن هذا كذب وإلا فليبين الناقل لها في أي كتاب ذكر ذلك ومن الذي نقله عن علي وما إسناده وإلا فالدعوى المجردة لا يعجز عنها أحد ومن كان له خبرة بمعرفة طريقة أهل الحديث ومعرفة الآثار والمنقول بالأسانيد وتبين صدقها من كذبها علم أن هؤلاء الذين ينقلون مثل هذا عن علي من أبعد الناس عن المنقولات والتمييز بين صدقها وكذبها.

 

*

فصل قال الرافضي وقال سلوني قبل أن تفقدوني سلوني عن طرق السماء فإني أعلم بها من طرق الأرض.

*والجواب أن يقال لا ريب أن عليا لم يكن يقول هذا بالمدينة بين المهاجرين والأنصار الذين تعلموا كما تعلم وعرفوا كما عرف. وإنما قال هذا لما صار إلى العراق وقد دخل في دين الإسلام خلق كثير لا يعرفون كثيرا من الدين وهو الإمام الذي يجب عليه أن يفتيهم ويعلمهم، فكان يقول لهم ذلك ليعلمهم ويفتيهم كما أن الذين تأخرت حياتهم من الصحابة واحتاج الناس إلى علمهم نقلوا عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة لم ينقلها الخلفاء الأربعة ولا أكابر الصحابة لأن أولئك كانوا مستغنين عن نقلها لأن الذين عندهم قد علموها كما علموها ولهذا يروى لابن عمر وابن عباس وعائشة وأنس وجابر وأبي سعيد ونحوهم من الصحابة من الحديث مالا يروى لعلي ولا لعمر وعمر وعلي أعلم من هؤلاء كلهم لكن هؤلاء احتاج الناس إليهم لكونهم تأخرت وفاتهم وأدركهم من لم يدرك أولئك السابقين فاحتاجوا أن يسألوهم واحتاج أولئك أن يعلموهم ويحدثوهم فقول علي لمن عنده بالكوفة سلوني هو من هذا الباب لم يقل هذا لابن مسعود ومعاذ وأبي بن كعب وأبي الدرداء وسلمان وأمثالهم فضلا عن أن يقول ذلك لعمر وعثمان ولهذا لم يكن هؤلاء ممن يسأله فلم يسأله قط لا معاذ ولا أبي ولا ابن مسعود ولا من هو دونهم من الصحابة وإنما كان يستفتيه المستفتي كما يستفتي أمثاله من الصحابة وكان عمر وعثمان

 

يشاورانه كما يشاوران أمثاله فكان عمر يشاور في الأمور لعثمان وعلي وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وابن مسعود وزيد بن ثابت وأبي موسى ولغيرهم حتى كان يدخل ابن عباس معهم مع صغر سنه وهذا مما أمر الله به المؤمنين ومدحهم عليه بقوله وأمرهم شورى بينهم (سورة الشورى). ولهذا كان رأي عمر وحكمه وسياسته من أسد الأمور فما رؤى بعده مثله قط ولا ظهر الإسلام وانتشر وعز كظهوره وانتشاره وعزه في زمنه وهو الذي كسر كسرى وقصر قيصر والروم والفرس وكان أميره الكبير على الجيش الشامي أبا عبيدة وعلى الجيش العراقي سعد بن أبي وقاص ولم يكن لأحد بعد أبي بكر مثل خلفائه ونوابه وعماله وجنده وأهل شوراه وقوله أنا أعلم بطرق السماء من طرق الأرض كلام باطل لا يقوله عاقل ولم يصعد أحد ببدنه إلى السماء من الصحابة والتابعين وقد تكلم الناس في معراج النبي صلى الله عليه وسلم هل هو ببدنه أو بروحه وإن كان الأكثرون على أنه ببدنه فلم ينازع السلف في غير النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يعرج ببدنه ومن اعتقد هذا من الغلاة في أحد من المشايخ وأهل البيت فهو من الضلال من جنس من اعتقد من الغلاة في أحد من هؤلاء النبوة أو ما هو أفضل من النبوة أو الإلهية

 

 

وهذه المقالات كلها كفر بين لا يستريب في ذلك أحد من علماء الإسلام وهذا كاعتقاد الإسماعيلية أولاد ميمون القداح الذين كان جدهم يهوديا ربيبا لمجوسي وزعموا أنهم أولاد محمد بن إسماعيل بن جعفر واعتقد كثير من أتباعهم فيهم الإلهية أو النبوة وأن محمد بن إسماعيل بن جعفر نسخ شريعة محمد صلى الله عليه وسلم وكذلك طائفة من الغلاة يعتقدون الإلهية أو النبوة في علي وفي بعض أهل بيته إما الاثنا عشر وإما غيره وكذلك طائفة من العامة والنساك يعتقدون في بعض الشيوخ نوعا من الإلهية أو النبوة أو أنهم أفضل من الأنبياء ويجعلون خاتم الأولياء أفضل من خاتم الأنبياء وكذلك طائفة من هؤلاء يجعلون الأولياء أفضل من الأنبياء ويعتقد ابن عربي ونحوه أن خاتم الأنبياء يستفيد من خاتم الأولياء وأنه هو خاتم الأولياء ويعتقد طائفة أخرى أن الفيلسوف الكامل أعلم من النبي بالحقائق العلمية والمعارف الإلهية فهذه الأقوال ونحوها هي من الكفر المخالف لدين الإسلام باتفاق أهل الإسلام ومن قال منها شيئا فإنه يستتاب منه كما يستتاب نظراؤه

 

 

ممن يتكلم بالكفر كاستتابة المرتد إن كان مظهرا لذلك وإلا كان داخلا في مقالات أهل الزندقة والنفاق وإن قدر أن بعض الناس خفى عليه مخالفة ذلك لدين الإسلام إما لكونه حديث عهد بالإسلام أو لنشأته بين قوم جهال يعتقدون مثل ذلك فهذا بمنزلة من يجهل وجوب الصلاة أو بعضها أو يرى الواجبات تجب على العامة دون الخاصة وأن المحرمات كالزنا والخمر مباح للخاصة دون العامة وهذه الأقوال قد وقع في كثير منها كثير من المنتسبين إلى التشيع والمنتسبين إلى كلام أو تصوف أو تفلسف وهي مقالات باطلة معلومة البطلان عند أهل العلم والإيمان لا يخفى بطلانها على من هو من أهل الإسلام والعلم.

*

فصل قال الرافضي وإليه يرجع الصحابة في مشكلاتهم ورد عمر في قضايا كثيرة قال فيها لولا علي لهلك عمر.

*والجواب أن يقال ما كان الصحابة يرجعون إليه ولا إلى غيره وحده في شيء من دينه لا واضحة ولا مشكلة بل كان إذا نزلت النازلة يشاورهم عمر رضي الله عنه فيشاور عثمان وعليا وعبد الرحمن وابن مسعود وزيد بن ثابت وأبا موسى حتى يشاوره ابن عباس وكان من أصغرهم سنا وكان السائل يسأل عليا تارة وأبي بن كعب تارة وعمر تارة وقد سئل ابن عباس أكثر مما سئل علي وأجاب عن المشكلات أكثر من علي وما ذاك لأنه أعلم منه بل علي أعلم منه لكن احتاج إليه من لم يدرك عليا فأما أبو بكر رضي الله عنه فما ينقل عنه احد أنه استفاد من علي شيئا من العلم والمنقول أن عليا هو الذي استفاد منه كحديث صلاة التوبة وغيره وأما عمر فكان يشاورهم كلهم وإن كان عمر أعلم منهم وكان كثير من القضايا يقول فيها أولا ثم يتعبونه كالعمريتين والعول وغيرهما فإن عمر هو أول من أجاب في زوج وأبوين أو أمرأة وأبوين بأن للأم ثلث الباقي واتبعه أكابر الصحابة وأكابر الفقهاء كعثمان وابن مسعود

 

وعلي وزيد والأئمة الأربعة وخفى وجه قوله على ابن عباس فأعطى الأم الثلث ووافقه طائفة وقول عمر أصوب لأن الله إنما أعطى الأم الثلث إذا ورثه أبواه كما قال فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث (سورة النساء). فأعطاها الثلث إذا ورثه أبواه والباقي بعد فرض الزوجين هو ميراث بين الأبوين يقتسمانه كما اقتسما الأصل كما لو كان على الميت دين أو وصية فإنهما يقتسمان ما يبقى أثلاثا وأما قوله إنه رد عمر إلى قضايا كثيرة قال فيها لولا علي لهلك عمر فيقال هذا لا يعرف أن عمر قاله إلا في قضية واحدة أن صح ذلك وكان عمر يقول مثل هذا لمن هو دون علي قال للمرأة التي عارضته في الصداق رجل أخطأ وامرأة اصابت وكان قد رأى أن الصداق ينبغي أن يكون مقدرا بالشرع فلا يزاد على صداق أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وبناته كما رأى كثير من الفقهاء أن أقله مقدر بنصاب السرقة وإذا كان مقدرا بالشرع والفاضل قد بذله الزوج واستوفى عوضه والمرأة لا تستحقه فيجعل في بيت المال كما يجعل في بيت المال ثمن عصير الخمر إذا باعه المسلم

 

 

وأجره من أجر نفسه لحمل الخمر ونحو ذلك على أظهر أقوال العلماء فإن من استوفى منفعة محرمة بعوضها كالذي يزني بالمرأة بالجعل أو يستمع الملاهي بالجعل أو يشرب الخمر بالجعل إن أعيد إليه جعله بعد قضاء غرضه فهذا زيادة في إعانته على المعصية فإن كان يطلبها بالعوض فإذا حصلت له هي والعوض كان ذلك أبلغ في إعانته على الإثم والعدوان وإن أعطى ذلك للبائع والمؤجر كان قد أبيح له العوض الخبيث فصار مصروف هذا المال في مصالح المسلمين وعمر إمام عدل فكان قد رأى أن الزائد على المهر الشرعي يكون هكذا فعارضته امرأة وقالت لم تمنعنا شيئا أعطانا الله إياه في كتابه فقال وأين في كتاب الله فقالت في قوله تعالى وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا (سورة النساء). وروى أنها قالت له أمنك نسمع أم من كتاب الله تعالى قال بل من كتاب الله فقرأت عليه الآية فقال رجل أخطأ وامرأة أصابتومع هذا فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في حق عمر من العلم والدين والإلهام لما لم يخبر بمثله لا في حق عثمان ولا علي ولا طلحة ولا الزبير وفي الترمذي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه قال وقال ابن عمر ما نزل بالناس أمر قط فقالوا فيه وقال عمر فيه إلا نزل فيه القرآن على نحو ما قال عمر وفي سنن أبي داود عن أبي ذر قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول إن الله وضع الحق على لسان عمر يقول به وفي الترمذي عن عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان بعدي نبي لكان عمر وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد كان فيمن كان قبلكم من الأمم ناس محدثون من غير أن

 

 

يكونوا أنبياء فإن يكن في أمتي أحد فعمر قال ابن وهب تفسير محدثون ملهمون وقال ابن عيينة محدثون أي مفهمون وفي الصحيحين عن أبي سعيد قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول بينا أنا نائم رأيت الناس يعرضون وعليهم قمص فنها ما يبلغ الثدي ومنها ما يبلغ دون ذلك وعرض علي عمر وعليه قميص يجره قالوا فما أولته يا رسول الله قال الدين وفي الصحيحين عن ابن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بينا أنا نائم أتيت بقدح لبن فشربت منه حتى أني لأرى الري يخرج من تحت أظفاري ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب قال من حوله فما أولت ذلك يا رسول الله قال العلم وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له يا ابن الخطاب والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك وفي الصحيحين عن أنس أن عمر قال وافقت ربي في ثلاثقلت لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى فنزلت واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى (سورة البقرة). وقلت يا رسول الله يدخل على نسائك البر والفاجر فلو أمرتهن يحتجبن فنزلت آية الحجاب واجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في الغيرة فقلت عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن (سورة التحريم). فنزلك ذلك وهذا الباب في فضائل عمر كثيرا جدا وأما قصة الحكومة في الأرغفة فهي مما يحكم فيها وما هو أدق منها من هو دون علي وللفقهاء في تفاريع مسائل القضاء والقسمة وغير ذلك من الدقائق ما هو أبلغ من هذه وليسوا مثل علي وأما مسألة القرعة فقد رواها أحمد وأبو داود عن زيد بن أرقملكن جمهور الفقهاء لا يقولون بهذه وأما أحمد فنقل عنه تضعيف الخبر فلم يأخذ به وقيل أخذ به وأحمد أوسع الأئمة أخذا بالقرعة وقد أخذ بقضاء علي في الزبية وحديثها أثبت من هذا رواه سماك ابن حرب وأخذ به أحمد وأما الثلاثة فما بلغهم لا هذا ولا هذا أو بلغهم ولم يثبت عندهم وكان عند أحمد من العلم بالآثار ومعرفة صحتها من سقمها ما ليس لغيره

 

وهذا يدل على فضل علي ولا نزاع في هذا لكن لا يدل على أنه أقضى الصحابة وأما قوله معرفة القضايا بالإلهام فهذا خطأ لأن الحكم بالإلهام بمعنى أنه من ألهم أنه صادق حكم بذلك بمجرد الإلهام فهذا لا يجوز في دين المسلمين وفي الصحيح عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال انكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون الحن بحجته من بعض وإنما أقضى بنحو مما أسمع فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار فأخبر أنه يقضي بالسمع لا بالإلهام فلو كان الإلهام طريقا لكان النبي صلى الله عليه وسلم أحق بذلك وكان الله يوحى إليه معرفة صاحب الحق فلا يحتاج إلى بينة ولا إقرار ولم يكن ينهى أحدا أن يأخذ مما يقضى له ولما حكم في اللعان بالفرقة قال إن جاءت به كذا فهو الزوج وإن جاءت به فهو الذي للذي رميت به فجاءت به على النعت المكروه فقال لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأنفأنفذ الحكم باليمين ولم يحكم بالبينة وأما إن قيل إنه يلهم الحكم الشرعي فهذا لا بد فيه من دليل شرعي لا يجوز الحكم بمجرد الإلهام فإن الذي ثبت بالنص أنه كان ملهما هو عمر بن الخطاب كما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال قد كان في الأمم قبلكم محدثون فإن يكن في أمتي فعمر ومع هذا فلم يكن يجوز لعمر أن يفتى ولا يقضى ولا يعمل بمجرد ما يلقى في قلبه حتى يعرض ذلك على الكتاب والسنة فإن وافقه قبله وإن خالفه رده وأما ما ذكره من الحكومة في البقرة التي قتلت حمارا فهذا

 

 

الحديث لا يعرف وليس هو في شيء من كتب الحديث والفقه مع احتياج الفقهاء في هذه المسألة إلى نص ولم يذكر له إسنادا فكيف يصدق بشيء لا دليل على صحته بل الأدلة المعلومة تدل على انتفائه ومع هذا فهذا الحكم الذي نقله عن علي وأن النبي صلى الله عليه وسلم أقره إذا حمل على ظاهرة كان مخالفا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجماع المسلمين فإن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أنه قال العجماء جبار وهذا في الصحيحين وغيرهما واتفق العلماء على صحته وتلقيه بالقبول والتصديق والعمل به والعجماء تأنيث أعجم وكل بهيمة فهي عجماء كالبقرة والشاة وغيرهما وهذه إذا كانت ترعى في المراعي المعتادة فأفلتت نهارا من غير تفريط من صاحبها حتى دخلت على حمار فأفسدته أوأفسدت زرعا لم يكن على صاحبها ضمان باتفاق المسلمين فإنها عجماء لم يفرط صاحبها وأما أن كانت خرجت بالليل فعلى صاحبها الضمان عند أكثر العلماء كمالك والشافعي وأحمد لقصة سليمان بن داود في النفش ولحديث ناقة البراء بن عازب فإنها دخلت حائطا فأفسدته فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن علي أهل المواشي ما أفسدت مواشيهم باليل وقضى على أهل الحوائط بحفظ حوائطهموذهب أبو حنيفة وابن حزم وغيرهما إلى أنه لا ضمان في ذلك وجعلوها داخلة في العجماء وضعف بعضهم حديث ناقة البراء وأما إن كان صاحبها اعتدى وأرسلها في زرع قوم أو بقرب زرعهم أو أدخلها إلى اصطبل الحمار بغير إذن صاحبها فأتلفته فهنا يضمن لعدوانه فهذه قضية البقرة والحمار إن كان صاحب البقرة لم يفرط فالتفريط

 

 

من صاحب الحمار كما لو دخلت الماشية نهارا فأفسدت الزرع فإن صاحب الحمار لم يغلق عليه الباب كما لو دخلت البقرة على الحمار إن كان الحمار نائما وإن كان المفرط بإدخالها إلى الحمار كان ضامنا وأما أن يجعل مجرد اعتداء الحمار على البقرة أو البقرة على الحمار بدون تفريط صاحبها كاعتداء صاحبها فهذا يوجب كون البهيمة كالعبد ما أتلفه يكون في رقبتها ولا يكون جبارا وهذا ليس من حكم المسلمين ومن نقل هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم فقد كذب عليه وقد قلنا غير مرة إن هؤلاء الجهال يكذبون ما يظنونه مدحا ويمدحون به فيجمعون بين الكذب وبين المدح فلا صدق ولا علم ولا عدل فيضلون في الخير والعدل وقد تقدم الكلام على قوله يهدي إلى الحق (سورة يونس).

*

فصل قال الرافضي والرابع أنه كان أشجع الناس وبسيفه ثبتت قواعد الإسلام وتشيدت أركان الإيمان ما انهزم في مواطن قط ولا ضرب بسيف إلا قط طالما كشف الكرب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يفر كما فر غيره ووقاه بنفسه لما بات على فراشه مستترا بإزاره فظنه المشركون إياه وقد اتفق المشركون على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحدقوا به وعليهم السلاح يرصدون طلوع الفجر ليقتلوه ظاهرا فيذهب دمه لمشاهدة بني هاشم قاتليه من جميع القبائل ولا يتم لهم الأخذ بثأره لاشتراك الجماعة في دمه ويعود كل قبيل عن قتال رهطه وكان ذلك

 

سبب حفظ دم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتمت السلامة وانتظم به الغرض في الدعاء إلى الملة فلما أصبح القوم ورأوا الفتك به ثار إليهم فتفرقوا عنه حين عرفوه وانصرفوا وقد ضلت حيلهم وانتقض تدبيرهم.

*والجواب أنه لا ريب أن عليا رضي الله عنه كان من شجعان الصحابة وممن نصر الله الإسلام بجهاده ومن كبار السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ومن سادات من آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله وممن قتل بسيفه عددا من الكفار، لكن لم يكن هذا من خصائصه بل غير واحد من الصحابة شاركه في ذلك فلا يثبت بهذا فضله في الجهاد على كثير من الصحابة فضلا عن أفضليته على الخلفاء فضلا عن تعيين للإمامة.

أما قوله إنه كان أشجع الناس فهذا كذب بل كان أشجع الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين عن أنس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وكان أجود الناس وكان أشجع الناس. ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق ناس قبل الصوت فتلقاهم النبي صلى الله عليه وسلم راجعا وقد سبقهم إلى الصوت وهو على فرس لأبي طلحة عرى في عنقه السيف وهو يقول لن تراعوا قال البخاري استقبلهم وقد استبرأ الخبر وفي المسند عن علي رضي الله عنه قال كان إذا اشتد البأس اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كان أقرب إلى العدو منا والشجاعة تفسر بشيئين أحدهما قوة القلب وثباته عند المخاوف والثاني شدة القتال بالبدن بأن يقتل كثيرا ويقتل قتلا عظيما والأول هو الشجاعة وأما الثاني فيدل على قوة البدن وعمله وليس كل من كان قوي البدن كان قوي القلب ولا بالعكس ولهذا

 

تجد الرجل الذي يقتل كثيرا يقال إذا كان معه من يؤمنه إذا خاف أصابه الجبن وانخلع قلبه وتجد الرجل الثابت القلب الذي لم يقتل بيديه كثيرا ثابتا في المخاوف مقداما على المكاره وهذه الخصلة يحتاج إليها في أمراء الحروب وقواده ومقدميه أكثر من الأولى فإن المقدم إذا كان شجاع القلب ثابتا أقدم وثبت ولم ينهزم فقاتل معه أعوانه وإذا كان جبانا ضعيف القلب ذل ولم يقدم ولم يثبت ولو كان قوي البدن والنبي صلى الله عليه وسلم كان أكمل الناس في هذه الشجاعة التي هي المقصودة في أئمة الحرب ولم يقتل بيده إلا أبي بن خلف قتله يوم أحد ولم يقتل بيده أحدا لا قبلها ولا بعدها وكان أشجع من جميع الصحابة حتى أن جمهور أصحابه انهزموا يوم حنين وهو راكب على بغلة والبغلة لا تكر ولا تفر وهو يقدم عليها إلى ناحية العدو وهو يقول أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب فيسمى نفسه وأصحابه قد انكفوا عنه وعدوه مقدم عليه وهو مقدم على عدوه على بغلته والعباس آخذ بعنانها وكان علي وغيره يتقون برسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه

 

 

أشجع منهم وإن كان أحدهم قد قتل بيده أكثر مما قتل النبي صلى الله عليه وسلم وإذا كانت الشجاعة المطلوبة من الأئمة بشجاعة القلب فلا ريب أن أبا بكر كان أشجع من عمر وعمر أشجع من عثمان وعلي وطلحة والزبير وهذا يعرفه من يعرف سيرهم وأخبارهم فإن أبا بكر رضي الله باشر الأهوال التي كان يباشرها النبي صلى الله عليه وسلم من أول الإسلام إلى آخره ولم يجبن ولم يحرج ولم يفشل وكان يقدم على المخاوف يقي النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه يجاهد المشركين تارة بيده وتارة بلسانه وتارة بماله وهو في ذلك كله مقدم وكان يوم بدر مع النبي صلى الله عليه وسلم في العريش مع علمه بأن العدو يقصدون مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ثابت القلب ربيط الجأش يظاهر النبي صلى الله عليه وسلم ويعاونه ولما قام النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ربه ويستغيث ويقول اللهم أنجز لي ما وعدتني اللهم إن تهلك هذا العصابة لا تعبد اللهم اللهم جعل أبو بكر يقول له يا رسول الله هكذا مناشدتك ربك إنه سينجز لك ما وعدك وهذا يدل على كمال يقين الصديق وثقته بوعد الله وثباته وشجاعته شجاعة إيمانه إيمانية زائدة على الشجاعة الطبيعية

 

 

وكان حال رسول الله أكمل من حاله ومقامة أعلى من مقامه ولم يكن الأمر كما ظنه بعض الجهال أن حال أبي بكر أكمل نعوذ بالله من ذلك ولا نقص في استغاثة النبي صلى الله عليه وسلم ربه في هذا المقام كما توهمه بعض الناس وتكلم ابن عقيل وغيره في هذا الموضع بخطل من القول مردود على من قاله بل كان رسول الله صلى الله عليه جامعا كاملا له من كل مقام ذروة سنامة ووسيلته فيعلم أن الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد ومحو الأسباب أن تكون أسبابا قدح في العقل والإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع ويعلم أن عليه أن يجاهد المشركين ويقيم الدين بكل ما يقدر عليه من جهاده بنفسه وماله وتحريضه للمؤمنين ويعلم أن الاستنصار بالله والاستغاثة به والدعاء له فيه أعظم الجهاد وأعظم الأسباب في تحصيل المأمور ودفع المحذور ولهذا كان يستفتح بصعاليك المهاجرين وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أقبلت قريش ومعه أصحابه أخبر أصحابه بمصارعهم وقال هذا مصرع عتبة بن ربيعة وهذا مصرع شيبة بن ربيعة وهذا مصرع أمية بن خلف وهذا مصرع أبي جهل بن هشاموهذا مصرع فلان ثم مع علمه أن ذلك سيكون يعلم أن الله إذا قضى شيئا يكون فلا يمنع ذلك أن يقضيه بأسباب تكون وأن من الأسباب ما يكون العباد مأمورين به ومن أعظم ما يؤمر به الاستغاثة بالله فقام بما يؤمر به مع علمه بأنه سيكون ما وعد به كما أنه يعبد الله ويطيعه مع علمه بأن له السعادة في الآخرة والقلب إذا غشيته الهيبة والمخافة والتضرع قد يغيب عنه شهود ما يعلمه ولا يمنعه ذلك أن يكون عالما به مصدقا له ولا أن يكون في اجتهاد وجهاد بمباشرة الأسباب ومن علم أنه إذا مات يدخل الجنة

 

 

لم يمنع أن يجد بعض ألم الموت والمريض الذي إذا أخبر أن في دوائه العافية لا يمنعه أن يجد مرارة الدواء فقام مجتهدا في الدعاء المأمور به وكان هو رأس الأمر وقطب رحى الدين فعليه أن يقول بأفضل مما يقوم به غيره وذلك الدعاء والاستغاثة كان أعظم الأسباب التي نزل بها النصر ومقام أبي بكر دون هذا وهو معاونه الرسول والذب عنه وإخباره بأنا واثقون بنصر الله تعالى والنظر إلى جهة العدو وهل قاتلوا المسلمين أم لا والنظر إلى صفوف المسلمين لئلا تختل وتبليغ المسلمين ما يأمر به النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الحال ولهذا قال تعالى إلا تنصروه فقد نصره الله إذا أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار (سورة التوبة). وأخبر تعالى أن الناس إذا لم ينصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار وهذه الحال كان الخوف فيها على النبي صلى الله عليه وسلم دون غيره وسيأتي الكلام على هذه القصة في آخر الكتاب والوزير مع الأمير له حال وللأمير حال والمقصود هنا أن أبا بكر كان أشجع الناس ولم يكن بعد الرسول

 

 

صلى الله عليه وسلم أشجع منه ولهذا لما مات النبي صلى الله عليه وسلم ونزلت بالمسلمين أعظم نازلة نزلت بهم حتى أوهنت العقول وطيشت الألباب واضطربوا اضطراب الأرشية في الطوى البعيدة القعر فهذا ينكر موته وهذا قد أقعد وهذا قد دهش فلا يعرف من يمر عليه ومن يسلم عليه وهؤلاء يضجون بالبكاء وقد وقعوا في نسخه القيامة وكأنها قيامة صغرى مأخوذة من القيامة الكبرى وأكثر البوادي قد ارتدوا عن الدين وذلت كماتة فقام الصديق رضي الله عنه بقلب ثابت وفؤاد شجاع فلم يجزع ولم ينكل قد جمع له بين الصبر واليقين فأخبرهم بموت النبي صلى الله عليه وسلم وأن الله اختار له ما عنده وقال لهم من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل أنقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزى الله الشاكرين (سورة آل عمران). فكان الناس لم يسمعوا هذه الآية حتى تلاها الصديق فلا تجد أحدا إلا وهو يتلوها ثم خطبهم فثبتهم وشجعهم قال أنس خطبنا أبو بكر رضي الله عنه وكنا كالثعالب فما زال يشجعنا حتى صرنا كالأسود

 

 

وأخذ في تجهيز أسامة مع إشارتهم عليه وأخذ في قتال المرتدين مع إشارتهم عليه بالتمهل والتربص وأخذ يقاتل حتى مانعي الزكاة فهو من الصحابة يعلمهم إذا جهلوا ويقويهم إذا ضعفوا ويحثهم إذا فتروا فقوى الله به علمهم ودينهم وقوتهم حتى كان عمر مع كمال قوته وشجاعته يقول له يا خليفة رسول الله تألف الناس فيقول علام أتالفهم أعلى دين مفترى أم على شعر مفتعل وهذا باب واسع يطول وصفه فالشجاعة المطلوبة من الإمام لم تكن في أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أكمل منها في أبي بكر ثم عمر وأما القتل فلا ريب أن غير علي من الصحابة قتل من الكفار أكثر مما قتل علي فإن كان من قتل أكثر يكون أشجع فكثير من الصحابة أشجع من علي فالبراء ابن مالك أخو أنس قتل مائة رجل مبارزة غير من شورك في دمه وأما خالد بن الوليد فلا يحصى عدد من قتله إلا الله وقد انكسر في يده في غزوة مؤته تسعة أسياف ولا ريب أنه قتل أضعاف ما قتله علي وكان لأبي بكر مع الشجاعة الطبيعية شجاعة دينية وهي قوة يقينية بالله عز وجل وثقة بأن الله ينصره والمؤمنين وهذه الشجاعة لا تحصل بكل من كان قوي القلب لكن هذه تزيد بزيادة الإيمان واليقينوتنقص بنقص ذلك فمتى تيقن أنه يغلب عدوه كان إقدامه بخلاف إقدام من لم يكن كذلك وهذا كان من أعظم أسباب شجاعة المسلمين وإقدامهم على عدوهم فإنهم كانوا أيقنوا بخبر الله ورسوله أنهم منصورون وأن الله يفتح لهم البلاد ومن شجاعة الصديق ما في الصحيحين عن عروة بن الزبير قال سألت عبد الله بن عمرو عن أشد ما صنع المشركون برسول الله قال رأيت عقبة بن أبي معيط جاء إلى النبي وهو يصلي فوضع رداءه في عنقه فخنقه خنقا شديدا فجاء أبو بكر فدفعه عنه وقال أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم (سورة غافر).

