Translate

مشاري راشد {سورة الطلاق}

الاثنين، 22 مايو 2023

كلكم أخطأتم في تفسير سورة الطلاق5هـ ومشي بعضكم علي درب بعض في خطئه

 

 كلكم أخطأتم في تفسير سورة الطلاق5هـ  ومشي بعضكم  علي درب بعض في خطئه  

 وملخص تفسير سورة الطلاق5هـ  هو تكليف من الله لامة الاسلام عن طريق نبييه ص  لم يسبقة مثله ابان العام 5 او 6 هجريا بأن بدَّل الله نسخا لسابق تشريع الطلاق السابق تنزيله في سورة البقرة2هـ  بما أنزله  لاحقا في العام 5هـ في سورة الطلاق وعكَس سبحانه موضعي الطلاق والعدة فأدخل سبحانه الزوجين المعتدين في محيط الزوجية اثناء اعتدادهما فلم يزالا زوجين لتأجيله التلفظ بالطلاق لما بعد العدة{بلام انتهاء الغاية التي ارفقها سبحانة بكلمة عدتهن أي 

 [ لـــ  عدتهن} وقد تتساءل لماذا لم يقل النبي [ص] بهذا فأبادرك بأنه وضح صلي الله عليه وسلم كل هذا في اضبط طريق رواية ابن عمر من طريق مالك عن نافع عن ابن عمر {السلسلة الذهبية كما نص علي ذلك البخاري وابن حجر} والتي فصلت العدة بكونها عدة احصاء لا استبراء ووضحت تفعيل الطلاق عندما  تنتهي العدة في هذا التوقيت وفيه فقط   
تتبع هذه الروابط في سورة الطلاق 5هـ واستوعبوها جيدا فإن  الله توعد العتاة عن امره  سواءا افراد او جماعة بقوله في الاية 7. من نفس سورة الطلاق بحياب شديد وعذاب بئيس

 

  https://mulakhs.blogspot.com/2023/04/blog-post_91.html   
https://smart11phon.blogspot.com/2022/10/blog-post_1.html
https://librar0y.blogspot.com/2023/05/blog-post_12.html
https://smart11phon.blogspot.com/2022/10/blog-post_93.html
https://smart11phon.blogspot.com/2022/10/blog-post_60.html
https://mulakhs.blogspot.com/2023/05/blog-post_3.html
https://alnukhbhtattalak.blogspot.com/2017/10/blog-post_41.html 

 
https://alnukhbhtattalak.blogspot.com/2017/10/blog-post_41.html 

 
https://smart11phon.blogspot.com/2022/10/blog-post_60.html
https://mulakhs.blogspot.com/2022/10/5.html
https://multipledivorce.blogspot.com/2023/04/blog-post.html
https://mulakhs.blogspot.com/2022/10/5.html
https://mulakhs.blogspot.com/2023/05/blog-post_3.html
https://mulakhs.blogspot.com/
https://mulakhs.blogspot.com/2023/05/5-2.html
https://alnukhbhtattalak.blogspot.com/2021/11/blog-post_74.html عكس النقيض
https://multipledivorce.blogspot.com/2023/04/blog-post.html?m=1
https://mulakhs.blogspot.com/2022/10/blog-post_5.html
https://mulakhs.blogspot.com/2023/04/blog-post_28.html السابق واللاحق
https://mulakhs.blogspot.com/2023/04/blog-post_43.html
https://mulakhs.blogspot.com/2023/04/blog-post_91.html
https://mulakhs.blogspot.com/2023/04/blog-post_43.html
https://mulakhs.blogspot.com/2023/04/blog-post_26.html 

محمد بن عبد الرحمن تسبب في شق صف المسلمين
عليكم دراسة هذه الروابط لانها تحمل حجة الله عليكم ولن ينفعكم الا حجته وحده يوم القيامة
تفسير سورة الطلاق كاملة (alukah.net) 

==============
 

تتبع هذه الروابط في سورة الطلاق 5هـ واستوعبوها جيدا فإن الله توعد العتاة عن امره سواءا افرادا او جماعة بقوله في الاية 7. من نفس سورة الطلاق بحياب شديد وعذاب بئيس

 

تتبع هذه الروابط في سورة الطلاق 5هـ واستوعبوها جيدا فإن  الله توعد العتاة عن امره  سواءا افرادا او جماعة بقوله في الاية 7. من نفس سورة الطلاق بحياب شديد وعذاب بئيس

  https://mulakhs.blogspot.com/2023/04/blog-post_91.html   

https://smart11phon.blogspot.com/2022/10/blog-post_1.html

https://librar0y.blogspot.com/2023/05/blog-post_12.html

https://smart11phon.blogspot.com/2022/10/blog-post_93.html

https://smart11phon.blogspot.com/2022/10/blog-post_60.html

https://mulakhs.blogspot.com/2023/05/blog-post_3.html

https://alnukhbhtattalak.blogspot.com/2017/10/blog-post_41.html

https://alnukhbhtattalak.blogspot.com/2017/10/blog-post_41.html

https://smart11phon.blogspot.com/2022/10/blog-post_60.html

https://mulakhs.blogspot.com/2022/10/5.html

https://multipledivorce.blogspot.com/2023/04/blog-post.html

https://mulakhs.blogspot.com/2022/10/5.html

https://mulakhs.blogspot.com/2023/05/blog-post_3.html

https://mulakhs.blogspot.com/

https://mulakhs.blogspot.com/2023/05/5-2.html

https://alnukhbhtattalak.blogspot.com/2021/11/blog-post_74.html عكس النقيض

https://multipledivorce.blogspot.com/2023/04/blog-post.html?m=1

https://mulakhs.blogspot.com/2022/10/blog-post_5.html

https://mulakhs.blogspot.com/2023/04/blog-post_28.html السابق واللاحق

https://mulakhs.blogspot.com/2023/04/blog-post_43.html

https://mulakhs.blogspot.com/2023/04/blog-post_91.html

https://mulakhs.blogspot.com/2023/04/blog-post_43.html

https://mulakhs.blogspot.com/2023/04/blog-post_26.html محمد بن عبد الرحمن تسبب في شق صف السلمي

عليكم دراسة هذه الروابط لانها تحمل حجة الله عليكم ولن ينفعكم الا حجته وحده يوم القيامة

تفسير سورة الطلاق كاملة (alukah.net)

السبت، 20 مايو 2023

اللغة في موقع الكتاب الاسلام


اسم الكتاب


الصاغاني العباب الزاخر
محمد بن عبد الملك بن مالك الطائي الجياني الألفاظ المختلفة في المعاني المؤتلفة
محمد بن سهل بن السراج النحوي البغدادي الأصول في النحو
ابن المعتز البديع
زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري الحدود الأنيقة والتعريفات الدقيقة
الخطيب القزويني الإيضاح في علوم البلاغة
أبو عمرو إسحاق بن مرّار الشيباني الجيم
ابن أُمّ قَاسِم المرادي الجنى الداني في حروف المعاني
سيبويه أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر الكتاب
محمود بن عمرو بن أحمد الزمخشري المفصل في صنعة الإعراب
المبرد المقتضب
محمود بن عمرو بن أحمد الزمخشري القسطاس في علم العروض
الجوهري الصحاح في اللغة
علي بن محمد بن علي الجرجاني التعريفات
محمود بن عمرو بن أحمد الزمخشري أساس البلاغة
عبد الرحمن ابن محمد بن أبي سعيد الأنباري كتاب أسرار العربية
عبدالله جمال الدين بن يوسف بن هشام أوضح المسالك إلى ألفية إبن مالك
محمد بن مكرم بن منظور لسان العرب
أبو حامد الغزالي محك النظر
محمد بن أبي بكر بن عبدالقادر الرازي مختار الصحاح
شرح قطر الندى وبل الصدى شرح قطر الندى وبل الصدى

معجم المخصص في اللغة---لابن سيده {حمل}

ترجمة ابن سيده

ترجمة ابن سيده{من مصادر عديدة}
    ابن سِيدَهْ والمعاجم العربية =وفاته: 26 ربيع الآخر 458هـ) من أرشيف إسلام أون لاين