 

 

*

فصل ومما ينبغي أن يعلم أن الشجاعة إنما فضيلتها في الدين لأجل الجهاد في سبيل الله وإلا فالشجاعة إذا لم يستعن بها صاحبها على الجهاد في سبيل الله كانت إما وبالا عليه إن استعان بها صاحبها على طاعة الشيطان وإما غير نافعة له إن استعملها فيما لا يقربه إلى الله تعالى فشجاعة علي والزبير وخالد وأبي دجانة والبراء بن مالك وأبي طلحة وغيرهم من شجعان الصحابة إنما صارت من فضائلهم لاستعانتهم بها على الجهاد في سبيل الله فإنهم بذلك استحقوا ما حمد الله به المجاهدين وإذا كان كذلك فمعلوم أن الجهاد منه ما يكون بالقتال باليد ومنه ما يكون بالحجة والبيان والدعوة قال الله تعالى ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا (سورة الفرقان). فأمره الله سبحانه وتعالى أن يجاهد الكفار بالقرآن جهادا كبيرا وهذه السورة مكية نزلت بمكة قبل أن يهاجر النبي وقبل أن يؤمر بالقتال ولم يؤذن له وإنما كان هذا الجهاد بالعلم والقلب والبيان والدعوة لا بالقتال وأما القتال فيحتاج إلى التدبير والرأي

 

ويحتاج إلى شجاعة القلب وإلى القتال باليد وهو إلى الرأي والشجاعة في القلب في الرأس المطاع أحوج منه إلى قوة البدن وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما مقدمان في أنواع الجهاد غير قتال البدن قال أبو محمد بن حزم وجدناهم يحتجون بأن عليا كان أكثر الصحابة جهادا وطعنا في الكفار وضربا والجهاد أفضل الأعمال قال وهذا خطأ لأن الجهاد ينقسم أقساما ثلاثة أحدها الدعاء إلى الله تعالى باللسان والثاني الجهاد عند الحرب بالرأي والتدبير الجهادر باليد في الطعن والضرب فوجدنا الجهاد باللسان لا يلحق فيه أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر ولا عمر أما أبو بكر فإن أكابر الصحاب أسلموا على يديه فهذا أفضل عمل وليس لعلي من هذا كثير حظ وأما عمر فإنه من يوم أسلم عز الإسلام وعبد الله علانية وهذا أعظم الجهاد وقد انفرد هذان الرجلان بهذين الجهادين اللذين لا نظير لهما ولا حظ لعلي في هذا وبقي القسم الثاني وهو الرأي والمشورة فوجدناه خالصا لأبي بكر ثم لعمر

 

 

بقي القسم الثالث وهو الطعن والضرب والمبارزة فوجدناه أقل مراتب الجهاد ببرهان ضروري وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لاشك عند كل مسلم في أنه المخصوص بكل فضيلة فوجدنا جهاده صلى الله عليه وسلم إنما كان في أكثر أعماله وأحواله بالقسمين الأولين من الدعاء إلى الله عز وجل والتدبير والإرادة وكان أقل عمله الطعن والضرب والمبارزة لا عن جبن بل كان أشجع أهل الأرض قاطبة نفسا ويدا وأتمهم نجدة ولكنه كان يؤثر الأفضل فالأفضل من الأعمال فيقدمه ويشتغل به ووجدناه يوم بدر وغيره كان أبو بكر معه لا يفارقه إيثارا من النبي صلى الله عليه وسلم له بذلك واستظهارا برأيه في الحرب وأنسا بمكانه ثم كان عمر ربما شورك في ذلك وقد أنفرد بهذا المحل دون علي ودون سائر الصحابة إلا في الندرة ثم نظرنا مع ذلك في هذا القسم من الجهاد الذي هو الطعن والضرب والمبارزة فوجدنا عليا لم ينفرد بالسيوف فيه بل قد شاركه فيه غيره شركة العيان كطلحة والزبير وسعد ومن قتل في صدر الإسلام كحمزة وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب ومصعب بنعمير ومن الأنصار سعد بن معاذ وسماك بن خرشة يعني أبا دجانة وغيرهما ووجدنا أبا بكر وعمر قد شاركاه في ذلك بحظ حسن وإن لم يلحقا بحظوظ هؤلاء وإنما ذلك لشغلهما بالأفضل من ملازمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومؤازرته في حين الحرب وقد بعثهما على البعوث أكثر مما بعث عليا وقد بعث أبا بكر إلى بني فزارة وغيرهم وبعث عمر إلى بني فلان وما نعلم لعلي بعثا إلا إلى بعض حصون خيبر ففتحه فحصل أرفع أنواع الجهاد لأبي بكر وعمر وقد شاركا عليا في أقل أنواع الجهاد مع جماعة غيرهم.

 

*

فصل. قلت، وأما قوله بسيفه ثبت قواعد الإسلام وتشيدت أركان الدين فهذا كذب ظاهر لكل من عرف الإسلام بل سيفه جزء من أجزاء كثيرة جزء من أجزاء أسباب تثبيت قواعد الإسلام وكثر من الوقائع التي ثبت بها الإسلام لم يكن لسيفه فيها تأثير كيوم بدر كان سيفا من سيوف كثيرة وقد قدمنا غير مرة أن عزوات القتال كلها كانت تسع غزوات وعلي بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم لم يشهد قتال الروم وفارس ولم يعرف لعلي غزاة أثر فيها تأثيرا منفردا كثيرا عن النبي صلى الله عليه وسلم بل كان نصره في المغازي تبعا لنصر رسول الله صلى الله عليه وسلم والحروب الكبار التي كان فيها هو الأمير ثلاثة يوم الجمل والصفين والنهروان وفي الجمل والنهروان كان منصورا فإن جيشه كان أضعاف المقاتلين له ومع هذا لم يستظهر على المقاتلين له بل ما زالوا مستظهرين عليه إلى أن استشهد إلى كرامه الله ورضوانه وأمره يضعف وأمر المقاتلين له يقوى وهذا مما يدل على أن الانتصار الذي كان يحصل له في حياة النبي صلى الله عليه وسلم كان نصرا من الله لرسوله ولمن قاتل معه على دينه فإن الله يقول إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد (سورة غافر). وكذلك انتصار غير علي كانتصار أبي بكر وعمر وعثمان وعلى من قاتلوه إنما كان نصرا من الله لرسوله كما وعده بذلك في كتابه

 

*

فصل وأما قوله:( ما انهزم قط فهو في ذلك كأبي بكر وعمر وطلحة والزبير وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم).

فالقول في أنه ما انهزم كالقول في أن هؤلاء ما انهزموا قط ولم يعرف لأحد من هؤلاء هزيمة وإن كان قد وقع شيء في الباطن ولم ينقل فيمكن أن عليا وقع منه مالم ينقل والمسلمون كانت لهم هزيمتان يوم أحد ويوم حنين ولم ينقل أن أحدا من هؤلاء انهزم بل المذكور في السير والمغازي أن أبا بكر وعمر ثبتا مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد ويوم حنين ولم ينهزما مع من انهزم ومن نقل أنهما انهزما يوم حنين فكذبه معلوم وإنما الذي انهزم يوم أحد عثمان وقد عفا الله عنه وما نقل من انهزام أبي بكر وعمر بالراية يوم حنين فمن الأكاذيب المختلقة التي افتراها المفترون وقوله ما ضرب بسيفه إلا قط فهذا لا يعلم ثبوته ولا انتفاؤه وليس معنا في ذلك نقل يعتمد عليه ولو قال قائل في خالد والزبير والبراء بن مالك وأبي دجانة وأبي طلحة ونحوهم إنه ما ضرب بسيفه إلا قط كان القول في ذلك كالقول في علي بل صدق هذا في مثل خالد والبراء بن مالك أولى فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال خالد سيف من سيوف الله سله الله على المشركين فإذا قيل فيمن جعله الله من سيوفه إنه ما

 

ضرب إلا قط كان أقرب إلى الصدق مع كثرة ما علم من قتل خالد في الحروب وأنه لم يزل منصورا وأما قوله وطالما كشف الكروب عن وجه النبي صلى الله عليه وسلم فهذا كذب بين من جنس أكاذيب الطرقية فإنه لا يعرف أن عليا كشف كربة عن وجه النبي صلى الله عليه وسلم قط بل ولا يعرف ذلك عن أبي بكر وعمر وهما كانا أكثر جهادا منه بل هو صلى الله عليه وسلم الذي طالما كشف عن وجوههم الكرب لكن أبو بكر دفع عنه لما أراد المشركون أن يضربوه ويقتلوه بمكة جعل يقول أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله حتى ضربوا أبا بكر ولم يعرف أن عليا فعل مثل هذا وأما كون المشركين أحاطوا به حتى خلصه أبو بكر أو علي بسيفه فهذا لم ينقله أحد من أهل العلم ولا حقيقة له لكن هذا الرافضي وأمثاله كأنهم قد طالعوا السير والمغازي التي وضعها الكذابون والطرقية مثل كتاب تنقلات الأنوار للبكرى الكذاب وأمثاله مما هو من جنس ما يذكر في سيرة البطال ودلهمة والعيار وأحمد الدنف والزيبق المصري والحكايات التي يحكونها عن هارون ووزيره مع العامة والسيرة الطويلة التي وضعت لعنترة بن شداد وقد وضع الكذابون في مغاري رسول اله صلى الله عليه وسلم ما هو

 

 

من هذا الجنس وهذا يصدقه الجهال ومن لم يكن عارفا بما ذكره العلماء من الأخبار الصحيحة في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأما أهل العلم فيعلمون أن هذا كذب وما ذكره من مبيته على فراشه فقد قدمنا أنه لم يكن هناك خوف على علي أصلا وأشهر ما نقل من ذلك ذب المؤمنين عن النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد لما ولى أكثر المسلمين مدبرين فطمع العدو في النبي صلى الله عليه وسلم وحرصوا على قتله وطلب أمية بن خلف قتله فقتله النبي صلى الله عليه وسلم بيده وشج المشركون جبينه وهشموا البيضة على رأسه وكسروا رباعيته وذب عنه الصحابة الذين حوله كسعد بن أبي وقاص عل يرمي والنبي صلى الله عليه وسلم يقول له ارم فداك أبي وأمي ووقاه طلحة بيده فشلت يد طلحة وقتل حوله جماعة من خيار المسلمينوفي الحديث أن عليا لما أمر فاطمة بغسل سيفه يوم أحد قال اغسليه غير ذميم فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن تكن أحسنت فقد أحسن فلان وفلان وعد جماعة من الصحابة.

*

فصل قال الرافضي وفي غزاة بدر وهي أول الغزوات كانت على رأس ثمانية عشر شهرا من مقدمه إلى المدينة وعمره سبع وعشرون سنة قتل منهم ستة وثلاثين رجلا بانفراده وهم أعظم من نصف المقتولين وشرك في الباقين.

*والجواب أن هذا من الكذب البين المفتري باتفاق أهل العلم العالمين بالسير والمغازي ولم يذكر هذا أحد يعتمد عليه في النقل وإنما هو من وضع جهال الكذابين بل في الصحيح قتل غير واحد لم يشرك علي في واحد منهم مثل أبي جهل وعقبة بن أبي معيط ومثل أحد ابني ربيعة إما عتبة بن ربيعة و شيبة بن ربيعة وأبي بن خلف وغيرهم وذلك أنه لما برز من المشركين ثلاثة عتبة وشيبة والوليد فانتدب

 

لهم ثلاثة من الأنصار فقالوا من أنتم فسموا أنفسهم فقالوا أكفاء كرام ولكن نريد بني عمنا فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أقاربه بالبروز إليهم فقال قم ياحمزة قم يا عبيدة قم يا علي وكان أصغر المشركين هو الوليد وأصغر المسلمين علي فبرز هذا إلى هذا فقتل علي قرنه وقتل حمزه قرنه قيل إنه كان عتبة وقيل كان شيبة وأما عبيدة فجرح قرنه وساعده حمزة على قتل قرنه وحمل عبيدة بن الحارث وقيل إن عليا لم يقتل ذلك اليوم إلا نفرا دون العشرة أو أقل أو أكثر وغاية ما ذكره ابن هشام وقبله موسى بن عقبة وكذلك الأمويجميع ما ذكروه أحد عشر نفسا واختلف في ستة أنفس هل قتلهم هو أو غيره وشارك في ثلاثة هذا جميع ما نقله هؤلاء الصادقون.

*

فصل قال الرافضي وفي غزاة أحد لما انهزم الناس كلهم عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا علي بن أبي طالب ورجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر يسير أولهم عاصم بن ثابت وأبو دجانة وسهل بن حنيف وجاء عثمان بعد ثلاثة أيام فقال له النبي صلى الله عليه وسلم لقد ذهبت فيها عريضة وتعجبت الملائكة من شأن على فقال جبريل وهو يعرج إلى السماء لا سيف إلا ذو الفقا ر ولا فتى إلا علي وقتل أكثر المشركين في هذه الغزاة وكان الفتح فيها على يده وروى قيس بن سعد قال سمعت عليا يقول أصابني

 

يوم أحد ستة عشر ضربة سقطت إلى الأرض في أربع منهن فجاءني رجل حسن الوجه اللمة طيب الريح فأخذ بضبعي فأقامني ثم قال أقبل عليهم فقاتل في طاعة الله وطاعة رسوله فهما عنك راضيان قال علي فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرته فقال يا علي أما تعرف الرجل قلت لا ولكن شبهته بدحية الكلبي فقال يا علي أقر الله عينيك كان ذاك جبريل.

*والجواب أن يقال قد ذكر في هذه من الأكاذيب العظام التي لا تنفق إلا على من لم يعرف الإسلام، وكأنه يخاطب بهذه الخرافات من لا يعرف ما جرى في الغزوات، كقوله إن عليا قتل أكثر المشركين في هذه الغزاة وكان الفتح فيها على يده، فيقال آفة الكذب الجهل وهل كان في هذه الغزاة فتح بل كان المسلمون قد هزموا العدو أولا وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد وكل بثغرة الجبل الرماة وأمرهم بحفظ ذلك المكان وأن لا يأتوهم سواء غلبوا أو غلبوا فلما انهزم المشركون صاح بعضهم أي قوم الغنيمة فنهاهم أميرهم عبد الله بن جبير ورجع العدو عليهم وأمير المشركينإذ ذاك خالد بن الوليد فأتاهم من ظهورهم فصاح الشيطان قتل محمد واستشهد في ذلك اليوم نحو سبعين ولم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم ذلك اليوم إلا اثنا عشر رجلا فيهم أبو بكر وعمر وأشرف أبو سفيان فقال أفي القوم محمد أفي القوم محمد والحديث في الصحيحين وقد تقدم لفظه وكان يوم بلاء وفتنة وتمحيص وانصراف العدو عنهم منتصرا حتى هم بالعود إليهم فندب النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين للحاقه وقيل إن في هؤلاء نزل قوله تعالى الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح (سورة آل عمران). وكان في هؤلاء المنتدبين أبو بكر والزبير قالت عائشة لابن الزبير أبوك وجدك ممن قال الله فيهم الذين استجابوا لله والرسول من بعد ماأصابهم القرح ولم يقتل يومئذ من المشركين إلا نفر قليل وقصد العدو رسول الله صلى الله عليه وسلم واجتهدوا في قتله وكان ممن ذب عنه

 

يومئذ سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وجعل يرمي عنه والنبي صلى الله عليه وسلم يقول له ارم فداك أبي وأمي وفي الصحيحين عن سعد قال جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أبويه يوم أحد وكان سعد مجاب الدعوة مسدد الرمية وكان فيهم أبو طلحة راميا وكان شديد النزع وطلحة بن عبيد الله وقي النبي صلى الله عليه وسلم بيده فشلت يده وظاهر النبي صلى الله عليه وسلم بين درعين وقتل دونه نفر قال ابن إسحاق في السيرة في النفر الذين قاموا دون رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ترس دون النبي صلى الله عليه وسلم أبو دجانة بنفسه يقع النبل في ظهره وهو منحن عليه متى كثر فيه النبل ورمى سعد بن أبي وقاص دون النبي صلى الله عليه وسلم قال سعد فلقد رأيته يناولني النبل ويقول ارم فداك أبي وأمي حتى إنه ليناولني السهم ماله نصل فيقول ارموقال النبي صلى الله عليه وسلم حين غشيه القوم من رجل يشرى لنا نفسه فقام زياد بن السكن في نفر خمسة من الأنصار وبعض الناس يقول إنما هو عمارة بن زيد بن السكن فقاتلوا دون رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا ثم رجلا يقتلون دونه حتى كان آخرهم زياد أو عمارة فقاتل حتى أثبتته الجراح ثم فاءت فئة من المسلمين فأجهضوهم عنه فقال النبي صلى الله عليه وسلم أدنوه منى فأدنوه منه فوسده قدمه فمات وخده على قدم النبي صلى الله عليه وسلم قال وحدثنى عاصم بن عمر بن قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى عن قوسه حتى انعرقت سيتها فأخذها قتادة بن النعمان فكانت عنده وأصيبت يومئذ عين قتادة بن النعمان حتى وقعت على وجنيه وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ردها بيده وكانت أحسن عينيه وأحدهما

 

 

ولم يكن علي ولا أبو بكر ولا عمر من الذين كانوا يدفعون عن النبي صلى الله عليه وسلم بل كانوا مشغولين بقتال آخرين وجرح النبي صلى الله عليه وسلم في جبينه ولم يجرح علي فقوله إن عليا قال أصابتني يوم أحد شت عشرة ضربة سقطت إلى الأرض في أربع منهن كذب على علي وليس هذا الحديث في شئ من الكتب المعروفة عند أهل العلم فأين إسناد هذا ومن الذي صححه من أهل العلم وفي أي كتاب من الكتب التي يعتمد على نقلها ذكر هذا بل الذي جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم وكثير من الصحابة قال ابن إسحاق فلما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فم الشعب خرج علي بن أبي طالب حتى ملأ درقته من المهراس فجاءبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشرب منه فوجد له ريحا فعافه فلم يشرب منه وغسل عن وجه الدم وصب على رأسه وهو يقول اشتد غضب الله على من أدمى وجه نبيه وقوله إن عثمان جاء بعد ثلاثة أيام كذب آخر وقوله إن جبريل قال وهو يعرج لا سيف إلا ذو الفقا ر ولا فتى إلا علي كذب باتفاق الناس فإن ذا الفقار لم يكن لعلي ولكن كان سيفا لأبي جهل غنمه المسلمون يوم بدر فروى الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه عن ابن عباس قال تنفل رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفهذا الفقار يوم بدر وهو الذي رأى فيه الرؤيا يوم أحد قال رأيت في سيفي ذي الفقار فلا فأولته فلا يكون فيكم ورأيت أني مردف كبشا فأولته كبش الكتيبة ورأيت أني في درع حصينة فأولتها المدينة ورأيت بقرا تذبح فبقر والله خير فكان الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا الكذب المذكور في ذي الفقار من جنس كذب بعض الجهال أنه كان له سيف يمتد إذا ضرب به كذا وكذا ذراعا فإن هذا مما يعلم العلماء أنه لم يكن قط لا سيف علي ولا غيره ولو كان سيفه يمتد لمده يوم قاتل معاوية

 

 

وقال بعض الجهال إنه مد يده حتى عبر الجيش على يده بخيبر وإنه قال للبغلة قطع الله نسلك فانقطع نسلها هذا من الكذب البين فإنه يوم خيبر لم يكن معهم بغلة ولا كان للمسلمين بغلة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلا بغلته التي أهداها له المقوقس وذلك بعد غزوة خيبر بعد أن أرسل إلى الأمم وأرسل إلى ملوك الأرض هرقل ملك الشام وإلى المقوقس ملك مصر وإلى كسرى ملك الفرس وأرسل إلى ملوك العرب مثل صاحب اليمامة وغيره وأيضا فالجيش لم يعبر أحد منهم على يد علي ولا غيره والبغلة لم تزل عقيما قبل ذلك ولم تكن قبل ذلك تلد فعقمت ولو قدر أنه دعا على بغلة معينة لم تعم الدعوة جنس البغال ومثل هذا الكذب الظاهر قول بعض الكذابين إنه لما سبى بعض أهل البيت حملوا على الجمال عرايا فنبتت لهم سنامات من يومئذ وهي البخاتي وأهل البيت لم يسب أحد منهم في الإسلام ولا حمل أحد من نسائهم مكشوف العورة وإنما جرى هذا على أهل البيت في هذه الأزمان بسبب الرافضة كما قد علمه الخاص والعام بل هذا الكذب مثل كذب من يقول إن الحجاج قتل الأشراف والحجاج لم يقتل أحدا من بني هاشم مع ظلمة وفتكه بكثير من

 

 

غيرهم لكن قتل كثيرا من أشراف العرب وكان الملك قد أرسل إليه أن لا يقتل أحدا من بني هاشم وذكر له أنه لما قتل الحسين في ولاية بني حرب يعني ملك يزيد أصابهم شر فاعتبر عبد الملك بذلك فنهاه أن يقتل أحدا من بني هاشم حتى أن الحجاج طمع أن يتزوج هاشمية فخطب إلى عبد الله بن جعفر ابنته وأصدقها صداقا كثيرا فأجابه عبد الله إلى ذلك فغضب من ذلك من غضب من أولاد عبد الملك ولم يروا الحجاج أهلا لأن يتزوج واحدة من بني هاشم ودخلوا على عبد الملك وأخبروه بذلك فمنع الحجاج من ذلك ولم يروه كفؤا لنكاح هاشمية ولا أن يتزوجها وبالجملة فالأحاديث التي ينقلها كثير من الجهال لا ضابط لها لكن منها ما يعرف كذبه بالعقل ومنها ما يعرف كذبه بالعادة ومنها ما يعرف كذبه بأنه خلاف ما علم بالنقل الصحيح ومنها ما يعرف كذبه بطرق أخرى.

*

فصل قال الرافضي وفي غزاة الأحزاب وهي غزاة الخندق لما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من عمل الخندق أقبلتقريش يقدمها أبو سفيان وكنانة أهل تهامة في عشرة آلاف وأقبلت غطفان ومن تبعها من أهل نجد ونزلوا من فوق المسلمين ومن تحتهم كما قال تعالى إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم (سورة الأحزاب). فخرج عليه الصلاة والسلام بالمسلمين مع ثلاثة آلاف وجعلوا الخندق بينهم واتفق المشركون مع اليهود وطمع المشركون بكثرتهم وموافقة اليهود وركب عمرو بن عبد ود وعكرمة بن أبي جهل ودخلا من مضيق في الخندق إلى المسلمين وطلبا المبارزة فقام علي وأجابه فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنه عمرو فسكت ثم طلب المبارزة ثانيا وثالثا وكل ذلك يقوم علي ويقول له النبي صلى الله عليه وسلم أنه عمرو فأذن له في الرابعة فقال له عمرو ارجع يا ابن أخي فما أحب أن أقتلك فقال له علي كنت عاهدت الله أن لا يدعوك رجل من قريش إلى إحدى خلتين إلا أخذتها منه وأنا أدعوك

 

إلى الإسلام قال عمرو لا حاجة لي بذلك قال أدعوك إلى البراز قال ما أحب أن أقتلك قال علي بل أنا أحب أن أقتلك فحمى عمرو ونزل عن فرسه وتجاولا فقتله علي وانهزم عكرمة ثم انهزم باقي المشركين واليهود وفيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل علي لعمرو بن عبد ود أفضل من عبادة الثقلين.

*والجواب أن يقال...

أولا: أين إسناد هذا النقل وبيان صحته.

ثم يقال ثانيا: قد ذكر في هذه الغزوة أيضا عدة أكاذيب، منها قوله أن قريشا وكنانة وأهل تهامة كانوا في عشرة آلاف فالأحزاب كلهم من هؤلاء ومن أهل نجد تميم وأسد وغطفان ومن اليهود كانوا قريبا من عشرة آلاف والأحزاب كانوا ثلاثة أصناف قريش وحلفاؤها وهم أهل مكة ومن حولها وأهل نجد تميم وأسد وغطفان ومن دخل معهم واليهود بنو قريظة وقوله إن عمرو بن عبد ود وعكرمة بن أبي جهل ركبا ودخلا من مضيق في الخندق

 

وقوله إن عمرا لما قتل وانهزم المشركون واليهود هذا من الكذب البارد فإن المشركين بقوا محاصرين للمسلمين بعد ذلك هم واليهود حتى خبب بينهم نعيم بن مسعود وأرسل الله عليهم الريح الشديدة ريح الصبا والملائكة من السماء كما قال تعالى يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا إذ جاءتكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر بالله الظنونا هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا وإذا يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا سورة الآحزاب إلى قوله وكفى الله المؤمنين القتال (سورة الأحزاب). وهذا يبين أن المؤمنين لم يقاتلوا فيها وأن المشركين ماردهم الله بقتال وهذا هو المعلوم المتواتر عند أهل العلم بالحديث والتفسير والمغازي والسير والتاريخ فكيف يقال بأنه باقتتال علي وعمرو بن عبد ود وقتله له انهزم المشركون والحديث الذي ذكره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال قتل علي لعمرو بن عبد ود أفضل من عبادة الثقلين من الأحاديث

 

 

الموضوعة ولهذا لم يروه أحد من علماء المسلمين في شئ من الكتب التي يعتمد عليها بل ولا يعرف له إسناد صحيح ولا ضعيف وهو كذب لا يجوز نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لا يجوز أن يكون قتل كافر أفضل من عبادة الجن والإنس فإن ذلك يدخل فيه عبادة الأنبياء وقد قتل من الكفار من كان قتله أعظم من قتل عمرو بن عبد ود وعمرو هذا لم يكن فيه من معاداة النبي صلى الله عليه وسلم ومضارته له وللمؤمنين مثل ما كان في صناديد قريش الذين قتلوا ببدر مثل أبي جهل وعقبة بن أبي معيط وشبية بن ربيعة والنضر بن الحارث وأمثالهم الذين نزل فيهم القرآن وعمرو هذا لم ينزل فيه شئ من القرآن ولاعرف له شئ ينفرد به في معاداة النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وعمرو بن عبد ود هذا لم يعرف له ذكر في غزاة بدر ولا أحد ولا غير ذلك من مغازى قريش التي غزوا فيها النبي صلى الله عليه وسلم ولا في شئ من السرايا ولم بشتهر ذكره إلا في قصة الخندق مع أن قصته ليست مذكورة في الصحاح ونحوها كما نقلوا في الصحاح مبارزة الثلاثة يوم بدر إلى الثلاثة مبارزة حمزة وعبيدة وعلي مع عتبة وشبية والوليد وكتب التفسير والحديث مملوءة بذكر المشركين الذين كانوا يؤذون

 

 

النبي صلى الله عليه وسلم مثل أبي جهل وعقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث وغيرهم وبذكر رؤساء الكفار مثل الوليد بن المغيرة وغيره ولم يذكر أحد عمرو بن عبد ود لا في هؤلاء ولا في هؤلاء ولا كان من مقدمي القتال فكيف يكون قتل مثل هذا أفضل من عبادة الثقلين ومن المنقول بالتواتر أن الجيش لم ينهزم بقتله بل بقوا بعده محاصرين مجدين كما كانوا قبل قتله.

*

فصل قال الرافضي وفي غزاة بني النضير قتل علي رامي ثنية النبي صلى الله عليه وسلم وقتل بعده عشرة وانهزم الباقون.

*والجواب أن يقال ما تذكره في هذه الغزاة وغيرها من الغزاوات من المنقولات لابد من ذكر إسناده أولا وإلا فلو أراد إنسان أن يحتج بنقل لا يعرف إسناده في جزرة بقل لم يقبل منه فكيف يحتج به في مسائل الأصول.

ثم يقال ثانيا: هذا من الكذب الواضح فإن بني النضير هم الذين أنزل الله فيهم (سورة الحشر). باتفاق الناس وكانوا من اليهود وكانت قصتهم قبل الخندق وأحد ولم يذكر فيها مصاف ولا هزيمة ولارمي أحد ثنية النبي صلى الله عليه وسلم فيها وإنما أصيبت ثنيته يوم أحد وكان النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون في غزاة بني النضير قد حاصروهم حصارا شديدا وقطعوا نخيلهم وفيهم أنزل الله تعالى ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزى الفاسقين (سورة الحشر). ولم يخرجوا لقتال حتى ينهزم أحد منهم وإنما كانوا في حصن يقاتلون من ورائه كما قال تعالى لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى (سورة الحشر). ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم أجلاهم إجلاء لم يقتلهم فيه قال تعالى هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ماظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتهم الله من حيث لم يحتسبوا (سورة الحشر). إلى قوله تعالى فاعتبروا يا أولى الأبصار (سورة الحشر).

 

قال ابن إسحاق بعد أن ذكر نقضهم العهد وأنهم أرادوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج إليهم يستعين بهم في دية القتيلين اللذين قتلهما عمرو بن أمية قال فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسير إليهم وبالتهيؤ لحربهم واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم فيما ذكر ابن هشام ونزل تحريم الخمر قال اين إسحاق فتحصنوا في الحصون فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع النخيل والتحريق فيها فنادوه أي محمد قد كنت تنهى عن الفساد وتعيبه على من صنعه فما بال قطع النخيل وتحريقها قال وقد كان رهط من بني عوف بن الخزرج قد بعثوا إلى بني النضير أن اثبتوا وتمنعوا فإنا لن نسلمكم إن قوتلتم قاتلنا معكم وإن خرجتم خرجنا معكم فتربصوا ذلك من نصرهم فلم يفعلوا وقذف الله في قلوبهم الرعب وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنيجليهم ويكف عن دمائهم على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم إلا الحلقة ففعل فاحتملوا من أموالهم ما استقلت به الإبل فكان الرجل منهم يهدم بيته عن نجاف بابه فيضعه على ظهر بعيره فينطلق به فخرجوا إلى خيبر ومنهم من سار إلى الشام قال وحدثنى عبد الله بن أبي بكر أنه حدث أنهم استقلوا بالنساء والأموال والأبناء معهم الدفوف والمزامير والقينات يعزفن خلفهم بزهو وفخر ما رئي مثله من حي من الناس وخلوا الأموال لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة يضعها حيث يشاء فقسمها رسول صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين الأولين دون الأنصار إلا أن سهل بن حنيف وأبا دجانة ذكرا فاقة وفقرا فأعطاهما النبي صلى الله عليه وسلم

 

 

قال وأنزل الله تعالى في بني النضير (سورة الحشر). بأسرها يذكر فيها ماأصابهم من نقمة وما سلط به رسوله عليهم وما عمل فيهم وفي الصحيحين عن ابن عمر أن يهود بني النضير وبني قريظة حاربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجلى بني النضير وأقر قريظة ومن عليهم حتى حاربت قريظة بعد ذلك فقتل رجالهم وسبى نساءهم وأولادهم وأموالهم وقسم أنفالهم بين المسلمين إلا بعضهم لحقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمنهم وأسلموا وأجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود المدينة كلهم بني قينقاع وهم قوم عبد الله ابن سلام ويهود بني حارثة وكل يهودي كان بالمدينةفصل قال الرافضي وفي غزوة السلسلة جاء أعرابي فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن جماعة من العرب قصدوا أن يكبسوا عليه بالمدينة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من للوائي فقال أبو بكر أنا له فدفع إليه اللواء وضم إليه سبعمائة فلما وصل إليهم قالوا ارجع إلى صاحبك فإنا في جمع كثير فرجع فقال في اليوم الثاني من للوائي فقال عمر نا فدفع إليه الراية ففعل كالأول فقال في اليوم الثالث أين علي فقال علي أنا ذا يا رسول الله

 

 

فدفع إليه الراية ومضى إلى القوم ولقيهم بعد صلاة الصبح فقتل منهم ستة أو سبعة وانهزم الباقون وأقسم الله تعالى بفعل أمير المؤمنين فقال والعاديات ضبحا السورة سورة العاديات فالجواب أن يقال له أجهل الناس يقول لك بين لنا سند هذا حتى نثبت أن هذا نقل صحيح والعالم يقول له إن هذه الغزاة وما ذكر فيها من جنس الكذب الذي يحكيه الطرقية الذين يحكون الأكاذيب الكثيرة من سيرة عنترة والبطال وإن كان عنترة له سيرة مختصرة والبطال له سيرة يسيرة وهي ما جرى له في دولة بني أمية وغزوة الروم لكن ولدها الكذابون حتى صارت مجلدات وحكايات الشطار كأحمد الدنف والزيبق المصري وصاروا يحكون حكايات يختلقونها عن الرشيد وجعفر فهذه الغزاة من جنس هذه الحكايات لم يعرف في شئ من كتب المغازى والسير المعروفة عند أهل العلم ذكر هذه الغزاة ولم يذكرها أئمة هذا الفن فيه كموسى بن عقبة وعروة بن الزبير والزهري وابن إسحاق وشيوخه والواقدي ويحيى بن سعيد الأموي والوليد بن مسلم ومحمد بن عائذ وغيرهم ولا لها ذكر في الحديث ولا نزل فيها شئ من القرآن

 

 

وبالجملة مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم لا سيما غزوات القتال معروفة مشهورة مضبوطة متواترة عند أهل العلم بأحواله مذكورة في كتب أهل الحديث والفقه والتفسير والمغازي والسير ونحو ذلك وهي مما تتوفر الدواعي على نقلها فيمتنع عادة وشرعا أن يكون للنبي صلى الله عليه وسلم غزاة يجري فيها مثل هذه الأمور لا ينقلها أحد من أهل العلم بذلك كما يمتنع أن يكون قد فرض في اليوم والليلة أكثر من خمس صلوات أو فرض في العام أكثر من صوم شهر رمضان ولم ينقل ذلك وكما يمتنع أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد غزا الفرس بالعراق وذهب إلى اليمن ولم ينقل ذلك أحدا وكما يمتنع أمثال ذلك مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله لو كان ذلك موجودا وسورة والعاديات فيها قولان أحدهما أنها نزلت بمكة وهذا يروى عن ابن مسعود وعكرمة وعطاء وغيرهم فعلى هذا يظهر كذب هذا القول والثاني أنها نزلت بالمدينة وهو مروى عن ابن عباس وقتادة وهذا القول يناسب قول من فسر العاديات بخيل المجاهدين لكن المشهور عن علي المنقول عنه في كتب التفسير أنه كان يفسر العاديات بإبل الحجاج وعدوها من مزدلفة إلى منى وهذا يوافق القول الأول فيكون على ما قاله علي يكذب هذا القول وكان ابن عباس والأكثر يفسرونها بالخيل العاديات في سبيل الله

 

 

وأيضا ففي هذه الغزاة أن الكفار نصحوا المسلمين وقالوا لأبي بكر ارجع إلى صاحبك فإنا في جمع كثير ومعلوم أن هذا خلاف عادة الكفار المحاربين وأيضا فأبو بكر وعمر لم ينهزما قط وما ينقله بعض الكذابين من انهزامهما يوم حنين فهو من الكذب المفترى فلم يقصد أحد المدينة إلا يوم الخندق وأحد ولم يقرب أحد من العدو المدينة للقتال إلا في هاتين الغزاتين وفي غزوة الغبة الغاية بعض الناس على سرح المدينة وأما ما ذكر في غزوة السلسلة فهو من الكذب الظاهر الذي لا يذكره إلا من هو من أجهل الناس وأكذبهم وأما غزوة ذات السلاسل فتلك سرية بعث فيها النبي صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص أميرا فيها لأن المقصودين كانوا بني عذرة وكان بينهم وبين عمرو بن العاص قرابة فأرسله إليهم لعلهم يسلمون ثم أردفه بأبي عبيدة بن الجراح وليس لعلي فيها ذكر وكانت قريبا من الشام بعيدة من المدينة وفيها احتلم عمرو بن العاص في ليلة باردة فتيمم وصلى بأصحابه فلما أخبروا النبي صلى الله عليه وسلم قاليا عمر أصليت بأصحابك وأنت جنب قال إني سمعت الله يقول ولا تقتلوا أنفسكم (سورة النساء). فأقره النبي صلى الله عليه وسلم على فعله ولم ينكره لما بين له عذره وقد تنازع الفقهاء هل قوله أصليت بأصحابك وأنت جنب استفهام أي هل صليت مع الجنابة فلما أخبره أنه تطهر بالتيمم ولم يكن جنبا أقره أو هو إخبار بأنه جنب والتيمم يبيح الصلاة وكان يرفع الجنابة على قولين والأول هو الأظهر.

 

*

فصل قال الرافضي وقتل من بني المصطلق مالكا وابنه وسبى كثيرا من جملتهم جويرية بنت الحرث ين أبي ضرار فاصطفاها النبي صلى الله عليه وسلم فجاءها أبوها في ذلك اليوم فقال يا رسول الله ابنتي كريمة لا تسبي فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يخيرها فقال أحسنت وأجملت ثم قال يا بنية لا تفضحي قومك قالت اخترت الله ورسوله.

*والجواب أن يقال أولا لا بد من بيان إسناد كل ما يحتج به من المنقول أو عزوه إلى كتاب تقوم به الحجة وإلا فمن أين يعلم أن هذا وقع ثم يقول من يعرف السيرة هذا كله من الكذب من أخبار الرافضة التي يختلقونها فإنه لم ينقل أحد أن عليا فعل هذا في غزوة بني المصطلق ولا سبي جويرية بنت الحارث وهي لما سبيت كاتبت على نفسها فأدى عنها النبي صلى الله عليه وسلم وعتقت من الكتابة وأعتق الناس السبي لأجلها وقالوا أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقدم أبوها أصلا ولا خيرها وروى أبو داود عن عائشة قالت وقعت جويرية بنت الحارث بنالمصطلق في سهم ثابت بن قيس بن شماس أو ابن عم له فكاتبت على نفسها وكانت امرأة ملاحة لها في العين حظ تأخذها العين قالت عائشة فجاءت تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتابتها فملا قامت على الباب فرأيتها كرهت مكانها وعرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيرى منها مثل الذي رأيت فقالت يا رسول الله أنا جويرية بنت الحارث وإنه كان من أمري ما لا يخفى عليك وإني وقعت في سهم ثابت بن قيس بن شماس وإني كاتبت على نفسي وجئتك تعينني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهل لك فيما هو خير لك قالت وما هو يا رسول الله قال أؤدي عنك كتابتك وأتزوجك قالت قد فعلت فلما تسامع الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تزوج جويرية أرسلو ما في أيديهم من السبي واعتقوهم وقالوا أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت فما رأينا امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها أعتق في سببها أكثر من مائة أهل بيت من بني المصطلق .

 

*

فصل قال الرافضي وفي غزوة خيبر كان الفتح فيها على يد أمير المؤمنين ودفع الراية إلى أبي بكر فانهزم ثم إلى عمر فانهزم ثم إلى علي وكان أرمد فتفل في عينيه وخرج فقتل مرحبا فانهزم الباقون وغلقوا عليهم الباب فعالجه أمير المؤمنين فقلعه وجعله جسرا على الخندق وكان الباب يغلقه عشرون رجلا ودخل المسلمون الحصن ونالوا الغنائم وقال عليه السلام والله ما قلعه بقوة خمسمائة رجل ولكن بقوةربانية وكان فتح مكة بواسطته.

*والجواب - بعد أن يقال لعنة الله على الكاذبين- أن يقال من ذكر هذا من علماء النقل وأين إسناده وصحته وهو من الكذب فإن خيبر لم تفتح كلها في يوم واحد بل كانت حصونا متفرقة بعضها فتح عنوة وبعضها فتح صلحا، ثم كتموا ما صالحهم عليه النبي صلى الله عليه وسلم فصاروا محاربين ولم ينهزم فيها أبو بكر ولا عمر وقد روى أن عليا اقتلع باب الحصن وأما جعله جسرا فلا وقوله كان فتح مكة بواسطته من الكذب أيضا فإن عليا ليس له في فتح مكة أثر أصلا إلا كما لغيره ممن شهد الفتح والأحاديث الكثيرة المشهورة في غزوة الفتح تتضمن هذا وقد عزم علي على قتل حموين لأخته أجارتهما أخته أم هانئ فأجار رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجارت وقد هم بتزوج بنت أبي جهل حتى غضب النبي صلى الله عليه وسلم فتركه وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال كنا يوم الفتح مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل خالد بن الوليد على المجنبة اليسرى

 

وجعل الزبير على المجنبة اليمنى وجعل أبا عبيدة على البياذقة وبطن الوادي فقال يا أبا هريرة ادع لي الأنصار فجاءوا يهرولون فقال يا معشر الأنصار هل ترون أوباش قريش قالوا نعم قال انظروا إذا لقيتموهم غدا أن تحصدوهم حصدا وأحفى بيده ووضع يمينه على شماله وقال موعدكم الصفا فما أشرف يومئذ لهم أحد إلا أناموه قال فصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصفا وجاءت الأنصار فأطافوا بالصفا فجاء أبو سفيان فقال يا رسول الله أبيدت خضراء قريش لا قريش بعد اليوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن ألقى السلاح فهو آمن ومن أغلق بابه فهوآمن وفي الصحيحين من حديث عروة بن الزبير قال لما سار رسولالله صلى الله عليه وسلم عام الفتح فبلغ ذلك قريشا خرج أبو سفيان ابن حرب وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء يلتمسون الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبلوا يسيرون حتى أتوا مر الظهران فإذا هم بنيران كأنها نيران عرفة فقال أبو سفيان ما هذه لكأنها نيران عرفة فقال أبو سفيان ما هذه لكأنها نيران عرفة فقال بديل بن ورقاء نيران بني عمرو فقال أبو سفيان عمرو أقل من ذلك فرآهم ناس من حرس رسول الله صلى الله عليه وسلم فأدركوهم فأخذوهم فأتوا بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم أبو سفيان فلما سار قال للعباس أمسك أبا سفيان عند خطم الجبل حتى ينظر إلى المسلمين فحبسه العباس فجعلت القبائل تمر مع النبي صلى الله عليه وسلم كتيبة كتيبة على أبي سفيان فمرت كتيبة فقال يا عباس من هذه قال هذه غفار قال مالي ولغفار ثم مرت جهينة فقال مثل ذلك ثم مرت سعد بن هذيم فقال

 

 

مثل ذلك ثم مرت سليم فقال مثل ذلك حتى أقبلت كتيبة لم ير مثلها قال من هؤلاء قال الأنصار عليهم سعد بن عبادة معه الراية فقال سعد بن عبادة يا أبا سفيان اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الكعبة فقال أبو سفيان يا عباس حبذا يوم الذمار ثم جاءت كتيبة وهي أقل الكتائب فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وراية النبي صلى الله عليه وسلم مع الزبير فلما مر النبي صلى الله عليه وسلم بأبي سفيان قال ألم تعلم ما قال سعد بن عبادة قال وما قال قال قال كذا وكذا فقال كذب سعد ولكن هذا يوم يعظم الله فيه الكعبة ويوم تكسى فيه الكعبة ثم أمر أن تركز رايته بالحجون.

*

فصل قال الرافضي وفي غزاة حنين خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم متوجها في عشر آلاف من المسلمينفعانهم أبو بكر وقال لن نغلب اليوم من كثرة فنهزموا ولم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا تسعة من بني هاشم وأيمن بن أم أيمن وكان أمير المؤمنين يضرب بين يديه بالسيف وقتل من المشركين أربعين نفسا فانهزموا.

*والجواب بعد المطالبة بصحة النقل، أما قوله فعانهم أبو بكر فكذب مفترى، وهذه كتب الحديث والسير والمغازي والتفسير لم يذكر أحد قوله إن أبا بكر عانهم واللفظ المأثور لن نغلب اليوم من قلة، فإنه قد قيل إنه قد قاله بعض المسلمين وكذلك قوله لم يبق معه إلا تسعة من بني هاشم، هو كذب أيضا قال ابن إسحاق في السيرة بقي مع النبي صلى الله عليه وسلم نفر من المهاجرين والأنصار وأهل بيته وممن ثبت معه من المهاجرين أبو بكر وعمر ومن أهل بيته علي والعباس وأبو سفيان بن الحارث

 

وابنه والفضل بن العباس وربيعة بن الحارث وأسامة بن زيد وأيمن بن أم أيمن وبعض الناس يعد فيهم قثم بن العباس ولا يعد ابن أبي سفيان هذا من كلام ابن إسحاق وقوله إن عليا كان بين يديه يضرب بالسيف وإنه قتل أربعين نفسا فكل هذا كذب باتفاق أهل المعرفة بالحديث والمغازي والسير والذي فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين لما وافوا وادي حنين عند الفجر وكان القوم رماه فرموهم رمية واحدة فولوا وكان مع النبي صلى الله عليه وسلم عمه العباس وأبو سفيان بن الحارث وكان شاعرا يهجو النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم فحسن إسلامه فثبت معه يومئذ قال العباس لزمت أنا وأبو سفيان رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم نفارقه قال البراء بن عازب وأمر النبي صلى الله عليه وسلم العباس أن ينادى فيهم وكان العباس جهوري الصوت فنادىيا أهل الشجرة يا أهل (سورة البقرة). يعني الشجرة التي بايعوا تحتها فذكرهم ببيعته لهم هناك على أن لا يفروا وعلى الموت فتنادوا يالبيك وعطفوا عليه عطفة البقر على أولادها فقاتلوا حتى انهزم المشركون وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أخذ كفا من حصباء فرمى بها القوم وقال انهزموا ورب الكعبة وكان علي بغلته وهو يقول أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب وهذا مارواه أهل الصحيحين وفي الصحيحين عن البراء وسأله رجل قال أكنتم وليتم يوم حنين يا أبا عمارة فقال أشهد أن نبي الله صلى الله عليه وسلم ما ولى ولكنه انطلق أخفاء من الناس وحسر إلى هذا الحي من هوازن وهم

 

 

قوم رماة فرموهم برشق من نبل كأنها رجل من جراد فانكشفوا فأقبل القوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو سفيان بن الحارث يقود بغلته فنزل ودعا واستنصر وهو يقول أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب اللهم أنزل نصرك قال البراء وكنا إذا احمر البأس نتقي به وكان الشجاع منا الذي يحاذي به يعني النبي صلى الله عليه وسلم وفي حديث سلمة بن الأكوع لما غشوا النبي صلى الله عليه وسلم نزل عن البغلة ثم قبض قبضة من تراب الأرض واستقبل بها وجوههم فقال شاهت الوجوه فما خلق الله منهم إنسانا إلا ملأ عينيه ترابا بتلك القبضة فولوا مدبرين فهزمهم الله وقسم رسول اللهصلى الله عليه وسلم غنائمهم بين المسلمين رواه مسلم.

*

فصل قال الرافضي الخامس إخباره بالغائب والكائن قبل كونه، فأخبر أن طلحة والزبير لما استأذناه في الخروج إلى العمرة قال لا والله ما تريدان العمرة وإنما تريدان البصرة، وكان كما قال وأخبر. وهو بذى قار جالس لأخذ البيعة يأتيكم من قبل الكوفة ألف رجل لا يزيدون ولا ينقصون يبايعونني على الموت وكان كذلك وكان آخرهم أويس القرني وأخبر بقتل ذى الثدية وكان كذلك وأخبره شخص بعبور القوم في قصة النهروان فقال لنيعبروا ثم أخبره آخر بذلك فقال لم يعبروا وإنه والله لمصرعهم فكان كذلك وأخبر بقتل نفسه الشريفة وأخبر شهربان بأن اللعين يقطع يديه ورجليه ويصلبه ففعل به معاوية ذلك وأخبر ميثم التمار بأنه يصلب على باب دار عمرو بنحريث عاشر عاشرة وهو أقصرهم خشبة وأراه النخلة التي يصلب عليها فوقع كذلك وأخبر رشيد الهجري بقطع يديه ورجليه وصلبه وقطع لسانه فوقع وأخبر كميل بن زياد أن الحجاج يقتله وأن قنبرا يذبحه الحجاج فوقع

 

وقال للبراء بن عازب إن ابني الحسين يقتل ولا تنصره فكان كما قال وأخبره بموضع قتله وأخبر بملك بني العباس وأخذ الترك الملك منهم فقال ملك بني العباس يسير لا عسر فيه لو اجتمع عليهم الترك والديلم والهند والبربر والطيلسان على أن يزيلوا ملكهم ما قدروا أن يزيلوه حتى يشذ عنهم مواليهم وأرباب دولتهم ويسلط عليهم ملك من الترك يأتي عليهم من حيث بدأ ملكهم لا يمر بمدينة إلا فتحها ولا يرفع له راية إلا نكسها الويل ثم الويل لمن ناوأه فلا يزال كذلك حتى يظفر بهم ثم يدفع ظفره إلى رجل من عترتي يقول بالحق ويعمل به ألا وإن الأمر كذلك حيث ظهر هولاكو من ناحية خراسانومنه ابتدأ ملك بني العباس حتى بايع لهم أبو مسلم الخراساني.

*والجواب أن يقال أما الإخبار ببعض الأمور الغائبة فمن هو دون علي يخبر بمثل ذلك فعلى أجل قدرا من ذلك وفي أتباع أبي بكر وعمر وعثمان من يخبر بأضعاف ذلك وليسوا ممن يصلح للإمامة ولا هم أفضل أهل زمانهم ومثل هذا موجود في زماننا وغير زماننا وحذيفة بن اليمان وأبو هريرة وغيرهما من الصحابة كانوا يحدثون الناس بأضعاف ذلك وأبو هريرة يسنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم وحذيفة تارة يسنده وتارة لا يسنده وإن كان في حكم المسند وما أخبر به هو وغيره قد يكون مما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم وقد يكون مما كوشف هو به وعمر رضي الله عنه قد أخبر بأنواع من ذلك والكتب المصنفة في كرامات الأولياء وأخبارهم مثل ما في كتاب الزهد للإمام أحمد وحلية الإولياء وصفوة الصفوة وكرامات الأولياء لأبي محمد الخلال وابن أبي الدنيا واللالكائي فيها من الكرامات عن بعض أتباع أبي بكر وعمر كالعلاء بن الحضرمي نائب أبي بكر وأبي مسلم الخولاني تعض أتباعهما وأبي الصهباء وعامر ابن عبد قيس وغير هؤلاء ممن على أعظم منه وليس في ذلك ما يدل

 

على أنه يكون هو الأفضل من أحد من الصحابة فضلا عن الخلفاء وهذه الحكايات التي ذكرها عن علي لم يذكر لشئ منها إسنادا وفيها ما يعرف صحته وفيها ما يعرف كذبه وفيها مالا يعرف هل هو صدق أم كذب فالخبر الذي ذكره عن ملك الترك كذب على علي فإنه لم يدفع ظفره إلى رجل من العترة وهذا مما وضعه متأخروهم والكتب المنسوبة إلى علي أو غيره من أهل البيت في الأخبار بالمستقبلات كلها كذب مثل كتاب الجفر والبطاقة وغير ذلك وكذلك ما يضاف إليه من أنه كان عنده علم من النبي صلى الله عليه وسلم خصه به دون غيره من الصحابة وفي صحيح البخاري عن أبي حذيفة قال قلت لعلي هل عندكم شئ من الوحي مما ليس في القرآن فقال لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا فهما يعطيه الله رجلا في القرآن وما في هذه الصحيفة قلت وما في هذه الصحيفة قال العقل وفكالك الأسير وأن لا يقتل مسلم بكافر وكذلك ما ينقل عن غير علي من الصحابة أن النبي صلى الله عليه وسلم خصه بشئ من علم الدين الباطن كل ذلك باطلولا ينافى ذلك ما في الصحيحين عن أبي هريرة قال حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم جرابين أما أحدهما فبثثته فيكم وأما الآخر فلو أبثه لقطعتم هذا البلعوم فإن هذا حديث صحيح ليس فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم خص أبا هريرة بما في ذلك الجراب بل كان أبو هريرة أحفظ من غيره فحفظ مالم يحفظه غيره وكذلك قال حذيفة والله إني لأعلم الناس بكل فتنة هي كائنة بيني وبين الناس وما بي أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أسر إلى في ذلك شيئا لم يحدثه غيري ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو يحدث مجلسا أنا فيه الحديث وقال إنه لم يبق من الرهط غيره وفي الصحيحين عن حذيفة رضي الله عنه قال قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقام ما ترك شيئا يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حدث به حفظه من حفظه ونسيه من نسيه وحديث أبي زيد عمرو بن أخطب في صحيح مسلم قال صلى

 

بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر وصعد المنبر ثم خطبنا حتى حضرت الظهر فنزل فصلى بنا ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت العصر فنزل فصلى بنا ثم صعد المنبر فخطبنا حتى غربت الشمس فأخبرنا بما كان وبما هو كائن فأعلمنا أحفظنا وأبو هريرة أسلم عام خيبر فلم يصحب النبي صلى الله عليه وسلم إلا أقل من أربع سنين وذلك الجراب لم يكن فيه شئ من علم الدين علم الإيمان والأمر والنهي وإنما كان فيه الإخبار عن الأمور المستقبلة مثل الفتن التي جرت بين المسلمين فتنة الجمل وصفين وفتنة ابن الزبير ومقتل الحسين ونحو ذلك ولهذا لم يكن أبو هريرة ممن دخل في الفتن ولهذا قال ابن عمر لو حدثكم أبو هريرة أنكم تقتلون خليفتكم وتفعلون كذا وكذا لقلتم كذب أبو هريرة وأما الحديث الذي يروي عن حذيفة أنه صاحب السر الذي لا يعلمه غيره فرواه البخاري عن إبراهيم النخعي قال ذهب علقمة إلى الشام فلما دخل المسجد قال اللهم يسر لي جليسا صالحا فجلس إلى أبي الدرداء فقال أبو الدرداء ممن أنت قال من أهل الكوفة قال أليس منكم أو فيكم الذي أجاره الله على لسان نبيه يعني من

 

 

الشيطان يعني عمارا قال قلت بلى قال أليس منكم أو فيكم صاحب السر الذي لا يعلمه غيره قال قلت بلى الحديث وذلك السر كان معرفته بأعيان ناس من المنافقين كانوا في غزوة تبوك هموا بأن يحلوا حزام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل ليسقط فأعلمه الله بهم وكان حذيفة قريبا فعرفه بهم وكان إذا مات الميت المجهول حاله لا يصلى عليه عمر حتى يصلى عليه حذيفة خشية أن يكون من المنافقين ومعرفة بعض الصحابة والصالحين ببعض المستقبلات لا توجب أن يكون عالما بها كلها والغلاة الذين كانوا يدعون علم علي بالمستقبلات مطلقا كذب ظاهر فالعلم ببعضها ليس من خصائصه والعلم بها كلها لم يحصل له ولا لغيره ومما يبين لك أن عليا لم يكن يعرف المستقبلات أنه في ولايته وحروبه في زمن خلافته كان يظن أشياء كثيرة فيتبين له الأمر بخلاف ما

 

 

ظن ولو ظن أنه إذا قاتل معاوية وأصحابه يجري ما جرى لم يقاتلهم فإنه كان لو لم يقاتل أعز وانتصر وكان أكثر الناس معه وأكثر البلاد تحت ولايته فلما قاتلهم ضعف أمره حتى صار معهم كثير من البلاد التي كانت في طاعته مثل مصر واليمن وكان الحجاز دولا ولو علم أنه إذا حكم الحكمين يحكمان بما حكم لم يحكمهما ولو علم أن أحدهما يفعل بالآخر ما فعل حتى يعزلاه لم يول من يوافق على عزل ولا من خذله الحكم الآخر بل قد أشار عليه من أشار أن يقر معاوية على إمارته في ابتداء الأمر حتى يستقيم له الأمر وكان هذا الرأي أحزم عند الذين ينصحونه ويحبونه ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم ولى أبا سفيان أبا معاوية نجران وكان واليا عليها حتى مات النبي صلى الله عليه وسلم وقد اتفق الناس على أن معاوية كان أحسن إسلاما من أبيه ولم يتهم أحد من الصحابة والتابعين معاوية بنفاق واختلفوا في أبيه والصديق كان قد ولى أخاه يزيد بن أبي سفيان أحد الأمراء في فتح الشام لما ولى خالدا وأبا عبيدة ويزيد بن أبي سفيان لما فتحوا الشام بقي أمير إلى أن مات بالشام وكان من خيار الصحابة رجلا صالحاأفضل من أخيه وأبيه ليس هذا هو يزيد بن معاوية الذي تولى بعد معاوية الخلافة فإن ذاك ولد في خلافة عثمان لم يكن من الصحابة ولكن سمى باسم عمه فطائفة من الجهال يظنون يزيد هذا من الصحابة وبعض غلاتهم يجعله من الأنبياء كما أن آخرين يجعلونه كافرا أو مرتدا وكل ذلك باطل بل هو خليفة من بني أمية والحسين رضي الله عنه ولعن قاتله قتل مظلوما شهيدا في خلافته بسبب خلافة لكنه هو لم يأمر بقتله ولم يظهر الرضا به ولا انتصر ممن قتله ورأس الحسين حمل إلى قدام عبيدة الله بن زياد وهو الذي ضربه بالقضيب على ثناياه وهو الذي ثبت في الصحيح

 

 

وأما حمله إلى عند يزيد فباطل وإسناده منقطع وعمه يزيد الرجل الصالح هو من الصحابة توفي في خلافة عمر فلما مات ولى معاوية مكان أخيه وعمر من أعلم الناس بأحوال الرجال وأحذقهم في السياسة وأبعد الناس عن الهوى لم يول في خلافته أحدا من أقاربه وإنما كان يختار للولاية من يراه أصلح لها فلم يول معاوية إلا وهو عنده ممن يصلح للإمارة ثم لما توفي زاد عثمان في ولاية معاوية حتى جمع له الشام وكانت الشام في خلافة عمر أربعة أرباع فلسطين ودمشق وحمص والأردن ثم بعد ذلك فصلت قنسرين والعواصم من ربع حمص ثم بعد هذا عمرت حلب وخربت قنسرين وصارت العواصم دولا بين المسلمين وأهل الكتاب وأقام معاوية نائبا عن عمر وعثمان عشرين سنة ثم تولى عشرين سنة ورعيته شاكرون لسيرته وإحسانه راضون به حتى أطاعوه في مثل قتال علي ومعلوم أنه خير من أبيه أبي سفيان وكانت ولايته أحق بالجواز من ولاية أبيه فلا يقال إنه لم تكن تحل ولايته ولو قدر أن غيره كان

 

 

أحق بالولاية منه أو أنه ممن يحصل به معونة لغيره ممن فيه ظلم لكان الشر المدفوع بولايته أعظم من الشر الحاصل بولايته وأين أخذ المال وارتفاع بعض الرجال من قتل الرجال الذين قتلوا بصفين ولم يكن في ذلك عز ولا ظفر فدل هذا وغيره على أن الذين أشارو على أمير المؤمنين كانوا حازمين وعلى إمام مجتهد لم يفعل إلا ما رآه مصلحة لكن المقصود أنه لو كان يعلم الكوائن كان قد علم إن إقراره على الولاية أصلح له من حرب صفين التي لم يحصل بها إلا زيادة الشر وتضاعفه لم يحصل بها من المصلحة شيء وكانت ولايته أكثر خيرا وأقل شرا من محاربته وكل ما يظن في ولايته من الشر فقد كان في محاربته أعظم منه وهذا وأمثاله كثير مما يبين جهل من يقول إنه كان يعلم الأمور المستقبلية بل الرافضة تدعى الأمور المتناقضة يدعون عليه علم الغيب مع هذه الأمور المنافية لذلك ويدعون له من الشجاعة ما يزعمون معه أنه كان هو الذي ينصر النبي صلى الله عليه وسلم في مغازيه وهو الذي قام الإسلام بسيفه في أول الأمر مع ضعف الإسلام ثم يذكرون من عجزه عن مقاومة أبي بكر رضي الله عنه مع ضعفه عندهم بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم ما يناقض ذلك فإن

 

 

أبا بكر رضي الله عنه لم يكن له بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم مال يستعطف به الناس ولا كان له قبيلة عظيمة ينصرونه ولا موال ولا دعا الناس إلى بيعته لا برغبة ولا برهبة وكان علي رضي الله عنه على دفعه أقدر منه على دفع الكفار الذين حاربوا النبي صلى الله عليه وسلم بكثير فلو كان هو الذي دفع الكفار ولو كان مريدا لدفع أبي بكر رضي الله عنه لكان على ذلك أقدر لكنهم يجمعون بين المتناقضين وكذلك في حربه لمعاوية قد قهر وعسكره أعظم وتحت طاعته من هم أفضل وأكثر من الذين تحت طاعة معاوية وهو رضي الله عنه لا ريب أنه كان يريد أن يقهر معاوية وعكسره فلو كان هو الذي نصر النبي صلى الله عليه وسلم مع كثرة الكفار وضعف المسلمين وقلتهم لكان مع كثرة عسكره على عسكر معاوية أقدر على قهر معاوية وجيشه منه على قهر الكفار الذين قاتلوا النبي صلى الله عليه وسلم فكيف يجمع بين تلك الشجاعة والقوة وبين هذا العجز والضعف إلا من هو جاهل متناقض بل هذا يدل على أن النصر كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأن الله أيده بنصره وبالمؤمنين كلهم وعلي وغيره من المؤمنين الذين أيده الله بهم وكان تأييده بأبي بكر وعمر أعظم من تأييده بغيرهما من وجوه كثيرة

 

 

ومما يبين أن عليا لم يكن يعلم المستقبل أنه ندم على أشياء مما فعلها وكان يقول لقد عجزت عجزة لا أعتذر سوف أكيس بعدها وأستمر وأجمع الرأي الشتيت المنتشر وكان يقول ليالي صفين يا حسن يا حسن ما ظن أبوك أن الأمر يبلغ هذا لله در مقام قامه سعد بن مالك وعبد الله بن عمر إن كان برا إن أجره لعظيم وإن كان إثما إن خطره ليسير وهذا رواه المصنفون وتواتر عنه أنه كان يتضجر ويتململ من اختلاف رعيته علي وأنه ما كان بعض يظن أن الأمر يبلغ ما بلغ وكان الحس رأيه ترك القتال وقد جاء النص الصحيح بتصويب الحسن وفي البخاري عن أبي بكر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن ابني هذا سيد وإن الله يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين فمدح الحسن على الإصلاح بين الطائفتين وسائر الأحاديث الصحيحة تدل على أن القعود عن القتال والإمساك عن الفتنة كان أحب إلى الله ورسوله وهذا قول أئمة السنة وأكثر ائمة الإسلام وهذا ظاهر في الاعتبار فإن محبة الله ورسوله للعمل بظهور ثمرته فما كان أنفع للمسلمين في دينهم ودنياهم كان أحب إلى الله