 1. ابن سِيدَهْ وصناعة المعاجم العربية  

  كانت مدينة مرسية التي تقع في شرقي الأندلس تموج بحركة علمية زاهرة، وتنتشر فيها حلقات العلم التي يتصدرها أئمة أعلام، ويقصدها طلاب العلم ومحبو الثقافة والمعرفة، وكانت تنثر في تلك الحلقات مسائل الفقه وقضايا اللغة والأدب، أو تختص بإقراء القرآن ورواية الحديث. وفي هذه المدينة ولد ابن سِيدَهْ. استقبلت مدينة مرسية مولد علي بن إسماعيل ابن سِيدَهْ سنة 398هـ = 1007م، ونشأ في بيت علم، فكان أبوه معلما للغة والنحو، فتعهد ابنه بالرعاية والتعليم، وشاءت الأقدار أن يكون الطفل ضريرا مثل أبيه، لكن الله رزقه حافظة لاقطة وذهنا متوقدا، وذكاء حادا، عوض فقدان البصر. ولم تطل الحياة بأبيه، فتوفي وترك ابنه صغيرا لم يحصل شيئا ذا بال، لكن همة الصغير الناشئ سمت على اليتم وفقد العائل، فتردد على حلقات العلم ينهل منها بشغف لا يقف عند حد، حتى إن أبا عمر الطلمنكي حين دخل مرسية أراد أهلها أن يسمعوا عليه كتاب “الغريب المصنف” لأبي عبيد القاسم بن سلام وهو من كتب اللغة التي تُعنى بالغريب فقال لهم: انظروا من يقرأ لكم، وأمسك أنا كتابي، فأتوه بابن سِيده، فقرأ عليه من حفظه الكتاب كله من أوله إلى آخره. شيوخه وأساتذته يذكر المؤرخون أن ابن سِيدَهْ أخذ عن صاعد البغدادي الوافد على الأندلس من المشرق، وكان من العارفين باللغة وفنون الأدب والأخبار، وتتلمذ على أبي عمر أحمد بن محمد الطلمنكي المتوفى سنة 428هـ = 1036م، وكان إماما في القراءات، ثقة في رواية اللغة، مفسرا محدثا، مشهورا بالورع ومحاربة البدع. وقد درس ما كان شائعا في عصره وما يتفق مع حالته، فعني بعلوم اللغة والدين، ونهل منهما بالقدر الذي كانت تسعفه به ذاكرته الجبارة، حتى وصفه معاصروه بأنه كان حافظا لم يكن في زمانه أعلم منه بالنحو واللغة والأشعار وأيام العرب، كما توفر على علوم الحكمة والمنطق حتى وصفه صاعد اللغوي بأنه من حُذّاق المنطق، وقال فيه ابن قاضي شهبة في طبقاته: “ومن وقف على خطبة كتاب المُحْكَم علم أنه من أرباب العلوم العقلية، وكتب خطبة كتاب في اللغة إنما تصلح أن تكون خطبة لكتاب الشفاء لابن سينا”. ابن سِيدَهْ في بلاط مجاهد العامري كانت الفترة التي عايشها ابن سِيدَهْ فترة قلق وصراع على السلطة بعد وفاة المنصور بن أبي العامر، وانتهاء دولة الأمويين في الأندلس سنة 428هـ، وأسفر الصراع عن ظهور دول الطوائف واستقلال كل إمارة بأمير يتولى أمرها، وكان من نصيب مدينة دانية في شرقي الأندلس أن استقل بحكمها مجاهد بن عبد الله العامري، وكان من أصحاب الهمة العالية، محبا للعلم وأهله؛ فقصده العلماء والفقهاء يلقون في كنفه كل رعاية وتقدير، فقصده ابن سيده وانقطع له، وألف له أعظم كتبه: المخصص والمحكم. مؤلفات ابن سِيدَهْ ترك ابن سيده مؤلفات كثيرة وصل إلينا بعضها، وفُقد بعضها الآخر، أو لا يزال مطمورا في دور الكتب والمحفوظات لم تمتد إليه يد البحث، ومن الكتب الغائبة التي تذكرها المصادر التي ترجمت له: الأنيق في ستة مجلدات، وهو شرح لديوان الحماسة لأبي تمام، وشرح إصلاح المنطق لابن السِّكّيت، والوافي في علم القوافي، وله كتاب شاذ اللغة في خمسة مجلدات، وكتاب في التذكير والتأنيث. وأما ما وصل إلينا من مؤلفات ابن سيده فثلاثة هي: المشكل من شعر المتنبي، والمحكم والمحيط الأعظم، والمخصص. والكتابان الأخيران هما اللذان طيّرا شهرة ابن سيده وجعلاه يتبوأ منزلة رفيعة بين صانعي المعاجم العربية، باعتباره واحدا من روادها العظام، وسنتناولها بشيء من التفصيل رغبة في الإفادة. المحكم والمحيط الأعظم وهو معجم عربي كبير ألفه ابن سِيدَهْ في إمارة مجاهد بن عبد الله العامري، والتزم في ترتيب مواده الترتيب الذي اخترعه الخليل بن أحمد في معجمه العين، وكانت طريقته تقوم على ترتيب الحروف تبعا لمخارجها مبتعدا بالأعمق في الحلق، ومنتهيا بما يخرج من الشفتين فاستقام له الترتيب التالي: ع ح هـ خ غ ق ك ج ش ض ص س ز ط د ت ذ ث ر ل ن ف ب م و ي ا ء، وسمى كل حرف منها كتابا، مع تقسيم كل كتاب إلى أبواب حسب أبنية الألفاظ من حيث كونها ثنائية أو ثلاثية أو رباعية أو خماسية، والأخذ بمبدأ التقاليب، فمثلا حرف العين الذي استهل به معجمه يمكن أن يتغير موضعه في البناء الثنائي مرتين، فيأتي أول البناء الثنائي أو ثانيه، وفي البناء الثلاثي يمكن أن يكون العين في أوله أو ثانيه أو ثالثه، وفي البناء الرباعي يكون أربعا، وفي الخماسي يكون خمسا، فإذا كان الحرف الثاني مع العين في البناء الثنائي باء، فإنه لا يمكن أن يأتي منهما إلا صورتان هما عب وبع، فإذا كانت العين في البناء الثلاثي ومعها حرفان كالباء والدال، أمكن أن يأتي منها ست صور هي: عبد بعد بدع عدب، دعب، دبع، وترتفع هذه الصور في البناء الرباعي إلى 24 صورة، وفي الخماسي إلى 120 صورة. وقد أراد ابن سِيده أن يجمع في كتابه ما تشتت من المواد اللغوية في الكتب والرسائل وتصحيح ما ورد فيها من أخطاء وربط اللغة بالقرآن والحديث، مع العناية بالتنظيم والاختصار في ترتيب المواد كتقديم المجرد على المزيد والمفرد على الجمع وتحاشي التكرار، وبذلك خطا ابن سيده بمناهج تأليف المعاجم خطوة مفيدة إلى الأمام، غير أن طريقة هذه المعاجم في ترتيب موادها كانت تلقى صعوبة في الكشف والاستخدام، الأمر الذي أدى إلى ظهور مدارس أخرى في المعاجم لتيسير البحث في الكشف عن المواد اللغوية، حتى استقرت إلى ما هو متبع الآن في المعاجم الحديثة مثل المعجم الوسيط. المخصص وهو أضخم المعاجم العربية التي تعنى بجمع ألفاظ اللغة وتكوينها حسب معانيها لا تبعًا لحروفها الهجائية، فلم يكن الغرض من تأليفها جمع اللغة واستيعاب مفرداتها شأن المعاجم الأخرى، وإنما كان الهدف هو تصنيف الألفاظ داخل مجموعات وفق معانيها المتشابهة، بحيث تنضوي تحت موضوع واحد. وقد قسم ابن سيده كتابه إلى أبواب كبيرة سماها كتبا تتناول موضوعا محددا، ورتب هذه الكتب ترتيبا منطقيا، فبدأ بالإنسان ثم الحيوان ثم الطبيعة فالنبات، وأعطى كل كتاب عنوانا خاصا به مثل: خلق الإنسان والنساء واللباس والطعام والأمراض والسلاح والخيل والإبل والغنم والوحوش والحشرات والطير والسماء والفلك. ثم قسم كل كتاب بدوره إلى أبواب صغيرة حسبما يقتضيه المقام إمعانا في الدقة ومبالغة في التقصي والتتبع، فيذكر في باب الحمل والولادة أسماء ما يخرج مع الولد أولا، ثم يذكر الرضاع والفطام والغذاء وسائر ضروب التربية ويتحدث عن غذاء الولد وأسماء أول أولاد الرجل وآخرهم، ثم أسماء ولد الرجل في الشباب والكبر، وهكذا. ويلتزم في شرح الألفاظ ببيان الفروق بين الألفاظ والمترادفات وتفسيرها بوضوح، مع الإكثار من الشواهد، وذكر العلماء الذين استقى عنهم مادته. وقد طُبع المخصص في سنة 1316هـ = 1898م في سبعة عشر جزءا، ونشر معهد المخطوطات العربية معجم المحكم بعناية عدد من كبار المحققين. وفاة ابن سيده وبعد حياة علمية حافلة تُوفي ابن سِيدَه في “دانية” عشية يوم الأحد الموافق (26 من ربيع الآخر 408هـ = 27 من مارس 1065م)، وعمره ستون سنة أو نحوها. أحمد تمام من مصادر الدراسة: 1. ابن خلكان: وفيات الأعيان، تحقيق إحسان عباس، دار صادر، بيروت بدون تاريخ 2. الذهبي: سير أعلام النبلاء، تحقيق شعيب الأرنؤوط ومحمد نعيم العرقسوسي، المجلد 18 مؤسسة الرسالة بيروت 1412هـ = 1992م. 3. ياقوت الحموي: معجم الأدباء، تحقيق إحسان عباس، دار المغرب الإسلامي، بيروت 1993م. 4. حسين نصار: المعجم العربي نشأته وتطوره، مكتبة مصر، القاهرة 1408هـ = 1988م. 5. رياض زكي قاسم: المعجم العربي، بحوث في المادة والمنهج والتطبيق، دار المعرفة بيروت 1407هـ = 1987م. 6. عبد اللطيف الصوفي: اللغة ومعاجمها، دار طلاس دمشق 1986م.