 

 

ورسوله وقد دل الواقع على أن رأى الحسن كان أنفع للمسلمين لما ظهر من العاقبة في هذا وفي هذا وفي صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول للحسن وأسامة اللهم أني أحبها فأحبهما وأحب من يحبهما وكلاهما كان يكره الدخول في القتال أما أسامة فإنه اعتزل القتال فطلبه علي ومعاوية فلم يقاتل مع واحد من هؤلاء كما اعتزل أكثر فضلاء الصحابة رضي الله عنهم مثل سعد بن أبي وقاص وابن عمر ومحمد بن مسلمة وزيد بن ثابت وأبي هريرة وعمران بن حصين وأبي بكرة وغيرهم وكان ما فعله الحسن أفضل عند الله مما فعله الحسين فإنه وأخاه سيدا شباب أهل الجنة فقتل الحسين شهيدا مظلوما وصار الناس في قتله ثلاثة أحزاب حزب يرون أنه قتل بحق ويحتجون بما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من جاءكم وأمركم على رجل واحد يريد أن يفرق بين جماعتكم فاضربوا عنقه بالسيف كائنا من كان قالوا وهو جاء والناس على رجل واحد فأراد أن يفرق جماعتهم وحزب يرون أن الذين قاتلوه كفارا بل يرون أن من لم يعتقد إمامته كافر

 

 

والحزب الثالث وهم أهل السنة والجماعة يرون أنه قتل مظلوما شهيدا والحديث المذكور لا يتناوله بوجه فإنه رضي الله عنه لما بعث ابن عمه عقيلا إلى الكوفة فبلغه أنه قتل بعد أن بايعه طائفة فطلب الرجوع إلى بلده فخرج إليه السرية التي قتلته فطلب منهم أن يذهبوا به إلى يزيد أو يتركوه يرجع إلى مدينته أو يتركوه يذهب إلى الثغر للجهاد فامتنعوا من هذا وهذا وطلبوا أن يستأسر لهم ليأخذوه أسيرا ومعلوم باتفاق المسلمين أن هذا لم يكن واجبا عليه وأنه كان يجب تمكينه مما طلب فقاتلوه ظالمين له ولم يكن حينئذ مريدا لتفريق الجماعة ولا طالبا للخلافة ولا قاتل على طلب خلافة بل قائل دفعا عن نفسه لمن صال عليه وطلب اسره وظهر بطلان قول الحزب الأول وأما الحزب الثاني فبطلان قوله يعرف من وجوه كثيرة من أظهرها أن عليا لم يكفر أحدا ممن قاتله حتى ولا الخوارج ولا سبى ذرية أحد منهم ولا غنم ما له ولا حكم في أحد ممن قاتله بحكم المرتدين كما حكم أبو بكر وسائر الصحابة في بني حنيفة وأمثالهم من المرتدين بل على كان يترضى عن طلحة والزبير وغيرهما ممن قاتله ويحكم فيهم وفي أصحاب معاوية ممن قاتله بحكم المسلمين وقد ثبت بالنقل الصحيح أن مناديه نادى يوم الجمل لا يتبع مدبر

 

 

ولا يجهز على جريح ولا يغنم مال وهذا مما أنكرته الخوارج عليه حتى ناظرهم ابن عباس رضي الله عنه في ذلك كما ذكر ذلك في موضعه واستفاضت الآثار عنه أنه كان يقول عن قتلى عسكر معاوية إنهم جميعا مسلمون ليسوا كفارا ولا منافقين كما قد ذكر في غير هذا الموضع وكذلك عمار وغيره من الصحابة وكانت هذه الأحزاب الثلاثة بالعراق وكان بالعراق أيضا طائفة ناصبة من شيعة عثمانتبغض عليا والحسين وطائفة من شيعة علي تبغض عثمان وأقاربه وقد ثبت في صحيح مسلم عن أسماء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال سيكون في ثقيف كذاب ومبير فكان الكذاب الذي فيها هو المختار بن عبيد وكان الحجاج هو المبير وكان هذا يتشيع لعثمان ويبغض شيعة علي وكان الكذاب يتشيع لعلي حتى قاتل عبيد الله بن زياد وقتله ثم أدعى أن جبريل يأتيه فظهر كذبه وانقسم الناس بسبب هذا يوم عاشوراء الذي قتل فيه الحسين إلى قسمين فالشيعة اتخذته يوم مأتم وحزن يفعل فيه من المنكرات ما

 

 

لا يفعله إلا من هو من إجهل الناس وأضلهم وقوم اتخذوه بمنزلة العيد فصاروا يوسعون فيه النفقات والأطعمة واللباس ورووا فيه أحاديث موضوعة كقوله من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته وهذا الحديث كذب على النبي صلى الله عليه وسلم قال حرب الكرماني سئل أحمد بن حنبل عن هذا الحديث فقال لا أصل له والمعروف عند أهل الحديث أنه يرويه سفيان بن عيينة عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه أنه قال بلغنا أنه من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته قال ابن عيينة جربناه من ستين سنة فوجدناه صحيحا قلت ومحمد بن المنتشر هذا من فضلاء الكوفيين لكن لم يكن يذكر ممن سمعه ولا عمن بلغه ولا ريب أن هذا أظهره بعض المتعصبين إلى السنة حتى على الحسين ليتخذ يوم قتله عيدا فشاع هذا عند الجهال المنتسبين روى في حديث أن يوم عاشوراء لأجرى كذا وجرى كذا حتى جعلوا أكثر حوادث الأنبياء كانت يوم عاشوراء مثل مجيء قميص يوسف إلى يعقوب ورد بصره وعافية أيوب وفداء الذبيح وأمثال هذا وهذا الحديث كذب موضوع وقد ذكره ابن الجوزي في الموضوعات وإن كان قد رواه هو في كتاب النور في

 

 

فضائل الأيام الشهورة وذكر عن ابن ناصر شيخه أنه قال حديث صحيح وإسناده علي شرط الصحيح فالصواب ما ذكره في الموضوعات وهو آخر الأمرين منه وابن ناصر راج عليه ظهور حال رجاله وإلا فالحديث مخالف للشرع والعقل لم يروه أحد من أهل العلم المعروفين في شيء من الكتب وإنما دلس على بعض الشيوخ المتأخرين كما جرى مثل ذلك في أحاديث أخر حتى في أحاديث نسبت إلى مسند أحمد وليست منه مثل حديث رواه عبد القادر بن يوسف عن ابن المذهب عن القطيعي عن عبد الله عن أبيه عن عبد الله بن المثنى عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال القرآن كلام الله غير مخلوق منه بدأ وإليه يعودة وهذا القول صحيح متواتر عن السلف أنهم قالوا ذلك لكن رواية هذا اللفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم كذب وعزوه إلى المسند لأحمد كذب ظاهر فإن مسنده موجود وليس هذا فيهوأحمد إمام أهل السنة في زمن المحنة وقد جرى له في مسألة القرآن ما اشتهر في الآفاق وكان يحتج لأن القرآن كلام الله غير مخلوق بحجج كثيرة معروفة عنه ولم يذكر هذا الحديث قط ولا احتج به فكيف يكون هذا الحديث عنده ولا يحتج به وهذا الحديث إنما عرف عن هذا الشيخ وكان بعض من قرأ عليه دسه في جزء فقرأه عليه مع غيره فراج ذلك على من لم يكن له معرفة وكذلك حديث عاشوراء والذي صح في فضله هو صرمه وأنه يكفر سنة وأن الله نجى فيه موسى من الغرق وقد بسطنا الكلام عليه في موضع آخر وبينا أن كل ما يفعل فيه سوى الصوم بدعة مكروهة لم يستحبها أحد من الأئمة مثل الاكتحال والخضاب وطبخ الحبوب وأكل لحم الأضحية والتوسيع في النفقة وغير ذلك وأصل هذا من ابتداع قتلة الحسين ونحوهم وأقبح من ذلك وأعظم ما تفعله الرافضة من اتخاذه مأتما يقرأ فيه المصرع وينشد فيه قصائد النياحة ويعطشون فيه أنفسهم ويلطمون في الخدود ويشقون الجيوب ويدعون فيه بدعوى الجاهلية

 

 

وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية وهذا مع حدثان العهد بالمصيبة فكيف إذا كانت بعد ستمائة ونحو سبعين سنة وقد قتل من هو أفضل من الحسين ولم يجعل المسلمون ذلك اليوم مأتما وفي مسند أحمد عن فاطمة بنت الحسين وكانت قد شهدت قتله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ما من مسلم يصاب بمصيبة فيذكر مصيبته وإن قدمت فيحدث لها استرجاعا إلا أعطاه الله من الأجر مثل أجره يوم أصيب بها فهذا يبين أن السنة في المصيبة إذا ذكرت وإن تقادم عهدها أن يسترجع كما جاء بذلك الكتاب والسنة قال تعالى وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون (سورة البقرة). وأقبح من ذلك نتف النعجة تشبيها لها بعائشة والطعن في الجبس الذي في جوفه سمن تشبيها له بعمر وقول القائل يا ثارات أبي لؤلؤة إلى غير ذلك من منكرات الرافضة فإنه يطول وصفهاوالمقصود هنا أن ما أحدثوه من البدع فهو منكر وما أحدثه من يقابل بالبدعة البدعة وينسب إلى السنة هو أيضا منكر مبتدع والسنة ما سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي برية من كل بدعة فما يفعل يوم عاشوراء من اتخاذه عيدا بدعة أصلها من بدع النواصب وما يفعل من اتخاذه مأتماص بدعة أشنع منها وهي من البدع المعروفة في الروافض وقد بسطنا هذه الأمور.

 

*

فصل قال الرافضي السادس أنه كان مستجاب الدعاء دعا علي بسر بن أرطاة بأن يسلبه الله عزو جل عقله فخولط فيه ودعا على العيزار بالعمى فعمي ودعا على أنس لما كتم شهادته بالبرص فأصابه وعلى زيد بن أرقم بالعمى فعمي.

*والجواب أن هذا موجود في الصحابة أكثر منه وممن بعد الصحابة ما دام في الأرض مؤمن وكان سعد بن أبي وقاص لا تخطىء له دعوة. وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال اللهم سدد رميته واجب دعوته. وفي صحيح مسلم أن عمر لما أرسل إلى الكوفة من يسأل عن سعد فكان الناس يثنون خيرا حتى سئل عنه رجل من بني عبس فقال أما إذا أنشدتمونا سعدا فكان لا يخرج في السرية ولا يعدل في الرعية ولا يقسم بالسوية فقال سعد اللهم إن كان كاذبا قام رياء وسمعه فأطل عمر وعظم فقره وعرضه للفتن فكان يرى وهو شيخ كبير تدلى حاجباه من الكبر يتعرض للجواري يغمزهن في الطرقات ويقول شيخ كبير مفتون أصابتني دعوة سعدوكذلك سعيد بن زيد كان مستجاب الدعوة فروى حماد بن زيد عن هشام بن عروة عن أبيه أن أروى بنت أوس استعدت مروان على سعيد وقالت سرق من أرضي ما أدخله في أرضه فقال سعيد اللهم إن كانت كاذبة فأذهب بصرها واقتلها في أرضها فذهب بصرها وماتت في أرضها والبراءة بن مالك كان يقسم على الله فيبر قسمه كما في الصحيح إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره منهم البراء بن مالك والعلاء بن الحضرمي نائب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نائب أبي بكر رضي الله عنه على البحرين مشهور بإجابة الدعاء روى ابن أبي الدنيا بإسناده قال سهم بن منجاب غزونا مع العلاء بن الحضرمي دارين فدعا بثلاث دعوات فاستجاب الله له فيهن كلهن قال سرنا معه ونزلنا منزلا وطلبنا الوضوء فلم نقدر عليه فقام فصلى ركعتين ثم دعا الله فقال الله يا عليم يا حكيم يا علي يا عظيم إنا عبيدك وفي سبيلك نقاتل عدوك فاسقنا غيثا نشرب منه

 

ونتوضأ من الإحداث وإذا تركناه فلا تجعل فيه نصيبا لأحد غيرنا قال فما جاوزنا غير بعيد فإذا نحن ببئر من ماء السماء تتدفق قال فنزلنا فروينا وملأت إدواتي ثم تركتها وقلت لأنظرن هل استجيب له فسرنا ميلا أو نحوه فقلت لأصحابي إني نسيت إدواتي فجئت إلى ذلك المكان فكأنما لم يكن فيه ماء قط فأخذت إدواتي فلما أتيت دارين وبيننا وبينهم البحر فدعا لله فقال الله يا عليم يا حكيم يا علي يا عظيم إنا عبيدك وفي سبيلك نقاتل عدوك فاجعل لنا سبيلا إلى عدوك ثم اقتحم بنا البحر فوالله ما ابتلت سروجنا ثم خرجنا إليهم فلما رجعنا اشتكى البطن فمات فلم نجد ماء نغسله فلففناه في ثيابه فدفناه فلما سرنا غير بعيد إذا نحن بماء كثير فقال بعضهم لبعض ارجعوا نستخرجه فنغسله فرجعنا فخفى علينا قبره فلم نقدر عليه فقال رجل من القوم إني سمعته يدعو الله يقول اللهم يا عليم يا حكيم يا علي يا عظيم اخف حفرتي ولا تطلع على عورتي أحدا فرجعناه وتركناه وقد كان عمر دعا بدعوات أجيب فيها من ذلك أنه لما نازعه بلال وطائفة معه في القسمة قسمة الأرض فقال اللهم اكفني بلالا وذويه فما حال الحول ومنهم عين تطرفوقال اللهم قد كبرت سني وانتشرت رعيتي فاقبضني إليك غير مفتون ولا مضيع فمات من عامه ومثل هذا كثير جدا وقد صنف ابن أبي الدنيا في مجابي الدعوة كتابا مع أن هذه القصص المذكورة عن علي لم يذكر لها إسنادا فتتوقف على معرفة الصحة مع أن فيها ما هو كذب لا ريب فيه كدعائه عن أنس بالبرص ودعائه على زيد بن أرقم بالعمى.

*

فصل قال الرافضي: السابع أنه لما توجه إلى صفين لحق أصحابه عطش شديد فعدل بهم قليلا فلاح لهم دبر فصاحوا بساكنه فسألوه عن الماء فقال بيني وبينه أكثر من فرسخين ولولا أني أوتي ما يكفيني كل شهر على التقتير لتلفت عطشا

 

فأشار أمير المؤمنين إلى مكان قريب من الدير وأمر بكشفه فوجدوا صخرة عظيمة فعجزرا عن إزالتها فقلعها وحده ثم شربوا الماء فنزل إليهم الراهب فقال أنت نبي مرسل أو ملك مقرب فقال لا ولكني وصي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم على يده وقال إن هذا الدير بني على طالب هذه الصخرة ومخرج الماء من تحتها وقد مضى جماعة قبلي لم يدركوه وكان الراهب من جملة من استشهد معه ونظم القصة السيد الحميري في قصيدته.

*والجواب أن هذا من جنس أمثاله من الأكاذيب التي يظنها الجهال من أعظم مناقب علي وليست كذلك، بل الذي وضع هذه كان جاهلا بفضل علي وبما يستحقه من الممادح، فإن الذي فيه من المنقبة أنه أشار إلى صخرة فوجدوا تحتها الماء وأنه قلعها ومثل هذا يجري لخلق كثير، علي رضي الله عنه أفضل منهم، بل في المحبين لأبي بكر

 

وعمر وعثمان من يجري لهم أضعاف هذا وأفضل من هذا، وهذا وإن كان إذا جرى على يد بعض الصالحين كان نعمة من الله وكرامة له فقد يقع مثل ذلك لمن ليس من الصالحين كثيرا.

وأما سائر ما فيها مثل قوله إن هذا الدير بنى على طالب هذه الصخرة ومخرج الماء من تحتها فليس هذا من دين المسلمين وإنما تبنى الكنائيس والديارات والصوامع على أسماء المقتدية بسير النصارى، فأما المسلمون فلا يبنون معابدهم وهي المساجد التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه إلا على اسم الله لا على اسم مخلوق وقول الراهب أنت نبي مرسل أو ملك مقرب يدل على جهله وأنه من أضل الخلق فإن الملائكة لا تشرب الماء ولا تحتاج إلى أن تستخرجه من تحت صخرة ومحمد لا نبي بعده ومعلوم أن هذا الراهب قد سمع بخبر المسلمين الذين فتحوا تلك المواضع فإن كان يجوز أن يبعث رسول بعد المسيح فمحمد هو الرسول ومعجزاته ظاهرة باطنة فإن صدقه فقد علم أنه لا نبي بعده وإن لم يصدقه فكيف يعتقد في غيره أنه نبي مرسل بمجرد دلالته على ماء تحت صخرة أو لكون الدير بني على اسمه وهم وهم يبنون الديارات على أسماء خلق كثير ليسوا من الملائكة ولا الرسل وما فيه من قول علي ولكني وصي رسول الله صلى الله عليه وسلم

 

هو مما يبين أنه كذب على علي وأن عليا لم يدع هذا قط لا في خلافة الثلاثة ولا ليالي صفين وقد كانت له مع منازعيه مناظرات ومقامات ما ادعى هذا قط ولا ادعاه أحد له وقد حكم الحكمين وأرسل ابن عباس لمناظرة الخوارج فذكروا فضائله وسوابقه ومناقبه ولم يذكر أحد منهم قط أنه وصي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعلوم أن هذا مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله بدون هذه الأسباب الموجبة لنقله لو كان حقا فكيف مع هذه الأسباب فلما رووا فضائله ومناقبه كقوله عليه السلام لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله وكقوله عام تبوك ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي وقوله أنت مني وأنا منك وغير ذلك من فضائله ولم يرووا هذا مع مسيس الحاجة إلى ذكره ولا ادعاه علي قط مع مسيس الحاجة إلى ذكره علم أنه من جملة ما افتراه الكذابون.

*

فصل قال الرافضي: الثامن ما رواه الجمهور أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى بني المصطلق حيث خرجوا عن الطريق، وأدركه الليل بقرب واد وعر، فهبط جبريل وأخبره أن طائفة من كفار الجن قد استبطنوا الوادي يريدون كيده وإيقاع الشر بأصحابه، فدعا بعلي وعوذه وأمره بنزول الوادي فقتلهم.

*والجواب أن يقال...

أولا: علي أجل قدرا من هذا، وإهلاك الجن موجود لمن هو دون علي، لكن هذا الحديث من الأحاديث المكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى علي عند أهل المعرفة بالحديث، ولم يجر في غزوة بني المصطلق شيء من هذا.

وقوله إن هذا رواه الجمهور إن أريد بذلك أنه مروى بإسناد ثابت أو في كتاب يعتمد على مجرد نقله أو صححه من يرجع إلى تصحيحه فليس كذلك. وإن أراد أن جمهور العلماء رووه فهذا كذب. وإن أراد أنه رواه من لا يقوم بروايته حجة فهذا لا يفيد ومن هذا الجنس ما يروى أنه قاتل الجن في بئر ذات العلم وهو حديث موضوع عند أهل المعرفة

 

وعلي أجل قدرا من أن تثبت الجن لقتاله ولم يقاتل أحد من الإنس الجن بل كان الجن المؤمنون يقاتلون الجن الكفار.

وكان من أهل المعرفة أبو البقاء خالد بن يوسف النابلسي رحمه الله سأله بعض الشيعة عن قتال علي الجن.

فقال أنتم معشر الشيعة ليس لكم عقل أيما أفضل عندكم عمر أو علي فقالوا بل علي فقال إذا كان الجمهور يروون عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعمر ما رآك الشيطان سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك، فإذا كان الشيطان يهرب من عمر فكيف يقاتل عليا، وأيضا فدفع الجن والشياطين وإهلاكهم موجود لكثير من أتباع أبي بكر وعمر وعثمان وفي ذلك قصص يطول وصفها.

وقد روى ابن الجوزي في كتاب الموضوعات حديثا طويلا في محاربته للجن وأنه كان في الحج عام الحديبية وأنه حاربهم ببئر ذات العلم. من طريق أبي بكر محمد بن جعفر بن محمد السامري حدثنا عبد الله بن أحمد السكوني حدثنا عمار بن يزيد حدثنا إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق حدثني يحيى بن عبيد الله بن الحارث عن أبيه عن ابن عباس قال لما توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية إلى مكة أصاب الناس عطش شديد وحر شديد فنزل

 

رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجفة معطشا والناس عطاش فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل من رجل يمضي في نفر من المسلمين معهم القرب فيردون بئر ذات العلم ثم يعود يضمن له رسول الله صلى الله عليه وسلم الجنة فذكر حديث طويلا فيه أنه بعث رجلا من الصحابة ففزع من الجن فرجع ثم بعث آخر وانشد شعرا فذعر من الجن فرجع ثم أرسل علي بن أبي طالب فنزل البئر وملأ القرب بعد هول شديد وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال له الذي هتف بك من الجن هو سماعة بن غراب الذي قتل عدو الله مسعرا شيطان الأصنام الذي يكلم قريشا منها وفزع من هجائي ثم قال الشيخ أبو الفرج وهذا الحديث موضوع محال والفنيد ومحمد بن جعفر والسكوني مجروحون قال أبو الفتح الأودي وعمارة يضع الحديث قلت وكتب ابن إسحاق التي رواها عنه الناس ليس فيها شيء من هذا.

*

فصل قال الرافضي التاسع رجوع الشمس له مرتين إحداهما في زمن النبي صلى الله عليه وسلم والثانية بعده أما الأولى فروى جابر وأبو سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل عليه جبريل يوما يناجيه من عند الله فلما تغشاه الوحي توسد فخذ أمير المومنين فلم يرفع رأسه حتى غابت الشمس فصلى على العصر بالإيماء فلما استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم قال له سل الله تعالى يرد عليك الشمس لتصلي العصر قائما فدعا فردت الشمس فصلى العصر قائما.وأما الثانية فلما أراد أن يعبر الفرات ببابل اشتغل كثير من أصحابه بتعبير دوابهم وصلى لنفسه في طائفة من أصحابه العصر وفات كثير منهم فتكلموا في ذلك فسأل الله رد الشمس فردت ونظمه الحميري فقال

 

ردت عليه الشمس لما فاته وقت الصلاة وقد دنت للمغرب حتى تبلج نورها في وقتها للعصر ثم هوت هوى الكوكب وعليه قد ردت ببابل مرة أخرى وما ردت لخلق معرب.

* والجواب أن يقال فضل علي وولايته لله وعلو منزلته عند الله معلوم ولله الحمد من طرق ثابتة أفادتنا العلم اليقيني لا يحتاج معها إلى كذب ولا إلى مالا يعلم صدقه وحديث رد الشمس له قد ذكره طائفة كالطحاوي والقاضي عياض وغيرهما وعدوا ذلك من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم لكن المحققون من أهل العلم والمعرفة بالحديث يعلمون أن هذا الحديث كذب موضوع كما ذكره ابن الجوزي في كتاب الموضوعات فرواه من كتاب أبي جعفر العقيلي في الضعفاء من طريق عبيد الله بن موسى عن فضيل بن مرزوق عن إبراهيم بن الحسن بن الحسن عن فاطمة بنت الحسين عن أسماء بنت عميس قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوحي إليه ورأسه في حجر علي فلم يصل العصر حتى غربت الشمس فقال النبي صلى الله عليه وسلم صليت يا علي قال لا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم إنه كان في طاعتك وطاعة رسولك فاردد عليه الشمس فقالت أسماء فرأيتها غربت ثم رأيتها طلعت بعد ما غربت قال ابو الفرج وهذا حديث موضوع بلا شك وقد اضطرب الرواة فيه فرواه سعيد بن مسعود عن عبيد الله بن موسى عن فضيل بن مرزوق عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن علي بن الحسين عن فاطمة بنت علي عن أسماء قال وفضيل بن مرزوق ضعفه يحيى وقال أبو حاتم بن حبان يروي الموضوعات ويخطىء على الثقات قال ابو الفرج وهدا الحديث مداره على عبيد الله بن موسى عنه قلت والمعروف أن سعيد بن مسعود رواه عن عبيد الله بن موسى عن فضيل بن مرزوق عن إبراهيم بن الحسن عن فاطمة بنت الحسين عن أسماء ورواه محمد بن مرزوق عن حسين الأشقر عن علي بن عاصم عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن علي بن

 

الحسين عن فاطمة بنت علي عن أسماء كما سيأتي ذكره قال أبو الفرج وقد روى هذا الحديث ابن شاهين حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني حدثنا أحمد بن يحيى الصوفي حدثنا عبد الرحمن بن شريك حدثني أبي عن عروة بن عبد الله بن قشير قال دخلت على فاطمة بنت علي بن أبي طالب فحدثتني أن أسماءبنت عميس حدثتها أن علي بن أبي طالب وذكر حديث رجوع الشمس قال أبو الفرج وهذا حديث باطل أما عبدالرحمن بن شريك فقال أبو حاتم هو واهي الحديث قال وأنا لا أتهم بهذا الحديث الا ابن عقدة فإنه كان رافضيا يحدث بمثالب الصحابة قال أبو أحمد بن عدي الحافظ سمعت أبا بكر بن أبي طالب يقول ابن عقدة لا يتدين بالحديث كان يحمل شيوخا بالكوفة على الكذب يسوى لهم نسخا ويأمرهم أن يرووها وقد بينا ذلك منه في غير نسخة وسئل عنه الدارقطني فقال رجل سوء قال أبو الفرج وقد رواه ابن مردويه من حديث داود بن فراهيج عن أبي هريرة قال وداود ضعيف ضعفه شعبة قلت فليس في هؤلاء من يحتج به فيما دون هذا وأما الثاني ببابل فلا ريب أن هذا كذب وإنشاد الحميري لا حجة فيه لأنه لم يشهد ذلك والكذب قديم فقد سمعه فنظمه وأهل الغلو في المدح والذم ينظمون ما لا تتحقق صحته لا سيما والحميري معروف بالغلو وقد أخرجا في الصحيحين عن أبي هريرة قال غزا نبي من الأنبياء فقال لقومه لا يتبعني رجل قد ملك بضع امرأة يضع امرأة يريد أن يبني بها ولما

 

 

يبن ولا رجل قد بنى بيتا ولم يرفع سقفه ولا رجل اشترى غنما أو خلفات وهو ينتظر ولادها قال فغزوا فدنا من القرية حتى صلى العصر قريبا من ذلك فقال للشمس أنت مأمورة وأنا مأمور اللهم احبسها علي شيئا فحسبت عليه حتى فتح الله عليه الحديث فإن قيل فهذه الأمة أفضل من بني اسرائيل فإذا كانت قد ردت ليوشع فما المانع أن ترد لفضلاء هذه الأمة؟

فيقال يوشع لم ترد له الشمس ولكن تأخر غروبها طول له النهار وهذا قد لا يظهر للناس فإن طول النهار وقصره لا يدرك ونحن إنما علمنا وقوفها ليوشع بخبر صلى الله عليه وسلم وأيضا لا مانع من طول ذلك لو شاء الله لفعل ذلك لكن يوشع كان محتاجا إلى ذلك لأن القتال كان محرما عليه بعد غروب الشمس لأجل ما حرم الله عليهم من العمل ليلة السبت ويوم السبت.وأما أمة محمد فلا حاجة لهم إلى ذلك ولا منفعة لهم فيه فإن الذي فاتته العصر إن كان مفرطا لم يسقط ذنبه إلا بالتوبة ومع التوبة لا يحتاج إلى

 

 

رد وإن لم يكن مفرطا كالنائم والناسي فلا ملام عليه في الصلاة بعد الغروب وأيضا فبنفس غروب الشمس حرج الوقت المضروب للصلاة فالمصلي بعد ذلك لا يكون مصليا في الوقت الشرعي ولو عادت الشمس وقول الله تعالى وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها (سورة طـــه). يتناول الغروب المعروف فعلى العبد أن يصلي قبل هذا الغروب وإن طلعت ثم غربت والأحكام المتعلقة بغروب الشمس حصلت بذلك الغروب فالصائم يفطر ولو عادت بعد ذلك لم يبطل صومه مع أن هذه الصورة لا تقع لأحد ولا وقعت لأحد فتقديرها تقدير ما لا وجود له ولهذا لا يوجد الكلام على حكم مثل هذا في كلام العلماء المفرعين وأيضا فالنبي صلى الله عليه وسلم فاتته العصر يوم الخندق فصلاها قضاء هو وكثير من أصحابه ولم يسأل الله رد الشمس وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه بعد ذلك لما أرسلهم إلى بني قريظة لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريطة فلما أدركتهم الصلاة في الطريق قال بعضهم لم يرد منا تفويت الصلاة فصلوا في الطريق فقالت طائفة لا نصلي إلا في بني قريظة فلم يعنف واحدة من الطائفتين فهؤلاء الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم صلوا العصر بعد

 

 

غروب الشمس وليس علي بأفضل من النبي صلى الله عليه وسلم فإذا صلاها هو وأصحابه معه بعد الغروب فعلي وأصحابه أولى بذلك فإن كانت الصلاة بعد الغروب لا تجزىء أو ناقصة تحتاج إلى رد الشمس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى برد الشمس وإن كانت كاملة مجزئة فلا حاجة إلى ردها وأيضا فمثل هذه القضية من الأمور العظام الخارجة عن العادة التي تتوفر الهمم والدواعي على نقلها فإذا لم ينقلها إلا الواحد والاثنان علم بيان كذبهم في ذلك وانشقاق القمر كان بالليل وقت نوم الناس ومع هذا فقد رواه الصحابة من غير وجه وأخرجوه في الصحاح والسنن والمساند من غير وجه ونزل به القرآن فكيف برد الشمس التي تكون بالنهار ولا يشتهر ذلك ولا ينقله أهل العلم نقل مثلهولا يعرف قط أن الشمس رجعت بعد غروبها وإن كان كثير من الفلاسفة والطبيعين وبعض أهل الكلام ينكر انشقاق القمر وما يشبه ذلك فليس الكلام في هذا المقام لكن الغرض أن هذا من أعظم خوارق العادات في الفلك وكثير من الناس ينكر إمكانه فلو وقع لكان ظهوره ونقله أعظم من ظهور ما دونه ونقله فكيف يقبل وحديثه ليس له إسناد مشهور فإن هذا يوجب العلم اليقيني بأنه كذب لم يقع وإن كانت الشمس احتجبت بغيم ثم ارتفع سحابها فهذا من الأمور المعتادة ولعلهم ظنوا أنها غربت ثم كشف الغمام عنها وهذا وإن كان قد وقع ففيه أن الله بين له بقاء الوقت حتى يصلي فيه ومثل هذا يجري لكثير من الناس وهذا الحديث قد صنف فيه مصنف جمعت فيه طرقه صنفه أبو القاسم عبد الله بن عبد الله ابن احمد الحكاني سماه مسألة في تصحيح رد الشمس وترغيب النواصب الشمس وقال هذا حديث روى عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريق أسماء بنت عميس الخثعمية ومن طريق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ومن طريق أبي هريرة وأبي سعيد وذكر حديث أسماء من طريق محمد بن أبي فديك