 
    مصدر اخر لترجمته
   

  هو علي بن إسماعيل، أبو الحسن، اللغوي الأندلسيّ المُرْسيّ (نسبة إلى مرسية، وهي مدينة في شرق الأندلس)، المعروف بابن سيده، إمام اللغة وآدابها، وأحد من يضرب بذكائه المثل.
    وقد اختلف المؤرخون في اسم أبيه، فقال ابن بشكوال في (الصلة) أنه إسماعيل، وقال الفتح بن خاقان في (مطمح الأنفس) أنه أحمد، ومثل ذلك قال الحُمَيْدي، كما ذكر ياقوت في (معجم الأدباء)، وقد اعتمدنا (إسماعيل) على الأشهر، مع أنه قد غلبت كنيته (ابن سِيدَه) على اسم أبيه، وإن كانت المصادر وكتب التراجم لم تذكر سبب تكنيته تلك.
    ولد ابن سِيدَه في مرسية، ونسب إليها كما أشرنا، وهي من أعمال تدمير، في شرق الأندلس، وكان ذلك في سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة من الهجرة.
    نشأة ابن سيده وصفاته
    نشأ ابن سِيدَه في بيت علم ولغة، حيث كان أبوه من النحاة من أهل المعرفة والذكاء، وقد تعهد ابنه هذا بالرعاية والتعليم، وصقله صغيرًا وشبّعه بحب اللغة وعلومها، وإن العجب ليس في أن أبيه هذا كان ضريرًا، بل العجب كل العجب من أن الابن أيضًا (ابن سيده) كان ضريرًا مثل أبيه، فهو أعمى ابن أعمى، ولكنه ورغم عمى بصره فقد كان نيّر القلب كأبيه، قد رزقه الله عوضًا عن فقدان بصره حافظة قوية وذهنًا متوقدًا، وذكاءً حادًّا.
    وقد شهد بذلك أبو عمر الطلمنكي يوم أن قال: دخلت مرسية فسألني أهلها أن يسمعوا مني "الغريب المصنف" (هو من كتب اللغة التي تُعنى بالغريب، ومصنفه هو أبو عبيد القاسم بن سلام)، قال أبو عمر: فقلت: احضروا من يقرؤه، فجاءوا برجل أعمى يقال له ابن سيده فقرأه عليّ كله من حفظه وأنا ممسك بالأصل، فتعجبت من حفظه.
    شيوخ ابن سيده
    بعد وفاة والده النحوي الضرير، الذي اشتغل عليه في بداية حياته، وروى عنه، كان أن اشتغل ابن سيده بنظم الشعر مدة، وتلقى اللغة على يد شيخه صاعد بن الحسن اللغوي البغدادي، وكان من الوافدين على الأندلس، وقرأ أيضًا على أبي عمر الطلمنكي -كما أشرنا إلى ذلك- وكان لغويًّا مفسرًا محدثًا، ثم انقطع للأمير أبي الجيش مجاهد العامري صاحب دانية (شرق الأندلس)، وكان محبًّا للعلم مكرمًا لأهله، وعنده أدرك ابن سيده أمانيه وألف أعظم كتبه.
    ذكر ذلك المقّري التلمساني في (نفح الطيب) فقال: وكان -ابن سِيدَه- منقطعًا إلى الموفق صاحب دانية، وبها أدرك أمانيه، ووجد تجرده للعلم وفراغه، وتفرد بتلك الإراغة، ولا سيما كتابه المسمى بالمحكم، فإنه أبدع كتاب وأحكم".
    ثم قال: ولما مات الموفق رائش جناحه، ومثبت غرره وأوضاحه، خاف من ابنه إقبال الدولة، وأطاف به مكروهًا بعض من كان حوله؛ إذ أهل الطلب كحيات مساورة، ففر إلى بعض الأعمال المجاورة، وكتب إليه منها مستعطفًا:
    ألا هل إلى تقبيل راحتك اليمنى *** سبيل فإنّ الأمن في ذلك واليمنا
    فتنضى همومٌ طلّحته خطوبه *** ولا غاربًا يبقين منه ولا متنا
    غريبٌ نأى أهلوه عنه وشفّه *** هواهم فأمسى لا يقرّ ولا يهنا
    فيا ملك الأملاك إني محل*** عن الورد لا عنه أذاد ولا أدنى
    تحققت مكروهًا فأقبلت شاكي *** لعمري أمأذونٌ لعبدك أن يعنى
    وإن تتأكد في دمي لك نيةٌ *** فإني سيف لا أحبّ له جفنا
    إذا ما غدا من حرّ سيفك بارد *** فقدمًا غدا من برد نعماكم سخنا
    وهل هي إلاّ ساعةٌ ثمّ بعده *** ستقرع ما عمّرت من ندمٍ سنّا.
    ومالي من دهري حياةٌ ألذّه *** فتجعلها نعمى عليّ وتمتنّا
    إذا ميتةٌ أرضتك عنّا فهاته *** حبيبٌ إلينا ما رضيت به عنّا
    وهي طويلة، وقد جاء أنه وقع عنه الرضا مع وصولها إليه فرجع إليها.
    مؤلفات ابن سيده
    بذاكرته اللاقطة التي منّ الله بها عليه استطاع ابن سيده أن يُلمّ بعلوم اللغة العربية وينبغ في آدابها ومفرداتها، فكان -كما قال الحميدي- إمامًا في العربية حافظ للغة، وله في الشعر حظ وتصرف، وقد وصفه القاضي الجياني وكان معاصرًا له (ت 486هـ) فقال: "لم يكن في زمنه أعلم منه بالنحو واللغة والأشعار وأيام العرب وما يتعلق بعلومها، وكان حافظًا".
    هذا ويبدو أن ابن سيده لم يقتصر في تحصيله للعلوم وتأليفه فيها على علوم اللغة العربية وحدها، شأنه في ذلك شأن أغلب علماء المسلمين المتقدمين؛ فكان أيضًا متوفرًا على علوم الحكمة والمنطق، تلك التي كانت ذائعة الصيت في ذلك الوقت، وقد قال عنه القاضي الجياني في ذلك: "كان مع إتقانه لعلم الأدب والعربية متوفرًا على علوم الحكمة، وألف فيها تأليفات كثيرة"، وقد وصفه صاعد اللغوي بأنه من حُذّاق المنطق، وقال فيه ابن قاضي شهبة في طبقاته: "ومن وقف على خطبة كتاب المُحْكَم علم أنه من أرباب العلوم العقلية، وكتب خطبة كتاب في اللغة إنما تصلح أن تكون خطبة لكتاب الشفاء لابن سينا".
    وأما ما أُثر عنه من مصنفات فكان منها: كتاب "المحكم والمحيط الأعظم"، وكتاب "المخصص" وسنعرج عليهما بعد قليل؛ إذ هما اللذان طيّرا شهرة ابن سيده وأنزلاه بين صانعي المعاجم العربية منزلة سامقة رفيعة، باعتباره واحدا من صناعها العظام.
    وله أيضًا كتاب "شرح إصلاح المنطق"، وكتاب "الأنيق في شرح الحماسة"، وكتاب "شرح ما أشكل من شعر المتنبي"، وكتاب "العلام في اللغة على الأجناس" وقد قال عنه ياقوت الحموي: "في غاية الإيعاب، نحو مائة سفر، بدأ بالفلك وختم بالذرة"، وكتاب "العالم والمتعلم" على المسألة والجواب، وكتاب "الوافي في علم أحكام القوافي"، وكتاب "شاذ اللغة"، ويقع في خمس مجلدات، وكتاب "العويص في شرح إصلاح المنطق"، وكتاب "شرح كتاب الأخفش"، وغير ذلك.
    وإنه ورغم كثرة مؤلفاته تلك وأهمية مواضيعها، فإنه لم يصلنا منها إلا ثلاثة منها فقط هي: المشكل من شعر المتنبي، والمحكم والمحيط الأعظم، والمخصص، أما عن باقي تواليفه فهو إما أنه فقد مع ما فقد من مخطوطات التراث، أو أنه ما زال في غياهب دور الكتب والمحفوظات، ولم تمتد إليه بعد يد البحث وأيدي الباحثين.
    المحكم والمحيط الأعظم.. مصنع اللغة
    في دولة علي بن مجاهد ألف ابن سيده كتاب "المحكم والمحيط الأعظم" على نحو ترتيب الخليل في معجمه "العين"، وقد زاد فيه التعرض لاشتقاقات الكلم وتصاريفها فجاء من أحسن الدواوين، بحسب تعبير القونجي.