 

 

قال أخبرني محمد بن موسى وهو القطري عن عون بن محمد عن أمه أم جعفر عن جدتها أسماء بنت عميس أن النبي صلى الله عليه وسلم الظهر ثم أرسل عليا في حاجة فرجع وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني العصر فوضع رأسه في حجر علي ولم يحركه حتى غابت الشمس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم إن عبدك عليا في طاعتك وطاعة رسولك احتبس نفسه على نبيه فرد عليه شرقها قال أسماء فطلعت الشمس حتى وقعت على الجبال فقام علي فتوضأ وصلى العصر ثم غابت الشمس قال أبو القاسم المصنف أم جعفر هذه هي أم محمد بن جعفر بن أبي طالب والراوي عنها هو ابنها عون بن محمد بن علي المعروف أبوه محمد بن الحنفية والراوي عنه هو محمد بن موسى المديني المعروف بالقطري محمود في روايته ثقة والراوي عنه محمد بن إسماعيل بن أبي فديك المدني ثقة وقد رواه عنه جماعة منهم هذا الذي ذكرت روايته وهو أحمد بن الوليد الأنطاكي وقد رواه عنه نفر منهم أحمد بن عمير بن حوصاء وذكره بإسناده من طريقة وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بالصهباء ثم أرسل عليا في حاجة فرجع وقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم العصر فوضع رأسه في حجر علي فلم يحركه حتى غربت الشمس فقال النبي صلى الله عليه

 

 

وسلم اللهم إن عبدك عليا احتبس نفسه على نبيه فرد عليها شرقها قال أسماء فطلعت الشمس حتى وقعت على الجبال وعلى الأرض فقام علي وتوضأ وصلى العصر وذلك في الصهباء في غزوة خيبر قال ومنهم أحمد بن صالح المصري عن ابن أبي فديك رواه أبو جعفر الطحاوي في كتاب تفسير متشابه الأخبار من تأليفه من طريقه ومنهم الحسن بن داود عن ابن أبي فديك وذكره بإسناده ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم الظهر بالصهباء من أرض خيبر ثم أرسل عليا في حاجة فرجع وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه في حجر علي فلم يحركه حتى غربت الشمس فاستيقظ وقال يا علي صليت العصر قال لا وذكره قال ويرويه عن اسماء فاطمة بنت الحسين الشهيد ورواه من طريق أبي جعفر الحضرمي حدثنا محمد بن مرزوق حدثنا حسين الأشقر حدثنا فضيل بن مرزوق عن إبراهيم ابن الحسن عن فاطمة عن أسماء بنت عميس قالت نزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما صلى العصر فوضع رأسه أو خده لا أدري أيهما قال في حجر علي ولم يصل العصر حتى غابت الشمس وذكره قال المصنف ورواه عن فضيل بن مرزوق جماعة منهم عبيد الله

 

 

ابن موسى العبسي ورواه الطحاوي من طريقه ولفظه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوحى إليه ورأسه في حجر علي فلم يصل العصر حتى غابت الشمس ورواه أيضا من حديث عمار بن مطر عن فضيل بن مرزوق من طريق أبي جعفر العقيلي صاحب كتاب الضعفاء قلت وهذا اللفظ يناقض الأول ففيه أنه نام في حجره من صلاة العصر إلى غروب الشمس وأن ذلك في غزوة خيبر بالصهباء وفي الثاني أنه كان مستيقظا يوحى اليه جبريل ورأسه في حجر علي حتى غربت الشمس وهذا التناقض يدل على أنه غير محفوظ لأن هذا صرح بأنه كان نائما هذا الوقت وهذا قال كان يقظان يوحى إليه وكلاهما باطل فإن النوم بعد العصر مكروه منهى عنه والنبي صلى الله عليه وسلم تنام عيناه ولا ينام قلبه فكيف تفوت عليا صلاة العصر ثم تفويت الصلاة بمثل هذا إما أن يكون جائزا وإما أنه لا يجوز فإن كان جائزا لم يكن على علي إثم إذا صلى العصر بعد الغروب وليس علي أفضل من النبي صلى الله عليه وسلم والنبي صلى الله عليه وسلم فاتته العصر يوم الخندق حتى غربت الشمس ثم صلاها ولم ترد عليه الشمس وكذلك لم ترد لسليمان لما توارت بالحجاب

 

 

وقد نام النبي صلى الله عليه وسلم ومعه علي وسائر الصحابة عن الفجر حتى طلعت الشمس ولم ترجع لهم إلى الشرق وإن كان التفويت محرما فتفويت العصر من الكبائر وقال النبي صلى الله عليه وسلم من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله وعلي كان يعلم أنها الوسطى وهي صلاة العصر وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين لما قال شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر حتى غربت الشمس ملأ الله أجوافهم وبيوتهم نارا وهذا كان في الخندق وخيبر بعد الخندق فعلي أجل قدرا من أن يفعل مثل هذه الكبيرة ويقره عليها جبريل ورسول الله صلى الله عليه وسلم ومن فعل هذا كان من مثالبه لا من مناقبه وقد نزه الله عليا عن ذلك ثم إذا فاتت لم يسقط الإثم عنه بعود الشمس وأيضا فإذا كانت هذه القصة في خيبر في البرية قدام العسكر والمسلمون أكثر من ألف وابعمائة كان هذا مما يراه العسكر

 

 

ويشاهدونه ومثل هذا مما تتوفر الهمم والدواعي عن نقله فيمتنع أن ينفرد بنقله الواحد والاثنان فلو نقله الصحابة لنقله منهم أهل العلم كما نقلوا أمثاله لم ينقله المجهولون الذين لا يعرف ضبطهم وعدالتهم وليس في جميع أسانيد هذا الحديث إسناد واحد يثبت تعلم عدالة ناقليه وضبطهم ولا يعلم اتصال إسناده وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عام خيبر لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله فنقل ذلك غير واحد من الصحابة وأحاديثهم في الصحاح والسنن والمساند وهذا الحديث ليس في شيء من كتب الحديث المعتمدة لا رواه أهل الصحيح ولا أهل السنن ولا المساند أصلا بل اتفقوا على تركه والإعراض عنه فكيف يكون مثل هذه الواقعة العظيمة التي هي لو كانت حقا من أعظم المعجزات المشهورة الظاهرة ولم يروها أهل الصحاح والمساند ولا نقلها أحد من علماء المسلمين وحفاظ الحديث ولا يعرف في شيء من كتب الحديث المعتمدة والإسناد الأول رواه القطري عن عون عن أمه عن أسماء بنت عميس وعون وأمه ليسا ممن يعرف حفظهم وعدالتهم ولا منالمعروفين بنقل العلم ولا يحتج بحديثهم في أهون الأشياء فكيف في مثل هذا ولا فيه سماع المرأة من أسماء بنت عميس فلعلها سمعت من يحكيه عن أسماء فذكرته وهذا المصنف ذكر عن ابن أبي فديك أنه ثقة وعن القطري أنه ثقة ولم يمكنه أن يذكر عمن بعدهما أنه ثقة وإنما ذكر أنسابهم ومجرد المعرفة بنسب الرجل لا توجب أن يكون حافظا ثقة وأما الإسناد الثاني فمداره على فضيل بن مرزوق وهو معروف بالخطأ على الثقات وإن كان لا يعتمد الكذب قال فيه ابن حبان يخطىء على الثقات ويروى عن عطية الموضوعات وقال فيه أبو حاتم الرازي لا يحتج به وقال فيه يحيى بن معين مرة هو ضعيف وهذا لا يناقضه قول أحمد بن حنبل فيه لا أعلم إلا خيرا وقول سفيان هو ثقة وقول يحيى مرة هو ثقة فإنه ليس ممن يتعمد الكذب ولكنه

 

 

يخطىء وإذا روى له مسلم ما تابعه غيره عليه لم يلزم أن يروى ما انفرد به مع أنه لم يعرف سماعه عن إبراهيم ولا سماع إبراهيم من فاطمة ولا سماع فاطمة من أسماء ولا بد في ثبوت هذا الحديث من أن يعلم أن كلا من هؤلاء عدل ضابط وأنه سمع من الآخر وليس هذا معلوما وإبراهيم هذا لم يرو له أهل الكتب المعتمدة كالصحاح والسنن ولا له ذكر في هذه الكتب بخلاف فاطمة بنت الحسين فإن لها حديثا معروفا فكيف يحتج بحديث مثل هذا ولهذا لم يروه أحد من علماء الحديث المعروفين في الكتب المعتمدة وكون الرجل أبوه كبير القدر لا يوجب أن يكون هو من العلماء المأمونين على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عنه وأسماء بنت عميس كانت عند جعفر ثم خلف عليها أبو بكر ثم خلف عليها علي ولها من كل من هؤلاء ولد وهم يحبون عليا ولم يرو هذا أحد منهم عن أسماء ومحمد بن أبي بكر الذي في حجر علي هو ابنها ومحبته لعلي مشهورة ولم يرو هذا عنها وأيضا فأسماء كانت زوجة جعفر بن أبي طالب وكانت معه في الحبشة وإنما قدمت معه بعد فتح خيبر وهذه القصة قد ذكر أنها كانت بخيبر فإن كانت صحيحة كان ذلك بعد فتح خيبر وقد كان مع النبي صلى الله عليه وسلم ممن شهد خيبر أهل الحديبية ألف وأربعمائة

 

 

وإزداد العسكر بجعفر ومن قدم معه من الحبشة كأبي موسى الأشعري وأصحابه والحبشة الذين قدموا مع جعفر في السفينة وازدادوا أيضا بمن كان معهم من أهل خيبر فلم يرو هذا أحد من هؤلاء وهذا مما يوجب القطع بأن هذا من الكذب المختلق والطعن في فضيل ومن بعده إذا تيقن بأنهم رووه وإلا ففي إيصاله إليهم نظر فإن الراوي الأول عن فضيل الحسين بن الحسن الأشقر الكوفي قال البخاري عنده مناكير وقال النسائي وقال الدارقطني ليس بالقوي وقال الأزدي ضعيف وقال السعدي حسين الأشقر غال من الشاتمين للخيرة وقال ابن عدي روى حديثا منكرا والبلاء عندي منه وكان جماعة من ضعفاء الكوفة يحيلون ما يروون عنه من الحديث فيه وأما الطريق الثالث ففيه عمار بن مطر عن فضيل بن مرزوق قالالعقيلي يحدث عن الثقات بالمناكير وقال الرازي كان يكذب أحاديث بواطل وقال ابن عدي متروك الحديث والطريق الأول من حديث عبيد الله بن موسى العبسي وفي بعض طرقه عن فضيل وفي بعضها حدثنا فإذا لم يثبت أنه قال حدثنا أمكن أن لا يكون سمعه فإنه من الدعاة إلى التشيع الحراص على جمع أحاديث التشيع وكان يروي الأحاديث في ذلك عن الكذابين وهو من المعروفين بذلك وإن كانوا قد قالوا فيه ثقة وإنه

 

 

لا يكذب فالله أعلم أنه هل كان يتعمد الكذب أم لا لكنه كان يروى عن الكذابين المعروفين بالكذب بلا ريب والبخاري لا يروى عنه إلا ما عرف به أنه صحيح من غير طريقه وأحمد بن حنبل لم يرو عنه شيئا قال المصنف وله روايات عن فاطمة سوى ما قدمنا ثم رواه بطريق مظلمة يظهر أنها كذب لمن له معرفة منوطة بالحديث فرواه من حديث أبي حفص الكتاني حدثنا محمد بن عمر القاضي هو الجعاني حدثنا محمد بن إبراهيم بن جعفر العسكري من أصل كتابه حدثنا أحمد بن محمد بن يزيد بن سليم حدثنا خلف بن سالم حدثنا عبد الرزاق حدثنا سفيان الثوري عن أشعث بن أبي الشعثاء عن أمه عن فاطمة عن أسماء أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لعلي حتى ردت عليه الشمس وهذا مما لا يقبل نقله إلا ممن عرف عدالته وضبطه لا من مجهول الحال فكيف إذا كان مما يعلم أهل الحديث أن الثوري لم يحدث به ولا حدث به عبد الرزاق وأحاديث الثوري وعبدالرزاق يعرفها أهل العلم بالحديث ولهم أصحاب يعرفونها ورواه خلف بن سالم ولو قدر أنهم رووه فأم أشعث مجهولة لا يقوم بروايتها شيء وذكر طريقا ثانيا من طريق محمد بن مرزوق حدثنا حسين الأشقر عن علي بن هاشم عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن

 

 

علي بن الحسين عن فاطمة بنت علي عن أسماء بنت عميس الحديث قلت وقد تقدم كلام العلماء في حسين الأشقر فلو كان الإسناد كلهم ثقات والإسناد متصل لم يثبت بروايته شيء فكيف إذا لم يثبت ذلك وعلي بن هاشم بن البريد قال البخاري هو وأبوه غاليان في مذهبهما وقال ابن حبان كان غاليا في التشيع يروى المناكير عن المشاهير وإخراج أهل الحديث لما عرفوه من غير طريقه لا يوجب أن يثبت ما انفرد به ومن العجب أن هذا المصنف جعل هذا والذي بعده من طريق رواية فاطمة بنت الحسين وهذه فاطمة بنت علي لا بنت الحسين وكذلك ذكر الطريق الثالث عنها من رواية عبد الرحمن بن شريك حدثنا أبي عن عروة بن عبد الله عن فاطمة بنت علي عن أسماء عن علي بن أبي طالب رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد أوحى إليه فجلله بثوبه فلم يزل كذلك حتى أدبرت الشمس يقول غابت أو كادت تغيب وأن نبي الله صلى الله عليه وسلم سرى عنه فقال أصليت يا علي قال لا قال اللهم رد على علي الشمس فرجعت الشمس حتى بلغت نصف المسجدفيقتضي أنها رجعت إلى قريب وقت العصر وأن هذا كان بالمدينة وفي ذاك الطريق أنه كان بخيبر وأنها إنما ظهرت على رؤوس الجبال وعبد الرحمن بن شريك قال أبو حاتم الرازي هو واهي الحديث وكذلك قد ضعفه غيره ورواه من طريق رابع من حديث محمد بن عمر القاضي وهو الجعاني عن العباس بن الوليد عن عباد وهو الرواجني حدثنا علي بن هاشم عن صباح بن عبدالله بن الحسين أبي جعفر عن حسين المقتول عن فاطمة عن أسماء بنت عميس قالت كان يوم خيبر شغل عليا ما كان من قسم المغانم حتى غابت الشمس أو كادت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما صليت قال لا فدعا الله فارتفعت حتى توسطت السماء فصلى علي فلما غابت الشمس سمعت لها صريرا كصرير المنشار في الحديد وهذا اللفظ الرابع يناقض الألفاظ الثلاثة المتناقضة وتبين أن

 

 

الحديث لم يروه صادق ضابط بل هو في نفس الأمر مما اختلقه واحد وعملته يداه فتشبه به آخر فاختلق ما يشبه حديث ذلك والقصة واحده وفي هذا أن عليا إنما اشتغل بقسم المغانم لا برسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي لم يقسم مغانم خيبر ولا يجوز الاشتغال بقسمتها عن الصلاة فإن خيبر بعد الخندق سنة سبع وبعد الحديبية سنة ست وهذا من المتواتر عند أهل العلم والخندق كانت قبل ذلك إما سنة خمس أو أربع وفيها أنزل الله تعالى حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى (سورة البقرة). ونسخ التأخير بها يوم الخندق مع أنه كان للقتال عند أكثر أهل العلم ومن قال إنه لم ينسخ بل يجوز التأخير للقتال كأبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين فلم يتنازع العلماء أنه لم يجز تفويت الصلاة لأجل قسم الغنائم فإن هذا لا يفوت والصلاة تفوت وفي هذا انها توسطت المسجد وهذا من الكذب الظاهر فإن مثل هذا من أعظم غرائب العالم التي لو جرت لنقلها الجم الغفير وفيه أنها لما غابت سمع لها صرير كصرير المنشار وهذا أيضا من الكذب الظاهر فإن هذا لا موجب له أيضا والشمس عند غروبها لا تلاقى من الأجسام ما يوجب هذا الصوت العظيم الذي يصل من الفلك الرابع إلى

 

 

الأرض ثم لو كان هذا حقا لكان من أعظم عجائب العالم التي تنقلها الصحابة الذين نقلوا ما هو دون هذا مما كان في خيبر وغير خيبر وهذا الإسناد لو روى به ما يمكن صدقه لم يثبت به شيء فإن علي ابن هاشم بن البريد كان غاليا في التشيع يروى عن كل أحد يحرضه على ما يقوى به هواه ويروى عن مثل صباح هذا وصباح هذا لا يعرف من هو ولهم في هذه الطبقة صباح بن سهل الكوفي يروى عن حصين بن عبد الرحمن قال البخاري وأبو زرعة وأبو حاتم منكر الحديث وقال الدارقطني ضعيف وقال ابن حبان يروى المناكير عن أقوام مشاهير لا يجوز الاحتجاج بخبره ولهم آخر يقال له صباح بن محمد بن أبي حازم البجلي الأحمسي الكوفي يروى عن مرة الهمداني قال ابن حبان يروى عن الثقات الموضوعات ولهم شخص يقال له صباح العبدي قال الرازي هو مجهول وآخر يقال له ابن مجالد مجهول يروى عنه بقية قال ابن عدي ليس بالمعروف هو من شيوخ بقية المجهولين

 

 

وحسين المقتول إن أريد به الحسين بن علي فذلك أجل قدرا من أن يروى عن واحد عن أسماء بنت عميس سواء كانت فاطمة أخته أو ابنته فإن هذه القصة لو كانت حقا لكان هو أخبر بها من هؤلاء وكان قد سمعها من أبيه ومن غيره ومن أسماء امرأة أبيه وغيرها لم يروها عن بنته أو أخته عن أسماء امرأة أبيه ولكن ليس هو الحسين بن علي بل هو غيره أو هو عبد الله بن الحسن أبو جعفر ولهما أسوة أمثالهما والحديث لا يثبت إلا برواية من علم أنه عدل ضابط ثقة يعرفه أهل الحديث بذلك ومجرد العلم بنسبتة لا يفيد ذلك ولو كان من كان وفي أبناء الصحابة والتابعين من لا يحتج بحديثه وإن كان أبوه من خيار المسلمين هذا إن كان علي بن هاشم رواه وإلا فالراوي عنه عباد بن يعقوب الرواجني قال ابن حبان كان رافضيا داعية يرى المناكير عن المشاهير فاستحق الترك وقال ابن عدي روى أحاديث أنكرت عليه في فضائل أهل البيت ومثالب غيرهم والبخاري وغيره روى عنه من الأحاديث ما يعرف صحته وإلا فحكاية قاسم المطرز عنه أنه قال إن عليا حفر البحر وإن الحسن أجرى فيه الماء مما يقدح فيه قدحا بينا

 

 

قال المصنف قد رواه عن أسماء سوى هؤلاء وروى من طريق أبي العباس بن عقدة وكان من حفظه جماعا لأكاذيب الشيعة قال أبو أحمد بن عدي رأيت مشايخ بغداد يسيئون الثناء عليه يقولون لا يتدين بالحديث ويحمل شيوخا بالكوفة على الكذب ويسوى لهم نسخا ويأمرهم بروايتها وقال الدارقطني كان ابن عقدة رجل سوء قال ابن عقدة حدثنا يحيى بن زكريا أخبرنا يعقوب بن معبد حدثنا عمرو بن ثابت قال سألت عبد الله بن حسن بن حسن بن علي عن حديث رد الشمس على علي هل ثبت عندكم فقال لي ما أنزل الله في علي في كتابه أعظم من رد الشمس قلت صدقت جعلني الله فداك ولكني أحب أن أسمعه منك قال حدثني عبد الله حدثني أبي الحسن عن أسماء بنت عميس أنها قالت أقبل علي ذات يوم وهو يريد أن يصلي العصر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوافق

 

 

رسول الله صلى الله عليه وسلم قد انصرف ونزل عليه الوحي فأسنده إلى صدره فلم يزل مسنده إلى صدره حتى أفاق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أصليت العصر يا علي قال جئت والوحي ينزل عليك فلم أزل مسندك إلى صدري حتى الساعة فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم القبلة وقد غربت الشمس فقال اللهم إن عليا كان في طاعتك فارددها عليه قالت أسماء فأقبلت الشمس ولها صرير كصرير الرحي حتى ركدت في موضعها وقت العصر فقام علي متمكنا فصلى العصر فلما فرغ رجعت الشمس ولها صرير كصرير الرحى فلما غابت الشمس اختلط الظلام وبدت النجوم قلت بهذا اللفظ الخامس يناقض تلك الألفاظ المتناقضة ويزيد الناظر بيانا في أنها مكذوبة مختلقة فإنه ذكر فيها أنها ردت إلى موضعها وقت العصر وفي الذي قبله إلى نصف النهار وفي الآخر حتى ظهرت على رؤوس الجبال وفي هذا أنه كان مسنده إلى صدره وفي ذاك أنه كان رأسه في حجره وعبد الله بن الحسن لم يحدث بهذا قط وهو كان أجل قدرا من أن يروي مثل هذا الكذب ولا أبوه الحسن روى هذا عن أسماء وفيه ما أنزل الله في علي في كتابه أعظم من رد الشمس شيئا ومعلوم أن الله لم ينزل في علي ولا غيره في كتابه في رد الشمس شيئا

 

 

وهذا الحديث إن كان ثابتا عن عمرو بن ثابت الذي رواه عن عبد الله فهو الذي اختلقه فإنه كان معروفا بالكذب قال أبو حاتم بن حبان يروى الموضوعات عن الأثبات وقال يحيى بن معين ليس بشيء وقال مرة ليس بثقة ولا مأمون وقال النسائي متروك الحديث قال المصنف وأما رواية أبي هريرة فأنبأنا عقيل بن الحسن العسكري حدثنا أبو محمد صالح بن أبي الفتح الشناسي حدثنا أحمد بن عمرو بن حوصاء حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري حدثنا يحيى بن يزيد بن عبد الملك النوفلي عن أبيه قال حدثنا داود بن فراهيج عن عمازة بن فرو عن أبي هريرة رضي الله عنه وذكره قال المصنف اختصرته من حديث طويل قلت هذا إسناد مظلم لا يثبت به شيء عند أهل العلم بل يعرفكذبه من وجوه فإنه وإن كان داود بن فراهيج مضعفا كان شعبة يضعفه وقال النسائي ضعيف الحديث لا يثبت الإسناد إليه فإن فيه يزيد بن عبد الملك النوفلي وهو الذي رواه عنه وعن عمارة قال البخاري أحاديثه شبه لا شيء وضعفه جدا وقال النسائي متروك ضعيف الحديث وقال الدارقطني منكر الحديث جدا وقال أحمد عنده مناكير وقال الدارقطني ضعيف وإن كان حدث به إبراهيم بن سعيد الجوهري فالآفة من هذا وإن كان يقال إنه لم يثبته لا إلى إبراهيم بن سعيد الجوهري ولا إلى ابن حوصاء فإن هذين معروفان وأحاديثهما معروفقد رواها عنهما الناس ولهذا لما روى ابن حوصاء الطريق الأول كان الإسناد إليه معروفا عنه رواه بالأسانيد المعروفة لكن الآفة فيه ممن بعده وأما هذا فمن قبل ابن حوصاء لا يعرفون وإن قدر أنه ثابت عنه فالآفة بعده وذكر أبو الفرج بن الجوزي أن ابن مردويه رواه من طريق داود بن فراهيج وذكر ضعف ابن فراهيج ومع هذا فالإسناد إليه فيه الكلام أيضا قال المصنف وأما رواية أبي سعيد الخدري فأخبرنا محمد بن

 

 

إسماعيل الجرجاني كتابه أن أبا طاهر محمد بن علي الواعظ أخبرهم أنبأنا محمد بن أحمد بن منعم أنبأنا القاسم بن جعفر بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عمر حدثني أبي عن أبيه محمد عن أبيه عبد الله عن أبيه محمد عن أبيه عمر قال قال الحسين بن علي سمعت أبا سعيد الخدري يقول دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا رأسه في حجر علي وقد غابت الشمس فانتبه النبي صلى الله عليه وسلم وقال يا علي صليت العصر قال لا يا رسول الله ما صليت كرهت أن أضع رأسك من حجري وأنت وجع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ادع يا علي أن ترد عليك الشمس فقال علي يا رسول الله ادع أنت أومن قال يا رب إن عليا في طاعتك وطاعة رسولك فاردد عليه الشمس قال ابو سعيد فوالله لقد سمعت للشمس صريرا كصرير البكرة حتى رجعت بيضاء نقية قلت هذا الإسناد لا يثبت بمثله شيء وكثير من رجاله لا يعرفون بعدالة ولا ضبط ولا حمل للعلم ولا لهم ذكر في كتب العلم وكثير من رجاله لو لم يكن فيهم إلا واحد بهذه المنزلة لم يكن ثابتا فكيف إذا كان كثير منهم أو أكثرهم كذلك ومن هو معروف بالكذب مثل عمرو بن ثابت

 

 

وفيه أنه كان وجعا وأنه سمع صوتها حين طلعت كصرير البكرة وهذا باطل عقلا ولم يذكره أولئك ولو كان مثل هذا الحديث عن أبي سعيد مع محبته لعلي وروايته لفضائله لرواه عنه أصحابه المعروفون كما رووا غير ذلك من فضائل علي مثل رواية أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر الخوارج قال تقتلهم أولى الطائفتين بالحق ومثل روايته أنه قال لعمار تقتلك الفئة الباغية فمثل هذا الحديث الصحيح عن أبي سعيد بين فيه أن عليا وأصحابه أولى بالحق من معاوية وأصحابه فكيف لا يروى عنه مثل هذا لو كان صحيحا ولم يحدث بمثل هذا الحسين ولا أخوه عمر ولا علي ولو كان مثل هذا عندهما لحدث به عنهما المعروفون بالحديث عنهما فإن هذا أمر عظيم قال المصنف وأما رواية أمير المؤمنين فأخبرنا أبو العباس الفرغاني أخبرنا أبو الفضل الشيباني حدثنا رجاء بن يحيى الساماني حدثنا هارون بن مسلم بن سعيد بسامرا سنة أربعين ومائتينحدثنا عبد الله بن عمرو الأشعث عن داود بن الكميت عن عمه المستهل بن زيد عن زبي زيد بن سهلب عن جويرية بنت مسهر قالت خرجت مع علي فقال يا جويرية إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوحى إليه ورأسه في حجري وذكره قلت وهذا الإسناد أضعف مما تقدم وفيه من الرجال المجاهيل الذين لا يعرف أحدهم بعدالة ولا ضبط وانفرادهم بمثل هذا الذي لو كان علي قاله لرواه عنه المعرفون من أصحابه وبمثل هذا الإسناد عن هذه المرأة ولا يعرف حال هذه المرأة ولا حال هؤلاء الذين رووا عنها بل ولا تعرف أعيانهم فضلا عن صفاتهم لا يثبت فيه شيء وفيه ما يناقض الرواية التي هي أرجح منه مع أن الجميع كذب فإن المسلمين رووا من فضائل علي ومعجزات النبي صلى الله عليه وسلم ما هو دون هذا وهذا لم يروه أحد من أهل العلم بالحديث وقد صنف جماعة من علماء الحديث في فضائل علي كما صنف الإمام أحمد فضائله وصنف أبو نعيم في فضائله وذكر فيها أحاديث

 

 

كثيرة ضعيفة ولم يذكر هذا لأن الكذب ظاهر عليه بخلاف غيره وكذلك لم يذكره الترمذي مع أنه جمع في فضائل علي أحاديث كثير منها ضعيف وكذلك النسائي وأبو عمر بن عبدالبر وجمع النسائي مصنفا في خصائص علي قال المصنف وقد حكى أبو جعفر الطحاوي عن علي بن عبد الرحمن عن أحمد بن صالح المصري أنه كان يقول لا ينبغي لمن كان سبيله العلم التخلف عن حفظ حديث أسماء في رد الشمس لأنه من علامات النبوة قلت أحمد بن صالح رواه من الطريق الأول ولم يجمع طرقه وألفاظه التي تدل من وجوه كثيرة على أنه كذب وتلك الطريق راويها مجهول عنده ليس معلوم الكذب عنده فلم يظهر له كذبه والطحاوي ليست عادته نقد الحديث كنقد أهل العلم ولهذا روى في شرح معاني الآثار الأحاديث المختلفة وإنما يرجح ما يرجحه منها في الغالب من جهة القياس الذي رآه حجة ويكون أكثرها مجروحا من جهة الإسناد لا يثبت ولا يتعرض لذلك فإنه لم تكن معرفته بالإسنادكعرفة أهل العلم به وإن كان كثير الحديث فقيها عالما قال المصنف وقال عبد الله البصري عود الشمس بعد مغيبها آكد حالا فيما يقتضي نقله لأنه وإن كان فضيلة لأمير المؤمنين فإنه من أعلام النبوة وهو مفارق لغيره من فضائله في كثير من أعلام النبوة قلت وهذا من أظهر الأدلة على أنه كذب فإن أهل العلم بالحديث رووا فضائل علي التي ليست من أعلام النبوة وذكروها في الصحاح والسنن والمساند رووها عن العلماء الأعلام الثقات المعروفين فلو كان هذا مما رواه الثقات لكانوا أرغب في روايته وأحرص الناس على بيان صحته لكنهم لم يجدوا أحدا رواه بإسناد يعرف أهله بحمل العلم ولا يعرفون بالعدالة والضبط مع ما فيه من الأدلة الكثيرة على تكذيبه

 

 

قال وقال أبو العباس بن عقدة حدثنا جعفر بن محمد بن عمرو أنبأنا سليمان بن عباد سمعت بشار بن دراع قال لقى أبو حنيفة محمد بن النعمان فقال عمن رويت حديث رد الشمس فقال عن غير الذي رويت عنه يا سارية الجبل قال المصنف وكل هذه أمارات ثبوت الحديث قلت هذا يدل على أن أئمة أهل العلم لم يكونوا يصدقون بهذا الحديث فإنه لم يروه أمام من أئمة المسلمين وهذا أبو حنيفة أحد الأئمة المشاهير وهو لا يتهم على علي فإنه من أهل الكوفة دار الشيعة وقد لقي من الشيعة وسمع من فضائل علي ما شاء الله وهو يحبه ويتولاه ومع هذا أنكر هذا الحديث علي محمد بن النعمان وأبو حنيفة أعلم وأفقه من الطحاوي وأمثاله ولم يجبه ابن النعمان بجواب صحيح بل قال عن غير من رويت عنه حديث يا سارية الجبل فيقال له هب أن ذلك كذب فأي شيء في كذبه مما يدل علىصدق هذا فإن كان كذلك فأبو حنيفة لا ينكر أن يكون لعمر وعلي وغيرهما كرامات بل أنكر هذا الحديث للدلائل الكثيرة على كذبه ومخالفته للشرع والعقل وأنه لم يروه أحد من العلماء المعروفين بالحديث من التابعين وتابعيهم وهم الذين يروون عن الصحابة بل لم يروه إلا كذاب أو مجهول لا يعلم عدله وضبطه فكيف يقبل هذا من مثل هؤلاء وسائر علماء المسلمين يودون أن يكون مثل هذا صحيحا لما فيه من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم وفضيلة علي على الذين يحبونه ويتولونه ولكنهم لا يستجيزون التصديق بالكذب فردوه ديانة.

*

فصل قال الرافضي العاشر ما رواه أهل السير أن الماء زاد بالكوفة وخافوا الغرق ففزعوا إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فركب بغله رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج الناس معه فنزل على شاطىء الفرات فصلى ثم دعا وضرب صفحة الماء بقضيب كان في يديه فغاص الماء فسلم عليه كثير من الحيتان ولم ينطق الجري ولا المرماهى فسئل عن ذلك فقال أنطق الله ما طهره من السمك وأسكت ما أنجسه وأبعده.

 

*والجواب من وجوه...

أحدها: المطالبة بأن يقال أين إسناد هذه الحكاية الذي يدل على صحتها وثبوتها وإلا فمجرد الحكايات المرسلة بلا إسناد يقدر عليه كل أحد لكن لا يفيد شيئا.

الثاني: أن بغله النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن عنده.

الثالث: أن هذا لم ينقله أحد من أهل الكتب المعتمد عليهم ومثل هذه القصة لو كانت صحيحة لكانت مما تتوفر الهمم والدواعي على نقلها وهذا الناقل لم يذكر لها إسنادا فكيف يقبل ذلك بمجرد حكاية لا اسناد لها.

الرابع: أن السمك كله مباح، كما ثبت عن النبي النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في البحر هو الطهور ماؤه الحل ميتته. وقد قال تعالى أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة (سورة المائدة). وقد أجمع سلف الأمة وأئمتها على حل السمك كله وعلي مع سائر الصحابة يحلون هذه الأنواع فكيف يقولون إن الله أنجسه، ولكن الرافضة جهال يحرمون ما أحل الله بمثل هذه الحكاية المكذوبة.

الخامس: أن يقال نطق السمك ليس مقدورا له في العادة ولكن هو من خوارق العادات فالله تعالى هو الذي أنطق ما أنطق منها وأسكت ما أسكته إن كان قد وقع فأي ذنب لمن أسكته الله حتى يقال هو نجس ومن جعل للعجماء ذنبا بأن الله لم ينطقها كان ظالما لها وإن قال قائل بل الله أقدرها على ذلك فامتنعت منه فيقال إقداره لها على ذلك لو وقع إنما كان كرامة لعلي رضي الله عنه والكرامة إنما تحصل بالنطق بالسلام عليه لا بمجرد القدرة عليه مع الامتناع منه فإذا لم يسلم عليه لم يكن في إقدارها مع امتناعها كرامة له. بل فيه تحريم الطيبات على الناس فإن لحمها طيب وذلك من باب العقوبات كما قال تعالى فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا (سورة النساء).

وقد قيل إن تحريم ذلك كان من أخلاق اليهود وما هو من إخوانهم الرافضة ببعيد.

 

السادس: أن يقال المقصود هنا كان حاصلا بنضوب الماء فأما تسليم السمك فلم يكن إليه حاجة ولا كان هناك سبب يقتضي خرق العادة لتقوية الإيمان فإن ذلك يكون حجة وحاجة ولم يكن هناك حجة ولا حاجة ألا ترى أن انفلاق البحر لموسى كان أعظم من نضوب الماء ولم يسلم السمك على موسى.

ولما ذهب موسى إلى الخضر وكان معه حوت مالح في مكتل فأحياه الله حتى انساب ونزل في الماء وصار البحر عليه سربا، ولم يسلم على موسى ولا على يوشع والبحر دائما يجزر ويمد ولم يعرف أن السمك سلم على أحد من الصحابة والتابعين وغيرهم وعلى أجل قدرا من أن يحتاج إلى إثبات فضائله بمثل هذه الحكايات التي تعلم العقلاء أنها من المكذوبات.

*

فصل قال الرافضي الحادي عشر روى جماعة أهل السير أن عليا كان يخطب على منبر الكوفة فظهر ثعبان فرقى المنبر وخاف الناس وأرادوا قتله فمنعهم فخاطبه ثم نزل فسأل الناس عنه فقال إنه حاكم الجن التبست عليه قصة فأوضحتها له وكان أهل الكوفة يسمون الباب الذي دخل منه الثعبان باب الثعبان فأراد بنو أمية إطفاء هذه الفضيلة فنصبوا على ذلك الباب قتلى مدة حتى سمى باب القتلى.

*والجواب أنه لا ريب أن من دون علي بكثير تحتاج الجن إليه وتستفتيه وتسأله وهذا معلوم قديما وحديثا فإن كان هذا قد وقع فقدره أجل من ذلك وهذا من أدنى فضائل من هو دونه وإن لم يكن وقع لم ينقص فضله بذلك وإنما يحتاج أن يثبت فضيلة علي بمثل هذه الأمور من يكون مجدبا منها فأما من باشر أهل الخير والدين الذين لهم أعظم من هذه الخوارق أو رأى في نفسه ما هو أعظم من هذه الخوارق لم يكن هذا مما يوجب أن يفضل بها علي ونحن نعلن أن من هو دون علي بكثير من الصحابة خير منا بكثير

 

فكيف يمكن مع هذا أن يجعل مثل هذا حجة على فضيلة علي على الواحد منا فضلا عن أبي بكر وعمر؟.

ولكن الرافضة لجهلهم وظلمهم وبعدهم عن طريق أولياء الله سمعوا ليس لهم من كرامات الأولياء المتقين ما يعتد به فهم لإفلاسهم منها إذا سمعوا شيئا من خوارق العادات عظموه تعظيم المفلس للقليل من النقد والجائع للكسرة من الخبز. ولو ذكرنا ما باشرناه نحن من هذا الجنس مما هو أعظم من ذلك مما قد رآه الناس لذكرنا شيئا كثيرا والرافضة لفرط جهلهم وبعدهم عن ولاية الله وتقواه ليس لهم نصيب كثير من كرامات الأولياء فإذا سمعوا مثل هذا عن علي ظنوا أن هذا لا يكون إلا لأفضل الخلق بل هذه الخوارق المذكورة وما هو أعظم منها يكون لخلق كثير من أمة محمد النبي صلى الله عليه وسلم المعروفين بأن أبا بكر وعمر وعثمان وعليا خير منهم الذين يتولون الجميع ويحبونهم ويقدمون من قدم الله ورسوله لاسيما الذين يعرفون قدر الصديق ويقدمونه، فإنهم أخص هذه الأمة بولاية الله وتقواه. واللبيب يعرف ذلك بطرق إما أن يطالع الكتب المصنفة في أخبار الصالحين وكرامات الأولياء مثل كتاب ابن أبي الدنيا وكتاب الخلال واللالكائي وغيرهم ومثل ما يوجد من ذلك في أخبار الصالحين مثل الحلية لأبي نعيم وصفوة الصفوة وغير ذلك

 

وأما أن يكون قد باشر من رأى ذلك، وإما أن يخبره بذلك من هو عنده صادق.

فما زال الناس في كل عصر يقع لهم من ذلك شيء كثير ويحكى ذلك بعضهم لبعض وهذا كثير في هذا كثير من المسلمين وأما أن يكون بنفسه وقع له بعض ذلك وهذه جيوش أبي بكر وعمر ورعيتها لهم من ذلك أعظم من ذلك مثل العلاء ابن الحضرمي وعبوره على الماء كما تقدم ذكره فإن هذا أعظم من نضوب الماء ومثل استقائه ومثل البقر الذي كلم سعد بن أبي وقاص في وقعة القادسية ومثل نداء عمر يا سارية الجبل وهو بالمدينة وسارية بنهاوند ومثل شرب خالد بن الوليد السم ومثل إلقاء أبي مسلم الخولاني في النار فصارت عليه النار بردا وسلاما لما ألقاه فيها الأسود العنسى المنتبىء الكذاب وكان قد استولى على اليمن فلما امتنع أبو مسلم من الإيمان به ألقاه في النار فجعلها الله عليه بردا وسلاما فخرج منها يمسح جبينه وغير ذلك مما يطول وصفه ومما ينبغي أن يعلم أن خوارق العادات تكون لأولياء الله بحسب حاجتهم فمن كان بين الكفار أو المنافقين أو الفاسقين احتاج إليها لتقوية اليقين فظهرت عليه كظهور النور في الظلمة فلهذا يوجد بعضها لكثير من المفضولين أكثر مما يوجد للفاضلين لحاجتهم إلى ذلك.

 

وهذه الخوارق لا تراد لنفسها بل لأنها وسيلة إلى طاعة الله ورسوله فمن جعلها غاية له ويعبد لأجلها لعبت به الشياطين وأظهرت له خوارق من جنس خوارق السحرة والكهان فمن كان لا يتوصل إلى ذلك إلا بها كان أحوج إليها فتكثر في حقه أعظم مما تكثر في حق من استغنى عنها ولهذا كانت في التابعين أكثر منها في الصحابة ونظير هذا في العلم علم الأسماء واللغات فإن المقصود بمعرفة النحو واللغة التوصل إلى فهم كتاب الله ورسوله وغير ذلك وأن ينحو الرجل بكلامه نحو كلام العرب والصحابة لما استغنوا عن النحو واحتاج إليه من بعدهم صار لهم من الكلام في قوانين العربية ما لا يوجد مثله للصحابة لنقصهم وكمال الصحابة وكذلك صار لهم من الكلام في أسماء الرجال وأخبارهم ما لا يوجد مثله للصحابة لأن هذه وسائل تطلب لغيرها فكذلك كثير من النظر والبحث احتاج إليه كثير من المتأخرين واستغنى عنه الصحابة وكذلك ترجمة القرآن لمن لا يفهمه بالعربية يحتاج إليه من لغته فارسية تركية ورومية والصحابة لما كانوا عربا استغنوا عن ذلك وكذلك كثير من التفسير والغريب يحتاج إليه كثير من الناس والصحابة استغنوا عنه فمن جعل النحو ومعرفة الرجال والاصطلاحات النظرية والجدلية المعينة على النظر والمناظرة مقصودة لنفسها رأى أصحابها أعلم من

 

 

الصحابة كما يظنه كثير ممن أعمى الله بصيرته ومن علم أنها مقصودة لغيرها علم أن الصحابة الذين علموا المقصود بهذه أفضل ممن لم تكن معرفتهم مثلهم في معرفة المقصود وإن كان بارعا في الوسائل وكذلك الخوارق كثير من المتأخرين صارت عنده مقصودة لنفسها فيكثر العبادة والجوع والسهر والخلوة ليحصل له نوع من المكاشفات والتأثيرات كما يسعى الرجل ليحصل له من السلطان والمال وكثير من الناس إنما يعظم الشيوخ لأجل ذلك كما تعظم الملوك والأغنياء لأجل ملكهم وملكهم وهذا الضرب قد يري أن هؤلاء أفضل من الصحابة ولهذا يكثر في هذا الضرب المنكوس الخروج عن الرسالة وعن أمر الله ورسوله ويقفون مع أذواقهم وإراداتهم لا عند طاعة الله رسوله ويبتلون بسلب الأحوال ثم الأعمال ثم أداء الفرائض ثم الإيمان كما أن من أعطى ملكا ومالا فخرج فيه عن الشريعة وطاعة الله ورسوله واتبع فيه هواه وظلم الناس عوقب على ذلك إما بالعزل وإما بالخوف والعدو وإما بالحاجة والفقر وإما بغير ذلك والمقصود لنفسه في الدنيا هو الاستقامة على ما يرضاه الله ويحبه باطنا وظاهرا فكلما كان الرجل أتبع لما يرضاه الله ورسوله وأتبع لطاعة الله ورسوله كان أفضل ومن حصل له المقصود من الإيمان واليقين والطاعة بلا خارق لم يحتج إلى خارق

 

 

كما أن صديق الأمة أبا بكر وعمر وعثمان وعليا وطلحة والزبير وأمثالهم من السابقين الأولين لما تبين لهم أن محمدا النبي صلى الله عليه وسلم رسول الله آمنوا به ولم يحتاجوا مع ذلك من الخوارق إلى ما احتاج إليه من لم يعرف كمعرفتهم ومعرفة الحق له أسباب متعددة وقد نبهنا على ذلك في غير هذا الموضع في تقرير الرسالة وأعلام النبوة وبينا أن الطريق إلى معرفة صدق الرسول كثيرة جدا وأن طريق المعجزات طريق من الطرق وأن من قال من النظار إن تصديق الرسول لا يمكن إلا بالمعجزة كان كمن قال إن معرفة الصانع لا تحصل إلا بالمعرفة بحدوث العالم وهذا وأمثاله مما يقوله كثير من النظار الذين يحصرون نوعا من العلم بدليل معين يدعون أنه لا يحصل إلا بذلك مما أوجب تفرق الناس فطائفة توافقهم على ذلك فيوجبون على كل أحد مالم يوجبه الله ورسوله لا سيما إن كان ذلك الطريق الذي استدلوا به مقدوحا في بعض مقدماته كأدلتهم على حدوث العالم بحدوث الأجسام وطائفة تقدح في الطرق النظرية جملة وتسد باب النظر والمناظرة وتدعى تحريم ذلك مطلقا واستغناء الناس عنه فتقع الفتنة بين هؤلاء وهؤلاء

 

 

وحقيقة الأمر أن طرق العلم متعددة وقد يغنى الله كثيرا من الناس عن تلك الطرق المعينة بل عن النظر بعلوم ضرورية تحصل لهم وإن كانت العبادة قد تعد النفس لتلك العلوم الضرورية حتى تحصل إلهاما وطائفة من الناس يحتاجون إلى النظر أو إلى تلك الطرق إما لعدم ما يحصل لغيرهم وإما لشبه عرضت لهم لا تزول إلا بالنظر وكذلك كثير من الأحوال التي تعرض لبعض السالكين من الصعق والغشى والاضطراب عند الذكر وسماع القرآن وغيره ومن الفناءعن شهود المخلوقات بحيث يصطلم ويبقى لا يشهد قلبه إلا الله حتى يغيب بمشهوده عن نفسه فمن الناس من يجعل هذا لازما لا بد لكل من سلك منه ومنهم من يجعله هو الغاية ولا مقام وراءه ومنهم من يقدح في هذا ويجعله من البدع التي لم تنقل عن الصحابة والتحقيق أن هذا أمر يقع لبعض السالكين بحسب قوة الوارد

 

 

عليه وضعف القلب عن التمكين بحبه فمن لم يجد ذلك قد يكون لكمال قوته وكمال إيمانه وقد يكون لضعف إيمانه مثل كثير من البطالين والفساق وأهل البدع وليس هذا من لوازم الطرق بل قد يستغنى عنه كثير من السالكين وليس هو الغاية بل كمال الشهود بحيث يميز بين المخلوق والخالق ويشهد معاني أسماء الله وصفاته ولا يشغله هذا عن هذا هو أكمل في الشهود وأقوى في الإيمان ولكن من عرض له تلك الحال التي تعرض احتاج إلى ما يناسبها وهذه الأمور مبسوطة في غير هذا الموضع لكن المقصود أن تعرف مرتبة الخوارق وأنها عند أولياء الله الذين يريدون وجهه ويحبون ما أحبه الله ورسوله في مرتبة الوسائل التي يستعان بها كما يستعان بغير الخوارق فإن لم يحتاجوا إليها استغناء بالمعتادات لم يتلفتوا إليها وأما عند كثير ممن يتبع هواه ويحب الرياسة عند الجهال ونحو ذلك فهي عندهم أعلى المقاصد كما أن كثيرا من طلبة العلم ليس مقصودهم به إلا تحصيل رياسة أو مال ولكل امرىء ما نوى وأما أهل العلم والدين الذين هم أهله فهو مقصود عندهم لمنفعته لهم وحاجتهم إليه في الدنيا والآخرة كما قال معاذ بن جبل في صفة العلم إن طلبة لله عبادة ومذكراته

 

 

تسبيح والبحث عنه جهاد وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة به يعرف الله ويعبدونه ويمجد الله ويوحد ولهذا تجد أهل الانتفاع به يزكون به نفوسهم ويقصدون فيه اتباع الحق لا اتباع الهوى ويسلكون فيه سبيل العدل والإنصاف ويحبونه ويلتذون به ويحبون كثرته وكثرة أهله وتنبعث هممهم على العمل به وبموجبه ومقتضاه بخلاف ما لم يذق حلاوته وليس مقصوده إلا مالا أو رياسة فإن ذلك لو حصل له بطريق آخر سلكه وربما رجحه إذا كان أسهل عليه ومن عرف هذا تبين له أن المقاصد التي يحبها الله ويرضاها التي حصلت لأبي بكر أكمل مما حصل لعمر والتي حصلت لعمر أكمل مما حصل لعثمان والتي حصلت لعثمان أكمل مما حصل لعلي وإن الصحابة كانوا أعلم الخلق بالحق وأتبعهم له وأحقهم بالعدل وإيتاء كل ذي حق حقه وأنه لم يقدح فيهم إلا مفرط في الجهل بالحقائق التي بها يستحق المدح والتفضيل وبما آتاهم الله من الهدى إلى سواء السبيل ولهذا من لم يسلك في عبادته الطريق الشرعية التي أمر الله بها

 

 

ورسوله وتعلقت همته بالخوارق فإنه قد يقترن به من الجن والشياطين من يحصل له به نوع من الخبر عن بعض الكائنات أو يطير به في الهواء أو يمشي به على الماء فيظن ذلك من كرامات الأولياء وأنه ولي لله ويكون سبب شركه أو كفره أو بدعته أو فسقه فإن هذا الجنس قد يحصل لبعض الكفار وأهل الكتاب وغيرهم وقد يحصل لبعض الملحدين المنتسبين إلى المسلمين مثل من لا يرى الصلوات واجبة بل ولا يقر بأن محمدا رسول الله بل يبغضه ويبغض القرآن ونحو ذلك من الأمور التي توجب كفره ومع هذا تغويه الشياطين ببعض الخوارق كما تغوي المشركين كما كانت تقترن بالكهان والأوثان وهي اليوم كذلك في المشركين من أهل الهند والترك والحبشة وفي كثير من المشهورين في البلاد التي فيها الإسلام ممن هو كافر أو فاسق أو جاهل مبتدع كما قد بسط في موضع آخر.

*

فصل قال الرافضي الثاني عشر الفضائل إما نفسانية أو بدنية أو خارجية وعلى التقديرين الأولين فإما أن تكون متعلقة بالشخص نفسه أو بغيره وأمير المؤمنين علي جمع الكل. أما فضائله النفسانية المتعلقة به كعلمه وزهده وكرمه وحلمه فأشهر من أن تحصى والمتعلقة بغيره كذلك كظهور العلوم عنه واستيفاء غيره منه وكذا فضائله البدنية كالعبادة والشجاعة والصدقة وأما الخارجية كالنسب فلم يلحقه فيه أحد لقربه من النبي النبي صلى الله عليه وسلم وتزويجه إياه بابنته سيدة نساء العالمين وقد روى أخطب خوارزم من كتاب السنة بإسناده عن جابر قال لما تزوج علي فاطمة زوجها الله إياه من فوق سبع سماوات وكان الخاطب جبريل وكان ميكائيل وإسرافيل في

 

سبعين ألفا من الملائكة شهودا فأوحى الله إلى شجرة طوبى انثري ما فيك من الدر والجوهر ففعلت فأوحى الله إلى الحور العين أن القطن فلقطن منهن إلى يوم القيامة وأورد أخبارا كثيرة في ذلك وكان أولاده رضي الله عنه أشرف الناس بعد رسول الله النبي صلى الله عليه وسلم وبعد أبيهم وعن حذيفة بن اليمان قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بيد الحسين بن علي فقال أيها الناس هذا الحسين ألا فاعرفوه وفضلوه فوالله لجده أكرم على الله من جد يوسف بن يعقوب هذا الحسين جده في الجنة وجدته في الجنة وأمه في الجنة وأبوه في الجنة وخاله في الجنة وعمه في الجنةوعمته في الجنة وأخوه في الجنة وهو في الجنة ومحبوه في الجنة ومحبو محبيهم في الجنة وعن حذيفة قال بت عند النبي النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فرأيت عنده شخصا فقال لي هل رأيت قلت نعم قال هذا ملك لم ينزل إلى منذ بعثت أتاني من الله فبشرني أن الحسن والحسين سيد شباب أهل الجنة والأخبار في ذلك كثيرة وكان محمد بن الحنفية فاضلا عالما حتى ادعى قوم فيه الإمامة.

*والجواب أما الأمور الخارجية عن نفس الإيمان والتقوى فلا يحصل بها فضيلة عند الله تعالى، وإنما يحصل بها الفضيلة عند الله إذا كانت معينة على ذلك، فإنها من باب الوسائل لا المقاصد كالمال والسلطان والقوة والصحة ونحو ذلك، فإن هذه الأمور لا يفضل بها الرجل عند الله إلا إذا أعانته على طاعة الله بحسب ما يعينه، قال الله تعالى يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم

 

شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم (سورة الحجرات). وفي الصحيحين عن النبيي النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل أي الناس أكرم فقال أتقاهم لله قيل ليس عن هذا نسألك قال يوسف نبي الله بن يعقوب نبي الله بن إسحاق نبي الله بن إبراهيم خليل الله قيل ليس عن هذا نسألك قال أفعن معادن العرب تسألوني خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا بين لهم أولا أن اكرم الخلق عند الله أتقاهم وإن لم يكن ابن نبي ولا أبا نبي فإبراهيم النبي صلى الله عليه وسلم أكرم على الله من يوسف وإن كان أبوه آزر وهذا أبوه يعقوب وكذلك نوح أكرم على الله من إسرائيل وإن كان هذا اولاده أنبياء وهذا أولاده ليسوا بأنبياء فلما ذكروا أنه ليس مقصودهم إلا الأنساب قال لهم فأكرم أهل الأنساب من انتسب إلى الأنبياء وليس في ولد آدم مثل يوسف فإنه نبي ابن نبي ابن نبي فلما أشاروا إلى أنه ليس مقصودهم إلا ما يتعلق بهم قال أفعن معادن العرب تسألوني الناس معادن كمعادن الذهب والفضة خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا بين أن الأنساب كالمعادن فإن الرجل يتولد منه كما يتولد من المعدن الذهب والفضة

 

 

ولا ريب أن الأرض التي تنبت الذهب أفضل من الأرض التي تنبت الفضة فهكذا من عرف أنه يلد الأفاضل كان أولاده أفضل ممن عرف أنه يلد المفضول لكن هذا سبب ومظنه وليس هو لازما فربما تعطلت أرض الذهب وربما قل نبتها فحينئذ تكون أرض الفضة أحب إلى الإنسان من أرض معطلة والفضة الكثيرة أحب إليهم من ذهب قليل لا يماثلها في القدر فلهذا كان أهل الأنساب الفاضلة يظن بهم الخير ويكرمون لأجل ذلك فإذا تحقق من أحدهم خلاف ذلك كانت الحقيقة مقدمة على المظنة وأما ما عند الله فلا يثبت على المظان ولا على الدلائل إنما يثبت على ما يعلمه هو من الأعمال الصالحة فلا يحتاج إلى دليل ولا يجتزىء بالمظنة فلهذا كان أكرم الخلق عنده أتقاهم فإذا قدر تماثل اثنين عنده في التقوى تماثلا في الدرجة وإن كان أبو أحدهما أو ابنه أفضل من أبي الآخر أو ابنه لكن إن حصل له بسبب نسبه زيادة في التقوى كان أفضل لزيادة تقواه ولهذا حصل الأزواج النبي النبي صلى الله عليه وسلم إذا قنتن لله ورسوله وعملن صالحا لا لمجرد المصاهرة بل لكمال الطاعة كما أنهن لو أتين بفاحشة مبينة لضوعف لهن العذاب ضعفين لقبح المعصيةفإن ذا الشرف إذا ألزم نفسه التقوى كما تقواه أكمل من تقوى غيره كما أن الملك إذا عدل كان عدله أعظم من عدل الرجل في أهله ثم إن الرجل إذا قصد الخير قصدا جازما وعمل منه ما يقدر عليه كان له أجر كامل كما قال النبي النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح إن بالمدينة رجالا ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم قالوا وهم في المدينة قال وهم بالمدينة حبسهم العذر ولهذا قال النبي النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من أتبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيئا ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الوزر مثل أوزار من اتبعه من غير أن ينقص من أوزارهم شيئا وهذا مبسوط في موضع آخر

 

 

ولهذا لم يثن الله على أحد في القرآن بنسبه أصلا لا على ولد نبي ولا على أبي نبي وإنما أثنى على الناس بإيمانهم وأعمالهم وإذا ذكر صنفا وأثنى عليهم فلما فيهم من الإيمان والعمل لا لمجرد النسب ولما ذكر الأنبياء ذكرهم في الأنعام وهم ثمانية عشر قال ومن آبائهم وذرياتهم وإخواتهم وأجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم (سورة الأنعام). فبهذا حصلت الفضيلة باجتبائه سبحانه وتعالى وهدايته إياهم إلى صراط مستقيم لا بنفس القرابة وقد يوجب النسب حقوقا ويوجب لأجله حقوقا ويعلق فيه أحكاما من الإيجاب والتحريم والإباحة لكن الثواب والعقاب والوعد والوعيد على الأعمال لا على الأنساب ولما قال تعالى إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين (سورة آل عمران). وقال أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما (سورة النساء). كان هذا مدحا لهذا المعدن الشريف لما فيهم من الإيمان والعمل الصالح ومن لم يتصف بذلك منهم لم يدخل في المدح كما في قوله تعالى ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون (سورة الحديد). وقال تعالى وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين (سورة الصافات).