    "وقد التزم ابن سيده في ترتيب مواد "المحكم" الترتيب الذي اخترعه الخليل بن أحمد في معجمه العين، وكانت طريقته تقوم على ترتيب الحروف تبعا لمخارجها مبتعدا بالأعمق في الحلق، ومنتهيا بما يخرج من الشفتين، فاستقام له الترتيب التالي: ع ح هـ خ غ ق ك ج ش ض ص س ز ط د ت ذ ث ر ل ن ف ب م و ي ا ء، وسمى كل حرف منها كتابا، مع تقسيم كل كتاب إلى أبواب حسب أبنية الألفاظ من حيث كونها ثنائية أو ثلاثية أو رباعية أو خماسية، والأخذ بمبدأ التقاليب، فمثلاً حرف العين الذي استهل به معجمه يمكن أن يتغير موضعه في البناء الثنائي مرتين، فيأتي أول البناء الثنائي أو ثانيه، وفي البناء الثلاثي يمكن أن يكون العين في أوله أو ثانيه أو ثالثه، وفي البناء الرباعي يكون أربعا، وفي الخماسي يكون خمسا، فإذا كان الحرف الثاني مع العين في البناء الثنائي باء، فإنه لا يمكن أن يأتي منهما إلا صورتان هما عب وبع، فإذا كانت العين في البناء الثلاثي ومعها حرفان كالباء والدال، أمكن أن يأتي منها ست صور هي: عبد بعد بدع عدب، دعب، دبع، وترتفع هذه الصور في البناء الرباعي إلى أربع وعشرين صورة، وفي الخماسي إلى عشرين ومائة صورة.
    وقد أراد ابن سِيده أن يجمع في كتابه ما تشتت من المواد اللغوية في الكتب والرسائل، وتصحيح ما ورد فيها من أخطاء، وربط اللغة بالقرآن والحديث، مع العناية بالتنظيم والاختصار في ترتيب المواد، كتقديم المجرد على المزيد والمفرد على الجمع وتحاشي التكرار، وبذلك يكون ابن سيده قد خطا بمناهج تأليف المعاجم خطوة مفيدة إلى الأمام، غير أن طريقة هذه المعاجم في ترتيب موادها كانت تلقى صعوبة في الكشف والاستخدام، الأمر الذي أدى إلى ظهور مدارس أخرى في المعاجم لتيسير البحث في الكشف عن المواد اللغوية، حتى استقرت إلى ما هو متبع الآن في المعاجم الحديثة مثل المعجم الوسيط".
    وفي مادة "المحكم" وما جاء فيه فقد طعن فيه السهيلي في "الروض الأنف" عند الكلام على نقض الصحيفة فقال: وَمَا زَالَ ابْنُ سِيدَهْ يَعْثِرُ فِي هَذَا الْكِتَابِ -يعني المحكم- وَغَيْرِهِ عَثَرَاتٌ يَدْمِي مِنْهَا الْأَظَلّ، وَيَدْحَضُ دَحَضَاتٍ تُخْرِجُهُ إلى سَبِيلِ مَنْ ضَلّ، أَلَا تَرَاهُ قَالَ فِي هَذَا الْبَابِ وَذَكَرَ بُحَيْرَةَ طَبَرِيّةَ فَقَالَ: هِيَ مِنْ أَعْلَامِ خُرُوجِ الدّجّالِ، وَأَنّ مَاءَهَا يَيْبَسُ عِنْدَ خُرُوجِهِ، وَالْحَدِيثُ إنّمَا جَاءَ فِي غَيْرِ زُغَرٍ، وَإِنّمَا ذَكَرْت بُحَيْرَةَ طَبَرِيّةَ فِي حَدِيثِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَأَنّهُمْ يَشْرَبُونَ مَاءَهَا، وَقَالَ فِي الْجِمَارِ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ: إنّمَا هِيَ الّتِي تُرْمَى بِعَرَفَةَ؟! وَهَذِهِ هَفْوَةٌ لَا تُقَالُ وَعَثْرَةُ لَا لَعًا لَهَا، وَكَمْ لَهُ مِنْ هَذَا إذَا تَكَلّمَ فِي النّسَبِ وَغَيْرِه".
    وقد رد عليه ابن حجر في "ميزان الاعتدال" فقال بعد ما أورد جزءا من النص السابق له: ".. والغالط في هذا يعذر لكونه لم يكن فقيها ولم يحج، ولا يلزم من ذلك أن يكون غلط في اللغة التي هي فنه الذي يحقق به من هذا القبيل".
    وفي وصف خبير فقد قال ابن منظور عن "المحكم": "ولم أجد في كتب اللغة أجمل من تهذيب اللغة للأزهري، ولا أكمل من المحكم لابن سيده... وما عداهما ثنيات الطريق".
    وقد لخص "المحكم" محمد بن أبي الحسن، صاحب المستنصر من ملوك الدولة الحفصية بتونس، وقلب ترتيبه إلى ترتيب كتاب الصحاح في اعتبار أواخر الكلم وبناء التراجم عليها، فكانا توءمي رحم وسليلي أبوة، بحسب تعبير القونجي.
    المخصص.. أثمن كنوز العربية
    يعتبر كتاب "المخصص" لابن سيده أضخم المعاجم العربية التي تعنى بجمع ألفاظ اللغة وتكوينها حسب معانيها لا تبعًا لحروفها الهجائية، فلم يكن الغرض من تأليفها جمع اللغة واستيعاب مفرداتها شأن المعاجم الأخرى، وإنما كان الهدف هو تصنيف الألفاظ داخل مجموعات وفق معانيها المتشابهة، بحيث تنضوي تحت موضوع واحد.
    وقد قسم ابن سيده كتابه إلى أبواب كبيرة سماها كتبًا تتناول موضوعًا محددًا، ورتب هذه الكتب ترتيبًا منطقيًّا، فبدأ بالإنسان ثم الحيوان ثم الطبيعة فالنبات، وأعطى كل كتاب عنوانًا خاصًّا به مثل: خلق الإنسان والنساء واللباس والطعام والأمراض والسلاح والخيل والإبل والغنم والوحوش والحشرات والطير والسماء والفلك.
    ثم قسم كل كتاب بدوره إلى أبواب صغيرة حسبما يقتضيه المقام إمعانًا في الدقة ومبالغة في التقصي والتتبع، فيذكر في باب الحمل والولادة أسماء ما يخرج مع الولد أولاً، ثم يذكر الرضاع والفطام والغذاء وسائر ضروب التربية، ويتحدث عن غذاء الولد وأسماء أول أولاد الرجل وآخرهم، ثم أسماء ولد الرجل في الشباب والكبر، وهكذا.
    ويلتزم ابن سيده في شرح الألفاظ ببيان الفروق بين الألفاظ والمترادفات وتفسيرها بوضوح، مع الإكثار من الشواهد، وذكر العلماء الذين استقى عنهم مادته.
    وقد طُبع المخصص في سنة ست عشرة وثلاثمائة وألف من الهجرة في سبعة عشر جزءًا، ونشر معهد المخطوطات العربية معجم المحكم بعناية عدد من كبار المحققين".
    وفاة ابن سيده
    بعد رحلة علمية حافلة تُوفي ابن سِيدَه في "دانية" بالأندلس عشية يوم الأحد، لأربع بقين من شهر ربيع الآخر، سنة ثمان وخمسين وأربعمائة من الهجرة، وعمره ستون سنة أو نحوها.
    وفي قصة وفاته فقد ذكر الصفدي أن ابن سيده كان يوم الجمعة قبل يوم الأحد المذكور صحيحًا سويًّا إلى وقت صلاة المغرب، فدخل المتوضأ فأخرج منه وقد سقط لسانه وانقطع كلامه، فبقي على تلك الحال إلى العصر من يوم الأحد، ثم قضى نحبه رحمه الله تعالى.
    المراجع:من قصة الاسلام للسرجاني
    - الصفدي: نكث الهميان في نكت العميان.
    - المقري: نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب.
    - اليافعي: مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة حوادث الزمان.
    - ابن كثير: البداية والنهاية.
    - الذهبي: سير أعلام النبلاء.
    - ابن خلكان: وفيات الأعيان.
    - ياقوت الحموي: معجم الأدباء.
    - القنوجي: أبجد العلوم.
    - ابن حجر: لسان الميزان.
    - ابن بشكوال: الصلة.
    - الباباني: هدية العارفين.
    - السهيلي: الروض الأنف.
    - الزركلي: الأعلام.
    اسلام ويب
    [ ص: 144 ] ابن سيده
    إمام اللغة أبو الحسن ، علي بن إسماعيل المرسي الضرير ، صاحب كتاب " المحكم " في لسان العرب ، وأحد من يضرب بذكائه المثل .
    قال أبو عمر الطلمنكي : دخلت مرسية ، فتشبث بي أهلها ليسمعوا علي " غريب المصنف " فقلت : انظروا من يقرأ لكم ، وأمسك أنا كتابي ، فأتوني بإنسان أعمى يعرف بابن سيده ، فقرأه علي كله ، فعجبت من حفظه . قال : وكان أعمى ابن أعمى . [ ص: 145 ]
    قلت : وكان أبوه أيضا لغويا ، فأخذ عن أبيه ، وعن صاعد بن الحسن .
   
قال الحميدي هو إمام في اللغة والعربية ، حافط لهما ، على أنه كان ضريرا ، وقد جمع في ذلك جموعا ، وله مع ذلك حظ في الشعر وتصرف .
    وأرخ صاعد بن أحمد القاضي موته في سنة ثمان وخمسين وأربعمائة وقال : بلغ الستين أو نحوها .
    قال اليسع بن حزم : كان شعوبيا يفضل العجم على العرب .
    وحط عليه أبو زيد السهيلي في " الروض " فقال : تعثر في " المحكم " وغيره عثرات يدمى منها الأظل ويدحض دحضات تخرجه إلى سبيل من ضل ، حتى إنه قال في الجمار : هي التي ترمى بعرفة . [ ص: 146 ]
    وقال أبو عمرو بن الصلاح : أضرت به ضرارته
    قلت : هو حجة في نقل اللغة ، وله كتاب " العالم في اللغة " نحو مائة سفر ، بدأ بالفلك ، وختم بالذرة . وله " شواذ اللغة " ، خمسة أسفار .
    وكان منقطعا إلى الأمير مجاهد العامري .
    التالي السابق
    ترجمة العلم تَشكيِل النص
    ومن ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
    ويكي بيانات
 

الرد الأقوم على ما في فصوص الحكم شيخ الإسلام ابن تيمية


الرد الأقوم على ما في فصوص الحكم  شيخ الإسلام ابن تيمية 

وسئل : 

ما تقول السادة العلماء أئمة الدين وهداة المسلمين رضي الله عنهم أجمعين في الكلام الذي تضمنه كتاب " فصوص الحكم " وما شاكله من الكلام الظاهر في اعتقاد قائله : أن الرب والعبد شيء واحد ليس بينهما فرق وأن ما ثم غير كمن قال في شعره : أنا وهو واحد ما معنا شيء ومثل : أنا من أهوى ومن أهوى أنا ومثل : إذا كنت ليلى وليلى أنا وكقول من قال : لو عرف الناس الحق ما رأوا عابدا ولا معبودا . وحقيقة هذه الأقوال لم تكن في كتاب الله عز وجل ولا في السنة ولا في كلام الخلفاء الراشدين والسلف الصالحين . ويدعي القائل لذلك : أنه يحب الله سبحانه وتعالى والله تعالى يقول :

{ قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله } والله سبحانه وتعالى ذكر خير خلقه بالعبودية في غير موضع فقال تعالى عن خاتم رسله صلى الله عليه وسلم { فأوحى إلى عبده ما أوحى } وكذلك قال في حق عيسى عليه السلام { إن هو إلا عبد أنعمنا عليه } وقال تعالى : { لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون } - الآية . فالنصارى كفار بقولهم مثل هذا القول في عيسى بمفرده فكيف بمن يعتقد هذا الاعتقاد :

تارة في نفسه وتارة في الصور الحسنة : من النسوان والمردان ويقولون : إن هذا الاعتقاد له سر خفي وباطن حق وإنه من الحقائق التي لا يطلع عليها إلا خواص خواص الخلق . فهل في هذه الأقوال سر خفي يجب على من يؤمن بالله واليوم الآخر وكتبه ورسله أن يجتهد على التمسك بها والوصول إلى حقائقها - كما زعم هؤلاء - أم باطنها كظاهرها ؟ وهذا الاعتقاد المذكور هو حقيقة الإيمان بالله ورسوله وبما جاء به أم هو الكفر بعينه ؟ . وهل يجب على المسلم أن يتبع في ذلك قول علماء المسلمين ورثة الأنبياء والمرسلين أم يقف مع قول هؤلاء الضالين المضلين ؟ وإن ترك ما أجمع عليه أئمة المسلمين ووافق هؤلاء المذكورين فماذا يكون من أمر الله له يوم الدين ؟ . أفتونا مأجورين أثابكم الله الكريم .