 

 

وفي القرآن الثناء والمدح للصحابة بإيمانهم وأعمالهم في غير آية كقوله والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه (سورة التوبة). وقوله لا يستوى منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى (سورة الحديد). وقوله لقد رضى الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا (سورة الفتح). وقوله هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم (سورة الفتح). وقوله للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون والذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويوثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة (سورة الحشر). وقوله محمد رسول الله والذين معه (سورة الفتح). الآية وهكذا في القرآن الثناء على المؤمنين من الأمة أولها وآخرها على المتقين والمحسنين والمقسطين والصالحين وأمثال هذه الأنواع وأما النسب ففي القرآن إثبات حق لذوي القربى كما ذكروا هم في

 

 

آية الخمس والفيء وفي القرآن أمر لهم بما يذهب عنهم الرجس ويطهرهم تطهيرا وفي القرآن الأمر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وقد فسر ذلك بأن يصلى عليه وعلى آله وفي القرآن الأمر بمحبة الله ومحبه رسوله ومحبة أهله من تمام محبته وفي القرآن أن أزواجه أمهات المؤمنين وليس في القرآن مدح أحد لمجرد كونه من ذوي القربى وأهل البيت ولا الثناء عليهم بذلك ولا ذكر استحقاقه الفضيلة عند الله بذلك ولا تفضيله على من يساويه في التقوى بذلك وإن كان قد ذكر ما ذكره من اصطفاء آل إبراهيم واصطفاء بني إسرائيل فذاك أمر ماض فأخبرنا بي في جعله عبرة لنا فبين مع ذلك أن الجزاء والمدح بالأعمال ولهذا ذكر ما ذكره من اصطفاء بني إسرائيل وذكر ما ذكره من كفر من كفر منهم وذنوبهم وعقوبتهم فذكر فيهم النوعين الثواب والعقاب وهذا من تمام تحقيق أن النسب الشريف قد يقترن به المدح تارة إن كان صاحبه من أهل الإيمان والتقوى وإلا فإن ذم صاحبه أكثر كما كان الذم لمن ذم من بني إسرائيل وذرية إبراهيم وكذلك المصاهرة قال تعالى ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهم من الله شيئا

 

 

وقيل أدخلا النار مع الداخلين وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذا قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين (سورة التحريم). وإذا تبين هذا فيقال إذا كان الرجل أعجميا والآخر من العرب فنحن وإن كنا نقول مجملا إن العرب أفضل جملة فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود وغيره لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأبيض على أسود ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى الناس من آدم وآدم من تراب وقال إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء الناس رجلان مؤمن تقى وفاجر شقى ولذلك إذا كان الرجل من أفناء العرب والعجم وآخر من قريش فهما عند الله بحسب تقواهما إن تماثلا فيها تماثلا في الدرجة عند الله وإن تفاضلا فيها تفاضلا في الدرجة وكذلك إذا كان رجل من بني هاشم ورجل من الناس أو العرب أو العجم فاضلهما عند الله أتقاهما فإن تماثلا في التقوى تماثلا في الدرجة ولا يفضل أحدهما عند الله لا بأبيه ولا ابنه ولا بزوجته ولا بعمه ولا بأخيهكما أن الرجلين إن كانا عالمين بالطب أو الحساب أو الفقه أو النحو أو غير ذلك فأكملهما بالعلم بذلك أعلمهما به فإن تساويا في ذلك تساويا في العلم ولا يكون أحدهما أعلم بكون أبيه أو ابنه أعلم من الآخر وهكذا في الشجاعة والكرم والزهد والدين إذا تبين ذلك فالفضائل الخارجية لا عبرة بها عند الله تعالى إلا أن تكون سببا في زيارة الفضائل الداخلية وحينئذ فتكون الفضيلة بالفضائل الداخلية وأما الفضائل البدنية فلا اعتبار بها إن لم تكن صادرة عن الفضيلة النفسانية وإلا فمن صلى وصام وقاتل وتصدق بغير نية خالصة لم يفضل بذلك فالاعتبار بالقلب كما في الصحيحين عن النبيصلى الله عليه وسلم أنه قال ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد ألا وهي القلب

 

 

وحينئذ فمن كام أكمل في الفضائل النفسانية فهو أفضل مطلقا وأهل السنة لا ينازعون في كمال علي وأنه في الدرجة العليا من الكمال وإنما النزاع في كونه أكمل من الثلاثة وأحق بالإمامة منهم وليس فيما ذكره ما يدل على ذلك وهذا الباب للناس فيه طريقان منهم من يقول إن تفضيل بعض الأشخاص على بعض عند الله لا يعلم إلا بالتوقيف فإن حقائق ما في القلوب ومراتبها عند الله مما استأثر الله به فلا يعلم ذلك إلا بالخبر الصادق الذي يخبر عن الله ومنهم من يقول قد يعلم ذلك بالاستدلال وأهل السنة يقولون إن كلا من الطريقين إذا أعطى حقه من السوك دل على أن كلا من الثلاثة أكمل من علي ويقولون نحن نقرر ذلك في عثمان فإذا ثبت ذلك في عثمان كان في أبي بكر وعمر بطريق الأولى فإن تفضيل أبي بكر وعمر على عثمان لم ينازع فيه أحد بل وتفضيلهما على عثمان وعلي لم يتنازع فيه من له عند الأمة قدر لا من الصحابة ولا التابعين ولا أئمة السنة بل إجماع المسلمين على

 

 

ذلك قرنا بعد قرن أعظم من إجماعهم على إثبات شفاعة نبينا في أهل الكبائر وخروجهم من النار وعلى إثبات الحوض والميزان وعلى قتال الخوارج ومانعي الزكاة وعلى صحة إجارة العقار وتحريم نكاح المرأة على عمتها وخالتها بل إيمان أبي بكر وعمر وعدالتهما مما وافقت عليه الخوارج مع تعنتهم وهم ينازعون أيمان علي وعثمان واتفقت الخوارج على تكفير علي وقدحهم فيه أكثر من قدحهم في عثمان والزيدية بالعكس والمعتزلة كان قدماؤهم يميلون إلى الخوارج ومتأخروهم يميلون إلى الزيدية كما أن الرافضة قدماؤهم يصرحون بالتجسيم ومتأخروهم على قول الجهمية والمعتزلة وكانت الشيعة الأولى لا يشكون في تقديم أبي بكر وعمر وأما عثمان فكثير من الناس يفضل عليه عليا وهذا قول كثير من الكوفيين وغيرهم وهو القول الأول للثورى ثم رجع عنه وطائفة أخرى لا تفضل أحدهما على صاحبه وهو الذي حكاه ابن القاسم عن مالك عمن أدركه من المدنيين لكن قال ما أدركت أحدا ممن يقتدي به يفضل أحدهما على صاحبه وهذا يحتمل السكوت عن الكلام في ذلك فلا يكون قولا وهو الأظهر ويحتمل التسوية بينهما وذكر ابن القاسم عنه أنه لم يدرك

 

 

أحدا ممن يقتدي به يشك في تقديم أبي بكر وعمر على عثمان وعلي وأما جمهور الناس ففضلوا عثمان وعليه استقر أمر أهل السنة وهو مذهب أهل الحديث ومشايخ الزهد والتصوف وأئمة الفقهاء كالشافعي وأصحابه وأحمد وأصحابه وأبي حنيفة وأصحابه وإحدى الروايتين عن مالك وعليها أصحابة قال مالك لا أجعل من خاض في الدماء كمن لم يخض فيها وقال الشافعي وغيره إنه بهذا قصد والى المدينة الهاشمي ضرب مالك وجعل طلاق المكره سببا ظاهرا وهو أيضا مذهب جماهير أهل الكلام الكرامية والكلابية والأشعرية والمعتزلة وقال أيوب السختياني من لم يقدم عثمان على علي فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار وهكذا قال أحمد والدارقطني وغيرهما أنهم اتفقوا على تقديم عثمان ولهذا تنازعوا فيمن لم يقدم عثمان هل يعد مبتدعا على قولين هما روايتان عن أحمد فإذا قام الدليل على تقديم عثمان كان ما سواه أوكد وأما الطريق التوفيقي فالنص والاجماع أما النص ففي الصحيحين عن ابن عمر قال كنا نقول ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي أفضل أمة النبي صلى الله عليه وسلم بعده أبو بكر ثم عمر ثم عثمان

 

 

وأما الإجماع فالنقل الصحيح قد أثبت أن عمر قد جعل الأمر شورى في ستة وأن ثلاثة تركوه لثلاثه عثمان وعلي وعبد الرحمن وأن الثلاثة اتفقوا على أن عبد الرحمن يختار واحدا منهما وبقي عبد الرحمن ثلاثة أيام حلف أنه لم ينم فيها كبير نوم يشاور المسلمين وقد اجتمع بالمدينة أهل الحل والعقد حتى أمراء الأنصار الأنصار وبعد ذلك اتفقوا على مبايعة عثمان بغير رغبة ولا رهبة فيلزم أن يكون عثمان هو الأحق ومن كان هو الأحق كان هو الأفضل فإن أفضل الخلق من كان أحق أن يقوم مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وإنما قلنا يلزم أن يكون هو الأحق لأنه لو لم يكن ذلك للزم إما جهلهم وإما ظلمهم فإنه إذا لم يكن أحق وكان غيره أحق فإن لم يعلموا ذلك كانوا جهالا وإن علموه وعدلوا عن الأحق إلى غيره كانوا ظلمة فتبين أن عثمان إن لم يكن أحق لزم إما جهلهم وإما ظلمهم وكلاهما منتف لأنهم أعلم بعثمان وعلي منا وأعلم بما قاله الرسول فيهما منا وأعلم بما دل عليه القرآن في ذلك منا ولأنهم خير القرون فيمتنع أن نكون نحن أعلم منهم بمثل هذه المسائل مع أنهم أحوج إلى علمها منا فإنهم لو جهلوا مسائل أصول دينهم وعلمناها نحن لكنا أفضل منهم وذلك ممتنع

 

 

وكونهم علموا الحق وعدلوا عنه أعظم وأعظم فإن ذلك قدح في عدالتهم وذلك يمنع أن يكونوا خير القرون بالضرورة ولأن القرآن آثنى عليهم ثناء يقتضي غاية المدح فيمتنع إجماعهم وإصرارهم على الظلم الذي هو ضرر في حق الأمة كلها فإن هذا ليس ظلما للممنوع من الولاية فقط بل هو ظلم لكل من منع نفعه من ولاية الأحق بالولاية فإنه إذا كان راعيان أحدهما هو الذي يصلح للرعاية ويكون أحق بها كان منعه من رعايتها يعود بنقص الغنم حقها من نفعه ولأن القرآن والسنة دلا على أن هذه الأمة خير الأمم وأن خيرها أولها فإن كانوا مصرين على ذلك لزم أن تكون هذه الأمة شر الأمم وأن لا يكون أولها خيرها ولأنا نحن نعلم أن المتأخرين ليسوا مثل الصحابة فإن كان أولئك ظالمين مصرين على الظلم فالأمة كلها ظالمة فليست خير الأمم وقد قيل لابن مسعود لما ذهب إلى الكوفة من وليتم قال ولينا أعلانا ذا فوق ولم نأل وذو الفوق هو السهم يعني أعلانا سهما في الإسلام فإن قيل قد يكون أحق بالإمامة وعلي أفضل منه

 

 

قيل أولا هذا السؤال لا يمكن أن يورده أحد من الإمامية لأن الأفضل عندهم أحق بالإمامة وهذا قول الجمهور من أهل السنة وهنا مقامان إما أن يقال الأفضل أحق بالإمامة لكن يجوز توليه المفضول إما مطلقا وإما للحاجة وإما أن يقال ليس كل من كان أفضل عند الله يكون أحق بالإمامة وكلاهما منتف ههنا أما الأول فلأن الحاجة إلى تولية المفضول في الاستحقاق كانت منتفية فإن القوم كانوا قادرين على تولية علي وليس هناك من ينازع أصلا ولا يحتاجون إلى رغبة ولا رهبة ولم يكن هناك لعثمان شوكة تخاف بل التمكن من تولية هذا كان كالتمكن من تولية هذا فامتنع أن يقال ما كان يمكن إلا تولية المفضول وإذا كانوا قادرين وهم يتصرفون للأمة لا لأنفسهم لم يجز لهم تفويت مصلحة الأمة من ولاية الفاضل فإن الوكيل والولي المتصرف لغيره ليس له أن يعدل عما هو أصلح لمن ائتمنه مع كونه قادرا على تحصيل المصلحة فكيف إذا كانت قدرته على الأمرين سواء وأما الثاني فلأن النبي صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق وكل من كان به أشبه فهو أفضل ممن لم يكن كذلك والخلافة كانت خلافة نبوة لم تكن ملكا فمن خلف النبي وقام مقامه كان أشبه به ومن كان أشبه به كان أفضل فالذي يخلفه أشبه به من غيره والأشبة به أفضل فالذي يخلفه أفضل

 

 

وأما الطريق النظرية فقذ ذكر من ذكره من العلماء فقالوا عثمان كان أعلم بالقرآن وعلي أعلم بالسنة وعثمان أعظم جهادا بماله وعلي أعظم جهادا بنفسه وعثمان أزهد في الرياسة وعلي أزهد في المال وعثمان أورع عن الدماء وعلي أورع عن الأموال وعثمان حصل له من جهاد نفسه حيث صبر عن القتال ولم يقاتل مالم يحصل مثله لعلي وقال النبي صلى الله عليه وسلم المجاهد من جاهد نفسه في ذات الله وسيرة عثمان في الولاية كانت أكمل من سيرة علي فقالوا فثبت أن عثمان أفضل لأن علم القرآن أعظم من علم السنة وفي صحيح مسلم وغيره أنه قال يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة وعثمان جمع القرآن كله بلا ريب وكان أحيانا يقرؤه في ركعة وعلي قد اختلف فيه هل حفظ القرآن كله أم لا

 

 

والجهاد بالمال مقدم على الجهاد بالنفس كما في قوله تعالى وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله (سورة التوبة). الآية وقوله الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم (سورة التوبة). الآية وقوله إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض (سورة الأنفال). وذلك لأن الناس يقاتلون دون أموالهم فإن المجاهد بالمال قد أخرج ماله حقيقة لله والمجاهد بنفسه لله يرجو النجاة لا يوافق أنه يقتل في الجهاد ولهذا أكثر القادرين على القتال يهون على أحدهم أن يقاتل ولا يهون عليه إخراج ماله ومعلوم أنهم كلهم جاهدوا بأموالهم وأنفسهم لكن منهم من كان جهاده بالمال أعظم ومنهم من كان جهاده بالنفس أعظم وأيضا فعثمان له من الجهاد بنفسه بالتدبير في الفتوح ما لم يحصل مثله لعلي وله من الهجرة إلى أرض الحبشة مالم يحصل مثله لعلي وله من الذهاب إلى مكة يوم صلح الحديبيية مالم يحصل مثله لعلي وإنما بايع النبي صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان لما بلغه أن المشركين قتلوا عثمان وبايع بإحدى يديه عن عثمان وهذا من أعظم الفضل حيث بايع عنه النبي صلى الله عليه وسلم

 

 

وأما الزهد والورع في الرياسة والمال فلا ريب أن عثمان تولى ثنتى عشر سنة ثم قصد الخارجون عليه قتله وحصروه وهو خليفة الأرض والمسلمون كلهم رعيته وهو مع هذا لم يقتل مسلما ولا دفع عن نفسه بقتال بل صبر حتى قتل لكنه في الأموال كان يعطي لأقاربه من العطاء مالا يعطيه لغيرهم وحصل منه نوع توسع في الأموال وهو رضى الله عنه ما فعله إلا متأولا فيه له اجتهاد وافقه عليه جماعة من الفقهاء منهم من يقول إن ما أعطاه الله للنبي من الخمس والفيء هو لمن يتولى الأمر بعده كما هو قول أبي ثور وغيره ومنهم من يقول ذوو القربى المذكورون في القرآن هم ذوو قربى الإمام ومنهم من يقول الإمام العامل على الصدقات يأخذ منها مع الغنى وهذه كانت مآخذ عثمان رضي الله عنه كما هو منقول عنه فما فعله هو نوع تأويل يراه طائفة من العلماء وعلي رضي الله عنه لم يخص أحدا من أقاربه بعطاء لكن ابتدأ بالقتال لمن لم يكن مبتدئا بالقتال حتى قتل بينهم ألوف مؤلفة من المسلمين وإن كان ما فعله هو متأول فيه تأويلا وافقه عليه طائفة من العلماء وقالوا إن هؤلاء بغاة والله تعالى أمر بقتال البغاة بقوله فقاتلوا التي تبغي (سورة الحجرات).

 

 

لكن نازعة أكثر العلماء كما نازع عثمان أكثرهم وقالوا إن الله تعالى قال وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل الآية (سورة الحجرات). قالوا فلم يأمر الله بقتال البغاة ابتداء بل إذا وقع قتال بين طائفتين من المؤمنين فقدأمر الله بالإصلاح بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى قوتلت ولم يقع الأمر كذلك ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها ترك الناس العمل بهذه الآية رواه مالك بإسناده المعروف عنها ومذهب أكثر العلماء أن قتال البغاة لا يجوز إلا أن يبتدؤوا الإمام بالقتال كما فعلت الخوارج مع علي فإن قتاله الخوارج متفق عليه بين العلماء ثابت بالأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم بخلاف قتال صفين فإن أولئك لم يبتدؤوا بقتال بل امتنعوا عن مبايعته

 

 

ولهذا كان أئمة السنة كمالك وأحمد وغيرهما يقولون إن قتاله للخوارج مأمور به وأما قتال الجمل وصفين فهو قتال فتنة فلو قام قوم نحن نقيم الصلاة ونؤتي الزكاة ولا ندفع زكاتنا إلى الإمام ونقوم بواجبات الإسلام لم يجز للإمام قتلهم عند أكثر العلماء كأبي حنيفة وأحمد وأبو بكر الصديق رضي الله عنه إنما قاتل مانعي الزكاة لأنهم امتنعوا عن أدائها مطلقا وإلا فلو قالوا نحن نؤديها بأيدينا ولا ندفعها إلى أبي بكر لم يجز قتالهم عند الأكثرين كأبي حنيفة وأحمد وغيرهما ولهذا كان علماء الأمصار على أن القتال كان قتال فتنة وكان من قعد عنه أفضل ممن قاتل فيه وهذا مذهب مالك وأحمد وأبي حنيفة والأوزاعي بل والثوري ومن لا يحصى عدده مع أن ابا حنيفة ونحوه من فقهاء الكوفيين فيما نقله القدوري وغيره عندهم لا يجوز قتال البغاة إلا إذا ابتدؤوا الإمام بالقتال وأما إذا أدوا الواجب من الزكاة وامتنعوا عن دفعها إليه لم يجز قتالهم وكذلك مذهب أحمد وغيره وهكذا جمهور الفقهاء على أن ذوي القربى هم قربى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه ليس للإمام ما كان للنبي صلى الله عليه وسلم والمقصود أن كليهما رضي الله عنه وإن كان ما فعله فيه هو متأول

 

 

مجتهد يوافقه عليه طائفة من العلماء المجتهدين الذين يقولون بموجب العلم والدليل ليس لهما عمل يتهمون فيه لكن اجتهاد عثمان كان أقرب إلى المصلحة وأبعد عن المفسدة فإن الدماء خطرها أعظم من الأموال ولهذا كانت خلافة عثمان هادية مهدية ساكنة والأمة فيها متفقة وكانت ست سنين لا ينكر الناس عليه شيئا ثم أنكروا أشياء في الست الباقية وهي دون ما أنكروه على علي من حين تولى والذين خرجوا على عثمان طائفة من أوباش الناس وأما علي فكثير من السابقين الأولين لم يتبعوه ولم يبايعوه وكثير من الصحابة والتابعين قاتلوه وعثمان في خلافته فتحت الأمصار وقوتلت الكفار وعلي في خلافته لم يقتل كافر ولم تفتح مدينة فإن كان ما صدر عن الرأي فرأى عثمان أكمل وإن كان عن القصد فقصده أتم قالوا وإن كان علي تزوج بفاطمة رضي الله عنهما فعثمان قد زوجه النبي صلى الله عليه وسلم ابنتين من بناته وقال لو كان عندنا ثالثة لزوجناها عثمان وسمى ذو النورين بذلك إذ لم يعرف أحد جمع بين بنتي نبي غيره

 

 

وقد صاهر النبي صلى الله عليه وسلم من بني أمية من هو دون عثمان أبو العاص بن الربيع فزوجه زينب أكبر بناته وشكر مصاهرته محتجا به على علي لما أراد أن يتزوج بنت أبي جهل فإنه قال إن بني المغيرة استأذنوني في أن ينكحوا فتاتهم علي بن أبي طالب وإني لا آذان ثم لا آذان إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي ويتزوج ابنتهم والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله عند رجل أبدا إنما فاطمة بضعة مني يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها ثم ذكر صهرا له من بني عبد شمس فأثنى عليه وقال حدثني فصدقني ووعدني فوفى لي وهكذا مصاهرة عثمان له لم يزل فيها حميدا لم يقع منه ما يعتب عليه فيها حتى قال لو كان عندنا ثالثة لزوجناها عثمان وهذا يدل على أن مصاهرته للنبي صلى الله عليه وسلم أكمل من مصاهرة علي له وفاطمة كانت أصغر بناته وعاشت بعده وأصيبت به فصار لها من الفضل ما ليس لغيرها ومعلوم أن كبيرة البنات في العادة تزوج قبل الصغيرة فأبو العاص تزوج أولا زينب بمكة ثم عثمان تزوج برقية وأم كلثوم واحدة بعد واحدة

 

 

قالوا وشيعة عثمان المختصون به كانوا أفضل من شيعة علي المختصين به وأكثر خيرا وأقل شرا فإن شيعة عثمان أكثر ما نقم عليهم من البدع أنحرافهم عن علي وسبهم له على المنابر لما جرى بينهم وبينه من القتال ما جرى لكن مع ذلك لم يكفروه ولا كفروا من يحبه وأما شيعة علي ففيهم من يكفر الصحابة والأمة ويلعن أكابر الصحابة ما هو أعظم من ذاك بأضعاف مضاعفة وشيعة عثمان تقاتل الكفار والرافضة لا تقاتل الكفار وشيعة عثمان لم يكن فيها زنديق ولا مرتد وقد دخل في شيعة علي من الزنادقة والمرتدين مالا يحصى عدده إلا الله تعالى وشيعة عثمان لم توال الكفار والرافضة يوالون اليهود والنصارى والمشركين على قتال المسلمين كما عرف منهم وقائع وشيعة عثمان ليس فيهم من يدعي فيه الإلهية ولا النبوة وكثير من الداخلين في شيعة علي من يدعي نبوته أو إلهيتة وشيعة عثمان ليس فيهم من قال إن عثمان إمام معصوم ولا منصوص عليه والرافضة تزعم أن عليا منصوص عليه معصوم

 

 

وشيعة عثمان متفقة على تقديم أبي بكر وتفضيلهما على عثمان وشيعة علي المتأخرون أكثرهم يذمونهما ويسبونهما وإما الرافضة فمتفقة على بغضها وذمهما وكثير منهم يكفرونهما وأما الزيدية فكثير منهم أيضا يذمهما ويسبهما بل ويلعنهما وخيار الزيدية الذين يفضلونه عليهما ويذمون عثمان أو يقعون به وقد كان أيضا في شيعة عثمان من يؤخر الصلاة عن وقتها يؤخر الظهر أو العصر ولهذا لما تولى بنو العباس كانوا أحسن مراعاة للوقت من بني أمية لكن شيعة علي المختصون به الذين لا يقرون بإمامة أحد من الأئمة الثلاثة وغيرهم أعظم تعطيلا للصلاة بل ولغيرها من الشرائع وأنهم لا يصلون جمعة ولا جماعة فيعطلون المساجد ولهم في تقديم العصر والعشاء وتأخير المغرب ما هم أشد انحرافا فيه من أولئك وهم مع هذا يعظمون المشاهد مع تعطيل المساجد مضاهاة للمشركين وأهل الكتاب الذين كانوا إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا فأين هذا من هذا فالشر والفساد الذي في شيعة علي أضعاف أضعاف الشر والفساد الذي في شيعة عثمان والخير والصلاح الذي في شيعة عثمان اضعاف أضعاف الخير الذي في شيعة علي وبنو أمية كانوا شيعة

 

 

عثمان فكان الإسلام وشرائعه في زمنهم أظهر وأوسع مما كان بعدهم وفي الصحيحين عن جابر بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يزال هذا الأمر عزيزا إلى اثنى عشر خليفة كلهم من قريش ولفظ البخاري اثنى عشر أميرا وفي لفظ لا يزال أمر الناس ماضيا ولهم أثنا عشر رجلا وفي لفظ لا يزال الإسلام عزيزا إلى أثنى عشر خليفة كلهم من قريش وهكذا كان فكان الخلفاء أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ثم تولى من اجتمع الناس عليه وصار له عز ومنعة معاوية وابنه يزيد ثم عبد الملك وأولاده الأربعة وبينهم عمر بن عبد العزيز وبعد ذلك حصل في دولة الإسلام من النقص ما هو باق إلى الآن فإن بني أمية تولوا على جميع أرض الإسلام وكانت الدولة في زمنهم عزيزة والخليفة يدعى باسمه عبد الملك وسليمان لا يعرفون عضد الدولة ولا عز الدين وبهاء الدين وفلان الدين وكان أحدهم هو الذي يصلي بالناس الصلوات الخمس وفي المسجد يعقد الرايات ويؤمر الأمراء وإنما يسكن داره لا يسكنون الحصون ولا يحتجبون عن الرعية

 

 

وكان من أسباب ذلك أنهم كانوا في صدر الإسلام في القرون المفضلة قرن الصحابة والتابعين وتابعيهم وأعظم ما نقمه الناس على بني أمية شيئان أحدهما تكلمهم في علي والثاني تأخير الصلاة عن وقتها ولهذا روى عمر بن مرة الجملي بعد موته فقيل له ما فعل الله بك قال غفر لي بمحافظتي على الصلوات في مواقيتها وحبي علي بن أبي طالب فهذا حافظ على هاتين السنتين حين ظهر خلافهما فغفر الله له بذلك وهكذا شأن من تمسك بالسنة إذا ظهرت بدعة مثل من تمسك بحب الخلفاء الثلاثة حيث يظهر خلاف ذلك وما أشبهه ثم كان من نعم الله سبحانه ورحمته بالإسلام أن الدولة لما انتقلت إلى بني هاشم صارت في بني العباس فإن الدولة الهاشمية أول ما ظهرت كانت الدعوة إلى الرضا من آل محمد وكانت شيعة الدولة محبين لبني هاشم وكان الذي تولى الخلافة من بني هاشم يعرف قدر الخلفاء الراشدين والسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار فلم يظهر في دولتهم إلا تعظيم الخلفاء الراشدين وذكرهم على المنابر والثناء عليهم وتعظيم الصحابة وإلا فلو تولى والعياذ بالله رافضي يسب الخلفاء والسابقين الأولين لقلب الإسلام

 

 

ولكن دخل في غمار الدولة من كانوا لا يرضون باطنه ومن كان لا يمكنهم دفعه كما لم يمكن عليا قمع الأمراء الذين هم أكابر عسكره كالأشعث بن قيس والأشتر النخعي وهاشم المرقال وأمثالهم ودخل من أبناء المجوس ومن في قلبه غل على الإسلام من أهل البدع والزنادقة وتتبعهم المهدي بقتلهم حتى اندفع بذلك شر كبير وكان من خيار خلفاء بني العباس وكذلك الرشيد كان فيه من تعظيم العلم والجهاد والدين ما كانت به دولته من خيار دول بني العباس وكأنما كانت تمام سعادتهم فلم ينتظم بعدها الأمر لهم مع أن أحدا من العباسيين لم يستولوا على الأندلس ولا على أكثر المغرب وإنما غلب بعضهم على إفريقية مدة ثم أخذت منهم بخلاف أولئك فإنهم استولوا على جميع المملكة الإسلامية وقهروا جميع أعداء الدين وكانت جيوشهم جيشا بالأندلس يفتحه وجيشا ببلاد الترك يقاتل القان الكبير وجيشا ببلاد العبيد وجيشا بأرض الروم وكان الإسلام في زيادة وقوة عزيزا في جميع الأرض وهذا تصديق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال لا

 

 

يزال هذا الدين عزيزا ما تولى اثنا عشر خليفة كلهم من قريش وهؤلاء الاثنا عشر خليفة هم المذكورون في التوراة حيث قال في بشارته بإسماعيل وسيلد اثنى عشر عظيما.

ومن ظن أن هؤلاء الاثنى عشر هم الذين تعتقد الرافضة إمامتهم فهو في غاية الجهل، فإن هؤلاء ليس فيهم من كان له سيف إلا علي بن أبي طالب ومع هذا فلم يتمكن في خلافته من غزو الكفار ولا فتح مدينة ولا قتل كافرا بل كان المسلمون قد اشتغل بعضهم بقتال بعض حتى طمع فيهم الكفار بالشرق والشام من المشركين وأهل الكتاب حتى يقال إنهم أخذوا بعض بلادالمسلمين وإن بعض الكفار كان يحمل إليه كلام حتى يكف عن المسلمين. فأي عز للإسلام في هذا والسيف يعمل في المسلمين وعدوهم قد طمع فيهم ونال منهم.

وأما سائر الأئمة غير علي فلم يكن لأحد منهم سيف لا سيما المنتظر بل هو عند من يقول بإمامته إما خائف عاجز وإما هارب مختف من أكثر من أربعمائة سنة. وهو لم يهد ضالا ولا أمر بمعروف ولا نهى عن منكر ولا نصر مظلوما ولا أفتى أحدا في مسألة ولا حكم

 

في قضية ولا يعرف له وجود. فأي فائدة حصلت من هذا؟ لو كان موجودا فضلا عن أن يكون الإسلام به عزيزا.

ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الإسلام لا يزال عزيزا ولا يزال أمر هذه الأمة مستقيما حتى يتولى اثنا عشر خليفة فلو كان المراد بهم هؤلاء الاثنا عشر وآخرهم المنتظر، وهو موجود الآن إلى أن يظهر عندهم كان الإسلام لم يزل عزيزا في الدولتين الأموية والعباسية وكان عزيزا وقد خرج الكفار بالمشرق والمغرب وفعلوا بالمسلمين ما يطول وصفه، وكان الإسلام لا يزال عزيزا إلى اليوم، وهذا خلاف ما دل عليه الحديث.

وأيضا فالإسلام عند الإمامية هو ما هم عليه وهم اذل فرق الأمة فليس في أهل الأهواء أذل من الرافضة ولا أكتم لقوله منهم ولا أكثر استعمالا للتقية منهم وهم على زعمهم شيعة الاثنى عشر وهم في غاية الذل فأي عز للإسلام بهؤلاء الاثنى عشر على زعمهم وكثير من اليهود إذا أسلم يتشيع لأنه رأى في التوراة ذكر الاثنى عشر فظن أن هؤلاء هم أولئك وليس الأمر كذلك بل الاثنا عشر هم الذين ولوا على الأمة من قريش ولاية عامة فكان الإسلام في زمنهم عزيزا وهذا معروف.

 

وقد تأول ابن هيبرة الحديث على أن المراد أن قوانين المملكة باثنى عشر مثل الوزير والقاضي ونحو ذلك وهذا ليس بشيء. بل الحديث على ظاهره لا يحتاج إلى تكلف.

وآخرون قالوا فيه مقالة ضعيفة كأبي الفرج بن الجوزي وغيره ومنهم من قال لا افهم معناه كأبي بكر بن العربي وأما مروان وابن الزبير فلم يكن لواحد منهما ولاية عامة بل كان زمنه زمن فتنة لم يحصل فيها من عز الإسلام وجهاد أعدائه ما يتناوله الحديث ولهذا جعل طائفة من الناس خلافة على من هذا الباب وقالوا لم تثبت بنص ولا إجماع وقد أنكر الإمام أحمد وغيره على هؤلاء وقالوا من لم يربع بعلي في الخلافة فهو أضل من حمار أهله واستدل على ثبوت خلافته بحديث سفينة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال تكون خلافة النبوة ثلاثين سنة ثم تكون ملكا فقيل للرواي إن بني أمية يقولون إن عليا لم يكن خليفة فقال كذبت أستاه بني الزرقاء والكلام على هذه المسألة لبسطه موضع آخروالمقصود هنا أن الحديث الذي فيه ذكرالاثنى عشر خليفة سواء قدر أن عليا دخل فيه أو قدر انه لم يدخل فالمراد بهم من تقدم من الخلفاء من قريش وعلي أحق الناس بالخلافة في زمنه بلا ريب عند أحد من العلماء.

*

فصل إذ تبين هذا فما ذكره من فضائله التي هي عند الله فضائل فهي حق، لكن للثلاثة ما هو أكمل منها. وأما ما ذكره من الفضيلة بالقرابة... فعنه أجوبة...

أحدها: أن هذا ليس هو عند الله فضيلة فلا عبرة به فإن العباس أقرب منه نسبا وحمزة من السابقين الأولين من المهاجرين وقد روى أنه سيد الشهداء وهو أقرب نسبا منه وللنبي صلى الله عليه وسلم من بني العم عدد كثير كجعفر وعقيل وعبد الله وعبيد الله والفضل وغيرهم من بني العباس وكربيعة وأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب

 

وليس هؤلاء أفضل من أهل بدر ولا من أهل بيعة الرضوان ولا من السابقين الأولين إلا من تقدم بسابقته كحمزة وجعفر فإن هذين رضي الله عنهما من السابقين الأولين وكذلك عبيدة بن الحارث الذي استشهد يوم بدر وحينئذ فما ذكره من فضائل فاطمة والحسن والحسين لا حجة فيه مع أن هؤلاء لهم من الفضائل الصحيحة ما لم يذكره هذا المصنف ولكن ذكر ما هو ذكب كالحديث الذي رواه أخطب خوارزم أنه لما تزوج علي بفاطمة زوجه الله إياها من فوق سبع سموات وكان الخاطب جريل وكان إسرافيل وميكائيل في سبعين ألف من الملائكة شهودا وهذا الحديث كذب موضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث وكذلك الحديث الذي ذكره عن حذيفة.