 

فأجاب شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية رحمه الله

 

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين

. ما تضمنه كتاب " فصوص الحكم " وما شاكله من الكلام : فإنه كفر باطنا وظاهرا ؛ وباطنه أقبح من ظاهره . وهذا يسمى مذهب أهل الوحدة وأهل الحلول وأهل الاتحاد . وهم يسمون أنفسهم المحققين . وهؤلاء نوعان : نوع يقول بذلك مطلقا كما هو مذهب صاحب الفصوص ابن عربي وأمثاله : مثل ابن سبعين وابن الفارض . والقونوي والششتري والتلمساني وأمثالهم ممن يقول : إن الوجود واحد ويقولون : إن وجود المخلوق هو وجود الخالق لا يثبتون موجودين خلق أحدهما الآخر بل يقولون : الخالق هو المخلوق والمخلوق هو الخالق . ويقولون : إن وجود الأصنام هو وجود الله وإن عباد الأصنام ما عبدوا شيئا إلا الله . ويقولون : إن الحق يوصف بجميع ما يوصف به المخلوق من صفات النقص والذم . ويقولون : إن عباد العجل ما عبدوا إلا الله وأن موسى أنكر على هارون لكون هارون أنكر عليهم عبادة العجل وأن موسى كان بزعمهم من العارفين الذين يرون الحق في كل شيء بل يرونه عين كل شيء وأن فرعون كان صادقا في قوله : { أنا ربكم الأعلى } بل هو عين الحق ونحو ذلك مما يقوله صاحب الفصوص .

ويقول أعظم محققيهم : إن القرآن كله شرك لأنه فرق بين الرب والعبد ؛ وليس التوحيد إلا في كلامنا .

فقيل له : فإذا كان الوجود واحدا فلم كانت الزوجة حلالا والأم حراما ؟ فقال : الكل عندنا واحد ولكن هؤلاء المحجوبون قالوا : حرام . فقلنا : حرام عليكم .

وكذلك ما في شعر ابن الفارض في قصيدته التي سماها نظم السلوك كقوله : -

لها صلواتي بالمقام أقيمها  وأشهد فيها أنها لي صلت كلانا مصل واحد ساجد إلى حقيقته بالجمع في كل سجدة وما كان لي صلى سواي ولم تكن صلاتي لغيري في أداء كل سجدة وقوله : وما زلت إياها وإياي لم تزل ولا فرق بل ذاتي لذاتي أحبت وقوله : إلي رسولا كنت مني مرسلا وذاتي بآياتي علي استدلت فأقوال هؤلاء ونحوها : باطنها أعظم كفرا وإلحادا من ظاهرها فإنه قد يظن أن ظاهرها من جنس كلام الشيوخ العارفين أهل التحقيق والتوحيد وأما باطنها فإنه أعظم كفرا وكذبا وجهلا من كلام اليهود والنصارى وعباد الأصنام .

ولهذا فإن كل من كان منهم أعرف بباطن المذهب وحقيقته - كان أعظم كفرا وفسقا كالتلمساني ؛ فإنه كان من أعرف هؤلاء بهذا المذهب وأخبرهم بحقيقته فأخرجه ذلك إلى الفعل فكان يعظم اليهود والنصارى والمشركين ويستحل المحرمات ويصنف للنصيرية كتبا على مذهبهم يقرهم فيها على عقيدتهم الشركية .

وكذلك ابن سبعين كان من أئمة هؤلاء وكان له من الكفر والسحر الذي يسمى السيمياء - والموافقة للنصارى والقرامطة والرافضة : ما يناسب أصوله .

فكل من كان أخبر بباطن هذا المذهب ووافقهم عليه كان أظهر كفرا وإلحادا .

وأما الجهال الذين يحسنون الظن بقول هؤلاء ولا يفهمونه ويعتقدون أنه من جنس كلام المشايخ العارفين الذين يتكلمون بكلام صحيح لا يفهمه كثير من الناس فهؤلاء تجد فيهم إسلاما وإيمانا ومتابعة للكتاب والسنة بحسب إيمانهم التقليدي وتجد فيهم إقرارا لهؤلاء وإحسانا للظن بهم وتسليما لهم بحسب جهلهم وضلالهم ؛ ولا يتصور أن يثني على هؤلاء إلا كافر ملحد أو جاهل ضال .

وهؤلاء من جنس الجهمية الذين يقولون : إن الله بذاته حال في كل مكان ولكن أهل وحدة الوجود : حققوا هذا المذهب أعظم من تحقيق غيرهم من الجهمية .

وأما ( النوع الثاني : فهو قول من يقول بالحلول والاتحاد في معين كالنصارى الذين قالوا بذلك في المسيح عيسى والغالية الذين يقولون بذلك في علي بن أبي طالب وطائفة من أهل بيته ، والحاكمية الذين يقولون بذلك في الحاكم ، والحلاجية الذين يقولون بذلك في الحلاج ، واليونسية الذين يقولون بذلك في يونس وأمثال هؤلاء ممن يقول بإلهية بعض البشر وبالحلول والاتحاد فيه ولا يجعل ذلك مطلقا في كل شيء .

ومن هؤلاء من يقول بذلك في بعض النسوان والمردان أو بعض الملوك أو غيرهم ؛ فهؤلاء كفرهم شر من كفر النصارى الذين قالوا : إن الله هو المسيح ابن مريم . وأما الأولون : فيقولون بالإطلاق . ويقولون : النصارى إنما كفروا بالتخصيص . وأقوال هؤلاء شر من أقوال النصارى وفيها من التناقض من جنس ما في أقوال النصارى ؛ ولهذا يقولون بالحلول تارة وبالاتحاد أخرى وبالوحدة تارة فإنه مذهب متناقض في نفسه ؛ ولهذا يلبسون على من لم يفهمه .

فهذا كله كفر باطنا وظاهرا بإجماع كل مسلم ومن شك في كفر هؤلاء بعد معرفة قولهم ومعرفة دين الإسلام فهو كافر كمن يشك في كفر اليهود والنصارى والمشركين . ولكن هؤلاء يشبهون بشيء آخر وهو ما يعرض لبعض العارفين في مقام الفناء والجمع والاصطلام والسكر فإنه قد يعرض لأحدهم - لقوة استيلاء الوجد والذكر عليه - من الحال ما يغيب فيه عن نفسه وغيره فيغيب بمعبوده عن عبادته وبمعروفه عن معرفته وبمذكوره عن ذكره وبموجوده عن وجوده . ومثل هذا قد يعرض لبعض المحبين لبعض المخلوقين كما يذكرون أن رجلا كان يحب آخر فألقى المحبوب نفسه في اليم فألقى المحب نفسه خلفه فقال له : أنا وقعت ؛ فما الذي أوقعك ؟ فقال : غبت بك عني . فظننت أنك أني . وينشدون : - رق الزجاج وراقت الخمر وتشاكلا فتشابه الأمر فكأنما خمر ولا قدح وكأنما قدح ولا خمر وهذه الحال تعرض لكثير من السالكين وليست حالا لازمة لكل سالك ولا هي أيضا غاية محمودة بل ثبوت العقل والفهم والعلم مع التوحيد باطنا وظاهرا كحال نبينا صلى الله عليه وسلم وأصحابه أكمل من هذا وأتم .

والمعنى الذي يسمونه الفناء ينقسم ثلاثة أقسام :

فناء عن عبادة السوى وفناء عن شهود السوى وفناء عن وجود السوى .

فالأول : أن يفنى بعبادة الله عن عبادة ما سواه وبخوفه عن خوف ما سواه وبرجائه عن رجاء ما سواه وبالتوكل عليه عن التوكل على ما سواه وبمحبته عن محبة ما سواه ؛ وهذا هو حقيقة التوحيد والإخلاص الذي أرسل الله به رسله وأنزل به كتبه وهو تحقيق " لا إله إلا الله " فإنه يفنى من قلبه كل تأله لغير الله ولا يبقى في قلبه تأله لغير الله وكل من كان أكمل في هذا التوحيد كان أفضل عند الله .

 

والثاني : أن يفنى عن شهود ما سوى الله وهذا الذي يسميه كثير من الصوفية حال الاصطلام والفناء والجمع ونحو ذلك . وهذا فيه فضيلة من جهة إقبال القلب على الله وفيه نقص من جهة عدم شهوده للأمر على ما هو عليه فإنه إذا شهد أن الله رب كل شيء ومليكه وخالقه وأنه المعبود لا إله إلا هو الذي أرسل الرسل وأنزل الكتب وأمر بطاعته وطاعة رسله ونهى عن معصيته ومعصية رسله فشهد حقائق أسمائه وصفاته وأحكامه خلقا وأمرا : كان أتم معرفة وشهودا وإيمانا وتحقيقا من أن يفنى بشهود معنى عن شهود معنى آخر وشهود التفرقة في الجمع والكثرة في الوحدة وهو الشهود الصحيح المطابق . لكن إذا كان قد ورد على الإنسان ما يعجز معه عن شهود هذا وهذا كان معذورا للعجز لا محمودا على النقص والجهل .

 

والثالث : الفناء عن وجود السوى ؛ وهو قول الملاحدة أهل الوحدة كصاحب الفصوص وأتباعه الذين يقولون : وجود الخالق هو وجود المخلوق وما ثم غير ولا سوى في نفس الأمر . فهؤلاء قولهم أعظم كفرا من قول اليهود والنصارى وعباد الأصنام . وأيضا فإن ولاية الله : هي موافقته بالمحبة لما يحب والبغض لما يبغض والرضا بما يرضى والسخط بما يسخط والأمر بما يأمر به والنهي عما ينهى عنه والموالاة لأوليائه والمعاداة لأعدائه كما في صحيح البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { يقول الله تعالى : من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ؛ فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يسعى ؛ ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه ؛ وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولا بد له منه } فهذا أصح حديث روي في الأولياء . فالملاحدة والاتحادية يحتجون به على قولهم لقوله : " كنت سمعه وبصره ويده ورجله " والحديث حجة عليهم من وجوه كثيرة : -

منها قوله : { من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة } فأثبت معاديا محاربا ووليا غير المعادي وأثبت لنفسه سبحانه هذا وهذا . ومنها قوله : { وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه } فأثبت عبدا متقربا إلى ربه وربا افترض عليه فرائض .

ومنها قوله : { ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه } فأثبت متقربا ومتقربا إليه ومحبا ومحبوبا غيره . وهذا كله ينقض قولهم : الوجود واحد . ومنها قوله : { فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به } إلى آخره .

فإنه جعل لعبده بعد محبته هذه الأمور وهو عندهم قبل المحبة وبعدها واحد وهو عندهم هذه الأعضاء : بطنه وفرجه وشعره وكل شيء لا تعدد عندهم ولا كثرة في الوجود ؛ ولكن يثبتون مراتب ومجالي ومظاهر ؛ فإن جعلوها موجودة نقضوا قولهم .

وإن جعلوها ثابتة في العدم - كما يقوله ابن عربي - أو جعلوها المعينات والمطلق هو الحق - كانوا قد بنوا ذلك على قول من يقول : المعدوم شيء وقول من جعل الكليات ثابتة في الخارج زائدة على المعينات . والأول : قول طائفة من المعتزلة وهو قول ابن عربي . والثاني : قول طائفة من الفلاسفة وهو قول القونوي صاحب ابن عربي وكلا القولين باطلان عند العقلاء ولهذا كان التلمساني أحذق منهما فلم يثبت شيئا وراء الوجود . كما قيل : -

وما البحر إلا الموج لا شيء  ##  غيره وإن فرقته كثرة المتعدد

لكن هؤلاء الضلال من الفلاسفة والمعتزلة ما قالوا : وجود المخلوق هو وجود الخالق وهؤلاء الملاحدة قالوا : هذا هو هذا ؛ ولهذا صاروا يقولون بالحلول من وجه لكون الوجود في كل الذوات أو بالعكس وبالاتحاد من وجه لاتحادهما ؛ وحقيقة قولهم هي وحدة الوجود . وفي الحديث وجوه أخرى تدل على فساد قولهم . والحديث حق كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم فإن ولي الله لكمال محبته لله وطاعته لله يبقى إدراكه لله وبالله وعمله لله وبالله ؛ فما يسمعه مما يحبه الحق أحبه وما يسمعه مما يبغضه الحق أبغضه وما يراه مما يحبه الحق أحبه وما يراه مما يبغضه الحق أبغضه ؛ ويبقى في سمعه وبصره من النور ما يميز به بين الحق والباطل ؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته { اللهم اجعل في قلبي نورا وفي بصري نورا وفي سمعي نورا وعن يميني نورا وعن يساري نورا وفوقي نورا وتحتي نورا وأمامي نورا وخلفي نورا واجعل لي نورا } .

فولي الله فيه من الموافقة لله : ما يتحد به المحبوب والمكروه والمأمور والمنهي ونحو ذلك فيبقى محبوب الحق محبوبه ومكروه الحق مكروهه ومأمور الحق مأموره وولي الحق وليه وعدو الحق عدوه ؛ بل المخلوق إذا أحب المخلوق محبة تامة حصل بينهما نحو من هذا حتى قد يتألم أحدهما بتألم الآخر ويلتذ بلذته . ولهذا قال صلى الله عليه وسلم { مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم : كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر }

ولهذا كان المؤمن يسره ما يسر المؤمنين ويسوءه ما يسوءوهم ومن لم يكن كذلك لم يكن منهم . فهذا الاتحاد الذي بين المؤمنين : ليس هو أن ذات أحدهما هي بعينها ذات الآخر ولا حلت فيه بل هو توافقهما واتحادهما في الإيمان بالله ورسوله وشعب ذلك : مثل محبة الله ورسوله ومحبة ما يحبه الله ورسوله . فإذا كان هذا معقولا بين المؤمنين : فالعبد إذا كان موافقا لربه تعالى فيما يحبه ويبغضه ويأمر به وينهى عنه ونحو ذلك مما يحبه الرب من عبده : كيف تكون ذات أحدهما هي الأخرى أو حالة فيها ؟ .

فإذا عرفت هذه الأصول من الحلول والاتحاد المطلق والمعين الذي هو باطل ومما هو من أحوال أهل الإيمان ومن ولاية الله تعالى وموافقته فيما يحبه ويرضاه وتوابع ذلك : تبين لك جواب مسائل السائل . وهؤلاء قد يجدون من كلام بعض المشايخ - كلمات مشتبهة مجملة - فيحملونها على المعاني الفاسدة كما فعلت النصارى فيما نقل لهم عن الأنبياء فيدعون المحكم ويتبعون المتشابهة .

 

فقول القائل : إن الرب والعبد شيء واحد ليس بينهما فرق : كفر صريح لا سيما إذا دخل في ذلك كل عبد مخلوق ؛ وأما إذا أراد بذلك عباد الله المؤمنين وأولياءه المتقين فهؤلاء يحبهم ويحبونه ويوافقونه فيما يحبه ويرضاه ويأمر به ؛ فقد رضي الله عنهم ورضوا عنه . ولما رضوا ما يرضى وسخطوا ما يسخط : كان الحق يرضى لرضاهم ويغضب لغضبهم ؛ إذ ذلك متلازم من الطرفين . ولا يقال في أفضل هؤلاء : إن الرب والعبد شيء واحد ليس بينهما فرق ؛ لكن يقال لأفضل الخلق كما قال الله تعالى : { إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم } وقال : { من يطع الرسول فقد أطاع الله } وقال : { والله ورسوله أحق أن يرضوه } وقال : { إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة } وأمثال ذلك .

وأما سائر العباد : فإن الله خالقهم ومالكهم وربهم وخالق قدرتهم وأفعالهم ثم ما كان من أفعالهم موافقا لمحبته ورضاه : كان محبا لأهله مكرما لهم وما كان منها مما يسخطه ويكرهه : كان مبغضا لأهله مهينا لهم . وأفعال العباد مفعولة مخلوقة لله ليست صفة له ولا فعلا قائما بذاته .

وقوله تعالى { وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى } فمعناه : وما أوصلت إذ حذفت ولكن الله أوصل المرمي ؛ فإن { النبي صلى الله عليه وسلم كان قد رمى المشركين بقبضة من تراب وقال : شاهت الوجوه } فأوصلها الله إلى وجوه المشركين وعيونهم ؛ وكانت قدرة النبي صلى الله عليه وسلم عاجزة عن إيصالها إليهم والرمي له مبدأ وهو الحذف ومنتهى وهو الوصول ؛ فأثبت الله لنبيه المبدأ بقوله : { إذ رميت } ونفى عنه المنتهى وأثبته لنفسه بقوله : { ولكن الله رمى } وإلا فلا يجوز أن يكون المثبت عين المنفي ؛ فإن هذا تناقض . والله تعالى - مع أنه هو خالق أفعال العباد - فإنه لا يصف نفسه بصفة من قامت به تلك الأفعال ؛ فلا يسمي نفسه مصليا ولا صائما ولا آكلا ولا شاربا سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا . وقول القائل : " ما ثم غير " إذا أراد به ما يريده أهل الوحدة أي ما ثم غير موجود سوى الله : فهذا كفر صريح . ولو لم يكن ثم غير لم يقل : { أغير الله أتخذ وليا } ولم يقل { أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون } فإنهم كانوا يأمرونه بعبادة الأوثان فلو لم يكن غير الله لم يصح قوله : { أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون } ولم يقل : { أفغير الله أبتغي حكما وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا } ولم يقل الخليل { أفرأيتم ما كنتم تعبدون } { أنتم وآباؤكم الأقدمون } { فإنهم عدو لي إلا رب العالمين } ولم يقل : { إنني براء مما تعبدون } { إلا الذي فطرني فإنه سيهدين } فإن إبراهيم لم يعاد ربه ولم يتبرأ من ربه ؛ فإن لم تكن تلك الآلهة التي كانوا يعبدونها هم وآباؤهم الأقدمون غير الله : لكان إبراهيم قد تبرأ من الله وعادى الله وحاشا إبراهيم من ذلك . وهؤلاء الملاحدة في أول أمرهم ينفون الصفات ويقولون : القرآن هو الله أو غير الله . فإذا قيل لهم : غير الله . قالوا : فغير الله مخلوق . وفي آخر أمرهم يقولون : ما ثم موجود غير الله أو يقولون العالم لا هو الله ولا هو غيره . ويقولون : وكل كلام في الوجود كلامه سواء علينا نثره ونظامه فينكرون على أهل السنة إذا أثبتوا الصفات ولم يطلقوا عليها اسم الغير وهم لا يطلقون على المخلوقات اسم الغير وقد سمعت هذا التناقض من مشايخهم فإنهم في ضلال مبين .

وأما قول الشاعر في شعره :

أنا من أهوى ومن أهوى أنا ؟ وقوله : إذا كنت ليلى وليلى أنا .

فهذا إنما أراد به هذا الشاعر الاتحاد الوضعي كاتحاد أحد المتحابين بالآخر الذي يحب أحدهما ما يحب الآخر ويبغض ما يبغض ويقول مثل ما يقول ويفعل مثل ما يفعل وهو تشابه وتماثل لا اتحاد العين بالعين إذ كان قد استغرق في محبوبه حتى فني به عن رؤية نفسه كقول الآخر : غبت بك عني فظننت أنك أني فإما أن يكون غالطا مستغرقا بالفناء أو يكون عنى التماثل والتشابه واتحاد المطلوب والمرهوب لا الاتحاد الذاتي . فإن أراد الاتحاد الذاتي - مع عقله لما يقول - فهو كاذب مفتر مستحق لعقوبة المفترين .

وأما قول القائل : لو رأى الناس الحق لما رأوا عابدا ولا معبودا : فهذا من جنس قول الملاحدة الاتحادية الذين لا يفرقون بين الرب والعبد ؛ وقد تقدم بيان قول هؤلاء وهؤلاء يجمعون بين الضلال والغي بين شهوات الغي في بطونهم وفروجهم وبين مضلات الفتن .

وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { إن أخوف ما أخاف عليكم شهوات الغي في بطونكم وفروجكم } حتى يبلغ الأمر بأحدهم إلى أن يهوى المردان ويزعم أن الرب تعالى تجلى في أحدهم ويقولون : هو الراهب في الصومعة ؛ وهذه مظاهر الجمال ؛ ويقبل أحدهم الأمرد ويقول : أنت الله . ويذكر عن بعضهم أنه كان يأتي ابنه ويدعي أنه الله رب العالمين أو أنه خلق السموات والأرض ويقول أحدهم لجليسه :

أنت خلقت هذا وأنت هو وأمثال ذلك .

فقبح الله طائفة يكون إلهها الذي تعبده هو موطؤها الذي تفترشه ؛ وعليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منهم صرفا ولا عدلا .

ومن قال : إن لقول هؤلاء سرا خفيا وباطن حق وإنه من الحقائق التي لا يطلع عليها إلا خواص خواص الخلق : فهو أحد رجلين - إما أن يكون من كبار الزنادقة أهل الإلحاد والمحال وإما أن يكون من كبار أهل الجهل والضلال . فالزنديق يجب قتله ؛ والجاهل يعرف حقيقة الأمر فإن أصر على هذا الاعتقاد الباطل بعد قيام الحجة عليه وجب قتله .

ولكن لقولهم سر خفي وحقيقة باطنة لا يعرفها إلا خواص الخلق . وهذا السر هو أشد كفرا وإلحادا من ظاهره ؛ فإن مذهبهم فيه دقة وغموض وخفاء قد لا يفهمه كثير من الناس . ولهذا تجد كثيرا من عوام أهل الدين والخير والعبادة ينشد قصيدة ابن الفارض ويتواجد عليها ويعظمها ظانا أنها من كلام أهل التوحيد والمعرفة وهو لا يفهمها ولا يفهم مراد قائلها ؛ وكذلك كلام هؤلاء يسمعه طوائف من المشهورين بالعلم والدين فلا يفهمون حقيقته فإما أن يتوقفوا عنه أو يعبروا عن مذهبهم بعبارة من لم يفهم حقيقة ؛ وإما أن ينكروه إنكارا مجملا من غير معرفة بحقيقته ونحو ذلك وهذا حال أكثر الخلق معهم . وأئمتهم إذا رأوا من لم يفهم حقيقة قولهم طمعوا فيه وقالوا : هذا من علماء الرسوم وأهل الظاهر وأهل القشر وقالوا : علمنا هذا لا يعرف إلا بالكشف والمشاهدة وهذا يحتاج إلى شروط وقالوا : ليس هذا عشك فادرج عنه ونحو ذلك مما فيه تعظيم له وتشويق إليه وتجهيل لمن لم يصل إليه .

وإن رأوه عارفا بقولهم نسبوه إلى أنه منهم وقالوا : هو من كبار العارفين . وإذا أظهر الإنكار عليهم والتكفير قالوا : هذا قام بوصف الإنكار لتكميل المراتب والمجالي . وهكذا يقولون في الأنبياء ونهيهم عن عبادة الأصنام . وهذا كله وأمثاله مما رأيته وسمعته منهم . فضلالهم عظيم وإفكهم كبير وتلبيسهم شديد . والله تعالى يظهر ما أرسل به رسوله من الهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا والله أعلم .

 

 

ج1.صحيح مسلم مقدمة محمد فؤاد عبد الباقي ومقدمة الإمام مسلم رحمه الله

    مقدمة محمد فؤاد عبد الباقي     مقدمة الإمام مسلم رحمه الله كِتَابُ الْإِيمَانَ كِتَابِ الطَّهَارَةِ كِتَابُ الْحَيْضِ كِتَابُ الص...