الثاني: أن يقال إن كان إيمان الأقارب فضيلة فأبو بكر متقدم في هذا الفضيلة فإن أباه آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم باتفاق الناس وأبو طالب لم يؤمن وكذلك أمة آمنت بالنبي صلى الله عليه وسلم وأولاده وأولاد وأولاده وليس هذا لأحد من الصحابة غيره فليس في أقارب أبي بكر ذرية أبي قحافة لا من الرجال ولا من النساء إلا من قد آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم وقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بنته وكانت أحب أزواجه إليه وهذا أمر لم يشركه فيه أحد من الصحابة إلا عمر ولكن لم تكن حفصة

 

ابنته بمنزله عائشة بل حفصة طلقها ثم راجعها وعائشة كان يقسم لها ليلتين لما وهبتها سودة ليلتها ومصاهرة أبي بكر للنبي صلى الله عليه وسلم كانت على وجه لا يشاركه فيه أحد وأما مصاهرة علي فقد شركه فيها عثمان وزوجه النبي صلى الله عليه وسلم بنتا بعد بنت وقال لو كان عندنا ثالثة لزوجناها عثمان ولهذا سمى ذو النورين لأنه تزوج بنتي نبي وقد شركه في ذلك أبو العاص بن الربيع زوجه النبي صلى الله عليه وسلم أكبر بناته زينب وحمد مصاهرته وأراد أن يتشبه به علي في حكم المصاهرة لما أراد علي أن يتزوج بنت أبي جهل فذكر صهره هذا قال حدثني فصدقني ووعدني فوفى لي وأسلمت زينب قبل إسلامه بمدة وتأيمت عليه حتى أعادها إليه النبي صلى الله عليه وسلم قيل أعادها بالنكاح الأول وقيل بل جدد لها نكاحا والصحيح أنه أعادها بالنكاح الأول هذا الذي ثبته أئمة الحديث كأحمد وغيره وقد تنازع الناس في مثل هذه المسألة إذا أسلمت الزوجة قبل زوجها على أقوال مذكورة في غير هذا الموضع.

*باب قال الرافضي الفصل الرابع في إمامة باقي الأئمة الاثنى عشر لنا في ذلك طرق أحدها النص وقد توارثته الشيعة في البلاد المتباعدة خلفا عن سلف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للحسين هذا إمام ابن إمام أخو إمام أبو أئمة تسعة تاسعهم قائمهم اسمه كاسمي وكنيته كنيتي يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما.

*والجواب من وجوه...

أحدها: أن يقال أولا هذا كذب على الشيعة فإن هذا لا ينقله إلا طائفة من طوائف الشيعة وسائر طوائف الشيعة تكذب هذا والزيدية بأسرها تكذب هذا وهم أعقل الشيعة وأعلمهم وخيارهم والإسماعيلية كلهم يكذبون بهذا وسائر فرق الشيعة تكذب بهذا إلا الاثنى عشرية وهم فرقة من نحو سبعين فرقة من طوائف الشيعة

 

وبالجملة فالشيعة فرق متعددة جدا وفرقهم الكبار أكثر من عشرين فرقة كلهم تكذب هذا إلا فرقة واحدة فأين تواتر الشيعة.

الثاني: أن يقال هذا معارض بما نقله غير الاثنى عشرية من الشيعة من نص آخر يناقض هذا كالقائلين بإمامة غير الاثنى عشر وبما نقله الرواندية أيضا فإن كلا من هؤلاء يدعى من النص غير ما تدعيه الاثنا عشرية.

الثالث: أن يقال علماء الشيعة المتقدمون ليس فيهم من نقل هذا النص ولا ذكره في كتاب ولا احتج به في خطاب وأخبارهم مشهورة متواترة فعلم أن هذا من اختلاف المتأخرين وإنما اختلق هذا لما مات الحسن بن علي العسكري وقيل إن ابنه محمدا غائب فحينئذ ظهر هذا النص بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم بأكثر من مائتين وخمسين سنة.

الرابع: أن يقال أهل السنة وعلماؤهم أضعاف أضعاف الشيعة كلهم يعلمون أن هذا كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم علما يقينا لا يخالطه الريب ويباهلون الشيعة على ذلك كعوام الشيعة مع علي فإن ادعى علماء الشيعة أنهم يعلمون تواتر هذا لم يكن هذا أقرب من دعوى علماء السنة بكذب هذا.

 

الخامس: أن يقال إن من شروط التواتر حصول من يقع به العلم من الطرفين والوسط وقبل موت الحسن بن علي العسكري لم يكن أحد يقول بإمامة هذا المنتظر ولا عرف من زمن علي ودولة بني أمية أحد أدعى إمامة الاثنى عشر وهذا القائم وإنما كان المدعون يدعون النص على علي أو على ناس بعده وأما دعوى النص على الاثنى عشر وهذا القائم فلا يعرف أحد قاله متقدما فضلا عن أن يكون نقله متقدما.

السادس: أن الصحابة لم يكن فيهم أحد رافضي أصلا وإن ادعى مدع على عدد قليل منهم أنهم كانوا رافضة فقد كذب عليهم ومع هذا فأولئك لا يثبت بهم التواتر لأن العدد القليل المتفقين على مذهب يمكن عليهم التواطؤ على الكذب والرافضة تجوز الكذب على جمهور الصحابة فكيف لا يجوز على من نقل هذا النص مع قلتهم إن كان نقله أحد منهم وإذا لم يكن في الصحابة من تواتر به هذا النقل انقطع التواتر من أوله.

السابع: أن الرافضة يقولون إن الصحابة ارتدوا عن الإسلام بجحد النص إلا عددا قليلا نحو العشرة أو أقل أو أكثر مثل عمار وسلمان وأبي ذر والمقداد ومعلوم أن أولئك الجمهور لم ينقلوا هذا النص فإنهم قد كتموه عندهم فلا يمكنهم أن يضيفوا نقله إلى هذه

 

الطائفة وهؤلاء كانوا عندهم مجتمعين على موالاة علي متواطئين على ذلك وحينئذ فالطائفة القليلة التي يمكن تواطؤها على النقل لا يحصل بنقلها تواتر لجواز اجتماعهم على الكذب فإذا كانت الرافضة تجوز على جماهير الصحابة مع كثرتهم الارتداد عن الإسلام وكتمان ما يتعذر في العادة التواطؤ على كتمانه فلأن يجوز على قليل منهم تعمد الكذب بطريق الأولى والأخرى والأحرى وهم يصرحون بكذب الصحابة إذا نقلوا ما يخالف هواهم فكيف يمكنهم مع ذلك تصديقهم في مثل هذا إذا كان الناقلون له ممن له هوى ومعلوم أن شيعة علي لهم في نصره فكيف يصدقون في نقل النص عليه هذا مع أن العقلاء وأهل العلم بالنقل يعلمون أنه ليس في فرق المسلمين أكثر تعمدا للكذب وتكذيبا للحق من الشيعة بخلاف غيرهم فإن الخوارج وإن كانوا مارقين فهم يصدقون لا يتعمدون الكذب وكذلك المعتزلة يتدينون بالصدق وأما الشيعة فالكذب عليهم غالب من حين ظهروا

 

الوجه الثامن: أن يقال قد علم أهل العلم أن أول ما ظهرت الشيعة الإمامية المدعية للنص في أواخر أيام الخلفاء الراشدين وافترى ذلك عبدالله بن سبأ وطائفة الكذابون فلم يكونوا موجودين قبل ذلك فأي تواتر لهم.

التاسع: أن الأحاديث التي نقلها الصحابة في فضائل أبي بكر وعمر وعثمان أعظم تواترا عند العامة والخاصة من نقل هذا النص فإن جاز أن يقدح في نقل جماهير الصحابة لتلك الفضائل فالقدح في هذا أولى وإن كان القدح في هذا متعذرا ففي تلك أولى وإذا ثبتت فضائل الصحابة التي دلت عليها تلك النصوص الكثيرة المتواترة امتنع اتفاقهم على مخالفة هذا النص فإن مخالفته لو كان حقا من أعظم الإثم والعدوان.

العاشر: أنه ليس أحد من الإمامية ينقل هذا النص بإسناد متصل فضلا عن أن يكون متواترا وهذه الألفاظ تحتاج إلى تكرير فإن لم يدرس ناقلوها عليها لم يحفظوها وأين العدد الكبير الذين حفظوا هذه الألفاظ كحفظ ألفاظ القرآن وحفظ التشهد والأذان جيلا بعد جيل إلى الرسول ونحن إذا ادعينا التواتر في فضائل الصحابة ندعى تارة التواتر من جهة المعنى كتواتر خلافة الأربعة ووقعة الجمل وصفين

 

وتزوج النبي صلى الله عليه وسلم بعائشة وعلي بفاطمة ونحو ذلك مما لا يحتاج فيه إلى نقل لفظ معين يحتاج إلى درس وكتواتر ما للصحابة من السابقة والأعمال وغير ذلك وتارة التواتر في نقل ألفاظ حفظها من يحصل العلم بنقله.

الوجه الحادي عشر: أن المنقول بالنقل المتواتر عن أهل البيت يكذب مثل هذا النقل وأنهم لم يكونوا يدعون أنهم منصوص عليهم بل يكذبون من يقول ذلك فضلا عن أن يثبتوا النص على اثنى عشر.

الوجه الثاني عشر: أن الذي ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في عدد الاثنى عشر مما أخرجاه في الصحيحين عن جابر بن سمرة قال دخلت مع أبي على النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول لا يزال أمر الناس ماضيا ولهم اثنا عشر رجلا ثم تكلم النبي صلى الله عليه وسلم بكلمة خفيت عني فسألت أبي ماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم قال قال كلهم من قريش. وفي لفظ لا يزال الإسلام عزيزا إلى اثنى عشر خليفة ثم قال كلمة لم أفهمها قلت لأبي ما قال قال كلهم من قريش. وفي لفظ لا يزال هذا الأمر عزيزا إلى اثنى عشر خليفة.

 

والذي في التوراة يصدق هذا.

وهذا النص لا يجوز أن يراد به هؤلاء الاثنا عشر لأنه قال لا يزال الإسلام عزيزا ولا يزال هذا الأمر عزيزا ولا يزال أمر الناس ماضيا... وهذا يدل على أنه يكون أمر الإسلام قائما في زمان ولايتهم ولا يكون قائما إذا انقطعت ولايتهم. وعند هؤلاء الاثنى عشرية لم يقم أمر الأمة في مدة أحد من هؤلاء الاثنى عشر بل مازال أمر فاسدا منتقضا يتولى عليهم الظالمون المعتدون بل المنافقون الكافرون وأهل الحق أذل من اليهود.

وأيضا فإن عندهم ولاية المنتظر دائمة إلى آخر الدهر وحينئذ فلا يبقى زمان يخلو عندهم من الاثنى عشر وإذا كان كذلك لم يبق الزمان نوعين نوع يقوم فيه أمر الأمة ونوع لا يقوم بل هو قائم في الأزمان كلها وهو خلاف الحديث الصحيح.

وأيضا فالأمر الذي لا يقوم بعد ذلك إلا إذا قام المهدي إما المهدي الذي يقر به أهل السنة وإما مهدي الرافضة ومدته قليلة لا ينتظم فيها أمر الأمة وأيضا فإنه قال في الحديث كلهم من قريش ولو كانوا مختصين بعلى وأولاده لذكر ما يميزون به ألا ترى أنه لم يقل كلهم من ولد إسماعيل ولا من العرب وإن كانوا كذلك لأنه قصد القبيلة التي يمتازون بها فلو امتازوا بكونهم من بني هاشم أو من قبيل علي مع علي لذكروا بذلك فلما جعلهم من قريش مطلقا علم أنهم من قريش بل لا يختصون بقبيلة بل بنو تيم وينو عدي وينو عبد شمس وبنو هاشم فإن الخلفاء الراشدين كانوا من هذه القبائل.

*

فصل وأما الحديث الذي رواه عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي اسمه كاسمي وكنيته كنيتي يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا وذلك هو المهدي.

*فالجواب أن الأحاديث التي يحتج بها على خروج المهدي أحاديث صحيحة رواها أبو داود والترمذي وأحمد وغيرهم من حديث ابن مسعود وغيره

 

كقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه ابن مسعود لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج فيه رجل منى أو من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما ورواه الترمذي وأبو داود من رواية أم سلمة.

وأيضا فيه المهدي من عترتي من ولد فاطمة ورواه أبو داود من طريق أبي سعيد وفيه يملك الأرض سبع سنين ورواه عن علي رضي الله عنه أنه نظر إلى الحسن وقال إن ابني هذا سيد كما سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم يشبهه في الخلق ولا يشبهه في الخلق يملأ الأرض قسطا.

وهذه الأحاديث غلط فيها طوائف طائفة أنكروها واحتجوا بحديث ابن ماجة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا مهدي إلا عيسى بن مريم وهذا الحديث ضعيف وقد اعتمد أبو محمد بن الوليد البغدادي وغيره عليه وليس مما يعتمد عليه ورواه ابن ماجه عن يونس عن الشافعي والشافعي رواه عن رجل من أهل اليمن يقال له محمد ابن خالد الجندي وهو ممن لا يحتج به ولس هذا في مسند الشافعي وقد قيل إن الشافعي لم يسمعه وأن يونس لم يسمعه من الشافعي الثاني أن الاثنى عشرية الذين أدعوا أن هذا هو مذهبهم مهديهم اسمه محمد بن الحسن والمهدي المنعوت الذي وصفه النبي صلى

 

الله عليه وسلم اسمه محمد بن عبد الله ولهذا حذفت طائفة ذكر الأب من لفظ الرسول حتى لا يناقض ما كذبت وطائفة حرفته فقالت جده الحسين وكنيته أبو عبد الله فمعناه محمد بن أبي عبد الله وجعلت الكنية اسما وممن سلك هذا ابن طلحة في كتابه الذي سماه غاية السول في مناقب الرسول ومن أدنى نظر يعرف أن هذا تحريف صريح وكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فهل يفهم أحد من قوله يواطىء اسمه اسمي واسم ابيه اسم أبي إلا أن اسم أبيه عبد الله وهل يدل هذا اللفظ على أن جده كنيته أبو عبد الله ثم أي تمييز يحصل له بهذا فكم من ولد الحسين من اسمه محمد وكل هؤلاء يقال في أجدادهم محمد بن أبي عبد الله كما قيل في هذا وكيف يعدل من يريد البيان إلى من اسمه محمد بن الحسن فيقول اسمه محمد بن عبدالله ويعنى بذلك أن جده أبو عبد الله وهذا كان تعريفه بأنه محمد بن الحسن أو ابن أبي الحسن لأن

 

جده على كنيته أبو الحسن أحسن من هذا وأبين لمن يريد الهدى والبيان وأيضا فإن المهدي المنعوت من ولد الحسن بن علي لا من ولد الحسين كما تقدم لفظ حديث علي الثالث أن طوائف ادعى كل منهم أن المهدي المبشر به مثل مهدي القرامطة الباطنية الذي أقام دعوتهم بالمغرب وهو من ولد ميمون القداح وأدعوا أن ميمونا هذا هو من ولد محمد بن إسماعيل وإلى ذلك انتسب الإسماعيلية وهم ملاحدة في الباطن خارجون عن جميع الملل أكفر من الغالية كالنصيرية ومذهبهم مركب من مذهب المجوس والصابئة والفلاسفة مع إظهار التشيع وجدهم رجل يهودي كان ربيبا لرجل مجوسي وقد كانت لهم دولة وأتباع وقد صنف العلماء كتبا في كشف أسرارهم وهناك أستارهم مثل كتاب القاضي أبي بكر الباقلاني والقاضي عبد الجبار الهمداني وكتاب الغزالي ونحوهم وممن ادعى أنه المهدي ابن التومرت الذي خرج أيضا بالمغرب وسمى أصحابه الموحدين وكان يقال له في خطبهم الإمام المعصوم والمهدي المعصوم الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا

 

وظلما وهذا ادعى أنه من ولد الحسن دون الحسين فإنه لم يكن رافضيا وكان له من الخبرة بالحديث ما ادعى به دعوى تطابق الحديث وقد علم بالاضطرار أنه ليس هو الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم ومثل عدة آخرين ادعوا ذلك منهم من قتل ومنهم من ادعى ذلك فيه أصحابه وهؤلاء كثيرون لا يحصى عددهم إلا الله وربما حصل بأحدهم نفع لقوم وإن حصل به ضرر لآخرين كما حصل بمهدي المغرب انتفع به طوائف وتضرر به طوائف وكان فيه ما يحمد وإن كان فيه ما يذم وبكل حال فهو وأمثاله خير من مهدي الرافضة الذي ليس له عين ولا أثر ولا يعرف له حس ولا خبر لم ينتفع به أحد لا في الدنيا ولا في الدين بل حصل باعتقاد وجوده من الشر والفساد مالا يحصيه إلا رب العباد وأعرف في زماننا غير واحد من المشايخ الذين فيهم زهد وعبادة يظن كل منهم أنه المهدي وربما يخاطب أحدهم بذلك مرات متعددة ويكون المخاطب له بذلك الشيطان وهو يظن أنه خطاب من قبل الله ويكون أحدهم اسمه أحمد بن إبراهيم فيقال له محمد وأحمد سواء وإبراهيم الخليل هو جد رسول الله النبي صلى الله عليه وسلم وأبوك إبراهيم فقد واطأ اسمك اسمه واسم ابيك اسم أبيه ومع هذا فهؤلاء مع ما وقع لهم من الجهل والغلط كانوا خيرا من منتظر الرافضة ويحصل بهم من النفع مالا يحصل بمنتظر الرافضة ولم يحصل بهم من الضرر ما حصل بمنتظر الرافضة بل ما حصل بمنتظر الرافضة من الضرر أكثر منه.

*

فصل قال الرافضي: الثاني: أنا قد بينا أنه يجب في كل زمان إمام معصوم ولا معصوم غير هؤلاء إجماعا.

*والجواب من وجوه..

أحدها: منع المقدمة الأولى كما تقدم.

والثاني: منع طوائف لهم المقدمة الثانية.

 

الثالث: أن هذا المعصوم الذي يدعونه في وقت ما له منذ ولد عندهم أكثر من أربعمائة وخمسين سنة فإنه دخل السرداب عندهم سنة ستين ومائتين وله خمس سنين عند بعضهم وأقل من ذلك عند آخرين ولم يظهر عنه شيء مما يفعله أقل الناس تأثيرا مما يفعله آحاد الولاة والقضاة والعلماء فضلا عما يفعله الإمام المعصوم فأي منفعة للوجود في مثل هذا لو كان موجودا فكيف إذا كان معدوما والذين آمنوا بهذا المعصوم أي لطف وأي منفعة حصلت لهم به نفسه في دينهم أو دنياهم وهل هذا إلا أفسد مما يدعيه كثير من العامة في القطب والغوث ونحو ذلك من أسماء يعظمون مسماها ويدعون في مسماها ما هو أعظم من رتبة النبوة من غير تعيين لشخص معين يمكن أن ينتفع به الانتفاع المذكور في مسمى هذه الأسماء وكما يدعى كثير منهم حياة الخضر مع أنهم لم يستفيدوا بهذا الدعوى منفعة لا في دينهم ولا في دنياهم وإنما غاية من يدعى ذلك أن يدعى جريان بعض ما يقدره الله على يدى مثل هؤلاء وهذا مع أنه لا حاجة لهم به فلا حاجة بهم إلى معرفته ولم ينتفعوا بذلك لو كان حقا فكيف إذا كان ما يدعونه باطلا ومن هؤلاء من يتمثل له الجنى في صورة ويقول أنا الخضر ويكون كاذبا وكذلك الذين يذكرون رجال الغيب ورؤيتهم إنما رأوا الجن وهم رجال غائبون وقد يظنون أنهم إنس وهذا قد بيناه في مواضع تطول حكايتها مما تواتر عندنا وهذا الذي تدعيه الرافضة إنما مفقود عندهم وإما معدوم عند العقلاء وعلى التقديرين فلا منفعة لأحد به لا في دين ولا في دنيا فمن علق به دينه بالمجهولات التي لا يعلم ثبوتها كان ضالا في دينه لأن ما علق به دينه لم يعلم صحته ولم يحصل له به منفعة فهل يفعل مثل هذا إلا جاهل لكن الذين يعتقدون حياة الخضر لا يقولون إنه يجب على الناس طاعته مع أن الخضر كان حيا موجودا

 

*

فصل قال الرافضي: الثالث: الفضائل التي اشتمل كل واحد منهم عليها الموجبة لكونه إماما.

*والجواب من وجوه..

أحدها: أن تلك الفضائل غايتها أن يكون صاحبها أهلا أن تعقد له الإمامة لكنه لا يصير إماما بمجرد كونه أهلا كما أنه لا يصير الرجل قاضيا بمجرد كونه أهلا لذلك.

الثاني: أن أهلية الإمامة ثابتة لأخرين من قريش كثبوتها لهؤلاء وهم أهل أن يتولوا الإمامة فلا موجب للتخصيص ولم يصيروا بذلك أئمة.

الثالث: أن الثاني عشر منهم معدوم عند جمهور العقلاء فامتنع أن يكون إماما.

الرابع: أن العسكريين ونحوهما من طبقة أمثالهما لم يعلم لها تبريز في عالم أو دين كما عرف لعلي بن الحسين وأبي جعفر وجعفر بن محمد.

*باب قال الرافضي والفصل الخامس أن من تقدمه لم يكن إماما ويدل عليه وجوه.

*قلت والجواب أنه إن أريد بذلك أنهم لم يتولوا على المسلمين ولم يبايعهم المسلمون ولم يكن لهم سلطان يقيمون به الحدود ويوفون به الحقوق ويجاهدون به العدو ويصلون بالمسلمين الجمع والأعياد وغير ذلك مما هو داخل في معنى الإمامة فهذا بهت ومكابرة فإن هذا أمر معلوم بالتواتر والرافضة وغيرهم يعلمون ذلك ولو لم يتولوا الإمامة لم تقدح فيهم الرافضة لكن هم يطلقون ثبوت الإمامة وانتفاءها ولا يفصلون هل المراد ثبوت نفس الإمامة ومباشرتها أو نفس استحقاق ولاية الإمامة ويطلقون لفظ الإمام على الثاني ويوهمون أنه يتناول النوعين

 

وإن أريد بذلك أنهم لم يكونوا يصلحون للإمامة وأن عليا كان يصلح لها دونهم أو أنه كان أصلح لها منهم فهذا كذب وهو مورد النزاع ونحن نجيب في ذلك جوابا عاما كليا ثم نجيب بالتفصيل أما الجواب العام الكلي فنقول نحن عالمون بكونهم أئمة صالحين للإمامة علما يقينا قطعيا وهذا لا يتنازع فيه اثنان من طوائف المسلمين غير الرافضة بل أئمة الأمة وجمهورها يقولون إنا نعلم أنهم كانوا أحق بالإمامة بل يقولون إنا نعلم أنهم كانوا أفضل الأمة وهذا الذي نعلمه ونقطع به ونجزم به لا يمكن أن يعارض بدليل قطعي ولا ظني أما القطعي فلأن القطعيات لا يتناقض موجبها ومقتضاها وأما الظنيات فلأن الظني لا يعارض القطعي وجملة ذلك أن كل ما يورده القادح فلا يخلو عن أمرين إما نقل لا نعلم صحته أو لا نعلم دلالته على بطلان إمامتهم وأي المقدمتين لم يكن معلوما لم يصلح لمعارضته ما علم قطعا وإذا قام الدليل القطعي على ثبوت إمامتهم لم يكن علينا أن نجيب عن الشبه المفضلة كما أن ما علمناه قطعا لم يكن علينا أن نجيب عما يعارضه من الشبه السوفسطائية وليس لأحد أن يدفع ما علم أيضا يقينا بالظن سواء كان ناظرا أو مناظرا بل أن تبين له وجه فساد الشبهة وبينه لغيره كان ذلك زيادة علم ومعرفة وتأييد للحق في النظر والمناظرة وإن لم يتبين ذلك لم يكن له أن يدفع اليقين بالشك وسنبين إن شاء الله تعالى الأدلة الكثيرة على استحقاقهم للإمامة وأنهم كانوا أحق بها من غيرهم.

 

*

فصل قال الرافضي الأول قول أبي بكر إن لي شيطانا يعتريني فإن استقمت فأعينوني وإن زغت فقوموني ومن شأن الإمام تكميل الرعية فكيف يطلب منهم الكمال.

*والجواب من وجوه...

أحدها: أن المأثور عنه أنه قال وإن لي شيطانا يعتريني يعني عند الغضب فإذا اعتراني فاجتنبوني لا أؤثر في أبشاركم وقال أطيعوني ما أطعت الله فإن عصيت الله فلا طاعة لي عليكم وهذا الذي قاله أبو بكر رضي الله عنه من أعظم ما يمدح به - كما سنبينه إن شاء الله تعالى.

الثاني: أن الشيطان الذي يعتريه قد فسر بأنه يعرض لابن آدم عند الغضب فخاف عند الغضب أن يعتدى على أحد من الرعية فأمرهم بمجانبته عند الغضب كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان فنهى عن الحكم عند الغضب وهذا هو الذي أراده أبو بكر أراد أن لا يحكم وقت الغضب وأمرهم أن لا يطلبوا منه حكما أو يحملوه على حكم في هذا الحال وهذا من طاعته لله ورسوله.

الثالث: أن يقال الغضب يعتري بني آدم كلهم حتى قال سيد ولد آدم اللهم إنما أنا بشر أغضب كما يغضب البشر وإني اتخذت عندك عهدا لن تخلفنيه أيما مؤمن آذيته أو سببته أو جلدته فاجعلها له كفارة

 

وقربة تقربه إليك يوم القيامة أخرجاه في الصحيحين عن أبي هريرة وأخرجه مسلم عن عائشة قال دخل رجلان على النبي صلى الله عليه وسلم فأغضباه فسبهما ولعنهما فلما خرجا قلت يا رسول الله من أصاب من الخير ما أصاب هذان الرجلان قال وما ذاك قلت لعنتهما وسببتهما قال أو ما علمت ما شارطت عليه ربي قلت إنما أنا بشر فأي المسلمين سببته أو لعنته فاجعله له زكاة وأجرا وفي رواية أنس إني اشترطت على ربي فقلت إنما انا بشر أرضى كما يرضى البشر وأعضب كما يغضب البشر فأيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل أن يجعلها له طهورا وزكاة وقربة وأيضا فموسى رسول كريم وقد أخبر الله عن غضبه بما ذكره في كتابه فإذا كان مثل هذا لا يقدح في الرسالة فكيف يقدح في الإمامة مع أن النبي صلى الله عليه وسلم شبه أبا بكر بإبراهيم وعيسى في لينه وحلمه وشبه عمر بنوح وموسى في شدته في الله فإذا كانت هذه الشدة لا تنافي الإمامة فكيف تنافيها شدة أبي بكر.

الرابع: أن يقال أبو بكر رضي الله عنه قصد بذلك الاحتراز أن يؤذى أحدا منهم فأنما أكمل هذا أو غيره ممن غضب علي من عصاه وقاتلهم وقاتلوه بالسيف وسفك دماءهم فإن قيل كانوا يستحقون القتال بمعصية الإمام وإغضابه قيل ومن عصى أبا بكر وأغضبه كان أحق بذلك لكن أبو بكر ترك ما يستحقه إن كان علي يستحق ذلك وإلا فيمتنع أن يقال من عصى

 

عليا وأغضبه جاز أنه يقاتله ومن عصى أبا بكر لم يجز له تأديبه فدل على أن ما فعله أبو بكر أكمل من الذي فعله علي وفي المسند وغيره عن أبي برزة أن رجلا أغضب أبا بكر قال فقلت له أتأذن لي أن أضرب عنقه يا خليفة رسول الله فال فأذهبت كلمتي غضبه ثم قال ما كانت لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يستحل أن يقتل مسلما بمجرد مخالفة أمره والعلماء في حديث أبي برزة على قولين منهم من يقول مراده أنه لم يكن لأحد أن يقتل أحدا سبه إلا الرسول صلى الله عليه وسلم ومنهم من يقول ما كان لأحد أن يحكم بعلمه في الدماء إلا الرسول وقد تخلف عن بيعته سعد بن عبادة فما آذاه بكلمة فضلا عن فعل وقد قيل إن عليا وغيره امتنعوا عن بيعته ستة أشهر فما أزعجهم ولا ألزمهم بيعته فهل هذا كله إلا من كمال ورعه عن أذى الأمة وكمال عدله وتقواه وهكذا قوله فإن اعتراني فاجتنبوني.

الخامس: أن في الصحيح عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ما منكم من أحد إلا وكل به قرينه من الجن قالوا وإياك يا رسول الله قال وإياي ولكن ربي أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير وفي الصحيح عن عائشة قالت يا رسول الله أو معي شيطان قال نعم قالت ومع كل إنسان قال نعم ومعك يا رسول الله قال نعم ولكن ربي أعانني عليه حتى أسلم والمراد في أصح القولين استسلم وانقاد لي ومن قال حتى أسلم أنا فقد حرف معناه ومن قال الشيطان صار مؤمنا فقد حرف لفظه وقد قال موسى لما قتل القبطي هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين (سورة القصص). وقال فتى موسى وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره (سورة الكهف).. وذكر الله في قصة آدم وحواء فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه (سورة البقرة). وقوله

 

فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما وورى عنهما من سوءآتهما (سورة الأعراف). فإذا كان عرض الشيطان لا يقدح في نبوة الأنبياء عليهم السلام فكيف يقدح في إمامة الخلفاء وإن ادعى مدح أن هذه النصوص مؤولة قيل له فيجوز لغيرك أن يتأول قول الصديق لما ثبت بالدلائل الكثيرة من إيمانه وعلمه وتقواه وورعه فإذا ورد لفظ مجمل يعارض ما علم وجب تأويله وأما قوله فإن استقمت فأعينوني وإن زغت فقوموني فهذا من كمال عدله وتقواه وواجب على كل إمام أن يقتدي به في ذلك وواجب على الرعية أن تعامل الأئمة بذلك فإن استقام الإمام أعانوه على طاعة الله تعالى وإن زاغ وأخطأ بينوا له الصواب ودلوه عليه وإن تعمد ظلما منعوه منه بحسب الإمكان فإذا كان منقادا للحق كأبي بكر فلا عذر لهم في ترك ذلك وإن كان لا يمكن دفع الظلم إلا بما هو أعظم فسادا منه لم يدفعوا الشر القليل بالشر الكثير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق