مشاري راشد {سورة الطلاق}

Translate

الاثنين، 27 نوفمبر 2023

35.. البداية والنهاية تأليف: عماد الدين أبي الفداء اسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي

35. البداية والنهاية


تأليف: عماد الدين أبي الفداء اسماعيل بن عمر بن كثير 

القرشي الدمشقي (774 هـ).

تَمُرُ، وَهُمْ كُلُّهُمْ فِي لَبْسٍ وَأَسْلِحَةٍ تَامَّةٍ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا خَائِفٌ مِنَ الْآخَرِ أَنْ يُمْسِكَهُ، فَدَخَلَ هَذَا دَارَ السَّعَادَةِ، وَرَاحَ الْآخَرُ إِلَى الْقَصْرِ الْأَبْلَقِ، وَلَمَّا كَانَ بَعْدَ الْعَصْرِ قَدِمَ مَنْجَكُ وَأَسَنْدَمُرُ نَائِبَا السَّلْطَنَةِ بِدِمَشْقَ - كَانَا - وَهُمَا مَغْلُوبَانِ قَدْ كَسَرَهُمَا مَنْ كَانَ قَدِمَ عَلَى مَنْجَكَ مِنَ الْعَسَاكِرِ الَّتِي جَهَّزَهَا بَيْدَمُرُ إِلَى مَنْجَكَ قُوَّةً لَهُ عَلَى الْمِصْرِيِّينَ، وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى يَدَيِ الْأَمِيرِ سَيْفِ الدِّينِ تَمُرَ حَاجِبِ الْحُجَّابِ، وَيُعْرَفُ بِالْمَهْمَنْدَارِ، قَالَ لِمَنْجَكَ: كُلُّنَا فِي خِدْمَةِ مَنْ بِمِصْرَ، وَنَحْنُ لَا نُطِيعُكَ عَلَى نُصْرَةِ بَيْدَمُرَ، فَتَقَاوَلَا ثُمَّ تَقَاتَلَا، فَهُزِمَ مَنْجَكُ، وَذَهَبَ تَمُرُ وَمَنْجَكُ وَمَنْ كَانَ مَعَهُمَا كَابْنِ صُبْحٍ، وَطَيْدَمُرَ إِلَى الْمِصْرِيِّينَ. وَلَمَّا أَصْبَحَ الصَّبَاحُ مِنْ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ خَامِسَ عَشَرَ لَمْ يُوجَدْ لِتُومَانَ تَمُرَ، وَطُنَيْرِقَ، وَلَا أَحَدٍ مِنْ أُمَرَاءِ دِمَشْقَ عَيْنٌ وَلَا أَثَرٌ، بَلْ قَدْ ذَهَبُوا كُلُّهُمْ إِلَى طَاعَةِ صَاحِبِ مِصْرَ، وَلَمْ يَبْقَ بِدِمَشْقَ مِنَ أُمَرَائِهَا سِوَى ابْنِ قَرَاسُنْقُرَ مِنَ الْأُمَرَاءِ الْمُقَدَّمِينَ، وَسِوَى بَيْدَمُرَ، وَمَنْجَكَ، وَأَسَنْدَمُرَ، وَالْقَلْعَةُ قَدْ هُيِّئَتْ، وَالْمَجَانِيقُ مَنْصُوبَةٌ عَلَى حَالِهَا، وَالنَّاسُ فِي خَوْفٍ شَدِيدٍ مِنْ دُخُولِ بَيْدَمُرَ إِلَى الْقَلْعَةِ، فَيَحْصُلُ بَعْدَ ذَلِكَ عِنْدَ قُدُومِ الْجَيْشِ الْمِصْرِيِّ حِصَارٌ، وَتَعَبٌ، وَمَشَقَّةٌ عَلَى النَّاسِ، وَاللَّهُ يُحْسِنُ الْعَاقِبَةَ.
وَلَمَّا كَانَ فِي أَثْنَاءِ نَهَارِ الِاثْنَيْنِ خَامِسَ عَشَرَهُ دَقَّتِ الْبَشَائِرُ فِي الْقَلْعَةِ، وَأُظْهِرَ أَنْ يَلْبُغَا الْخَاصِّكِيَّ قَدْ نَفَاهُ السُّلْطَانُ إِلَى الشَّامِ، ثُمَّ ضُرِبَتْ وَقْتَ الْمَغْرِبِ، ثُمَّ بَعْدَ الْعِشَاءِ فِي صَبِيحَةِ يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ أَيْضًا، وَفِي كُلِّ ذَلِكَ يَرْكَبُ الْأُمَرَاءُ الثَّلَاثَةُمَنْجَكُ، وَبَيْدَمُرُ، وَأَسَنْدَمُرُ مُلْبِسِينَ، وَيَخْرُجُونَ إِلَى خَارِجِ الْبَلَدِ ثُمَّ يَعُودُونَ، وَالنَّاسُ فِيمَا يُقَالُ مَا بَيْنَ مُصَدِّقٍ وَمُكَذِّبٍ، وَلَكِنْ قَدْ شُرِعَ إِلَى تَسْتِيرِ الْقَلْعَةِ

وَتَهَيُّؤِ الْحِصَارِ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ هَذِهِ الْبَشَائِرَ لَا حَقِيقَةَ لَهَا، فَاهْتَمَّ فِي عَمَلِ سَتَائِرِ الْقَلْعَةِ، وَحَمْلِ الزَّلَطِ، وَالْأَحْجَارِ، وَالْأَغْنَامِ وَالْحَوَاصِلِ إِلَيْهَا، وَقَدْ وَرَدَتِ الْأَخْبَارُ بِأَنَّ الرِّكَابَ الشَّرِيفَ السُّلْطَانِيَّ وَصُحْبَتَهُ يَلْبُغَا فِي جَمِيعِ جَيْشِ مِصْرَ قَدْ عَدَّا غَزَّةَ، فَعِنْدَ ذَلِكَ خَرَجَ الصَّاحِبُ، وَكَاتِبُ السِّرِّ، وَالْقَاضِي الشَّافِعِيُّ، وَنَاظِرُ الْجَيْشِ، وَنُقَبَاؤُهُ، وَمُتَوَلِّي الْبَلَدِ، وَتَوَجَّهُوا تِلْقَاءَ حَمَاةَ لِتَلَقِّي الْأَمِيرِ عَلِيٍّ الَّذِي قَدْ جَاءَهُ تَقْلِيدُ دِمَشْقَ، وَبَقِيَ الْبَلَدُ شَاغِرًا عَنْ حَاكِمٍ فِيهَا سِوَى الْمُحْتَسِبِ، وَبَعْضِ الْقُضَاةِ، وَالنَّاسُ كَغَنَمٍ لَا رَاعِيَ لَهُمْ، وَمَعَ هَذَا الْأَحْوَالُ صَالِحَةٌ، وَالْأُمُورُ سَاكِنَةٌ، لَا يَعْدُو أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ فِيمَا بَلَغْنَا هَذَا، وَبَيْدَمُرُ وَمَنْجَكُ وَأَسَنْدَمُرُ فِي تَحْصِينِ الْقَلْعَةِ، وَتَحْصِيلِ الْعُدَدِ وَالْأَقْوَاتِ فِيهَا، وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ [ يُوسُفَ: 21 ] أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ [ النِّسَاءِ: 78 ]، وَالسَّتَائِرُ تُعْمَلُ فَوْقَ الْأَبْرَجَةِ، وَصَلَّى الْأَمِيرُ بَيْدَمُرُ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ تَاسِعَ عَشَرَ الشَّهْرِ فِي الشُّبَّاكِ الْكَمَالِيِّ فِي مَشْهَدِ عُثْمَانَ، وَصَلَّى عِنْدَهُ مَنْجَكُ إِلَى جَانِبِهِ دَاخِلَ مَوْضِعِ الْقُضَاةِ، وَلَيْسَ هُنَاكَ أَحَدٌ مِنَ الْحَجَبَةِ، وَلَا مِنَ النُّقَبَاءِ، وَلَيْسَ فِي الْبَلَدِ أَحَدٌ مِنَ الْمُبَاشِرِينَ بِالْكُلِّيَّةِ، وَلَا مِنَ الْجُنْدِ إِلَّا الْقَلِيلُ، وَكُلُّهُمْ قَدْ سَافَرُوا إِلَى نَاحِيَةِ السُّلْطَانِ، وَالْمُبَاشِرُونَ إِلَى نَاحِيَةِ حَمَاةَ لِتَلَقِّي الْأَمِيرِ عَلِيٍّ نَائِبِ الشَّامِ الْمَحْرُوسِ، ثُمَّ عَادَ إِلَى الْقَلْعَةِ، وَلَمْ يَحْضُرِ الصَّلَاةَ أَسَنْدَمُرُ; لِأَنَّهُ قِيلَ: كَانَ مُنْقَطِعًا; قَدْ صَلَّى فِي الْقَلْعَةِ.
وَفِي يَوْمِ السَّبْتِ الْعِشْرِينَ مِنَ الشَّهْرِ وَصَلَ الْبَرِيدُ مِنْ جِهَةِ السُّلْطَانِ مِنْ أَبْنَاءِ

الرَّسُولِ إِلَى نَائِبِ دِمَشْقَ يَسْتَعْلِمُ طَاعَتَهُ أَوْ مُخَالَفَتَهُ، وَتَعَتَّبَ عَلَيْهِ فِيمَا اعْتَمَدَهُ مِنَ اسْتِحْوَاذِهِ عَلَى الْقَلْعَةِ وَتَحْصِينِهَا، وَادِّخَارِ الْآلَاتِ وَالْأَطْعِمَاتِ فِيهَا، وَنَصْبِ الْمَجَانِيقِ وَالسَّتَائِرِ عَلَيْهَا، وَكَيْفَ تَصَرَّفَ فِي الْأَمْوَالِ السُّلْطَانِيَّةِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ وَالْمُلُوكِ، فَتَنَصَّلَ مَلِكُ الْأُمَرَاءِ مِنْ ذَلِكَ، وَذَكَرَ أَنَّهُ إِنَّمَا أَرْصَدَ فِي الْقَلْعَةِ جَنَادِتَهَا، وَأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْهَا، وَأَنَّ أَبْوَابَهَا مَفْتُوحَةٌ، وَهِيَ قَلْعَةُ السُّلْطَانِ، وَإِنَّمَا لَهُ غَرِيمٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ الشَّرْعُ وَالْقُضَاةُ الْأَرْبَعَةُ - يَعْنِي بِذَلِكَ يَلْبُغَا - وَكَتَبَ بِالْجَوَابِ وَأَرْسَلَهُ صُحْبَةَ الْبَرِيدِيِّ، وَهُوَ كَيْكَلِدِي مَمْلُوكُ يَقْطِيَةَ الدَّوَادَارِ، وَأَرْسَلَ فِي صُحْبَتِهِ الْأَمِيرَ صَارِمَ الدِّينِ أَحَدَ أُمَرَاءِ الْعَشَرَاتِ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ.
وَفِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ تُصْبِحُ أَبْوَابُ الْبَلَدِ مُغْلَقَةً إِلَى قُرَيْبِ الظُّهْرِ، وَلَيْسَ ثُمَّ مَفْتُوحٌ سِوَى بَابَيِ النَّصْرِ وَالْفَرَجِ، وَالنَّاسُ فِي حَصْرٍ شَدِيدٍ وَانْزِعَاجٍ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَلَكِنْ قَدِ اقْتَرَبَ وُصُولُ السُّلْطَانِ وَالْعَسَاكِرِ الْمَنْصُورَةِ. وَفِي صَبِيحَةِ الْأَرْبِعَاءِ أَصْبَحَ الْحَالُ كَمَا كَانَ وَأَزِيدَ، وَنَزَلَ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ يَلْبُغَا الْخَاصِّكِيُّ بِقُبَّةِ يَلْبُغَا، وَامْتَدَّ طُلْبُهُ مِنْ سَيْفِ دَارَيًا إِلَى الْقُبَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي أُبَّهَةٍ عَظِيمَةٍ، وَهَيْئَةٍ حَسَنَةٍ، وَتَأَخَّرَ الرِّكَابُ الشَّرِيفُ بِتَأَخُّرِهِ عَنِ الصَّنَمَيْنِ بَعْدُ، وَدَخَلَ بَيْدَمُرُ فِي هَذَا الْيَوْمِ إِلَى الْقَلْعَةِ، وَتَحَصَّنَ بِهَا، وَفِي يَوْمِ الْخَمِيسِ الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْهُ اسْتَمَرَّتِ الْأَبْوَابُ كُلُّهَا مُغَلَّقَةً سِوَى بَابَيِ النَّصْرِ وَالْفَرَجِ، وَضَاقَ النِّطَاقُ، وَانْحَصَرَ النَّاسُ جِدًّا، وَقَطَعَ الْمِصْرِيُّونَ نَهْرَ بَانَاسَ

وَالْفَرْعَ الدَّاخِلَ إِلَيْهَا، وَإِلَى دَارِ السَّعَادَةِ مِنَ الْقَنَوَاتِ، وَاحْتَاجُوا لِذَلِكَ أَنْ يَقْطَعُوا الْقَنَوَاتِ لِيَسُدُّوا الْفَرْعَ الْمَذْكُورَ، فَانْزَعَجَ أَهْلُ الْبَلَدِ لِذَلِكَ، وَمَلَئُوا مَا فِي بُيُوتِهِمْ مِنْ بِرَكِ الْمَدَارِسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَبِيعَتِ الْقِرْبَةُ بِدِرْهَمٍ، وَالْحُقُّ بِنِصْفٍ، ثُمَّ أُرْسِلَتِ الْقَنَوَاتُ وَقْتَ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمَئِذٍ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ - فَانْشَرَحَ النَّاسُ لِذَلِكَ، وَأَصْبَحَ الصَّبَاحُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَالْأَبْوَابُ مُغْلَقَةٌ، وَلَمْ يُفْتَحْ بَابَا النَّصْرِ وَالْفَرَجِ إِلَّا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ بِزَمَانٍ، فَأَرْسَلَ يَلْبُغَا مِنْ جِهَتِهِ أَرْبَعَةَ أُمَرَاءَ، وَهُمُ الْأَمِيرُ زَيْنُ الدِّينِ زُبَالَةُ الَّذِي كَانَ نَائِبَ الْقَلْعَةِ، وَالْمَلِكُ صَلَاحُ الدِّينِ بْنُ الْكَامِلِ، وَالشَّيْخُ عَلِيٌّ الَّذِي كَانَ نَائِبَ الرَّحْبَةِ مِنْ جِهَةِ بَيْدَمُرَ، وَأَمِيرٌ آخَرُ، فَدَخَلُوا الْبَلَدَ، وَكَسَرُوا أَقْفَالَ أَبْوَابِ الْبَلَدِ وَفَتَحُوا الْأَبْوَابَ، فَلَمَّا رَأَى بَيْدَمُرُ ذَلِكَ أَرْسَلَ مَفَاتِيحَ الْبَلَدِ إِلَيْهِمْ.

وُصُولُ السُّلْطَانِ الْمَلِكِ الْمَنْصُورِ إِلَى الْمِصْطَبَةِ غَرْبِيَّ عَقَبَةِ سُجُورَا
كَانَ ذَلِكَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فِي جَحَافِلَ عَظِيمَةِ كَالْجِبَالِ، فَنَزَلَ عِنْدَ الْمِصْطَبَةِ الْمَنْسُوبَةِ إِلَى عَمِّ أَبِيهِ الْمَلِكِ الْأَشْرَفِ خَلِيلِ بْنِ الْمَنْصُورِ قَلَاوُونَ، وَجَاءَتِ الْأُمَرَاءُ وَنُوَّابُ الْبِلَادِ لِتَقْبِيلِ يَدِهِ وَالْأَرْضِ بَيْنَ يَدَيْهِ; كَنَائِبِ حَلَبَ، وَنَائِبِ حَمَاةَ وَهُوَ الْأَمِيرُ عَلَاءُ الدِّينِ الْمَارِدَانِيُّ، وَقَدْ عُيِّنَ لِنِيَابَةِ دِمَشْقَ، وَكُتِبَ تَقْلِيدُهُ بِذَلِكَ، وَأُرْسِلَ إِلَيْهِ وَهُوَ بِحَمَاةَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ

السَّبْتِ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْهُ خَلَعَ عَلَى الْأَمِيرِ عَلَاءِ الدِّينِ عَلِيٍّ الْمَارِدَانِيِّ بِنِيَابَةِ دِمَشْقَ، وَأُعِيدَ إِلَيْهَا عَوْدًا عَلَى بَدْءٍ، ثُمَّ هَذِهِ الْكَرَّةُ الثَّالِثَةُ، وَقَبَّلَ يَدَ السُّلْطَانِ، وَرَكِبَ عَنْ يَمِينِهِ، وَخَرَجَ أَهْلُ الْبَلَدِ لِتَهْنِئَتِهِ، هَذَا وَالْقَلْعَةُ مُحَصَّنَةٌ بِيَدِ بَيْدَمُرَ، وَقَدْ دَخَلَهَا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، وَاحْتَمَى بِهَا هُوَ، وَمَنْجَكُ، وَأَسَنْدَمُرُ، وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْأَعْوَانِ بِهَا، وَلِسَانُ حَالِ الْقَدَرِ يَقُولُ: أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ [ النِّسَاءِ: 78 ].
وَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْأَحَدِ طُلِبَ قُضَاةُ الْقُضَاةِ، وَأُرْسِلُوا إِلَى بَيْدَمُرَ وَذَوِيهِ بِالْقَلْعَةِ لِيُصَالِحُوهُ عَلَى شَيْءٍ يَشْتَرِطُونَهُ، فَكَانَ مَا سَنَذْكُرُهُ.

سَبَبُ خُرُوجِ بَيْدَمُرَ مِنَ الْقَلْعَةِ وَصِفَةُ ذَلِكَ
لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْأَحَدِ الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ مِنْهُ أُرْسِلَ قُضَاةُ الْقُضَاةِ، وَمَعَهُمُ الشَّيْخُ شَرَفُ الدِّينِ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ الْحَنْبَلِيُّ، وَالشَّيْخُ سِرَاجُ الدِّينِ الْهِنْدِيُّ الْحَنَفِيُّ قَاضِي الْعَسْكَرِ الْمِصْرِيِّ لِلْحَنَفِيَّةِ - إِلَى بَيْدَمُرَ وَمَنْ مَعَهُ لِيَتَكَلَّمُوا مَعَهُمْ فِي الصُّلْحِ لِيَنْزِلُوا عَلَى مَا يَشْتَرِطُونَ قَبْلَ أَنْ يَشْرَعُوا فِي الْحِصَارِ بِالرِّجَالِ وَالْمَجَانِيقِ الَّتِي قَدِ اسْتُدْعِيَ بِهَا مِنْ صَفَدَ وَبَعْلَبَكَّ، وَأُحْضِرَ مِنْ رِجَالِ النَّقَّاعِينَ نَحْوٌ مِنْ سِتَّةِ آلَافِ رَامٍ، فَلَمَّا اجْتَمَعَ بِهِ الْقُضَاةُ وَمَنْ مَعَهُمْ وَأَخْبَرُوهُ عَنِ السُّلْطَانِ، وَأَعْيَانِ الْأُمَرَاءِ بِأَنَّهُمْ قَدْ كَتَبُوا لَهُ أَمَانًا إِنْ أَنَابَ إِلَى الْمُصَالَحَةِ، فَطَلَبَ أَنْ يَكُونَ بِأَهْلِهِ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَطَلَبَ أَنْ يُعْطَى مَنْجَكُ كَذَا بِنَاحِيَةِ بِلَادِ سِيسَ لِيَسْتَرْزِقَ هُنَالِكَ، وَطَلَبَ أَسَنْدَمُرُ أَنْ يَكُونَ

بَشْمَقْدَارُ لِلْأَمِيرِ سَيْفِ الدِّينِ يَلْبُغَا الْخَاصِّكِيِّ، فَرَجَعَ الْقُضَاةُ إِلَى السُّلْطَانِ، وَمَعَهُمُ الْأَمِيرُ زَيْنُ الدِّينِ جِبْرِيلُ الْحَاجِبُ - كَانَ - فَأَخْبَرُوا السُّلْطَانَ وَالْأُمَرَاءَ بِذَلِكَ، فَأَجِيبُوا إِلَى مَا طَلَبُوا، وَخَلَعَ السُّلْطَانُ وَالْأُمَرَاءُ عَلَى جِبْرِيلَ خِلَعًا، فَرَجَعَ فِي خِدْمَةِ الْقُضَاةِ، وَمَعَهُمُ الْأَمِيرُ أَسَنْبُغَا بْنُ الْأَبُو بَكْرِيٍّ، فَدَخَلُوا الْقَلْعَةَ، وَبَاتُوا هُنَالِكَ كُلُّهُمْ، وَانْتَقَلَ الْأَمِيرُ بَيْدَمُرُ بِأَهْلِهِ وَأَثَاثِهِ إِلَى دَارِهِ بِالْمُطَرِّزِينَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْهُ خَرَجَ الْأُمَرَاءُ الثَّلَاثَةُ مِنَ الْقَلْعَةِ وَمَعَهُمْ جِبْرِيلُ، فَدَخَلَ الْقُضَاةُ، وَسَلَّمُوا الْقَلْعَةَ بِمَا فِيهَا مِنَ الْحَوَاصِلِ إِلَى الْأَمِيرِ سَيْفِ الدِّينِ أَسَنْبُغَا بْنِ الْأَبُوبَكْرِيٍّ.

دُخُولَ السُّلْطَانِ مُحَمَّدٍ ابْنِ الْمَلِكِ أَمِيرِ حَاجِّ ابْنِ الْمَلِكِ مُحَمَّدٍ ابْنِ الْمَلِكِ قَلَاوُونَ إِلَى دِمَشْقَ فِي جَيْشِهِ وَأُمَرَائِهِ
لَمَّا كَانَ صَبِيحَةُ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ رَجَعَ الْقُضَاةُ إِلَى الْوِطَاقِ الشَّرِيفِ، وَفِي صُحْبَتِهِمُ الْأُمَرَاءُ الَّذِينَ كَانُوا بِالْقَلْعَةِ، وَقَدْ أُعْطُوا الْأَمَانَ مِنْ جِهَةِ السُّلْطَانِ وَمَنْ مَعَهُمْ وَذَوِيهِمْ، فَدَخَلَ الْقُضَاةُ وَحُجِبَ الْأُمَرَاءُ الْمَذْكُورُونَ، فَخُلِعَ عَلَى الْقُضَاةِ الْأَرْبَعَةِ، وَانْصَرَفُوا رَاجِعِينَ مَجْبُورِينَ، وَأَمَّا الْأُمَرَاءُ الْمَذْكُورُونَ فَإِنَّهُمْ أُرْكِبُوا عَلَى خَيْلٍ ضَعِيفَةٍ، وَخَلْفَ كُلٍّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وُشَاقِيٌّ آخِذٌ بِوَسَطِهِ، قِيلَ: وَفِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْوُشَاقِيَّةِ خِنْجَرٌ كَبِيرٌ

مَسْلُولٌ لِئَلَّا يَسْتَنْقِذَهُ مِنْهُ أَحَدٌ فَيَقْتُلَهُ بِهَا - فَدَخَلَ جَهْرَةً بَيْنَ النَّاسِ لَبِزِّهِمْ وَذِلَّتِهِمُ الَّتِي قَدْ لَبِسَتْهُمْ، وَقَدْ أَحْدَقَ النَّاسُ بِالطَّرِيقِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، فَقَامَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ، إِلَّا أَنَّهُمْ قَدْ يُقَارِبُونَ الْمِائَةَ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ عَلَيْهَا، فَرَأَى النَّاسُ مَنْظَرًا فَظِيعًا، فَدَخَلَ بِهِمُ الْوُشَاقِيَّةُ إِلَى الْمَيْدَانِ الْأَخْضَرِ الَّذِي فِيهِ الْقَصْرُ، فَأُجْلِسُوا هُنَالِكَ وَهُمْ سِتَّةُ نَفَرٍ; الثَّلَاثَةُ النُّوَّابُ، وَجِبْرِيلُ، وَابْنُ أَسَنْدَمُرَ، وَسَادِسٌ، وَظَنَّ كُلٌّ مِنْهُمْ أَنْ يُفْعَلَ بِهِ فَاقِرَةٌ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَأُرْسِلَتِ الْجُيُوشُ دَاخِلَةً إِلَى دِمَشْقَ أَطْلَابًا أَطْلَابًا فِي تَجَمُّلٍ عَظِيمٍ - وَلُبْسُ الْحَرْبِ يَبْهَرُ الْبَصَرَ - وَخُيُولٍ، وَأَسْلِحَةٍ، وَرِمَاحٍ، ثُمَّ دَخَلَ السُّلْطَانُ فِي آخِرِ ذَلِكَ كُلِّهِ بَعْدَ الْعَصْرِ بِزَمَنٍ، وَعَلَيْهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَلَابِسِ قَبَاءٌ زِنْجَارَيٌّ، وَالْقُبَّةُ وَالطَّيْرُ، يَحْمِلُهُمَا عَلَى رَأْسِهِالْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ تُومَانَ تَمُرُ الَّذِي كَانَ نَائِبَ طَرَابُلُسَ، وَالْأُمَرَاءُ مُشَاةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَالْبُسُطُ تَحْتَ قَدَمِي فَرَسِهِ، وَالْبَشَائِرُ تُضْرَبُ خَلْفَهُ، فَدَخَلَ الْقَلْعَةَ الْمَنْصُورَةَ الْمَنْصُورِيَّةَ لَا الْبَدْرِيَّةَ، وَرَأَى مَا قَدْ أُرْصِدَ بِهَا مِنَ الْمَجَانِيقِ وَالْأَسْلِحَةِ فَاشْتَدَّ حَنَقُهُ عَلَى بَيْدَمُرَ وَأَصْحَابِهِ كَثِيرًا، وَنَزَلَ الطَّارِمَةَ، وَجَلَسَ عَلَى سَرِيرِ الْمَمْلَكَةِ، وَوَقَفَ الْأُمَرَاءُ وَالنُّوَّابُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَرَجَعَ الْحَقُّ إِلَى نِصَابِهِ، وَقَدْ كَانَ بَيْنَ دُخُولِهِ وَدُخُولِ عَمِّهِ الصَّالِحِ صَالَحٍ إِلَى دِمَشْقَ فِي قَضِيَّةِ بَيْبُغَا آرُوسَ تِسْعُ سِنِينَ، وَكَانَ دُخُولُهُمَا إِلَيْهَا فِي رَمَضَانَ; الصَّالِحُ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ، وَهَذَا فِي التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْهُ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ سَلْخَهُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - وَشَرَعَ النَّاسُ فِي الزِّينَةِ.

وَفِي صَبِيحَةِ يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ سَلْخَ الشَّهْرِ نُقِلَ الْأُمَرَاءُ الْمَغْضُوبُ عَلَيْهِمُ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِيمَا كَانُوا أَبْرَمُوهُ مِنْ ضَمِيرِ سُوءٍ لِلْمُسْلِمِينَ - إِلَى الْقَلْعَةِ، فَأُنْزِلُوا فِي أَبْرَاجِهَا مُهَانِينَ مُفَرَّقًا بَيْنَهُمْ، بَعْدَ مَا كَانُوا بِهَا آمِنِينَ حَاكِمِينَ أَصْبَحُوا مُعْتَقَلِينَ مُهَانِينَ خَائِفِينَ، فَخَارُوا بَعْدَ مَا كَانُوا رُؤَسَاءَ، وَأَصْبَحُوا بَعْدَ عِزِّهِمْ أَذِلَّاءَ، وَبَقِيَتْ أَعْيَانُ أَصْحَابِ هَؤُلَاءِ الْأُمَرَاءِ، وَنُودِيَ عَلَيْهِمْ فِي الْبَلَدِ، وَوُعِدَ مَنْ دَلَّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ بِمَالٍ جَزِيلٍ، وَوِلَايَةِ إِمْرَةٍ بِحَسَبِ ذَلِكَ، وَرُسِمَ فِي هَذَا الْيَوْمِ عَلَى الرَّئِيسِ أَمِينِ الدِّينِ بْنِ الْقَلَانِسِيِّ كَاتِبِ السِّرِّ، وَطُلِبَ مِنْهُ أَلْفُ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَسُلِّمَ إِلَى الْأَمِيرِ زَيْنِ الدِّينِ زُبَالَةَ نَائِبِ الْقَلْعَةِ، وَقَدْ أُعِيدَ إِلَيْهَا، وَأُعْطِيَ تَقْدِمَةَ ابْنِ قَرَاسُنْقُرَ، وَأَمَرَهُ أَنَّ يُعَاقِبَهُ إِلَى أَنْ يَزِنَ هَذَا الْمَبْلَغَ. وَصَلَّى السُّلْطَانُ، وَأُمَرَاؤُهُ بِالْمَيْدَانِ الْأَخْضَرِ صَلَاةَ الْعِيدِ; ضُرِبَ لَهُ خَامٌ عَظِيمٌ، وَصَلَّى بِهِ خَطِيبًا الْقَاضِي تَاجُ الدِّينِ الْمُنَاوِيُّ الشَّافِعِيُّ قَاضِي الْعَسَاكِرِ الْمَنْصُورَةِ لِلشَّافِعِيَّةِ، وَدَخَلَ الْأُمَرَاءُ مَعَ السُّلْطَانِ لِلْقَلْعَةِ مِنْ بَابِ الْمَدْرَسَةِ، وَمَدَّ لَهُمْ سِمَاطًا هَائِلًا أَكَلُوا مِنْهُ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى دُورِهِمْ وَقُصُورِهِمْ، وَحَمَلَ الْجِتْرَ فِي هَذَا الْيَوْمِ عَلَى رَأْسِ السُّلْطَانِ الْأَمِيرُ عَلِيٌّ نَائِبُ دِمَشْقَ، وَخُلِعَ عَلَيْهِ خِلْعَةٌ هَائِلَةٌ. وَفِي هَذَا الْيَوْمِ مُسِكَ الْأَمِيرُ تُومَانُ تَمُرُ الَّذِي كَانَ نَائِبَ طَرَابُلُسَ، ثُمَّ قَدِمَ عَلَى بَيْدَمُرَ فَكَانَ مَعَهُ ثُمَّ قَفَلَ إِلَى الْمِصْرِيِّينَ، وَاعْتَذَرَ إِلَيْهِمْ، فَعَذَرُوهُ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ، وَدَخَلَ وَهُوَ حَامِلٌ الْجِتْرَ عَلَى رَأْسِ السُّلْطَانِ يَوْمَ الدُّخُولِ، ثُمَّ وَلَّوْهُ نِيَابَةَ حِمْصَ فَصَغَّرُوهُ، وَحَقَّرُوهُ، ثُمَّ لَمَّا اسْتَمَرَّ ذَاهِبًا إِلَيْهَا فَكَانَ عِنْدَ الْقَابُونِ أَرْسَلُوا إِلَيْهِ فَأَمْسَكُوهُ وَرَدُّوهُ، وَطُلِبَ مِنْهُ الْمِائَةُ أَلْفٍ الَّتِي كَانَ قَبَضَهَا مِنْ بَيْدَمُرَ، ثُمَّ رَدُّوهُ إِلَى نِيَابَةِ حِمْصَ.

وَفِي يَوْمِ الْخَمِيسِ اشْتَهَرَ الْخَبَرُ بِأَنَّ طَائِفَةً مِنَ الْجَيْشِ بِمِصْرَ مِنْ طَوَاشِيَّةٍ وَخَاصِّكِيَّةٍ مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ حُسَيْنَ بْنَ النَّاصِرِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ وَاقْتَتَلُوا، وَأَنَّ الْأَمْرَ قَدِ انْفَصَلَ، وَرُدَّ حُسَيْنٌ لِلْمَحَلِّ الَّذِي كَانَ مُعْتَقَلًا فِيهِ، وَأَطْفَأَ اللَّهَ شَرَّ هَذِهِ الطَّائِفَةِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَفِي آخِرِ هَذَا الْيَوْمِ لَبِسَ الْقَاضِي نَاصِرُ الدِّينِ بْنُ يَعْقُوبَ خِلْعَةَ كِتَابَةِ السِّرِّ الشَّرِيفِيَّةَ، وَالْمَدْرَسَتَيْنِ، وَمَشْيَخَةِ الشُّيُوخِ - عِوَضًا عَنِ الرَّئِيسِ عَلَاءِ الدِّينِ بْنِ الْقَلَانِسِيِّ، عُزِلَ وَصُودِرَ، وَرَاحَ النَّاسُ لِتَهْنِئَتِهِ بِالْعُودِ إِلَى وَظِيفَتِهِ كَمَا كَانَ.
وَفِي صَبِيحَةِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ثَالِثِ شَوَّالٍ مُسِكَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأُمَرَاءِ الشَّامِيِّينَ; مِنْهُمُ الْحَاجِبَانِ صَلَاحُ الدِّينِ وَحُسَامُ الدِّينِ وَالْمَهْمَنْدَارُ ابْنُ أَخِي الْحَاجِبِ الْكَبِيرِ تَمُرَ، وَنَاصِرُ الدِّينِ ابْنُ الْمَلِكِ صَلَاحِ الدِّينِ بْنِ الْكَامِلِ، وَابْنُ حَمْزَةَ، وَالطَّرْخَانِيُّ، وَاثْنَانِ أَخَوَانِ; وَهَمَا طَيْبُغَا زَفَرَ، وَبُلْجَكُ، كُلُّهُمْ طَبْلَخَانَاهْ، وَأَخْرَجُوا خِيرُوتَمُرَ حَاجِبَ الْحُجَّابِ، وَكَذَلِكَ الْحَجُوبِيَّةُ أَيْضًا، وَأَعْطَوْا إِقْطَاعَهُ لِابْنِ الْقَشْتَمَرِيِّ الَّذِي كَانَ نَائِبَ حَلَبَ، وَأَعْطَوُا الْحَجُوبِيَّةَ لِقُمَارَيِّ أَحَدِ أُمَرَاءِ مِصْرَ.
وَفِي يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ سَابِعِ شَوَّالٍ مُسِكَ سِتَّةَ عَشَرَ أَمِيرًا مِنْ أُمَرَاءِ الْعَرَبِ بِالْقَلْعَةِ الْمَنْصُورَةِ; مِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ مُوسَى بْنِ مُهَنَّا الْمُلَقَّبُ بِالْمُصَمَّعِ، الَّذِي كَانَ أَمِيرَ الْعَرَبِ

فِي وَقْتٍ، وَمُعَيْقِلُ بْنُ فَضْلِ بْنِ مُهَنَّا، وَآخَرُونَ، وَذَكَرُوا أَنَّ سَبَبَ ذَلِكَ أَنَّ طَائِفَةً مِنْ آلِ فَضْلٍ عَرَضُوا لِلْأَمِيرِ سَيْفِ الدِّينِ الْأَحْمَدِيِّ الَّذِي اسْتَنَابُوهُ عَلَى حَلَبَ وَأَعْمَالِهَا، وَأَخَذُوا مِنْهُ شَيْئًا مِنْ بَعْضِ الْأَمْتِعَةِ، وَكَادَتِ الْحَرْبُ تَقَعُ بَيْنَهُمْ. وَفِي لَيْلَةِ الْخَمِيسِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ حُمِلَ تِسْعَةَ عَشَرَ أَمِيرًا مِنَ الْأَتْرَاكِ وَالْعَرَبِ عَلَى الْبَرِيدِ مُقَيَّدِينَ فِي الْأَغْلَالِ أَيْضًا إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، مِنْهُمْ بَيْدَمُرُ، وَمَنْجَكُ، وَأَسَنْدَمُرُ، وَجِبْرِيلُ، وَصَلَاحُ الدِّينِ الْحَاجِبُ، وَحُسَامُ الدِّينِ أَيْضًا، وَبُلْجَكُ، وَغَيْرُهُمْ، وَمَعَهُمْ نَحْوٌ مِنْ مِائَتَيْ فَارِسٍ مُلْبِسِينَ بِالسِّلَاحِ مُتَوَكِّلِينَ بِحِفْظِهِمْ، وَسَارُوا بِهِمْ نَحْوَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَأَمَرُوا جَمَاعَةً مِنَ الْبَطَّالَيْنِ، مِنْهُمْ أَوْلَادُ الْأَقْوَشِ. وَأُطْلِقَ الرَّئِيسُ أَمِينُ الدِّينِ بْنُ الْقَلَانِسِيِّ مِنَ الْمُصَادَرَةِ وَالتَّرْسِيمِ بِالْقَلْعَةِ، بَعْدَ مَا وُزِنَ بَعْضُ مَا طُلِبَ مِنْهُ، وَصَارَ إِلَى مَنْزِلِهِ، وَهَنَّأَهُ النَّاسُ.

خُرُوجُ السُّلْطَانِ مِنْ دِمَشْقَ قَاصِدًا مِصْرَ
وَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ عَاشِرُ شَهْرِ شَوَّالٍ خَرَجَ طُلْبُ يَلْبُغَا الْخَاصِّكِيِّ صَبِيحَتَهُ فِي تَجَمُّلٍ عَظِيمٍ لَمْ يَرَ النَّاسُ فِي هَذِهِ الْمُدَدِ مِثْلَهُ; مِنْ نَجَائِبَ، وَجَنَائِبَ، وَمَمَالِيكَ، وَعَظَمَةٍ هَائِلَةٍ، وَكَانَتْ عَامَّةُ الْأَطْلَابِ قَدْ تَقَدَّمَتْ قَبْلَهُ بِيَوْمٍ، وَحَضَرَ السُّلْطَانُ إِلَى الْجَامِعِ الْأُمَوِيِّ قَبْلَ أَذَانِ الظُّهْرِ، فَصَلَّى فِي مَشْهَدِ عُثْمَانَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ أُمَرَاءِ الْمِصْرِيِّينَ وَنَائِبُ الشَّامِ، وَخَرَجَ مِنْ فَوْرِهِ مِنْ بَابِ النَّصْرِ ذَاهِبًا نَحْوَ الْكُسْوَةِ، وَالنَّاسُ فِي الطُّرُقَاتِ وَالْأَسْطِحَةِ عَلَى الْعَادَةِ، وَكَانَتِ الزِّينَةُ قَدْ بَقِيَ أَكْثَرُهَا فِي الصَّاغَةِ وَالْخَوَّاصِينَ وَبَابِ الْبَرِيدِ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ، فَاسْتَمَرَّتْ نَحْوَ الْعَشَرَةِ أَيَّامٍ.
وَفِي يَوْمِ السَّبْتِ حَادِيَ عَشَرَ شَوَّالٍ خُلِعَ عَلَى الشَّيْخِ عَلَاءِ الدِّينِ الْأَنْصَارِيِّ

بِإِعَادَةِ الْحِسْبَةِ إِلَيْهِ، وَعُزِلَ عِمَادُ الدِّينِ بْنُ الشَّيْرَجِيِّ، وَخَرَجَ الْمَحْمَلُ يَوْمَ الْخَمِيسِ سَادِسَ عَشَرَ شَوَّالٍ عَلَى الْعَادَةِ، وَالْأَمِيرُ مُصْطَفَى الْبِيزِيُّ.
وَتُوُفِّيَ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعَةُ أُمَرَاءَ بِدِمَشْقَ، وَهُمْ قَشْتَمُرْزَفَرُ، وَطَيْبُغَا الْفِيلُ، وَنَوْرُوزُ أَحَدُ مُقَدَّمِي الْأُلُوفِ، وَتَمُرُ الْمَهْمَنْدَارُ وَقَدْ كَانَ مُقَدَّمَ أَلْفٍ، وَحَاجِبَ الْحُجَّابِ وَعَمِلَ نِيَابَةَ غَزَّةَ فِي وَقْتٍ، ثُمَّ تَعَصَّبَ عَلَيْهِ الْمِصْرِيُّونَ، فَعَزَلُوهُ عَنِ الْإِمْرَةِ، وَكَانَ مَرِيضًا، فَاسْتَمَرَّ مَرِيضًا، إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَدُفِنَ يَوْمَ السَّبْتِ بِتُرْبَتِهِ الَّتِي أَنْشَأَهَا بِالصُّوفِيَّةِ، لَكِنَّهُ لَمْ يُدْفَنْ فِيهَا بَلْ عَلَى بَابِهَا، كَأَنَّهُ تَوَرَّعَ أَوْ نَدِمَ عَلَى بِنَائِهَا فَوْقَ قُبُورِ الْمُسْلِمِينَ.
وَتُوُفِّيَ الْأَمِيرُ نَاصِرُ الدِّينِ بْنُ الْأَقْوَشِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ الْعِشْرِينَ مِنْ شَوَّالٍ، وَدُفِنَ بِالْقُبَيْبَاتِ، وَقَدْ نَابَ بِبَعْلَبَكَّ وَبِحِمْصَ، ثُمَّ قُطِعَ خُبْزُهُ هُوَ وَأَخُوهُ كُجْكُنُ، وَنُفُوا عَنِ الْبَلَدِ إِلَى بُلْدَانٍ شَتَّى، ثُمَّ رَضِيَ عَنْهُمُ الْأَمِيرُ يَلْبُغَا، وَأَعَادَ عَلَيْهِمْ أَخَبَّازَا بِطَبْلَخَانَاهْ، فَمَا لَبِثَ نَاصِرُ الدِّينِ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى تُوُفِّيَ إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ أَثَّرَ آثَارًا حَسَنَةً كَثِيرَةً مِنْهَا عِنْدَ عَقَبَةِ الرُّمَّانَةِ خَانٌ مَلِيحٌ نَافِعٌ، وَلَهُ بِبَعْلَبَكَّ جَامِعٌ وَحَمَّامٌ وَخَانٌ، وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَلَهُ مِنَ الْعُمْرِ سِتٌّ وَخَمْسُونَ سَنَةً.

وَفِي يَوْمِ الْأَحَدِ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْهُ دَرَّسَ الْقَاضِي نُورُ الدِّينِ مُحَمَّدٌ ابْنُ قَاضِي الْقُضَاةِ بَهَاءِ الدِّينِ بْنِ أَبِي الْبَقَاءِ الشَّافِعِيُّ بِالْمَدْرَسَةِ الْأَتَابَكِيَّةِ، نَزَلَ لَهُ عَنْهَا وَالِدُهُ بِتَوْقِيعٍ سُلْطَانِيٍّ، وَحَضَرَ عِنْدَهُ الْقُضَاةُ، وَالْأَعْيَانُ، وَأَخَذَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ [ الْبَقَرَةِ: 197 ]، وَفِي هَذَا الْيَوْمِ دَرَّسَ الْقَاضِي نَجْمُ الدِّينِ أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ النَّابُلُسِيُّ الشَّافِعِيُّ - الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْجَابِي - بِالْمَدْرَسَةِ الْعَصْرُونِيَّةِ، اسْتَنْزَلَ لَهُ عَنْهَا الْقَاضِي أَمِينُ الدِّينِ بْنُ الْقَلَانِسِيِّ فِي مُصَادَرَاتِهِ. وَفِي صَبِيحَةِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَوَّالٍ دَرَّسَ الْقَاضِي وَلِيُّ الدِّينِ عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ الْقَاضِي بَهَاءِ الدِّينِ أَبِي الْبَقَاءِ بِالْمَدْرَسَتَيْنِ الرَّوَاحِيَّةِ ثُمَّ الْقَيْمَرِيَّةِ; نَزَلَ لَهُ عَنْهُمَا وَالِدُهُ الْمَذْكُورُ بِتَوْقِيعٍ سُلْطَانِيٍّ، وَحَضَرَ عِنْدَهُ فِيهِمَا الْقُضَاةُ وَالْأَعْيَانُ.
وَفِي صَبِيحَةِ يَوْمِ الْخَمِيسِ سَلْخِ شَوَّالٍ شُهِّرَ الشَّيْخُ أَسَدٌ ابْنُ الشَّيْخِ الْكُرْدِيِّ عَلَى جَمَلٍ، وَطِيفَ بِهِ فِي حَوَاضِرِ الْبَلَدِ، وَنُودِيَ عَلَيْهِ: هَذَا جَزَاءُ مَنْ يُخَامِرُ عَلَى السُّلْطَانِ، وَيُفْسِدُ نُوَّابَ السُّلْطَانِ، ثُمَّ أُنْزِلَ عَنِ الْجَمَلِ، وَحُمِلَ عَلَى حِمَارٍ، وَطِيفَ بِهِ فِي الْبَلَدِ، وَنُودِيَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، ثُمَّ أُلْزِمَ السِّجْنَ، وَطُلِبَ مِنْهُ مَالٌ جَزِيلٌ، وَقَدْ كَانَ الْمَذْكُورُ مِنْ أَعْوَانِ بَيْدَمُرَ - الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ - وَأَنْصَارِهِ، وَكَانَ هُوَ الْمُتَسَلِّمَ لِلْقَلْعَةِ فِي أَيَّامِهِ.
وَفِي صَبِيحَةِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ حَادِيَ عَشَرَ ذِي الْقَعْدَةِ خُلِعَ عَلَى قَاضِي الْقُضَاةِ بَدْرِ الدِّينِ بْنِ أَبِي الْفَتْحِ بِقَضَاءِ الْعَسْكَرِ الَّذِي كَانَ مُتَوَفِّرًا عَنْ عَلَاءِ الدِّينِ بْنِ شَمَرْنُوخَ، وَهَنَّأَهُ النَّاسُ بِذَلِكَ، وَرَكِبَ الْبَغْلَةَ بِالزُّنَّارِيِّ مُضَافًا إِلَى مَا بِيَدِهِ مِنْ نِيَابَةِ

الْحُكْمِ، وَالتَّدْرِيسِ. وَفِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ ثَامِنَ عَشَرَهُ أُعِيدَ تَدْرِيسُ الرُّكْنِيَّةِ بِالصَّالِحِيَّةِ إِلَى قَاضِي الْقُضَاةِ شَرَفِ الدِّينِ الْكَفْرِيِّ الْحَنَفِيِّ; اسْتَرْجَعَهَا بِمَرْسُومٍ شَرِيفٍ سُلْطَانِيٍّ مِنْ يَدِ الْقَاضِي عِمَادِ الدِّينِ بْنِ الْعِزِّ، وَخُلِعَ عَلَى الْكَفْرِيِّ، وَذَهَبَ النَّاسُ إِلَيْهِ لِلتَّهْنِئَةِ بِالْمَدْرَسَةِ الْمَذْكُورَةِ.
وَفِي شَهْرِ ذِي الْحِجَّةِ اشْتَهَرَ وُقُوعُ فِتَنٍ بَيْنَ الْفَلَّاحِينَ بِنَاحِيَةِ عَجْلُونَ، وَأَنَّهُمُ اقْتَتَلُوا فَقُتِلَ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ الْيَمَنِيِّ - وَالْقَيْسِيِّ - طَائِفَةٌ، وَأَنَّ عَيْنَ حِينَا الَّتِي هِيَ شَرْقِيُّ عَجْلُونَ دُمِّرَتْ وَخُرِّبَتْ، وَقُطِعَ أَشْجَارُهَا، وَدُمِّرَتْ بِالْكُلِّيَّةِ. وَفِي صَبِيحَةِ يَوْمِ السَّبْتِ الثَّانِيَ وَالْعِشْرِينَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ لَمْ تُفْتَحْ أَبْوَابُ دِمَشْقَ إِلَى مَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، فَأَنْكَرَ النَّاسُ ذَلِكَ، وَكَانَ سَبَبُهُ الِاحْتِيَاطُ عَلَى أَمِيرٍ يُقَالُ لَهُ: كَسَغَا، كَانَ يُرِيدُ الْهَرَبَ إِلَى بِلَادِ الشَّرْقِ، فَاحْتِيطَ عَلَيْهِ حَتَّى أَمْسَكُوهُ.
وَفِي لَيْلَةِ الْأَرْبِعَاءِ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ قَدِمَ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ طَازْ مِنَ الْقُدْسِ فَنَزَلَ بِالْقَصْرِ الْأَبْلَقِ، وَقَدْ عَمِيَ مِنَ الْكُحْلِ حِينَ كَانَ مَسْجُونًا بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، فَأُطْلِقَ كَمَا ذَكَرْنَا، وَنَزَلَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ مُدَّةً، ثُمَّ جَاءَهُ تَقْلِيدٌ بِأَنَّهُ يَكُونُ طَرْخَانًا يَنْزِلُ حَيْثُ شَاءَ مِنْ بِلَادِ السُّلْطَانِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ دِيَارَ مِصْرَ، فَجَاءَ فَنَزَلَ بِالْقَصْرِ الْأَبْلَقِ، وَجَاءَ النَّاسُ إِلَيْهِ عَلَى طَبَقَاتِهِمْ; نَائِبُ السَّلْطَنَةِ فَمَنْ دُونَهُ يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ، وَهُوَ لَا يُبْصِرُ شَيْئًا، وَهُوَ عَلَى عَزْمٍ أَنْ يَشْتَرِيَ أَوْ يَسْتَكْرِيَ لَهُ دَارًا بِدِمَشْقَ يَسْكُنُهَا.

ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَسَبْعِمِائَةٍ
اسْتَهَلَّتْ هَذِهِ السَّنَةُ وَسُلْطَانُ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَالشَّامِيَّةِ، وَالْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ، وَمَا وَالَاهُمَا مِنَ الْمَمَالِكِ الْإِسْلَامِيَّةِ - السُّلْطَانُ الْمَلِكُ الْمَنْصُورُ صَلَاحُ الدِّينِ مُحَمَّدٌ ابْنُ الْمَلِكِ الْمُظَفَّرِ أَمِيرِ حَاجِّ ابْنِ الْمَلِكِ النَّاصِرِ مُحَمَّدٍ ابْنِ الْمَلِكِ الْمَنْصُورِ قَلَاوُونَ، وَهُوَ شَابٌّ دُونَ الْعِشْرِينَ، وَمُدَبِّرُ الْمَمَالِكِ بَيْنَ يَدَيْهِ الْأَمِيرُ يَلْبُغَا، وَنَائِبُ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ قُشْتُمُرُ، وَقُضَاتُهَا هُمُ الْمَذْكُورُونَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا، وَالْوَزِيرُ سَيْفُ الدِّينِ قَرَوِينَةُ، وَهُوَ مَرِيضٌ مُدْنِفٌ، وَنَائِبُ الشَّامِ بِدِمَشْقَ الْأَمِيرُ عَلَاءُ الدِّينِ الْمَارِدَانِيُّ، وَقُضَاتُهُ هُمُ الْمَذْكُورُونَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا، وَكَذَلِكَ الْخَطِيبُ، وَوَكِيلُ بَيْتِ الْمَالِ، وَالْمُحْتَسِبُ عَلَاءُ الدِّينِ الْأَنْصَارِيُّ، عَادَ إِلَيْهَا فِي السَّنَةِ الْمُنْفَصِلَةِ، وَحَاجِبُ الْحُجَّابِ قُمَارِيُّ، وَالَّذِي يَلِيهِ السُّلَيْمَانِيُّ، وَآخَرُ مِنْ مِصْرَ أَيْضًا، وَكَاتِبُ السِّرِّ الْقَاضِي نَاصِرُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْحَلَبِيُّ، وَنَاظِرُ الْجَامِعِ الْقَاضِي تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ مَرَاجِلٍ. وَأَخْبَرَنِي قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجُ الدِّينِ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ

جُدِّدَ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السَّنَةِ قَاضٍ حَنَفِيٍّ بِمَدِينَةِ صَفَدَ الْمَحْرُوسَةِ مَعَ الشَّافِعِيِّ، فَصَارَ فِي كُلٍّ مِنْ حَمَاةَ وَطَرَابُلُسَ وَصَفَدَ قَاضِيَانِ; شَافِعِيٌّ، وَحَنَفِيٌّ.
وَفِي ثَانِي الْمُحَرَّمِ قَدِمَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ بَعْدَ غَيْبَةِ نَحْوٍ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَقَدْ أَوَطَأَ بِلَادَ قُرْيَرَ بِالرُّعْبِ، وَأَخَذَ مِنْ مُقَدَّمِيهِمْ طَائِفَةً فَأَوْدَعَهُمُ الْحَبْسَ، وَكَانَ قَدِ اشْتَهَرَ أَنَّهُ قَصَدَ الْعَشِيرَاتِ الْمُوَاسِينَ بِبِلَادِ عَجْلُونَ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ حِينَ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ نَاحِيَةَ قُرْيَرَ، وَأَنَّ الْعَشِيرَاتِ قَدِ اصْطَلَحُوا، وَاتَّفَقُوا، وَأَنَّ التَّجْرِيدَةَ عِنْدَهُمْ هُنَاكَ، وَقَدْ كَبَسَ الْأَعْرَابُ مِنْ حَرَمِ التُّرْكِ فَهَزَمَهُمُ التَّرْكُ، وَقَتَلُوا مِنْهُمْ خَلْقًا كَثِيرًا، ثُمَّ ظَهَرَ لِلْعَرَبِ كَمِينٌ فَلَجَأَ التُّرْكُ إِلَى وَادٍ حَرِجٍ فَحَصَرُوهُمْ هُنَالِكَ، ثُمَّ وَلَّتِ الْأَعْرَابُ فِرَارًا، وَلَمْ يُقْتَلْ مِنَ التُّرْكِ أَحَدٌ، وَإِنَّمَا جُرِحَ مِنْهُمْ أَمِيرٌ وَاحِدٌ فَقَطْ، وَقُتِلَ مِنَ الْأَعْرَابِ فَوْقَ الْخَمْسِينَ نَفْسًا.
وَقَدِمَ الْحُجَّاجُ يَوْمَ الْأَحَدِ الثَّانِيَ وَالْعِشْرِينَ مِنَ الْمُحَرَّمِ، وَدَخَلَ الْمَحْمَلُ السُّلْطَانِيُّ لَيْلَةَ الِاثْنَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَلَمْ يُحْتَفَلْ لِدُخُولِهِ كَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ; وَذَلِكَ لِشِدَّةِ مَا نَالَ الرَّكْبِ فِي الرَّجْعَةِ مِنْ زَيْزَاءَ إِلَى هُنَا مِنَ الْبَرْدِ الشَّدِيدِ، بِحَيْثُ إِنَّهُ قَدْ قِيلَ: إِنَّهُ مَاتَ مِنْهُمْ بِسَبَبِ ذَلِكَ نَحْوَ الْمِائَةِ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَلَكِنْ أَخْبَرُوا بِرُخْصٍ كَثِيرٍ، وَأَمْنٍ، وَبِمَوْتِ ثُقْبَةَ أَخِي عَجْلَانَ صَاحِبِ مَكَّةَ، وَقَدِ اسْتَبْشَرَ بِمَوْتِهِ

أَهْلُ تِلْكَ الْبِلَادِ لِبَغْيِهِ عَلَى أَخِيهِ عَجْلَانَ الْعَادِلِ فِيهِمْ.

مَنَامٌ غَرِيبٌ جِدًّا
وَرَأَيْتُ - يَعْنِي الْمُصَنِّفَ - فِي لَيْلَةِ الِاثْنَيْنِ الثَّانِيَ وَالْعِشْرِينَ مِنَ الْمُحَرَّمِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَسَبْعِمِائَةٍ الشَّيْخَ مُحْيِيَ الدِّينِ النَّوَاوِيَّ، رَحِمَهُ اللَّهُ فَقُلْتُ لَهُ: يَا سَيِّدِي الشَّيْخُ، لِمَ لَا أَدْخَلْتَ فِي شَرْحِكَ " الْمُهَذَّبِ " شَيْئًا مِنْ مُصَنَّفَاتِ ابْنِ حَزْمٍ، فَقَالَ مَا مَعْنَاهُ: إِنَّهُ لَا يُحِبُّهُ، فَقُلْتُ لَهُ: أَنْتَ مَعْذُورٌ فِيهِ، فَإِنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ طَرَفَيِ النَّقِيضَيْنِ فِي أُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ، أَمَّا هُوَ فِي الْفُرُوعِ فَظَاهِرِيٌّ جَامِدٌ يَابِسٌ، وَفِي الْأُصُولِ تَوَلٌ مَائِعٌ، قَرْمَطَةُ الْقَرَامِطَةِ، وَهُرْمُسُ الْهَرَامِسَةِ، وَرَفَعْتُ بِهَا صَوْتِي حَتَّى سُمِعْتُ وَأَنَا نَائِمٌ، ثُمَّ أَشَرْتُ لَهُ إِلَى أَرْضٍ خَضْرَاءَ تُشْبِهُ النَّجِيلَ بَلْ هِيَ أَرْدَأُ شَكْلًا مِنْهُ، لَا يُنْتَفَعُ بِهَا فِي اسْتِغْلَالٍ وَلَا رَعْيٍ، فَقُلْتُ لَهُ: هَذِهِ أَرْضُ ابْنِ حَزْمٍ الَّتِي زَرَعَهَا، قَالَ: انْظُرْ هَلْ تَرَى فِيهَا شَجَرًا مُثْمِرًا أَوْ شَيْئًا يُنْتَفَعُ بِهِ ؟ فَقُلْتُ: إِنَّمَا تَصْلُحُ لِلْجُلُوسِ عَلَيْهَا فِي ضَوْءِ الْقَمَرِ. فَهَذَا حَاصِلُ مَا رَأَيْتُهُ، وَوَقَعَ فِي خَلَدِي أَنَّ ابْنَ حَزْمٍ كَانَ حَاضِرَنَا عِنْدَمَا أَشَرْتُ لِلشَّيْخِ مُحْيِي الدِّينِ إِلَى الْأَرْضِ الْمَنْسُوبَةِ لِابْنِ حَزْمٍ، وَهُوَ سَاكِتٌ لَا يَتَكَلَّمُ.

وَفِي يَوْمِ الْخَمِيسِ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ صَفَرٍ خُلِعَ عَلَى الْقَاضِي عِمَادِ الدِّينِ بْنِ الشَّيْرَجِيِّ بِعَوْدِ الْحِسْبَةِ إِلَيْهِ; بِسَبَبِ ضَعْفِ عَلَاءِ الدِّينِ الْأَنْصَارِيِّ عَنِ الْقِيَامِ بِهَا; لِشُغْلِهِ بِالْمَرَضِ الْمُدْنِفِ، وَهَنَّأَهُ النَّاسُ عَلَى الْعَادَةِ.
وَفِي لَيْلَةِ السَّبْتِ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ صَفَرٍ تُوُفِّيَ الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ الْأَنْصَارِيُّ، الْمَذْكُورُ بِالْمَدْرَسَةِ الْأَمِينِيَّةِ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ الظُّهْرَ بِالْجَامِعِ الْأُمَوِيِّ، وَدُفِنَ بِمَقَابِرِ بَابِ الصَّغِيرِ خَلْفَ مِحْرَابِ جَامِعِ جَرَاحٍ، فِي تُرْبَةٍ هُنَالِكَ، وَقَدْ جَاوَزَ الْأَرْبَعِينَ سَنَةً، وَدَرَّسَ فِي الْأَمِينِيَّةِ، وَفِي الْحِسْبَةِ مَرَّتَيْنِ، وَتَرَكَ أَوْلَادًا صِغَارًا، وَأَمْوَالًا جَزِيلَةً، سَامَحَهُ اللَّهُ وَرَحِمَهُ، وَوَلِيَ الْمَدْرَسَةَ بَعْدَهُ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجُ الدِّينِ بْنُ السُّبْكِيِّ بِمَرْسُومٍ كَرِيمٍ شَرِيفٍ.
وَفِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ صَفَرٍ بَلَغَنَا وَفَاةُ قَاضِي قُضَاةِ الْمَالِكِيَّةِ الْأَخْنَائِيِّ بِمِصْرَ، وَتَوْلِيَةُ أَخِيهِ بُرْهَانِ الدِّينِ ابْنِ قَاضِي الْقُضَاةِ عَلَمِ الدِّينِ الْأَخْنَائِيِّ الشَّافِعِيِّ أَبُوهُ - قَاضِيًا مَكَانَ أَخِيهِ، وَقَدْ كَانَ عَلَى الْحِسْبَةِ بِمِصْرَ مَشْكُورَ السِّيرَةِ فِيهَا، وَأُضِيفَ إِلَيْهِ نَظَرُ الْخِزَانَةِ كَمَا كَانَ أَخُوهُ.
وَفِي صَبِيحَةِ يَوْمِ الْأَحَدِ رَابِعَ عَشَرَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ كَانَ ابْتِدَاءُ حُضُورِ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجِ الدِّينِ أَبِي نَصْرٍ عَبْدِ الْوَهَّابِ ابْنِ قَاضِي الْقُضَاةِ تَقِيِّ الدِّينِ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الْكَافِي السُّبْكِيِّ الشَّافِعِيِّ - تَدْرِيسَ الْأَمِينِيَّةِ عِوَضًا عَنِ الشَّيْخِ

عَلَاءِ الدِّينِ الْمُحْتَسِبِ، بِحُكْمِ وَفَاتِهِ، رَحِمَهُ اللَّهُ - كَمَا ذَكَرْنَا، وَحَضَرَ عِنْدَهُ خَلْقٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَالْأُمَرَاءِ، وَالْفُقَهَاءِ، وَالْعَامَّةِ، وَكَانَ دَرْسًا حَافِلًا، أَخَذَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ الْآيَةِ وَمَا بَعْدَهَا [ النِّسَاءِ: 54 ]. فَاسْتَنْبَطَ أَشْيَاءَ حَسَنَةً، وَذَكَرَ ضَرْبًا مِنَ الْعُلُومِ بِعِبَارَةٍ طَلْقَةٍ جَارِيَةٍ مَعْسُولَةٍ، أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَلَعْثُمٍ، وَلَا تَلَجْلُجٍ، وَلَا تَكَلُّفٍ، فَأَجَادَ، وَأَفَادَ، وَشَكَرَهُ الْخَاصَّةُ وَالْعَامَّةُ مِنَ الْحَاضِرِينَ، وَغَيْرِهِمْ، حَتَّى قَالَ بَعْضُ الْأَكَابِرِ: إِنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ دَرْسًا مِثْلَهُ.
وَفِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْهُ تُوُفِّيَ الصَّدْرُ بُرْهَانُ الدِّينِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ لُؤْلُؤٍ الْحَوْضِيُّ، فِي دَارِهِ بِالْقَصَّاعِينَ، وَلَمْ يَمْرَضْ إِلَّا يَوْمًا وَاحِدًا، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ مِنَ الْغَدِ بِجَامِعِ دِمَشْقَ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ، وَخَرَجُوا بِهِ مِنْ بَابِ النَّصْرِ، فَخَرَجَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ الْأَمِيرُ عَلِيٌّ، فَصَلَّى عَلَيْهِ إِمَامًا خَارِجَ بَابِ النَّصْرِ، ثُمَّ ذَهَبُوا بِهِ فَدَفَنُوهُ بِمَقَابِرِهِمْ بِبَابِ الصَّغِيرِ، فَدُفِنَ عِنْدَ أَبِيهِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَكَانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهِ مُرُوءَةٌ، وَقِيَامٌ مَعَ النَّاسِ، وَلَهُ وَجَاهَةٌ عِنْدَ الدَّوْلَةِ، وَقَبُولٌ عِنْدَ نُوَّابِ السَّلْطَنَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَيُحِبُّ الْعُلَمَاءَ وَأَهْلَ الْخَيْرِ، وَيُوَاظِبُ عَلَى سَمَاعِ مَوَاعِيدِ الْحَدِيثِ وَالْخَيْرِ، وَكَانَ لَهُ مَالٌ، وَثَرْوَةٌ، وَمَعْرُوفٌ، وَقَارَبَ الثَّمَانِينَ - رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَجَاءَ الْبَرِيدُ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ فَأَخْبَرَ بِمَوْتِ الشَّيْخِ شَمْسِ الدِّينِ مُحَمَّدِ بْنِ

النَّقَّاشِ الْمِصْرِيِّ بِهَا، وَكَانَ وَاعِظًا بَاهِرًا، وَفَقِيهًا بَارِعًا، نَحْوِيًّا شَاعِرًا، لَهُ يَدٌ طُولَى فِي فُنُونٍ مُتَعَدِّدَةٍ، وَقُدْرَةٌ عَلَى نَسْجِ الْكَلَامِ، وَدُخُولٌ عَلَى الدَّوْلَةِ وَتَحْصِيلُ الْأَمْوَالِ، وَهُوَ مِنْ أَبْنَاءِ الْأَرْبَعِينَ، رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَأَخْبَرَ الْبَرِيدُ بِوِلَايَةِ قَاضِي الْقُضَاةِ شَرَفِ الدِّينِ الْمَالِكِيِّ الْبَغْدَادِيِّ، الَّذِي كَانَ قَاضِيًا بِالشَّامِ لِلْمَالِكِيَّةِ، ثُمَّ عُزِلَ بِنَظَرِ الْخِزَانَةِ بِمِصْرَ، فَإِنَّهُ رُتِّبَ لَهُ مَعْلُومٌ وَافِرٌ يَكْفِيهِ، وَيَفْضُلُ عَنْهُ، فَفَرِحَ بِذَلِكَ مَنْ يُحِبُّهُ.
وَفِي يَوْمِ الْأَحَدِ السَّابِعَ عَشَرَ مِنْ رَبِيعٍ الْآخِرِ تُوُفِّيَ الرَّئِيسُ أَمِينُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ الصَّدْرِ جَمَالِ الدِّينِ أَحْمَدَ ابْنِ الرَّئِيسِ شَرَفِ الدِّينِ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَلَانِسِيِّ، أَحَدُ مَنْ بَقِيَ مِنْ رُؤَسَاءِ الْبَلَدِ وَكُبَرَائِهَا، وَقَدْ كَانَ بَاشَرَ مُبَاشَرَاتٍ كِبَارًا كَأَبِيهِ وَعَمِّهِ عَلَاءِ الدِّينِ، وَلَكِنْ فَاقَ هَذَا عَلَى أَسْلَافِهِ; فَإِنَّهُ بَاشَرَ وَكَالَةَ بَيْتِ الْمَالِ مُدَّةً، وَوَلِيَ قَضَاءَ الْعَسَاكِرِ أَيْضًا، ثُمَّ وَلِيَ كِتَابَةَ السِّرِّ مَعَ مَشْيَخَةِ الشُّيُوخِ، وَتَدْرِيسِ النَّاصِرِيَّةِ، وَالشَّامِيَّةِ الْجَوَّانِيَّةِ، وَكَانَ قَدْ دَرَّسَ فِي الْعَصْرُونِيَّةِ مِنْ قَبْلِ سَنَةِ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ، ثُمَّ لَمَّا قَدِمَ السُّلْطَانُ فِي السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ

عُزِلَ عَنْ مَنَاصِبِهِ الْكِبَارِ، وَصُودِرَ بِمَبْلَغٍ كَثِيرٍ يُقَارِبُ مِائَتَيْ أَلْفٍ، فَبَاعَ كَثِيرًا مِنْ أَمْلَاكِهِ، وَمَا بَقِيَ بِيَدِهِ مِنْ وَظَائِفِهِ شَيْءٌ، وَبَقِيَ خَامِلًا مُدَّةً إِلَى يَوْمِهِ هَذَا، فَتُوُفِّيَ بَغْتَةً، وَكَانَ قَدْ تَشَوَّشَ قَلِيلًا لَمْ يَشْعُرْ بِهِ أَحَدٌ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ الْعَصْرَ بِجَامِعِ دِمَشْقَ، وَخَرَجُوا بِهِ مِنْ بَابِ النَّاطَفَانِيِّينَ إِلَى تُرْبَتِهِمُ الَّتِي بِسَفْحِ قَاسِيُونَ - رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَفِي صَبِيحَةِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ ثَامِنَ عَشَرَهُ خُلِعَ عَلَى الْقَاضِي جَمَالِ الدِّينِ ابْنِ قَاضِي الْقُضَاةِ شَرَفِ الدِّينِ الْكَفْرِيِّ الْحَنَفِيِّ، وَجُعِلَ مَعَ أَبِيهِ شَرِيكًا فِي الْقَضَاءِ، وَلُقِّبَ فِي التَّوْقِيعِ الْوَارِدِ صُحْبَةَ الْبَرِيدِ مِنْ جِهَةِ السُّلْطَانِ: قَاضِي الْقُضَاةِ. فَلَبِسَ الْخِلْعَةَ بِدَارِ السَّعَادَةِ، وَجَاءَ وَمَعَهُ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجُ الدِّينِ السُّبْكِيُّ إِلَى النُّورِيَّةِ، فَقَعَدَ فِي الْمَسْجِدِ، وَوُضِعَتِ الرَّبْعَةُ فَقُرِئَتْ، وَقُرِئَ الْقُرْآنُ، وَلَمْ يَكُنْ دَرْسًا، وَجَاءَتِ النَّاسُ لِلتَّهْنِئَةِ بِمَا حَصَلَ مِنَ الْوِلَايَةِ لَهُ مَعَ أَبِيهِ.
وَفِي صَبِيحَةِ يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ تُوُفِّيَ الشَّيْخُ الصَّالِحُ الْعَابِدُ النَّاسِكُ الْخَاشِعُ فَتْحُ الدِّينِ ابْنُ الشَّيْخِ زَيْنِ الدِّينِ الْفَارِقِيُّ، إِمَامُ دَارِ الْحَدِيثِ الْأَشْرَفِيَّةِ، وَخَازِنُ الْأَثَرِ بِهَا، وَمُؤَذِّنٌ فِي الْجَامِعِ، وَقَدْ أَتَتْ عَلَيْهِ تِسْعُونَ سَنَةً فِي خَيْرٍ وَصِيَانَةٍ وَتِلَاوَةٍ وَصَلَاةٍ كَثِيرَةٍ، وَانْجِمَاعٍ عَنِ النَّاسِ، صُلِّيَ عَلَيْهِ صَبِيحَةَ يَوْمَئِذٍ، وَخُرِجَ بِهِ مِنْ بَابِ النَّصْرِ إِلَى نَحْوِ الصَّالِحِيَّةِ رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَفِي صَبِيحَةِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ عَاشِرِ جُمَادَى الْأُولَى وَرَدَ الْبَرِيدُ - وَهُوَ قَرَابُغَا دَوَادَارَ نَائِبُ الشَّامِ الصَّغِيرُ - وَمَعَهُ تَقْلِيدٌ بِقَضَاءِ قُضَاةِ الْحَنَفِيَّةِ لِلشَّيْخِ جَمَالِ الدِّينِ

يُوسُفَ ابْنِ قَاضِي الْقُضَاةِ شَرَفِ الدِّينِ الْكَفْرِيِّ، بِمُقْتَضَى نُزُولِ أَبِيهِ لَهُ عَنْ ذَلِكَ، فَلَبِسَ الْخِلْعَةَ بِدَارِ السَّعَادَةِ، وَأُجْلِسَ تَحْتَ الْمَالِكِيِّ، ثُمَّ جَاءُوا إِلَى الْمَقْصُورَةِ مِنَ الْجَامِعِ، وَقُرِئَ تَقْلِيدُهُ هُنَالِكَ، قَرَأَهُ شَمْسُ الدِّينِ بْنُ السُّبْكِيِّ نَائِبُ الْحِسْبَةِ، وَاسْتَنَابَ اثْنَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِمْ; وَهُمَا شَمْسُ الدِّينِ بْنُ مَنْصُورٍ، وَبَدْرُ الدِّينِ بْنُ الْجُوَاشِنِيِّ، ثُمَّ جَاءَ مَعَهُ الْقُضَاةُ إِلَى النُّورِيَّةِ فَدَرَّسَ بِهَا، وَلَمْ يَحْضُرْهُ وَالِدُهُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ.

مَوْتُ الْخَلِيفَةِ الْمُعْتَضِدِ بِاللَّهِ
كَانَ ذَلِكَ فِي الْعَشْرِ الْأَوْسَطِ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى بِالْقَاهِرَةِ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ يَوْمَ الْخَمِيسِ، أَخْبَرَنِي بِذَلِكَ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجُ الدِّينِ الشَّافِعِيُّ، عَنْ كِتَابِ أَخِيهِ الشَّيْخِ بَهَاءِ الدِّينِ، رَحِمَهُمَا اللَّهُ.

خِلَافَةُ الْمُتَوَكِّلِ عَلَى اللَّهِ
ثُمَّ بُويِعَ بَعْدَهُ وَلَدُهُ الْمُتَوَكِّلُ عَلَى اللَّهِ عَلِيٌّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُعْتَضِدِ

أَبِي بَكْرٍ أَبِي الْفَتْحِ بْنِ الْمُسْتَكْفِي بِاللَّهِ أَبِي الرَّبِيعِ سُلَيْمَانَ بْنِ الْحَاكِمِ بِأَمْرِ اللَّهِ أَبِي الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ، رَحِمَ اللَّهُ أَسْلَافَهُ.
وَفِي جُمَادَى الْأُولَى تَوَجَّهَ الرَّسُولُ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَمَعَهُ سَنَاجِقُ خَلِيفَتِيَّةٌ، وَسُلْطَانِيَّةٌ، وَتَقَالِيدُ، وَخِلَعُ، وَتُحَفٌ لِصَاحِبَيِ الْمَوْصِلِ وَسِنْجَارَ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِ مِصْرَ لِيَخْطَبَ لَهُ فِيهِمَا، وَوَلَّى قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجُ الدِّينِ الشَّافِعِيُّ السُّبْكِيُّ الْحَاكِمُ بِدِمَشْقَ لِقَاضِيهِمَا مِنْ جِهَتِهِ تَقْلِيدَيْنِ - حَسَبَ مَا أَخْبَرَنِي بِذَلِكَ - وَأُرْسِلَا مَعَ مَا أَرْسَلَ بِهِ السُّلْطَانُ إِلَى الْبَلَدَيْنِ، وَهَذَا أَمْرٌ غَرِيبٌ لَمْ يَقَعْ مِثْلُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ فِيمَا أَعْلَمُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِي جُمَادَى الْآخِرَةِ خَرَجَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ إِلَى مَرْجِ الْغَسُولَةِ، وَمَعَهُ حَجَبَتُهُ، وَنُقَبَاءُ النُّقَبَاءِ، وَكَاتِبُ السِّرِّ وَذَوُوهُ، وَمِنْ عَزْمِهِمُ الْإِقَامَةُ مُدَّةً، فَقَدِمَ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ أَمِيرٌ عَلَى الْبَرِيدِ، فَأَسْرَعُوا الْأَوْبَةَ، فَدَخَلُوا فِي صَبِيحَةِ الْأَحَدِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ مِنْهُ، وَأَصْبَحَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ فَحَضَرَ الْمَوْكِبَ عَلَى الْعَادَةِ، وَخَلَعَ عَلَى الْأَمِيرِ سَيْفِ الدِّينِ يَلْبُغَا الصَّالِحِيِّ، وَجَاءَ النَّصُّ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ بِخِلْعَةِ دَوَادَارَ، عِوَضًا عَنْ سَيْفِ الدِّينِ كُجْكُنَ، وَخُلِعَ فِي هَذَا الْيَوْمِ عَلَى الصَّدْرِ شَمْسِ الدِّينِ بْنِ مَزِيَ بِتَوْقِيعِ الدَّسْتِ، وُجِهَاتٍ أُخَرَ، قُدِمَ بِهَا مِنَ الدِّيَارِ

الْمِصْرِيَّةِ، فَانْتَشَرَ الْخَبَرُ فِي هَذَا الْيَوْمِ بِإِجْلَاسِ قَاضِي الْقُضَاةِ جَمَالِ الدِّينِ بْنِ الْكَفْرِيِّ الْحَنَفِيِّ، فَوْقَ قَاضِي الْقُضَاةِ الْمَالِكِيَّةِ، لَكِنْ لَمْ يَحْضُرْ فِي هَذَا الْيَوْمِ، وَذَلِكَ بَعْدَ مَا قَدْ أُمِرَ بِإِجْلَاسِ الْمَالِكِيِّ فَوْقَهُ.
وَفِي ثَانِي رَجَبٍ تُوُفِّيَ الْقَاضِي الْإِمَامُ الْعَالِمُ شَمْسُ الدِّينِ بْنُ مُفْلِحٍ الْمَقْدِسِيُّ الْحَنْبَلِيُّ، نَائِبُ مَشْيَخَةِ قَاضِي الْقُضَاةِ جَمَالِ الدِّينِ يُوسُفَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَقْدِسِيِّ الْحَنْبَلِيِّ، وَزَوْجُ ابْنَتِهِ، وَلَهُ مِنْهَا سَبْعَةُ أَوْلَادٍ ذُكُورٌ وَإِنَاثٌ، وَكَانَ بَارِعًا فَاضِلًا مُتَفَنِّنًا فِي عُلُومٍ كَثِيرَةٍ، وَلَا سِيَّمَا عَلِمُ الْفُرُوعِ، كَانَ غَايَةً فِي نَقْلِ مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَجَمَعَ مُصَنَّفَاتٍ كَثِيرَةً; مِنْهَا عَلَى كِتَابِ " الْمُقْنِعِ " نَحْوًا مِنْ ثَلَاثِينَ مُجَلَّدًا، كَمَا أَخْبَرَنِي بِذَلِكَ عَنْهُ قَاضِي الْقُضَاةِ جَمَالُ الدِّينِ، وَعَلَّقَ عَلَى مَحْفُوظِهِ أَحْكَامَ الشَّيْخِ مَجْدِ الدِّينِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ مُجَلَّدَيْنِ، وَلَهُ غَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْفَوَائِدِ وَالتَّعْلِيقَاتِ - رَحِمَهُ اللَّهُ. تُوُفِّيَ عَنْ نَحْوِ خَمْسِينَ سَنَةً، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ بَعْدَ الظُّهْرِ مِنْ يَوْمِ الْخَمِيسِ ثَانِيَ الشَّهْرِ بِالْجَامِعِ الْمُظَفَّرِيِّ، وَدُفِنَ بِمَقْبَرَةِ الشَّيْخِ الْمُوَفَّقِ، وَكَانَتْ لَهُ جِنَازَةٌ حَافِلَةٌ حَضَرَهَا الْقُضَاةُ كُلُّهُمْ، وَخَلْقٌ مِنَ الْأَعْيَانِ، رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَكْرَمَ مَثْوَاهُ.
وَفِي صَبِيحَةِ يَوْمِ السَّبْتِ رَابِعِ رَجَبٍ ضَرَبَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ جَمَاعَةً مِنْ أَهْلِ

قَبْرِ عَاتِكَةَ أَسَاءُوا الْأَدَبَ عَلَى النَّائِبِ وَمَمَالِيكِهِ، بِسَبَبِ جَامِعٍ لِلْخُطْبَةِ جُدِّدَ بِنَاحِيَتِهِمْ، فَأَرَادَ بَعْضُ الْفُقَرَاءِ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ الْجَامِعَ، وَيَجْعَلَهُ زَاوِيَةً لِلرَّقَّاصِينَ، فَحَكَمَ الْقَاضِي الْحَنْبَلِيُّ بِجَعْلِهِ جَامِعًا قَدْ نُصِبَ فِيهِ مِنْبَرٌ، وَقَدْ قَدِمَ شَيْخٌ مِنَ الْفُقَرَاءِ عَلَى يَدَيْهِ مَرْسُومٌ شَرِيفٌ بِتَسْلِيمِهِ إِلَيْهِ، فَأَنِفَتْ أَنْفُسُ أَهْلِ تِلْكَ النَّاحِيَةِ مِنْ عَوْدِهِ زَاوِيَةً بَعْدَ مَا كَانَ جَامِعًا، وَأَعْظَمُوا ذَلِكَ، فَتَكَلَّمَ بَعْضُهُمْ بِكَلَامٍ سَيِّئٍ فَاسْتَحْضَرَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ طَائِفَةً مِنْهُمْ، وَضَرَبَهُمْ بِالْمُقَارِعِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَنُودِيَ عَلَيْهِمْ فِي الْبَلَدِ، فَأَرَادَ بَعْضُ الْعَامَّةِ إِنْكَارًا لِذَلِكَ، وَحُدِّدَ مِيعَادُ حَدِيثٍ يُقْرَأُ بَعْدَ الْمَغْرِبِ تَحْتَ قُبَّةِ النَّسْرِ عَلَى الْكُرْسِيِّ الَّذِي يُقْرَأُ عَلَيْهِ الْمُصْحَفُ، رَتَّبَهُ أَحَدُ أَوْلَادِ الْقَاضِي عِمَادِ الدِّينِ بْنِ الشِّيرَازِيِّ، وَحَدَّثَ فِيهِ الشَّيْخُ عِمَادُ الدِّينِ بْنُ السَّرَّاجِ، وَاجْتَمَعَ عِنْدَهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَجَمٌّ غَفِيرٌ، وَقَرَأَ فِي السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ مِنْ خَطِّي، وَذَلِكَ فِي الْعَشْرِ الْأَوَّلِ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ.

أُعْجُوبَةٌ مِنَ الْعَجَائِبِ
وَحَضَرَ شَابٌّ عَجَمِيٌّ مِنْ بِلَادِ تَبْرِيزَ وَخُرَاسَانَ يَزْعُمُ أَنَّهُ يَحْفَظُ " الْبُخَارِيَّ "، وَ " مُسْلِمًا "، وَ " جَامِعَ الْمَسَانِيدِ "، وَ " الْكَشَّافَ " لِلزَّمَخْشَرِيِّ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ

مَحَافِيظَ فِي فُنُونٍ أُخَرَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْأَرْبِعَاءِ سَلْخَ شَهْرِ رَجَبٍ قَرَأَ - فِي الْجَامِعِ الْأُمَوِيِّ بِالْحَائِطِ الشَّمَالِيِّ مِنْهُ عِنْدَ بَابِ الْكَلَّاسَةِ - عَلَيَّ مِنْ أَوَّلِ " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " إِلَى أَثْنَاءِ كِتَابِ الْعِلْمِ مِنْهُ مِنْ حِفْظِهِ، وَأَنَا أُقَابِلُ عَلَيْهِ مِنْ نُسْخَةٍ بِيَدِي فَأَدَّى جَيِّدًا، غَيْرَ أَنَّهُ يُصَحِّفُ بَعْضَ الْكَلِمَاتِ لِعُجْمٍ فِيهِ، وَرُبَّمَا لَحَنَ أَيْضًا فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ، وَاجْتَمَعَ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنَ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ، وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْمُحْدَثِينَ، فَأَعْجَبَ ذَلِكَ جَمَاعَةً كَثِيرِينَ، وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: إِنْ سَرَدَ بَقِيَّةَ الْكِتَابِ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ لَعَظِيمٌ جِدًّا، ثُمَّ اجْتَمَعْنَا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي - وَهُوَ مُسْتَهَلُّ شَعْبَانَ - فِي الْمَكَانِ الْمَذْكُورِ، وَحَضَرَ قَاضِي الْقُضَاةِ الشَّافِعِيُّ، وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْفُضَلَاءِ، وَاجْتَمَعَ الْعَامَّةُ مُحْدِقِينَ، فَقَرَأَ عَلَى الْعَادَةِ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يُطَوِّلْ كَأَوَّلِ يَوْمٍ، وَسَقَطَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْأَحَادِيثِ، وَصَحَّفَ، وَلَحَنَ فِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ، ثُمَّ جَاءَ الْقَاضِيَانِ - الْحَنَفِيُّ وَالْمَالِكِيُّ - فَقَرَأَ بِحَضْرَتِهِمَا أَيْضًا بَعْضَ الشَّيْءِ، هَذَا وَالْعَامَّةُ مُحْتَفُونَ بِهِ مُتَعَجِّبُونَ مِنْ أَمْرِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَقَرَّبُ بِتَقْبِيلِ يَدَيْهِ، وَفَرِحَ بِكِتَابَتِي لَهُ بِالسَّمَاعِ عَلَى الْإِجَازَةِ، وَقَالَ: أَنَا مَا خَرَجْتُ مِنْ بِلَادِي إِلَّا إِلَى الْقَصْدِ إِلَيْكَ، وَأَنْ تُجِيزَنِي، وَذِكْرُكَ فِي بِلَادِنَا مَشْهُورٌ. ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مِصْرَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، وَقَدْ كَارَمَهُ الْقُضَاةُ وَالْأَعْيَانُ بِشَيْءٍ مِنَ الدَّرَاهِمِ يُقَارِبُ الْأَلْفَ.

عَزْلُ الْأَمِيرِ عَلِيٍّ عَنْ نِيَابَةِ دِمَشْقَ
فِي يَوْمِ الْأَحَدِ حَادِيَ عَشَرَ شَعْبَانَ وَرَدَ الْبَرِيدُ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَعَلَى يَدَيْهِ مَرْسُومٌ شَرِيفٌ بِعَزْلِ الْأَمِيرِ عَلِيٍّ عَنْ نِيَابَةِ دِمَشْقَ، فَأُحْضِرَ الْأُمَرَاءُ إِلَى دَارِ السَّعَادَةِ، وَقُرِئَ الْمَرْسُومُ الشَّرِيفُ عَلَيْهِمْ بِحُضُورِهِ، وَخُلِعَ عَلَيْهِ خِلْعَةٌ وَرَدَتْ مَعَ الْبَرِيدِ، وَرُسِمَ لَهُ بِقَرْيَةِ دُومَةَ، وَأُخْرَى فِي بِلَادِ طَرَابُلُسَ عَلَى سَبِيلِ الرَّاتِبِ، وَأَنْ يَكُونَ فِي أَيِّ الْبِلَادِ شَاءَ مِنْ دِمَشْقَ أَوِ الْقُدْسِ أَوِ الْحِجَازِ، فَانْتَقَلَ مِنْ يَوْمِهِ مِنْ دَارِ السَّعَادَةِ وَبِبَاقِي أَصْحَابِهِ وَمَمَالِيكِهِ، وَاسْتَقَرَّ نُزُولُهُ فِي دَارِ الْخَلِيلِيِّ بِالْقَصَّاعِينَ الَّتِي جَدَّدَهَا وَزَادَ فِيهَا دُوَيْدَارُهْ يَلْبُغَا، وَهِيَ دَارٌ هَائِلَةٌ، وَرَاحَ النَّاسُ لِلتَّأَسُّفِ عَلَيْهِ وَالْحُزْنِ لَهُ.

طَلَبُ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجِ الدِّينِ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ السُّبْكِيِّ الشَّافِعِيِّ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ مَعْزُولًا عَنْ قَضَاءِ دِمَشْقَ
وَرَدَ الْبَرِيدُ بِطَلَبِهِ مِنْ أَخَرِ نَهَارِ الْأَحَدِ بَعْدَ الْعَصْرِ الْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ شَعْبَانَ سَنَةَ

ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَسَبْعِمِائَةٍ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ حَاجِبُ الْحُجَّابِ قُمَارِيُّ، وَهُوَ نَائِبُ الْغَيْبَةِ أَنْ يُسَافِرَ مِنْ يَوْمِهِ، فَاسْتَنْظَرَهُمْ إِلَى الْغَدِ فَأُمْهِلَ، وَقَدْ وَرَدَ الْخَبَرُ بِوِلَايَةِ أَخِيهِ الشَّيْخِ بَهَاءِ الدِّينِ بْنِ السُّبْكِيِّ بِقَضَاءِ دِمَشْقَ عِوَضًا عَنْ أَخِيهِ تَاجِ الدِّينِ، وَأَرْسَلَ يَسْتَنِيبُ ابْنَ أُخْتِهِمَا قَاضِي الْقُضَاةِ بَدْرَ الدِّينِ فِي التَّأَهُّبِ وَالسَّيْرِ، وَجَاءَ النَّاسُ إِلَيْهِ لِيُوَدِّعُوهُ وَيَسْتَوْحِشُونَ لَهُ، وَرَكِبَ مِنْ بُسْتَانِهِ بَعْدَ الْعَصْرِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ ثَانِيَ عَشَرَ شَعْبَانَ مُتَوَجِّهًا عَلَى الْبَرِيدِ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ قُضَاةُ الْقُضَاةِ وَالْأَعْيَانِ، حَتَّى قَاضِي الْقُضَاةِ بَهَاءُ الدِّينِ أَبُو الْبَقَاءِ السُّبْكِيُّ، حَتَّى رَدَّهُمْ قَرِيبًا مِنَ الْجَسُورَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَاوَزَهَا، وَاللَّهُ الْمَسْئُولُ فِي حُسْنِ الْخَاتِمَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

أُعْجُوبَةٌ أُخْرَى غَرِيبَةٌ
لَمَّا كَانَ يَوْمُ الثُّلَاثَاءِ الْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ دُعِيتُ إِلَى بُسْتَانِ الشَّيْخِ الْعَلَّامَةِ جَمَالِ الدِّينِ بْنِ الشَّرِيشِيِّ شَيْخِ الشَّافِعِيَّةِ، وَحَضَرَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَعْيَانِ مِنْهُمُ الشَّيْخُ الْعَلَّامَةُ شَمْسُ الدِّينِ بْنُ الْمَوْصِلِيِّ الشَّافِعِيُّ، وَالشَّيْخُ الْإِمَامُ

الْعَلَّامَةُ صَلَاحُ الدِّينِ الصَّفَدَيُّ وَكِيلُ بَيْتِ الْمَالِ، وَالشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ شَمْسُ الدِّينِ الْمَوْصِلِيُّ الشَّافِعِيُّ، وَالشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ مَجْدُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الشِّيرَازِيُّ مِنْ ذُرِّيَّةِ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ الْفَيْرُوزَابَادِيِّ، وَهُوَ مِنْ أَئِمَّةِ اللُّغَوِيِّينَ، وَالْخَطِيبُ الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ صَدْرُ الدِّينِ بْنُ الْعِزِّ الْحَنَفِيُّ أَحَدُ الْبُلَغَاءِ الْفُضَلَاءِ، وَالشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ نُورُ الدِّينِ عَلِيُّ بْنُ الصَّارِمِ أَحَدُ الْقُرَّاءِ الْمُحَدِّثِينَ الْبُلَغَاءِ، وَأَحْضَرُوا نَيِّفًا وَأَرْبَعِينَ مُجَلَّدًا مِنْ كِتَابِ " الْمُنْتَهَى " فِي اللُّغَةِ لِلتَّمِيمِيِّ الْبَرْمَكِيِّ، وَقْفَ النَّاصِرِيَّةِ، وَحَضَرَ وَلَدُ الشَّيْخِ جَمَالِ الدِّينِ بْنِ الشِّرِيشِيِّ، وَهُوَ الْعَلَّامَةُ بَدْرُ الدِّينِ مُحَمَّدٌ، وَاجْتَمَعْنَا كُلُّنَا عَلَيْهِ، وَأَخَذَ كُلٌّ مِنَّا مُجَلَّدًا بِيَدِهِ مِنْ تِلْكَ الْمُجَلَّدَاتِ، ثُمَّ أَخَذْنَا نَسْأَلُهُ عَنْ بُيُوتِ الشِّعْرِ الْمُسْتَشْهَدِ عَلَيْهَا بِهَا، فَيَنْشُرُ كُلًّا مِنْهَا، وَيَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ بِكَلَامٍ مُبِينٍ مُفِيدٍ، فَجَزَمَ الْحَاضِرُونَ وَالسَّامِعُونَ أَنَّهُ يَحْفَظُ جَمِيعَ شَوَاهِدِ اللُّغَةِ، وَلَا يَشِذُّ عَنْهُ مِنْهَا إِلَّا الْقَلِيلُ الشَّاذُّ، وَهَذَا مِنْ أَعْجَبِ الْعَجَائِبِ، وَأَبْلَغِ الْإِغْرَابِ.

دُخُولُ نَائِبِ السَّلْطَنَةِ سَيْفُ الدِّينِ قُشْتُمُرَ
كَانَ ذَلِكَ فِي مُسْتَهَلِّ رَمَضَانَ يَوْمَ السَّبْتِ ضُحًى، قَدِمَ وَالْحَجَبَةُ بَيْنَ

يَدَيْهِ، وَالْجَيْشُ بِكَمَالِهِ، فَتَقَدَّمَ إِلَى سُوقِ الْخَيْلِ، فَأَوْكَبَ فِيهِ ثُمَّ جَاءَ، وَنَزَلَ عِنْدَ بَابِ النَّصْرِ، وَقَبَّلَ الْعَتَبَةَ، ثُمَّ مَشَى إِلَى دَارِ السَّعَادَةِ، وَالنَّاسُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ حَكَمَ فِيهِ أَنْ أَمَرَ بِصَلْبِ الَّذِي كَانَ قَتَلَ بِالْأَمْسِ وَالِيَ الصَّالِحِيَّةِ - وَهُوَ ذَاهِبٌ إِلَى صَلَاةِ الْجُمُعَةِ - ثُمَّ هَرَبَ فَتَبِعَهُ النَّاسُ، فَقَتَلَ مِنْهُمْ آخَرَ، وَجَرَحَ آخَرِينَ، ثُمَّ تَكَاثَرُوا عَلَيْهِ فَمُسِكَ، وَلَمَّا صُلِبَ طَافُوا بِهِ عَلَى جَمَلٍ إِلَى الصَّالِحِيَّةِ، فَمَاتَ هُنَاكَ بَعْدَ أَيَّامٍ، وَقَاسَى أَمْرًا شَدِيدًا مِنَ الْعُقُوبَاتِ، وَقَدْ ظَهَرَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ قَتَلَ خَلْقًا كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ، قَبَّحَهُ اللَّهُ.

قُدُومُ قَاضِي الْقُضَاةِ بَهَاءِ الدِّينِ أَحْمَدَ ابْنِ قَاضِي الْقُضَاةِ تَقِيِّ الدِّينِ عِوَضًا عَنْ أَخِيهِ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجِ الدِّينِ عَبْدِ الْوَهَّابِ
قَدِمَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ قَبْلَ الْعَصْرِ، فَبَدَأَ بِمَلِكِ الْأُمَرَاءِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَمِيرِ عَلِيٍّ نَائِبِ السَّلْطَنَةِ الْمَعْزُولِ، وَهُوَ بِدَارِهِ بِالْقَصَّاعِينَ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، ثُمَّ مَشَى إِلَى دَارِ الْحَدِيثِ، فَصَلَّى هُنَاكَ، ثُمَّ مَشَى إِلَى الْمَدْرَسَةِ الرُّكْنِيَّةِ، فَنَزَلَ بِهَا عِنْدَ ابْنِ أُخْتِهِ قَاضِي الْقُضَاةِ بَدْرِ الدِّينِ بْنِ أَبِي الْفَتْحِ - قَاضِي الْعَسَاكِرِ - وَذَهَبَ النَّاسُ لِلسَّلَامِ عَلَيْهِ، وَهُوَ يَكْرَهُ مَنْ يُلَقِّبُهُ بِقَاضِي الْقُضَاةِ، وَعَلَيْهِ تَوَاضُعٌ، وَتَقَشُّفٌ، وَيَظْهَرُ

عَلَيْهِ تَأَسُّفٌ عَلَى مُفَارَقَةِ بَلَدِهِ وَوَطَنِهِ، وَوَلَدِهِ، وَأَهْلِهِ، وَاللَّهُ الْمَسْئُولُ الْمَأْمُولُ أَنْ يُحْسِنَ الْعَاقِبَةَ.
وَخَرَجَ الْمَحْمَلُ السُّلْطَانِيُّ يَوْمَ الْخَمِيسِ ثَانِيَ عَشَرَ شَوَّالٍ، وَأَمِيرُ الْحَاجِّ الْمَلِكُ صَلَاحُ الدِّينِ ابْنُ الْمَلِكِ الْكَامِلِ بْنِ السَّعِيدِ ابْنِ الْعَادِلِ الْكَبِيرِ، وَقَاضِيَهُ الشَّيْخُ بَهَاءُ الدِّينِ بْنُ سَبُعٍ - مُدَرِّسُ الْأَمِينِيَّةِ بِبَعْلَبَكَّ. وَفِي هَذَا الشَّهْرِ وَقَعَ الْحُكْمُ بِعَوْدِ مَا يَخُصُّ الْمُجَاهِدِينَ مِنْ وَقْفِ الْمَدْرَسَةَ التَّقْوِيَّةِ إِلَيْهِمْ، وَأَذِنَ الْقُضَاةُ الْأَرْبَعَةُ إِلَيْهِمْ بِحَضْرَةِ مَلِكِ الْأُمَرَاءِ فِي ذَلِكَ.
وَفِي لَيْلَةِ الْأَحَدِ سَادِسِ شَهْرِ ذِي الْقَعْدَةِ تُوُفِّيَ الْقَاضِي نَاصِرُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ كَاتِبُ السِّرِّ، وَشَيْخُ الشُّيُوخِ، وَمُدَرِّسُ النَّاصِرِيَّةِ الْجَوَّانِيَّةِ، وَالشَّامِيَّةِ الْجَوَّانِيَّةِ بِدِمَشْقَ، وَمُدَرِّسُ الْأَسَدِيَةِ بِحَلَبَ، وَقَدْ بَاشَرَ كِتَابَةَ السِّرِّ بِحَلَبَ أَيْضًا، وَقَضَاءَ الْعَسَاكِرِ، وَأَفْتَى مِنْ زَمَانِ وِلَايَةِ الشَّيْخِ كَمَالِ الدِّينِ بْنِ الزَّمَلْكَانِيِّ قَضَاءَ حَلَبَ، أُذِنَ لَهُ هُنَالِكَ فِي حُدُودِ سَنَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ، وَمَوْلِدُهُ سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِمِائَةٍ، وَقَدْ قَرَأَ " التَّنْبِيهَ "، وَ " مُخْتَصَرَ ابْنِ الْحَاجِبِ " فِي الْأُصُولِ وَفِي الْعَرَبِيَّةِ، وَكَانَ عِنْدَهُ نَبَاهَةٌ وَمُمَارَسَةٌ لِلْعِلْمِ، وَفِيهِ جَوْدَةُ طِبَاعٍ وَإِحْسَانٌ بِحَسَبِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ يُتَوَسَّمُ مِنْهُ سُوءٌ، وَفِيهِ دِيَانَةٌ وَعِفَّةٌ، حَلَفَ لِي فِي وَقْتٍ بِالْأَيْمَانِ الْمُغَلَّظَةِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَطُّ مِنْهُ فَاحِشَةُ اللِّوَاطِ، وَلَا خَطَرَ لَهُ ذَلِكَ، وَلَمْ يَزِنِ، وَلَمْ يَشْرَبْ مُسْكِرًا، وَلَا أَكَلَ حَشِيشَةً، فَرَحِمَهُ اللَّهُ وَأَكْرَمَ مَثْوَاهُ. صُلِّيَ عَلَيْهِ بَعْدَ الظُّهْرِ يَوْمَئِذٍ،

وَخَرَجُوا بِالْجِنَازَةِ مِنْ بَابِ النَّصْرِ، فَخَرَجَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ مِنْ دَارِ السَّعَادَةِ، فَحَضَرَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ هُنَالِكَ، وَدُفِنَ بِمَقْبَرَةٍ لَهُمْ بِالصُّوفِيَّةِ، وَتَأَسَّفُوا عَلَيْهِ، وَتَرَحَّمُوا، وَتَزَاحَمَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ فِي طَلَبِ مَدَارِسِهِ.

ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ وَسَبْعِمِائَةٍ
اسْتَهَلَّتْ هَذِهِ السَّنَةُ وَسُلْطَانُ الْإِسْلَامِ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَالشَّامِيَّةِ، وَالْحِجَازِيَّةِ، وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ مِنَ الْأَقَالِيمِ وَالرَّسَاتِيقِ - الْمَلِكُ الْمَنْصُورُ صَلَاحُ الدِّينِ مُحَمَّدُ ابْنُ الْمَلِكِ الْمُظَفَّرِ حَاجِّي ابْنِ الْمَلِكِ النَّاصِرِ مُحَمَّدِ ابْنِ الْمَلِكِ الْمَنْصُورِ قَلَاوُونَ الصَّالِحِيُّ، وَمُدَبِّرُ الْمَمَالِكِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأَتَابِكُ الْعَسَاكِرِ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ يَلْبُغَا، وَقُضَاةُ مِصْرَ هُمُ الْمَذْكُورُونَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا، غَيْرَ أَنَّ ابْنَ جَمَاعَةَ قَاضِي الشَّافِعِيَّةِ، وَمُوَفَّقَ الدِّينِ قَاضِي الْحَنَابِلَةِ فِي الْحِجَازِ الشَّرِيفِ. وَنَائِبُ دِمَشْقَ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ قُشْتُمُرُ الْمَنْصُورِيُّ، وَقَاضِي الْقُضَاةِ الشَّافِعِيَّةِ الشَّيْخُ بَهَاءُ الدِّينِ ابْنُ قَاضِي الْقُضَاةِ تَقِيِّ الدِّينِ السُّبْكِيِّ، وَأَخُوهُ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجُ الدِّينِ مُقِيمٌ بِمِصْرَ، وَقَاضِي قُضَاةِ الْحَنَفِيَّةِ الشَّيْخُ جَمَالُ الدِّينِ ابْنُ قَاضِي الْقُضَاةِ شَرَفِ الدِّينِ الْكَفْرِيِّ; آثَرَهُ وَالِدَهُ بِالْمَنْصِبِ، وَأَقَامَ عَلَى تَدْرِيسِ الرُّكْنِيَّةِ يَتَعَبَّدُ وَيَتْلُو، وَيَنْجَمِعُ عَلَى الْعِبَادَةِ. وَقَاضِي قُضَاةِ الْمَالِكِيَّةِ جَمَالُ الدِّينِ الْمَسَلَّاتِيُّ، وَقَاضِي قُضَاةِ الْحَنَابِلَةِ الشَّيْخُ جَمَالُ الدِّينِ الْمَرْدَاوَيُّ، وَوَكِيلُ بَيْتِ الْمَالِ الشَّيْخُ صَلَاحُ الدِّينِ الصَّفَدَيُّ، وَخَطِيبُ الْبَلَدِ الشَّيْخُ جَمَالُ الدِّينِ مَحْمُودُ بْنُ جُمْلَةَ، وَمُحْتَسِبُ الْبَلَدِ الشَّيْخُ عِمَادُ الدِّينِ

ابْنُ الشَّيْرَجِيِّ، وَكَاتِبُ السِّرِّ جَمَالُ الدِّينِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْأَثِيرِ، قَدِمَ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ عِوَضًا عَنْ نَاصِرِ الدِّينِ بْنِ يَعْقُوبَ، وَكَانَ قُدُومُهُ يَوْمَ سَلْخِ السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ، وَنَاظِرُ الدَّوَاوِينِ بَدْرُ الدِّينِ حَسَنُ بْنُ النَّابُلُسِيِّ، وَنَاظِرُ الْخِزَانَةِ الْقَاضِي تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ أَبِي الطَّيِّبِ، وَنَاظِرُ الْجَيْشِ عَلَمُ الدِّينِ دَاوُدُ، وَنَاظِرُ الْجَامِعِ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ مَرَاجِلٍ، وَدَخَلَ الْمَحْمَلُ السُّلْطَانِيُّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ الثَّانِيَ وَالْعِشْرِينَ مِنَ الْمُحَرَّمِ بَعْدَ الْعَصْرِ خَوْفًا مِنَ الْمَطَرِ، وَكَانَ وَقَعَ مَطَرٌ شَدِيدٌ قَبْلَ أَيَّامٍ، فَتَلِفَ مِنْهُ غَلَّاتٌ كَثِيرَةٌ بِحَوْرَانَ، وَغَيْرِهَا، وَمَشَاطِيخُ زَبِيبٍ، وَغَيْرُ ذَلِكَ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.
وَفِي لَيْلَةِ الْأَرْبِعَاءِ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْهُ بَعْدَ عِشَاءِ الْآخِرَةِ، وَقَبْلَ دَقَّةِ الْقَلْعَةِ - دَخَلَ فَارِسٌ مِنْ نَاحِيَةِ بَابِ الْفَرَجِ إِلَى نَاحِيَةِ بَابِ الْقَلْعَةِ الْجَوَّانِيَّةِ، وَمِنْ نَاحِيَةِ الْبَابِ الْمَذْكُورِ سِلْسِلَةٌ، وَمِنْ نَاحِيَةِ بَابِ النَّصْرِ أُخْرَى، جُدِّدَتَا لِئَلَّا يَمُرَّ رَاكِبٌ عَلَى بَابِ الْقَلْعَةِ الْمَنْصُورَةِ، فَسَاقَ هَذَا الْفَارِسُ الْمَذْكُورُ عَلَى السِّلْسِلَةِ الْوَاحِدَةِ فَقَطَعَهَا، ثُمَّ مَرَّ عَلَى الْأُخْرَى فَقَطَعَهَا، وَخَرَجَ مِنْ بَابِ النَّصْرِ، وَلَمْ يُعْرَفْ; لِأَنَّهُ مُلَثَّمٌ.
وَفِي حَادِيَ عَشَرَ صَفَرٍ، وَقَبْلَهُ بِيَوْمٍ، قَدِمَ الْبَرِيدُ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ بِطَلَبِ الْأَمِيرِ زَيْنِ الدِّينِ زُبَالَةَ - أَحَدِ أُمَرَاءِ الْأُلُوفِ - إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ مُكَرَّمًا، وَقَدْ كَانَ عُزِلَ عَنْ نِيَابَةِ الْقَلْعَةِ بِسَبَبِ مَا تَقَدَّمَ، وَجَاءَ الْبَرِيدُ أَيْضًا وَمَعَهُ التَّوَاقِيعُ الَّتِي كَانَتْ بِأَيْدِي

نَاسٍ كَثِيرٍ، زِيَادَاتٌ عَلَى الْجَامِعِ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ، وَأُقِرُّوا عَلَى مَا بِأَيْدِيهِمْ مِنْ ذَلِكَ، وَكَانَ نَاظِرُ الْجَامِعِ الصَّاحِبُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ مَرَاجِلَ قَدْ سَعَى فِي رَفْعِ مَا زِيدَ بَعْدَ التَّذْكِرَةِ الَّتِي كَانَتْ فِي أَيَّامِ صَرْغَتْمُشَ، فَلَمْ يَفِ ذَلِكَ، وَتَوَجَّهَ الشَّيْخُ بَهَاءُ الدِّينِ بْنُ السُّبْكِيِّ قَاضِي قُضَاةِ الشَّامِ الشَّافِعِيُّ مِنْ دِمَشْقَ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ يَوْمَ الْأَحَدِ سَادِسَ عَشَرَ صَفَرٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَخَرَجَ الْقُضَاةُ، وَالْأَعْيَانُ لِتَوْدِيعِهِ، وَقَدْ كَانَ أَخْبَرَنَا عِنْدَ تَوْدِيعِهِ بِأَنَّ أَخَاهُ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجَ الدِّينِ قَدْ لَبِسَ خِلْعَةَ الْقَضَاءِ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إِلَى الشَّامِ عِنْدَ وُصُولِهِ إِلَى دِيَارِ مِصْرَ، وَهَذَا مَسْرُورٌ جِدًّا بِذَهَابِهِ إِلَى مِصْرَ، وَذَكَرَ لَنَا أَنَّ أَخَاهُ كَارِهٌ لِلشَّامِ. وَأَنْشَدَنِي الْقَاضِي صَلَاحُ الدِّينِ الصَّفَدِيُّ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ رَابِعَ عَشَرَهُ لِنَفْسِهِ، فِيمَا عَكَسَ عَلَى الْمُتَنَبِّي فِي يَدَيْهِ مِنْ قَصِيدَتِهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ:
إِذَا اعْتَادَ الْفَتَى خَوْضَ الْمَنَايَا فَأَيْسَرُ مَا يَمُرُّ بِهِ الْوُحُولُ
، وَقَالَ:
دُخُولُ دِمَشْقَ يُكْسِبُنَا نُحُولًا كَأَنَّ لَهَا دُخُولًا فِي الْبَرَايَا
إِذَا اعْتَادَ الْغَرِيبُ الْخَوْضَ فِيهَا فَأَيْسَرُ مَا يَمُرُّ بِهِ الْمَنَايَا

وَهَذَا شِعْرٌ قَوِيٌّ، وَعَكْسٌ جَلِيٌّ لَفْظًا وَمَعْنَى.
وَفِي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ صَفَرٍ عُمِلَتْ خَيْمَةٌ حَافِلَةٌ بِالْبِيمَارَسْتَانِ الدَّقَّاقِيِّ جِوَارَ الْجَامِعِ; بِسَبَبِ تَكَامُلِ تَجْدِيدِهِ قَرِيبَ السَّقْفِ مَبْنِيًّا بِاللَّبِنِ حَتَّى قَنَاطِرِهِ الْأَرْبَعِ بِالْحِجَارَةِ الْبُلْقِ، وَجُعِلَ فِي أَعَالِيهِ قَمَرِيَّاتٌ كِبَارٌ مُضِيئَةٌ، وَفَتَقَ فِي قِبْلَتِهِ إِيوَانًا حَسَنًا زَادَ فِي أَعْمَاقِهِ أَضْعَافَ مَا كَانَ، وَبَيَّضَهُ جَمِيعَهُ بِالْجِصِّ الْحَسَنِ الْمَلِيحِ، وَجُدِّدَتْ فِيهِ خَزَائِنُ، وَمَصَالِحُ، وَفُرُشٌ، وَلُحُفٌ جُدُدٌ، وَأَشْيَاءُ حَسَنَةٌ فَأَثَابَهُ اللَّهُ، وَأَحْسَنَ جَزَاءَهُ، آمِينَ.
وَحَضَرَ الْخَيْمَةَ جَمَاعَاتٌ مِنَ النَّاسِ مِنَ الْخَاصِّ وَالْعَوَّامِ، وَلَمَّا كَانَتِ الْجُمُعَةُ الْأُخْرَى دَخَلَهُ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَأَعْجَبَهُ مَا شَاهَدَهُ مِنَ الْعِمَارَاتِ، وَأَخْبَرَهُ بِمَا كَانَتْ عَلَيْهِ حَالُهُ قَبْلَ هَذِهِ الْعِمَارَةِ، فَاسْتَجَادَ ذَلِكَ مِنْ صَنِيعِ النَّاظِرِ الْمَذْكُورِ.
وَفِي أَوَّلِ رَبِيعٍ الْآخِرِ قَدِمَ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجُ الدِّينِ السُّبْكِيُّ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ عَلَى قَضَاءِ الشَّامِ، عَوْدًا عَلَى بَدْءٍ، يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ رَابِعَ عَشَرَهُ، فَبَدَأَ بِالسَّلَامِ عَلَى نَائِبِ السَّلْطَنَةِ بِدَارِ السَّعَادَةِ، ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى دَارِ الْأَمِيرِ عَلِيٍّ بِالْقَصَّاعِينَ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى الْعَادِلِيَّةِ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَجَاءَهُ النَّاسُ مِنَ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ، وَيُهَنِّئُونَهُ بِالْعَوْدِ، وَهُوَ يَتَوَدَّدُ وَيَتَرَحَّبُ بِهِمْ، ثُمَّ لَمَّا كَانَ صُبْحُ يَوْمِ الْخَمِيسِ سَادِسَ عَشَرَهُ لَبِسَ الْخِلْعَةَ بِدَارِ السَّعَادَةِ، ثُمَّ جَاءَ فِي أُبَّهَةٍ هَائِلَةٍ لَابِسَهَا إِلَى الْعَادِلِيَّةِ فَقُرِئَ تَقْلِيدُهُ بِهَا بِحَضْرَةِ الْقُضَاةِ وَالْأَعْيَانِ، وَهَنَّأَهُ النَّاسُ، وَالشُّعَرَاءُ، وَالْمُدَّاحُ.

وَأَخْبَرَ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجُ الدِّينِ بِمَوْتِ حُسَيْنٍ ابْنِ الْمَلِكِ النَّاصِرِ، وَلَمْ يَكُنْ بَقِيَ مِنْ بَنِيهِ لِصُلْبِهِ سِوَاهُ، فَفَرِحَ بِذَلِكَ كَثِيرٌ مِنَ الْأُمَرَاءِ وَكِبَارِ الدَّوْلَةِ; لِمَا كَانَ فِيهِ مِنْ حِدَّةٍ، وَارْتِكَابِ أُمُورٍ مُنْكَرَةٍ.
وَأَخْبَرَ بِمَوْتِ الْقَاضِي فَخْرِ الدِّينِ سُلَيْمَانَ ابْنِ الْقَاضِي فَخْرِ الدِّينِ سُلَيْمَانَ ابْنِ الْقَاضِي عِمَادِ الدِّينِ بْنِ الشَّيْرَجِيِّ، وَكَانَ قَدِ اتَّفَقَ لَهُ مِنَ الْأَمْرِ أَنَّهُ قُلِّدَ حِسْبَةَ دِمَشْقَ عِوَضًا عَنْ أَبِيهِ; نَزَلَ لَهُ عَنْهَا بِاخْتِيَارِهِ لِكِبَرِهِ وَضَعْفِهِ، وَخُلِعَ عَلَيْهِ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ يَرْكَبَ عَلَى الْبَرِيدِ، فَتَمَرَّضَ يَوْمًا، وَثَانِيًا، وَتُوُفِّيَ إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، فَتَأَلَّمَ وَالِدُهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ تَأَلُّمًا عَظِيمًا، وَعَزَاهُ النَّاسُ فِيهِ، وَوَجَدْتُهُ صَابِرًا مُحْتَسِبًا بَاكِيًا مُسْتَرْجِعًا مُتَوَجِّعًا.

بِشَارَةٌ عَظِيمَةٌ بِوَضْعِ الشَّطْرِ مِنْ مَكْسِ الْغَنَمِ
مَعَ وِلَايَةِ الصَّاحِبِ سَعْدِ الدِّينِ مَاجِدِ بْنِ التَّاجِ إِسْحَاقَ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ عَلَى نَظَرِ الدَّوَاوِينِ بِالشَّامِ الْمَحْرُوسِ، وَرُبَّمَا خُوطِبَ بِالْوِزَارَةِ عِوَضًا عَنِ الْبَدْرِ حَسَنِ بْنِ النَّابُلُسِيِّ الَّذِي كَانَ نَاظِرَ الدَّوَاوِينِ قَبْلَهُ، فَفَرِحَ النَّاسُ بِوِلَايَةِ هَذَا وَقُدُومِهِ، وَبِعَزْلِ الْأَوَّلِ وَانْصِرَافِهِ عَنِ الْبَلَدِ فَرَحًا شَدِيدًا، وَمَعَهُ مَرْسُومٌ شَرِيفٌ بِوَضْعِ نِصْفِ

مَكْسِ الْغَنَمِ، وَكَانَ عَبْرَتُهُ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ، وَنِصْفًا، فَصَارَ إِلَى دِرْهَمَيْنِ وَرُبْعِ دِرْهَمٍ، وَقَدْ نُودِيَ بِذَلِكَ فِي الْبَلَدِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ الْعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخِرِ، فَفَرِحَ النَّاسُ بِذَلِكَ فَرَحًا شَدِيدًا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ، وَتَضَاعَفَتْ أَدْعِيَتُهُمْ لِمَنْ كَانَ السَّبَبَ فِي ذَلِكَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يَكْثُرُ الْجَلَبُ بِرُخْصِ اللَّحْمِ عَلَى النَّاسِ، وَيَأْخُذُ الدِّيوَانُ نَظِيرَ مَا كَانَ يُؤْخَذُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَقَدَّرَ اللَّهُ تَعَالَى قُدُومَ وُفُودٍ وَقُفُولٍ بِتَجَائِرَ مُتَعَدِّدَةٍ، وَأَخَذَ مِنْهَا الدِّيوَانُ السُّلْطَانِيُّ فِي الزَّكَاةِ وَالْوِكَالَةِ، وَقَدِمَ مَوَاكِبُ كَثِيرَةٌ، فَأُخِذَ مِنْهَا فِي الْعُشْرِ أَضْعَافُ مَا أُطْلِقَ مِنَ الْمَكْسِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ، ثُمَّ قُرِئَ عَلَى النَّاسِ بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الْعَصْرِ.
وَفِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ الْعِشْرِينَ مِنْهُ ضُرِبَ الْفَقِيهُ شَمْسُ الدِّينِ الصَّفَدِيُّ بِدَارِ السَّعَادَةِ بِسَبَبِ خَانَقَاهُ الطَّوَاوِيسِ، فَإِنَّهُ جَاءَ فِي جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ يَتَظَلَّمُونَ مِنْ كَاتِبِ السِّرِّ الَّذِي هُوَ شَيْخُ الشُّيُوخِ، وَقَدْ تَكَلَّمَ مَعَهُمْ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ مِمَّا فِيهِ مَشَقَّةٌ عَلَيْهِمْ، فَتَكَلَّمَ الصَّفَدِيُّ الْمَذْكُورُ بِكَلَامٍ فِيهِ غِلَظٌ، فَبُطِحَ لِيُضْرَبَ، فَشُفِعَ فِيهِ، ثُمَّ تَكَلَّمَ فَشُفِعَ فِيهِ، ثُمَّ بُطِحَ الثَّالِثَةَ فَضُرِبَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ إِلَى السِّجْنِ، ثُمَّ أُخْرِجَ بَعْدَ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ.
وَفِي صَبِيحَةِ يَوْمِ الْأَحَدِ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْهُ دَرَّسَ قَاضِي الْقُضَاةِ الشَّافِعِيُّ بِمَدَارِسِهِ، وَحَضَرَ دَرْسَ النَّاصِرِيَّةِ الْجَوَّانِيَّةِ بِمُقْتَضَى شَرْطِ الْوَاقِفِ الَّذِي أَثْبَتَهُ أَخُوهُ بَعْدَ مَوْتِ الْقَاضِي نَاصِرِ الدِّينِ كَاتِبِ السِّرِّ، وَحَضَرَ عِنْدَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَعْيَانِ

وَبَعْضُ الْقُضَاةِ، وَأَخَذَ فِي سُورَةِ الْفَتْحِ، قُرِئَ عَلَيْهِ مِنْ تَفْسِيرِ وَالِدِهِ فِي قَوْلِهِ: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا [ الْفَتْحِ: 1 ].
وَفِي مُسْتَهَلِّ جُمَادَى الْأُولَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ - مَعَ الْإِمَامِ الْكَبِيرِ - صُلِّيَ عَلَى الْقَاضِي قُطْبِ الدِّينِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُحْسِنِ الْحَاكِمِ بِحِمْصَ، جَاءَ إِلَى دِمَشْقَ لِتَلَقِّي أَخِي زَوْجَتِهِ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجِ الدِّينِ السُّبْكِيِّ الشَّافِعِيِّ، فَتَمَرَّضَ مُدَّةً ثُمَّ كَانَتْ وَفَاتُهُ بِدِمَشْقَ، فَصُلِّيَ عَلَيْهِ بِالْجَامِعِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَخَارِجَ بَابِ الْفَرَجِ، ثُمَّ صَعِدُوا بِهِ إِلَى سَفْحِ جَبَلِ قَاسِيُونَ، وَقَدْ جَاوَزَ الثَّمَانِينَ بِسَنَتَيْنِ، وَقَدْ حَدَّثَ وَرَوَى شَيْئًا يَسِيرًا، رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَفِي يَوْمِ الْأَحَدِ قَدِمَ قَاضِيَا قُضَاةِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ بِحَلَبَ، وَالْخَطِيبُ بِهَا، وَالشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ الْأَذْرَعِيُّ، وَالشَّيْخُ زَيْنُ الدِّينِ الْبَارِينِيُّ، وَآخَرُونَ مَعَهُمْ، فَنَزَلُوا بِالْمَدْرَسَةِ الْإِقْبَالِيَّةِ، وَهُمْ وَقَاضِي قُضَاتِهِمُ الشَّافِعِيُّ - وَهُوَ كَمَالُ الدِّينِ الْمِصْرِيُّ - مَطْلُوبُونَ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، فَتَحَرَّرَ مَا ذَكَرُوهُ عَنْ قَاضِيهِمْ، وَمَا نَقَمُوهُ عَلَيْهِ مِنَ السِّيرَةِ السَّيِّئَةِ فِيمَا يَذْكُرُونَ فِي الْمَوَاقِفِ الشَّرِيفَةِ بِمِصْرَ، وَتَوَجَّهُوا إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ يَوْمَ السَّبْتِ عَاشِرِهِ.
وَفِي يَوْمِ الْخَمِيسِ قَدِمَ الْأَمِيرُ زَيْنُ الدِّينِ زُبَالَةَ نَائِبُ الْقَلْعَةِ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ عَلَى الْبَرِيدِ فِي تَجَمُّلٍ عَظِيمٍ هَائِلٍ، وَتَلَقَّاهُ النَّاسُ بِالشُّمُوعِ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ، وَنَزَلَ بِدَارِ الذَّهَبِ، وَرَاحَ النَّاسُ لِلسَّلَامِ عَلَيْهِ وَتَهْنِئَتِهِ بِالْعَوْدِ إِلَى نِيَابَةِ

الْقَلْعَةِ عَلَى عَادَتِهِ، وَهَذِهِ ثَالِثُ مَرَّةٍ وَلِيَهَا; لِأَنَّهُ مَشْكُورُ السِّيرَةِ فِيهَا، وَلَهُ فِيهَا سَعْيٌ مَحْمُودٌ فِي أَوْقَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ.
وَفِي يَوْمِ الْخَمِيسِ حَادِيَ عَشَرَهُ صَلَّى نَائِبُ السَّلْطَنَةِ وَالْقَاضِيَانِ الشَّافِعِيُّ وَالْحَنَفِيُّ، وَكَاتِبُ السِّرِّ، وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْأُمَرَاءِ، وَالْأَعْيَانِ - بِالْمَقْصُورَةِ، وَقُرِئَ كِتَابُ السُّلْطَانِ عَلَى السُّدَّةِ بِوَضْعٍ مَكْسِ الْغَنَمِ إِلَى كُلِّ رَأْسٍ بِدِرْهَمَيْنِ، فَتَضَاعَفَتِ الْأَدْعِيَةُ لِوَلِيِّ الْأَمْرِ، وَلِمَنْ كَانَ السَّبَبَ فِي ذَلِكَ.

غَرِيبَةٌ مِنَ الْغَرَائِبِ، وَعَجِيبَةٌ مِنَ الْعَجَائِبِ
وَقَدْ كَثُرَتِ الْمِيَاهُ فِي هَذَا الشَّهْرِ، وَزَادَتِ الْأَنْهَارُ زِيَادَةً كَثِيرَةً جِدًّا، بِحَيْثُ إِنَّهُ فَاضَ الْمَاءُ فِي سُوقِ الْخَيْلِ مِنْ نَهْرِ بَرَدَى حَتَّى عَمَّ جَمِيعَ الْعَرْصَةِ الْمَعْرُوفَةِ بِمَوْقِفِ الْمَوْكِبِ، بِحَيْثُ إِنَّهُ أُجْرِيَتْ فِيهِ الْمَرَاكِبُ بِالْكِرَا، وَرَكِبَتْ فِيهِ الْمَارَّةُ مِنْ جَانِبٍ إِلَى جَانِبٍ، وَاسْتَمَرَّ ذَلِكَ جُمَعًا مُتَعَدِّدَةً، وَامْتَنَعَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ وَالْجَيْشُ مِنَ الْوُقُوفِ هُنَاكَ، وَرُبَّمَا وَقَفَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ بَعْضَ الْأَيَّامِ تَحْتَ الطَّارِمَةِ تُجَاهَ بَابِ الْإِسْطَبْلِ السُّلْطَانِيِّ، وَهَذَا أَمْرٌ لَمْ يُعْهَدْ مِثْلُهُ، وَلَا رَأَيْتُهُ قَطُّ فِي مُدَّةِ عُمْرِي، وَقَدْ سَقَطَتْ بِسَبَبِ ذَلِكَ بِنَايَاتٌ وَدُورٌ كَثِيرَةٌ، وَتَعَطَّلَتْ طَوَاحِينُ كَثِيرَةٌ غَمَرَهَا الْمَاءُ.
وَفِي لَيْلَةِ الثُّلَاثَاءِ الْعِشْرِينَ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى تُوُفِّيَ الصَّدْرُ شَمْسُ الدِّينِ

عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنُ الشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ بْنِ مُنَجَّا التَّنُوخِيُّ بَعْدَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ بِجَامِعِ دِمَشْقَ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ، وَدُفِنَ بِالسَّفْحِ.
وَفِي صَبِيحَةِ هَذَا الْيَوْمِ تُوُفِّيَ الشَّيْخُ نَاصِرُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقُونَوِيُّ الْحَنَفِيُّ، خَطِيبُ جَامِعِ يَلْبُغَا، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ عَقِيبَ صَلَاةِ الظُّهْرِ أَيْضًا، وَدُفِنَ بِالصُّوفِيَّةِ، وَقَدْ بَاشَرَ عِوَضَهُ الْخَطَابَةَ وَالْإِمَامَةَ، قَاضِي الْقُضَاةِ جَمَالُ الدِّينِ الْكَفْرِيُّ الْحَنَفِيُّ.
وَفِي عَصْرِ هَذَا الْيَوْمِ تُوُفِّيَ الْقَاضِي عَلَاءُ الدِّينِ ابْنُ الْقَاضِي شَرَفِ الدِّينِ ابْنِ الْقَاضِي شَمْسِ الدِّينِ بْنِ الشِّهَابِ مَحْمُودٍ الْحَلَبِيُّ، أَحَدُ مُوَقِّعِي الدَّسْتِ بِدِمَشْقَ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ، وَدُفِنَ بِالسَّفْحِ.
وَفِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ مِنْهُ خَطَبَ قَاضِي الْقُضَاةِ جَمَالُ الدِّينِ الْكَفْرِيُّ الْحَنَفِيُّ بِجَامِعِ يَلْبُغَا عِوَضًا عَنِ الشَّيْخِ نَاصِرِ الدِّينِ بْنِ الْقُونَوِيِّ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَحَضَرَ عِنْدَهُ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ قُشْتُمُرُ، وَصَلَّى مَعَهُ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجُ الدِّينِ الشَّافِعِيُّ بِالشُّبَّاكِ الْغَرْبِيِّ الْقِبْلِيِّ مِنْهُ، وَحَضَرَ خَلْقٌ مِنَ الْأُمَرَاءِ وَالْأَعْيَانِ، وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا، وَخَطَبَ ابْنُ نُبَاتَةَ بِأَدَاءٍ حَسَنٍ، وَفَصَاحَةٍ بَلِيغَةٍ، هَذَا مَعَ عِلْمِ أَنَّ كُلَّ مَرْكَبٍ صَعْبٌ.
وَفِي يَوْمِ السَّبْتِ خَامِسَ عَشَرَ جُمَادَى الْآخِرَةِ تَوَجَّهَ الشَّيْخُ شَرَفُ الدِّينِ

الْقَاضِي الْحَنْبَلِيُّ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ بِطَلَبِ الْأَمِيرِ سَيْفِ الدِّينِ يَلْبُغَا فِي كِتَابٍ كَتَبَهُ إِلَيْهِ يَسْتَدْعِيهِ، وَيَسْتَحِثُّهُ فِي الْقُدُومِ عَلَيْهِ.
وَفِي يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ ثَانِي شَهْرِ رَجَبٍ سَقَطَ اثْنَانِ سُكَارَى مِنْ سَطْحٍ بِحَارَةِ الْيَهُودِ، أَحَدُهُمَا مُسْلِمٌ وَالْآخَرُ يَهُودِيٌّ، فَمَاتَ الْمُسْلِمُ مِنْ سَاعَتِهِ، وَانْقَلَعَتْ عَيْنُ الْيَهُودِيِّ وَانْكَسَرَتْ يَدُهُ، لَعَنَهُ اللَّهُ، وَحُمِلَ إِلَى نَائِبِ السَّلْطَنَةِ فَلَمْ يُحِرْ جَوَابًا.
وَرَجَعَ الشَّيْخُ شَرَفُ الدِّينِ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ بَعْدَمَا قَارَبَ غَزَّةَ ; لِمَا بَلَغَهُ مِنَ الْوَبَاءِ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، فَعَادَ إِلَى الْقُدْسِ الشَّرِيفِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى وَطَنِهِ فَأَصَابَ السُّنَّةَ، وَقَدْ وَرَدَتْ كُتُبٌ كَثِيرَةٌ تُخْبِرُ بِشِدَّةِ الْوَبَاءِ وَالطَّاعُونِ بِمِصْرَ، وَأَنَّهُ يُضْبَطُ مِنْ أَهْلِهَا فِي النَّهَارِ نَحْوَ الْأَلْفِ، وَأَنَّهُ مَاتَ جَمَاعَةٌ مِمَّنْ يُعْرَفُونَ كَوَلَدَيْ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجِ الدِّينِ الْمُنَاوِيِّ، وَكَاتِبِ الْحَكَمِ بْنِ الْفُرَاتِ، وَأَهْلِ بَيْتِهِ أَجْمَعِينَ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.
وَجَاءَ الْخَبَرُ فِي أَوَاخِرِ شَهْرِ رَجَبٍ بِمَوْتِ جَمَاعَةٍ بِمِصْرَ ; مِنْهُمْ أَبُو حَاتِمٍ ابْنُ الشَّيْخِ بَهَاءِ الدِّينِ السُّبْكِيُّ الْمِصْرِيُّ بِمِصْرَ، وَهُوَ شَابٌّ لَمْ يَسْتَكْمِلِ الْعِشْرِينَ، وَقَدْ دَرَّسَ بِعِدَّةِ جِهَاتٍ بِمِصْرَ وَخَطَبَ، فَفَقَدَهُ وَالِدُهُ، وَتَأَسَّفَ النَّاسُ عَلَيْهِ، وَعَزَّوْا فِيهِ عَمَّهُ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجَ الدِّينِ السُّبْكِيَّ قَاضِي الشَّافِعِيَّةِ بِدِمَشْقَ. وَجَاءَ الْخَبَرُ بِمَوْتِ قَاضِي الْقُضَاةِ شِهَابِ الدِّينِ أَحْمَدَ الرَّبَاحِيِّ الْمَالِكِيِّ، كَانَ بِحَلَبَ، وَلِيَهَا مَرَّتَيْنِ ثُمَّ عُزِلَ، فَقَصَدَ مِصْرَ، وَاسْتَوْطَنَهَا مُدَّةً لِيَتَمَكَّنَ مِنَ السَّعْيِ فِي الْعَوْدَةِ، فَأَدْرَكَتْهُ مَنِيَّتُهُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنَ الْفَنَاءِ، وَوَلَدَانِ لَهُ مَعَهُ أَيْضًا.

وَفِي يَوْمِ السَّبْتِ سَادِسِ شَعْبَانَ تَوَجَّهَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ فِي صُحْبَةِ جُمْهُورِ الْأُمَرَاءِ إِلَى نَاحِيَةِ تَدْمُرَ; لِأَجْلِ الْأَعْرَابِ وَأَصْحَابِ حَيَّارِ بْنِ مُهَنَّا وَمَنِ الْتَفَّ عَلَيْهِ مِنْهُمْ، وَقَدْ دَمَّرَ بَعْضُهُمْ بَلَدَ تَدْمُرَ، وَحَرَّقُوا كَثِيرًا مِنْ أَشْجَارِهَا وَرَعَوْهَا، وَانْتَهَبُوا شَيْئًا كَثِيرًا، وَخَرَجُوا عَنِ الطَّاعَةِ، وَذَلِكَ بِسَبَبِ قَطْعِ إِقْطَاعَاتِهِمْ، وَتَمَلُّكِ أَمْلَاكِهِمْ، وَالْحَيْلُولَةِ عَلَيْهِمْ، فَرَكِبَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ بِمَنْ مَعَهُ - كَمَا ذَكَرْنَا - لِطَرْدِهِمْ عَنْ تِلْكَ النَّاحِيَةِ، وَفِي صُحْبَتِهِمُ الْأَمِيرُ حَمْزَةُ بْنُ الْخَيَّاطِ أَحَدُ أُمَرَاءِ الطَّبْلَخَانَاهْ، وَقَدْ كَانَ حَاجِبًا لِحَيَّارٍ قَبْلَ ذَلِكَ، فَرَجَعَ عَنْهُ، وَأَلَّبَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْأَمِيرِ الْكَبِيرِ يَلْبُغَا الْخَاصِّكِيِّ، وَوَعَدَهُ إِنْ هُوَ أَمَّرَهُ وَكَبَّرَهُ أَنْ يَظْفَرَ بِحَيَّارٍ، وَأَنْ يَأْتِيَهُ بِرَأْسِهِ، فَفَعَلَ مَعَهُ ذَلِكَ، فَقَدِمَ إِلَى دِمَشْقَ وَمَعَهُ مَرْسُومٌ بِرُكُوبِ الْجَيْشِ مَعَهُ إِلَى حَيَّارٍ وَأَصْحَابِهِ، فَسَارُوا كَمَا ذَكَرْنَا، فَوَصَلُوا إِلَى تَدْمُرَ، وَهَرَبَتِ الْأَعْرَابُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْ نَائِبِ الشَّامِ يَمِينًا وَشِمَالًا، وَلَمْ يُوَاجِهُوهُ هَيْبَةً لَهُ، وَلَكِنَّهُمْ يَتَحَرَّفُونَ عَلَى حَمْزَةَ بْنِ الْخَيَّاطِ، ثُمَّ بَلَغَنَا أَنَّهُمْ بَيَّتُوا الْجَيْشَ، فَقَتَلُوا مِنْهُ طَائِفَةً، وَجَرَحُوا آخَرِينَ، وَأَسَرُوا آخَرِينَ فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.

سَلْطَنَةُ الْمَلِكِ الْأَشْرَفِ نَاصِرِ الدِّينِ شَعْبَانَ بْنِ حُسَيْنٍ ابْنِ الْمَلِكِ النَّاصِرِ مُحَمَّدِ بْنِ قَلَاوُونَ فِي يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ خَامِسَ عَشَرَ شَعْبَانَ
لَمَّا كَانَ عَشِيَّةَ السَّبْتِ تَاسِعَ عَشَرَ شَعْبَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ - أَعْنِي سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ وَسَبْعِمِائَةٍ - قَدِمَ أَمِيرٌ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ فَنَزَلَ بِالْقَصْرِ الْأَبْلَقِ، وَأَخْبَرَ

بِزَوَالِ مَمْلَكَةِ الْمَلِكِ الْمَنْصُورِ بْنِ الْمُظَفَّرِ حَاجِّي ابْنِ الْمَلِكِ النَّاصِرِ مُحَمَّدِ بْنِ قَلَاوُونَ، وَمُسِكَ، وَاعْتُقِلَ، وَبُويِعَ لِلْمَلِكِ الْأَشْرَفِ شَعْبَانَ بْنِ حُسَيْنِ بْنِ النَّاصِرِ بْنِ الْمَنْصُورِ قَلَاوُونَ، وَلَهُ مِنَ الْعُمْرِ قَرِيبُ الْعَشْرِ، فَدَقَّتِ الْبَشَائِرُ بِالْقَلْعَةِ الْمَنْصُورَةِ، وَأَصْبَحَ النَّاسُ يَوْمَ الْأَحَدِ فِي الزِّينَةِ. وَأَخْبَرَنِي قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجُ الدِّينِ وَالصَّاحِبُ سَعْدُ الدِّينِ مَاجِدٌ نَاظِرُ الدَّوَاوِينِ، أَنَّهُ لَمَّا كَانَ يَوْمُ الثُّلَاثَاءِ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ شَعْبَانَ عُزِلَ الْمَلِكُ الْمَنْصُورُ، وَأُودِعَ مَنْزِلَهُ، وَأُجْلِسَ الْمَلِكُ الْأَشْرَفُ نَاصِرُ الدِّينِ شَعْبَانُ عَلَى سَرِيرِ الْمَلِكِ، وَبُويِعَ لِذَلِكَ، وَقَدْ وَقَعَ رَعْدٌ فِي هَذَا الْيَوْمِ وَمَطَرٌ كَثِيرٌ، وَجَرَتِ الْمَزَارِيبُ، فَصَارَ غُدْرَانًا فِي الطُّرُقَاتِ، وَذَلِكَ فِي خَامِسِ حُزَيْرَانَ، فَتَعَجَّبَ النَّاسُ مِنْ ذَلِكَ، هَذَا وَقَدْ وَقَعَ وَبَاءٌ فِي مِصْرَ فِي أَوَّلِ شَعْبَانَ فَتَزَايِدَ، وَجُمْهُورُهُ فِي الْيَهُودِ، وَقَدْ وَصَلُوا إِلَى الْخَمْسِينَ فِي كُلِّ يَوْمٍ، وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ.
وَفِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ سَابِعِهِ اشْتَهَرَ الْخَبَرُ عَنِ الْجَيْشِ بِأَنَّ الْأَعْرَابَ اعْتَرَضُوا التَّجْرِيدَةَ الْقَاصِدِينَ إِلَى الرَّحْبَةِ، وَأَوْقَفُوهُمْ، وَقَتَلُوا مِنْهُمْ، وَنَهَبُوا، وَجَرَحُوا، وَقَدْ سَارَ الْبَرِيدُ خَلْفَ النَّائِبِ وَالْأُمَرَاءِ لِيَقْدَمُوا إِلَى الْبَلَدِ لِأَجْلِ الْبَيْعَةِ لِلسُّلْطَانِ الْجَدِيدِ، جَعَلَهُ اللَّهُ مُبَارَكًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ قَدِمَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأُمَرَاءِ الْمُنْهَزِمِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ فِي أَسْوَأِ حَالٍ وَذِلَّةٍ، ثُمَّ جَاءَ الْبَرِيدُ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ بِرَدِّهِمْ إِلَى الْعَسْكَرِ الَّذِي مَعَ نَائِبِ السَّلْطَنَةِ عَلَى تَدْمُرَ، مُتَوَعِّدِينَ بِأَنْوَاعِ الْعُقُوبَاتِ، وَقَطْعِ الْإِقْطَاعَاتِ.
وَفِي شَهْرِ رَمَضَانَ تَفَاقَمَ الْحَالُ بِسَبَبِ الطَّاعُونِ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ،

وَجُمْهُورُهُ فِي الْيَهُودِ، لَعَلَّهُ قَدْ فُقِدَ مِنْهُمْ مِنْ مُسْتَهَلِّ شَعْبَانَ إِلَى مُسْتَهَلِّ رَمَضَانَ نَحْوَ الْأَلْفِ نَسَمَةٍ خَبِيثَةٍ، كَمَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ الْقَاضِي صَلَاحُ الدِّينِ الصَّفَدِيُّ وَكِيلُ بَيْتِ الْمَالِ، ثُمَّ كَثُرَ ذَلِكَ فِيهِمْ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ جِدًّا، وَغَدَتِ الْعِدَّةُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالذِّمَّةِ ثَمَانِينَ.
وَفِي يَوْمِ السَّبْتِ حَادِيَ عَشَرَهُ صَلَّيْنَا بَعْدَ الظُّهْرِ عَلَى الشَّيْخِ الْمُعَمَّرِ الصَّدْرِ بَدْرِ الدِّينِ مُحَمَّدِ بْنِ الزَّقَّاقِ الْمَعْرُوفِ بِابْنِ الْجَوُخِيِّ، وَعَلَى الشَّيْخِ صَلَاحِ الدِّينِ مُحَمَّدِ بْنِ شَاكِرِ الْكُتْبِيِّ، تَفَرَّدَ فِي صِنَاعَتِهِ، وَجَمَعَ تَارِيخًا مُفِيدًا نَحْوًا مِنْ عَشْرِ مُجَلَّدَاتٍ، وَكَانَ يَحْفَظُ وَيُذَاكِرُ وَيُفِيدُ، رَحِمَهُ اللَّهُ وَسَامَحَهُ.

وَفَاةُ الْخَطِيبِ جَمَالِ الدِّينِ مَحْمُودِ بْنِ جُمْلَةَ الْمَحَجِّيِّ الشَّافِعِيِّ وَمُبَاشَرَةُ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجِ الدِّينِ الشَّافِعِيِّ بَعْدَهُ
كَانَتْ وَفَاتُهُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ قَرِيبًا مِنَ الْعَصْرِ، فَصَلَّى بِالنَّاسِ

بِالْمِحْرَابِ صَلَاةَ الْعَصْرِ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجُ الدِّينِ السُّبْكِيُّ الشَّافِعِيُّ عِوَضًا عَنْهُ، وَصَلَّى بِالنَّاسِ الصُّبْحَ أَيْضًا، وَقَرَأَ بِآخِرِ " الْمَائِدَةِ " مِنْ قَوْلِهِ: يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ [ الْمَائِدَةِ: 109 ] ثُمَّ لَمَّا طَلَعَتِ الشَّمْسُ، وَزَالَ وَقْتُ الْكَرَاهَةِ صُلِّيَ عَلَى الْخَطِيبِ جَمَالِ الدِّينِ عِنْدَ بَابِ الْخَطَابَةِ، وَكَانَ الْجَمْعُ فِي الْجَامِعِ كَثِيرًا، وَخُرِجَ بِجَنَازَتِهِ مِنْ بَابِ الْبَرِيدِ، وَخَرَجَ مَعَهُ طَائِفَةٌ مِنَ الْعَوَامِّ وَغَيْرِهِمْ، وَقَدْ حَضَرَ جَنَازَتَهُ بِالصَّالِحِيَّةِ عَلَى - مَا ذُكِرَ - جَمٌّ غَفِيرٌ وَخَلْقٌ كَثِيرٌ، وَنَالَ قَاضِيَ الْقُضَاةِ الشَّافِعِيَّ مِنْ بَعْضِ الْجَهَلَةِ إِسَاءَةُ أَدَبٍ، فَأُخِذَ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ وَأُدِّبُوا، وَحَضَرَ هُوَ بِنَفْسِهِ صَلَاةَ الظُّهْرِ يَوْمَئِذٍ، وَكَذَا بَاشَرَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ فِي بَقِيَّةِ الْأَيَّامِ; يَأْتِي لِلْجَامِعِ فِي مَحْفِلٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالْأَعْيَانِ وَغَيْرِهِمْ ذَهَابًا وَإِيَابًا، وَخَطَبَ عَنْهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ الشَّيْخُ جَمَالُ الدِّينِ ابْنُ قَاضِي الزَّبَدَانِيِّ، وَكَذَلِكَ يَوْمَ الْعِيدِ بِالْمُصَلَّى، وَخُطْبَةَ الْجُمُعَةِ يَوْمَئِذٍ، وَامَتَنَعَ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجُ الدِّينِ مِنَ الْمُبَاشَرَةِ، حَتَّى يَأْتِيَ التَّشْرِيفُ.
وَفِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ صُلِّيَ عَلَى الشَّيْخِ شِهَابِ الدِّينِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَعْلَبَكِّيِّ الْمَعْرُوفِ بِابْنِ النَّقِيبِ، وَدُفِنَ بِالصُّوفِيَّةِ، وَقَدْ قَارَبَ السَّبْعِينَ أَوْ جَاوَزَهَا، وَكَانَ بَارِعًا فِي الْقِرَاءَاتِ، وَالنَّحْوِ، وَالتَّصْرِيفِ، وَالْعَرَبِيَّةِ، وَلَهُ يَدٌ فِي الْفِقْهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَوَلِيَ مَكَانَهُ مَشْيَخَةَ الْإِقْرَاءِ بِأُمِّ الصَّالِحِ شَمْسُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ اللَّبَّانِ، وَبِالتُّرْبَةِ الْأَشْرَفِيَّةِ الشَّيْخُ أَمِينُ الدِّينِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ السَّلَّارِ.
وَقَدِمَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ مِنْ نَاحِيَةِ الرَّحْبَةِ وَتَدْمُرَ، وَفِي صُحْبَتِهِ الْجَيْشُ الَّذِينَ كَانُوا

مَعَهُ بِسَبَبِ مُحَارَبَتِهِ آلِ مُهَنَّا، وَذَوِيهِمْ مِنَ الْأَعْرَابِ فِي يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ سَادِسِ شَوَّالٍ.
وَفِي لَيْلَةِ الْأَحَدِ عَاشِرِهِ تُوُفِّيَ الشَّيْخُ صَلَاحُ الدِّينِ خَلِيلُ بْنُ أَيْبَكَ وَكَيْلُ بَيْتِ الْمَالِ وَمُوَقِّعُ الدَّسْتِ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ صَبِيحَةَ الْأَحَدِ بِالْجَامِعِ، وَدُفِنَ بِالصُّوفِيَّةِ، وَقَدْ كَتَبَ الْكَثِيرَ مِنَ التَّارِيخِ، وَاللُّغَةِ، وَالْأَدَبِ، وَلَهُ الْأَشْعَارُ الْفَائِقَةُ، وَالْفُنُونُ الْمُتَنَوِّعَةُ، وَجَمَعَ، وَصَنَّفَ، وَكَتَبَ مَا يُقَارِبُ مِئِينَ مِنَ الْمُجَلَّدَاتِ.
وَفِي يَوْمِ السَّبْتِ عَاشِرِهِ جُمِعَ الْقُضَاةُ وَالْأَعْيَانُ بِدَارِ السَّعَادَةِ، وَكَتَبُوا خُطُوطَهُمْ بِالرِّضَا بِخَطَابَةِ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجِ الدِّينِ السُّبْكِيِّ بِالْجَامِعِ الْأُمَوِيِّ، وَكَاتَبَ نَائِبَ السَّلْطَنَةِ فِي ذَلِكَ.
وَفِي يَوْمِ الْأَحَدِ حَادِيَ عَشَرَهُ اسْتَقَرَّ عَزْلُ نَائِبِ السَّلْطَنَةِ سَيْفِ الدِّينِ قُشْتُمُرَ عَنْ نِيَابَةِ دِمَشْقَ، وَأُمِرَ بِالْمَسِيرِ إِلَى نِيَابَةِ صَفَدَ، فَأَنْزَلَ أَهْلَهُ بِدَارِ طَيْبُغَا حَاجِّي مِنَ الشَّرَفِ الْأَعْلَى، وَبَرَزَ هُوَ إِلَى سَطْحِ الْمِزَّةِ ذَاهِبًا إِلَى نَاحِيَةِ صَفَدَ.
وَخَرَجَ الْمَحْمَلُ صُحْبَةَ الْحَجِيجِ، وَهُمْ جَمٌّ غَفِيرٌ، وَخَلْقٌ كَثِيرٌ - يَوْمَ الْخَمِيسِ رَابِعَ عَشَرَ شَوَّالٍ.
وَفِي يَوْمِ الْخَمِيسِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَوَّالٍ تُوُفِّيَ الْقَاضِي أَمِينُ الدِّينِ أَبُو حَيَّانِ ابْنُ أَخِي قَاضِي الْقُضَاةِ جَمَالِ الدِّينِ الْمَسَلَّاتِيُّ الْمَالِكِيُّ، وَزَوْجُ ابْنَتِهِ وَنَائِبُهُ فِي الْحُكْمِ مُطْلَقًا، وَفِي الْقَضَاءِ وَالتَّدْرِيسِ - فِي غَيْبَتِهِ، فَعَالَجَتْهُ الْمَنِيَّةُ.

وَمِنْ غَرِيبِ مَا وَقَعَ فِي أَوَاخِرِ هَذَا الشَّهْرِ أَنَّهُ اشْتَهَرَ بَيْنَ النِّسَاءِ وَكَثِيرٍ مِنَ الْعَوَامِّ أَنَّ رَجُلًا رَأَى مَنَامًا فِيهِ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ شَجَرَةِ تُوتَةٍ عِنْدَ مَسْجِدِ ضِرَارٍ خَارِجَ بَابِ شَرْقِيِّ، فَتَبَادَرَ النِّسَاءُ إِلَى تَخْلِيقِ تِلْكَ التُّوتَةِ، وَأَخَذُوا أَوْرَاقَهَا لِلِاسْتِشْفَاءِ مِنَ الْوَبَاءِ، وَلَكِنْ لَمْ يَظْهَرْ صِدْقُ ذَلِكَ الْمَنَامِ، وَلَا يَصِحُّ عَمَّنْ يَرْوِيهِ.
وَفِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ سَابِعِ شَهْرِ ذِي الْقَعْدَةِ خَطَبَ بِجَامِعِ دِمَشْقَ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجُ الدِّينِ السُّبْكِيُّ خُطْبَةً بَلِيغَةً فَصِيحَةً أَدَّاهَا أَدَاءً حَسَنًا، وَقَدْ كَانَ يَخْشَى مِنْ طَائِفَةٍ مِنَ الْعَوَامِّ أَنْ يُشَوِّشُوا، فَلَمْ يَتَكَلَّمْ أَحَدٌ مِنْهُمْ، بَلْ ضَجُّوا عِنْدَ الْمَوْعِظَةِ وَغَيْرِهَا، وَأَعْجَبَهُمُ الْخَطِيبُ وَخَطَبَتُهُ، وَأَدَاؤُهُ، وَتَبْلِيغُهُ، وَمَهَابَتُهُ، وَاسْتَمَرَّ يَخْطُبُ هُوَ بِنَفْسِهِ.
وَفِي يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ ثَامِنَ عَشَرَهُ تُوُفِّيَ الصَّاحِبُ تَقِيُّ الدِّينِ سُلَيْمَانُ بْنُ مَرَاجِلٍ، نَاظِرُ الْجَامِعُ الْأُمَوِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَدْ بَاشَرَ نَظَرَ الْجَامِعِ فِي أَيَّامِ تَنْكِزَ، وَعَمَرَ الْجَانِبَ الْغَرْبِيَّ مِنَ الْحَائِطِ الْقِبْلِيِّ، وَكَمَّلَ رُخَامَهُ كُلَّهُ، وَفَتَقَ مِحْرَابًا لِلْحَنَفِيَّةِ فِي الْحَائِطِ الْقِبْلِيِّ، وَمِحْرَابًا لِلْحَنَابِلَةِ فِيهِ أَيْضًا فِي غَرْبَيِّهِ، وَأَثَّرَ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً فِيهِ، وَكَانَتْ لَهُ هِمَّةٌ، وَيُنْسَبُ إِلَى أَمَانَةٍ، وَصَرَامَةٍ، وَمُبَاشَرَةٍ مَشْكُورَةٍ مَشْهُورَةٍ، وَدُفِنَ بِتُرْبَةٍ أَنْشَأَهَا تُجَاهَ دَارِهِ بِالْقُبَيْبَاتِ، رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَدْ جَاوَزَ الثَّمَانِينَ.
وَفِي يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ تَاسِعَ عَشَرَهُ تُوُفِّيَ الشَّيْخُ بَهَاءُ الدِّينِ عَبْدُ الْوَهَّابِ الْإِخْمِيمِيُّ الْمِصْرِيُّ، إِمَامُ مَسْجِدِ دَرْبِ الْحَجَرِ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْعَصْرِ

بِالْجَامِعِ الْأُمَوِيِّ، وَدُفِنَ بِقَصْرِ ابْنِ الْحَلَّاجِ عِنْدَ الطَّيُورِيِّينَ بِزَاوِيَةٍ لِبَعْضِ الْفُقَرَاءِ الْخَزَنَةِ هُنَاكَ، وَقَدْ كَانَ لَهُ يَدٌ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ، وَصَنَّفَ فِي الْكَلَامِ كِتَابًا مُشْتَمِلًا عَلَى أَشْيَاءَ مَقْبُولَةٍ وَغَيْرِ مَقْبُولَةٍ.

دُخُولُ نَائِبِ السَّلْطَنَةِ مَنْكَلِي بُغَا
فِي يَوْمِ الْخَمِيسِ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ دَخَلَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ مَنْكَلِي بُغَا مِنْ حَلَبَ إِلَى دِمَشْقَ نَائِبًا عَلَيْهَا فِي تَجَمُّلٍ هَائِلٍ، وَلَكِنَّهُ مُسْتَمْرِضٌ فِي بَدَنِهِ بِسَبَبِ مَا كَانَ نَالَهُ مِنَ التَّعَبِ فِي مُصَابَرَةِ الْأَعْرَابِ، فَنَزَلَ دَارَ السَّعَادَةِ عَلَى الْعَادَةِ.
وَفِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ مُسْتَهَلِّ ذِي الْحِجَّةِ خُلِعَ عَلَى قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجِ الدِّينِ السُّبْكِيِّ الشَّافِعِيِّ لِلْخَطَابَةِ بِجَامِعِ دِمَشْقَ، وَاسْتَمَرَّ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ يَخْطُبُ بِنَفْسِهِ كُلَّ جُمُعَةٍ. وَفِي يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ ثَانِيهِ قَدِمَ الْقَاضِي فَتْحُ الدِّينِ بْنُ الشَّهِيدِ، وَلَبِسَ الْخِلْعَةَ، وَرَاحَ النَّاسُ لِتَهْنِئَتِهِ. وَفِي يَوْمِ الْخَمِيسِ حَضَرَ الْقَاضِي فَتْحُ الدِّينِ بْنُ الشَّهِيدِ - كَاتِبُ السِّرِّ - مَشْيَخَةَ السُّمَيْسَاطِيَّةِ، وَحَضَرَ عِنْدَهُ الْقُضَاةُ وَالْأَعْيَانُ بَعْدَ الظُّهْرِ، وَخُلِعَ عَلَيْهِ لِذَلِكَ أَيْضًا، وَحَضَرَ فِيهَا مِنَ الْغَدِ عَلَى الْعَادَةِ، وَخُلِعَ فِي هَذَا الْيَوْمِ عَلَى وَكِيلِ بَيْتِ الْمَالِ الشَّيْخِ جَمَالِ الدِّينِ بْنِ الرَّهَاوِيِّ، وَعَلَى الشَّيْخِ شِهَابِ الدِّينِ الزُّهْرِيِّ بِفُتْيَا دَارِ الْعَدْلِ.

ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسٍ وَسِتِّينَ وَسَبْعِمِائَةٍ
اسْتَهَلَّتْ هَذِهِ السَّنَةُ وَسُلْطَانُ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَالشَّامِيَّةِ، وَالْحَرَمَيْنِ، وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ - الْمَلِكُ الْأَشْرَفُ نَاصِرُ الدِّينِ شَعْبَانُ ابْنُ سَيِّدِي حُسَيْنٍ ابْنِ السُّلْطَانِ الْمَلِكِ النَّاصِرِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَنْصُورِ قَلَاوُونَ الصَّالِحِيُّ، وَهُوَ فِي عُمْرِ عَشْرِ سِنِينَ، وَمُدَبِّرُ الْمَمَالِكِ بَيْنَ يَدَيْهِ الْأَمِيرُ الْكَبِيرُ نِظَامُ الْمُلْكِ سَيْفُ الدِّينِ يَلْبُغَا الْخَاصِّكِيُّ، وَقُضَاةُ مِصْرَ هُمُ الْمَذْكُورُونَ فِي السَّنَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَوَزِيرُهَا فَخْرُ الدِّينِ بْنُ قَرَوِينَهَ، وَنَائِبُ دِمَشْقَ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ مَنْكَلِي بُغَا الشَّمْسِيُّ، وَهُوَ مَشْكُورِ السِّيرَةِ، وَقُضَاتُهَا هُمُ الْمَذْكُورُونَ فِي السَّنَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَنَاظِرُ الدَّوَاوِينِ بِهَا الصَّاحِبُ سَعْدُ الدِّينِ مَاجِدٌ، وَنَاظِرُ الْجَيْشِ عَلَمُ الدِّينِ دَاوُدُ، وَكَاتِبُ السِّرِّ الْقَاضِي فَتْحُ الدِّينِ بْنُ الشَّهِيدِ، وَوَكِيلُ بَيْتِ الْمَالِ الْقَاضِي جَمَالُ الدِّينِ بْنُ الرَّهَاوِيِّ.
اسْتَهَلَّتْ هَذِهِ السَّنَةُ وَدَاءُ الْفَنَاءِ مَوْجُودٌ فِي النَّاسِ، إِلَّا أَنَّهُ خَفَّ وَقَلَّ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَفِي يَوْمِ السَّبْتِ تَوَجَّهَ قَاضِي الْقُضَاةِ - وَكَانَ بَهَاءَ الدِّينِ أَبَا الْبَقَاءِ السُّبْكِيَّ - إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ مَطْلُوبًا مِنْ جِهَةِ الْأَمِيرِ يَلْبُغَا، وَفِي الْكِتَابِ إِجَابَتُهُ لَهُ إِلَى مَا سَأَلَ. وَتَوَجَّهَ بَعْدَهُ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجُ الدِّينِ - الْحَاكِمُ بِدِمَشْقَ وَخَطِيبُهَا - يَوْمَ

الِاثْنَيْنِ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنَ الْمُحَرَّمِ عَلَى خَيْلِ الْبَرِيدِ. وَتَوَجَّهَ بَعْدَهُمَا الشَّيْخُ شَرَفُ الدِّينِ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ الْحَنْبَلِيُّ، مَطْلُوبًا إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَكَذَلِكَ تَوَجَّهَ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ الْمَنْفَلُوطِيُّ مَطْلُوبًا.
وَتُوُفِّيَ فِي الْعَشْرِ الْأَوْسَطِ مِنَ الْمُحَرَّمِ صَاحَبُنَا الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّينِ بْنُ الْعَطَّارِ الشَّافِعِيُّ، كَانَ لَدَيْهِ فَضِيلَةٌ، وَاشْتِغَالٌ، وَلَهُ فَهْمٌ، وَعَلَّقَ بِخَطِّهِ فَوَائِدَ جَيِّدَةً، وَكَانَ إِمَامًا بِالسِّجْنِ مَنَّ مَشْهَدِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِجَامِعِ دِمَشْقَ، وَمُصَدَّرًا بِالْجَامِعِ، وَفَقِيهًا بِالْمَدَارِسِ، وَلَهُ مَشْيَخَةُ الْحَدِيثِ الْوَادِعِيَّةِ، وَجَاوَزَ الْخَمْسِينَ بِسَنَوَاتٍ، وَلَمْ يَتَزَوَّجْ قَطُّ. وَقَدِمَ الرَّكْبُ الشَّافِعِيُّ إِلَى دِمَشْقَ يَوْمَ الْخَمِيسِ الرَّابِعَ وَالْعِشْرِينَ مِنَ الْمُحَرَّمِ، وَهُمْ شَاكِرُونَ مُثْنُونَ بِكُلِّ خَيْرٍ عَنْ هَذِهِ السَّنَةِ أَمْنًا وَرُخْصًا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
وَفِي يَوْمِ الْأَحَدِ حَادِيَ عَشَرَ صَفَرٍ دَرَسَ بِالْمَدْرَسَةِ الْفَتْحِيَّةِ صَاحِبُنَا الشَّيْخُ عِمَادُ الدِّينِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ خَلِيفَةَ الْحُسْبَانِيُّ الشَّافِعِيُّ، وَحَضَرَ عِنْدَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَعْيَانِ وَالْفُضَلَاءِ، وَأَخَذَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا [ التَّوْبَةِ: 36 ].
وَفِي يَوْمِ الْخَمِيسِ خَامِسَ عَشَرَهُ نُودِيَ فِي الْبَلَدِ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ بِإِلْزَامِهِمْ بِالصِّغَارِ، وَتَصْغِيرِ الْعَمَائِمِ، وَأَنْ لَا يُسْتَخْدَمُوا فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَعْمَالِ، وَأَنْ لَا

يَرْكَبُوا الْخَيْلَ، وَلَا الْبِغَالَ، وَيَرْكَبُونَ الْحَمِيرَ بِالْأَكُفِّ بِالْعَرْضِ، وَأَنْ يَكُونَ فِي رِقَابِهِمْ وَرِقَابِ نِسَائِهِمْ فِي الْحَمَّامَاتِ الْأَجْرَاسُ، وَأَنْ يَكُونَ أَحَدُ النَّعْلَيْنِ أَسْوَدَ مُخَالِفًا لِلَوْنِ الْأُخْرَى، فَفَرِحَ بِذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ، وَدَعَوْا لِلْآمِرِ بِذَلِكَ.
وَفِي يَوْمِ الْأَحَدِ ثَالِثِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ قَدِمَ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجُ الدِّينِ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ مُسْتَمِرًّا عَلَى الْقَضَاءِ، وَالْخَطَابَةِ، فَتَلَقَّاهُ النَّاسُ، وَهَنَّئُوهُ بِالْعَوْدِ وَالسَّلَامَةِ.
وَفِي يَوْمِ الْخَمِيسِ سَابِعِهِ لَبِسَ الْقَاضِي الصَّاحِبُ الْبَهْنَسِيُّ الْخِلْعَةَ لِنَظْرِ الدَّوَاوِينِ بِدِمَشْقَ، وَهَنَّأَهُ النَّاسُ، وَبَاشَرَ بِصَرَامَةٍ، وَاسْتَعْمَلَ فِي غَالِبِ الْجِهَاتِ مِنْ أَبْنَاءِ الْمُسْلِمِينَ. وَفِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ حَادِيَ عَشَرَهُ رَكِبَ قَاضِي الْقُضَاةِ بَدْرُ الدِّينِ بْنُ أَبِي الْفَتْحِ عَلَى خَيْلِ الْبَرِيدِ مُتَوَجِّهًا إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ; لِتَوَلِّيهِ قَضَاءَ قُضَاةِ الشَّافِعِيَّةِ بِدِمَشْقَ عَنْ رِضًى مِنْ خَالَةِ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجِ الدِّينِ، وَنُزُولِهِ عَنْ ذَلِكَ.
وَفِي لَيْلَةِ الْخَمِيسِ خَامِسِ رَبِيعٍ الْآخِرِ احْتَرَقَتِ الْبَاشُورَةُ الَّتِي ظَاهِرَ بَابِ الْفَرَجِ عَلَى الْجِسْرِ، وَنَالَ حِجَارَةَ الْبَابِ شَيْءٌ مِنْ حَرِيقِهَا فَاتَّسَعَتْ، وَقَدْ حَضَرَ طَفْأَهَا نَائِبُ السَّلْطَنَةِ، وَالْحَاجِبُ الْكَبِيرُ، وَنَائِبُ الْقَلْعَةِ، وَالْوُلَاةُ، وَغَيْرُهُمْ. وَفِي صَبِيحَةِ هَذَا الْيَوْمِ زَادَ النَّهْرُ زِيَادَةً عَظِيمَةً بِسَبَبِ كَثْرَةِ الْأَمْطَارِ، وَذَلِكَ فِي أَوَائِلِ كَانُونَ الثَّانِي، وَرَكِبَ الْمَاءُ سُوقَ الْخَيْلِ بِكَمَالِهِ، وَوَصَلَ إِلَى ظَاهِرِ بَابِ الْفَرَادِيسِ،

وَتِلْكَ النَّوَاحِي، وَكَسَرَ جِسْرَ الْخَشَبِ الَّذِي عِنْدَ جَامِعِ يَلْبُغَا، وَجَاءَ فَصُدِمَ بِهِ جِسْرُ الزَّلَابِيَّةِ فَكَسَرَهُ أَيْضًا. وَفِي يَوْمِ الْخَمِيسِ ثَانِيَ عَشَرَهُ صُرِفَ حَاجِبُ الْحُجَّابِ قُمَارِيُّ عَنِ الْمُبَاشَرَةِ بِدَارِ السَّعَادَةِ، وَأُخِذَتِ الْقُضَاةُ مِنْ يَدِهِ، وَانْصَرَفَ إِلَى دَارِهِ فِي قُلٍّ مِنَ النَّاسِ، وَاسْتَبْشَرَ بِذَلِكَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ; لِكَثْرَةِ مَا كَانَ يَفْتَاتُ عَلَى الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ.
وَفِي أَوَاخِرِهِ اشْتَهَرَ مَوْتُ الْقَاضِي تَاجِ الدِّينِ الْمُنَاوِيِّ بِدِيَارِ مِصْرَ، وَوِلَايَةِ قَاضِي الْقُضَاةِ بَهَاءِ الدِّينِ أَبِي الْبَقَاءِ السُّبْكِيِّ مَكَانَهُ بِقَضَاءِ الْعَسَاكِرِ بِهَا، وَوَكَالَةِ السُّلْطَانِ أَيْضًا، وَرُتِّبَ لَهُ مَعَ ذَلِكَ كِفَايَتُهُ. وَتَوَلَّى فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ الشَّيْخُسِرَاجُ الدِّينِ الْبُلْقَيْنِيُّ إِفْتَاءَ دَارِ الْعَدْلِ مَعَ الشَّيْخِ بَهَاءِ الدِّينِ أَحْمَدَ ابْنِ قَاضِي الْقُضَاةِ السُّبْكِيِّ بِالشَّامِ، وَقَدْ وَلِي هُوَ أَيْضًا قَضَاءَ الشَّامِ، كَمَا تَقَدَّمَ، ثُمَّ عَادَ إِلَى مِصْرَ مُوَقَّرًا مُكَرَّمًا، وَعَادَ أَخُوهُ تَاجُ الدِّينِ إِلَى الشَّامِ، وَكَذَلِكَ وَلَّوْا مَعَ الْبُلْقَيْنِيِّ إِفْتَاءَ دَارِ الْعَدْلِ لِحَنَفِيٍّ يُقَالُ لَهُ: الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّينِ بْنُ الصَّائِغِ، وَهُوَ مُفْتٍ حَنَفِيٌّ أَيْضًا.
وَفِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ سَابِعِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ تُوُفِّيَ الشَّيْخُ نُورُ الدِّينِ مُحَمَّدُ ابْنُ الشَّيْخِ أَبِي بَكْرِ ابْنِ الشَّيْخِ مُحَمَّدِ ابْنِ الشَّيْخِ أَبِي بَكْرِ بْنِ قَوَامٍ بِزَاوِيَتِهِمْ بِسَفْحِ جَبَلِ قَاسِيُونَ، وَغَدَا النَّاسُ إِلَى جَنَازَتِهِ. وَقَدْ كَانَ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْفُضَلَاءِ الْفُقَهَاءِ بِمَذْهَبِ

الشَّافِعِيِّ، دَرَّسَ بِالنَّاصِرِيَّةِ الْبَرَّانِيَّةِ مُدَّةَ سِنِينَ بَعْدَ أَبِيهِ، وَبِالرِّبَاطِ الدَّوَيْدَارِيِّ دَاخِلَ بَابِ الْفَرَجِ، وَكَانَ يَحْضُرُ الْمَدَارِسَ، وَنَزَلَ عِنْدَنَا بِالْمَدْرَسَةِ النَّجِيبِيَّةِ، وَكَانَ يُحِبُّ السُّنَّةَ وَيَفْهَمُهَا جَيِّدًا، رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَفِي مُسْتَهَلِّ جُمَادَى الْأُولَى وَلِيَ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجُ الدِّينِ الشَّافِعِيُّ مَشْيَخَةَ دَارِ الْحَدِيثِ بِالْمَدْرَسَةِ الَّتِي فُتِحَتْ بِدَرْبِ الْقِلَى، وَكَانَتْ دَارًا لَوَاقِفِهَا جَمَالِ الدِّينِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى التَّدْمُرِيِّ الَّذِي كَانَ اسْتَاذًا لِلْأَمِيرِ طَازْ، وَجُعِلَ فِيهَا دَرْسٌ لِلْحَنَابِلَةِ، وَجُعِلَ الْمُدَرِّسُ لَهُمُ الشَّيْخُ بُرْهَانُ الدِّينِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ قَيَّمِ الْجَوْزِيَّةِ، وَحَضَرَ الدَّرْسَ وَحَضَرَ عِنْدَهُ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ بِالدَّرْسِ، ثُمَّ جَرَتْ أُمُورٌ يَطُولُ بَسْطُهَا. وَاسْتَحْضَرَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ شُهُودَ الْحَنَابِلَةِ بِالدَّرْسِ، وَاسْتَفْرَدَ كُلًّا مِنْهُمْ، وَسَأَلَهُ كَيْفَ شَهِدَ فِي أَصْلِ الْكِتَابِ - الْمَحْضَرِ - الَّذِي أَثْبَتُوهُ لَهُمْ، فَاضْطَرَبُوا فِي الشَّهَادَاتِ، وَضُبِطَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَفِيهِ مُخَالَفَةٌ كَثِيرَةٌ لِمَا شَهِدُوا بِهِ فِي أَصْلِ الْمَحْضَرِ، وَشَنَّعَ عَلَيْهِمْ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ. ثُمَّ ظَهَرَتْ دُيُونٌ كَثِيرَةٌ لِبَيْتِ طَازْ عَلَى جَمَالِ الدِّينِ التَّدْمُرِيِّ الْوَاقِفِ، وَطُلِبَ مِنَ الْقَاضِي الْمَالِكِيِّ أَنْ يَحْكُمَ بِإِبْطَالِ مَا حَكَمَ بِهِ الْحَنْبَلِيُّ، فَتَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ. وَفِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ مِنْهُ قُرِئَ كِتَابُ السُّلْطَانِ بِصَرْفِ الْوُكَلَاءِ مِنْ أَبْوَابِ الْقُضَاةِ الْأَرْبَعَةِ، فَصُرِفُوا.
وَفِي شَهْرِ جُمَادَى الْآخِرَةِ تُوُفِّيَ الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّينِ شَيْخُ الْحَنَابِلَةِ بِالصَّالِحِيَّةِ - وَيُعْرَفُ بِالتَّتَرِيِّ - يَوْمَ الْخَمِيسِ ثَامِنِهِ. صُلِّيَ عَلَيْهِ بِالْجَامِعِ الْمُظَفَّرِيِّ

بَعْدَ الْعَصْرِ، وَدُفِنَ بِالسَّفْحِ، وَقَدْ قَارَبَ الثَّمَانِينَ.
وَفِي الرَّابِعَ عَشَرَ مِنْهُ عُقِدَ بِدَارِ السَّعَادَةِ مَجْلِسٌ حَافِلٌ اجْتَمَعَ فِيهِ الْقُضَاةُ الْأَرْبَعَةُ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفْتِينَ، وَطُلِبْتُ فَحَضَرْتُ مَعَهُمْ بِسَبَبِ الْمَدْرَسَةِ التَّدْمُرِيَّةِ وَقَرَابَةِ الْوَاقِفِ، وَدَعْوَاهُمْ أَنَّهُ وَقَفَ عَلَيْهِمُ الثُّلُثَ، فَوَقَفَ الْحَنْبَلِيُّ فِي أَمْرِهِمْ، وَدَافَعَهُمْ عَنْ ذَلِكَ أَشَدَّ الدِّفَاعِ.
وَفِي الْعَشْرِ الْأَوَّلِ مِنْ رَجَبٍ وُجِدَ جَرَادٌ كَثِيرٌ مُنْتَشِرٌ، ثُمَّ تَزَايِدَ، وَتَرَاكَمْ، وَتَضَاعَفَ، وَتَفَاقَمَ الْأَمْرُ بِسَبَبِهِ، وَسَدَّ الْأَرْضَ كَثْرَةً، وَعَاثَ يَمِينًا وَشِمَالًا، وَأَفْسَدَ شَيْئًا كَثِيرًا مِنَ الْكُرُومِ، وَالْمَقَاثِي، وَالزُّرُوعَاتِ النَّفِيسَةِ، وَأَتْلَفَ لِلنَّاسِ شَيْئًا كَثِيرًا، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.
وَفِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ ثَالِثِ شَعْبَانَ تَوَجَّهَ الْقُضَاةُ، وَوَكِيلُ بَيْتِ الْمَالِ إِلَى بَابِ كَيْسَانَ، فَوَقَفُوا عَلَيْهِ وَعَلَى هَيْئَتِهِ، وَمِنْ نِيَّةِ نَائِبِ السَّلْطَنَةِ فَتْحُهُ لِيَتَفَرَّجَ النَّاسُ بِهِ.
وَعُدِمَ لِلنَّاسِ غَلَّاتٌ كَثِيرَةٌ، وَأَشْيَاءُ مِنْ أَنْوَاعِ الزُّرُوعِ; بِسَبَبِ كَثْرَةِ الْجَرَادِ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. وَفِي هَذَا الشَّهْرِ كَثُرَ الْوَبَاءُ وَالْفَنَاءُ فِي النَّاسِ، وَبَلَغَتِ الْعِدَّةُ إِلَى السَّبْعِينَ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.

فَتْحُ بَابِ كَيْسَانَ بَعْدَ غَلْقِهِ نَحْوًا مِنْ مِائَتَيْ سَنَةٍ
وَفِي يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ اجْتَمَعَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ وَالْقُضَاةُ عِنْدَ بَابِ كَيْسَانَ، وَشَرَعَ الصُّنَّاعُ فِي فَتْحِهِ عَنْ مَرْسُومِ السُّلْطَانِ الْوَارِدِ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَأَمْرِ نَائِبِ السَّلْطَنَةِ، وَإِذْنِ الْقُضَاةِ فِي ذَلِكَ، وَاسْتَهَلَّ رَمَضَانُ وَهُمْ فِي الْعَمَلِ فِيهِ.
وَفِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ شَعْبَانَ تُوُفِّيَ الشَّرِيفُ شَمْسُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ حَمْزَةَ الْحُسَيْنِيُّ، الْمُحَدِّثُ الْمُحَصِّلُ، الْمُؤَلِّفُ لِأَشْيَاءَ مُهِمَّةٍ فِي الْحَدِيثِ، قَرَأَ، وَسَمِعَ، وَجَمَعَ، وَكَتَبَ أَسْمَاءَ رِجَالٍ بِ " مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ "، وَاخْتَصَرَ كِتَابًا فِي أَسْمَاءِ الرِّجَالِ مُفِيدًا، وَوَلِيَ مَشْيَخَةَ الْحَدِيثِ الَّتِي وَقَفَهَا فِي دَارِهِ بَهَاءُ الدِّينِ الْقَاسِمُ بْنُ عَسَاكِرَ دَاخِلَ بَابِ تُومَاءَ.
وَخُتِمَتِ الْبُخَارِيَّاتُ فِي آخِرِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَوَقَعَ بَيْنَ الشَّيْخِ عِمَادِ الدِّينِ بْنِ السَّرَّاجِ قَارِئِ " الْبُخَارِيِّ " عِنْدَ مِحْرَابِ الصَّحَابَةِ، وَبَيْنَ الشَّيْخِ بَدْرِ الدِّينِ ابْنِ الشَّيْخِ جَمَالِ الدِّينِ بْنِ الشَّرِيشِيِّ، وَتَهَاتَرَا عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ بِسَبَبِ لَفْظَةِ " يَبْتَئِرُ " بِمَعْنَى ( يَدَّخِرُ )، وَفِي نُسْخَةٍ " يَبْتَئِزُ "، فَحَكَى ابْنُ السَّرَّاجِ عَنِ الْحَافِظِ الْمِزِّيِّ أَنَّ

الصَّوَابَ " يَبْتَئِزُ " مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ: مَنْ عَزَّ بَزَّ. وَصَدَقَ فِي ذَلِكَ، فَكَأَنَّ مُنَازِعَهُ خَطَّأَ الْمِزِّيَّ، فَانْتَصَرَ الْآخَرُ لِلْحَافِظِ الْمِزِّيِّ، فَنَالَ مِنْهُ بِالْقَوْلِ ثُمَّ قَامَ وَالِدُهُ الشَّيْخُ جَمَالُ الدِّينِ الْمُشَارُ إِلَيْهِ، فَكَشَفَ رَأْسَهُ عَلَى طَرِيقَةِ الصُّوفِيَّةِ، فَكَأَنَّ ابْنَ السَّرَّاجِ لَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ، وَتَدَافَعُوا إِلَى الْقَاضِي الشَّافِعِيِّ، فَانْتَصَرَ لِلْحَافِظِ الْمِزِّيِّ، وَجَرَتْ أُمُورٌ ثُمَّ اصْطَلَحُوا غَيْرَ مَرَّةٍ، وَعَزَمَ أُولَئِكَ عَلَى كَتْبِ مَحْضَرٍ عَلَى ابْنِ السَّرَّاجِ، ثُمَّ انْطَفَأَتْ تِلْكَ الشُّرُورُ. وَكَثُرَ الْمَوْتُ فِي أَثْنَاءِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَقَارَبَتِ الْعِدَّةُ مِائَةً، وَرُبَّمَا جَاوَزَتِ الْمِائَةَ، وَرُبَّمَا كَانَتْ أَقَلَّ مِنْهَا وَهُوَ الْغَالِبُ، وَمَاتَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَصْحَابِ وَالْمَعَارِفِ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. وَكَثُرَ الْجَرَادُ فِي الْبَسَاتِينِ، وَعَظُمَ الْخَطْبُ بِسَبَبِهِ، وَأَتْلَفَ شَيْئًا كَثِيرًا مِنَ الْغَلَّاتِ، وَالثِّمَارِ، وَالْخُضْرَاوَاتِ، وَغَلَتِ الْأَسْعَارُ، وَقَلَّتِ الثِّمَارُ، وَارْتَفَعَتْ قِيَمُ الْأَشْيَاءِ، فَبِيعَ الدِّبْسُ بِمَا فَوْقَ الْمِائَتَيْنِ الْقِنْطَارُ، وَالرُّزُّ بِأَزْيَدَ مِنْ ذَلِكَ.
وَتَكَامَلَ فَتْحُ بَابِ كَيْسَانَ وَسَمَّوْهُ الْبَابَ الْقِبْلِيَّ، وَوُضِعَ الْجِسْرُ مِنْهُ إِلَى الطَّرِيقِ السَّالِكَةِ، وَعَرْضُهُ أَزْيَدُ مِنْ عَشَرَةِ أَذْرُعٍ بِالنَّجَّارِيِّ لِأَجْلِ عَمَلِ الْبَاشُورَةِ جَنَبَتَيْهِ، وَدَخَلَتِ الْمَارَّةُ عَلَيْهِ مِنَ الْمُشَاةِ وَالرُّكْبَانِ، وَجَاءَ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ، وَسَلَكَ النَّاسُ فِي حَارَاتِ الْيَهُودِ، وَانْكَشَفَ دَخَلُهُمْ، وَأَمِنَ النَّاسُ مِنْ دَخَنِهِمْ، وَغِشِّهِمْ، وَمَكْرِهِمْ،

وَخُبْثِهِمْ، وَانْفَرَجَ النَّاسُ بِهَذَا الْبَابِ الْمُبَارَكِ.
وَاسْتَهَلَّ شَوَّالٌ وَالْجَرَادُ قَدْ أَتْلَفَ شَيْئًا كَثِيرًا مِنَ الْبِلَادِ، وَرَعَى الْخَضْرَاوَاتِ، وَالْأَشْجَارَ، وَأَوْسَعَ أَهْلَ الشَّامِ فِي الْفَسَادِ، وَغَلَتِ الْأَسْعَارُ، وَاسْتَمَرَّ الْفَنَاءُ، وَكَثُرَ الضَّجِيجُ وَالْبُكَاءُ، وَفَقَدْنَا كَثِيرًا مِنَ الْأَصْحَابِ وَالْأَصْدِقَاءِ. وَقَدْ تَنَاقَصَ الْفَنَاءُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ، وَقَلَّ الْوَقْعُ، وَتَنَاقَصَ لِلْخَمْسِينَ. وَفِي شَهْرِ ذِي الْقَعْدَةِ تَقَاصَرَ الْفَنَاءُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، وَنَزَلَ الْعَدَدُ إِلَى الْعِشْرِينَ فَمَا حَوْلَهَا. وَفِي رَابِعِهِ دُخِلَ بِالْفِيلِ وَالزَّرَافَةِ إِلَى مَدِينَةِ دِمَشْقَ مِنَ الْقَاهِرَةِ، فَأُنْزِلَا فِي الْمَيْدَانِ الْأَخْضَرِ قَرِيبًا مِنَ الْقَصْرِ الْأَبْلَقِ، وَذَهَبَ النَّاسُ لِلنَّظَرِ إِلَيْهِمَا عَلَى الْعَادَةِ.
وَفِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ تَاسِعِهِ صُلِّيَ عَلَى الشَّيْخِ جَمَالِ الدِّينِ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ خَلِيلٍ الْبَغْدَادِيِّ، الْمَعْرُوفِ بِابْنِ الْخُضَرِيِّ، مُحَدِّثِ بَغْدَادَ وَوَاعِظِهَا، كَانَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، رَحِمَهُ اللَّهُ.

تَجْدِيدُ خُطْبَةٍ ثَانِيَةٍ دَاخِلَ سُوَرِ دِمَشْقَ وَلَمْ يَتَّفِقْ ذَلِكَ فِيمَا أَعْلَمُ مُنْذُ فُتُوحِ الشَّامِ إِلَى الْآنَ.
اتَّفَقَ ذَلِكَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ الثَّالِثِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ بِالْجَامِعِ الَّذِي جَدَّدَ بِنَاءَهُ نَائِبُ الشَّامِ سَيْفُ الدِّينِ مَنْكَلِي بُغَا

بِدَرْبِ الْبَلَاغَةِ قِبْلِيَّ مَسْجِدِ دَرْبِ الْحَجَرِ دَاخِلَ بَابِ كَيْسَانَ الْمُجَدَّدِ فَتْحُهُ فِي هَذَا الْحِينِ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ الْعَامَّةِ بِمَسْجِدِ الشَّاذُورِيِّ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي " تَارِيخِ ابْنِ عَسَاكِرَ " مَسْجِدُ الشَّهْرَزُورِيِّ، وَقَدْ كَانَ الْمَسْجِدُ رَثَّ الْهَيْئَةِ قَدْ تَقَادَمَ عَهْدُهُ مَدَّ دَهْرٍ، وَهُجِرَ فَلَا يَدْخُلُهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ إِلَّا قَلِيلٌ، فَوَسَّعَهُ مِنْ قِبْلِيِّهِ، وَسَقَفَهُ جَدِيدًا، وَجَعَلَ لَهُ صَرْحَةً شَمَالِيَّةً مُبَلَّطَةً، وَرِوَاقَاتٍ عَلَى هَيْئَةِ الْجَوَامِعِ، وَالدَّاخِلُ بِأَبْوَابِهِ عَلَى الْعَادَةِ، وَدَاخِلُ ذَلِكَ رِوَاقٌ كَبِيرٌ لَهُ جَنَاحَانِ شَرْقِيٌّ وَغَرْبِيٌّ بِأَعْمِدَةِ وَقَنَاطِرَ، وَقَدْ كَانَ قَدِيمًا كَنِيسَةً، فَأُخِذَتْ مِنْهُمْ قَبْلَ الْخَمْسِمِائَةِ، وَعُمِلَتْ مَسْجِدًا، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ إِلَى هَذَا الْحِينِ، فَلَمَّا كَمَلَ كَمَا ذَكَرْنَا، وَسِيقَ إِلَيْهِ الْمَاءُ مِنَ الْقَنَوَاتِ، وَوُضِعَ فِيهِ مِنْبَرٌ مُسْتَعْمَلٌ كَذَلِكَ - فَيَوْمَئِذٍ رَكِبَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ، وَدَخَلَ الْبَلَدَ مِنْ بَابِ كَيْسَانَ، وَانْعَطَفَ عَلَى حَارَةِ الْيَهُودِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْجَامِعِ الْمَذْكُورِ، وَقَدِ اسْتَكَفَّ النَّاسُ عِنْدَهُ مِنْ قُضَاةٍ، وَأَعْيَانٍ، وَخَاصَّةٍ، وَعَامَّةٍ، وَقَدْ عُيِّنَ لِخَطَابَتِهِ الشَّيْخُ صَدْرُ الدِّينِ بْنُ مَنْصُورٍ الْحَنَفِيُّ مُدَرِّسُ التَّاجِيَّةِ، وَإِمَامُ الْحَنَفِيَّةِ بِالْجَامِعِ الْأُمَوِيِّ، فَلَمَّا أُذِّنَ الْأَذَانُ الْأَوَّلُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ مِنْ بَيْتِ الْخَطَابَةِ، قِيلَ: لِمَرَضٍ عَرَضَ لَهُ. وَقِيلَ: لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ حَصْرٍ أَوْ نَحْوِهُ. فَخَطَبَ النَّاسَ يَوْمَئِذٍ قَاضِي الْقُضَاةِ جَمَالُ الدِّينِ الْحَنَفِيُّ الْكَفْرِيُّ، خِدْمَةً لِنَائِبِ السَّلْطَنَةِ.
وَاسْتَهَلَّ شَهْرُ ذِي الْحِجَّةِ وَقَدْ رَفَعَ اللَّهُ الْوَبَاءَ عَنْ دِمَشْقَ، وَلَهُ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
وَأَهْلُ الْبَلَدِ يَمُوتُونَ عَلَى الْعَادَةِ، وَلَا يَمْرَضُ أَحَدٌ بِتِلْكَ الْعِلَّةِ، وَلَكِنِ الْمَرَضُ الْمُعْتَادَ.

ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَسِتِّينَ وَسَبْعِمِائَةٍ
اسْتَهَلَّتْ هَذِهِ السَّنَةُ وَالسُّلْطَانُ الْمَلِكُ الْأَشْرَفُ نَاصِرُ الدِّينِ شَعْبَانُ، وَالدَّوْلَةُ بِمِصْرَ وَالشَّامِ هُمْ هُمْ. وَدَخَلَ الْمَحْمَلُ السُّلْطَانِيُّ فِي صَبِيحَةِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْهُ، وَذَكَرُوا أَنَّهُمْ نَالَهُمْ فِي الرَّجْعَةِ شِدَّةٌ شَدِيدَةٌ مِنَ الْغَلَاءِ، وَمَوْتِ الْجِمَالِ، وَهَرَبِ الْجَمَّالِينَ، وَقَدِمَ مَعَ الرَّكْبِ الشَّامِيِّ مِمَّنْ خَرَجَ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ قَاضِي الْقُضَاةِ بَدْرُ الدِّينِ بْنُ أَبِي الْفَتْحِ، وَقَدْ سَبَقَهُ التَّقْلِيدُ بِقَضَاءِ الْقُضَاةِ مَعَ خَالِهِ تَاجِ الدِّينِ، يَحْكُمُ فِيمَا يَحْكُمُ فِيهِ مُسْتَقِلًّا مَعَهُ مُنْفَرِدًا بَعْدَهُ.
وَفِي شَهْرِ اللَّهِ الْمُحَرَّمِ رَسَمَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ بِتَخْرِيبِ قَرْيَتَيْنِ مِنْ وَادِي التَّيْمَ، وَهُمَا مَشْغَرَا وَتَلْفِيَّتَا، وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُمَا عَاصِيَانِ، وَأَهْلُهُمَا مُفْسِدَانِ فِي الْأَرْضِ وَالْبَلَدَانِ وَالْأَرْضُ حَصِينَانِ لَا يَصِلُ إِلَيْهِمَا إِلَّا بِكُلْفَةٍ كَثِيرَةٍ، لَا يَرْتَقِي إِلَيْهِمَا إِلَّا فَارِسٌ فَارِسٌ، فَخُرِّبَتَا، وَعُمِّرَ بَدَلَهُمَا فِي أَسْفَلِ الْوَادِي، بِحَيْثُ يَصِلُ إِلَيْهِمَا حُكْمُ الْحَاكِمِ، وَالطَّلَبُ بِسُهُولَةٍ، فَأَخْبَرَنِي الْمَلِكُ صَلَاحُ الدِّينِ بْنُ الْكَامِلِ

أَنَّ بَلْدَةَ تَلَفِيَّتَا عَمِلَ فِيهَا أَلْفُ فَارِسٍ، وَنَقَلَ بَعْضَهَا إِلَى أَسْفَلِ الْوَادِي خَمْسَمِائَةِ حِمَارٍ عِدَّةَ أَيَّامٍ.
وَفِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ سَادِسِ صَفَرٍ بَعْدَ الصَّلَاةِ صُلِّيَ عَلَى قَاضِي الْقُضَاةِ جَمَالِ الدِّينِ يُوسُفَ ابْنِ قَاضِي الْقُضَاةِ شَرَفِ الدِّينِ أَحْمَدَ ابْنِ أَقْضَى الْقُضَاةِ الْحُسَيْنِ الْكَفْرِيِّ الْحَنَفِيِّ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ الْمَذْكُورَةِ بَعْدَ مَرَضٍ قَرِيبٍ مِنْ شَهْرٍ، وَقَدْ جَاوَزَ الْأَرْبَعِينَ بِثَلَاثٍ مِنَ السِّنِينَ، وَلِيَ قَضَاءَ قُضَاةِ الْحَنَفِيَّةِ، وَخَطَبَ بِجَامِعِ يَلْبُغَا، وَحَضَرَ مَشْيَخَةَ النَّفِيسِيَّةِ، وَدَرَّسَ بِأَمَاكِنَ مِنْ مَدَارِسِ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ خَطَبَ بِالْجَامِعِ الْمُسْتَجَدِّ دَاخِلَ بَابِ كَيْسَانَ بِحَضْرَةِ نَائِبِ السَّلْطَنَةِ.
وَفِي صَفَرٍ كَانَتْ وَفَاةُ الشَّيْخِ جَمَالِ الدِّينِ عُمَرَ ابْنِ الْقَاضِي عَبْدِ الْمُحْيِي بْنِ إِدْرِيسَ الْحَنَفِيِّ مُحْتَسِبِ بَغْدَادَ، وَقَاضِي الْحَنَابِلَةِ بِهَا، فَتَعَصَّبَتْ عَلَيْهِ الرَّوَافِضُ حَتَّى ضُرِبَ بَيْنَ يَدَيِ الْوِزَارَةِ ضَرْبًا مُبَرِّحًا كَانَ سَبَبَ مَوْتِهِ سَرِيعًا، رَحِمَهُ اللَّهُ، وَكَانَ مِنَ الْقَائِمِينَ بِالْحَقِّ، الْآمِرِينَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهِينَ عَنِ الْمُنْكَرِ، مِنْ أَكْبَرِ الْمُنْكِرِينَ عَلَى الرَّوَافِضِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ، رَحِمَهُ اللَّهُ، وَبَلَّ بِالرَّحْمَةِ ثَرَاهُ.
وَفِي يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ تَاسِعِ صَفَرٍ حَضَرَ مَشْيَخَةَ النَّفِيسِيَّةِ الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّينِ بْنُ سَنَدٍ، وَحَضَرَ عِنْدَهُ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجُ الدِّينِ، وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْأَعْيَانِ، وَأَوْرَدَ حَدِيثَ

عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ:لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ. أَسْنَدَهُ عَنْ قَاضِي الْقُضَاةِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ.
وَجَاءَ الْبَرِيدُ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ بِطَلَبِ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجِ الدِّينِ إِلَى هُنَاكَ، فَسَيَّرَ أَهْلَهُ قَبْلَهُ عَلَى الْجِمَالِ، وَخَرَجُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ حَادِيَ عَشَرَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِمْ لِزِيَارَةِ أَهْلِيهِمْ هُنَاكَ، فَأَقَامَ هُوَ بَعْدَهُمْ حَتَّى قَدِمَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ مِنَ الرَّحْبَةِ، وَرَكِبَ عَلَى الْبَرِيدِ.
وَفِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ خَامِسَ عَشَرَ جُمَادَى الْآخِرَةِ رَجَعَ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجُ الدِّينِ السُّبْكِيُّ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ عَلَى الْبَرِيدِ، وَتَلَقَّاهُ النَّاسُ إِلَى أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ، وَاحْتَفَلُوا لِلسَّلَامِ عَلَيْهِ وَتَهْنِئَتِهِ بِالسَّلَامَةِ.

قَتْلُ الرَّافِضِيِّ الْخَبِيثِ
وَفِي يَوْمِ الْخَمِيسِ ثَامِنَ عَشَرَهُ أَوَّلَ النَّهَارِ وُجِدَ رَجُلٌ بِالْجَامِعِ الْأُمَوِيِّ اسْمُهُ مَحْمُودُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الشِّيرَازِيُّ وَهُوَ يَسُبُّ الشَّيْخَيْنِ، وَيُصَرِّحُ بِلَعْنَتِهِمَا، فَرُفِعَ إِلَى الْقَاضِي الْمَالِكِيِّ قَاضِي الْقُضَاةِ جَمَالِ الدِّينِ الْمَسَلَّاتِيِّ، فَاسْتَتَابَهُ عَنْ ذَلِكَ، وَأَحْضَرَ الضَّرَّابَ، فَأَوَّلَ ضَرْبَةٍ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، عَلِيٌّ وَلِيُّ اللَّهِ ! وَلَمَّا

ضُرِبَ الثَّانِيَةَ لَعَنَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَالْتَهَمَهُ الْعَامَّةُ فَأَوْسَعُوهُ ضَرْبًا مُبَرِّحًا بِحَيْثُ كَادَ يَهْلِكُ، فَجَعَلَ الْقَاضِي يَسْتَكِفُّهُمْ عَنْهُ فَلَمْ يَسْتَطِعْ ذَلِكَ، فَجَعَلَ الرَّافِضِيُّ يَسُبُّ وَيَلْعَنُ الصَّحَابَةَ، وَقَالَ: كَانُوا عَلَى الضَّلَالَةِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ حُمِلَ إِلَى نَائِبِ السَّلْطَنَةِ، وَشَهِدَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بِأَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى الضَّلَالَةِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ حَكَمَ عَلَيْهِ الْقَاضِي بِإِرَاقَةِ دَمِهِ، فَأُخِذَ إِلَى ظَاهِرِ الْبَلَدِ فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ، وَأَحْرَقَتْهُ الْعَامَّةُ، قَبَّحَهُ اللَّهُ، وَكَانَ مِمَّنْ يَقْرَأُ بِمَدْرَسَةِ أَبِي عُمَرَ، ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهِ الرَّفْضُ، فَسَجَنَهُ الْحَنْبَلِيُّ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَلَمْ يَنْفَعْ ذَلِكَ، وَمَا زَالَ يُصَرِّحُ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ يَأْمُرُ فِيهِ بِالسَّبِّ حَتَّى كَانَ يَوْمُهُ هَذَا أَظْهَرَ مَذْهَبَهُ فِي الْجَامِعِ، وَكَانَ سَبَبَ قَتْلِهِ، قَبَّحَهُ اللَّهُ كَمَا قَبَّحَ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ، وَقُتِلَ كَقَتْلِهِ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ.

اسْتِنَابَهُ وَلِيِّ الدِّينِ بْنِ أَبِي الْبَقَاءِ السُّبْكِيِّ
وَفِي آخِرِ هَذَا الْيَوْمِ - أَعْنِي يَوْمَ الْخَمِيسَ ثَامِنَ عَشَرَهُ - حَكَمَ أَقْضَى الْقُضَاةِ وَلِيُّ الدِّينِ ابْنُ قَاضِي الْقُضَاةِ بَهَاءُ الدِّينِ أَبِي الْبَقَاءِ بِالْمَدْرَسَةِ الْعَادِلِيَّةِ الْكَبِيرَةِ نِيَابَةً عَنْ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجِ الدِّينِ مَعَ اسْتِنَابَةِ أَقَضَى الْقُضَاةِ شَمْسِ الدِّينِ الْعِزِّيِّ،

وَأَقْضَى الْقُضَاةِ بَدْرِ الدِّينِ بْنِ وُهَيْبَةَ، وَأَمَّا قَاضَى الْقُضَاةِ بَدْرُ الدِّينِ بْنُ أَبِي الْفَتْحِ فَهُوَ نَائِبٌ أَيْضًا، وَلَكِنَّهُ بِتَوْقِيعٍ شَرِيفٍ أَنَّهُ يَحْكُمُ مُسْتَقِلًّا مَعَ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجِ الدِّينِ.
وَفِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ مِنْهُ اسْتَحْضَرَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ الْأَمِيرَ نَاصِرَ الدِّينِ بْنَ الْعَاوِيِّ مُتَوَلِّيَ الْبَلَدِ، وَنَقَمَ عَلَيْهِ أَشْيَاءَ، وَأَمْرٌ بِضَرْبِهِ، فَضُرِبَ بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَى أَكْتَافِهِ ضَرْبًا لَيْسَ بِمُبَرِّحٍ، ثُمَّ عَزَلَهُ، وَاسْتَدْعَى بِالْأَمِيرِ عَلَمِ الدِّينِ سُلَيْمَانَ أَحَدِ الْأُمَرَاءِ الْعَشْرَاوَاتِ ابْنِ الْأَمِيرِ صَفِيِّ الدِّينِ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ الْبُصْرَاوِيِّ أَحَدِ أُمَرَاءِ الطَّبْلَخَانَاهْ، كَانَ قَدْ وَلِيَ شَدَّ الدَّوَاوِينِ، وَنَظَرَ الْقُدْسِ وَالْخَلِيلِ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْوِلَايَاتِ الْكِبَارِ، وَهُوَ ابْنُ الشَّيْخِ فَخْرُ الدِّينِ عُثْمَانُ ابْنُ الشَّيْخِ صَفِيِّ الدِّينِ أَبِي الْقَاسِمِ التَّمِيمِيُّ الْحَنَفِيُّ، وَبِأَيْدِيهِمْ تَدْرِيسُ الْأَمِينِيَّةِ الَّتِي بِبُصْرَى، وَالْحَكِيمِيَّةِ أَزْيَدَ مِنْ مِائَةِ سَنَةٍ، فَوَلَّاهُ الْبَلَدَ عَلَى تَكَرُّهٍ مِنْهُ فَأَلْزَمَهُ بِهَا، وَخَلَعَ عَلَيْهِ، وَقَدْ كَانَ وَلِيَهَا قَبْلَ ذَلِكَ فَأَحْسَنَ السِّيرَةَ، وَشُكِرَ سَعْيُهُ لِدِيَانَتِهِ، وَأَمَانَتِهِ، وَعِفَّتِهِ، وَفَرِحَ النَّاسُ بِهِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

وِلَايَةُ قَاضِي الْقُضَاةِ بَهَاءُ الدِّينِ أَبِي الْبَقَاءِ السُّبْكِيَّ قَضَاءَ مِصْرَ بَعْدَ عَزْلِ عِزِّ الدِّينِ بْنِ جَمَاعَةَ نَفْسَهُ
وَرَدَ الْخَبَرُ مَعَ الْبَرِيدِ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ بِأَنَّ قَاضِيَ الْقُضَاةِ عِزَّ الدِّينِ عَبْدَ الْعَزِيزِ ابْنَ قَاضِي الْقُضَاةِ بَدْرِ الدِّينِ بْنِ جَمَاعَةَ - عَزَلَ نَفْسَهُ عَنِ الْقَضَاءِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ السَّادِسَ عَشَرَ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ، وَصَمَّمَ عَلَى ذَلِكَ، فَبَعَثَ الْأَمِيرُ الْكَبِيرُ يَلْبُغَا إِلَيْهِ الْأُمَرَاءَ يَسْتَرْضُونَهُ فَلَمْ يَقْبَلْ، فَرَكِبَ إِلَيْهِ بِنَفْسِهِ، وَمَعَهُ الْقُضَاةُ وَالْأَعْيَانُ،

فَتَلَطَّفُوا بِهِ فَلَمْ يَقْبَلْ، وَصَمَّمَ عَلَى الِانْعِزَالِ، فَقَالَ لَهُ الْأَمِيرُ الْكَبِيرُ: فَعَيِّنْ لَنَا مَنْ يَصْلُحُ بَعْدَكَ. قَالَ: وَلَا أَقُولُ لَكُمْ شَيْئًا غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَتَوَلَّى رَجُلٌ وَاحِدٌ، ثُمَّ وَلُّوا مَنْ شِئْتُمْ. فَأَخْبَرَنِي قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجُ الدِّينِ السُّبْكِيُّ أَنَّهُ قَالَ: لَا تُوَلُّوا ابْنَ عَقِيلٍ. فَعَيَّنَ الْأَمِيرُ الْكَبِيرُ قَاضِيَ الْقُضَاةِ بَهَاءَ الدِّينِ أَبَا الْبَقَاءِ، فَقِيلَ: إِنَّهُ أَظْهَرَ الِامْتِنَاعَ، ثُمَّ قَبِلَ وَلَبِسَ الْخِلْعَةَ. وَبَاشَرَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ، وَتَوَلَّى قَاضِي الْقُضَاةِ الشَّيْخُ بَهَاءُ الدِّينِ ابْنُ قَاضِي الْقُضَاةِ تَقِيِ الدِّينِ السُّبْكِيِّ قَضَاءَ الْعَسَاكِرِ الَّذِي كَانَ بِيَدِ أَبِي الْبَقَاءِ.
وَفِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ سَابِعِ رَجَبٍ تُوُفِّيَ الشَّيْخُ عَلِيٌّ الْمُرَاوِحِيُّ الْبَغْدَادِيُّ خَادِمُ الشَّيْخِ أَسَدٍ الْمُرَاوِحِيِّ الْبَغْدَادِيِّ، وَكَانَ فِيهِ مُرُوءَةٌ كَبِيرَةٌ، وَيَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ، وَيَدْخُلُ عَلَى النُّوَّابِ، وَيُرْسِلُ إِلَى الْوُلَاةِ فَتُقْبَلُ رِسَالَتُهُ، وَلَهُ قَبُولٌ عِنْدَ النَّاسِ، وَفِيهِ بَرٌّ، وَصَدَقَةٌ، وَإِحْسَانٌ إِلَى الْمَحَاوِيجِ، وَبِيَدِهِ مَالٌ جَيِّدٌ يُتَّجَرُ لَهُ فِيهِ، تَعَلَّلَ مُدَّةً طَوِيلِهً، ثُمَّ كَانَتْ وَفَاتُهُ فِي هَذَا الْيَوْمِ، فَصُلِّيَ عَلَيْهِ الظُّهْرُ بِالْجَامِعِ ثُمَّ حُمِلَ إِلَى سَفْحِ قَاسِيُونَ، رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَفِي صَبِيحَةِ يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ قَدِمَ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ بَيْدَمُرُ الَّذِي كَانَ نَائِبَ الشَّامِ فَنَزَلَ بِدَارِهِ عِنْدَ مِئْذَنَةِ فَيْرُوزَ، وَذَهَبَ النَّاسُ لِلسَّلَامِ عَلَيْهِ بَعْدَ مَا سَلَّمَ عَلَى نَائِبِ السَّلْطَنَةِ بِدَارِ السَّعَادَةِ، وَقَدْ رَسَمَ لَهُ بِطَبْلَخَانَتَيْنِ وَتَقْدِمَةِ أَلْفٍ، وَوِلَايَةِ الْوُلَاةِ مِنْ غَزَّةَ إِلَى أَقْصَى بِلَادِ الشَّامِ،

وَأَكْرَمَهُ مَلِكُ الْأُمَرَاءِ إِكْرَامًا زَائِدًا، وَفَرِحَتِ الْعَامَّةُ بِذَلِكَ فَرَحًا شَدِيدًا بِعَوْدِهِ إِلَى الْوِلَايَةِ.
وَخُتِمَتِ الْبُخَارِيَّاتُ بِالْجَامِعِ الْأُمَوِيِّ وَغَيْرِهِ فِي عِدَّةِ أَمَاكِنَ; مِنْ ذَلِكَ سِتَّةُ مَوَاعِيدَ تُقْرَأُ عَلَى الشَّيْخِ عِمَادِ الدِّينِ بْنِ كَثِيرٍ فِي الْيَوْمِ، أَوَّلُهَا بِمَسْجِدِ ابْنِ هِشَامٍ بُكْرَةً قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، ثُمَّ تَحْتَ النَّسْرِ، ثُمَّ بِالْمَدْرَسَةِ النُّورِيَّةِ، وَبَعْدَ الظُّهْرِ بِجَامِعِ تَنْكِزَ، ثُمَّ بِالْمَدْرَسَةِ الْعِزِّيَّةِ، ثُمَّ بِالْكُوشْكِ لِأُمِّ الزَّوْجَةِ السِّتِّ أَسْمَاءَ بِنْتِ الْوَزِيرِ ابْنِ السَّلْعُوسِ إِلَى أَذَانِ الْعَصْرِ، ثُمَّ مِنْ بَعْدِ الْعَصْرِ بِدَارِ مَلِكِ الْأُمَرَاءِ أَمِيرِ عَلِيٍّ بِمَحَلَّةِ الْقَصَّاعِينَ إِلَى قَرِيبِ الْغُرُوبِ، وَيُقْرَأُ " صَحِيحُ مُسْلِمٍ " بِمِحْرَابِ الْحَنَابِلَةِ دَاخِلَ بَابِ الزِّيَارَةِ بَعْدَ قُبَّةِ النَّسْرِ وَقَبْلَ النُّورِيَّةِ، وَاللَّهُ الْمَسْئُولُ، وَهُوَ الْمُعِينُ الْمُيَسِّرُ الْمُسَهِّلُ. وَقَدْ قُرِئَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ فِي عِدَّةِ أَمَاكِنَ أُخَرَ مِنْ دُورِ الْأُمَرَاءِ وَغَيْرِهِمْ، وَلَمْ يُعْهَدْ مِثْلَ هَذَا فِي السِّنِينَ الْمَاضِيَةِ، فَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
وَفِي يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ عَاشِرِ شَوَّالٍ تُوُفِّيَ الشَّيْخُ نُورُ الدِّينِ عَلِيُّ بْنُ الصَّارِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي الْهَيْجَاءِ الْكَرْكِيُّ الشُّوبَكِيُّ ثُمَّ الدِّمَشْقِيُّ الشَّافِعِيُّ، كَانَ مَعَنَا فِي الْمَقْرَأِ وَالْكُتَّابِ، وَخَتَمْتُ أَنَا وَهُوَ فِي سَنَةِ إِحْدَى عَشْرَةَ، وَنَشَأَ فِي صِيَانَةٍ، وَعَفَافٍ، وَقَرَأَ عَلَى الشَّيْخِ بَدْرِ الدِّينِ بْنِ سَيْحَانَ لِلسَّبْعِ، وَلَمْ يُكْمِلْ عَلَيْهِ خَتْمَةً، وَاشْتَغَلَ فِي " الْمِنْهَاجِ " لِلنَّوَاوِيِّ، فَقَرَأَ كَثِيرًا مِنْهُ أَوْ أَكْثَرَهُ، وَكَانَ يَنْقُلُ مِنْهُ وَيَسْتَحْضِرُ، وَكَانَ خَفِيفَ الرُّوحِ تُحِبُّهُ النَّاسُ لِذَلِكَ، وَيَرْغَبُونَ فِي عِشْرَتِهِ لِذَلِكَ،

رَحِمَهُ اللَّهُ، وَكَانَ يَسْتَحْضِرُ الْمُتَشَابِهَ فِي الْقُرْآنِ اسْتِحْضَارًا حَسَنًا مُتْقَنًا، كَثِيرَ التِّلَاوَةِ لَهُ، حَسَنَ الصَّلَاةِ، يَقُومُ اللَّيْلَ، وَقَرَأَ عَلَيَّ " صَحِيحَ الْبُخَارِيِّ " بِمَشْهَدِ ابْنِ هِشَامٍ عِدَّةَ سِنِينَ، وَمَهَرَ فِيهِ، وَكَانَ صَوْتُهُ جَهْوَرِيًّا فَصِيحَ الْعِبَارَةِ، ثُمَّ وَلِيَ مَشْيَخَةَ الْحَلَبِيَّةِ بِالْجَامِعِ، وَقَرَأَ فِي عِدَّةِ كَرَاسٍ بِالْحَائِطِ الشَّمَالِيِّ، وَكَانَ مَقْبُولًا عِنْدَ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ، وَكَانَ يُدَاوِمُ عَلَى قِيَامِ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ فِي مِحْرَابِ الصَّحَابَةِ مَعَ عِدَّةِ قُرَّاءٍ، يَتَنَاوَبُونَ فِيهِ، وَيُحْيُونَ اللَّيْلَ، وَلَمَّا كَانَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ أَحْيَا لَيْلَةَ الْعِيدِ وَحْدَهُ بِالْمِحْرَابِ الْمَذْكُورِ، ثُمَّ مَرِضَ خَمْسَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ الظُّهْرِ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ عَاشِرَ شَوَّالٍ بِدَرْبِ الْعَمِيدِ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ الْعَصْرَ بِالْجَامِعِ الْأُمَوِيِّ، وَدُفِنَ بِمَقَابِرِ الْبَابِ الصَّغِيرِ عِنْدَ وَالِدِهِ فِي تُرْبَةٍ لَهُمْ، وَكَانَتْ جَنَازَتُهُ حَافِلَةً، وَتَأَسَّفَ النَّاسُ عَلَيْهِ، رَحِمَهُ اللَّهُ، وَبَلَّ بِالرَّحْمَةِ ثَرَاهُ، وَقَدْ قَارَبَ خَمْسًا وَسِتِّينَ سَنَةً، وَتَرَكَ بِنْتًا سُبَاعِيَّةً اسْمُهَا عَائِشَةُ، وَقَدْ أَقْرَأَهَا شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ إِلَى " تَبَارَكَ "، وَحَفَّظَهَا " الْأَرْبَعِينَ النَّوَاوِيَّةَ "، جَبَرَهَا رَبُّهَا وَرَحِمَ أَبَاهَا، آمِينَ.
وَخَرَجَ الْمَحْمَلُ الشَّامِيُّ وَالْحَجِيجُ يَوْمَ الْخَمِيسِ ثَانِيَ عَشَرَهُ، وَأَمِيرُهُمُ الْأَمِيرُ عَلَاءُ الدِّينِ عَلِيُّ بْنُ عَلَمِ الدِّينِ الْهِلَالِيِّ أَحَدُ أُمَرَاءِ الطَّبْلَخَانَاهْ.
وَتُوُفِّيَ الشَّيْخُ عَبْدُ اللَّهِ الْمَلْطِيُّ يَوْمَ السَّبْتِ رَابِعَ عَشَرَهُ، وَكَانَ مَشْهُورًا

بِالْمُجَاوَرَةِ بِالْكَلَّاسَةِ فِي الْجَامِعِ الْأُمَوِيِّ، لَهُ أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ مِنَ الطَّرَارِيحِ وَالْآلَاتِ الْفَقِيرِيَّةِ، وَيَلْبَسُ عَلَى طَرِيقَةِ الْحَرِيرِيَّةِ، وَشَكْلُهُ مُزْعِجٌ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ كَانَ يَعْتَقِدُ فِيهِ الصَّلَاحَ، وَكُنْتُ مِمَّنْ يَكْرَهُهُ طَبْعًا وَشَرْعًا أَيْضًا.
وَفِي يَوْمِ الْخَمِيسِ الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ قَدِمَ الْبَرِيدُ مِنْ نَاحِيَةِ الْمَشْرِقِ، وَمَعَهُمْ قَمَاقِمُ مَاءٍ مِنْ عَيْنٍ هُنَاكَ مِنْ خَاصِيَّتِهِ أَنَّهُ يَتْبَعُهُ طَيْرٌ يُسَمَّى السَّمَرْمَرُ، أَصْفَرُ الرِّيشِ، قَرِيبٌ مِنْ شَكْلِ الْخُطَّافِ، مِنْ شَأْنِهِ إِذَا قَدِمَ الْجَرَادُ إِلَى الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ فِيهِ أَنَّهُ يُفْنِيهِ، وَيَأْكُلُهُ أَكْلًا سَرِيعًا، فَلَا يَلْبَثُ الْجَرَادُ إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى يَرْحَلَ أَوْ يُؤْكَلَ عَلَى مَا ذُكِرَ، وَلَمْ أُشَاهِدْ ذَلِكَ.
وَفِي الْمُنْتَصَفِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ كَمَلَ بِنَاءُ الْقَيْسَارِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ مَعْمَلًا بِالْقُرْبِ مِنْ دَارِ الْحِجَارَةِ قِبْلِيَّ سُوقِ الدَّهْشَةِ الَّذِي لِلرِّجَالِ، وَفُتِحَتْ وَأُكْرِيَتْ دَهْشَةٌ لِقُمَاشِ النِّسَاءِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ بِمَرْسُومِ مَلِكِ الْأُمَرَاءِ نَاظِرِ الْجَامِعِ الْمَعْمُورِ، رَحِمَهُ اللَّهُ، وَأَخْبَرَنِي الصَّدْرُ عِزُّ الدِّينِ السِّيرْجِيُّ الْمُشَارِفُ بِالْجَامِعِ أَنَّهُ غُرِمَ عَلَيْهَا مِنْ مَالِ الْجَامِعِ قَرِيبُ ثَلَاثِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ.

طَرْحُ مَكْسِ الْقُطْنِ الْمَغْزُولِ الْبَلَدِيِّ وَالْمَجْلُوبِ
وَفِي أَوَاخِرِ هَذَا الشَّهْرِ جَاءَ الْمَرْسُومُ الشَّرِيفُ بِطَرْحِ مَكْسِ الْقُطْنِ الْمَغْزُولِ الْبَلَدِيِّ وَالْجَلْبِ أَيْضًا، وَنُودِيَ بِذَلِكَ فِي الْبَلَدِ، فَكَثُرَتِ الدَّعَوَاتُ لِمَنْ أَمَرَ بِذَلِكَ، وَفَرِحَ الْمُسْلِمُونَ بِذَلِكَ فَرَحًا شَدِيدًا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.

ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعٍ وَسِتِّينَ وَسَبْعِمِائَةٍ
اسْتَهَلَّتْ وَسُلْطَانُ الْبِلَادِ الْمِصْرِيَّةِ، وَالشَّامِيَّةِ، وَالْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ، وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ مِنَ الْأَقَالِيمِ الْمَلِكُ الْأَشْرَفُ بْنُ الْحُسَيْنِ ابْنُ الْمَلِكِ النَّاصِرِ مُحَمَّدِ بْنِ قَلَاوُونَ، وَعُمْرُهُ عَشْرُ سِنِينَ فَمَا فَوْقَهَا، وَأَتَابِكُ الْعَسَاكِرِ وَمُدَبِّرُ مَمَالِكِهِ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ يَلْبُغَا الْخَاصِّكِيُّ، وَقَاضِي قُضَاةِ الشَّافِعِيَّةِ بِمِصْرَ بَهَاءُ الدِّينِ أَبُو الْبَقَاءِ السُّبْكِيُّ، وَبَقِيَّةُ الْقُضَاةِ هُمُ الْمَذْكُورُونَ فِي السَّنَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَنَائِبُ دِمَشْقَ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ مَنْكَلِي بُغَا، وَقُضَاةُ دِمَشْقَ هُمُ الْمَذْكُورُونَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا سِوَى الْحَنَفِيِّ، فَإِنَّهُ الشَّيْخُ جَمَالُ الدِّينِ بْنُ السَّرَّاجِ شَيْخُ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْخَطَابَةُ بِيَدِ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجِ الدِّينِ الشَّافِعِيِّ، وَكَاتِبُ السِّرِّ وَشَيْخُ الشُّيُوخِ الْقَاضِي فَتْحُ الدِّينِ بْنُ الشَّهِيدِ، وَوَكِيلُ بَيْتِ الْمَالِ الشَّيْخُ جَمَالُ الدِّينِ بْنُ الرَّهَاوِيِّ. وَدَخَلَ الْمَحْمَلُ السُّلْطَانِيُّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ قَرِيبَ الْغُرُوبِ، وَلَمْ يَشْعُرْ بِذَلِكَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْبَلَدِ، وَذَلِكَ لِغَيْبَةِ النَّائِبِ فِي الرَّحْبَةِ مِمَّا يَلِي نَاحِيَةَ الْفُرَاتِ; لِيَكُونَ كَالرَّدِّ لِلتَّجْرِيدَةِ الَّتِي تَعَيَّنَتْ لِتَخْرِيبِ الْكَنِيسَاتِ الَّتِي هِيَ إِقْطَاعُ حَيَّارِ بْنِ مُهَنَّا مِنْ أَرْضِ السُّلْطَانِ أُوَيْسٍ مَلِكِ الْعِرَاقِ.

اسْتِيلَاءُ الْفِرَنْجِ لَعَنَهُمُ اللَّهُ عَلَى الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ
وَفِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ شَهْرِ اللَّهِ الْمُحَرَّمِ احْتِيطَ عَلَى الْفِرَنْجِ بِمَدِينَةِ دِمَشْقَ، وَأُودِعُوا فِي الْحُبُوسِ فِي الْقَلْعَةِ الْمَنْصُورَةِ، وَاشْتَهَرَ أَنَّ سَبَبَ ذَلِكَ أَنَّ مَدِينَةَ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ مُحَاصَرَةٌ بِعِدَّةِ شَوَانٍ، وَذُكِرَ أَنَّ صَاحِبَ قُبْرُسَ مَعَهُمْ، وَأَنَّ الْجَيْشَ الْمِصْرِيَّ صَمَدُوا إِلَى حِرَاسَةِ مَدِينَةِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى وَصَانَهَا وَحَمَاهَا، وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُ أَمْرِهَا فِي الشَّهْرِ الْآتِي، فَإِنَّهُ وَضَحَ لَنَا فِيهِ، وَمَكَثَ الْقَوْمُ بَعْدَ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ بِأَيَّامٍ فِيمَا بَلَغَنَا، بَعْدَ ذَلِكَ حَاصَرَهَا أَمِيرٌ مِنَ التَّتَارِ يُقَالُ لَهُ: مَامِيَهْ، وَاسْتَعَانَ بِطَائِفَةٍ مِنَ الْفِرِنْجِ فَفَتَحُوهَا قَسْرًا، وَقَتَلُوا مِنْ أَهْلِهَا خَلْقًا، وَغَنِمُوا شَيْئًا كَثِيرًا، وَاسْتَقَرَّتْ عَلَيْهَا يَدُ مَامَيْهِ مَلِكًا عَلَيْهَا.
وَفِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ سَلْخِ هَذَا الشَّهْرِ تُوُفِّيَ الشَّيْخُ بُرْهَانُ الدِّينِ إِبْرَاهِيمُ ابْنُ الشَّيْخِ شَمْسِ الدِّينِ بْنِ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ بِبُسْتَانِهِ بِالْمَزَّةِ، وَنُقِلَ إِلَى عِنْدِ وَالِدِهِ بِمَقَابِرِ بَابِ الصَّغِيرِ، فَصُلِّيَ عَلَيْهِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ بِجَامِعِ جَرَّاحٍ، وَحَضَرَ جَنَازَتَهُ الْقُضَاةُ، وَالْأَعْيَانُ، وَخَلْقٌ مِنَ التُّجَّارِ وَالْعَامَّةِ، وَكَانَتْ جَنَازَتُهُ حَافِلَةً، وَقَدْ بَلَغَ مِنَ الْعُمْرِ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً، وَكَانَ بَارِعًا فَاضِلًا فِي النَّحْوِ، وَالْفِقْهِ، وَفُنُونٍ أُخَرَ عَلَى

طَرِيقَةِ وَالِدِهِ، رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، وَكَانَ مُدَرِّسًا بِالصَّدْرِيَّةِ، وَالتَّدْمُرِيَّةِ، وَلَهُ تَصْدِيرٌ بِالْجَامِعِ، وَخَطَابَةٌ بِجَامِعِ ابْنِ خِلِّيخَانَ، وَتَرَكَ مَالًا جَزِيلًا يُقَارِبُ الْمِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ.
ثُمَّ دَخَلَ شَهْرُ صَفَرٍ وَأَوَّلُهُ الْجُمُعَةُ، أَخْبَرَنِي بَعْضُ عُلَمَاءِ السِّيَرِ أَنَّهُ اجْتَمَعَ فِي هَذَا الْيَوْمِ - مُسْتَهَلِّ هَذَا الشَّهْرِ - الْكَوَاكِبُ السَّبْعَةُ سِوَى الْمِرِّيخِ فِي بُرْجِ الْعَقْرَبِ، وَلَمْ يَتَّفِقْ مِثْلُ هَذَا مِنْ سِنِينَ مُتَطَاوِلَةٍ، فَأَمَّا الْمِرِّيخُ فَإِنَّهُ كَانَ قَدْ سَبَقَ إِلَى بُرْجِ الْقَوْسِ.
فِيهِ وَوَرَدَتِ الْأَخْبَارُ بِمَا وَقَعَ مِنَ الْأَمْرِ الْفَظِيعِ بِمَدِينَةِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ مِنَ الْفِرِنْجِ، لَعَنَهُمُ اللَّهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ، وَصَلُوا إِلَيْهَا فِي يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ اللَّهِ الْمُحَرَّمِ، فَلَمْ يَجِدُوا بِهَا نَائِبًا، وَلَا جَيْشًا، وَلَا حَافِظًا لِلْبَحْرِ، وَلَا نَاصِرًا، فَدَخَلُوهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بُكْرَةَ النَّهَارِ بَعْدَ مَا حَرَقُوا أَبْوَابًا كَبِيرَةً مِنْهَا، وَعَاثُوا فِي أَهْلِهَا فَسَادًا; يَقْتُلُونَ الرِّجَالَ، وَيَأْخُذُونَ الْأَمْوَالَ، وَيَأْسِرُونَ النِّسَاءَ وَالْأَطْفَالَ، فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ الْمُتَعَالِ، وَأَقَامُوا بِهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَالسَّبْتِ، وَالْأَحَدِ، وَالِاثْنَيْنِ، وَالثُّلَاثَاءِ، فَلَمَّا كَانَ صَبِيحَةُ يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ قَدِمَ الشَّالِيشُ الْمِصْرِيُّ، فَأَقْلَعَتِ الْفِرَنْجُ - لَعَنَهُمُ اللَّهُ - عَنْهَا وَقَدْ أَسَرُوا خَلْقًا كَثِيرًا يُقَارِبُونَ الْأَرْبَعَةَ آلَافٍ، وَأَخَذُوا مِنَ الْأَمْوَالِ ذَهَبًا، وَحَرِيرًا، وَبُهَارًا، وَغَيْرَ ذَلِكَ مَا لَا يُحَدُّ وَلَا يُوَصَفُ، وَقَدِمَ السُّلْطَانُ وَالْأَمِيرُ الْكَبِيرُ يَلْبُغَا ظُهْرَ يَوْمَئِذٍ، وَقَدْ تَفَارَطَ الْحَالُ، وَتَحَوَّلَتِ الْغَنَائِمُ كُلُّهَا إِلَى الشَّوَانِي بِالْبَحْرِ، فَسُمِعَ لِلْأَسَارَى مِنَ الْعَوِيلِ وَالْبُكَاءِ وَالشَّكْوَى وَالْجَأْرِ إِلَى اللَّهِ وَالِاسْتِغَاثَةِ بِهِ وَبِالْمُسْلِمِينَ - مَا قَطَّعَ الْأَكْبَادَ، وَذَرَفَتْ لَهُ الْعُيُونُ،

وَأَصَمَّ الْأَسْمَاعَ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. وَلَمَّا بَلَغَتِ الْأَخْبَارُ إِلَى أَهْلِ دِمَشْقَ شَقَّ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ جِدًّا، وَذَكَرَ ذَلِكَ الْخَطِيبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَتَبَاكَى النَّاسُ كَثِيرًا، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. وَجَاءَ الْمَرْسُومُ الشَّرِيفُ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ إِلَى نَائِبِ السَّلْطَنَةِ بِمَسْكِ النَّصَارَى مِنَ الشَّامِ جُمْلَةً وَاحِدَةً، وَأَنْ يُأْخَذَ مِنْهُمْ رُبْعَ أَمْوَالِهِمْ لِعِمَارَةِ مَا خُرِّبَ مِنَ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وَلِعِمَارَةِ مَرَاكِبَ تَغْزُو الْفِرِنْجَ، فَأَهَانُوا النَّصَارَى، وَطُلِبُوا مِنْ بُيُوتِهِمْ بِعُنْفٍ، وَخَافُوا أَنْ يُقْتَلُوا، وَلَمْ يَفْهَمُوا مَا يُرَادُ بِهِمْ، فَهَرَبُوا كُلَّ مَهْرَبٍ، وَلَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْحَرَكَةُ شَرْعِيَّةً، وَلَا يَجُوزُ اعْتِمَادُهَا شَرْعًا، وَقَدْ طُلِبْتُ يَوْمَ السَّبْتِ السَّادِسَ عَشَرَ مِنْ صَفَرٍ إِلَى الْمَيْدَانِ الْأَخْضَرِ لِلِاجْتِمَاعِ بِنَائِبِ السَّلْطَنَةِ، وَكَانَ اجْتَمَاعُنَا بَعْدَ الْعَصْرِ يَوْمَئِذٍ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ لَعِبِ الْكُرَةِ، فَرَأَيْتُ مِنْهُ أُنْسًا كَثِيرًا، وَرَأَيْتُهُ كَامِلَ الرَّأْيِ وَالْفَهْمِ، حَسَنَ الْعِبَارَةِ، كَرِيمَ الْمُجَالَسَةِ، فَذَكَرْتُ لَهُ أَنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ اعْتِمَادُهُ فِي النَّصَارَى، فَقَالَ: إِنَّ بَعْضَ فُقَهَاءِ مِصْرَ أَفْتَى لِلْأَمِيرِ الْكَبِيرِ بِذَلِكَ، فَقُلْتُ لَهُ: هَذَا مِمَّا لَا يَسُوغُ شَرْعًا، وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُفْتِيَ بِهَذَا، وَمَتَى كَانُوا بَاقِينَ عَلَى الذِّمَّةِ، يُؤَدُّونَ إِلَيْنَا الْجِزْيَةَ، مُلْتَزِمِينَ بِالذِّلَّةِ وَالصَّغَارِ، وَأَحْكَامُ الْمِلَّةِ قَائِمَةٌ - لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُمُ الدِّرْهَمُ الْوَاحِدُ الْفَرْدُ فَوْقَ مَا يَبْذُلُونَهُ مِنَ الْجِزْيَةِ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَخْفَى عَلَى الْأَمِيرِ، فَقَالَ: كَيْفَ أَصْنَعُ وَقَدْ وَرَدَ الْمَرْسُومُ بِذَلِكَ، وَلَا يُمْكِنُنِي أَنْ أُخَالِفَهُ ؟ وَذَكَرْتُ لَهُ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً مِمَّا يَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ فِي حَقِّ أَهْلِ قُبْرُسَ مِنَ الْإِرْهَابِ، وَوَعِيدِ الْعِقَابِ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا يَتَوَعَّدُهُمْ بِهِ، كَمَا قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ:ائْتُونِي بِالسِّكِّينِ أَشُقَّهُ نِصْفَيْنِ كَمَا هُوَ الْحَدِيثُ مَبْسُوطٌ فِي " الصَّحِيحَيْنِ "، فَجَعَلَ

يُعْجِبُهُ هَذَا جِدًّا، وَذَكَرَ أَنَّ هَذَا كَانَ فِي قَلْبِهِ، وَأَنِّي كَاشَفْتُهُ بِهَذَا، وَأَنَّهُ كَتَبَ بِهِ مُطَالَعَةً إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَسَيَأْتِي جَوَابُهَا بَعْدَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ، فَتَجِيءُ حَتَّى تَقِفَ عَلَى الْجَوَابِ، وَظَهَرَ مِنْهُ إِحْسَانٌ، وَقَبُولٌ وَإِكْرَامٌ زَائِدٌ، رَحِمَهُ اللَّهُ. ثُمَّ اجْتَمَعْتُ بِهِ فِي دَارِ السَّعَادَةِ فِي أَوَائِلِ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، فَبَشَّرَنِي أَنَّهُ قَدْ رُسِمَ بِعَمَلِ الشَّوَانِي وَالْمَرَاكِبِ لِغَزْوِ الْفِرَنْجِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. ثُمَّ فِي صَبِيحَةِ يَوْمِ الْأَحَدِ طُلِبَ النَّصَارَى الَّذِينَ اجْتَمَعُوا فِي كَنِيسَتِهِمْ إِلَى بَيْنِ يَدَيْهِ، وَهُمْ قَرِيبٌ مِنْ أَرْبَعِمِائَةٍ، فَحَلَّفَهُمْ: كَمْ أَمْوَالُهُمْ ؟ وَأَلْزَمَهُمْ بِأَدَاءِ الرُّبُعِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَقَدْ أَمَرُوا إِلَى الْوُلَاةِ بِإِحْضَارِ مَنْ فِي مُعَامَلَتِهِمْ، وَوَالِي الْبَرِّ قَدْ خَرَجَ إِلَى الْقَرَايَا بِسَبَبِ ذَلِكَ، وَجُرِّدَتْ أُمَرَاءُ إِلَى النَّوَاحِي لِاسْتِخْلَاصِ الْأَمْوَالِ مِنَ النَّصَارَى فِي الْقُدْسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَفِي أَوَّلِ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ كَانَ سَفَرُ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجِ الدِّينِ السُّبْكِيِّ الشَّافِعِيِّ إِلَى الْقَاهِرَةِ. وَفِي يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ خَامِسِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ اجْتَمَعْتُ بِنَائِبِ السَّلْطَنَةِ بِدَارِ السَّعَادَةِ، وَسَأَلْتُهُ عَنْ جَوَابِ الْمُطَالَعَةِ، فَذَكَرَ لِي أَنَّهُ جَاءَ الْمَرْسُومُ الشَّرِيفُ السُّلْطَانِيُّ بِعَمَلِ الشَّوَانِي وَالْمَرَاكِبِ; لِغَزْوِ قُبْرُسَ، وَقِتَالِ الْفِرَنْجِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ، وَأَمَرَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ بِتَجْهِيزِ الْقَطَّاعِينَ، وَالنَّشَّارِينَ مِنْ دِمَشْقَ إِلَى الْغَابَةِ الَّتِي بِالْقُرْبِ مِنْ بَيْرُوتَ، وَأَنْ يُشْرَعَ فِي عَمَلِ الشَّوَانِي. وَفِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ - وَهُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ - فُتِحَتْ دَارُ الْقُرْآنِ الَّتِي وَقَفَهَا الشَّرِيفُ التَّفْتَازَانِيُّ إِلَى جَانِبِ حَمَّامِ الْكَاسِ شَمَالِيَّ الْمَدْرَسَةِ الْبَادَرَائِيَّةِ، وَعُمِلَ فِيهَا

وَظِيفَةُ حَدِيثٍ، وَحُضِرَ عِنْدَ وَاقِفِهَا يَوْمِيَّةُ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجِ الدِّينِ السُّبْكِيِّ.

عَقْدُ مَجْلِسٍ بِسَبَبِ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجِ الدِّينِ السُّبْكِيِّ
وَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ عُقِدَ مَجْلِسٌ حَافِلٌ بِدَارِ السَّعَادَةِ ; بِسَبَبِ مَا رُمِيَ بِهِ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجُ الدِّينِ الشَّافِعِيُّ ابْنُ قَاضِي الْقُضَاةِ تَقِيِ الدِّينِ السُّبْكِيِّ، وَكُنْتُ مِمَّنْ طُلِبَ إِلَيْهِ، فَحَضَرْتُهُ فِيمَنْ حَضَرَ، وَقَدِ اجْتَمَعَ فِيهِ الْقُضَاةُ الثَّلَاثَةُ، وَخَلْقٌ مِنَ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ، وَآخَرُونَ مِنْ غَيْرِهِمْ - بِحَضْرَةِ نَائِبِ الشَّامِ سَيْفِ الدِّينِ مَنْكَلِي بُغَا، وَكَانَ قَدْ سَافَرَ هُوَ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ إِلَى الْأَبْوَابِ الشَّرِيفَةِ، وَاسْتَنْجَزَ كِتَابًا إِلَى نَائِبِ السَّلْطَنَةِ لِجَمْعِ هَذَا الْمَجْلِسِ لِيَسْأَلَ عَنْهُ النَّاسَ، وَكَانَ قَدْ كُتِبَ فِيهِ مَحْضَرَانِ مُتَعَاكِسَانِ; أَحَدُهُمَا لَهُ وَالْآخَرُ عَلَيْهِ، وَفِي الَّذِي عَلَيْهِ خَطُّ الْقَاضِيَيْنِ الْمَالِكِيِّ وَالْحَنْبَلِيِّ، وَجَمَاعَةٍ آخَرِينَ، وَفِيهِ عَظَائِمُ، وَأَشْيَاءُ مُنْكَرَةٌ جِدًّا يَنْبُو السَّمْعُ عَنِ اسْتِمَاعِهِ، وَفِي الْآخَرِ خُطُوطُ جَمَاعَاتٍ مِنَ الْمَذَاهِبِ بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، وَفِيهِ خَطِّي بِأَنِّي مَا رَأَيْتُ عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا. وَلَمَّا اجْتَمَعُوا أَمَرَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ بِأَنْ يَمْتَازَ هَؤُلَاءِ عَنْ هَؤُلَاءِ فِي الْمَجَالِسِ، فَصَارَتْ كُلُّ طَائِفَةٍ وَحْدَهَا، وَتَحَاوَرُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَنَاضَلَ عَنْهُ نَائِبُهُ

الْقَاضِي شَمْسُ الدِّينِ الْغَزِّيُّ، وَالنَّائِبُ الْآخَرُ بَدْرُ الدِّينِ بْنُ وُهَيْبَةَ، وَغَيْرُهُمَا، وَصَرَّحَ قَاضِي الْقُضَاةِ جَمَالُ الدِّينِ الْحَنْبَلِيُّ بِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عِنْدَهُ مَا كَتَبَ بِهِ خَطُّهُ فِيهِ، وَأَجَابَهُ بَعْضُ الْحَاضِرِينَ مِنْهُمْ بِدَائِمِ النُّفُوذِ، فَبَادَرَ الْقَاضِي الْغَزِّيُّ، فَقَالَ لِلْحَنْبَلِيِّ: أَنْتَ قَدْ ثَبَتَتْ عَدَاوَتُكَ لِقَاضِي الْقُضَاةِ تَاجِ الدِّينِ.
فَكَثُرَ الْقَوْلُ، وَارْتَفَعَتِ الْأَصْوَاتُ، وَكَثُرَ الْجِدَالُ وَالْمَقَالُ، وَتَكَلَّمَ قَاضِي الْقُضَاةِ جَمَالُ الدِّينِ الْمَالِكِيُّ أَيْضًا بِنَحْوِ مَا قَالَ الْحَنْبَلِيُّ، فَأُجِيبُ بِمِثْلِ ذَلِكَ أَيْضًا، وَطَالَ الْمَجْلِسُ، فَانْفَصَلُوا عَلَى مَثَلِ ذَلِكَ، وَلَمَّا بَلَغْتُ الْبَابَ أَمَرَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ بِرُجُوعِي إِلَيْهِ، فَإِذَا بَقِيَّةُ النَّاسِ مِنَ الطَّرَفَيْنِ، وَالْقُضَاةُ الثَّلَاثَةُ جُلُوسٌ، فَأَشَارَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ بِالصُّلْحِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجِ الدِّينِ - يَعْنِي: وَأَنْ يَرْجِعَ الْقَاضِيَانِ عَمَّا قَالَا - فَأَشَارَ الشَّيْخُ شَرَفُ الدِّينِ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ وَأَشَرْتُ أَنَا أَيْضًا بِذَلِكَ، فَلَانَ الْمَالِكِيُّ وَامْتَنَعَ الْحَنْبَلِيُّ، فَقُمْنَا وَالْأَمْرُ بَاقٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. ثُمَّ اجْتَمَعْنَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ عِنْدَ نَائِبِ السَّلْطَنَةِ عَنْ طَلَبِهِ، فَتَرَاضَوْا كَيْفَ يَكُونُ جَوَابُ الْكِتَابَاتِ مَعَ مُطَالَعَةِ نَائِبِ السَّلْطَنَةِ، فَفُعِلَ ذَلِكَ، وَسَارَ الْبَرِيدُ بِذَلِكَ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، ثُمَّ اجْتَمَعْنَا أَيْضًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ التَّاسِعَ عَشَرَ مِنْ رَبِيعٍ الْآخِرِ بِدَارِ السَّعَادَةِ، وَحَضَرَ الْقُضَاةُ الثَّلَاثَةُ وَجَمَاعَةٌ آخَرُونَ، وَاجْتَهَدَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ فِي الصُّلْحِ بَيْنَ الْقُضَاةِ وَقَاضِي الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ بِمِصْرَ، فَحَصَلَ خُلْفٌ وَكَلَامٌ طَوِيلٌ، ثُمَّ كَانَ الْأَمْرُ أَنْ سَكَنَتْ أَنْفُسُ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ إِلَى ذَلِكَ، عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ فِي الشَّهْرِ الْآتِي.
وَفِي مُسْتَهَلِّ رَبِيعٍ الْآخِرِ كَانَتْ وَفَاةُ الْمُعَلِّمِ دَاوُدَ الَّذِي كَانَ مُبَاشِرًا لِنِظَارَةِ

الْجَيْشِ، وَأُضِيفَ إِلَيْهِ نَظَرُ الدَّوَاوِينِ إِلَى آخِرِ وَقْتٍ فَاجْتَمَعَ لَهُ هَاتَانِ الْوَظِيفَتَانِ، وَلَمْ يَجْتَمِعَا لِأَحَدٍ قَبْلَهُ كَمَا فِي عِلْمِي، وَكَانَ مِنْ أَخْبَرِ النَّاسِ بِنَظَرِ الْجَيْشِ، وَأَعْلَمِهِمْ بِأَسْمَاءِ رِجَالِهِ وَمَوَاضِعِ الْإِقْطَاعَاتِ، وَقَدْ كَانَ وَالِدُهُ نَائِبًا لِنُظَّارِ الْجُيُوشِ، وَكَانَ يَهُودِيًّا قَرَّائِيًّا، فَأَسْلَمَ وَلَدُهُ هَذَا قَبْلَ وَفَاةِ نَفْسِهِ بِسَنَوَاتٍ عَشْرٍ أَوْ نَحْوِهَا، وَقَدْ كَانَ ظَاهِرُهُ جَيِّدًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِسِرِّهِ وَسَرِيرَتِهِ، وَقَدْ تَمَرَّضَ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِشَهْرٍ أَوْ نَحْوِهِ، حَتَّى كَانَتْ وَفَاتُهُ فِي هَذَا الْيَوْمِ، فَصُلِّيَ عَلَيْهِ بِالْجَامِعِ الْأُمَوِيِّ تُجَاهَ النَّسْرِ بَعْدَ الْعَصْرِ، ثُمَّ حُمِلَ إِلَى تُرْبَةٍ لَهُ أَعَدَّهَا فِي بُسْتَانِهِ بِجَوُبَرَ، وَلَهُ مِنَ الْعُمْرِ قَرِيبُ الْخَمْسِينَ.
وَفِي أَوَائِلِ هَذَا الشَّهْرِ وَرَدَ الْمَرْسُومُ الشَّرِيفُ السُّلْطَانِيُّ بِالرَّدِّ عَلَى نِسَاءِ النَّصَارَى مَا كَانَ أُخِذَ مِنْهُنَّ مَعَ الْجِبَايَةِ الَّتِي كَانَ تَقَدَّمَ أَخْذُهَا مِنْهُنَّ، وَإِنْ كَانَ الْجَمِيعُ ظُلْمًا، وَلَكِنِ الْأَخْذُ مِنَ النِّسَاءِ أَفْحَشُ وَأَبْلَغُ فِي الظُّلْمِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَفِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْهُ أَمَرَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ - أَعَزَّهُ اللَّهُ - بِكَبْسِ بَسَاتِينِ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَوُجِدَ فِيهَا مِنَ الْخَمْرِ الْمُعْتَصَرِ مِنَ الْخَوَابِيِّ وَالْحِبَابِ، فَأُرِيقَتْ عَنْ آخِرِهَا - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ - بِحَيْثُ جَرَتْ فِي الْأَزِقَّةِ وَالطُّرُقَاتِ، وَفَاضَ نَهْرُ ثَوْرَا مِنْ ذَلِكَ، وَأَمَرَ بِمُصَادَرَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ الَّذِينَ وُجِدَ عِنْدَهُمْ ذَلِكَ بِمَالٍ جَزِيلٍ وَهُمْ تَحْتَ الْجِبَايَةِ، وَبَعْدَ أَيَّامٍ نُودِيَ فِي الْبَلَدِ بِأَنَّ نِسَاءَ

أَهْلِ الذِّمَّةِ لَا تَدْخُلُ الْحَمَّامَاتِ مَعَ الْمُسَلَّمَاتِ، بَلْ تَدْخُلُ حَمَّامَاتٍ تَخْتَصُّ بِهِنَّ، وَمَنْ دَخَلَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ الرِّجَالِ مَعَ الرِّجَالِ الْمُسْلِمِينَ يَكُونُ فِي رِقَابِ الْكُفَّارِ عَلَامَاتٌ يُعْرَفُونَ بِهَا مِنْ أَجْرَاسٍ، وَخَوَاتِيمَ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَأَمَرَ نِسَاءَ أَهْلِ الذِّمَّةِ بِأَنْ تَلْبَسَ الْمَرْأَةُ خُفَّيْهَا مُخَالَفَيْنِ فِي اللَّوْنِ بِأَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا أَبْيَضَ، وَالْآخَرُ أَصْفَرَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ.
وَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ التَّاسِعَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ - أَعْنِي: رَبِيعًا الْآخِرَ - طُلِبَ الْقُضَاةُ الثَّلَاثَةُ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفْتِينَ; فَمِنْ نَاحِيَةِ الشَّافِعِيِّ نَائِبَاهُ، وَهُمَا الْقَاضِي شَمْسُ الدِّينِ الْغَزِّيُّ، وَالْقَاضِي بَدْرُ الدِّينِ بْنُ وُهَيْبَةَ، وَالشَّيْخُ جَمَالُ الدِّينِ ابْنُ قَاضِي الزَّبَدَانِيِّ، وَالْمُصَنِّفُ الشَّيْخُ عِمَادُ الدِّينِ بْنُ كَثِيرٍ، وَالشَّيْخُ بَدْرُ الدِّينِ حَسَنُ الزُّرَعِيُّ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْفَارِقِيُّ، وَمِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ قَاضِيَا الْقُضَاةِ جَمَالُ الدِّينِ الْمَالِكِيُّ وَالْحَنْبَلِيُّ، وَالشَّيْخُ شَرَفُ الدِّينِ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ الْحَنْبَلِيُّ، وَالشَّيْخُ جَمَالُ الدِّينِ بْنُ الشَّرِيشِيِّ، وَالشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ حَمْزَةَ ابْنِ شَيْخِ السَّلَامِيَّةِ الْحَنْبَلِيُّ، وَعِمَادُ الدِّينِ الْأَخْنَائِيُّ، فَاجْتَمَعْتُ مَعَ نَائِبِ السَّلْطَنَةِ بِالْقَاعَةِ الَّتِي فِي صَدْرِ إِيوَانِ دَارِ السَّعَادَةِ، وَجَلَسَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ فِي صَدْرِ الْمَكَانِ، وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ، فَكَانَ أَوَّلَ مَا قَالَ: كُنَّا نَحْنُ التُّرْكَ وَغَيْرُنَا إِذَا اخْتَلَفْنَا وَاخْتَصَمْنَا نَجِيءُ بِالْعُلَمَاءِ فَيُصْلِحُونَ بَيْنَنَا، فَصِرْنَا نَحْنُ إِذَا اخْتَلَفَتِ الْعُلَمَاءُ وَاخْتَصَمُوا، فَمَنْ يُصْلِحُ بَيْنَهُمْ ؟! وَشَرَعَ فِي تَأْنِيبِ مَنْ شَنَّعَ عَلَى الشَّافِعِيِّ بِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ تِلْكَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفَاعِيلِ الَّتِي كُتِبَتْ فِي تِلْكَ الْأَوْرَاقِ وَغَيْرِهَا، وَأَنَّ هَذَا يَشْفِي الْأَعْدَاءَ بِنَا، وَأَشَارَ بِالصُّلْحِ بَيْنَ الْقُضَاةِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ، فَصَمَّمَ بَعْضُهُمْ،

وَامْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ، وَجَرَتْ مُنَاقَشَاتٌ مِنْ بَعْضِ الْحَاضِرِينَ فِيمَا بَيْنَهُمْ، ثُمَّ حَصَلَ بَحْثٌ فِي مَسَائِلَ، ثُمَّ قَالَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ أَخِيرًا: أَمَا سَمِعْتُمْ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ [ الْمَائِدَةِ: 95 ]. فَلَانَتِ الْقُلُوبُ عِنْدَ ذَلِكَ، وَأَمَرَ كَاتِبَ السِّرِّ أَنْ يَكْتُبَ مَضْمُونَ ذَلِكَ فِي مُطَالَعَةٍ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، ثُمَّ خَرَجْنَا عَلَى ذَلِكَ.

عَوْدَةُ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجِ الدِّينِ السُّبْكِيِّ إِلَى دِمَشْقَ
فِي يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى قَدِمَ مِنْ نَاحِيَةِ الْكُسْوَةِ، وَقَدْ تَلَقَّاهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَعْيَانِ إِلَى الصَّنَمَيْنِ وَمَا فَوْقَهَا، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى الْكُسْوَةِ كَثُرَ النَّاسُ جَدًّا، وَقَارَبَهَا قَاضِي قُضَاةِ الْحَنَفِيَّةِ الشَّيْخُ جَمَالُ الدِّينِ بْنُ السَّرَّاجِ، فَلَمَّا أَشْرَفَ مِنْ عَقَبَةِ سَجَوْرَا تَلَقَّاهُ خَلَائِقُ لَا يُحْصَوْنَ كَثْرَةً، وَأُشْعِلَتِ الشُّمُوعُ حَتَّى مَعَ النِّسَاءِ، وَالنَّاسُ فِي سُرُورٍ عَظِيمٍ، فَلَمَّا كَانَ قَرِيبًا مِنَ الْجَسُورَةِ تَلَقَّتْهُ السَّنَاجِقُ الْخَلِيفَتِيَّةُ مَعَ الْجَوَامِعِ، وَالْمُؤَذِّنُونَ يُكَبِّرُونَ، وَالنَّاسُ فِي سُرُورٍ كَثِيرٍ، وَلَمَّا قَارَبَ بَابَ النَّصْرِ وَقْعَ مَطَرٌ عَظِيمٌ، وَالنَّاسُ مَعَهُ لَا تَسَعُهُمُ الطُّرُقَاتُ، يَدْعُونَ لَهُ، وَيَفْرَحُونَ بِقُدُومِهِ، فَدَخَلَ دَارَ السَّعَادَةِ، وَسَلَّمَ عَلَى نَائِبِ السَّلْطَنَةِ، ثُمَّ دَخَلَ الْجَامِعَ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَمَعَهُ شُمُوعٌ عَظِيمَةٌ، وَالرُّؤَسَاءُ أَكْثَرُ مِنَ الْعَامَّةِ. وَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ ثَانِيَ شَهْرِ جُمَادَى الْآخِرَةِ رَكِبَ قَاضِي الْقُضَاةِ السُّبْكِيُّ إِلَى دَارِ السَّعَادَةِ، وَقَدِ اسْتَدْعَى نَائِبُ السَّلْطَنَةِ بِالْقَاضِيَيْنِ; الْمَالِكِيِّ وَالْحَنْبَلِيِّ، فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ، وَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ ثَلَاثَتُهُمْ يَتَمَاشَوْنَ إِلَى الْجَامِعِ، فَدَخَلُوا دَارَ الْخَطَابَةِ فَاجْتَمَعُوا هُنَاكَ، وَضَيَّفَهُمَا الشَّافِعِيُّ،

ثُمَّ حَضَرَا خُطْبَتَهُ الْحَافِلَةَ الْبَلِيغَةَ الْفَصِيحَةَ، ثُمَّ خَرَجُوا ثَلَاثَتُهُمْ مِنْ جَوَّا إِلَى دَارِ الْمَالِكِيِّ، فَاجْتَمَعُوا هُنَالِكَ، وَضَيَّفَهُمُ الْمَالِكِيُّ هُنَالِكَ مَا تَيَسَّرَ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ.
وَفِي أَوَائِلِ هَذَا الشَّهْرِ وَرَدَتِ الْمَرَاسِيمُ الشَّرِيفَةُ السُّلْطَانِيَّةُ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ بِأَنْ يُجْعَلَ لِلْأَمِيرِ مِنْ إِقْطَاعِهِ النِّصْفُ خَاصًّا لَهُ، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ يَكُونُ لِأَجْنَادِهِ، فَحَصَلَ بِهَذَا رِفْقٌ عَظِيمٌ بِالْجُنْدِ وَعَدَلٌ كَثِيرٌ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ - وَأَنْ يَتَجَهَّزَ الْأَجْنَادُ وَيُحَرَّضُوا عَلَى السَّبْقِ، وَالرَّمْيِ بِالنُّشَّابِ، وَأَنْ يَكُونُوا مُسْتَعِدِّينَ، مَتَى اسْتُنْفِرُوا نَفَرُوا، فَاسْتَعَدُّوا لِذَلِكَ، وَتَأَهَّبُوا لِقِتَالِ الْفِرِنْجِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ الْآيَةَ [ الْأَنْفَالِ: 60 ]. وَثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ عَلَى الْمِنْبَرِ:أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ، وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ:ارْمُوا وَارْكَبُوا، وَأَنْ تَرْمُوا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ تَرْكَبُوا.
وَفِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ عُقِدَ مَجْلِسٌ بِدَارِ السَّعَادَةِ لِلْكَشْفِ عَلَى قَاضِي الْقُضَاةِ جَمَالِ الدِّينِ الْمَرْدَاوِيِّ الْحَنْبَلِيِّ بِمُقْتَضَى مَرْسُومٍ شَرِيفٍ وَرَدَ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ بِذَلِكَ; وَذَلِكَ بِسَبَبِ مَا يَعْتَمِدُهُ كَثِيرٌ مِنْ شُهُودِ مَجْلِسِهِ مِنْ بَيْعِ أَوْقَافٍ لَمْ يَسْتَوْفِ فِيهَا شَرَائِطَ الْمَذْهَبِ، وَإِثْبَاتِ إِعْسَارَاتٍ أَيْضًا كَذَلِكَ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.

الْوَقْعَةُ بَيْنَ الْأُمَرَاءِ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ
وَفِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ وَرَدَ الْخَبَرُ بِأَنَّ الْأَمِيرَ الْكَبِيرَ يَلْبُغَا

الْخَاصِّكِيَّ خَرَجَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأُمَرَاءِ مَعَ الْأَمِيرِ سَيْفِ الدِّينِ طَيْبُغَا الطَّوِيلِ، فَبَرَزَ إِلَيْهِمْ إِلَى قُبَّةِ النَّصْرِ، فَالْتَقَوْا مَعَهُ هُنَالِكَ، فَقَتَلَ جَمَاعَةً وَجَرَحَ آخَرِينَ، وَانْفَصَلَ الْحَالُ عَلَى مَسْكِ طَيْبُغَا الطَّوِيلِ وَهُوَ جَرِيحٌ، وَمُسِكَ أَرْغُونَ الْإِسْعِرْدِيُّ الدَّوَادَارُ، وَخَلْقٌ مِنْ أُمَرَاءِ الْأُلُوفِ وَالطَّبْلَخَانَاهْ، وَجَرَتْ خَبْطَةٌ عَظِيمَةٌ اسْتَمَرَّ فِيهَا الْأَمِيرُ الْكَبِيرُ يَلْبُغَا عَلَى عِزِّهِ وَتَأْيِيدِهِ، وَنَصْرِهِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
وَفِي ثَانِي رَجَبٍ يَوْمِ السَّبْتِ تَوَجَّهَ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ بَيْدَمُرُ الَّذِي كَانَ نَائِبَ دِمَشْقَ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ بِطَلَبِ الْأَمِيرِ يَلْبُغَا; لِيُؤَكِّدَ أَمْرَهُ فِي دُخُولِ الْبَحْرِ لِقِتَالِ الْفِرِنْجِ وَفَتْحِ قُبْرُسَ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِأَمْرِ بَغْدَادَ
أَخْبَرَنِي الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْبَغْدَادِيُّ أَحَدُ رُؤَسَاءِ بَغْدَادَ، وَأَصْحَابِ التِّجَارَاتِ، وَالشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ الْعَطَّارُ السِّمْسَارُ فِي الشَّرْبِ - بَغْدَادِيٌّ أَيْضًا - أَنَّ بَغْدَادَ اسْتَعَادَهَا أُوَيْسٌ مَلِكُ الْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ مِنْ يَدِ الطَّوَاشِيِّ مَرْجَانَ، وَاسْتَحْضَرَهُ فَأَكْرَمَهُ، وَأَطْلَقَ لَهُ، وَاتَّفَقَا أَنَّ أَصْلَ الْفِتْنَةِ مِنَ الْأَمِيرِ أَحْمَدَ أَخِي الْوَزِيرِ، فَأَحْضَرَهُ السُّلْطَانُ إِلَى بَيْنِ يَدَيْهِ، وَضَرَبَهُ بِسِكِّينٍ فِي كَرِشِهِ فَشَقَّهُ، وَأَمَرَ بَعْضَ الْأُمَرَاءِ فَقَتَلَهُ، فَانْتَصَرَ أَهْلُ السُّنَّةِ لِذَلِكَ نُصْرَةً عَظِيمَةً، وَأَخَذَ جُثَّتَهُ أَهِلُ بَابِ الْأَزَجِ فَأَحْرَقُوهُ، وَسَكَنَتِ الْأُمُورُ، وَتَشَفَّوْا بِمَقْتَلِ الشَّيْخِ جَمَالِ الدِّينِ الْأَنْبَارِيِّ الَّذِي قَتَلَهُ الْوَزِيرُ الرَّافِضِيُّ فَأَهْلَكَهُ اللَّهُ بَعْدَهُ سَرِيعًا.

وَفَاةُ قَاضِي الْقُضَاةِ عِزِّ الدِّينِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ حَاتِمٍ الشَّافِعِيِّ
وَفِي الْعَشْرِ الْأَوَّلِ مِنْ شَهْرِ شَعْبَانَ قَدِمَ كِتَابٌ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ بِوَفَاةِ قَاضِي الْقُضَاةِ عِزِّ الدِّينِ ابْنِ قَاضِي الْقُضَاةِ بَدْرِ الدِّينِ مُحَمَّدِ بْنِ جَمَاعَةَ بِمَكَّةَ - شَرَّفَهَا اللَّهُ - فِي الْعَاشِرِ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ، وَدُفِنَ فِي الْحَادِيَ عَشَرَ فِي بَابِ الْمُعَلَّى، وَذَكَرُوا أَنَّهُ تُوُفِّيَ وَهُوَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَأَخْبَرَنِي صَاحِبُنَا الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ الرَّحْبِيُّ - حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ كَثِيرًا: أَشْتَهِي أَنْ أَمُوتَ وَأَنَا مَعْزُولٌ، وَأَنْ تَكُونَ وَفَاتِي بِأَحَدِ الْحَرَمَيْنِ. فَأَعْطَاهُ اللَّهُ مَا تَمَنَّاهُ; عَزَلَ نَفْسَهُ فِي السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ، وَهَاجَرَ إِلَى مَكَّةَ، ثُمَّ قَدِمَ الْمَدِينَةَ لِزِيَارَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ عَادَ إِلَى مَكَّةَ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ بِهَا فِي الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ، فَرَحِمَهُ اللَّهُ، وَبَلَّ بِالرَّحْمَةِ ثَرَاهُ.
وَقَدْ كَانَ مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ، فَتُوُفِّيَ عَنْ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً، وَقَدْ نَالَ الْعِزُّ عِزًّا فِي الدُّنْيَا، وَرِفْعَةً هَائِلَةً، وَمَنَاصِبَ، وَتَدَارِيسَ كِبَارًا، ثُمَّ عَزَلَ نَفْسَهُ، وَتَفَرَّغَ لِلْعِبَادَةِ وَالْمُجَاوَرَةِ بِالْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ، فَيُقَالُ لَهُ مَا قُلْتُهُ فِي بَعْضِ الْمَرَاثِي:
فَكَأَنْ قَدْ أُعْلِمْتَ بِالْمَوْتِ حَتَّى قَدْ تَزَوَّدْتَ مِنْ خِيَارِ الزَّادِ

وَحَضَرَ عِنْدِي فِي يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ تَاسِعِ شَوَّالٍ الْبَتْرَكُ بِشَارَةُ الْمُلَقَّبُ بِمِيخَائِيلَ النَّصْرَانِيِّ الْمَلْكِيُّ، وَأَخْبَرَنِي أَنَّ الْمَطَارِنَةَ بِالشَّامِ بَايَعُوهُ عَلَى أَنْ جَعَلُوهُ بَتْرَكًا بِدِمَشْقَ عِوَضًا عَنِ الْبَتْرَكِ بِأَنْطَاكِيَّةَ، فَذَكَرْتُ لَهُ أَنَّ هَذَا أَمْرٌ مُبْتَدَعٌ فِي دِينِهِمْ، فَإِنَّهُ لَا تَكُونُ الْبَتَارِكَةُ إِلَّا أَرْبَعَةً; بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وَبِالْقُدْسِ، وَبِأَنْطَاكِيَّةَ، وَبِرُومِيَّةَ، فَنُقِلَ بَتْرَكُ رُومِيَّةَ إِلَى إِسْطَنْبُولَ وَهِيَ الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ، وَقَدْ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ كَثِيرٌ مِنْهُمْ إِذْ ذَاكَ، فَهَذَا الَّذِي ابْتَدَعُوهُ فِي هَذَا الْوَقْتِ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ ! لَكِنِ اعْتَذَرَ بِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ عَنْ أَنْطَاكِيَّةَ، وَإِنَّمَا أُذِنَ لَهُ فِي الْمُقَامِ بِالشَّامِ الشَّرِيفِ; لِأَجْلِ أَنَّهُ أَمَرَهُ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ أَنْ يَكْتُبَ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ مِلَّتِهِمْ إِلَى صَاحِبِ قُبْرُسَ، يَذْكُرُ لَهُ مَا حَلَّ بِهِمْ مِنَ الْخِزْيِ، وَالنَّكَالِ، وَالْجِنَايَةِ بِسَبَبِ عُدْوَانِ صَاحِبِ قُبْرُسَ عَلَى مَدِينَةِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وَأَحْضَرَ لِي الْكُتُبَ إِلَيْهِ وَإِلَى مَلِكِ إِسْطَنْبُولَ، وَقَرَأَهَا عَلَيَّ مِنْ لَفْظِهِ - لَعَنَهُ اللَّهُ وَلَعَنَ الْمَكْتُوبَ إِلَيْهِمْ أَيْضًا - وَقَدْ تَكَلَّمْتُ مَعَهُ فِي دِينِهِمْ وَنُصُوصِ مَا يَعْتَقِدُهُ كُلٌّ مِنَ الطَّوَائِفِ الثَّلَاثِ; وَهُمُ الْمَلْكِيَّةُ، وَالْيَعْقُوبِيَّةُ - وَمِنْهُمُ الْإِفْرِنْجُ وَالْقِبْطُ - وَالنَّسْطُورِيَّةُ، فَإِذَا هُوَ يَفْهَمُ بَعْضَ الشَّيْءِ، وَلَكِنَّ حَاصِلَهُ أَنَّهُ حِمَارٌ مِنْ أَكْفَرِ الْكُفَّارَ، لَعَنَهُ اللَّهُ.
وَفِي هَذَا الشَّهْرِ بَلَغَنَا اسْتِعَادَةُ السُّلْطَانِ أُوَيْسٍ ابْنِ الشَّيْخِ حَسَنٍ مَلِكِ الْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ لِبَغْدَادَ مِنْ يَدِ الطَّوَاشِيِّ مَرْجَانَ الَّذِي كَانَ نَائِبَهُ عَلَيْهَا وَامْتَنَعَ مِنْ طَاعَةِ أُوَيْسٍ، فَجَاءَ إِلَيْهِ فِي جَحَافِلَ كَثِيرَةٍ، فَهَرَبَ مَرْجَانُ، وَدَخَلَ

أُوَيْسٌ إِلَى بَغْدَادَ دُخُولًا هَائِلًا، وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا.
وَفِي يَوْمِ السَّبْتِ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ قَدِمَ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ بَيْدَمُرُ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ عَلَى الْبَرِيدِ أَمِيرَ مِائَةٍ مُقَدَّمَ أَلْفٍ، وَعَلَى نِيَابَةِ يَلْبُغَا فِي جَمِيعِ دَوَاوِينِهِ بِدِمَشْقَ وَغَيْرِهَا، وَعَلَى إِمَارَةِ الْبَحْرِ وَعَمَلِ الْمَرَاكِبِ، فَلَمَّا قَدِمَ أَمَرَ بِجَمْعِ جَمِيعِ النَّشَّارِينَ، وَالنَّجَّارِينَ، وَالْحَدَّادِينَ، وَتَجْهِيزِهِمْ لِبَيْرُوتَ لِقَطْعِ الْأَخْشَابِ، فَسُيِّرُوا يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ ثَانِيَ رَمَضَانَ، وَهُوَ عَازِمٌ عَلَى اللَّحَاقِ بِهِمْ إِلَى هُنَالِكَ، وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ، ثُمَّ أُتْبِعُوا بِآخَرِينَ مِنْ نَجَّارِينَ، وَحَدَّادِينَ، وَعَتَّالِينَ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَجَعَلُوا كُلَّ مَنْ وَجَدُوهُ مِنْ رُكَّابِ الْحَمِيرِ يُنْزِلُونَهُ وَيَرْكَبُوا إِلَى نَاحِيَةِ الْبِقَاعِ، وَسَخَّرُوا لَهُمْ مِنَ الصُّنَّاعِ وَغَيْرِهِمْ، وَجَرَتْ خُطْبَةٌ عَظِيمَةٌ، وَتَبَاكَى عَوَائِلُهُمْ وَأَطْفَالُهُمْ، وَلَمْ يُسْلَفُوا شَيْئًا مِنْ أُجُورِهِمْ، وَكَانَ مِنَ اللَّائِقِ أَنْ يُسْلَفُوهُ حَتَّى يَتْرُكُوهُ إِلَى أَوْلَادِهِمْ.
وَخَطَبَ بُرْهَانُ الدِّينِ الْمَقْدِسِيُّ الْحَنَفِيُّ بِجَامِعِ يَلْبُغَا عِوَضًا عَنْ تَقِيِّ الدِّينِ ابْنِ قَاضِي الْقُضَاةِ شَرَفِ الدِّينِ الْكَفْرِيِّ، بِمَرْسُومٍ شَرِيفٍ وَمَرْسُومِ نَائِبِ صَفَدَ أَسَنْدَمُرَ أَخِي يَلْبُغَا، وَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَعَلَى جَدِّهِ وَجَمَاعَتِهِمْ، وَذَلِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ الرَّابِعَ مِنْ رَمَضَانَ، هَذَا وَحَضَرَ عِنْدَهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ.
وَفِي يَوْمِ الْخَمِيسِ الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْهُ قُرِئَ تَقْلِيدُ قَاضِي الْقُضَاةِ شَرَفِ الدِّينِ ابْنِ قَاضِي الْجَبَلِ لِقَضَاءِ الْحَنَابِلَةِ، عِوَضًا عَنْ قَاضِي الْقُضَاةِ جَمَالِ الدِّينِ الْمَرْدَاوِيِّ، عُزِلَ هُوَ وَالْمَالِكِيُّ مَعَهُ أَيْضًا; بِسَبَبِ أُمُورٍ تَقَدَّمَ نِسْبَتُهَا لَهُمَا، وَقُرِئَ التَّقْلِيدُ بِمِحْرَابِ الْحَنَابِلَةِ، وَحَضَرَ عِنْدَهُ الشَّافِعِيُّ، وَالْحَنَفِيُّ، وَكَانَ الْمَالِكِيُّ مُعْتَكِفًا بِالْقَاعَةِ

مِنَ الْمَنَارَةِ الْغَرْبِيَّةِ، فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ; لِأَنَّهُ مَعْزُولٌ أَيْضًا بِسَرِيِّ الدِّينِ قَاضِي حَمَاةَ، وَقَدْ وَقَعَتْ شُرُورٌ وَتَخْبِيطٌ بِالصَّالِحِيَّةِ وَغَيْرِهَا.
وَفِي صَبِيحَةِ يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ خُلِعَ عَلَى قَاضِي الْقُضَاةِ سَرِيِّ الدِّينِ إِسْمَاعِيلَ الْمَالِكِيِّ - قَدِمَ مِنْ حَمَاةَ عَلَى قَضَاءِ الْمَالِكِيَّةِ - عِوَضًا عَنْ قَاضِي الْقُضَاةِ جَمَالِ الدِّينِ الْمَسَلَّاتِيِّ - عُزِلَ عَنِ الْمَنْصِبِ - وَقُرِئَ تَقْلِيدُهُ بِمَقْصُورَةِ الْمَالِكِيَّةِ مِنَ الْجَامِعِ، وَحَضَرَ عِنْدَهُ الْقُضَاةُ وَالْأَعْيَانُ.
وَفِي صَبِيحَةِ يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ سَابِعِ شَوَّالٍ قَدِمَ الْأَمِيرُ حَيَّارُ بْنُ مُهَنَّا إِلَى دِمَشْقَ سَامِعًا مُطِيعًا، بَعْدَ أَنْ جَرَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُيُوشِ حُرُوبٌ مُتَطَاوِلَةٌ، كُلُّ ذَلِكَ لِيَطَأَ الْبِسَاطَ، فَأَبَى خَوْفًا مِنَ الْمَسْكِ وَالْحَبْسِ أَوِ الْقَتْلِ، فَبَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ قَدِمَ هَذَا الْيَوْمَ قَاصِدًا الدِّيَارَ الْمِصْرِيَّةَ; لِيَصْطَلِحَ مَعَ الْأَمِيرِ الْكَبِيرِ يَلْبُغَا، فَتَلَقَّاهُ الْحَجَبَةُ، وَالْمَهْمَنْدَارِيَّةُ، وَالْخَلْقُ، وَخَرَجَ النَّاسُ لِلْفُرْجَةِ، فَنَزَلَ الْقَصْرَ الْأَبْلَقَ، وَقَدِمَ مَعَهُ نَائِبُ حَمَاةَ عُمَرُ شَاهْ فَنَزَلَ مَعَهُ ثَانِيَ يَوْمٍ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ. وَأَقْرَأَنِي الْقَاضِي وَلِيُّ الدِّينِ عَبْدُ اللَّهِ وَكِيلُ بَيْتِ الْمَالِ كِتَابَ وَالِدِهِ قَاضِي الْقُضَاةِ بَهَاءِ الدِّينِ أَبِي الْبَقَاءِ قَاضِي قُضَاةِ الشَّافِعِيَّةِ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ; أَنَّ الْأَمِيرَ الْكَبِيرَ جَدَّدَ دَرْسًا بِجَامِعِ ابْنِ طُولُونَ فِيهِ سَبْعَةُ مُدَرِّسِينَ لِلْحَنَفِيَّةِ، وَجَعَلَ لَكُلِّ فَقِيهٍ مِنْهُمْ فِي الشَّهْرِ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، وَإِرْدَبَّ قَمْحٍ، وَذَكَرَ فِيهِ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ غَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ انْتَقَلُوا إِلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ لِيَنْزِلُوا فِي هَذَا الدَّرْسِ.

دَرْسُ التَّفْسِيرِ بِالْجَامِعِ الْأُمَوِيِّ
وَفِي صَبِيحَةِ يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَوَّالٍ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّينَ وَسَبْعِمِائَةٍ حَضَرَ الشَّيْخُ الْعَلَّامَةُ عِمَادُ الدِّينِ بْنُ كَثِيرٍ دَرْسَ التَّفْسِيرِ الَّذِي أَنْشَأَهُ مَلِكُ الْأُمَرَاءِ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ مَنْكَلِي بُغَا، مِنْ أَوْقَافِ الْجَامِعِ الَّتِي جَدَّدَهَا فِي حَالِ نَظَرِهِ عَلَيْهِ، أَثَابَهُ اللَّهُ، وَجَعَلَ مِنَ الطَّلَبَةِ مِنْ سَائِرِ الْمَذَاهِبِ خَمْسَةَ عَشَرَ طَالِبًا، لِكُلِّ طَالِبٍ فِي الشَّهْرِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، وَلِلْمُعِيدِ عِشْرُونَ، وَلِكَاتِبِ الْغَيْبَةِ عِشْرُونَ، وَلِلْمُدَرِّسِ ثَمَانُونَ، وَتَصَدَّقَ حِينَ دَعَوْتُهُ لِحُضُورِ الدَّرْسِ، فَحَضَرَ، وَاجْتَمَعَ الْقُضَاةُ وَالْأَعْيَانُ، وَأَخَذْتُ فِي أَوَّلِ تَفْسِيرِ " الْفَاتِحَةِ "، وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ، وَبِهِ التَّوْفِيقُ وَالْعِصْمَةُ.

ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ وَسَبْعِمِائَةٍ
اسْتَهَلَّتْ وَقَاضِي قُضَاةِ الْحَنَابِلَةِ الشَّيْخُ شَرَفُ الدِّينِ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ ابْنِ قَاضِي الْجَبَلِ الْمَقْدِسِيُّ، وَنَاظِرُ الدَّوَاوِينِ سَعْدُ الدِّينِ بْنُ التَّاجِ إِسْحَاقَ، وَكَاتِبُ السِّرِّ فَتْحُ الدِّينِ بْنُ الشَّهِيدِ، وَهُوَ شَيْخُ الشُّيُوخِ أَيْضًا، وَنَاظِرُ الْجُيُوشِ الشَّامِيَّةِ بُرْهَانُ الدِّينِ بْنُ الْحِلِّيِّ، وَوَكِيلُ بَيْتِ الْمَالِ الْقَاضِي وَلِيُّ الدِّينِ ابْنُ قَاضِي الْقُضَاةِ بَهَاءِ الدِّينِ أَبِي الْبَقَاءِ.

سَفَرُ نَائِبِ السَّلْطَنَةِ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ
لَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ مِنَ الْمُحَرَّمِ قَدِمَ طَشْتَمُرُ دَوَادَارُ يَلْبُغَا عَلَى الْبَرِيدِ، فَنَزَلَ بِدَارِ السَّعَادَةِ، ثُمَّ رَكِبَ هُوَ وَنَائِبُ السَّلْطَنَةِ بَعْدَ الْعِشَاءِ الْأَخِيرَةِ فِي الْمَشَاعِلِ، وَالْحَجَبَةُ بَيْنَ أَيْدِيهِمَا، وَالْخَلَائِقُ يَدْعُونَ لِنَائِبِهِمْ، وَاسْتَمَرُّوا كَذَلِكَ ذَاهِبِينَ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، فَأَكْرَمُهُ يَلْبُغَا وَأَنْعَمَ عَلَيْهِ، وَسَأَلَهُ أَنْ يَكُونَ بِبِلَادِ حَلَبَ، فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ، وَعَادَ فَنَزَلَ بِدَارِ سَنْجَرَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ، وَارْتَحَلَ مِنْهَا إِلَى حَلَبَ، وَقَدِ اجْتَمَعْتُ بِهِ هُنَالِكَ، وَتَأَسَّفَ النَّاسُ عَلَيْهِ، وَنَابَ فِي الْغَيْبَةِ الْأَمِيرُ

سَيْفُ الدِّينِ زُبَالَةَ، إِلَى أَنْ قَدِمَ النَّائِبُ الْمُعِزُّ السَّيْفِيُّ أَقْتَمُرُ عَبْدُ الْغَنِيِّ، عَلَى مَا سَيَأْتِي.
وَتُوُفِّيَ الْقَاضِي شَمْسُ الدِّينِ بْنُ مَنْصُورٍ الْحَنَفِيُّ الَّذِي كَانَ نَائِبَ الْحَكَمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَوْمَ السَّبْتِ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنَ الْمُحَرَّمِ، وَدُفِنَ بِالْبَابِ الصَّغِيرِ، وَقَدْ قَارَبَ الثَّمَانِينَ.
وَفِي هَذَا الْيَوْمِ أَوِ الَّذِي بَعْدَهُ تُوُفِّيَ الْقَاضِي شِهَابُ الدِّينِ أَحْمَدُ بْنُ الْوَزَوَازَةِ، نَاظِرُ الْأَوْقَافِ بِالصَّالِحِيَّةِ.
وَفِي صَبِيحَةِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ثَالِثِ صَفَرٍ نُودِيَ فِي الْبَلَدِ أَنْ لَا يَتَخَلَّفَ أَحَدٌ مِنْ أَجْنَادِ الْحَلْقَةِ عَنِ النَّفِيرِ إِلَى بَيْرُوتَ، فَاجْتَمَعَ النَّاسُ لِذَلِكَ، فَبَادَرَ النَّاسُ وَالْجَيْشُ مُلْبِسِينَ إِلَى سَطْحِ الْمِزَّةِ، وَخَرَجَ مَلِكُ الْأُمَرَاءِ أَمِيرُ عَلِيٌّ - نَائِبُ الشَّامِ - مِنْ دَارِهِ دَاخِلَ بَابِ الْجَابِيَةِ فِي جَمَاعَتِهِ مُلْبِسِينَ فِي هَيْئَةٍ حَسَنَةٍ، وَتَجَمُّلٍ هَائِلٍ، وَوَلَدُهُ الْأَمِيرُ نَاصِرُ الدِّينِ مُحَمَّدٌ، وَطُلْبُهُ مَعَهُ، وَقَدْ جَاءَ نَائِبُ الْغَيْبَةِ وَالْحَجَبَةُ إِلَى بَيْنِ يَدَيْهِ إِلَى وِطَاقِهِ، وَشَاوَرُوهُ فِي الْأَمْرِ، فَقَالَ: لَيْسَ لِي هَاهُنَا أَمْرٌ، وَلَكِنْ إِذَا حَضَرَ الْحَرْبُ وَالْقِتَالُ، فَلِي هُنَاكَ أَمْرٌ. وَخَرَجَ خَلْقٌ مِنَ النَّاسِ مُتَبَرِّعِينَ، وَخَطَبَ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجُ الدِّينِ الشَّافِعِيُّ بِالنَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْعَادَةِ، وَحَرَّضَ النَّاسَ عَلَى الْجِهَادِ، وَقَدْ أَلْبَسَ جَمَاعَةً مِنْ غِلْمَانِهِ اللَّأْمَةَ وَالْخُوَذَ، وَهُوَ عَلَى عَزْمِ الْمَسِيرِ مَعَ النَّاسِ إِلَى بَيْرُوتَ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. وَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ النَّهَارِ رَجَعَ النَّاسُ إِلَى مَنَازِلِهِمْ، وَقَدْ وَرَدَ الْخَبَرُ بِأَنَّ الْمَرَاكِبَ الَّتِي رُئِيَتْ فِي الْبَحْرِ إِنَّمَا هِيَ مَرَاكِبُ تُجَّارٍ لَا مَرَاكِبَ قِتَالٍ،

فَطَابَتْ قُلُوبُ النَّاسِ، وَلَكِنْ ظَهَرَ مِنْهُمُ اسْتِعْدَادٌ عَظِيمٌ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
وَفِي لَيْلَةِ الْأَحَدِ خَامِسِ صَفَرٍ قُدِمَ بِالْأَمِيرِ سَيْفِ الدِّينِ شَرْشَيٍّ - الَّذِي كَانَ إِلَى آخِرِ وَقْتٍ نَائِبَ حَلَبَ - مُحْتَاطًا عَلَيْهِ بَعْدَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ إِلَى دَارِ السَّعَادَةِ بِدِمَشْقَ، فَسُيِّرَ مَعْزُولًا عَنْ حَلَبَ إِلَى طَرَابُلُسَ بَطَّالًا، وَبُعِثَ فِي سَرْجَيْنِ صُحْبَةَ الْأَمِيرِ عَلَاءِ الدِّينِ بْنِ صُبْحٍ.
وَبَلَغَنَا وَفَاةُ الشَّيْخِ جَمَالِ الدِّينِ بْنِ نُبَاتَةَ حَامِلِ لِوَاءِ شُعَرَاءِ زَمَانِهِ بِدِيَارِ مِصْرَ بِمَرِسْتَانِ الْمَلِكِ الْمَنْصُورِ قَلَاوُونَ، وَذَلِكَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ سَابِعَ صَفَرٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
وَفِي لَيْلَةِ ثَامِنِهِ هَرَبَ أَهْلُ حَبْسِ السُّدِّ مِنْ سِجْنِهِمْ، وَخَرَجَ أَكْثَرُهُمْ، فَأَرْسَلَ الْوُلَاةُ صَبِيحَةَ يَوْمَئِذٍ فِي إِثْرِهِمْ، فَمُسِكَ كَثِيرٌ مِمَّنْ هَرَبَ، فَضَرَبُوهُمْ أَشَدَّ الضَّرْبِ، وَرَدُّوهُمْ إِلَى شَرِّ الْمُنْقَلَبِ.
وَفِي يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ خَامِسَ عَشَرَهُ نُودِيَ بِالْبُلْدَانِ أَنْ لَا يُعَامَلَ الْفِرِنْجُ الْبَنَادِقَةُ، وَالْجَنَوِيَّةُ، وَالْكَنْبَلَانُ، وَاجْتَمَعْتُ فِي آخِرِ هَذَا الْيَوْمِ بِالْأَمِيرِ زَيْنِ الدِّينِ زُبَالَةَ نَائِبِ الْغَيْبَةِ النَّازِلِ بِدَارِ الذَّهَبِ، فَأَخْبَرَنِي أَنَّ الْبَرِيدِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّ صَاحِبَ قُبْرُسَ رَأَى فِي النُّجُومِ أَنَّ قُبْرُسَ مَأْخُوذَةٌ، فَجَهَّزَ مَرْكَبَيْنِ مِنَ الْأَسْرَى الَّذِينَ عِنْدَهُ مِنَ

الْمُسْلِمِينَ إِلَى يَلْبُغَا، وَنَادَى فِي بِلَادِهِ أَنَّ مَنْ كَتَمَ مُسْلِمًا صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا قُتِلَ، وَكَانَ مِنْ عَزْمِهِ أَنْ لَا يُبْقِيَ أَحَدًا مِنَ الْأُسَارَى إِلَّا أَرْسَلَهُ.
وَفِي آخِرِ نَهَارِ الْأَرْبِعَاءِ خَامِسَ عَشَرَهُ قَدِمَ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ قَاضِي الْقُضَاةِ جَمَالُ الدِّينِ الْمَسَلَّاتِيُّ الْمَالِكِيُّ الَّذِي كَانَ قَاضِيَ الْمَالِكِيَّةِ، فَعُزِلَ فِي أَوَاخِرِ رَمَضَانَ مِنَ الْعَامِ الْمَاضِي، فَحَجَّ، ثُمَّ قَصَدَ الدِّيَارَ الْمِصْرِيَّةَ فَدَخَلَهَا لَعَلَّهُ يَسْتَغِيثُ، فَلَمْ يُصَادِفْهُ قَبُولٌ، فَادَّعَى عَلَيْهِ بَعْضُ الْحُجَّابِ، وَحَصَلَ لَهُ مَا يَسُوؤُهُ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ، فَجَاءَ فَنَزَلَ فِي التُّرْبَةِ الْكَامِلِيَّةِ شَمَالِيَّ الْجَامِعِ، ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى مَنْزِلِ ابْنَتِهِ مُتَمَرِّضًا، وَالْطُلَابَاتُ وَالدَّعَاوَى وَالْمُصَالَحَاتُ عَنْهُ كَثِيرَةٌ جِدًّا، فَأَحْسَنَ اللَّهُ عَاقِبَتَهُ.
وَفِي يَوْمِ الْأَحَدِ بَعْدَ الْعَصْرِ دَخَلَ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ طَيْبُغَا الطَّوِيلُ مِنَ الْقُدْسِ الشَّرِيفِ إِلَى دِمَشْقَ، فَنَزَلَ بِالْقَصْرِ الْأَبْلَقِ، وَرَحَلَ بَعْدَ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ إِلَى نِيَابَةِ حَمَاةَ - حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى - بِتَقْلِيدٍ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَجَاءَتِ الْأَخْبَارُ بِتَوْلِيَةِ الْأَمِيرِ سَيْفِ الدِّينِ مَنْكَلِي بُغَا نِيَابَةَ حَلَبَ عِوَضًا عَنْ نِيَابَةِ دِمَشْقَ، وَأَنَّهُ حَصَلَ لَهُ مِنَ التَّشْرِيفِ، وَالتَّكْرِيمِ، وَالتَّشَارِيفِ بِدِيَارِ مِصْرَ شَيْءٌ كَثِيرٌ، وَمَالٌ جَزِيلٌ، وَخُيُولٌ، وَأَقْمِشَةٌ، وَتُحَفٌ يَشُقُّ حَصْرُهَا، وَأَنَّهُ قَدِ اسْتَقَرَّ بِدِمَشْقَ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ أَقْتَمُرُ عَبْدُ الْغَنِيِّ الَّذِي كَانَ حَاجِبَ الْحُجَّابِ بِمِصْرَ، وَعُوِّضَ عَنْهُ فِي الْحُجُوبِيَّةِ الْأَمِيرُ عَلَاءُ الدِّينِ طَيْبُغَا أُسْتَاذُ دَارِ يَلْبُغَا، وَخُلِعَ عَلَى الثَّلَاثَةِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ.
وَفِي يَوْمِ الْأَحَدِ حَادِيَ عَشَرَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ اشْتُهِرَ فِي الْبَلَدِ قَضِيَّةُ الْفِرِنْجِ أَيْضًا بِمَدِينَةِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وَقَدِمَ بَرِيدِيٌّ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ بِذَلِكَ، وَاحْتِيطَ عَلَى مَنْ

كَانَ بِدِمَشْقَ مِنَ الْفِرِنْجِ، وَسُجِنُوا بِالْقَلْعَةِ، وَأُخِذَتْ حَوَاصِلُهُمْ، وَأَخْبَرَنِي قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجُ الدِّينِ الشَّافِعِيُّ يَوْمَئِذَ أَنَّ أَصْلَ ذَلِكَ أَنَّ سَبْعَةَ مَرَاكِبَ مِنَ التُّجَّارِ مِنَ الْبَنَادِقَةِ مِنَ الْفِرَنْجِ قَدِمُوا إِلَى الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ فَبَاعُوا بِهَا وَاشْتَرَوْا، وَبَلَغَ الْخَبَرُ إِلَى الْأَمِيرِ الْكَبِيرِ يَلْبُغَا أَنَّ مَرْكَبًا مِنْ هَذِهِ السَّبْعَةِ لِصَاحِبِ قُبْرُسَ، فَأَرْسَلَ إِلَى الْفِرَنْجِ يَقُولُ لَهُمْ أَنْ يُسَلِّمُوا هَذِهِ الْمَرْكَبَ، فَامْتَنَعُوا مِنْ ذَلِكَ، وَبَادَرُوا إِلَى مَرَاكِبِهِمْ، فَأَرْسَلَ فِي آثَارِهِمْ سِتَّةَ شَوَانٍ مَشْحُونَةً بِالْمُقَاتِلَةِ، فَالْتَقَوْا هُمْ وَالْفِرِنْجُ فِي الْبَحْرِ، فَقُتِلَ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ خَلْقٌ، وَلَكِنْ مِنَ الْفِرَنْجِ أَكْثَرُ، وَهَرَبُوا فَارِّينَ بِمَا مَعَهُمْ مِنَ الْبَضَائِعِ.
فَجَاءَ الْأَمِيرُ عَلِيٌّ الَّذِي كَانَ نَائِبَ دِمَشْقَ أَيْضًا فِي جَيْشٍ مُبَارَكٍ، وَمَعَهُ وَلَدُهُ وَمَمَالِيكُهُ فِي تَجَمُّلٍ هَائِلٍ، فَرَجَعَ الْأَمِيرُ عَلِيٌّ، وَاسْتَمَرَّ نَائِبُ السُّلْطَنَةِ حَتَّى وَقَفَ عَلَى بَيْرُوتَ، وَنَظَرَ فِي أَمْرِهَا وَعَادَ سَرِيعًا. وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الْفِرِنْجَ جَاءُوا طَرَابُلُسَ غُزَاةً، وَأَخَذُوا مَرْكَبًا لِلْمُسْلِمِينَ مِنَ الْمِينَا وَحَرَّقُوهُ، وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ وَلَا يَسْتَطِيعُونَ دَفْعَهُمْ، وَلَا مَنْعَهُمْ، وَأَنَّ الْفِرَنْجَ كَرُّوا رَاجِعِينَ، وَقَدْ أَسَرُوا ثَلَاثَةً مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. انْتَهَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

مَقْتَلُ يَلْبُغَا الْأَمِيرِ الْكَبِيرِ
جَاءَ الْخَبَرُ بِقَتْلِهِ إِلَيْنَا بِدِمَشْقَ فِي لَيْلَةِ الِاثْنَيْنِ السَّابِعَ عَشَرَ مِنْ رَبِيعٍ الْآخِرِ مَعَ أَسِيرَيْنِ جَاءَا عَلَى الْبَرِيدِ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، فَأَخْبَرَا بِمَقْتَلِهِ فِي يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ ثَانِيَ

عَشَرَ هَذَا الشَّهْرِ; تَمَالَأَ عَلَيْهِ مَمَالِيكُهُ حَتَّى قَتَلُوهُ يَوْمَئِذٍ، وَتَغَيَّرَتِ الدَّوْلَةُ، وَمُسِكَ مِنْ أُمَرَاءِ الْأُلُوفِ وَالطَّبْلَخَانَاهْ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ، وَاخْتَبَطَتِ الْأُمُورُ جِدًّا، وَجَرَتْ أَحْوَالٌ صَعْبَةٌ، وَقَامَ بِأَعْبَاءِ الْقَضِيَّةِ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ طُغَيْتَمُرُ النِّظَامِيُّ، وَقَوِيَ جَانِبُ السُّلْطَانِ وَرَشَدَ، وَفَرِحَ أَكْثَرُ الْأُمَرَاءِ بِمِصْرَ بِمَا وَقَعَ، وَقَدِمَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ إِلَى دِمَشْقَ مِنْ بَيْرُوتَ، فَأَمَرَ بِدَقِّ الْبَشَائِرِ وَتَزْيِينِ الْبَلَدِ، فَفُعِلَ ذَلِكَ، وَأُطْلِقَتِ الْفِرَنْجُ الَّذِينَ كَانُوا بِالْقَلْعَةِ الْمَنْصُورَةِ، فَلَمْ يَهُنْ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ.
وَهَذَا آخِرُ مَا وُجِدَ مِنَ التَّارِيخِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَصَلَوَاتُهُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

[كِتَابُ الْفِتَنِ وَالْمَلَاحِمِ]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
اللَّهُمَّ يَسِّرْ وَأَعِنْ.
قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ الْعَلَّامَةُ أَبُو الْفِدَاءِ عِمَادُ الدِّينِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ كَثِيرٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: هَذَا كِتَابُ الْفِتَنِ وَالْمَلَاحِمِ الْوَاقِعَةِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ مِمَّا أَخْبَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذِكْرِ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ وَالْأُمُورِ الْعِظَامِ الَّتِي تَكُونُ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، مِمَّا يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهَا. الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ قَدْ أَخْبَرَ بِهَا، وَهُوَ لَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى.
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا إِخْبَارَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْغُيُوبِ الْمَاضِيَةِ، وَبَسَطْنَاهُ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ، وَقَصَصِ الْأَنْبِيَاءِ، وَأَيَّامِ النَّاسِ إِلَى زَمَانِنَا، وَأَتْبَعْنَا ذَلِكَ بِذِكْرِ سِيرَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَيَّامِهِ، وَذِكْرِ شَمَائِلِهِ وَدَلَائِلِ نُبُوَّتِهِ، وَذَكَرْنَا فِيهَا مَا أَخْبَرَ بِهِ مِنَ الْغُيُوبِ الَّتِي وَقَعَتْ بَعْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طِبْقَ إِخْبَارِهِ، كَمَا شُوهِدَ ذَلِكَ عِيَانًا قَبْلَ زَمَانِنَا هَذَا، وَقَدْ أَوْرَدْنَا جُمْلَةَ ذَلِكَ فِي آخِرِ كِتَابِ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ مِنْ سِيرَتِهِ، وَذَكَرْنَا عِنْدَ كُلِّ زَمَانٍ مَا وَرَدَ فِيهِ مِنَ الْحَدِيثِ الْخَاصِّ بِهِ عِنْدَ ذِكْرِ حَوَادِثِ الزَّمَانِ، وَوَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ، كَمَا بَسَطْنَا فِي كُلِّ سَنَةٍ مَا حَدَثَ فِيهَا مِنَ الْأُمُورِ الْغَرِيبَةِ، وَتَرْجَمْنَا مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنْ مَشَاهِيرِ النَّاسِ; مِنَ الصِّحَابَةِ وَالْخُلَفَاءِ، وَالْمُلُوكِ وَالْوُزَرَاءِ وَالْأُمَرَاءِ، وَالْفُقَهَاءِ وَالصُّلَحَاءِ، وَالشُّعَرَاءِ وَالنُّحَاةِ وَالْأُدَبَاءِ، وَالْمُتَكَلِّمِينَ ذَوِي الْآرَاءِ، وَغَيْرِهِمْ مِنَ النُّبَلَاءِ، وَلَوْ أَعَدْنَا الْأَحَادِيثَ الْمَذْكُورَةَ

فِيمَا تَقَدَّمَ لَطَالَ ذَلِكَ، وَلَكِنْ نُشِيرُ إِلَى ذَلِكَ، إِشَارَةً لَطِيفَةً، ثُمَّ نَعُودُ إِلَى مَا قَصَدْنَا لَهُ هَاهُنَا وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ.
فَمِنْ ذَلِكَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِتِلْكَ الْمَرْأَةِ الَّتِي قَالَتْ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ أَجِدْكَ؟ كَأَنَّهَا تُرِيدُ الْمَوْتَ، فَقَالَ: " إِنْ لَمْ تَجِدِينِي فَأْتِي أَبَا بَكْرٍ ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، فَكَانَ الْقَائِمَ بِالْأَمْرِ بَعْدَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ لِلصِّدِّيقِ كِتَابًا بِالْخِلَافَةِ فَتَرَكَهُ; لِعِلْمِهِ أَنَّ أَصْحَابَهُ لَا يَعْدِلُونَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ إِلَى غَيْرِهِ; لِعِلْمِهِمْ بِسَابِقَتِهِ وَأَفْضَلِيَّتِهِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: يَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ ". وَهُوَ فِي الصَّحِيحِ أَيْضًا. وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي، أَبِي بَكْرٍ، وَعُمْرَ ". رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ. وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. وَقَدْ بَسَطْنَا الْقَوْلَ فِي هَذَا فِي فَضَائِلِ الشَّيْخَيْنِ.
وَالْمَقْصُودُ: أَنَّهُ وَقَعَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ؟ وَلِيَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ الْخِلَافَةَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ وَلِيَهَا بَعْدَهُ عُمَرُ، كَمَا أَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَوَاءً بِسَوَاءٍ.
وَرَوَى مَالِكٌ وَاللَّيْثُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنٍ لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا افْتَتَحْتُمْ مِصْرَ فَاسْتَوْصُوا بِالْقِبْطِ ". وَفِي رِوَايَةٍ: " فَاسْتَوْصُوا بِأَهْلِهَا خَيْرًا، فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا ". وَقَدِ افْتَتَحَهَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ

فِي سَنَةِ عِشْرِينَ، أَيَّامَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ أَرْضًا يُذْكَرُ فِيهَا الْقِيرَاطُ، فَاسْتَوْصُوا بِأَهْلِهَا خَيْرًا; فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا ".
وَقَدْ مُصِّرَ فِي أَيَّامِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الْمِصْرانِ; الْبَصْرَةُ وَالْكُوفَةُ. فَرَوَى أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الصَّبَّاحِ، ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، ثَنَا مُوسَى الْحَنَّاطُ - لَا أَعْلَمُ إِلَّا أَنَّهُ ذَكَرَهُ عَنْ مُوسَى بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَا أَنَسُ، إِنَّ النَّاسَ يُمَصِّرُونَ أَمْصَارًا، وَإِنَّ مِصْرًا مِنْهَا يُقَالُ لَهُ: الْبَصْرَةُ - أَوِ الْبُصَيْرَةُ - فَإِنْ أَنْتَ مَرَرْتَ بِهَا أَوْ دَخَلْتَهَا فَإِيَّاكَ وَسِبَاخَهَا وَكَلَّاءَهَا، وَسُوقَهَا وَأَبْوَابَ أُمَرَائِهَا، وَعَلَيْكَ بِضَوَاحِيهَا; فَإِنَّهُ يَكُونُ بِهَا خَسْفٌ وَقَذْفٌ وَرَجْفٌ، وَقَوْمٌ يُمْسَخُونَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ ".

خَبَرُ الْأُبُلَّةِ:
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ صَالِحِ بْنِ دِرْهَمٍ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: انْطَلَقْنَا حَاجِّينَ، فَإِذَا رَجُلٌ، فَقَالَ لَنَا: مِنْ أَيْنَ جِئْتُمْ؟

فَقُلْنَا: مِنْ بَلَدِ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ: إِنَّ بِجَنْبِكُمْ قَرْيَةً يُقَالُ لَهَا: الْأُبُلَّةُ؟ فَقُلْنَا: نَعَمْ. فَقَالَ: مَنْ يَضْمَنُ أَنْ يُصَلِّيَ لِي فِي مَسْجِدِ الْعَشَّارِ رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَرْبَعًا، وَيَقُولُ: هَذِهِ لِأَبِي هُرَيْرَةَ؟ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مِنْ مَسْجِدِ الْعَشَّارِ شُهَدَاءَ لَا يَقُومُ مَعَ شُهَدَاءِ بَدْرٍ غَيْرُهُمْ ".
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا ثَبَتَ عَنْهُ فِي " الصَّحِيحَيْنِ ": إِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لِتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ". وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ سَوَاءً بِسَوَاءٍ، فِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمْرَ، وَعُثْمَانَ; انْزَاحَتْ يَدُ قَيْصَرِ ذَلِكَ الْوَقْتِ - وَاسْمُهُ هِرَقْلُ - عَنْ بِلَادِ الشَّامِ وَالْجَزِيرَةِ، وَثَبَتَ مُلْكُهُ مَقْصُورًا عَلَى بِلَادِ الرُّومِ فَقَطُّ، وَالْعَرَبُ إِنَّمَا كَانُوا يُسَمُّونَ قَيْصَرَ لِمَنْ مَلَكَ بِلَادَ الرُّومِ مَعَ الشَّامِ وَالْجَزِيرَةِ. وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ بِشَارَةٌ عَظِيمَةٌ لِأَهْلِ الشَّامِ; وَهُوَ أَنَّ يَدَ مَلِكِ الرُّومِ لَا تَعُودُ إِلَيْهَا أَبَدَ الْآبِدِينَ. وَسَنُورِدُ هَذَا الْحَدِيثَ قَرِيبًا بِإِسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَمَّا كِسْرَى فَإِنَّهُ سُلِبَ عَامَّةَ مُلْكِهِ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، ثُمَّ اسْتُؤْصِلَ بَاقِيهُ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ، وَقُتِلَ فِي سَنَةِ ثِنْتَيْنِ وَثَلَاثِينَ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ، وَقَدْ بَسَطْنَا ذَلِكَ مُطَوَّلًا فِيمَا سَلَفَ، وَقَدْدَعَا عَلَى كِسْرَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ بَلَغَهُ أَنَّهُ مَزَّقَ كِتَابَهُ، بِأَنْ يُمَزَّقَ مُلْكُهُ كُلَّ مُمَزَّقٍ، فَوَقَعَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ.
وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ، وَجَامِعِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ، عَنْ

شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ،عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: أَيُّكُمْ يَحْفَظُ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْفِتْنَةِ؟ قُلْتُ: أَنَا. قَالَ: هَاتِ إِنَّكَ لِجَرِيءٌ. فَقُلْتُ: ذَكَرَ فِتْنَةَ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ، يُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ. فَقَالَ: لَيْسَ هَذَا أَعْنِي، إِنَّمَا أَعْنِي الَّتِي تَمُوجُ مَوْجَ الْبَحْرِ. فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا. فَقَالَ: وَيْحَكَ ! أَيُفْتَحُ الْبَابُ أَمْ يُكْسَرُ؟ قُلْتُ: بَلْ يُكْسَرُ. قَالَ: إِذًا لَا يُغْلَقُ أَبَدًا. قُلْتُ: أَجَلْ. فَقُلْنَا لِحُذَيْفَةَ: أَكَانَ عُمَرُ يَعْلَمُ مَنِ الْبَابُ؟ قَالَ: نَعَمْ; إِنِّي حَدَّثْتُهُ حَدِيثًا لَيْسَ بِالْأَغَالِيطِ. قَالَ: فَهِبْنَا أَنْ نَسْأَلَ حُذَيْفَةَ: مَنِ الْبَابُ؟ فَقُلْنَا لِمَسْرُوقٍ: سَلْهُ. فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: هُوَ عُمَرُ. وَهَكَذَا وَقَعَ الْأَمْرُ سَوَاءً بَعْدَ مَقْتَلِ عُمَرَ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ; وَقَعَتِ الْفِتَنُ بَيْنَ النَّاسِ بَعْدَ مَقْتَلِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَ انْتِشَارِهَا بَيْنَهُمْ.
وَأَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، عَلَى بَلْوَى تُصِيبُهُ، فَوَقَعَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ; حُصِرَ وَقُتِلَ صَابِرًا مُحْتَسِبًا شَهِيدًا، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا عِنْدَ مَقْتَلِهِ الْأَحَادِيثَ الَّتِي وَرَدَتْ بِالْإِنْذَارِ بِذَلِكَ، وَالْإِعْلَامِ بِهِ قَبْلَ كَوْنِهِ; فَوَقَعَ طِبْقَ ذَلِكَ سَوَاءً بِسَوَاءٍ. وَذَكَرْنَا مَا وَرَدَ مِنَ الْأَحَادِيثِ فِي الْجَمَلِ وَصِفِّينَ، فَوَقَعَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ. وَكَذَلِكَ الْإِخْبَارُ بِمَقْتَلِ عَمَّارٍ. وَمَا وَرَدَ فِي

الْأَحَادِيثِ بِمَقْتَلِ الْخَوَارِجِ الَّذِينَ قَتَلَهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَصَفَتِهِمْ، وَنَعْتِ ذِي الثُّدَيَّةِ مِنْهُمْ. كُلُّ ذَلِكَ قَدْ حَرَّرْنَاهُ فِيمَا سَلَفَ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. وَذَكَرْنَا عِنْدَ مَقْتَلِ عَلِيٍّ الْحَدِيثَ الْوَارِدَ فِي ذَلِكَ بِطُرُقِهِ، وَأَلْفَاظِهِ، وَتَقَدَّمَ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُمْهَانَ، عَنْ سَفِينَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الْخِلَافَةُ بَعْدِي ثَلَاثُونَ سَنَةً، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا ". وَقَدِ اشْتَمَلَتْ هَذِهِ الثَّلَاثُونَ سَنَةً عَلَى خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَعُمَرَ الْفَارُوقِ، وَعُثْمَانَ الشَّهِيدِ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الشَّهِيدِ أَيْضًا، وَكَانَ تَمَامُهَا وَخِتَامُهَا بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَلِيَهَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ بَعْدَ أَبِيهِ، وَعِنْدَ تَمَامِ الثَّلَاثِينَ نَزَلَ عَنِ الْأَمْرِ لِمُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، وَأَصْفَقَتِ الْبَيْعَةُ لِمُعَاوِيَةَ وَسُمِّيَ ذَلِكَ عَامَ الْجَمَاعَةِ، وَقَدْ بَسَطْنَا ذَلِكَ فِيمَا تَقَدَّمَ. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُسَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ - وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى جَانِبِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ -: " إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَسَيُصْلِحُ اللَّهُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ". وَهَكَذَا وَقَعَ.
وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلْحَانَ أَنَّ نَاسًا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَغْزُونَ الْبَحْرَ مَرَّتَيْنِ، وَأَنَّهَا تَكُونُ مَعَ الْأَوَّلِينَ، فَكَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، مَعَ مُعَاوِيَةَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ، حِينَ اسْتَأْذَنَ عُثْمَانَ فِي غَزْوِ قُبْرُسَ،

فَأَذِنَ لَهُ فَرَكِبَ الْمُسْلِمُونَ الْمَرَاكِبَ إِلَيْهَا وَفَتَحُوهَا قَسْرًا، وَتُوُفِّيَتْ أُمُّ حَرَامٍ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ، وَكَانَتْ أُمُّ حَرَامٍ مَعَ زَوْجِهَا عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، وَكَانَ مَعَ مُعَاوِيَةَ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ زَوْجَتُهُ فَاخِتَةُ بِنْتُ قَرَظَةَ. وَأَمَّا غَزْوَةُ الْبَحْرِ الثَّانِيَةُ فَكَانَتْ فِي سَنَةِ ثِنْتَيْنِ وَخَمْسِينَ فِي أَيَّامِ مُعَاوِيَةَ أَيْضًا، غَزَاهَا ابْنُهُ يَزِيدُ وَمَعَهُ الْجُنُودُ فَدَخَلُوا إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ، وَكَانَ مَعَهُ فِي هَذَا الْجَيْشِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَعْيَانِ الصَّحَابَةِ، مِنْهُمْ أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ خَالِدُ بْنُ زَيْدٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَمَاتَ هُنَالِكَ وَأَوْصَى إِلَى يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، أَنْ يَدْفِنَهُ تَحْتَ سَنَابِكِ الْخَيْلِ، وَأَنْ يُوغِلَ بِهِ إِلَى أَقْصَى مَا يُمْكِنُ أَنْ يَنْتَهِيَ بِهِ إِلَى نَحْوِ جِهَةِ الْعَدُوِّ، فَفَعَلَ ذَلِكَ.
وَتَفَرَّدَ الْبُخَارِيُّ بِمَا رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ الْأَسْوَدِ الْعَنْسِيِّ، عَنْ أُمِّ حَرَامٍ، أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ الْبَحْرَ قَدْ أَوْجَبُوا ". قَالَتْ أُمُّ حَرَامٍ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا فِيهِمْ؟ قَالَ: " أَنْتِ فِيهِمْ ". ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ مَدِينَةَ قَيْصَرَ مَغْفُورٌ لَهُمْ ". قُلْتُ: أَنَا فِيهِمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " لَا ".

ذِكْرُ قِتَالِ الْهِنْدِ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا الْبَرَاءُ، عَنِ الْحَسَنِ،عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي خَلِيلِي الصَّادِقُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " يَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْثٌ إِلَى السِّنْدِ وَالْهِنْدِ ". فَإِنْ أَنَا أَدْرَكْتُهُ فَاسْتُشْهِدْتُ فَذَاكَ، وَإِنْ أَنَا - فَذَكَرَ كَلِمَةً - رَجَعْتُ، فَأَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ الْمُحَرَّرُ; قَدْ أَعْتَقَنِي مِنَ النَّارِ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا، عَنْ هُشَيْمٍ، عَنْ سَيَّارٍ، عَنْ جَبْرِ بْنِ عُبَيْدَةَ،عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: وَعَدَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ الْهِنْدِ، فَإِنِ اسْتُشْهِدْتُ، كُنْتُ مِنْ خَيْرِ الشُّهَدَاءِ، وَإِنْ رَجَعْتُ فَأَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ الْمُحَرَّرُ. وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ هُشَيْمٍ وَزَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ سَيَّارٍ، عَنْ جَبْرٍ - وَيُقَالُ: جُبَيْرٌ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَذَكَرَهُ. وَقَدْ غَزَا الْمُسْلِمُونَ الْهِنْدَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ، فِي إِمَارَةِ مُعَاوِيَةَ أَيْضًا، فَجَرَتْ هُنَالِكَ أُمُورٌ قَدْ ذَكَرْنَاهَا مَبْسُوطَةً فِيمَا تَقَدَّمَ، وَقَدْ غَزَاهَا الْمَلِكُ السَّعِيدُ الْمَحْمُودُ مَحْمُودُ بْنُ سُبُكْتِكِينَ صَاحِبُ غَزْنَةَ وَمَا وَالَاهَا، فِي حُدُودِ أَرْبَعِمِائَةٍ، فَفَعَلَ هُنَالِكَ أَفْعَالًا مَشْهُورَةً، وَأُمُورًا مَشْكُورَةً؟ كَسَرَ الصَّنَمَ الْأَعْظَمَ الْمُسَمَّى بِسُومَنَاتَ، وَأَخَذَ قَلَائِدَهُ وَجَوَاهِرَهُ وَذَهَبَهُ وَشُنُوفَهُ، وَأَخَذَ مِنَ الْأَمْوَالِ مَا لَا

يُحْصَى، وَرَجَعَ إِلَى بِلَادِهِ سَالِمًا مُؤَيَّدًا مَنْصُورًا.
وَقَدْ كَانَ نُوَّابُ بَنِي أُمَيَّةَ يُقَاتِلُونَ الْأَتْرَاكَ، فِي أَقْصَى بِلَادِ السِّنْدِ وَالصِّينِ، وَقَهَرُوا مَلِكَهُمْ الْقَانَ الْأَعْظَمَ، وَمَزَّقُوا عَسَاكِرَهُ، وَاسْتَحْوَذُوا عَلَى أَمْوَالِهِ وَحَوَاصِلِهِ، وَقَدْ وَرَدَتِ الْأَحَادِيثُ بِذِكْرِ صِفَتِهِمْ وَنَعْتِهِمْ، وَلْنَذْكُرْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْإِيجَازِ: قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْمًا نِعَالُهُمُ الشَّعَرُ، وَحَتَّى تُقَاتِلُوا التُّرْكَ; صِغَارَ الْأَعْيُنِ، حُمْرَ الْوُجُوهِ، ذُلْفَ الْأُنُوفِ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ، وَتَجِدُونَ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ أَشَدَّهُمْ كَرَاهِيَةً لِهَذَا الْأَمْرِ، حَتَّى يَدْخُلَ فِيهِ، وَالنَّاسُ مَعَادِنُ; خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ، وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَى أَحَدِكُمْ زَمَانٌ لَأَنْ يَرَانِي أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلُ أَهْلِهِ وَمَالِهِ ". تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ. ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا خُوزًا وَكَرْمَانَ مِنَ الْأَعَاجِمِ، حُمْرَ الْوُجُوهِ فُطْسَ الْأُنُوفِ، كَأَنَّ

وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ، نِعَالُهُمُ الشَّعَرُ ". وَرَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْمًا كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ، نِعَالُهُمُ الشَّعَرُ "، وَأَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ سِوَى النَّسَائِيِّ، مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ بِهِ. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، كِلَاهُمَا عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ. قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: وَهُمْ أَهْلُ الْبَارَزِ. كَذَا قَالَ سُفْيَانُ، وَلَعَلَّهُ: الْبَازَرُ، وَهُوَ سُوقُ الْفُسُوقِ الَّذِي لَهُمْ.
حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ تَغْلِبَ: وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، سَمِعْتُ الْحَسَنَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ تُقَاتِلُوا قَوْمًا نِعَالُهُمُ الشَّعَرُ " أَوْ: " يَنْتَعِلُونَ الشَّعَرَ " - وَإِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ تُقَاتِلُوا قَوْمًا عِرَاضَ الْوُجُوهِ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ ". وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ.

وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ بْنِ الْحُصَيْبِ الْأَسْلَمِيِّ. قَالَ أَحْمَدُ: ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، ثَنَا بَشِيرُ بْنُ الْمُهَاجِرِ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: إِنَّ أُمَّتِي يَسُوقُهَا قَوْمٌ صِغَارُ الْأَعْيُنِ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْحَجَفُ، ثَلَاثَ مِرَارٍ " حَتَّى يُلْحِقُوهُمْ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ; أَمَّا السِّيَاقَةُ الْأُولَى فَيَنْجُو مَنْ هَرَبَ مِنْهُمْ، أَمَّا الثَّانِيَةُ فَيَنْجُو بَعْضٌ وَيَهْلِكُ بَعْضٌ، وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَيُصْطَلَمُونَ كُلُّهُمْ مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ هُمْ؟ قَالَ: " التُّرْكُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لِيَرْبِطُنَّ خُيُولَهُمْ بِسَوَارِي مَسْجِدِ الْمُسْلِمِينَ ". قَالَ: فَكَانَ بُرَيْدَةُ لَا يُفَارِقُهُ بَعِيرَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ وَمَتَاعٌ بَعْدَ ذَلِكَ لِلْهَرَبِ; لِمَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْبَلَاءِ فِي التُّرْكِ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي كِتَابِ الْمَلَاحِمِ مِنْ " سُنَنِهِ " عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُسَافِرٍ، عَنْ خَلَّادِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ بَشِيرِ بْنِ الْمُهَاجِرِ. وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى عَنْهُ، بِهِ، وَفِيهِ: قَوْمٌ صِغَارُ الْعُيُونِ، عِرَاضُ الْوُجُوهِ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْحَجَفُ، يُلْحِقُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ بِمَنَابِتِ

الشِّيحِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ; أَمَّا الْمَرَّةُ الْأُولَى فَيَنْجُو مَنْ هَرَبَ، وَأَمَّا الْمَرَّةُ الثَّانِيَةُ فَيَنْجُو بَعْضٌ، وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَيَهْلِكُونَ جَمِيعًا، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَقَدْ رَبَطُوا خُيُولَهُمُ بِسَوَارِي الْمَسْجِدِ ". قِيلَ: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " هُمُ التُّرْكُ ".
حَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ الثَّقَفِيِّ فِي ذَلِكَ:
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا أَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، ثَنَا الْحَشْرَجُ بْنُ نُبَاتَةَ الْقَيْسِيُّ الْكُوفِيُّ، ثَنَا سَعِيدُ بْنُ جُمْهَانَ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ، حَدَّثَنِي أَبِي فِي هَذَا الْمَسْجِدِ مَسْجِدِ الْبَصْرَةِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لِتَنْزِلَنَّ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي أَرْضًا يُقَالُ لَهَا: الْبَصْرَةُ. فَيَكْثُرُ بِهَا عَدَدُهُمْ وَنَخْلُهُمْ، ثُمَّ يَجِيءُ بَنُو قَنْطُورَاءَ، عِرَاضُ الْوُجُوهِ، صِغَارُ الْعُيُونِ، حَتَّى يَنْزِلُوا عَلَى جِسْرٍ لَهُمْ يُقَالُ لَهُ: دِجْلَةَ. فَيَفْتَرِقَ الْمُسْلِمُونَ ثَلَاثَ فِرَقٍ؟ فَأَمَّا فِرْقَةٌ فَتَأْخُذُ بِأَذْنَابِ الْإِبِلِ فَتَلْحَقُ بِالْبَادِيَةِ، فَهَلَكَتْ، وَأَمَّا فِرْقَةٌ فَتَأْخُذُ عَلَى أَنْفُسِهَا، فَكَفَرَتْ، فَهَذِهِ وَتِلْكَ سَوَاءٌ، وَأَمَّا فِرْقَةٌ فَيَجْعَلُونَ عِيَالَهُمْ خَلْفَ ظُهُورِهِمْ وَيُقَاتِلُونَ، فَقَتْلَاهُمْ شُهَدَاءُ، وَيَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى بَقِيَّتِهِمْ ".
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَلَاحِمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ، عَنْ

عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُمْهَانَ، ثَنَا مُسْلِمُ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَنْزِلُ أُنَاسٌ مِنْ أُمَّتِي بِغَائِطٍ يُسَمُّونَهُ الْبَصْرَةَ عِنْدَ نَهْرٍ يُقَالُ لَهُ: دِجْلَةُ. يَكُونُ عَلَيْهِ جِسْرٌ، يَكْثُرُ أَهْلُهَا، وَتَكُونُ مِنْ أَمْصَارِ الْمُهَاجِرِينَ - وَفِي لَفْظٍ: الْمُسْلِمِينَ - فَإِذَا كَانَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ جَاءَ بَنُو قَنْطُورَاءَ عِرَاضُ الْوُجُوهِ صِغَارُ الْأَعْيُنِ، حَتَّى يَنْزِلُوا عَلَى شَطِّ النَّهْرِ، فَيَتَفَرَّقَ الْمُهَاجِرُونَ ثَلَاثَ فِرَقٍ، فِرْقَةٌ تَأْخُذُ بِأَذْنَابِ الْبَقَرِ وَالْبَرِّيَّةِ وَهَلَكُوا، وَفِرْقَةٌ يَأْخُذُونَ لِأَنْفُسِهِمْ وَكَفَرُوا، وَفِرْقَةٌ يَجْعَلُونَ ذَرَارِيَّهَمْ خَلْفَ ظُهُورِهِمْ، وَيُقَاتِلُونَهُمْ، وَهُمُ الشُّهَدَاءُ ".
وَتَقَدَّمَ حَدِيثُ أَنَسٍ فِي ذِكْرِ الْبَصْرَةِ، الَّتِي مُصِّرَتْ فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ.
وَرَوَى مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ يَعْقُوبَ الْإِسْكَنْدَرَانِيِّ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ التُّرْكَ، قَوْمًا كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ، يَلْبَسُونَ الشَّعَرَ ". وَهَذَا لَفْظُ أَبِي دَاوُدَ.

وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ، فَقَالَ أَحْمَدُ ثَنَا عَمَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ ابْنُ أُخْتِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْمًا صِغَارَ الْأَعْيُنِ، عِرَاضَ الْوُجُوهِ، كَأَنَّ أَعْيُنَهُمْ حَدَقُ الْجَرَادِ، وَكَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ، يَنْتَعِلُونَ الشَّعَرَ، وَيَتَّخِذُونَ الدَّرَقَ حَتَّى يَرْبِطُوا خُيُولَهُمْ بِالنَّخْلِ ". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.

حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ فِي قِتَالِ التُّرْكِ:
قَالَ أَبُو يَعْلَى: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْبَصْرِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْغَمْرِ، مَوْلَى سَمُوكٍ، ثَنَا أَبِي، عَنْ جَدِّي، سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ حُدَيْجٍ يَقُولُ: كُنْتُ عِنْدَ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ إِذْ جَاءَهُ كِتَابُ عَامِلِهِ يُخْبِرُ أَنَّهُ أَوْقَعَ بِالتُّرْكِ وَهَزَمَهُمْ، وَبِكَثْرَةِ مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ وَكَثْرَةِ مَا غُنِمَ مِنْهُمْ، فَغَضِبَ مُعَاوِيَةُ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ أَمَرَ أَنْ يُكْتَبَ إِلَيْهِ: قَدْ فَهِمْتُ مَا ذَكَرْتَ مِمَّا قَتَلْتَ وَغَنِمْتَ فَلَا أَعْلَمَنَّ أَنَّكَ عُدْتَ إِلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا تُقَاتِلْهُمْ حَتَّى يَأْتِيَكَ

أَمْرِي. فَقُلْتُ لَهُ: وَلِمَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ التُّرْكَ تُحَارِبُ الْعَرَبَ حَتَّى تُلْحِقَهَا بِمَنَابِتِ الشِّيحِ وَالْقَيْصُومِ ". فَأَكْرَهُ قِتَالَهُمْ لِذَلِكَ. طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ مُعَاوِيَةَ: قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ الْعَلَّافُ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ الْحَرَّانِيُّ، ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ كَعْبِ بْنِ عَلْقَمَةَ التَّنُوخِيِّ، ثَنَا حَسَّانُ بْنُ كُرَيْبٍ الْحِمْيَرِيُّ، سَمِعْتُ ابْنَ ذِي الْكَلَاعِ يَقُولُ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: اتْرُكُوا التُّرْكَ. مَا تَرَكُوكُمْ ". وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ فِي كِتَابِ " الْمَلَاحِمِ "، ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْعَطَّارُ وَأَبُو الْمُغِيرَةِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ قَالَ: يَنْزِلُ التُّرْكُ آمِدَ وَيَشْرَبُونَ مِنْ نَهْرِ الدِّجْلَةِ وَالْفُرَاتِ، سَبْعُونَ أَلْفًا، وَيَسْعَوْنَ فِي الْجَزِيرَةِ وَأَهْلِ الْإِسْلَامِ، فِي الْحِيرَةِ، لَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ شَيْئًا، فَيَبْعَثُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثَلْجًا بِغَيْرِ كَيْلٍ فِيهِ صِرٌّ مِنْ رِيحٍ شَدِيدَةٍ وَجَلِيدٍ، فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ. فَيَرْجِعُونَ فَيَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَهُمْ وَكَفَاكُمُ الْعَدُوَّ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ، قَدْ هَلَكُوا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ. وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ التُّرْكَ قَاتَلَهُمُ الصَّحَابَةُ، فَهَزَمُوهُمْ، وَغَنِمُوهُمْ، وَسَبَوْا نِسَاءَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ، وَظَاهِرُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ قِتَالَهُمْ يَكُونُ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ،

وَأَشْرَاطُهَا لَا تَكُونُ إِلَّا بَيْنَ يَدَيْهَا قَرِيبًا مِنْهَا، فَقَدْ يَكُونُ هَذَا وَاقِعًا مَرَّةً أُخْرَى عَظِيمَةً بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالتُّرْكِ، حَتَّى يَكُونَ آخِرَ ذَلِكَ قِتَالُهُمْ مَعَ الدَّجَّالِ، وَيَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، كَمَا سَيَأْتِي ذِكْرُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ أَشْرَاطُ السَّاعَةِ أَعَمَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ يَدَيْهَا قَرِيبًا مِنْهَا، أَوْ يَكُونَ مِمَّا يَقَعُ فِي الْجُمْلَةِ، حَتَّى وَلَوْ تَقْدَّمَ قَبْلَهَا بِدَهْرٍ طَوِيلٍ، إِلَّا أَنَّهُ مِمَّا يَقَعُ بَعْدَ زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَظْهَرُ بَعْدَ تَأَمُّلِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي هَذَا الْبَابِ، كَمَا تَرَى ذَلِكَ قَرِيبًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا وَرَدَ فِي مَقْتَلِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ بِكَرْبَلَاءَ، فِي أَيَّامِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، كَمَا سَلَفَ. وَمَا وَرَدَ مِنَ الْأَحَادِيثِ فِي ذِكْرِ خُلَفَاءِ بَنِي أُمَيَّةَ وَأُغَيْلِمَةِ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ; قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، أَخْبَرَنِي جَدِّي سَعِيدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: هَلَكَةُ أُمَّتِي عَلَى يَدَيْ غِلْمَةٍ ". فَقَالَ مَرْوَانُ، وَهُوَ مَعَنَا فِي الْحَلْقَةِ قَبْلَ أَنْ يَلِيَ شَيْئًا: لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ غِلْمَةً. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَمَا وَاللَّهِ لَوْ أَشَاءُ أَنْ أَقُولَ بَنِي فَلَانٍ، وَبَنِي فَلَانٍ لَفَعَلْتُ. قَالَ: فَكُنْتُ أَخْرُجُ مَعَ أَبِي وَجَدِّي إِلَى بَنِي مَرْوَانَ بَعْدَ مَا مَلَكُوا، فَإِذَا هُمْ يُبَايِعُونَ

الصِّبْيَانَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُبَايَعُ لَهُ وَهُوَ فِي خِرْقَةٍ. قَالَ لَنَا: هَلْ عَسَى أَصْحَابُكُمْ هَؤُلَاءِ أَنْ يَكُونُوا الَّذِينَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَذْكُرُ أَنَّ هَذِهِ الْمُلُوكَ يُشْبِهُ بَعْضُهَا بَعْضًا. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِنَحْوِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَقَدْ حَرَّرْنَاهَا فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ.
وَتَقَدَّمَ الْحَدِيثُ فِي ذِكْرِ الْكَذَّابِ وَالْمُبِيرِ مِنْ ثَقِيفٍ، فَالْكَذَّابُ هُوَ الْمُخْتَارُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ الَّذِي ظَهَرَ بِالْكُوفَةِ أَيَّامَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَكَانَ رَافِضِيًّا خَبِيثًا،. بَلْ كَانَ يُنْسَبُ إِلَى الزَّنْدَقَةِ، وَادَّعَى أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ، وَقَدْ قَتَلَهُ مُصْعَبُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَأُمَّا الْمُبِيرُ فَهُوَ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ الثَّقَفِيُّ، الَّذِي قَتَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ، وَكَانَ نَاصِبِيًّا جَبَّارًا عَنِيدًا، عَكْسَ الْأَوَّلِ فِي الرَّفْضِ. وَتَقَدَّمَ حَدِيثُ الرَّايَاتِ السُّودِ الَّتِي جَاءَ بِهَا بَنُو الْعَبَّاسِ مِنْ خُرَاسَانَ لَمَّا اسْتَلَبُوا الْمُلْكَ مِنْ أَيْدِي بَنِي أُمَيَّةَ، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ ثِنْتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ، أَخَذُوا الْخِلَافَةَ مِنْ مَرْوَانَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ بْنِ الْعَاصِ وَيُعَرَفُ بِمَرْوَانَ الْحِمَارِ الْجَعْدِيِّ; لِاشْتِغَالِهِ عَلَى الْجَعْدِ بْنِ دِرْهَمٍ الْمُعْتَزِلِيِّ، وَكَانَ آخِرَ خُلَفَاءِ بَنِي أُمَيَّةَ، فَصَارَتِ الْخِلَافَةُ إِلَى السَّفَّاحِ أَوَّلِ خُلَفَاءِ بَنِي الْعَبَّاسِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِاسْمِهِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ

عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ بَدَأَ هَذَا الْأَمْرَ نُبُوَّةً وَرَحْمَةً، وَكَائِنًا خِلَافَةً وَرَحْمَةً، وَكَائِنًا مُلْكًا عَضُوضًا، وَكَائِنًا عِزَّةً وَجَبْرِيَّةً وَفَسَادًا فِي الْأُمَّةِ، يَسْتَحِلُّونَ الْفُرُوجَ، وَالْخُمُورَ، وَالْحَرِيرَ، وَيُنْصَرُونَ عَلَى ذَلِكَ، وَيُرْزَقُونَ أَبَدًا، حَتَّى يَلْقَوُا اللَّهَ ". وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ الْجُمَحِيِّ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَكُونُ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ خُلَفَاءُ يَعْمَلُونَ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَيَعْدِلُونَ فِي عِبَادِ اللَّهِ، ثُمَّ يَكُونُ مِنْ بَعْدِ الْخُلَفَاءِ مُلُوكٌ يَأْخُذُونَ بِالثَّأْرِ، وَيَقْتُلُونَ الرِّجَالَ، وَيَصْطَفُونَ الْأَمْوَالَ، فَمُغَيِّرٌ بِيَدِهِ، وَمُغَيِّرٌ بِلِسَانِهِ، وَمُغَيِّرٌ بِقَلْبِهِ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الْإِيمَانِ شَيْءٌ ".
وَثَبَتَ فِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، عَنْ فُرَاتٍ الْقَزَّازِ، عَنْ

أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الْأَنْبِيَاءُ; كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي، وَإِنَّهُ سَيَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ ". قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " فُوا بِبَيْعَةِ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ، وَأَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ; فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ ".
وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا كَانَ نَبِيٌّ إِلَّا كَانَ لَهُ حَوَارِيُّونَ يَهْدُونَ بِهَدْيهِ، وَيَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِهِ، ثُمَّ يَكُونُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، وَيَعْمَلُونَ مَا يُنْكِرُونَ ".
وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَكُونُ اثَنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ ". وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَا يَزَالُ هَذَا الدِّينُ قَائِمًا حَتَّى يَكُونَ اثَنَا عَشَرَ خَلِيفَةً ". وَفِي رِوَايَةٍ: لَا تَزَالُ هَذِهِ الْأُمَّةُ مُسْتَقِيمًا أَمْرُهَا، ظَاهِرَةً عَلَى عَدُوِّهَا، حَتَّى يَمْضِيَ مِنْهُمُ اثَنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ ". قَالُوا: ثُمَّ يَكُونُ مَاذَا؟ قَالَ: " يَكُونُ الْهَرْجُ ".
فَهَؤُلَاءِ الْخُلَفَاءُ الْمُبَشَّرُ بِهِمْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَيْسُوا بِالْاثْنَيْ عَشَرَ الَّذِينَ تَزْعُمُهُمُ

الرَّوَافِضُ، فَإِنَّ ذَلِكَ كَذِبٌ وَبُهْتَانٌ مِنْهُمْ، لِأَنَّ أَكْثَرَ أُولَئِكَ لَمْ يَلِ أَحَدٌ مِنْهُمْ شَيْئًا مِنْ أَعْمَالِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فِي خِلَافَةٍ، بَلْ وَلَا فِي بَلَدٍ مِنَ الْبُلْدَانِ، وَإِنَّمَا وَلِىَ مِنْهُمْ عَلَيٌّ وَابْنُهُ الْحَسَنُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ هَؤُلَاءِ الِاثْنَيْ عَشْرَ الَّذِينَ تَتَابَعَتْ وِلَايَتُهُمْ سَرْدًا إِلَى أَثَنَاءِ دَوْلَةِ بَنِي أُمَيَّةَ; لِأَنَّ حَدِيثَ سَفِينَةَ: الْخِلَافَةُ بَعْدِي ثَلَاثُونَ سَنَةً ". يَمْنَعُ مِنْ هَذَا الْمَسْلَكِ، وَإِنْ كَانَ الْبَيْهَقِيُّ قَدْ رَجَّحَهُ، وَقَدْ بَحَثَنَا مَعَهُ فِي كِتَابِ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، وَلَكِنَّ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةَ الِاثْنَيْ عَشَرَ وُجِدَ مِنْهُمُ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ: أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ، ثُمَّ عَلِيٌّ، وَابْنُهُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ أَيْضًا، وَمِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، كَمَا هُوَ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ، وَجُمْهُورِ الْأُمَّةِ، وَكَذَلِكَ وُجِدَ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي الْعَبَّاسِ، وَسَيُوجَدُ بَقِيَّتُهُمْ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ مِنَ الزَّمَانِ، حَتَّى يَكُونَ مِنْهُمُ الْمَهْدِيُّ الْمُبَشَّرُ بِهِ فِي الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِيهِ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهَا، وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ، وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ، وَقَدْ نَصَّ عَلَى هَذَا الَّذِي قُلْنَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، كَمَا قَرَّرْنَا ذَلِكَ.

حَدِيثُ عُبَادَةَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمَا بَعْدَ الْمِائَةِ سَنَةٍ:
قَالَ أَحْمَدُ: ثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي عَطَاءٍ يَزِيدَ بْنِ عَطَاءٍ السَّكْسَكِيِّ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ شَقْرَاءَ، عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ، أَنَّهُ سَمِعَ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ يَذْكُرُأَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا مُدَّةُ أُمَّتِكَ فِي الرَّخَاءِ؟ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا، حَتَّى سَأَلَهُ ثَلَاثَ مِرَارٍ، كُلُّ ذَلِكَ لَا يُجِيبُهُ، ثُمَّ انْصَرَفَ الرَّجُلُ، ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَيْنَ السَّائِلُ " ؟ فَرَدُّوهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ:

" سَأَلْتَنِي عَنْ شَيْءٍ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِي; مُدَّةُ أُمَّتِي مِنَ الرَّخَاءِ مِائَةُ سَنَةٍ ". قَالَهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَهَلْ لِذَلِكَ مِنْ أَمَارَةٍ أَوْ عَلَامَةٍ أَوْ آيَةٍ؟ فَقَالَ: " نَعَمْ، الْخَسْفُ وَالرَّجْفُ وَإِرْسَالُ الشَّيَاطِينِ الْمُجْلِبَةِ عَلَى النَّاسِ ". وَفِي " مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى "، وَالْبَزَّارِ مِنْ حَدِيثِ مُصْعَبِ بْنِ مُصْعَبٍ، وَلَا أَعْرِفُهُ إِلَّا عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تُرْفَعُ زِينَةُ الدُّنْيَا سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ ". هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا.

حَدِيثٌ فِيمَا بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ مِنَ الْهِجْرَةِ قَالَ
ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْخَلَّالُ، حَدَّثَنَا عَوْنُ بْنُ عُمَارَةَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى بْنِ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْآيَاتُ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ ". ثُمَّ أَوْرَدَهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ، وَلَا يَصِحُّ، وَلَوْ صَحَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا وَقَعَ مِنَ الْفِتْنَةِ بِسَبَبِ الْقَوْلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ، وَمِحْنَةِ الْإِمَامِ

أَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ، كَمَا بَسَطْنَا ذَلِكَ هُنَالِكَ.
وَرَوَى رَوَّادُ بْنُ الْجَرَّاحِ - وَهُوَ مُنْكَرُ الرِّوَايَةِ - عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ مَرْفُوعًا: " خَيْرُكُمْ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ خَفِيفُ الْحَاذِ ". قَالُوا: وَمَا خَفِيفُ الْحَاذِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " مَنْ لَا أَهْلَ لَهُ، وَلَا مَالَ وَلَا وَلَدَ ". وَهَذَا مُنْكَرٌ.
وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ، عَنْ زَهْدَمِ بْنِ مُضَرِّبٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَيْرُ أُمَّتِي قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ". قَالَ عِمْرَانُ: فَلَا أَدْرِي ذَكَرَ بَعْدَ قَرْنِهِ قَرْنَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةً: " ثُمَّ إِنَّ بَعْدَكُمْ قَوْمًا يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ، وَيَنْذِرُونَ وَلَا يُوفُونَ، وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ ". لَفَظُ الْبُخَارِيِّ.

ذِكْرُ سَنَةِ خَمْسِمِائَةٍ
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنِي صَفْوَانُ، عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:

إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ لَا تَعْجِزَ أُمَّتِي عِنْدَ رَبِّهَا أَنْ يُؤَخِّرَهَا نِصْفَ يَوْمٍ ". قِيلَ لِسَعْدٍ: وَكَمْ نِصْفُ يَوْمٍ؟ قَالَ: خَمْسُمِائَةِ سَنَةٍ. تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ.
وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ مِنْ قَوْلِهِ مِثْلَ ذَلِكَ. وَهَذَا التَّحْدِيدُ بِهَذِهِ الْمُدَّةِ لَا يَنْفِي مَا يَزِيدُ عَلَيْهَا، إِنْ صَحَّ رَفْعُ الْحَدِيثِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَأَمَّا مَا يُورِدُهُ كَثِيرٌ مِنَ الْعَامَّةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يُؤَلَّفُ تَحْتَ الْأَرْضِ. فَهُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ وَكَلَامِهِمْ، وَلَيْسَ لَهُ أَصْلٌ وَلَا ذِكْرٌ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ الْمُعْتَمَدَةِ، وَلَا سَمِعْنَاهُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْمَبْسُوطَاتِ، وَالْأَجْزَاءِ الْمُخْتَصَرَاتِ، وَلَا ثَبَتَ فِي حَدِيثٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ حَدَّ السَّاعَةَ بِمُدَّةٍ مَحْصُورَةٍ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ شَيْئًا مِنْ أَشْرَاطِهَا وَأَمَارَاتِهَا وَعَلَامَاتِهَا، عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

ذِكْرُ الْخَبَرِ الْوَارِدِ فِي ظُهُورِ نَارٍ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ أَضَاءَتْ لَهَا أَعْنَاقُ الْإِبِلِ بِبُصْرَى مِنْ أَرْضِ الشَّامِ، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَسِتِّمِائَةٍ
قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، أَخْبَرَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَخْرُجَ نَارٌ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ تُضِيءُ أَعْنَاقَ الْإِبِلِ بِبُصْرَى ".
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، بِهِ.
وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، وَمِنْ خَطِّهِ نَقَلْتُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَاصِمٍ النَّبِيلِ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ عَلِيٍّ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ رَافِعِ بْنِ بِشْرٍ السَّلَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَخْرُجُ نَارٌ تُضِيءُ أَعْنَاقَ الْإِبِلِ بِبُصْرَى، تَسِيرُ سَيْرَ بَطِيئَةِ الْإِبِلِ، تَسِيرُ النَّهَارَ وَتُقِيمُ اللَّيْلَ، تَغْدُو وَتَرُوحُ، فَيُقَالُ: أَيُّهَا النَّاسُ، قَدْ غَدَتِ النَّارُ فَاغْدُوا. أَوْ: قَالَتِ النَّارُ أَيُّهَا النَّاسُ فَقِيلُوا. غَدَتِ النَّارُ أَيُّهَا النَّاسُ فَرُوحُوا. مَنْ أَدْرَكَتْهُ أَكَلَتْهُ ". هَكَذَا رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ، وَهُوَ

فِي " مُسْنَدِ أَحْمَدَ " مِنْ رِوَايَةِ رَافِعِ بْنِ بِشْرٍ السَّلَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدُونِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ إِلَى: " تُضِيءُ أَعْنَاقَ الْإِبِلِ بِبُصْرَى ". وَهُوَ الصَّوَابُ; فَإِنَّ هَذِهِ النَّارَ الَّتِي ذَكَرَ أَبُو نُعَيْمٍ هِيَ النَّارُ الَّتِي تَسُوقُ النَّاسَ إِلَى أَرْضِ الْمَحْشَرِ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ قَرِيبًا.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، ثَنَا أَبِي، سَمِعْتُ الْأَعْمَشَ يُحَدِّثُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ حِمَازٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ:أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَزَلْنَا ذَا الْحُلَيْفَةِ فَتَعَجَّلَتْ رِجَالٌ مِنَّا إِلَى الْمَدِينَةِ، وَبَاتَ رَسُولُ اللَّهِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ سَأَلَ عَنْهُمْ، فَقِيلَ: تَعَجَّلُوا إِلَى الْمَدِينَةِ. فَقَالَ: " تَعَجَّلُوا إِلَى الْمَدِينَةِ وَالنِّسَاءِ، أَمَا إِنَّهُمْ سَيَدَعُونَهَا أَحْسَنَ مَا كَانَتْ ". ثُمَّ قَالَ: " لَيْتَ شِعْرِي، مَتَى تَخْرُجُ نَارٌ مِنَ الْيَمَنِ مِنْ جَبَلِ الْوَرَاقِ تُضِيءُ لَهَا أَعْنَاقُ الْإِبِلِ بُرُوكًا بِبُصْرَى كَضَوْءِ النَّهَارِ ". وَهَذَا الْإِسْنَادُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَكَأَنَّهُ مِمَّا اشْتَبَهَ عَلَى بَعْضِ الرُّوَاةِ، فَإِنَّ النَّارَ الَّتِي تَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ عَدَنَ مِنَ الْيَمَنِ، هِيَ الَّتِي تَسُوقُ النَّاسَ الْمَوْجُودِينَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ إِلَى الْمَحْشَرِ، وَأَمَّا النَّارُ الَّتِي تُضِيءُ لَهَا أَعْنَاقُ الْإِبِلِ، فَتِلْكَ تَخْرُجُ مِنْ أَرْضِ الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ.
وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ أَبُو شَامَةَ - وَكَانَ شَيْخَ الْمُحَدِّثِينَ فِي زَمَانِهِ،

وَأُسْتَاذَ الْمُؤَرِّخِينَ فِي أَوَانِهِ - أَنَّ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَسِتِّمِائَةٍ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةَ خَامِسِ جُمَادَى الْآخِرَةِ مِنْهَا ظَهَرَتْ نَارٌ بِأَرْضِ الْحِجَازِ فِي أَرْضِ الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ، فِي بَعْضِ تِلْكَ الْأَوْدِيَةِ، طُولَ أَرْبَعَةِ فَرَاسِخَ وَعَرْضَ أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ، تُسِيلُ الصَّخْرَ، حَتَّى يَبْقَى مِثْلَ الْآنُكِ، ثُمَّ يَصِيرُ مِثْلَ الْفَحْمِ الْأَسْوَدِ، وَأَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَسِيرُونَ عَلَى ضَوْئِهَا بِاللَّيْلِ إِلَى تَيْمَاءَ، وَأَنَّهَا اسْتَمَرَّتْ شَهْرًا، وَقَدْ ضَبَطَ ذَلِكَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ، وَعَمِلُوا فِيهَا أَشْعَارًا، وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِيمَا تَقَدَّمَ.
وَأَخْبَرَنِي قَاضِي الْقُضَاةِ صَدَرُ الدِّينِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ الْحَنَفِيُّ، قَاضِيهِمْ بِدِمَشْقَ، عَنْ وَالِدِهِ الشَّيْخِ صَفِيِّ الدِّينِ مُدَرِّسِ الْحَنَفِيَّةِ بِبُصْرَى، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَعْرَابِ صَبِيحَةَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ، مِمَّنْ كَانَ بِحَاضِرَةِ بَلَدِ بُصْرَى، أَنَّهُمْ شَاهَدُوا أَعْنَاقَ الْإِبِلِ فِي ضَوْءِ هَذِهِ النَّارِ الَّتِي ظَهَرَتْ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُ ذَلِكَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَسِتِّمِائَةٍ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ عَنْ إِعَادَتِهِ هُنَا.

ذِكْرُ إِخْبَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْغُيُوبِ الْمُسْتَقْبَلَةِ بَعْدَ زَمَانِنَا هَذَا
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا عَزْرَةُ بْنُ ثَابِتٍ، حَدَّثَنَا عِلْبَاءُ بْنُ أَحْمَرَ الْيَشْكُرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ، قَالَ:صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الصُّبْحِ، ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَخَطَبَنَا حَتَّى حَضَرَتِ الظُّهْرُ، ثُمَّ نَزَلَ

فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَخَطَبَنَا حَتَّى حَضَرَتِ الْعَصْرُ، ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَنَا، حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ، فَحَدَّثَنَا بِمَا كَانَ، وَمَا هُوَ كَائِنٌ، فَأَعْلَمُنَا أَحْفَظُنَا.
وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مُنْفَرِدًا بِهِ فِي كِتَابِ الْفِتَنِ مِنْ " صَحِيحِهِ "، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيِّ، وَحَجَّاجِ بْنِ الشَّاعِرِ، عَنْ أَبِي عَاصِمٍ الضَّحَّاكِ بْنِ مَخْلَدٍ النَّبِيلِ، عَنْ عَزْرَةَ، عَنْ عِلْبَاءَ، عَنْ أَبِي زَيْدٍ - وَهُوَ عَمْرُو بْنُ أَخْطَبَ. بْنِ رِفَاعَةَ - الْأَنْصَارِيِّ بِهِ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ بَدْءِ الْخَلْقِ مِنْ " صَحِيحِهِ ": رُوِيَ عَنْ عِيسَى بْنِ مُوسَى غُنْجَارٍ، عَنْ رَقَبَةَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ:قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَامًا، فَأَخْبَرَنَا عَنْ بَدْءِ الْخَلْقِ، حَتَّى دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ مُنَازِلَهُمْ، وَأَهْلُ النَّارِ مُنَازِلَهُمْ، حَفِظَ ذَلِكَ مَنْ حَفِظَهُ، وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ. هَكَذَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ مُعَلَّقًا بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ عَنْ عِيسَى غُنْجَارٍ، عَنْ رَقَبَةَ وَهُوَ ابْنُ مَصْقَلَةَ، قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ الدِّمَشْقِيُّ فِي " الْأَطْرَافِ ": وَإِنَّمَا رَوَاهُ عِيسَى غُنْجَارٌ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ رَقَبَةَ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْفِتَنِ مِنْ " سُنَنِهِ ": حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ،عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا، فَمَا تَرَكَ شَيْئًا يَكُونُ فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ إِلَّا حَدَّثَهُ، حَفِظَهُ مَنْ حَفِظَهُ، وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ، قَدْ عَلِمَهُ أَصْحَابِي هَؤُلَاءِ، وَإِنَّهُ لَيَكُونُ مِنْهُ الشَّيْءُ فَأَذْكُرُهُ كَمَا يَذْكُرُ الرَّجُلُ وَجْهَ الرَّجُلِ إِذَا غَابَ عَنْهُ، ثُمَّ إِذَا رَآهُ عَرَفَهُ. وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جَرِيرٍ، كِلَاهُمَا عَنِ الْأَعْمَشِ بِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ:صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْعَصْرِ ذَاتَ يَوْمٍ بِنَهَارٍ، ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَنَا إِلَى أَنْ غَابَتِ الشَّمْسُ، فَلَمْ يَدَعْ شَيْئًا مِمَّا يَكُونُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا حَدَّثَنَاهُ، حَفِظَ ذَلِكَ مَنْ حَفِظَ، وَنَسِيَ ذَلِكَ مَنْ نَسِيَ، فَكَانَ مِمَّا قَالَ: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ الدُّنْيَا خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَنَاظِرٌ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا، وَاتَّقُوا النِّسَاءَ ". وَذَكَرَ تَمَامَهَا إِلَى أَنْ قَالَ: " وَقَدْ دَنَتِ الشَّمْسُ أَنْ تَغْرُبَ، وَإِنَّ مَا بَقِيَ مِنَ الدُّنْيَا فِيمَا مَضَى مِنْهَا مِثْلُ مَا بَقِيَ مِنْ يَوْمِكُمْ هَذَا فِيمَا مَضَى مِنْهُ ".
عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ التَّيْمِيُّ لَهُ غَرَائِبُ وَمُنْكَرَاتٌ، وَلَكِنْ لِهَذَا الْحَدِيثِ

شَوَاهِدُ مِنْ وُجُوهٍ أُخَرَ. وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ "، مِنْ طَرِيقِ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ بَعْضُهُ، وَفِيهِ الدِّلَالَةُ عَلَى مَا هُوَ الْمَقْطُوعُ بِهِ; أَنَّ مَا بَقِيَ مِنَ الدُّنْيَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا مَضَى مِنْهَا شَيْءٌ يَسِيرٌ جِدًّا، وَمَعَ هَذَا لَا يَعْلَمُ مِقْدَارَ مَا بَقِيَ عَلَى التَّعْيِينِ وَالتَّحْدِيدِ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى، كَمَا لَا يَعْلَمُ مِقْدَارَ مَا مَضَى مِنْهَا إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَالَّذِي فِي كُتُبِ الْإِسْرَائِيلِيِّينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ تَحْدِيدِ مَا سَلَفَ بِأُلُوفٍ وَمِئِينَ مِنَ السِّنِينَ قَدْ نَصَّ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ عَلَى تَخْطِئَتِهِمْ فِيهِ، وَتَغْلِيطِهِمْ، وَهُمْ جَدِيرُونَ بِذَلِكَ حَقِيقُونَ بِهِ. وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثِ: " الدُّنْيَا جُمْعَةٌ مِنْ جُمَعِ الْآخِرَةِ ". وَلَا يَصِحُّ إِسْنَادُهُ. وَكَذَا كُلُّ حَدِيثٍ وَرَدَ فِيهِ تَحْدِيدٌ بِوَقْتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ عَلَى التَّعْيِينِ، لَا يَثْبُتُ إِسْنَادُهُ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا إِلَى قَوْلِهِ: أَوْ ضُحَاهَا [ النَّازِعَاتِ: 42 - 44 ] وَقَالَ تَعَالَى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ إِلَى قَوْلِهِ: وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ [ الْأَعْرَافِ: 187 ]، وَالْآيَاتُ فِي هَذَا وَالْأَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ [ الْقَمَرِ: 1 ].
وَثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ،

قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ ". وَفِي رِوَايَةٍ: " إِنْ كَادَتْ لَتَسْبِقُنِي ". وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى اقْتِرَابِهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا مَضَى مِنَ الدُّنْيَا، وَقَالَ تَعَالَى: اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ [ الْأَنْبِيَاءِ: 1 ]، وَقَالَ تَعَالَى: أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ [ النَّحْلِ: 1 ] وَقَالَ تَعَالَى: يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ [ الشُّورَى: 18 ].
وَفِي " الصَّحِيحِ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَعْرَابِ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ السَّاعَةِ، فَقَالَ: " إِنَّهَا كَائِنَةٌ، فَمَا أَعْدَدْتَ لَهَا " ؟ فَقَالَ الرَّجُلُ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَمْ أُعِدَّ لَهَا كَثِيرَ صَلَاةٍ وَلَا عَمَلٍ، وَلَكِنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. فَقَالَ: " أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ ". فَمَا فَرِحَ الْمُسْلِمُونَ بِشَيْءٍ فَرَحَهُمْ بِهَذَا الْحَدِيثِ.
وَفِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ، أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَسُئِلَ عَنِ السَّاعَةِ، فَنَظَرَ إِلَى غُلَامٍ فَقَالَ: " لَنْ يُدْرِكَ هَذَا الْهَرَمُ حَتَّى تَأْتِيَكُمْ سَاعَتُكُمْ ". وَالْمُرَادُ: انْخِرَامُ قَرْنِهِمْ، وَدُخُولُهُمْ فِي عَالَمِ الْآخِرَةِ، فَإِنَّ كُلَّ مَنْ مَاتَ فَقَدْ دَخَلَ فِي حُكْمِ الْآخِرَةِ، وَبَعْضُ النَّاسِ يَقُولُ: مَنْ مَاتَ فَقَدْ قَامَتْ قِيَامَتُهُ. وَهَذَا الْكَلَامُ بِهَذَا الْمَعْنَى صَحِيحٌ، وَقَدْ يَقُولُ هَذَا بَعْضُ الْمَلَاحِدَةِ، وَيُشِيرُونَ بِهِ إِلَى شَيْءٍ مِنَ الزَّنْدَقَةِ وَالْبَاطِلِ. فَأَمَّا السَّاعَةُ الْعُظْمَى وَهُوَ اجْتِمَاعُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَهَذَا مِمَّا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِعِلْمِ وَقْتِهِ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ: خَمْسٌ لَا

يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ ". ثُمَّ قَرَأَ: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ [ لُقْمَانَ: 34 ]. وَقَدْ سَأَلَ جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْإِسْلَامِ فَأَخْبَرَهُ بِهِ، ثُمَّ سَأَلَهُ عَنِ الْإِيمَانِ فَأَخْبَرَهُ بِهِ، ثُمَّ سَأَلَهُ عَنِ الْإِحْسَانِ فَأَخْبَرَهُ بِهِ، فَلَمَّا سَأَلَهُ عَنِ السَّاعَةِ، قَالَ لَهُ: " مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ ". قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَشْرَاطِهَا. فَأَخْبَرَهُ عَنْ ذَلِكَ. كَمَا سَيَأْتِي إِيرَادُهُ بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ، مَعَ أَمْثَالِهِ وَأَشْكَالِهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ.

بَابُ ذِكْرُ الْفِتَنِ جُمْلَةً ثُمَّ نُفَصِّلُ ذِكْرَهَا بَعْدَ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، حَدَّثَنِي ابْنُ جَابِرٍ، حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيُّ، أَنَّهُسَمِعَ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ يَقُولُ: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ; مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ، فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: " نَعَمْ ". قُلْتُ: وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مَنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: " نَعَمْ، وَفِيهِ دَخَنٌ ". قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ: " قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ ". قُلْتُ: فَهَلْ

بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: " نَعَمْ، دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا ". قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا. قَالَ: " هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا ". قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: " تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ ". قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ؟ قَالَ: " فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ، حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ ". ثُمَّ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا وَمُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، بِهِ نَحْوَهُ. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ; فَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ طَرِيقِ نَصْرِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ خَالِدٍ الْيَشْكُرِيِّ الْكُوفِيِّ، عَنْهُ مَبْسُوطًا، وَفِيهِ تَفْسِيرٌ لِمَا فِيهِ مِنْ مُشْكِلٍ، وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ قُرْطٍ، عَنْهُ. وَفِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ "، مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: تَعَلَّمَ أَصْحَابِي الْخَيْرَ، وَتَعَلَّمْتُ اَلشَّرَّ.
وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الْإِسْلَامَ بَدَأَ

غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ ". قِيلَ: وَمَنِ الْغُرَبَاءُ؟ قَالَ " النُّزَّاعُ مِنَ الْقَبَائِلِ ". وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَنَسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: ثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو صَخْرٍ، أَنَّ أَبَا حَازِمٍ حَدَّثَهُ عَنِ ابْنٍ لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ الْإِيمَانَ بَدَأَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ، فَطُوبَى يَوْمئِذٍ لِلْغُرَبَاءِ، إِذَا فَسَدَ النَّاسُ، وَالَّذِي نَفْسُ أَبِي الْقَاسِمِ بِيَدِهِ لِيَأْرِزَنَّ الْإِيمَانُ بَيْنَ هَذَيْنَ الْمَسْجِدَيْنِ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا ".
وَقَالَ أَحْمَدُ، ثَنَا حَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى، ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، ثَنَا جَمِيلٌ الْأَسْلَمِيُّ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: اللَّهُمَّ لَا يُدْرِكْنِي زَمَانٌ - أَوْ قَالَ: لَا تُدْرِكُوا زَمَانًا - لَا يُتَّبَعُ فِيهِ الْعَلِيمُ وَلَا يُسْتَحَيَا فِيهِ مِنَ الْحَلِيمِ، قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الْأَعَاجِمِ، وَأَلْسِنَتُهُمْ أَلْسِنَةُ الْعَرَبِ ". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.

بَابُ افْتِرَاقِ الْأُمَمِ
وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَفَرَّقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَتَفَرَّقَتْ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً ". وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ وَهَبِ بْنِ بَقِيَّةَ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، بِهِ.
وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ كَثِيرِ بْنِ دِينَارٍ الْحِمْصِيُّ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، فَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ، وَافْتَرَقَتِ النَّصَارَى عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، فَإِحْدَى وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ، وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَفْتَرِقَنَّ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، فَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ ". قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ هُمْ؟ قَالَ: " الْجَمَاعَةُ ". تَفَرَّدَ بِهِ، وَإِسْنَادُهُ لَا بَأْسَ بِهِ.

وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، هُوَ ابْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ افْتَرَقَتْ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَإِنَّ أُمَّتِي سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا وَاحِدَةً، وَهِيَ الْجَمَاعَةُ ". وَهَذَا إِسْنَادٌ قَوِيٌّ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ، تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا.
وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ، مِنْ حَدِيثِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ. وَأَبِي سَعِيدٍ، قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي اخْتِلَافٌ وَفُرْقَةٌ، وَقَوْمٌ يُحْسِنُونَ الْقِيلَ، وَيُسِيئُونَ الْفِعْلَ ". الْحَدِيثَ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ، هُوَ ابْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أَزْهَرُ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَرَازِيُّ - قَالَ أَحْمَدُ - عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْهَوْزَنِيِّ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، أَنَّهُ قَامَ فَقَالَ:أَلَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فِينَا، فَقَالَ: " أَلَا إِنَّ مَنْ قَبْلَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ افْتَرَقُوا عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، وَإِنَّ هَذِهِ

الْمِلَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ، ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ، وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَهِيَ الْجَمَاعَةُ ". تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ. وَفِي " مُسْتَدْرَكِ الْحَاكِمِ أَنَّ الصَّحَابَةَ لَمَّا سَأَلُوهُ عَنِ الْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ: مَنْ هُمْ؟ قَالَ: " مَا أَنَا عَلَيْهِ الْيَوْمَ وَأَصْحَابِي.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ، ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ بَكْرِ بْنِ سَوْدَاةَ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتَرْكَبُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِثْلًا بِمِثْلٍ ". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ".
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ أَنَّ الْمَخْلَصَ مِنَ الْفِتَنِ عِنْدَ وُقُوعِهَا اتِّبَاعُ الْجَمَاعَةِ وَلُزُومُ الْإِمَامِ بِالطَّاعَةِ إِذَا كَانُوا عَلَى حَقٍّ وَاتِّبَاعِ الشَّرْعِ، وَإِذَا فَسَدُوا فَلَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ، فَإِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: أَطِيعُونِي مَا أَطَعْتُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِذَا خَالَفْتُ فَلَا طَاعَةَ لِي عَلَيْكُمْ.
وَقَدْ قَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ عُثْمَانَ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا مُعَانُ بْنُ رِفَاعَةَ السَّلَامِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو خَلَفٍ الْأَعْمَى، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ أُمَّتِي لَا تَجْتَمِعُ عَلَى

ضَلَالَةٍ، فَإِذَا رَأَيْتُمُ الِاخْتِلَافَ فَعَلَيْكُمْ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ ". وَلَكِنْ هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ; لِأَنَّ مُعَانَ بْنَ رِفَاعَةَ السَّلَامِيَّ قَدْ ضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ. وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: عَلَيْكُمْ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ; الْحَقِّ وَأَهْلِهِ ". وَقَدْ كَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ يَقُولُ: السَّوَادُ الْأَعْظَمُ مُحَمَّدُ بْنُ أَسْلَمَ الطُّوسِيُّ. وَقَدْ كَانَ أَهْلُ الْحَقِّ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ هُمْ أَكْثَرَ الْأُمَّةِ; فَكَانَ لَا يُوجَدُ فِيهِمْ مُبْتَدِعٌ لَا فِي الْأَقْوَالِ وَلَا الْأَفْعَالِ، وَفِي الْأَعْصَارِ الْمُتَأَخِّرَةِ فَقَدْ يَجْتَمِعُ الْجَمُّ الْغَفِيرُ عَلَى بِدْعَةٍ، وَقَدْ يَخْلُو الْحَقُّ فِي بَعْضِ الْأَزْمَانِ الْمُتَأَخِّرَةِ عَنْ عِصَابَةٍ يَقُومُونَ بِهِ، كَمَا قَالَ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ:فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ إِمَامٌ وَلَا جَمَاعَةٌ؟ قَالَ لَهُ: " فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ ". وَتَقَدَّمَ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ: بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ ". وَسَيَأْتِي فِي الْحَدِيثِ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ عَلَى أَحَدٍ يَقُولُ: اللَّهُ اللَّهُ ".
وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ إِذَا ظَهَرَتِ الْفِتَنُ، فَإِنَّهُ يَسُوغُ اعْتِزَالُ النَّاسِ حِينَئِذٍ، كَمَا ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا وَهَوًى مُتَّبَعًا وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيهِ، فَعَلَيْكَ بِخُوَيْصَّةِ نَفْسِكَ، وَدَعْ أَمْرَ الْعَوَامِّ ".
وَفِي رِوَايَةٍ: إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا وَهَوًى مُتَّبَعًا وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً فَعَلَيْكَ

بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ، فَإِنَّ مِنْ بَعْدِكُمْ زَمَانَ الصَّبْرِ، صَبْرٌ فِيهِنَّ كَقَبْضٍ عَلَى الْجَمْرِ "، وَقَدِ اعْتَزَلَ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ النَّاسَ وَالْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَةَ وَهُمْ أَئِمَّةٌ كِبَارٌ; كَأَبِي ذَرٍّ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَسَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، وَسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ فِي جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، حَتَّى اعْتَزَلُوا مَسْجِدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي الصَّلَاةُ فِيهِ بِأَلْفِ صَلَاةٍ. وَاعْتَزَلَ مَالِكٌ الْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَةَ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ مَعْرِفَتِهِ الْحَدِيثَ فِي فَضْلِ الصَّلَاةِ فِيهِ، فَكَانَ لَا يَشْهَدُ جُمُعَةً وَلَا جَمَاعَةً، وَكَانَ إِذَا لِيمَ فِي ذَلِكَ يَقُولُ: مَا كَلُّ مَا يُعْلَمُ يُقَالُ. وَقِصَّتُهُ مَعْرُوفَةٌ، وَكَذَلِكَ اعْتَزَلَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَخَلْقٌ مِنَ التَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ; لِمَا شَاهَدُوهُ مِنَ الظُّلْمِ وَالشُّرُورِ وَالْفِتَنِ خَوْفًا عَلَى إِيمَانِهِمْ أَنْ يُسْلَبَ مِنْهُمْ، وَقَدْ ذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ فِي كِتَابِ " الْعُزْلَةِ " وَكَذَلِكَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا قَبْلَهُ مِنْ هَذَا جَانِبًا كَبِيرًا.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ; يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الْفِتَنِ ". لَمْ يُخْرِجْهُ مُسْلِمٌ، وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ بِهِ، وَيَجُوزُ حِينَئِذٍ سُؤَالُ الْمَوْتِ وَطَلَبُهُ مِنَ اللَّهِ عِنْدَ ظُهُورِ الْفِتَنِ وَالظُّلْمِ وَإِنْ كَانَ قَدْ نُهِيَ عَنْهُ لِغَيْرِ ذَلِكَ، كَمَا صَحَّ بِهِ الْحَدِيثُ ".

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَسَنٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو يُونُسَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: لَا يَتَمَنَّى أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ وَلَا يَدْعُو بِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ وَثِقَ بِعَمَلِهِ فَإِنَّهُ إِنْ مَاتَ أَحَدُكُمُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ، وَإِنَّهُ لَا يَزِيدُ الْمُؤْمِنَ عُمُرُهُ إِلَّا خَيْرًا ". وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ سُؤَالِ الْمَوْتِ عِنْدَ الْفِتَنِ، الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي " مُسْنَدِهِ " عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَهُوَ حَدِيثُ الْمَنَامِ الطَّوِيلُ. وَفِيهِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ، وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ، وَحُبَّ الْمَسَاكِينِ، وَأَنْ تَغْفِرَ لِي وَتَرْحَمَنِي، وَإِذَا أَرَدْتَ بِقَوْمٍ فِتْنَةً فَتَوَفَّنِي إِلَيْكَ غَيْرَ مَفْتُونٍ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ حُبَّكَ، وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ، وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُنِي إِلَى حُبِّكَ ".
وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ الْمُتَقَدِّمَةُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّهُ يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ شَدِيدٌ لَا يَكُونُ فِيهِ لِلْمُسْلِمِينَ جَمَاعَةٌ قَائِمَةٌ بِالْحَقِّ، إِمَّا فِي جَمِيعِ الْأَرْضِيَّةِ أَوْ فِي بَعْضِهَا.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحِ " عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا، اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ

عِلْمٍ، فَضَّلُوا وَأَضَلُّوا ". وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ وَلَا مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ ". وَفِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ ": " وَهُمْ بِالشَّامِ ". قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ: وَهُمْ أَهْلُ الْحَدِيثِ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْمَهْرِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ شَرَاحِيلَ بْنِ يَزِيدَ الْمَعَافِرِيِّ، عَنْ أَبِي عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا أَمْرَ دِينِهَا ". تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ. ثُمَّ قَالَ ": عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شُرَيْحٍ لَمْ يَجُزْ بِهِ شَرَاحِيلَ. يَعْنِي أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ، وَقَدِ ادَّعَى كُلُّ قَوْمٍ فِي إِمَامِهِمْ أَنَّهُ الْمُرَادُ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَالظَّاهِرُ، وَاللَّهِ أَعْلَمُ، أَنَّهُ يَعُمُّ حَمَلَةَ الْعِلْمِ الْعَامِلِينَ بِهِ مِنْ كُلِّ طَائِفَةٍ، مِمَّنْ عَمَلُهُ مَأْخُوذٌ عَنِ الشَّارِعِ، أَوْ مِمَّنْ هُوَ مُوَافِقٌ مِنْ كُلِّ طَائِفَةٍ وَكُلِّ صِنْفٍ مِنْ أَصْنَافِ الْعُلَمَاءِ، مِنْ مُفَسِّرِينَ، وَمُحَدِّثِينَ، وَقُرَّاءَ، وَفُقَهَاءَ، وَنُحَاةٍ، وَلُغَوِيِّينَ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَصْنَافِ الْعُلُومِ النَّافِعَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: مَنْ فَسَدَ مِنْ عُلَمَائِنَا كَانَ فِيهِ شَبَهٌ مِنَ الْيَهُودِ، وَمَنْ فَسَدَ مِنْ عُبَّادِنَا كَانَ فِيهِ شَبَهٌ مِنَ النَّصَارَى.

وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ وَلَكِنْ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءَ ". ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْعِلْمَ لَا يُنْتَزَعُ مِنْ صُدُورِ الْعُلَمَاءِ بَعْدَ أَنْ وَهَبَهُمُ اللَّهُ إِيَّاهُ. وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ بُنْدَارٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنْ غُنْدَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: أَلَا أُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُحَدِّثُكُمْ بِهِ أَحَدٌ بَعْدِي، سَمِعْتُهُ مِنْهُ: إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ، وَيَظْهَرَ الْجَهْلُ، وَيَفْشُوَ الزِّنَى، وَيُشْرَبَ الْخَمْرُ، وَيَذْهَبَ الرِّجَالُ، وَيَبْقَى النِّسَاءُ، حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأَةً قَيِّمٌ وَاحِدٌ ". وَأَخْرَجَاهُ فِي " الصَّحِيحَيْنِ "، مِنْ حَدِيثِ غُنْدَرٍ، بِهِ. وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي وَوَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَكُونُ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ أَيَّامٌ، يُرْفَعُ فِيهَا الْعِلْمُ، وَيَنْزِلُ فِيهَا الْجَهْلُ، وَيَكْثُرُ فِيهَا الْهَرْجُ، وَالْهَرْجُ الْقَتْلُ ". وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ، بِهِ ".
وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْرُسُ الْإِسْلَامُ كَمَا يَدْرُسُ وَشْيُ الثَّوْبِ، حَتَّى لَا يُدْرَى مَا صِيَامٌ وَلَا

صَلَاةٌ وَلَا نُسُكٌ وَلَا صَدَقَةٌ، وَيُسْرَى عَلَى الْكِتَابِ فِي لَيْلَةٍ، فَلَا يَبْقَى فِي الْأَرْضِ مِنْهُ آيَةٌ، وَتَبْقَى طَوَائِفُ مِنَ النَّاسِ; الشَّيْخُ الْكَبِيرُ، وَالْعَجُوزُ، يَقُولُونَ: أَدْرَكْنَا آبَاءَنَا عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَنَحْنُ نَقُولُهَا ". فَقَالَ لَهُ صِلَةُ: مَا تُغْنِي عَنْهُمْ: " لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ " وَهُمْ لَا يَدْرُونَ مَا صَلَاةٌ وَلَا صِيَامٌ، وَلَا نُسُكٌ وَلَا صَدَقَةٌ؟ فَأَعْرَضَ عَنْهُ حُذَيْفَةُ، ثُمَّ رَدَّهَا عَلَيْهِ ثَلَاثًا، كُلُّ ذَلِكَ يُعْرِضُ عَنْهُ حُذَيْفَةُ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِ فِي الثَّالِثَةِ، فَقَالَ: يَا صِلَةُ، تُنْجِيهِمْ مِنَ النَّارِ. ثَلَاثًا.
وَهَذَا دَالٌّ عَلَى أَنَّ الْعِلْمَ قَدْ يُرْفَعُ مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، حَتَّى إِنَّ الْقُرْآنَ يُسْرَى عَلَيْهِ فَيُرْفَعُ مِنَ الْمَصَاحِفِ وَالصُّدُورِ، وَيَبْقَى النَّاسُ بِلَا عِلْمٍ وَلَا قُرْآنٍ، وَإِنَّمَا الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْعَجُوزُ الْمُسِنَّةُ يُخْبِرَانِ أَنَّهُمْ أَدْرَكُوا النَّاسَ وَهُمْ يَقُولُونَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَهُمْ يَقُولُونَهَا أَيْضًا عَلَى وَجْهِ التَّقَرُّبِ بِهَا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَهِيَ نَافِعَةٌ لَهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ مِنَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ وَالْعِلْمِ النَّافِعِ غَيْرُهَا، وَقَوْلُهُ: تُنْجِيهِمْ مِنَ النَّارِ. يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهَا تَدْفَعُ عَنْهُمْ دُخُولَ النَّارِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَيَكُونُ فَرْضُهُمْ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ الْقَوْلَ الْمُجَرَّدَ عَنِ الْعَمَلِ، لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِمْ بِالْأَعْمَالِ، الَّتِي لَمْ يُخَاطَبُوا بِهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ نَجَاتَهُمْ مِنَ النَّارِ بَعْدَ دُخُولِهِمْ إِلَيْهَا، وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَكُونُ سَبَبَ نَجَاتِهِمْ مِنَ الْعَذَابِ الدَّائِمِ الْمُسْتَمِرِّ. وَعَلَى هَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُرَادِينِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْحَدِيثِ: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَأُخْرِجَنَّ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ". كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي أَحَادِيثِ الشَّفَاعَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أُولَئِكَ قَوْمًا آخَرِينَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ الْعِلْمَ يُرْفَعُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، وَيَكْثُرُ الْجَهْلُ، فِي رِوَايَةٍ، وَفِي رِوَايَةٍ: وَيَنْزِلُ الْجَهْلُ. أَيْ يُلْهَمُ أَهْلُ ذَلِكَ الزَّمَانِ الْجَهْلَ، وَذَلِكَ مِنْ قَهْرِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، وَخِذْلَانِهِ إِيَّاهُمْ، نُعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ لَا يَزَالُونَ كَذَلِكَ فِي تَزَايُدٍ مِنَ الْجَهَالَةِ وَالضَّلَالَةِ، إِلَى مُنْتَهَى الْآجَالِ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْأَخِيرِ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ عَلَى أَحَدٍ يَقُولُ: اللَّهُ اللَّهُ "، وَ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا عَلَى أَشْرَارِ النَّاسِ ".
وَفِي الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ مُطَرِّحِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ لِهَذَا الدِّينِ إِقْبَالًا وَإِدْبَارًا، وَإِنَّ مِنْ إِقْبَالِهِ أَنَّ تَفْقَهَ الْقَبِيلَةُ بِأَسْرِهَا حَتَّى لَا يَبْقَى فِيهَا إِلَّا الْفَاسِقُ أَوِ الْفَاسِقَانِ، فَهُمَا ذَلِيلَانِ فِيهَا مُضْطَهَدَانِ، إِنْ تَكَلَّمَا قُهِرَا وَذُلَّا وَاضْطُهِدَا، وَإِنَّ مِنْ إِدْبَارِ هَذَا الدِّينِ أَنْ تَجْفُوَ الْقَبِيلَةُ بِأَسْرِهَا فَلَا يَبْقَى فِيهَا إِلَّا الْفَقِيهُ أَوِ الْفَقِيهَانِ، فَهُمَا ذَلِيلَانِ مُضْطَهَدَانِ، إِنْ تَكَلَّمَا قُهِرَا وَاضْطُهِدَا، وَيَلْعَنُ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَوَّلَهَا، أَلَا وَعَلَيْهِمْ حَلَّتِ اللَّعْنَةُ، حَتَّى يُشْرَبَ الْخَمْرُ عَلَانِيَةً، وَحَتَّى تَمُرَّ الْمَرْأَةُ بِالْقَوْمِ، فَيَقُومَ إِلَيْهَا بَعْضُهُمْ، فَيَرْفَعَ بِذَيْلِهَا كَمَا يَرْفَعُ بِذَنَبِ النَّعْجَةِ، فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ: أَلَا وَارَيْتَهَا وَرَاءَ حَائِطٍ. فَهُوَ يَوْمَئِذٍ فِيهِمْ مِثْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فِيكُمْ، وَمَنْ أَمَرَ يَوْمَئِذٍ بِمَعْرُوفٍ، وَنَهَى عَنْ مُنْكَرٍ، فَلَهُ أَجْرُ خَمْسِينَ مِمَّنْ رَآنِي وَآمَنَ بِي وَأَطَاعَنِي وَبَايَعَنِي ".

ذِكْرُ شُرُورٍ تَحْدُثُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ وَإِنْ كَانَ قَدْ وُجِدَ بَعْضُهَا فِي زَمَانِنَا أَيْضًا
قَالَ ابْنُ مَاجَهْ فِي كِتَابِ الْفِتَنِ مِنْ " سُنَنِهِ ": حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، خَمْسُ خِصَالٍ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ: لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا، إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا، وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ، إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ، إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ، إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بِأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ ". تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ مَاجَهْ، وَفِيهِ غَرَابَةٌ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا الْفَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ أَبُو فَضَالَةَ الشَّامِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ

عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا فَعَلَتْ أُمَّتِي خَمْسَ عَشْرَةَ خَصْلَةً حَلَّ فِيهَا الْبَلَاءُ ". قِيلَ: وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " إِذَا كَانَ الْمَغْنَمُ دُوَلًا، وَالْأَمَانَةُ مَغْنَمًا، وَالزَّكَاةُ مَغْرَمًا، وَأَطَاعَ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ، وَعَقَّ أُمَّهُ، وَبَرَّ صَدِيقَهُ، وَجَفَا أَبَاهُ، وَارْتَفَعَتِ الْأَصْوَاتُ فِي الْمَسَاجِدِ، وَكَانَ زَعِيمُ الْقَوْمِ أَرْذَلَهُمْ، وَأُكْرِمَ الرَّجُلُ مَخَافَةَ شَرِّهِ، وَشُرِبَتِ الْخَمْرُ، وَلُبِسَ الْحَرِيرُ، وَاتُّخِذَتِ الْقَيْنَاتُ، وَالْمَعَازِفُ، وَلَعَنَ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَوَّلَهَا، فَلْيُرْتَقِبُوا عِنْدَ ذَلِكَ رِيحًا حَمْرَاءَ، أَوْ خَسْفًا وَمَسْخًا ". ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ غَيْرَ الْفَرَجِ بْنِ فَضَالَةَ،، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ وَكِيعٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَيْسِيُّ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ أَرْقَمَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنِ بْنِ حَسَنٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الصُّبْحِ، فَلَمَّا صَلَّى صَلَاتَهُ نَادَاهُ رَجُلٌ: مَتَى السَّاعَةُ؟ فَزَبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَانْتَهَرَهُ، وَقَالَ: " اسْكُتْ ". حَتَّى إِذَا أَسْفَرَ

رَفَعَ طَرْفَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ: " تَبَارَكَ رَافِعُهَا وَمُدَبِّرُهَا ". ثُمَّ رَمَى بِبَصَرِهِ إِلَى الْأَرْضِ، فَقَالَ: " تَبَارَكَ دَاحِيهَا وَخَالِقُهَا ". ثُمَّ قَالَ: " أَيْنَ السَّائِلُ عَنِ السَّاعَةِ؟ " فَجَثَا الرَّجُلُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، فَقَالَ: أَنَا بِأَبِي وَأُمِّي سَأَلْتُكَ. فَقَالَ: " ذَلِكَ عِنْدَ حَيْفِ الْأَئِمَّةِ، وَتَصْدِيقٍ بِالنُّجُومِ، وَتَكْذِيبٍ بِالْقَدَرِ، وَحَتَّى تُتَّخَذَ الْأَمَانَةُ مَغْنَمًا، وَالصَّدَقَةُ مَغْرَمًا، وَالْفَاحِشَةُ زِيَادَةً. فَعِنْدَ ذَلِكَ هَلَكَ قَوْمُكَ ". ثُمَّ قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَيُونُسُ بْنُ أَرْقَمَ كَانَ صَادِقًا، رَوَى عَنْهُ النَّاسُ، وَفِيهِ شِيعِيَّةٌ شَدِيدَةٌ.
ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ الْمُسْتَلِمِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ رُمَيْحٍ الْجُذَامِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا اتُّخِذَ الْفَيْءُ دُوَلًا، وَالْأَمَانَةُ مَغْنَمًا، وَالزَّكَاةُ مَغْرَمًا، وَتُعُلِّمَ لِغَيْرِ الدِّينِ، وَأَطَاعَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ، وَعَقَّ أُمَّهُ، وَأَدْنَى صَدِيقَهُ، وَأَقْصَى أَبَاهُ، وَظَهَرَتِ الْأَصْوَاتُ فِي الْمَسَاجِدِ، وَسَادَ الْقَبِيلَةَ فَاسِقُهُمْ، وَكَانَ زَعِيمُ الْقَوْمِ أَرْذَلَهُمْ، وَأُكْرِمَ الرَّجُلُ مَخَافَةَ شَرِّهِ، وَظَهَرَتِ الْقَيْنَاتُ وَالْمَعَازِفُ، وَشُرِبَتِ الْخُمُورُ، وَلَعَنَ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَوَّلَهَا، فَلْيَرْتَقِبُوا عِنْدَ ذَلِكَ رِيحًا حَمْرَاءَ، وَخَسْفًا، وَمَسْخًا، وَقَذْفًا، وَآيَاتٍ تَتَابَعُ، كَنِظَامٍ بَالٍ قُطِعَ سِلْكُهُ فَتَتَابَعَ ". وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.

حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُوفِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْقُدُّوسِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ هِلَالِ بْنِ يِسَافٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ خَسْفٌ، وَمَسْخٌ، وَقَذْفٌ ". فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ: وَمَتَى ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " إِذَا ظَهَرَتِ الْقَيْنَاتُ وَالْمَعَازِفُ، وَشُرِبَتِ الْخُمُورُ ". ثُمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَرُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْكِنْدِيُّ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ حُبَابٍ، أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِذَا مَشَتْ أُمَّتِي الْمُطَيْطَاءَ، وَخَدَمَهَا أَبْنَاءُ الْمُلُوكِ، أَبْنَاءُ فَارِسَ وَالرُّومِ، سُلِّطَ شِرَارُهَا عَلَى خِيَارِهَا ". وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فَذَكَرَهُ، وَلَا نَعْرِفُ لَهُ أَصْلًا، وَقَدْ رَوَاهُ مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، مُرْسَلًا.
ثُمَّ رَوَى مِنْ حَدِيثِ صَالِحٍ الْمُرِّيِّ، عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا كَانَ أُمَرَاؤُكُمْ خِيَارَكُمْ، وَأَغْنِيَاؤُكُمْ سُمَحَاءَكُمْ، وَأُمُورُكُمْ شُورَى بَيْنَكُمْ، فَظَهْرُ الْأَرْضِ خَيْرٌ

لَكُمْ مِنْ بَطْنِهَا، وَإِذَا كَانَ أُمَرَاؤُكُمْ شِرَارَكُمْ، وَأَغْنِيَاؤُكُمْ بُخَلَاءَكُمْ، وَأُمُورُكُمْ إِلَى نِسَائِكُمْ، فَبَطْنُ الْأَرْضِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ ظَهْرِهَا ". ثُمَّ قَالَ: غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ صَالِحٍ الْمُرِّيِّ، وَلَهُ غَرَائِبُ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهَا، وَهُوَ رَجُلٌ صَالِحٌ.
وَرَوَى الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُبَارَكِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا طَغَى نِسَاؤُكُمْ، وَفَتَقَ شَأْنُكُمْ؟ " قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنَّ ذَلِكَ لَكَائِنٌ؟! قَالَ: " وَأَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ، لَا تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَا تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ". قَالُوا: وَإِنَّ ذَلِكَ لَكَائِنٌ؟! قَالَ: " وَأَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ، تَرَوْنَ الْمَعْرُوفَ مُنْكَرًا وَالْمُنْكَرَ مَعْرُوفًا ". قَالُوا: وَإِنَّ ذَلِكَ لَكَائِنٌ؟! قَالَ: " وَأَشَدُّ مِنْهُ; تَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ ". قَالُوا: وَإِنَّ ذَلِكَ لَكَائِنٌ؟ قَالَ: " وَأَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ ". ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بِئْسَ أُولَئِكَ الْقَوْمُ، وَبِئْسَ الْقَوْمُ قَوْمٌ يَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ، وَبِئْسَ الْقَوْمُ قَوْمٌ يَسْتَحِلُّونَ الْمُحَرَّمَاتِ وَالشَّهَوَاتِ بِالشُّبُهَاتِ، وَبِئْسَ الْقَوْمُ قَوْمٌ يَمْشِي الْمُؤْمِنُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ بِالتَّقِيَّةِ وَالْكِتْمَانِ ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ، عَنْ مُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لِتَضْرِبَنَّ مُضَرُ عِبَادَ اللَّهِ حَتَّى لَا يُعْبَدَ لِلَّهِ اسْمٌ، وَلْيَضْرِبَنَّهُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَتَّى لَا يَمْنَعُوا ذَنَبَ تَلْعَةٍ ". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.

وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، يَعْنِي ابْنَ سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَبَاهَى النَّاسُ فِي الْمَسَاجِدِ ".
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْجَرْمِيِّ، زَادَ أَبُو دَاوُدَ: وَعَنْ قَتَادَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِهِ، وَسَيَأْتِي فِي ذِكْرِ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَفِيهِ: " وَتُزَخْرَفُ الْمَحَارِيبُ، وَتَخْرَبُ الْقُلُوبُ ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ زَاذَانَ أَبِي عُمَرَ، عَنْ عُلَيْمٍ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عَلَى سَطْحٍ، مَعَنَا رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ يَزِيدُ: لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا عَبْسًا الْغِفَارِيَّ - وَالنَّاسُ يَخْرُجُونَ فِي الطَّاعُونِ، فَقَالَ عَبْسٌ: يَا طَاعُونُ، خُذْنِي. ثَلَاثًا يَقُولُهَا، فَقَالَ لَهُ عُلَيْمٌ: لِمَ تَقُولُ هَذَا؟ أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَتَمَنَّى أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ؟ فَإِنَّهُ عِنْدَ انْقِطَاعِ عَمَلِهِ، وَلَا يُرَدُّ فَيَسْتَعْتِبُ ". فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: بَادِرُوا بِالْمَوْتِ سِتًّا: إِمْرَةَ السُّفَهَاءِ، وَكَثْرَةَ الشُّرَطِ، وَبَيْعَ الْحُكْمِ، وَاسْتِخْفَافًا بِالدَّمِ، وَقَطِيعَةَ الرَّحِمِ، وَنَشَوًا يَتَّخِذُونَ الْقُرْآنَ مَزَامِيرَ

يُقَدِّمُونَهُ يُغَنِّيهِمْ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْهُمْ فِقْهًا ". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَلَّى عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عَمْرٍو مِثْلُهُ أَوْ نَحْوُهُ، كَمَا ذَكَرْنَا فِي الزِّيَادَاتِ عَلَى " مُسْنَدِ أَحْمَدَ "، وَاللَّهَ سُبْحَانَهُ أَحْمَدُ، وَقَدْ قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْجُمَحِيُّ، حَدَّثَنَا جَمِيلُ بْنُ عُبَيْدٍ الطَّائِعُ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَلَّى، قَالَ: قَالَ الْحَكَمُ الْغِفَارِيُّ: يَا طَاعُونُ، خُذْنِي إِلَيْكَ. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: لِمَ تَقُولُ هَذَا، وَقَدْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ " ؟ فَقَالَ: قَدْ سَمِعْتُ مَا سَمِعْتُمْ، وَلَكِنِّي أُبَادِرُ سِتًّا: بَيْعَ الْحُكْمِ، وَكَثْرَةَ الشُّرَطِ، وَإِمَارَةَ الصِّبْيَانِ، وَسَفْكَ الدِّمَاءِ، وَقَطِيعَةَ الرَّحِمِ، وَنَشَوًا يَكُونُونَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ يَتَّخِذُونَ الْقُرْآنَ مَزَامِيرَ.
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: سَيَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ خَسْفٌ وَقَذْفٌ وَمَسْخٌ ". قِيلَ: وَمَتَى ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " إِذَا ظَهَرَتِ الْمَعَازِفُ وَالْقَيْنَاتُ، وَاسْتُحِلَّتِ الْخَمْرُ ". لَهُ شَاهِدٌ فِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي مَالِكٍ أَوْ أَبِي عَامِرٍ، كَمَا جَزَمَ بِهِ الْبُخَارِيُّ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ إِيَادِ بْنِ لَقِيطٍ،

سَمِعْتُ أَبِي يَذْكُرُ عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ السَّاعَةِ، فَقَالَ: " عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ، وَلَكِنْ أُخْبِرُكُمْ بِمَشَارِيطِهَا، وَمَا يَكُونُ بَيْنَ يَدَيْهَا، إِنَّ بَيْنَ يَدَيْهَا فِتَنًا وَهَرْجًا ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْفِتْنَةُ عَرَفْنَاهَا، فَالْهَرْجُ مَا هُوَ؟ قَالَ: " هُوَ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ الْقَتْلُ ". قَالَ: " وَيُلْقَى بَيْنَ النَّاسِ التَّنَاكُرُ فَلَا يَكَادُ أَحَدٌ يَعْرِفُ أَحَدًا ". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا: ثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، ثَنَا صَفْوَانُ، حَدَّثَنِي السَّفْرُ بْنُ نُسَيْرٍ الْأَزْدِيُّ وَغَيْرُهُ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ، أَنَّهُ قَالَ:يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا كُنَّا فِي شَرٍّ، فَذَهَبَ اللَّهُ بِذَلِكَ الشَّرِّ، وَجَاءَ بِخَيْرٍ عَلَى يَدَيْكَ، فَهَلْ بَعْدَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: " نَعَمْ ". قُلْتُ: مَا هُوَ؟ قَالَ: " فِتَنٌ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يَتْبَعُ بَعْضُهَا بَعْضًا، تَأْتِيكُمْ مُشْتَبِهَةً كَوُجُوهِ الْبَقَرِ لَا تَدْرُونَ أَيًّا مِنْ أَيٍّ ".
وَقَالَ أَحْمَدُ: ثَنَا سُلَيْمَانُ، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي عَمْرٌو، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَشْهَلِيِّ، عَنْ حُذَيْفَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتُلُوا إِمَامَكُمْ، وَتَجْتَلِدُوا بِأَسْيَافِكُمْ، وَيَرُبَّ دُنْيَاكُمْ شِرَارُكُمْ ".
وَبِهِ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكُونَ أَسْعَدَ النَّاسِ بِالدُّنْيَا لُكَعُ ابْنُ لُكَعَ ". وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: ثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ، ثَنَا عَمْرُو بْنُ هِشَامٍ

أَبُو أُمَيَّةَ الْحَرَّانِيُّ، ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ صَدَقَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ حِزَامِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّكُمْ قَدْ أَصْبَحْتُمْ فِي زَمَانٍ كَثِيرٍ فُقَهَاؤُهُ، قَلِيلٍ خُطَبَاؤُهُ، كَثِيرٍ مُعْطُوهُ، قَلِيلٍ سَائِلُوهُ، الْعَمَلُ فِيهِ خَيْرٌ مِنَ الْعِلْمِ، وَسَيَأْتِي زَمَانٌ قَلِيلٌ فُقَهَاؤُهُ، كَثِيرٌ خُطَبَاؤُهُ، كَثِيرٌ سُؤَّالُهُ، قَلِيلٌ مُعْطُوهُ، الْعِلْمُ فِيهِ خَيْرٌ مِنَ الْعَمَلِ ".
وَقَالَ أَحْمَدُ: ثَنَا حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ، أَخْبَرَنِي مِسْعَرٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ هِلَالِ بْنِ يِسَافٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ظَالِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ:ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، أَرَاهُ قَالَ: " فَيَذْهَبُ النَّاسُ أَسْرَعَ ذَهَابٍ ". قَالَ: فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كُلُّهُمْ هَالِكٌ أَوْ بَعْضُهُمْ؟ قَالَ: " حَسْبُهُمْ - أَوْ: بِحَسْبِهِمُ - الْقَتْلُ ". تَفَرَّدَ بِهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ عُرْفُطَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا خَالِدُ، إِنَّهَا سَتَكُونُ بَعْدِي أَحْدَاثٌ وَفِتَنٌ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ عَبْدَ اللَّهِ الْمَقْتُولَ لَا الْقَاتِلَ فَافْعَلْ ".
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ ثَابِتِ بْنِ عَجْلَانَ، حَدَّثَنِي أَبُو كَثِيرٍ الْمُحَارِبِيُّ،

سَمِعْتُ خَرَشَةَ الْمُحَارِبِيَّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَتَكُونُ فِتَنٌ، النَّائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْيَقْظَانِ، وَالْجَالِسُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، أَلَا فَمَنْ أَتَتْ عَلَيْهِ فَلْيَمْشِ بِسَيْفِهِ إِلَى الصَّفَا فَلْيَضْرِبْ بِهِ حَتَّى يَنْكَسِرَ، ثُمَّ لِيَضْطَجِعَ حَتَّى تَنْجَلِيَ عَمَّا انْجَلَتْ ". وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.

فَصْلٌ فِي ذِكْرِ الْمَهْدِيِّ الَّذِي يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ.
وَهُوَ أَحَدُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَالْأَئِمَّةِ الْمَهْدِيِّينَ، وَلَيْسَ هُوَ بِالْمُنْتَظَرِ الَّذِي تَزْعُمُ الرَّافِضَةُ، وَتَرْتَجِي ظُهُورَهُ مِنْ سِرْدَابِ سَامَرَّا، فَإِنَّ ذَلِكَ مَا لَا حَقِيقَةَ لَهُ، وَلَا عَيْنَ، وَلَا أَثَرَ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْعَسْكَرِيُّ، وَأَنَّهُ دَخَلَ السِّرْدَابَ وَعُمْرُهُ خَمْسُ سِنِينَ، وَأَمَّا مَا سَنَذْكُرُهُ فَقَدْ نَطَقَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ الْمَرْوِيَّةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّهُ يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، وَأَظُنُّ ظُهُورَهُ يَكُونُ قَبْلَ نُزُولِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ؟ فَإِنَّ هَذَا يَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلًا، كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا وَظُلْمًا، وَهَكَذَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، كَمَا دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ الْأَحَادِيثُ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ وَأَبُو نُعَيْمٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا فِطْرٌ، عَنِ

الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ حَجَّاجٌ: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا يَوْمٌ لَبَعَثَ اللَّهُ رَجُلًا مِنَّا يَمْلَؤُهَا عَدْلًا، كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا ". قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: " رَجُلًا مِنِّي ". وَقَالَ: سَمِعْتُهُ مَرَّةً يَذْكُرُهُ عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ الْفَضْلِ بْنِ دُكَيْنٍ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا فَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، حَدَّثَنَا يَاسِينُ الْعِجْلِيُّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْمَهْدِيُّ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ، يُصْلِحُهُ اللَّهُ فِي لَيْلَةٍ ". وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ الْحَفَرِيِّ، عَنْ يَاسِينَ الْعِجْلِيِّ، وَلَيْسَ هَذَا يَاسِينَ بْنَ مُعَاذٍ الزَّيَّاتَ، الزَّيَّاتُ ضَعِيفٌ، وَالْعِجْلِيُّ أَوْثَقُ مِنْهُ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حُدِّثْتُ عَنْ هَارُونَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي قَيْسٍ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ:قَالَ عَلِيٌّ، وَنَظَرَ إِلَى ابْنِهِ الْحَسَنِ، فَقَالَ: إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ كَمَا سَمَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَيَخْرُجُ مِنْ صُلْبِهِ رَجُلٌ يُسَمَّى بَاسِمِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُشْبِهُهُ فِي الْخُلُقِ، وَلَا يُشْبِهُهُ فِي الْخَلْقِ - ثُمَّ ذَكَرَ قِصَّةَ - يَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلًا.
وَقَدْ عَقَدَ أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، كِتَابَ الْمَهْدِيِّ مُفْرَدًا فِي

" سُنَنِهِ "، فَأَوْرَدَ فِي صَدْرِهِ حَدِيثَ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ،عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا يَزَالُ هَذَا الدِّينُ قَائِمًا حَتَّى يَكُونَ عَلَيْكُمُ اثَنَا عَشَرَ خَلِيفَةً، كُلُّهُمْ تَجْتَمِعُ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ ". وَفِي رِوَايَةٍ: " لَا يَزَالُ هَذَا الدِّينُ عَزِيزًا إِلَى اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً ". قَالَ: فَكَبَّرَ النَّاسُ وَضَجُّوا، ثُمَّ قَالَ كَلِمَةً خَفِيَّةً، قُلْتُ لِأَبِي: مَا قَال؟ قَالَ: " كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ ". وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ أَتَتْهُ قُرَيْشٌ، فَقَالُوا: ثُمَّ يَكُونُ مَاذَا؟ قَالَ: " ثُمَّ يَكُونُ الْهَرْجُ ".
ثُمَّ رَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ، وَزَائِدَةَ، وَفِطْرٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ، كُلُّهُمْ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ، وَهُوَ ابْنُ بَهْدَلَةَ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا يَوْمٌ ". قَالَ زَائِدَةُ: " لَطَوَّلَ اللَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ ". ثُمَّ اتَّفَقُوا: " حَتَّى يَبْعَثَ فِيهِ رَجُلًا مِنِّي - أَوْ: مِنْ أَهْلِ بَيْتِي - يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي، وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمَ أَبِي ". زَادَ فِي حَدِيثِ فِطْرٍ: " يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلًا، كَمَا مُلِئَتْ ظُلْمًا وَجَوْرًا ". وَقَالَ فِي حَدِيثِ سُفْيَانَ: " لَا تَذْهَبُ - أَوْ: لَا تَنْقَضِي - الدُّنْيَا حَتَّى يَمْلِكَ الْعَرَبَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي ". وَهَكَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ عُمَرَ بْنِ عُبَيْدٍ، وَعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ،

كُلُّهُمْ عَنْ عَاصِمٍ، بِهِ. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ السُّفْيَانَيْنِ، بِهِ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ.
ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْعَلَاءِ الْعَطَّارُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَلِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي ". قَالَ عَاصِمٌ: وَأَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا يَوْمٌ لَطَوَّلَ اللَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ حَتَّى يَلِيَ " ثُمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ تَمَّامِ بْنِ بَزِيعٍ، حَدَّثَنَا عِمْرَانُ الْقَطَّانُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْمَهْدِيُّ مِنِّي، أَجْلَى الْجَبْهَةِ، أَقْنَى الْأَنْفِ، يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطًا وَعَدَلًا، كَمَا مُلِئَتْ ظُلْمًا وَجَوْرًا، يَمْلِكُ سَبْعَ سِنِينَ ".
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّيُّ،

حَدَّثَنَا أَبُو الْمَلِيحِ الْحَسَنُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ زِيَادِ بْنِ بَيَانٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ نُفَيْلٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " الْمَهْدِيُّ مِنْ عِتْرَتِي، مِنْ وَلَدِ فَاطِمَةَ ". قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ: سَمِعْتُ أَبَا الْمَلِيحِ يُثْنِي عَلَى عَلِيِّ بْنِ نُفَيْلٍ، وَيَذْكُرُ عَنْهُ صَلَاحًا. وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ الرَّقِّيِّ، عَنْ زِيَادِ بْنِ بَيَانٍ، بِهِ. فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ الْمَهْدِيُّ ابْنُ الْمَنْصُورِ، مِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيِّ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ مُوسَى الْهَاشِمِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ الْقُرَشِيُّ، ثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ الضَّبِّيُّ، وَصِلَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْوَاسِطِيُّ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " الْمَهْدِيُّ مِنْ وَلَدِ الْعَبَّاسِ عَمِّي ". فَإِنَّهُ حَدِيثٌ غَرِيبٌ، كَمَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ، تَفَرَّدَ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، قَالَ: وَلَمْ يُكْتَبْ إِلَّا عَنْ شَيْخِنَا أَبِي إِسْحَاقَ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّي، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ صَالِحٍ أَبِي الْخَلِيلِ، عَنْ صَاحِبٍ لَهُ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَكُونُ اخْتِلَافٌ عِنْدَ مَوْتِ خَلِيفَةٍ، فَيَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ هَارِبًا إِلَى مَكَّةَ، فَيَأْتِيهِ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، فَيُخْرِجُونَهُ وَهُوَ

كَارِهٌ، فَيُبَايِعُونَهُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ، وَيُبْعَثُ إِلَيْهِ بَعْثٌ مِنَ الشَّامِ، فَيُخْسَفُ بِهِمْ بِالْبَيْدَاءِ; بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، فَإِذَا رَأَى النَّاسُ ذَلِكَ أَتَاهُ أَبْدَالُ الشَّامِ، وَعَصَائِبُ أَهْلِ الْعِرَاقِ، فَيُبَايِعُونَهُ، ثُمَّ يَنْشَأُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ، أَخْوَالُهُ كَلْبٌ، فَيَبْعَثُ إِلَيْهِمْ بَعْثًا، فَيَظْهَرُونَ عَلَيْهِمْ، وَذَلِكَ بَعْثُ كَلْبٍ، وَالْخَيْبَةُ لِمَنْ لَمْ يَشْهَدْ غَنِيمَةَ كَلْبٍ، فَيَقْسِمُ الْمَالَ، وَيَعْمَلُ فِي النَّاسِ بِسُنَّةِ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُلْقِي الْإِسْلَامُ بِجِرَانِهِ إِلَى الْأَرْضِ، فَيَلْبَثُ سَبْعَ سِنِينَ، ثُمَّ يُتَوَفَّى، وَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ ".
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَالَ هَارُونُ، يَعْنِي ابْنَ الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي قَيْسٍ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ طَرِيفٍ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ، عَنْ هِلَالِ بْنِ عَمْرٍو، سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ وَرَاءِ النَّهْرِ، يُقَالُ لَهُ: الْحَارِثُ. حَرَّاثٌ، عَلَى مُقَدِّمَتِهِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: مَنْصُورٌ. يُوَطِّئُ - أَوْ: يُمَكِّنُ - لِآلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا مَكَّنَتْ قُرَيْشٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجَبَتْ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ نُصْرَتُهُ ". أَوْ قَالَ: " إِجَابَتُهُ ".
وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى الْمِصْرِيُّ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ دَاوُدَ الْحَرَّانِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَمْرِو بْنِ جَابِرٍ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ جَزْءٍ الزُّبَيْدِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَخْرُجُ نَاسٌ مِنَ الْمَشْرِقِ، فَيُوَطِّئُونَ لِلْمَهْدِيِّ ". يَعْنِي سُلْطَانَهُ.

وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ:بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَقْبَلَ فِتْيَةٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، فَلَمَّا رَآهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اغْرَوْرَقَتْ عَيْنَاهُ، وَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ، قَالَ: فَقُلْتُ: مَا نَزَالُ نَرَى فِي وَجْهِكَ شَيْئًا تَكْرَهُهُ. فَقَالَ: " إِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ اخْتَارَ اللَّهُ لَنَا الْآخِرَةَ عَلَى الدُّنْيَا، وَإِنَّ أَهْلَ بَيْتِي سَيَلْقَوْنَ بَعْدِي بَلَاءً وَتَشْرِيدًا وَتَطْرِيدًا، حَتَّى يَأْتِيَ قَوْمٌ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ مَعَهُمْ رَايَاتٌ سُودٌ، فَيَسْأَلُونَ الْخَيْرَ، فَلَا يُعْطَوْنَهُ، فَيُقَاتِلُونَ فَيُنْصَرُونَ، فَيُعْطَوْنَ مَا سَأَلُوا، فَلَا يَقْبَلُونَهُ حَتَّى يَدْفَعُوهَا إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، فَيَمْلَؤُهَا قِسْطًا، كَمَا مَلَئُوهَا جَوْرًا، فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَلْيَأْتِهِمْ وَلَوْ حَبْوًا عَلَى الثَّلْجِ ". فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى مُلْكِ بَنِي الْعَبَّاسِ، كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ ذِكْرِ ابْتِدَاءِ دَوْلَتِهِمْ فِي سَنَةِ ثِنْتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ، وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمَهْدِيَّ يَكُونُ بَعْدَ دَوْلَةِ بَنِي الْعَبَّاسِ، وَأَنَّهُ يَكُونُ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ مِنْ ذُرِّيَّةِ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ مِنْ وَلَدِ الْحَسَنِ، لَا الْحُسَيْنِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، وَأَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ الرَّحَبِيِّ، عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَقْتَتِلُ عِنْدَ كَنْزِكُمْ

ثَلَاثَةٌ كُلُّهُمُ ابْنُ خَلِيفَةٍ. ثُمَّ لَا يَصِيرُ إِلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ، ثُمَّ تَطْلُعُ الرَّايَاتُ السُّودُ، مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ، فَيَقْتُلُونَكُمْ قَتْلًا لَمْ يُقْتَلْهُ قَوْمٌ ". ثُمَّ ذَكَرَ شَيْئًا لَا أَحْفَظُهُ، فَقَالَ: " فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَبَايِعُوهُ، وَلَوْ حَبْوًا عَلَى الثَّلْجِ; فَإِنَّهُ خَلِيفَةُ اللَّهِ الْمَهْدِيُّ ". تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ مَاجَهْ، وَإِسْنَادُهُ قَوِيٌّ صَحِيحٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا الْكَنْزِ الْمَذْكُورِ كَنْزُ الْكَعْبَةِ، يَقْتَتِلُونَ عِنْدَهُ; لِيَأْخُذَهُ ثَلَاثَةٌ مِنْ أَوْلَادِ الْخُلَفَاءِ، حَتَّى إِذَا كَانَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ خَرَجَ الْمَهْدِيُّ مِنْ بِلَادِ الْمَشْرِقِ، وَقِيلَ: مِنْ مَكَّةَ. لَا مِنْ سِرْدَابِ سَامَرَّا، كَمَا تَزْعُمُهُ الرَّافِضَةُ مِنْ أَنَّهُ مَحْبُوسٌ فِيهِ الْآنَ، وَهُمْ يَنْتَظِرُونَ خُرُوجَهُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، وَهَذَا مِنَ الْهَذَيَانِ، وَقِسْطٌ كَبِيرٌ مِنَ الْخِذْلَانِ، وَهَوَسٌ شَدِيدٌ مِنَ الشَّيْطَانِ; إِذْ - لَا دَلِيلَ عَلَى ذَلِكَ وَلَا بُرْهَانَ، مِنْ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا مَعْقُولٍ صَحِيحٍ وَلَا بَيَانٍ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا رِشْدِينُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَخْرُجُ مِنْ خُرَاسَانَ رَايَاتٌ سُودٌ، فَلَا يَرُدُّهَا شَيْءٌ حَتَّى تُنْصَبَ بِإِيلْيَاءَ ". هَذَا - حَدِيثٌ غَرِيبٌ. وَهَذِهِ الرَّايَاتُ السُّودُ لَيْسَتْ هِيَ الَّتِي أَقْبَلَ بِهَا أَبُو مُسْلِمٍ الْخُرَاسَانِيُّ، فَاسْتَلَبَ بِهَا دَوْلَةَ بَنِي أُمَيَّةَ، فِي سَنَةِ ثِنْتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ، بَلْ هِيَ رَايَاتٌ سُودٌ أُخْرَى تَأْتِي صُحْبَةَ الْمَهْدِيِّ، وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَلَوِيُّ الْفَاطِمِيُّ الْحَسَنِيُّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، يُصْلِحُهُ اللَّهُ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ، أَيْ: يَتُوبُ عَلَيْهِ، وَيُوَفِّقُهُ، يُلْهِمُهُ رُشْدَهُ، بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، وَيُؤَيِّدُهُ بِنَاسٍ مِنْ أَهْلِ الْمَشْرِقِ، يَنْصُرُونَهُ، وَيُقِيمُونَ سُلْطَانَهُ، وَيُشَيِّدُونَ أَرْكَانَهُ، وَتَكُونُ رَايَاتُهُمْ سُودًا أَيْضًا،

وَهُوَ زِيٌّ عَلَيْهِ الْوَقَارُ; لِأَنَّرَايَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ سَوْدَاءَ، يُقَالُ لَهَا: الْعُقَابُ. وَقَدْ رَكَّزَهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ عَلَى الثَّنِيَّةِ الَّتِي هِيَ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ، حِينَ أَقْبَلَ مِنَ الْعِرَاقِ، فَعُرِفَتْ بِهَا الثَّنِيَّةُ، فَهِيَ إِلَى الْآنِ يُقَالُ لَهَا: ثَنِيَّةُ الْعُقَابِ. وَقَدْ كَانَتْ عِقَابًا عَلَى الْكُفَّارِ، مِنْ نَصَارَى الشَّامِ وَالرُّومِ وَالْعَرَبِ وَالْفُرْسِ. وَأَطَّدَتْ حُسْنَ الْعَاقِبَةِ لِعِبَادِ اللَّهِ الَّذِينَ وَعَدَهُمُ اللَّهُ أَنْ يَرِثُوا الْأَرْضَ، مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَلِمَنْ كَانَ مَعَهُمْ وَبَعْدَهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ. وَكَذَلِكَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ إِلَى مَكَّةَ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ وَكَانَ أَسْوَدَ، وَجَاءَ فِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ كَانَ مُعْتَمًّا بِعِمَامَةٍ سَوْدَاءَ، فَوْقَ الْبَيْضَةِ.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الْمَهْدِيَّ الْمَوْعُودَ بِهِ يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، وَيَكُونُ أَصْلُ خُرُوجِهِ مِنْ نَاحِيَةِ الْمَشْرِقِ، ثُمَّ يَأْتِي مَكَّةَ، فَيُبَايَعُ لَهُ عِنْدَ الْبَيْتِ الْحَرَامِ، كَمَا ذُكِرَ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ، وَقَدْ أَفْرَدْتُ فِي ذِكْرِ الْمَهْدِيِّ جُزْءًا عَلَى حِدَةٍ.
وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ الْعُقَيْلِيُّ، حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ، عَنْ زَيْدٍ الْعَمِّيِّ، عَنْ أَبِي صِدِّيقٍ النَّاجِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَكُونُ فِي أُمَّتِي الْمَهْدِيُّ إِنْ قُصِرَ فَسَبْعٌ وَإِلَّا فَتِسْعٌ تَنْعَمُ فِيهِ أُمَّتِي نِعْمَةً لَمْ ( يَنْعَمُوا مِثْلَهَا ) قَطُّ; تُؤْتِي الْأَرْضُ أُكُلَهَا، وَلَا تَدَّخِرُ مِنْهُ شَيْئًا، وَالْمَالُ يَوْمَئِذٍ كُدُوسٌ، يَقُومُ الرَّجُلُ فَيَقُولُ: يَا مَهْدِيُّ،

أَعْطِنِي. فَيَقُولُ: خُذْ ".
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، سَمِعْتُ زَيْدًا الْعَمِّيَّ، سَمِعْتُ أَبَا الصِّدِّيقِ النَّاجِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: خَشِينَا أَنْ يَكُونَ بَعْدَ نَبِيِّنَا حَدَثٌ، فَسَأَلْنَا نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنَّ فِي أُمَّتِى الْمَهْدِيَّ، يَخْرُجُ يَعِيشُ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا أَوْ تِسْعًا ". زَيْدٌ الشَّاكُّ، قَالَ: قُلْنَا: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: سِنِينَ. قَالَ: " فَيَجِيءُ إِلَيْهِ الرَّجُلُ فَيَقُولُ: يَا مَهْدِيُّ، أَعْطِنِى، أَعْطِنِى ". قَالَ: فَيَحْثِي لَهُ فِي ثَوْبِهِ مَا اسْتَطَاعَ أَنْ يَحْمِلَهُ ". هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو الصِّدِّيقِ النَّاجِيُّ اسْمُهُ بَكْرُ بْنُ عَمْرٍو، وَيُقَالُ: بَكْرُ بْنُ قَيْسٍ !. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَكْثَرَ مُدَّتِهِ تِسْعُ سِنِينَ، وَأَقَلَّهَا خَمْسٌ أَوْ سَبْعٌ، وَلَعَلَّهُ هُوَ الْخَلِيفَةُ الَّذى يَحْثُو الْمَالَ حَثْيًا وَلَا يَعُدُّهُ عَدًّا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَفَى زَمَانِهِ تَكُونُ الثِّمَارُ كَثِيرَةً، وَالزُّرُوعُ غَزِيرَةً، وَالْمَالُ وَافِرًا، وَالسُّلْطَانُ قَاهِرًا، وَالدِّينُ قَائِمًا ظَاهِرًا، وَالْعَدُوُّ مَلُومًا مَخْذُولًا دَاخِرًا، وَالْبِلَادُ آمِنَةً، وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ قَائِمًا، وَالرِّزْقُ دَارًّا دَائِمًا.
. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا مُجَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قُلْتُ: وَاللَّهِ مَا يَأْتِي عَلَيْنَا أَمِيرٌ إِلَّا وَهُوَ شَرٌّ مِنَ الْماضِي، وَلَا عَامٌ إِلَّا وَهُوَ شَرٌّ مِنَ الْماضِي. قَالَ: لَوْلَا شَيْءٌ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقُلْتُ مِثْلَ مَا يَقُولُ، وَلَكِنْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ مِنْ أُمَرَائِكُمْ أَمِيرًا يَحْثُو الْمالَ حَثْوًا وَلَا يَعُدُّهُ عَدًّا، يَأْتِيهِ الرَّجُلُ

فَيَسْأَلُهُ، فَيَقُولُ: خُذْ. فَيَبْسُطُ ثَوْبَهُ، فَيَحْثُو فِيهِ ". وَبَسَطَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِلْحَفَةً غَلِيظَةً كَانَتْ عَلَيْهِ، يَحْكِي صُنْعَ الرَّجُلِ، ثُمَّ جَمَعَ إِلَيْهِ أَكْنَافَهَا، قَالَ: " فَيَأْخُذُهُ، ثُمَّ يَنْطَلِقُ ". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا هَدِيَّةُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ الْيَمَامِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: نَحْنُ، وَلَدُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، سَادَةُ أَهْلِ الْجَنَّةِ، أَنَا، وَحَمْزَةُ، وَعْلِيٌّ، وَجَعْفَرٌ، وَالْحَسَنُ، وَالْحُسَيْنُ، وَالْمَهْدِيُّ ". قَالَ شَيْخُنَا أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ: كَذَا وَقَعَ فِي " سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ "، وَفِي إِسْنَادِهِ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ الْيَمَامِيُّ، وَالصَّوَابُ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ السُّحَيْمِيُّ.
قُلْتُ: وَكَذَا أَوْرَدَهُ الْبُخَارِيُّ فِي " التَّارِيخِ "، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي " الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ "، وَهُوَ رَجُلٌ مَجْهُولٌ، وَهَذَا الْحَدِيثُ مُنْكَرٌ.
وَفِي " الطَّبَرَانِيِّ " مِنْ حَدِيثِ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ

قَيْسِ بْنِ جَابِرٍ الصَّدَفِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا: سَيَكُونُ بَعْدِي خُلَفَاءُ، ثُمَّ مُلُوكٌ، ثُمَّ أُمَرَاءُ، ثُمَّ جَبَابِرَةٌ، ثُمَّ يَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا، ثُمَّ يُؤَمَّرُ الْقَحْطَانِيُّ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا هُوَ بِدُونِهِ ".
فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي " سُنَنِهِ ": حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ الْجَنَدِيُّ، عَنْ أَبَانِ بْنِ صَالِحٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يَزْدَادُ الْأَمْرُ إِلَّا شِدَّةً، وَلَا الدُّنْيَا إِلَّا إِدْبَارًا، وَلَا النَّاسُ إِلَّا شُحًّا، وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا عَلَى شِرَارِ النَّاسِ، وَلَا الْمَهْدِيُّ إِلَّا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ". فَإِنَّهُ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ بِمُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ الْجَنَدِيِّ الصَّنْعَانِيِّ الْمُؤَذِّنِ، شَيْخِ الشَّافِعِيِّ، وَرَوَى عَنْهُ غَيْرُ وَاحِدٍ أَيْضًا، وَلَيْسَ هُوَ بِمَجْهُولٍ كَمَا زَعَمَهُ الْحَاكِمُ، بَلْ قَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ وَثَّقَهُ، وَلَكِنْ مِنَ الرُّوَاةِ مَنْ حَدَّثَ بِهِ عَنْهُ، عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، مُرْسَلًا، وَذَكَرَ شَيْخُنَا فِي " التَّهْذِيبِ "، عَنْ بَعْضِهِمْ، أَنَّهُ رَأَى الشَّافِعِيَّ فِي الْمَنَامِ وَهُوَ يَقُولُ: كَذَبَ عَلَيَّ يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الصَّدَفِيُّ، لَيْسَ هَذَا مِنْ حَدِيثِي.
قُلْتُ: يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى مِنَ الثِّقَاتِ، لَا يُطْعَنُ فِيهِ بِمُجَرَّدِ مَنَامٍ، وَهَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا يَظْهَرُ فِي بَادِي الرَّأْيِ مُخَالِفٌ لِلْأَحَادِيثِ الَّتِي أَوْرَدْنَاهَا فِي إِثْبَاتِ مَهْدِيٍّ غَيْرِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، إِمَّا قَبْلَ نُزُولِهِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَإِمَّا بَعْدَ

نُزُولِهِ، وَعِنْدَ التَّأَمُّلِ يَكُونُ هَذَا الْحَدِيثُ لَا يُنَافِيهَا، وَيَكُونُ الْمُرَادُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمَهْدِيَّ حَقَّ الْمَهْدِيِّ هُوَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، وَلَا يَنْفِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ مَهْدِيًّا أَيْضًا.

ذِكْرُ أَنْوَاعٍ مِنَ الْفِتَنِ وَقَعَتْ، وَسَتَكْثُرُ وَتَتَفَاقَمُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ
قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ أَنَّهُ سَمِعَ الزُّهْرِيَّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، أَنَّهَا قَالَتْ:اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ النَّوْمِ مُحْمَرًّا وَجْهُهُ، يَقُولُ: " لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ! فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ ". وَعَقَدَ سُفْيَانُ تِسْعِينَ أَوْ مِائَةً، قِيلَ: أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: " نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ ". وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، بِهِ. قَالَ: وَعَقَدَ سُفْيَانُ بِيَدِهِ عَشْرَةً. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَنْ حَرْمَلَةَ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَقَالَ: وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الْإِبْهَامِ، وَالَّتِي تَلِيهَا. ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو، وَزُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، وَابْنِ أَبِي عُمَرَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ زَيْنَبَ، عَنْ حَبِيبَةَ، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، فَاجْتَمَعَ فِيهِ تَابِعِيَّانِ، وَرَبِيبَتَانِ،

وَزَوْجَتَانِ، أَرْبَعُ صَحَابِيَّاتٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ ". وَعَقَدَ وُهَيْبٌ تِسْعِينَ. وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ وُهَيْبٍ مِثْلَهُ.
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ هِنْدَ بِنْتِ الْحَارِثِ الْفِرَاسِيَّةِ، أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتِ:اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً فَزِعًا، يَقُولُ: " سُبْحَانَ اللَّهِ ! مَاذَا أُنْزِلَ اللَّيْلَةَ مِنَ الْخَزَائِنِ، وَمَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الْفِتَنِ؟ مَنْ يُوقِظُ صَوَاحِبَ الْحُجُرَاتِ - يُرِيدُ أَزْوَاجَهُ - لِكَيْ يُصَلِّينَ، رُبَّ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٌ فِي الْآخِرَةِ ".
ثُمَّ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ:أَشْرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُطُمٍ مِنْ آطَامِ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ: " هَلْ تَرَوْنَ مَا أَرَى؟ " قَالُوا: لَا. قَالَ: " فَإِنِّي لَأَرَى الْفِتَنَ تَقَعُ خِلَالَ بُيُوتِكُمْ، كَوَقْعِ الْقَطْرِ ". وَرَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ

النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ، وَيَنْقُصُ الْعِلْمُ، وَيُلْقَى الشُّحُّ، وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ، وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيَّمَا هُوَ؟ قَالَ: " الْقَتْلُ، الْقَتْلُ ". وَرَوَاهُ أَيْضًا، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي مُوسَى.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ، قَالَ: أَتَيْنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ مَا يَلْقَوْنَ مِنَ الْحَجَّاجِ، فَقَالَ: اصْبِرُوا فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ إِلَّا الَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ، حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ " سَمِعْتُهُ مِنْ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَهَذَا الْحَدِيثُ يُعَبِّرُ عَنْهُ الْعَوَامُّ، فِيمَا يُورِدُونَهُ، بِلَفْظٍ آخَرَ: كُلَّ عَامٍ تَرْذُلُونَ.
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعَنْ

أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَتَكُونُ فِتَنٌ، الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، مَنْ يُشْرِفُ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ، فَمَنْ وَجَدَ فِيهَا مَلْجَأً أَوْ مُعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ ". وَلِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ نَحْوُهُ بِأَبْسَطَ مِنْهُ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا حُذَيْفَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَيْنِ رَأَيْتُ أَحَدَهُمَا وَأَنَا أَنْتَظِرُ الْآخَرَ، حَدَّثَنَاأَنَّ الْأَمَانَةَ نَزَلَتْ فِي جِذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ، ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ. وَحَدَّثَنَا عَنْ رَفْعِهَا قَالَ: " يَنَامُ الرَّجُلُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ الْأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ، فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثْلَ أَثَرِ الْوَكْتِ، ثُمَّ يَنَامُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ، فَيَبْقَى أَثَرُهَا مِثْلَ أَثَرِ الْمَجْلِ، كَجَمْرٍ دَحْرَجْتَهُ عَلَى رِجْلِكَ فَنَفِطَ،

فَتَرَاهُ مُنْتَبِرًا وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ، فَيُصْبِحُ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ، وَلَا يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّي الْأَمَانَةَ، فَيُقَالُ: إِنَّ فِي بَنِي فَلَانٍ رَجُلًا أَمِينًا. وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ: مَا أَعْقَلَهُ، وَمَا أَظْرَفَهُ، وَمَا أَجْلَدُهُ! وَمَا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ، وَلَقَدْ أَتَى عَلَيَّ زَمَانٌ وَمَا أُبَالِي أَيَّكُمْ بَايَعْتُ، لَئِنْ كَانَ مُسْلِمًا رَدَّهُ عَلَيَّ الْإِسْلَامُ، وَإِنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا رَدَّهُ عَلَيَّ سَاعِيهِ، وَأَمَّا الْيَوْمَ فَمَا كُنْتُ أُبَايِعُ إِلَّا فُلَانًا وَفُلَانًا ". وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ، بِهِ.
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَمِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ إِلَى جَنْبِ الْمِنْبَرِ وَهُوَ مُسْتَقْبِلُ الْمَشْرِقِ، فَقَالَ: " أَلَا إِنَّ الْفِتْنَةَ هَاهُنَا، مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ ". أَوْ قَالَ: " قَرْنُ الشَّمْسِ ". وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ وَغَيْرِهِ، عَنْ سَالِمٍ بِهِ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عَطِيَّةَ، كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، بِهِ.

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ، فَيَقُولُ: يَا لَيْتَنِي مَكَانَهُ ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا عَفَّانُ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَنَا يُونُسُ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: تُوشِكُونَ أَنْ يَمْلَأَ اللَّهُ أَيْدِيَكُمْ مِنَ الْعَجَمِ - وَقَالَ عَفَّانُ مَرَّةً: مِنَ الْأَعَاجِمِ - يَكُونُونَ أُسْدًا لَا يَفِرُّونَ، يَقْتُلُونَ مُقَاتِلَتَكُمْ، وَيَأْكُلُونَ فَيْئَكُمْ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَضْطَرِبَ أَلَيَاتُ نِسَاءِ دَوْسٍ عَلَى ذِي الْخَلَصَةِ ". وَذُو الْخَلَصَةِ طَاغِيَةُ دَوْسٍ، الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ الْكِنْدِيُّ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ جَدِّهِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُوشِكُ الْفُرَاتُ أَنْ يَحْسِرَ عَنْ

كَنْزٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَمَنْ حَضَرَهُ فَلَا يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا ". قَالَ عُقْبَةُ: وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: يَحْسِرُ عَنْ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ ". وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ خَالِدٍ، مِنَ الْوَجْهَيْنِ.
ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَاتَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَنْحَسِرَ الْفُرَاتُ عَنْ جَبَلٍ مَنْ ذَهَبٍ، يَقْتَتِلُ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَيُقْتَلُ مِنْ كُلِّ مِائَةٍ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ، وَيَقُولُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ: لَعَلِّي أَكُونُ أَنَا الَّذِي أَنْجُو ".
ثُمَّ رَوَى مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ، قَالَ: كُنْتُ وَاقِفًا مَعَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فِي ظِلِّ أُجُمِ " حَسَّانَ، فَقَالَ: لَا يَزَالُ النَّاسُ مُخْتَلِفَةً أَعْنَاقُهُمْ فِي طَلَبِ الدُّنْيَا، قُلْتُ: أَجَلْ. قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: يُوشِكُ الْفُرَاتُ أَنْ يَحْسِرَ عَنْ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَإِذَا سَمِعَ بِهِ النَّاسُ سَارُوا إِلَيْهِ، فَيَقُولُ مَنْ عِنْدَهُ: لَئِنْ تَرَكْنَا النَّاسَ يَأْخُذُونَ مِنْهُ لَيَذْهَبُنَّ بِهِ كُلِّهِ ". قَالَ: " فَيَقْتَتِلُونَ عَلَيْهِ، فَيُقْتَلُ مِنْ كُلِّ مِائَةٍ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ ".
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنْ

عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ عَظِيمَتَانِ يَكُونُ بَيْنَهُمَا مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ، دَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ، وَحَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثِينَ، كُلٌّ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، وَحَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ، وَتَكْثُرَ الزَّلَازِلُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ، وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ، وَهُوَ الْقَتْلُ، وَحَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ الْمَالُ فَيَفِيضُ، حَتَّى يُهِمَّ رَبَّ الْمَالِ مَنْ يَقْبَلُ صَدَقَتَهُ، وَحَتَّى يَعْرِضَهُ فَيَقُولُ الَّذِي يَعْرِضُهُ عَلَيْهِ: لَا أَرَبَ لِي بِهِ. وَحَتَّى يَتَطَاوَلَ النَّاسُ فِي الْبُنْيَانِ، وَحَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ، فَيَقُولُ: يَا لَيْتَنِي مَكَانَهُ. وَحَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَإِذَا طَلَعَتْ وَرَآهَا النَّاسُ آمَنُوا أَجْمَعُونَ وَذَلِكَ حِينَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ ءَامَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا [ الْأَنْعَامِ: 158 ]. وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ نَشَرَ الرَّجُلَانِ ثَوْبَهُمَا بَيْنَهُمَا فَلَا يَتَبَايَعَانِهِ وَلَا يَطْوِيَانِهِ. وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدِ انْصَرَفَ الرَّجُلُ بِلَبَنِ لِقْحَتِهِ فَلَا يَطْعَمُهُ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَهُوَ يَلِيطُ حَوْضَهُ فَلَا يَسْقِي فِيهِ. وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ رَفَعَ أُكْلَتَهُ إِلَى فِيهِ فَلَا يَطْعَمُهَا ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ، ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، يَعْنِي الدَّرَاوَرْدِيَّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ قَوْمٌ يَأْكُلُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ كَمَا تَأْكُلُ الْبَقَرُ

بِأَلْسِنَتِهَا ". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.
وَقَالَ مُسْلِمٌ: حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِيُّ، أَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ أَبَا إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيَّ، قَالَ:قَالَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ النَّاسِ بِكُلِّ فِتْنَةٍ كَائِنَةٍ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ السَّاعَةِ، وَمَا بِي إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسَرَّ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ شَيْئًا لَمْ يُحَدِّثْهُ غَيْرِي، وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَهُوَ يُحَدِّثُ مَجْلِسًا أَنَا فِيهِ عَنِ الْفِتَنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَعُدُّ الْفِتَنَ: " مِنْهُنَّ ثَلَاثٌ لَا يَكَدْنَ يَذَرْنَ شَيْئًا، وَمِنْهُنَّ فِتَنٌ كَرِيَاحِ الصَّيْفِ، مِنْهَا صِغَارٌ، وَمِنْهَا كِبَارٌ ". قَالَ حُذَيْفَةُ: فَذَهَبَ أُولَئِكَ الرَّهْطُ كُلُّهُمْ غَيْرِي.
وَرَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ زُهَيْرٍ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا مَنَعَتِ الْعِرَاقُ دِرْهَمَهَا وَقَفِيزَهَا، وَمَنَعَتِ الشَّامُ مُدْيَهَا وَدِينَارَهَا، وَمَنَعَتْ مِصْرُ إرْدَبَّهَا وَدِينَارَهَا، وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ، وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ، وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ ". شَهِدَ عَلَى ذَلِكَ لَحْمُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَدَمُهُ.

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ جَابِرٍ فَقَالَ:يُوشِكُ أَهْلُ الْعِرَاقِ أَنْ لَا يُجْبَى إِلَيْهِمْ قَفِيزٌ وَلَا دِرْهَمٌ. قُلْنَا: مِنْ أَيْنَ ذَاكَ؟ قَالَ: مِنْ قِبَلِ الْعَجَمِ، يَمْنَعُونَ ذَاكَ. ثُمَّ قَالَ: يُوشِكُ أَهْلُ الشَّامِ أَنْ لَا يُجْبَى إِلَيْهِمْ دِينَارٌ وَلَا مُدْيٌ. قُلْنَا: مِنْ أَيْنَ ذَاكَ. قَالَ: مِنْ قِبَلِ الرُّومِ، يَمْنَعُونَ ذَاكَ. قَالَ: ثُمَّ سَكَتَ هُنَيْهَةً، ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَكُونُ مِنْ آخِرِ أُمَّتِي خَلِيفَةٌ يَحْثُو الْمَالَ حَثْيًا لَا يَعُدُّهُ عَدًّا ". قَالَ الْجُرَيْرِيُّ: فَقُلْتُ لِأَبِي نَضْرَةَ وَأَبِي الْعَلَاءِ: أَتَرَيَانِهِ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ؟ فَقَالَا: لَا وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الْجُرَيْرِيِّ، بِنَحْوِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، حَدَّثَنَا أَفْلَحُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ، شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ قُبَاءَ مِنَ الْأَنْصَارِ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَافِعٍ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنْ طَالَتْ بِكُمْ مُدَّةٌ أَوْشَكَ أَنْ تَرَى قَوْمًا يَغْدُونَ فِي سَخَطِ اللَّهِ، وَيَرُوحُونَ فِي لَعْنَتِهِ، فِي أَيْدِيهِمْ مِثْلُ أَذْنَابِ الْبَقَرِ ". وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ

الْحُبَابِ، عَنْ أَفْلَحَ بْنِ سَعِيدٍ، بِهِ.
ثُمَّ رَوَى عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا بَعْدُ; قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ، مَائِلَاتٌ مُمِيلَاتٌ، رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ، وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا ".
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ يَحْيَى الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَيْدٍ، حَدَّثَنَا مَكْحُولٌ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ:قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَتَّى نَدَعُ الِائْتِمَارَ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ؟ قَالَ: " إِذَا ظَهَرَ فِيكُمْ مِثْلُ مَا ظَهَرَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، إِذَا كَانَتِ الْفَاحِشَةُ فِي كِبَارِكُمْ، وَالْعِلْمُ فِي رُذَّالِكُمْ، وَالْمُلْكُ فِي صِغَارِكُمْ ". وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ الْوَلِيدِ الدِّمَشْقِيِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ أَبَى مُعَيْدٍ حَفْصِ بْنِ غَيْلَانَ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ أَنَسٍ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَطَاءِ

بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ضَافَ رَجُلٌ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَفِي دَارِهِ كَلْبَةٌ مُجِحٌّ، فَقَالَتِ الْكَلْبَةُ: وَاللَّهِ لَا أَنْبَحُ ضَيْفَ أَهْلِي. قَالَ: فَعَوَى جِرَاؤُهَا فِي بَطْنِهَا. قَالَ: قِيلَ: مَا هَذَا؟ قَالَ: فَأَوْحَى اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ: هَذَا مَثَلُ أُمَّةٍ تَكُونُ مِنْ بَعْدِكُمْ، يَقْهَرُ سُفَهَاؤُهَا حُلَمَاءَهَا ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، حَدَّثَنِي أَبُو عَمَّارٍ، حَدَّثَنِي جَارٌ لِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَدِمْتُ مِنْ سَفَرٍ، فَجَاءَنِي جَابِرٌ يُسَلِّمُ عَلَيَّ، فَجَعَلْتُ أُحَدِّثُهُ عَنِ افْتِرَاقِ النَّاسِ وَمَا أَحْدَثُوا، فَجَعَلَ جَابِرٌ يَبْكِي، ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ النَّاسَ دَخَلُوا فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا، وَسَيَخْرُجُونَ مِنْهُ أَفْوَاجًا ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو يُونُسَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَقَالَ حَسَنٌ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو يُونُسَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ; فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا، وَيُمْسِي كَافِرًا، يَبِيعُ قَوْمٌ دِينَهُمْ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا قَلِيلٍ، الْمُتَمَسِّكُ يَوْمَئِذٍ بِدِينِهِ كَالْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِ ". أَوْ قَالَ: " عَلَى الشَّوْكِ ". وَقَالَ حَسَنٌ فِي حَدِيثِهِ: " بِخَبَطِ الشَّوْكِ ".

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْمَدَائِنِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ حَبِيبٍ الْأَزْدِيُّ، عَنْ أَبِيهِ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ شُبَيْلِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِثَوْبَانَ: " كَيْفَ أَنْتَ يَا ثَوْبَانُ، إِذَا تَدَاعَتْ عَلَيْكُمُ الْأُمَمُ كَتَدَاعِيهِمْ إِلَى قَصْعَةِ الطَّعَامِ، يُصِيبُونَ مِنْهُ؟ " قَالَ ثَوْبَانُ: بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمِنْ قِلَّةٍ بِنَا؟ قَالَ: " لَا، بَلْ أَنْتُمْ يَوْمئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنْ يُلْقَى فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهَنُ ". قَالُوا: وَمَا الْوَهَنُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " حُبُّكُمُ الدُّنْيَا، وَكَرَاهِيَتُكُمُ الْقِتَالَ ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ وَابِصَةَ الْأَسَدِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: إِنِّي بِالْكُوفَةِ فِي دَارِي، إِذْ سَمِعْتُ عَلَى بَابِ الدَّارِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، أَأَلِجُ؟ فَقُلْتُ: عَلَيْكُمُ السَّلَامُ، فَلِجْ. فَلَمَّا دَخَلَ، فَإِذَا هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَيَّةُ سَاعَةِ زِيَارَةٍ هَذِهِ؟! وَذَلِكَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، فَقَالَ: طَالَ عَلَيَّ النَّهَارُ، فَذَكَرْتُ مَنْ أَتَحَدَّثُ إِلَيْهِ. قَالَ: فَجَعَلَ يُحَدِّثُنِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُحَدِّثُهُ، ثُمَّ أَنْشَأَ يُحَدِّثُنِي، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: تَكُونُ فِتْنَةٌ، النَّائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمُضْطَجِعِ، وَالْمُضْطَجِعُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَاعِدِ، وَالْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ

مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي خَيْرٌ مِنَ الرَّاكِبِ، وَالرَّاكِبُ خَيْرٌ مِنَ الْمُجْرِي، قَتْلَاهَا كُلُّهَا فِي النَّارِ ". قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَتَى ذَلِكَ؟ قَالَ: " ذَلِكَ أَيَّامَ الْهَرْجِ ". قُلْتُ: وَمَتَى أَيَّامُ الْهَرْجِ؟ قَالَ: " حِينَ لَا يَأْمَنُ الرَّجُلُ جَلِيسَهُ ". قَالَ: قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ قَالَ: " اكْفُفْ نَفْسَكَ وَيَدَكَ، وَادْخُلْ دَارَكَ ". قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ دَخَلَ رَجُلٌ عَلَيَّ دَارِي؟ قَالَ: " فَادْخُلْ بَيْتَكَ ". قَالَ: قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إِنَّ دَخَلَ عَلَيَّ بَيْتِي؟ قَالَ: " فَادْخُلْ مَسْجِدَكَ، وَاصْنَعْ هَكَذَا - وَقَبَضَ بِيَمِينِهِ عَلَى الْكُوعِ - وَقُلْ: رَبِّيَ اللَّهُ. حَتَّى تَمُوتَ عَلَى ذَلِكَ ". وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شِهَابُ بْنُ خِرَاشٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ غَزْوَانَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاشِدٍ الْجَزَرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ وَابِصَةَ، عَنْ أَبِيهِ،عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ، فَذَكَرَ بَعْضَ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: " قَتْلَاهَا كُلُّهُمْ فِي النَّارِ ". قَالَ فِيهِ: قُلْتُ: مَتَى ذَلِكَ يَا ابْنَ مَسْعُودٍ؟ قَالَ: " تِلْكَ أَيَّامُ الْهَرْجِ، حَيْثُ لَا يَأْمَنُ الرَّجُلُ جَلِيسَهُ ". قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ الزَّمَانُ؟ قَالَ: " تَكُفُّ لِسَانَكَ وَيَدَكَ، وَتَكُونُ حِلْسًا مِنْ أَحْلَاسِ بَيْتِكَ ". قَالَ - يَعْنِي وَابِصَةَ -: فَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ طَارَ قَلْبِي مَطَارَهُ، فَرَكِبْتُ حَتَّى أَتَيْتُ دِمَشْقَ، فَلَقِيتُ خُرَيْمَ بْنَ فَاتِكٍ الْأَسَدِيَّ، فَحَلَفَ بِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَسَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا حَدَّثَنِيهِ ابْنُ مَسْعُودٍ.

وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ عُثْمَانَ الشَّحَّامِ، حَدَّثَنِي مُسْلِمُ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ، الْمُضْطَجِعُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْجَالِسِ، وَالْجَالِسُ خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي ". قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: " مَنْ كَانَتْ لَهُ إِبِلٌ فَلْيَلْحَقْ إِبِلَهُ، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ غَنَمٌ فَلْيَلْحَقْ بِغَنَمِهِ، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَلْحَقْ بِأَرْضِهِ ". قَالَ: فَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: " فَلْيَعْمِدْ إِلَى سَيْفِهِ فَلْيَضْرِبْ بِحَدِّهِ عَلَى حَرَّةٍ، ثُمَّ لِيَنْجُ مَا اسْتَطَاعَ النَّجَاءَ ". وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ الشَّحَّامِ بِنَحْوِهِ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ خَالِدٍ الرَّمْلِيُّ، حَدَّثَنَا الْمُفَضَّلُ، عَنْ عَيَّاشٍ، عَنْ بُكَيْرٍ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَشْجَعِيِّ، أَنَّهُسَمِعَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ دَخَلَ عَلَيَّ بَيْتِي، وَبَسَطَ يَدَهُ لِيَقْتُلَنِي؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كُنْ كَابْنِ آدَمَ ". وَتَلَا يَزِيدُ: لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْنُلَنِي

الْآيَةُ [ الْمَائِدَةِ: 28 ] انْفَرَدَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عَيَّاشِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ بِشْرِ بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ عِنْدَ فِتْنَةِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ: أَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ، الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي ". قَالَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ دَخَلَ عَلَيَّ بَيْتِي فَبَسَطَ يَدَهُ إِلَيَّ لِيَقْتُلَنِي؟ قَالَ: " كُنْ كَابْنِ آدَمَ ". وَهَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ عَيَّاشِ بْنِ عَبَّاسٍ الْقِتْبَانِيِّ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، فَذَكَرَهُ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنِ اللَّيْثِ، وَزَادَ فِي الْإِسْنَادِ رَجُلًا. يَعْنِي: الْحُسَيْنَ - وَقِيلَ: الْحُسَيْلُ - ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَيُقَالُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحُسَيْنِ عَنْ سَعْدٍ، كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ آنِفًا.
ثُمَّ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَرْوَانَ، عَنْ هُزَيْلٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا، وَيُمْسِي كَافِرًا، وَيُمْسِي مُؤْمِنًا، وَيُصْبِحُ كَافِرًا، الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، فَكَسِّرُوا قِسِيَّكُمْ، وَقَطِّعُوا أَوْتَارَكُمْ، وَاضْرِبُوا سُيُوفَكُمْ بِالْحِجَارَةِ، فَإِنْ دَخَلَ - يَعْنِي: عَلَى أَحَدٍ مِنْكُمْ - فَلْيَكُنْ

كَخَيْرِ ابْنَيْ آدَمَ ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مَرْحُومٌ، حَدَّثَنِي أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِمَارًا، وَأَرْدَفَنِي خَلْفَهُ، فَقَالَ: " يَا أَبَا ذَرٍّ، أَرَأَيْتَ إِنْ أَصَابَ النَّاسَ جُوعٌ شَدِيدٌ، حَتَّى لَا تَسْتَطِيعَ أَنْ تَقُومَ مِنْ فِرَاشِكَ إِلَى مَسْجِدِكَ، كَيْفَ تَصْنَعُ؟ " قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: " تَعَفَّفْ ". قَالَ: " يَا أَبَا ذَرٍّ، أَرَأَيْتَ إِنْ أَصَابَ النَّاسَ مَوْتٌ شَدِيدٌ، يَكُونُ الْبَيْتُ فِيهِ بِالْعَبْدِ - يَعْنِي: الْقَبْرَ - كَيْفَ تَصْنَعُ؟ " قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: " اصْبِرْ ". قَالَ: " يَا أَبَا ذَرٍّ، أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا - يَعْنِي حَتَّى تَغْرَقَ حِجَارَةُ الزَّيْتِ مِنَ الدِّمَاءِ - كَيْفَ تَصْنَعُ؟ " قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: " اقْعُدْ فِي بَيْتِكَ، وَأَغْلِقْ عَلَيْكَ بَابَكَ ". قَالَ: فَإِنْ لَمْ أُتْرَكْ؟ قَالَ: " فَائْتِ مَنْ أَنْتَ مِنْهُمْ، فَكُنْ فِيهِمْ ". قُلْتُ: فَآخُذُ سِلَاحِي؟ قَالَ: " إِذًا تُشَارِكُهُمْ فِيمَا هُمْ فِيهِ، وَكُنْ إِنْ خَشِيتَ أَنْ يَرْدَعَكَ شُعَاعُ السَّيْفِ، فَأَلْقِ طَرْفَ رِدَائِكَ عَلَى وَجْهِكَ كَيْ يَبُوءَ بِإِثْمِهِ وَإِثْمِكَ ". هَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ مُسَدَّدٍ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنِ الْمُشَعَّثِ بْنِ طَرِيفٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، بِنَحْوِهِ ". ثُمَّ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: لَمْ يَذْكُرِ الْمُشَعَّثَ فِي هَذَا

الْحَدِيثِ غَيْرُ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ، ثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، ثَنَا عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ، عَنْ أَبِي كَبْشَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُوسَى يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّبَيْنَ أَيْدِيكُمْ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، وَيُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي ". قَالُوا. فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: " كُونُوا أَحْلَاسَ بُيُوتِكُمْ ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبَى قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِيَ الْأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ مُلْكَ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا، وَإِنِّي أُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ; الْأَحْمَرَ وَالْأَبْيَضَ، وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي لِأُمَّتِي أَنْ لَا يُهْلَكُوا بِسَنَةٍ بِعَامَّةٍ، وَلَا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ، فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ، وَإِنَّ رَبِّي، عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنِّي إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً، فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ، وَإِنِّي أَعْطَيْتُ لِأُمَّتِكَ أَنْ لَا أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ بِعَامَّةٍ، وَلَا أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ، وَلَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مَنْ بَيْنَ أَقْطَارِهَا - أَوْ قَالَ: مَنْ بِأَقْطَارِهَا - حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يَسْبِي بَعْضًا، وَإِنَّمَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي

الْأَئِمَّةَ الْمُضِلِّينَ، وَإِذَا وُضِعَ فِي أُمَّتِي السَّيْفُ لَمْ يُرْفَعْ عَنْهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَلْحَقَ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِي بِالْمُشْرِكِينَ، وَحَتَّى تَعْبُدَ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِي الْأَوْثَانَ، وَإِنَّهُ سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي كَذَّابُونَ ثَلَاثُونَ، كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، وَأَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، لَا نَبِيَّ بَعْدِي، وَلَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ ". وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْجَرْمِيِّ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ عَمْرِو بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ ثَوْبَانَ بْنِ بُجْدُدٍ، بِنَحْوِهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الْحَفَرِيُّ، عَنْ بَدْرِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: تَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ أَرْبَعُ فِتَنٍ، آخِرُهَا الْفَنَاءُ ".
ثُمَّ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ الْحِمْصِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَالِمٍ، حَدَّثَنِي الْعَلَاءُ بْنُ عُتْبَةَ، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ هَانِئٍ الْعَنْسِيِّ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ:كُنَّا قُعُودًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ الْفِتَنَ، فَأَكْثَرَ فِي ذِكْرِهَا، حَتَّى ذَكَرَ فِتْنَةَ الْأَحْلَاسِ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا فِتْنَةُ الْأَحْلَاسِ؟ قَالَ: " هِيَ حَرَبٌ وَهَرَبٌ، ثُمَّ فِتْنَةُ السَّرَّاءِ،

دَخَنُهَا مِنْ تَحْتِ قَدَمَيْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، يَزْعُمُ أَنَّهُ مِنِّي، وَلَيْسَ مِنِّي، وَإِنَّمَا أَوْلِيَائِي الْمُتَّقُونَ، ثُمَّ يَصْطَلِحُ النَّاسُ عَلَى رَجُلٍ كَوَرِكٍ عَلَى ضِلَعٍ، ثُمَّ فِتْنَةُ الدُّهَيْمَاءِ، لَا تَدَعُ أَحَدًا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا لَطْمَتْهُ، حَتَّى إِذَا قِيلَ: انْقَضَتْ عَادَتْ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، حَتَّى يَصِيرَ النَّاسُ إِلَى فُسْطَاطَيْنِ; فُسْطَاطِ إِيمَانٍ لَا نِفَاقَ فِيهِ، وَفُسْطَاطِ نِفَاقٍ لَا إِيمَانَ فِيهِ، فَإِذَا كَانَ ذَاكُمْ، فَانْتَظِرُوا الدَّجَّالَ، مِنْ يَوْمِهِ أَوْ مِنْ غَدِهِ ". تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ، وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي " مُسْنَدِهِ "، عَنْ أَبِي الْمُغِيرَةِ، بِمِثْلِهِ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، يَعْنِي ابْنَ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كَيْفَ بِكُمْ وَزَمَانٍ - أَوْ: أَوْشَكَ أَنْ يَأْتِيَ زَمَانٌ - يُغَرْبَلُ النَّاسُ فِيهِ غَرْبَلَةً، تَبْقَى حُثَالَةٌ مِنَ النَّاسِ قَدْ مَرَجَتْ عُهُودُهُمْ وَأَمَانَاتُهُمْ، وَاخْتَلَفُوا فَكَانُوا

هَكَذَا ". وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، فَقَالُوا: كَيْفَ بِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " تَأْخُذُونَ بِمَا تَعْرِفُونَ، وَتَدَعُونَ مَا تُنْكِرُونَ، تُقْبِلُونَ عَلَى أَمْرِ خَاصَّتِكُمْ، وَتَذَرُونَ أَمْرَ عَامَّتِكُمْ ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: هَكَذَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ. وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، بِهِ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي " مُسْنَدِهِ "، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، بِهِ. وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُطَرِّفٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، أَوْ مِثْلَهُ.
ثُمَّ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ، يَعْنِي ابْنَ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ هِلَالِ بْنِ خَبَّابٍ أَبِي الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ:بَيْنَمَا نَحْنُ حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ ذَكَرَ الْفِتْنَةَ، أَوْ ذُكِرَتْ عِنْدَهُ، فَقَالَ: " إِذَا رَأَيْتُمُ النَّاسَ قَدْ مَرَجَتْ عُهُودُهُمْ، وَخَفَّتْ أَمَانَاتُهُمْ، وَكَانُوا هَكَذَا ". وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، قَالَ: فَقُمْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: كَيْفَ أَفْعَلُ عِنْدَ ذَلِكَ جَعَلَنِي اللَّهُ فَدَاكَ؟ قَالَ: " الْزَمْ بَيْتَكَ، وَامْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَخُذْ بِمَا تَعْرِفُ، وَدَعْ مَا تُنْكِرُ، وَعَلَيْكَ بِأَمْرِ خَاصَّةِ نَفْسِكَ،

وَدَعْ عَنْكَ أَمْرَ الْعَامَّةِ ". وَهَكَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ الْفَضْلِ بْنِ دُكَيْنٍ، بِهِ، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ بَكَّارٍ، عَنْ مَخْلَدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ.
قَالَ أَحْمَدُ: ثَنَا عَبْدُ الْقُدُّوسِ بْنُ الْحَجَّاجِ، ثَنَا حَرِيزٌ، يَعْنِي ابْنَ عُثْمَانَ الرَّحَبِيَّ، ثَنَا رَاشِدُ بْنُ سَعْدٍ الْمَقْرَائِيُّ، عَنْ أَبِي حَيٍّ، عَنْ ذِي مِخْمَرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كَانَ هَذَا الْأَمْرُ فِي حِمْيَرَ، فَنَزَعَهُ اللَّهُ مِنْهُمْ، فَجَعَلَهُ فِي قُرَيْشٍ وَ سَ يَ عُ و دُ إِلَ يْ هِ مْ ". قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ: هَكَذَا فِي كِتَابِ أَبِي مُقَطَّعٌ، وَحَيْثُ حَدَّثَنَا بِهِ تَكَلَّمَ بِهِ عَلَى الِاسْتِوَاءِ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنْ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ: زِيَادٌ. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهُ سَتَكُونُ فِتْنَةٌ تَسْتَنْظِفُ الْعَرَبَ، قَتْلَاهَا فِي النَّارِ، اللِّسَانُ فِيهَا أَشَدُّ مِنْ وَقْعِ السَّيْفِ ". وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ، عَنْ أَسْوَدَ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِهِ عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنْ زِيَادٍ،

وَهُوَ الْأَعْجَمُ، وَيُقَالُ لَهُ: زِيَادُ سِيمِينْ كُوشَ. وَقَدْ حَكَى التِّرْمِذِيُّ عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ لَيْسَ لِزِيَادٍ هَذَا حَدِيثٌ سِوَاهُ، وَأَنَّ حَمَّادَ بْنَ زَيْدٍ رَوَاهُ عَنِ اللَّيْثِ فَوَقَفَهُ، وَقَدِ اسْتَدْرَكَ ابْنُ عَسَاكِرَ عَلَى الْبُخَارِيِّ هَذَا الْحَدِيثَ، فَإِنَّ أَبَا دَاوُدَ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ مَرْفُوعًا، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ خَالِدُ بْنُ أَبِي عِمْرَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: سَتَكُونُ فِتْنَةٌ صَمَّاءُ بَكْمَاءُ عَمْيَاءُ، مَنْ أَشْرَفَ لَهَا اسْتَشْرَفَتْ لَهُ، وَإِشْرَافُ اللِّسَانِ فِيهَا كَوُقُوعِ السَّيْفِ ".

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ - وَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ - حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ رَبِّ الْكَعْبَةِ،عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو - وَكُنْتُ جَالِسًا مَعَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ وَهُوَ يُحَدِّثُ النَّاسَ - قَالَ: كُنَّا مَعَ

رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا، فَمِنَّا مَنْ يَضْرِبُ خِبَاءَهُ، وَمِنَّا مَنْ هُوَ فِي جَشَرِهِ، وَمِنَّا مَنْ يَنْتَضِلُ، إِذْ نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الصَّلَاةَ جَامِعَةً. قَالَ: فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ، وَيَقُولُ: " أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلَّا كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى مَا يَعْلَمُهُ خَيْرًا لَهُمْ، وَيُنْذِرُهُمْ مَا يَعْلَمُهُ شَرًّا لَهُمْ، أَلَا وَإِنَّ عَافِيَةَ هَذِهِ الْأُمَّةِ فِي أَوَّلِهَا، وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلَاءٌ وَفِتَنٌ يُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا، تَجِيءُ الْفِتْنَةُ، فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: هَذِهِ مُهْلِكَتِي. ثُمَّ تَنْكَشِفُ، ثُمَّ تَجِئُ فَيَقُولُ: هَذِهِ هَذِهِ. ثُمَّ تَجِيءُ فَيَقُولُ: هَذِهِ، هَذِهِ. ثُمَّ تَنْكَشِفُ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ وَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ فَلْتُدْرِكْهُ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَيَأْتِي إِلَى النَّاسِ مَا يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ، وَمَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ، فَلْيُطِعْهُ إِنِ اسْتَطَاعَ ". وَقَالَ مَرَّةً: " مَا اسْتَطَاعَ ". قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَلَمَّا سَمِعْتُهَا أَدْخَلْتُ رَأْسِي بَيْنَ رَجُلَيْنِ، قُلْتُ: فَإِنَّ ابْنَ عَمِّكَ مُعَاوِيَةَ يَأْمُرُنَا أَنْ نَأْكُلَ أَمْوَالَنَا بَيْنَنَا بِالْبَاطِلِ، وَأَنْ نَقْتُلَ أَنْفُسَنَا، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ [ النِّسَاءِ: 29 ]. وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ [ النِّسَاءِ: 29 ]. قَالَ: فَجَمَعَ يَدَيْهِ، فَوَضَعَهُمَا عَلَى جَبْهَتِهِ، ثُمَّ نَكَسَ هُنَيْهَةً، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: أَطِعْهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، وَاعْصِهِ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ.

قُلْتُ لَهُ: أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ، سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ، وَوَعَاهُ قَلْبِي. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ، بِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، مِنْ حَدِيثِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ رَبِّ الْكَعْبَةِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، بِنَحْوِهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِذَا رَأَيْتُمْ أُمَّتِي تَهَابُ الظَّالِمَ أَنْ تَقُولَ لَهُ: إِنَّكَ ظَالِمٌ. فَقَدْ تُوُدِّعَ مِنْهُمْ ".
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَكُونُ فِي أُمَّتِي قَذْفٌ وَخَسْفٌ وَمَسْخٌ ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنِي أَبُو قَبِيلٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَسُئِلَ: أَيُّ الْمَدِينَتَيْنِ تُفْتَحُ أَوَّلًا؟ الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ أَوْ رُومِيَّةُ؟ قَالَ: فَدَعَا عَبْدُ اللَّهِ بِصُنْدُوقٍ لَهُ حِلَقٌ، قَالَ: فَأَخْرَجَ مِنْهُ كِتَابًا. قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ:بَيْنَمَا نَحْنُ حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَكْتُبُ إِذْ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْمَدِينَتَيْنِ تُفْتَحُ أَوَّلًا؟ قُسْطَنْطِينِيَّةُ أَوْ رُومِيَّةُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَدِينَةُ هِرَقْلَ تُفْتَحُ أَوَّلًا ". يَعْنِي الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي " التَّذْكِرَةِ ": وَرُوِيَ مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ، عَنِ

النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: " وَيَبْدَأُ الْخَرَابُ فِي أَطْرَافِ الْأَرْضِ حَتَّى تَخْرَبَ مِصْرُ، وَمِصْرُ آمِنَةٌ مِنَ الْخَرَابِ حَتَّى تَخْرَبَ الْبَصْرَةُ، وَخَرَابُ الْبَصْرَةِ مِنَ الْغَرَقِ، وَخَرَابُ مِصْرَ مِنْ جَفَافِ النِّيلِ، وَخَرَابُ مَكَّةَ مِنَ الْحَبَشَةِ، وَخَرَابُ الْمَدِينَةِ مِنَ الْجُوعِ، وَخَرَابُ الْيَمَنِ مِنَ الْجَرَادِ، وَخَرَابُ الْأُبُلَّةِ مِنَ الْحِصَارِ، وَخَرَابُ فَارِسَ مِنَ الصَّعَالِيكِ، وَخَرَابُ التُّرْكِ مِنَ الدَّيْلَمِ، وَخَرَابُ الدَّيْلَمِ مِنَ الْأَرْمَنِ، وَخَرَابُ الْأَرْمَنِ مِنَ الْخَزَرِ، وَخَرَابُ الْخَزَرِ مِنَ التُّرْكِ...، وَخَرَابُ التُّرْكِ مِنَ الصَّوَاعِقِ، وَخَرَابُ السِّنْدِ مِنَ الْهِنْدِ، وَخَرَابُ الْهِنْدِ مِنَ الصِّينِ، وَخَرَابُ الصِّينِ مِنَ الرَّمْلِ، وَخَرَابُ الْحَبَشَةِ مِنَ الرَّجْفَةِ، وَخَرَابُ الزَّوْرَاءِ مِنَ السُّفْيَانِيِّ، وَخَرَابُ الرَّوْحَاءِ مِنَ الْخَسْفِ، وَخَرَابُ الْعِرَاقِ مِنَ الْقَحْطِ ". ثُمَّ قَالَ: ذَكَرَهُ أَبُو الْفَرَجِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، قَالَ: وَسَمِعْتُ أَنَّ خَرَابَ الْأَنْدَلُسِ بِالرِّيحِ الْعَقِيمِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا يُعْرَفُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ، وَأَخْلَقُ بِهِ أَنْ لَا يَكُونَ صَحِيحًا، بَلْ أَخْلَقُ بِهِ أَنْ يَكُونَ مَوْضُوعًا، أَوْ أَنْ يَكُونَ مَوْقُوفًا عَلَى حُذَيْفَةَ، وَلَا يَصِحُّ عَنْهُ أَيْضًا، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

فَصْلٌ فِي تَعْدَادِ الْآيَاتِ وَالْأَشْرَاطِ الْوَاقِعَةِ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَسَنٌ، حَدَّثَنَا خَلَفٌ، يَعْنِي ابْنَ خَلِيفَةَ، عَنْ أَبِي جَنَابٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ:دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ

يَتَوَضَّأُ وُضُوءًا مَكِيثًا، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَنَظَرَ إلَيَّ، فَقَالَ: سِتٌّ فِيكُمْ أَيَّتُهَا الْأُمَّةُ: مَوْتُ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَكَأنَّمَا انْتَزَعَ قَلْبِي مِنْ مَكَانِهِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَاحِدَةٌ ". قَالَ: وَيَفِيضُ الْمَالُ فِيكُمْ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيُعْطَى عَشَرَةَ آلَافٍ، فَيَظَلُّ يَسْخَطُهَا. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثِنْتَيْنِ. قَالَ: وَفِتْنَةٌ تَدْخُلُ بَيْتَ كُلِّ رَجُلٍ مِنْكُمْ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ثَلَاثٌ ". قَالَ: وَمَوْتٌ كَقُعَاصِ الْغَنَمِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَرْبَعٌ. وَهُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِي الْأَصْفَرِ، يَجْمَعُونَ لَكُمْ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ كَقَدْرِ حَمْلِ الْمَرْأَةِ، ثُمَّ يَكُونُونَ أَوْلَى بِالْغَدْرِ مِنْكُمْ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَمْسٌ ". قَالَ: وَفَتْحُ مَدِينَةٍ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سِتٌّ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُ مَدِينَةٍ ؟ قَالَ: قُسْطَنْطِينِيَّةُ ". وَهَذَا الْإِسْنَادُ فِيهِ نَظَرٌ مِنْ جِهَةِ رِجَالِهِ، وَلَكِنْ لَهُ شَاهِدٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ صَحِيحٍ، فَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَلَاءِ بْنِ زَبْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ بُسْرَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا إِدْرِيسَ قَالَ: سَمِعْتُ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ، قَالَ:أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ، فَقَالَ: " اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ: مَوْتِي، ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، ثُمَّ مُوتَانٌ يَأْخُذُ فِيكُمْ كَقُعَاصِ الْغَنَمِ، ثُمَّ اسْتِفَاضَةُ الْمَالِ، حَتَّى يُعْطَى الرَّجُلُ مِائَةَ دِينَارٍ فَيَظَلُّ سَاخِطًا، ثُمَّ فِتْنَةٌ لَا يَبْقَى بَيْتٌ مِنَ الْعَرَبِ إِلَّا دَخَلَتْهُ، ثُمَّ هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنَى الْأَصْفَرِ فَيَغْدِرُونَ، فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ ثَمَانِينَ رَايَةً، تَحْتَ كُلِّ

رَايَةٍ اثَنَا عَشَرَ أَلْفًا ". وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ وَالطَّبَرَانِيُّ، مِنْ حَدِيثِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ: عَنِ الْوَلِيدِ، عَنِ ابْنِ زَبْرٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ بُسْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَقَدْ صَرَّحَ الْبُخَارِيُّ فِي رِوَايَتِهِ بِسَمَاعِ ابْنِ زَبْرٍ مِنْ بُسْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ: فَقُلْتُ: أَدْخُلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " نَعَمْ ". قُلْتُ: كُلِّي؟ قَالَ: " نَعَمْ ". وَإِنَّمَا قُلْتُ ذَلِكَ; مِنْ صِغَرِ الْقُبَّةِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ نَفِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ،عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: " عَوْفٌ؟ " فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ: " ادْخُلْ ". قَالَ: قُلْتُ: كُلِّي أَوْ بَعْضِي؟ قَالَ: " بَلْ كُلُّكَ ". قَالَ: " اعْدُدْ يَا عَوْفُ سِتًّا بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ: أَوَّلُهُنَّ مَوْتِي ". قَالَ: فَاسْتَبْكَيْتُ حَتَّى جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسْكِتُنِي. قَالَ: " قُلْ: إِحْدَى ". قُلْتُ: إِحْدَى. " وَالثَّانِيَةُ فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، قُلِ: اثْنَتَيْنِ ". فَقُلْتُ. " وَالثَّالِثَةُ مُوتَانٌ يَكُونُ فِي أُمَّتِي يَأْخُذُهُمْ مِثْلَ قُعَاصِ الْغَنَمِ، قُلْ: ثَلَاثًا ". فَقُلْتُ. " وَالرَّابِعَةُ فِتْنَةٌ تَكُونُ فِي أُمَّتِي - وَعَظَّمَهَا - قُلْ: أَرْبَعًا. وَالْخَامِسَةُ يَفِيضُ الْمَالُ فِيكُمْ حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيُعْطَى الْمِائَةَ دِينَارٍ، فَيَسْخَطُهَا، قُلْ: خَمْسًا. وَالسَّادِسَةُ: هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِي الْأَصْفَرِ، فَيَسِيرُونَ إِلَيْكُمْ عَلَى ثَمَانِينَ غَايَةً ". قُلْتُ: وَمَا الْغَايَةُ؟ قَالَ: " الرَّايَةُ، تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثَنَا عَشَرَ

أَلْفًا، فُسْطَاطُ الْمُسْلِمِينَ يَؤْمَئِذٍ فِي أَرْضٍ يُقَالُ لَهَا: الْغُوطَةُ، فِي مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا: دِمَشْقُ ". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ جَابِرٍ، حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ أَرْطَاةَ، سَمِعْتُ جُبَيْرَ بْنَ نُفَيْرٍ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ فُسْطَاطَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ الْمَلْحَمَةِ بِالْغُوطَةِ إِلَى جَانِبِ مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا: دِمَشْقُ، مِنْ خَيْرِ مَدَائِنِ الشَّامِ ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ النَّهَّاسِ بْنِ قَهْمٍ، حَدَّثَنِي شَدَّادٌ أَبُو عَمَّارٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سِتٌّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ: مَوْتِي، وَفَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَمَوْتٌ يَأْخُذُ فِي النَّاسِ كَقُعَاصِ الْغَنَمِ، وَفِتْنَةٌ يَدْخُلُ حَرْبُهَا بَيْتَ كُلِّ مُسْلِمٍ، وَأَنْ يُعْطَى الرَّجُلُ أَلْفَ دِينَارٍ، فَيَسْخَطُهَا، وَأَنْ تَغْدِرَ الرُّومُ فَيَسِيرُونَ بِثَمَانِينَ بَنْدًا تَحْتَ كُلِّ بَنْدٍ اثَنَا عَشَرَ أَلْفًا ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ وَعَفَّانُ، قَالَا: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ زِيَادِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سِتًّا: طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَالدَّجَّالَ، وَالدُّخَانَ، وَدَابَّةَ

الْأَرْضِ، وَخُوَيْصَةَ أَحَدِكُمْ، وَأُمَرَاءَ الْعَامَّةِ ". وَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ: إِذَا قَالَ: " وَأَمْرَ الْعَامَّةِ ". قَالَ: أَيْ أَمْرَ السَّاعَةِ. وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ، مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ وَعَبْدِ الصَّمَدِ، كِلَاهُمَا عَنْ هَمَّامٍ، بِهِ. ثُمَّ رَوَاهُ أَحْمَدُ مُنْفَرِدًا بِهِ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ، عَنْ عِمْرَانَ الْقَطَّانِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، مَرْفُوعًا مِثْلَهُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، أَخْبَرَنِي الْعَلَاءُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سِتًّا: طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَالدَّجَّالَ، وَالدُّخَانَ، وَالدَّابَّةَ، وَخَاصَّةَ أَحَدِكُمْ، وَأَمْرَ الْعَامَّةِ ". وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَدَنِيِّ، بِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ فُرَاتٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ، قَالَ:اطَّلَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ السَّاعَةَ، فَقَالَ: " مَا تَذْكُرُونَ؟ " قَالُوا: نَذْكُرُ السَّاعَةَ. فَقَالَ: " إِنَّهَا لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْا عَشْرَ آيَاتٍ: الدُّخَانَ، وَالدَّجَّالَ، وَالدَّابَّةَ، وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَنُزُولَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، وَيَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَثَلَاثَةَ خُسُوفٍ: خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ، وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ، وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنْ

قِبَلِ عَدَنَ، تَطْرُدُ النَّاسَ إِلَى مَحْشَرِهِمْ ". قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: سَقَطَ كَلِمَةٌ.
ثُمَّ رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَشُعْبَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ فُرَاتٍ الْقَزَّازِ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ، أَبِي سَرِيحَةَ الْغِفَارِيِّ، فَذَكَرَهُ، وَقَالَ فِيهِ: " وَنَارٌ تَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ عَدَنَ، تَسُوقُ - أَوْ: تَحْشُرُ - النَّاسَ، تَبِيتُ مَعَهُمْ حَيْثُ بَاتُوا، وَتَقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قَالُوا ". قَالَ شُعْبَةُ: وَحَدَّثَنِي بِهَذَا الْحَدِيثِ رَجُلٌ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ أَبِي سَرِيحَةَ، وَلَمْ يَرْفَعْهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ أَحَدُ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ: نُزُولُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ. وَقَالَ الْآخَرُ: رِيحٌ تُلْقِيهِمْ فِي الْبَحْرِ.
وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَشُعْبَةَ، عَنْ فُرَاتٍ الْقَزَّازِ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ مَوْقُوفًا. وَرَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ فُرَاتٍ الْقَزَّازِ، بِهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَرَوَى الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ

سَمْعَانَ، أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيِّ الْمَدَنِيِّ مِنْ طَرِيقِهِ، حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ أَبِي سَرِيحَةَ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ عَشْرُ آيَاتٍ كَالنَّظْمِ فِي الْخَيْطِ، إِذَا سَقَطَ مِنْهَا وَاحِدَةٌ تَوَالَتْ: الدَّجَّالُ، وَنُزُولُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، وَفَتْحُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَالدَّابَّةُ، وَطُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَذَلِكَ حِينَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا... ". وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. هَذَا لَفْظُهُ.
وَقَالَ أَبُو يَعْلَى: ثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ، ثَنَا يُونُسُ، ثَنَا عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ الْقَاسِمِ، ثَنَا إِيَادُ بْنُ لَقِيطٍ، عَنْ قَرَظَةَ بْنِ حَسَّانَ، سَمِعْتُ أَبَا مُوسَى فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ عَلَى مِنْبَرِ الْبَصْرَةِ يَقُولُ:سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ السَّاعَةِ وَأَنَا شَاهِدٌ، فَقَالَ: " لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ، لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ، وَلَكِنْ سَأُحَدِّثُكُمْ بِمَشَارِيطِهَا، وَمَا يَكُونُ بَيْنَ يَدَيْهَا، إِنَّ بَيْنَ يَدَيْهَا رَدْمًا مِنَ الْفِتَنِ، وَهَرْجًا ". فَقِيلَ لَهُ: وَمَا الْهَرْجُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " هُوَ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ: الْقَتْلُ. وَأَنْ تَجِفَّ قُلُوبُ النَّاسِ، وَيُلْقَى بَيْنَهُمُ التَّنَاكُرُ فَلَا يَكَادُ أَحَدٌ يَعْرِفُ أَحَدًا، وَيُرْفَعُ ذَوُو الْحِجَا، وَتَبْقَى رَجْرَجَةٌ مِنَ النَّاسِ لَا تَعْرِفُ مَعْرُوفًا، وَلَا تُنْكِرُ مُنْكَرًا ".

ذِكْرُ قِتَالِ الْمَلْحَمَةِ مَعَ الرُّومِ الَّذِي يَكُونُ آخِرُهُ فَتْحَ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ
وَعِنْدَ ذَلِكَيَخْرُجُ الدَّجَّالُ، وَيَنْزِلُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ، عَلَى الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ الشَّرْقِيَّةِ بِدِمَشْقَ، وَقْتَ صَلَاةِ الْفَجْرِ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ كُلِّهِ، بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُصْعَبٍ، هُوَ الْقَرْقَسَانِيُّ، حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ ذِي مِخْمَرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: تُصَالِحُونَ الرُّومَ صُلْحًا آمِنًا، وَتَغْزُونَ أَنْتُمْ وَهُمْ عَدُوًّا مِنْ وَرَائِهِمْ، فَتَسْلَمُونَ وَتَغْنَمُونَ، ثُمَّ تَنْزِلُونَ بِمَرْجٍ ذِي تُلُولٍ، فَيَقُومُ رَجُلٌ مِنَ الرُّومِ، فَيَرْفَعُ الصَّلِيبَ، وَيَقُولُ: أَلَا غَلَبَ الصَّلِيبُ. فَيَقُومُ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَيَقْتُلُهُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ تَغْدِرُ الرُّومُ، وَتَكُونُ الْمَلَاحِمُ، فَيَجْمَعُونَ لَكُمْ، فَيَأْتُونَكُمْ فِي ثَمَانِينَ غَايَةً، مَعَ كُلِّ غَايَةٍ عَشَرَةُ آلَافٍ ". ثُمَّ رَوَاهُ أَحْمَدُ، عَنْ رَوْحٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، بِهِ، وَقَالَ فِيهِ: فَعِنْدَ ذَلِكَ تَغْدِرُ الرُّومُ، وَيَجْمَعُونَ لِلْمَلْحَمَةِ ". وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ

الْأَوْزَاعِيِّ، بِهِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ، فِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ ": فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ ثَمَانِينَ غَايَةً، تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثَنَا عَشَرَ أَلْفًا ". وَهَكَذَا فِي حَدِيثِ شَدَّادٍ أَبِي عَمَّارٍ، عَنْ مُعَاذٍ: فَيَسِيرُونَ إِلَيْكُمْ بِثَمَانِينَ بَنْدًا، تَحْتَ كُلِّ بَنْدٍ اثَنَا عَشَرَ أَلْفًا ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أُسَيْرِ بْنِ جَابِرٍ، قَالَ: هَاجَتْ رِيحٌ حَمْرَاءُ بِالْكُوفَةِ، فَجَاءَ رَجُلٌ لَيْسَ لَهُ هِجِّيرَى إِلَّا: يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ، جَاءَتِ السَّاعَةُ. قَالَ: وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ، فَقَالَ: إِنَّ السَّاعَةَ لَا تَقُومُ حَتَّى لَا يُقْسَمَ مِيرَاثٌ، وَلَا يُفْرَحَ بِغَنِيمَةٍ. قَالَ: عَدُوٌّ يَجْمَعُونَ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَيَجْمَعُ لَهُمْ أَهْلُ الْإِسْلَامِ. وَنَحَا بِيَدِهِ نَحْوَ الشَّامِ، قُلْتُ؟ الرُّومَ تَعْنِي؟ قَالَ: نَعَمْ، وَتَكُونُ عِنْدَ ذَاكُمُ الْقِتَالِ رِدَّةٌ شَدِيدَةٌ. قَالَ: فَيَشْتَرِطُ الْمُسْلِمُونَ شُرْطَةً لِلْمَوْتِ لَا تَرْجِعُ إِلَّا غَالِبَةً، فَيَقْتَتِلُونَ، حَتَّى يَحْجِزَ بَيْنَهُمُ اللَّيْلُ، فَيَفِيءُ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ، كُلٌّ غَيْرُ غَالِبٍ، وَتَفْنَى

الشُّرْطَةُ، ثُمَّ يَشْتَرِطُ الْمُسْلِمُونَ شُرْطَةً لِلْمَوْتِ لَا تُرْجِعُ إِلَّا غَالِبَةً، فَيَقْتَتِلُونَ حَتَّى يَحْجِزَ بَيْنَهُمُ اللَّيْلُ، فَيَفِيءُ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ، كُلٌّ غَيْرُ غَالِبٍ، وَتَفْنَى الشُّرْطَةُ، ثُمَّ يَشْتَرِطُ الْمُسْلِمُونَ شُرْطَةً لِلْمَوْتِ لَا تَرْجِعُ إِلَّا غَالِبَةً، فَيَقْتَتِلُونَ حَتَّى يُمْسُوا، فَيَفِيءُ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ، كُلٌّ غَيْرُ غَالِبٍ، وَتَفْنَى الشُّرْطَةُ، فَإِذَا كَانَ الْيَوْمُ الرَّابِعُ نَهَدَ إِلَيْهِمْ بَقِيَّةُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، فَيَجْعَلُ اللَّهُ الدَّبْرَةَ عَلَيْهِمْ، فَيَقْتَتِلُونَ مَقْتَلَةً - إِمَّا قَالَ: لَا يُرَى مِثْلُهَا، وَإِمَّا قَالَ: لَمْ يُرَ مِثْلُهَا - حَتَّى إِنَّ الطَّائِرَ لَيَمُرُّ بِجَنْبَاتِهِمْ. فَمَا يُخَلِّفُهُمْ حَتَّى يَخِرَّ مَيِّتًا. قَالَ: فَيَتَعَادُّ بَنُو الْأَبِ، كَانُوا مِائَةً، فَلَا يَجِدُونَهُ بَقِيَ مِنْهُمْ إِلَّا الرَّجُلُ الْوَاحِدُ، فَبِأَيِّ غَنِيمَةٍ يُفْرَحُ؟ أَوْ أَيُّ مِيرَاثٍ يُقَاسَمُ؟ قَالَ: فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ سَمِعُوا بِبَأْسٍ هُوَ أَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: فَجَاءَهُمُ الصَّرِيخُ: إِنَّ الدَّجَّالَ قَدْ خَلَفَهُمْ فِي ذَرَارِيِّهِمْ، فَيَرْفُضُونَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَيُقْبِلُونَ فَيَبْعَثُونَ عَشَرَةَ فَوَارِسَ طَلِيعَةً. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنِّي لَأَعْلَمُ أَسْمَاءَهُمْ، وَأَسْمَاءَ آبَائِهِمْ، وَأَلْوَانَ خُيُولِهِمْ، هُمْ خَيْرُ فَوَارِسَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ ".

تَفَرَّدَ بِإِخْرَاجِهِ مُسْلِمٌ، فَرَوَاهُ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَعَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ، كِلَاهُمَا عَنْ إِسْمَاعِيلَ ابْنِ عُلَيَّةَ، وَمِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، كِلَاهُمَا عَنْ أَيُّوبَ، وَمِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، كِلَاهُمَا عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ الْعَدَوِيِّ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْعَدَوِيِّ. وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ، وَالْأَشْهَرُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ مَعِينٍ أَنَّهُ تَمِيمُ بْنُ نُذَيْرٍ، وَوَثَّقَهُ. وَقَالَ ابْنُ مَنْدَهْ وَغَيْرُهُ: كَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَتَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ فِي تَعْدَادِ الْأَشْرَاطِ: " وَهُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ، وَبَيْنَ بَنِي الْأَصْفَرِ، فَيَسِيرُونَ إِلَيْكُمْ فِي ثَمَانِينَ غَايَةً، تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثَنَا عَشَرَ أَلْفًا، وَفُسْطَاطُ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ فِي أَرْضٍ يُقَالُ لَهَا: الْغُوطَةُ. فِي مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا: دِمَشْقُ ". رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ " مِنْ حَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ أَيْضًا، عَنْ أَبَى الدَّرْدَاءِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ فُسْطَاطَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ الْمَلْحَمَةِ بِالْغُوطَةِ إِلَى جَانِبِ مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا: دِمَشْقُ، مِنْ خَيْرِ مَدَائِنِ الشَّامِ ".
وَتَقَدَّمَ حَدِيثُ أَبِي حَيَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، فِي فَتْحِ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ، وَكَذَا حَدِيثُ أَبِي قَبِيلٍ فِي فَتْحِ رُومِيَّةَ بَعْدَهَا أَيْضًا.
وَقَالَ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ: حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ

مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، حَدَّثَنِي سُهَيْلٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَنْزِلَ الرُّومُ بِالْأَعْمَاقِ أَوْ بِدَابِقٍ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِمْ جَيْشٌ مِنَ الْمَدِينَةِ، مِنْ خِيَارِ أَهْلِ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ، فَإِذَا تَصَافُّوا قَالَتِ الرُّومُ: خَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الَّذِينَ سُبُوا مِنَّا نُقَاتِلْهُمْ. فَيَقُولُ الْمُسْلِمُونَ: لَا وَاللَّهِ، لَا نُخَلِّي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا. فَيُقَاتِلُونَهُمْ، فَيَنْهَزِمُ ثُلُثٌ لَا يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَبَدًا، وَيُقْتَلُ ثُلُثُهُمْ أَفْضَلُ الشُّهَدَاءِ عِنْدَ اللَّهِ، وَيَفْتَتِحُ الثُّلُثُ لَا يُفْتَنُونَ أَبَدًا، فَيَفْتَتِحُونَ قُسْطَنْطِينِيَّةَ، فَبَيْنَمَا هُمْ يَقْتَسِمُونَ الْغَنَائِمَ قَدْ عَلَّقُوا سُيُوفَهُمْ بِالزَّيْتُونِ، إِذْ صَاحَ فِيهِمُ الشَّيْطَانُ: إِنَّ الْمَسِيحَ قَدْ خَلَفَكُمْ فِي أَهْلِيكُمْ. فَيَخْرُجُونَ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ، فَإِذَا جَاءُوا الشَّامَ خَرَجَ، فَبَيْنَمَا هُمْ يُعِدُّونَ لِلْقِتَالِ، يُسَوُّونَ الصُّفُوفَ إِذْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ فَأَمَّهُمْ، فَإِذَا رَآهُ عَدُوُّ اللَّهِ ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ، فَلَوْ تَرَكَهُ لَانْذَابَ حَتَّى يَهْلِكَ، وَلَكِنْ يَقْتُلُهُ اللَّهُ بِيَدِهِ، فَيُرِيهِمْ دَمَهُ فِي حَرْبَتِهِ ".
وَقَالَ مُسْلِمٌ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ، عَنْ ثَوْرٍ، وَهُوَ ابْنُ زَيْدٍ الدِّيلِيُّ، عَنْ أَبِي الْغَيْثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: سَمِعْتُمْ بِمَدِينَةٍ جَانِبٌ مِنْهَا فِي الْبَرِّ، وَجَانِبٌ مِنْهَا فِي الْبَحْرِ؟ " قَالُوا: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: " لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَغْزُوَهَا سَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ بَنِي

إِسْحَاقَ، فَإِذَا جَاءُوهَا نَزَلُوا، فَلَمْ يُقَاتِلُوا بِسِلَاحٍ، وَلَمْ يَرْمُوا بِسَهْمٍ; قَالُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، فَيَسْقُطُ أَحَدُ جَانِبَيْهَا ". قَالَ ثَوْرٌ: لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا قَالَ: " الَّذِي فِي الْبَحْرِ، ثُمَّ يَقُولُوا الثَّانِيَةَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ. فَيَسْقُطُ جَانِبُهَا الْآخَرُ، ثُمَّ يَقُولُوا الثَّالِثَةَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ. فَيُفَرَّجُ لَهُمْ، فَيَدْخُلُوهَا فَيَغْنَمُوا، فَبَيْنَمَا هُمْ يَقْتَسِمُونَ الْمَغَانِمَ إِذْ جَاءَهُمُ الصَّرِيخُ، فَقَالَ: إِنَّ الدَّجَّالَ قَدْ خَرَجَ، فَيَتْرُكُونَ كُلَّ شَيْءٍ وَيَرْجِعُونَ ".
وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ الرَّقِّيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو يَعْقُوبَ الْحُنَيْنِيُّ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَكُونَ أَدْنَى مَسَالِحِ الْمُسْلِمِينَ بِبَوْلَاءَ ". ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا عَلِيُّ، يَا عَلِيُّ، يَا عَلِيُّ ". قَالَ: بِأَبِي وَأُمِّي. قَالَ: " إِنَّكُمْ

سَتُقَاتِلُونَ بَنِي الْأَصْفَرِ، وَيُقَاتِلُهُمُ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِكُمْ، حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ رُوقَةُ الْإِسْلَامِ، أَهْلُ الْحِجَازِ الَّذِينَ لَا يَخَافُونَ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ، فَيَفْتَتِحُونَ الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّكْبِيرِ، فَيُصِيبُونَ غَنَائِمَ لَمْ يُصِيبُوا مِثْلَهَا، حَتَّى يَقْتَسِمُوا بِالْأَتْرِسَةِ، وَيَأْتِيَ آتٍ، فَيَقُولُ: إِنَّ الْمَسِيحَ قَدْ خَرَجَ فِي بِلَادِكُمْ، أَلَا وَهِيَ كِذْبَةٌ، فَالْآخِذُ نَادِمٌ، وَالتَّارِكُ نَادِمٌ ".
وَقَالَ مُسْلِمٌ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ،. عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ عُتْبَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: تَغْزُونَ جَزِيرَةَ الْعَرَبِ فَيَفْتَحُهَا اللَّهُ، ثُمَّ فَارِسَ فَيَفْتَحُهَا اللَّهُ، ثُمَّ تَغْزُونَ الرُّومَ فَيَفْتَحُهَا اللَّهُ، ثُمَّ تَغْزُونَ الدَّجَّالَ فَيَفْتَحُهُ اللَّهُ ".
وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:قَالَ الْمُسْتَوْرِدُ الْقُرَشِيُّ عِنْدَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " تَقُومُ السَّاعَةُ وَالرُّومُ أَكْثَرُ النَّاسِ ". فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو: أَبْصِرْ مَا تَقُولُ. قَالَ: أَقُولُ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: لَئِنْ قُلْتَ ذَلِكَ إِنَّ فِيهِمْ لَخِصَالًا أَرْبَعًا: إِنَّهُمْ لَأَحْلَمُ النَّاسِ عِنْدَ فِتْنَةٍ، وَأَسْرَعُهُمْ إِفَاقَةً بَعْدَ مُصِيبَةٍ، وَأَوْشَكُهُمْ كَرَّةً بَعْدَ فَرَّةٍ، وَخَيْرُهُمْ لِمِسْكِينٍ وَيَتِيمٍ وَضَعِيفٍ، وَخَامِسَةٌ حَسَنَةٌ جَمِيلَةٌ: وَأَمْنَعُهُمْ مِنْ ظُلْمِ الْمُلُوكِ.

ثُمَّ قَالَ مُسْلِمٌ: حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي أَبُو شُرَيْحٍ أَنَّ عَبْدَ الْكَرِيمِ بْنَ الْحَارِثِ حَدَّثَهُ أَنَّ الْمُسْتَوْرِدَ الْقُرَشِيَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: تَقُومُ السَّاعَةُ وَالرُّومُ أَكْثَرُ النَّاسِ ". قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، فَقَالَ: مَا هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الَّتِي تُذْكَرُ عَنْكَ أَنَّكَ تَقُولُهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ لَهُ الْمُسْتَوْرِدُ: قُلْتُ الَّذِي سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَقَالَ عَمْرٌو: لَئِنْ قُلْتَ ذَلِكَ، إِنَّهُمْ لَأَحْلَمُ النَّاسِ عِنْدَ فِتْنَةٍ، وَأَصْبَرُ النَّاسِ عِنْدَ مُصِيبَةٍ، وَخَيْرُ النَّاسِ لِمَسَاكِينِهِمْ وَضُعَفَائِهِمْ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرُّومَ يُسْلِمُونَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، وَلَعَلَّ فَتْحَ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ يَكُونُ عَلَى يَدَيْ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ، كَمَا نَطَقَ بِهِ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ أَنَّهُ يَغْزُوهَا سَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ بَنِي إِسْحَاقَ، وَالرُّومُ مِنْ سُلَالَةِ الْعِيصِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَهُمْ أَوْلَادُ عَمِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَهُوَ يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ، فَالرُّومُ يَكُونُونَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ خَيْرًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَإِنَّ الدَّجَّالَ يَتْبَعُهُ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ يَهُودِ أَصْبَهَانَ، فَهُمْ أَنْصَارُ الدَّجَّالِ، وَهَؤُلَاءِ أَعْنِي الرُّومَ، قَدْ مُدِحُوا فِي هَذَا الْحَدِيثِ، فَلَعَلَّهُمْ يُسْلِمُونَ عَلَى يَدَيِ الْمَسِيحِ ابْنِ مَرْيَمَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. عَلَى أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: " مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيلَ ". وَقَوَّى ذَلِكَ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ: حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: سَتُقَاتِلُونَ بَنِي الْأَصْفَرِ، وَيُقَاتِلُهُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَهْلُ الْحِجَازِ، حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ وَرُومِيَّةَ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّكْبِيرِ، فَيَنْهَدِمَ حِصْنُهَا فَيُصِيبُونَ مَالًا لَمْ يُصِيبُوا مِثْلَهُ قَطُّ، حَتَّى إِنَّهُمْ يَقْتَسِمُونَ بِالْأَتْرِسَةِ، ثُمَّ يَصْرُخُ صَارِخٌ: يَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ، الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ فِي بِلَادِكُمْ وَذَرَارِيِّكُمْ. فَيَنْفَضُّ النَّاسُ عَنِ الْمَالِ، مِنْهُمُ الْآخِذُ، وَمِنْهُمُ التَّارِكُ، الْآخِذُ نَادِمٌ، وَالتَّارِكُ نَادِمٌ، فَيَقُولُونَ: مَنْ هَذَا الصَّارِخُ؟ وَلَا يَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فَيَقُولُونَ: ابْعَثُوا طَلِيعَةً إِلَى إِيلِيَاءَ، فَإِنْ يَكُنِ الْمَسِيحُ قَدْ خَرَجَ فَسَيَأْتُونَكُمْ بِعِلْمِهِ. فَيَأْتُونَ، فَيَنْظُرُونَ، فَلَا يُرَوْنَ شَيْئًا، وَيَرَوْنَ النَّاسَ سَاكِتِينَ فَيَقُولُونَ: مَا صَرَخَ الصَّارِخُ إِلَّا لِنَبَأٍ عَظِيمٍ، فَاعْتَزِمُوا، ثُمَّ ارْتَضُوا، فَيَعْتَزِمُونَ أَنْ نَخْرُجَ بِأَجْمَعِنَا إِلَى إِيلِيَاءَ، فَإِنْ يَكُنِ الدَّجَّالُ خَرَجَ نُقَاتِلْهُ بِأَجْمَعِنَا، حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ، وَإِنْ تَكُنِ الْأُخْرَى فَإِنَّهَا بِلَادُكُمْ وَعَشَائِرُكُمْ إِنْ رَجَعْتُمْ إِلَيْهَا.
وَقَدْ رَوَى الْحَافِظُ بَهَاءُ الدِّينِ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي كِتَابِهِ " الْمُسْتَقْصَى فِي فَضَائِلِ الْأَقْصَى " بِسَنَدٍ لَهُ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ، أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ مَدِينَةَ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ شَمَتَتْ بِخَرَابِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، يَعْنِي زَمَنَ بُخْتُ نَصَّرَ، فَتَعَزَّزَتْ وَتَجَبَّرَتْ وَشَمَخَتْ، فَسَمَّاهَا اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، الْعَاتِيَةَ الْمُسْتَكْبِرَةَ; وَذَلِكَ أَنَّهَا قَالَتْ مَعَ شَمَاتَتِهَا بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ. إِنْ يَكُنْ عَرْشُ رَبِّي عَلَى الْمَاءِ، فَقَدْ بُنِيتُ أَنَا عَلَى الْمَاءِ، فَغَضِبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهَا، وَوَعَدَهَا الْعَذَابَ وَالْخَرَابَ وَقَالَ

لَهَا: حَلَفْتُ يَا مُسْتَكْبِرَةُ لِمَا قَدْ عَتَيْتِ عَنْ أَمْرِي وَتَجَبَّرْتِ، لَأَبْعَثَنَّ عَلَيْكِ عِبَادًا لِي مُؤْمِنِينَ مِنْ مَسَاكِنِ سَبَأٍ، ثُمَّ لَأُشَجِّعَنَّ قُلُوبَهُمْ حَتَّى أَدَعَهَا كَقُلُوبِ الْأُسْدِ الضَّارِيَةِ، وَلَأَجْعَلَنَّ صَوْتَ أَحَدِهِمْ عِنْدَ الْبَأْسِ كَصَوْتِ الْأَسَدِ حِينَ يَخْرُجُ مِنَ الْغَابَةِ، ثُمَّ لَأُرْعِبَنَّ قُلُوبَ أَهْلِكِ كَرُعْبِ الْعُصْفُورِ، ثُمَّ لَأَنْزِعَنَّ عَنْكِ حُلِيَّكِ وَدِيبَاجَكِ وَرِيَاشَكِ، ثُمَّ لَأَتْرُكُنَّكِ جَلْحَاءَ قَرْعَاءَ صَلْعَاءَ; فَإِنَّهُ طَالَ مَا أُشْرِكَ بِي فِيكِ، وَعُبِدَ غَيْرِي، وَافْتُرِيَ عَلَيَّ، وَأَمْهَلْتُكِ إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي فِيهِ خِزْيُكِ، فَلَا تَسْتَعْجِلِي يَا عَاتِيَةُ فَإِنَّهُ لَنْ يَفُوتَنِي شَيْءٌ أُرِيدُهُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْعَبَّاسِ الشَّامِيُّ، عَنْ أَبِي قَيْسٍ قَالَ عَبْدُ الْجَبَّارِ: أَرَاهُ عَنْ هُزَيْلٍ، قَالَ: قَامَ حُذَيْفَةُ فِي دَارِ عَامِرِ بْنِ حَنْظَلَةَ فِيهَا الْيَمَنِيُّ وَالْمُضَرِيُّ، فَقَالَ: لَيَأْتِيَنَّ عَلَى مُضَرَ يَوْمٌ لَا يَدَعُونَ لِلَّهِ عَبْدًا يَعْبُدُهُ إِلَّا قَتَلُوهُ، أَوْ لَيُضْرَبُنَّ ضَرْبًا لَا يَمْنَعُونَ ذَنَبَ تَلْعَةٍ ". فَقِيلَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ تَقُولُ هَذَا لِقَوْمِكَ - أَوْ: لِقَوْمٍ أَنْتَ مِنْهُمْ - فَقَالَ: لَا أَقُولُ إِلَّا مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَابِتِ بْنِ ثَوْبَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ يُخَامِرَ، عَنْ

مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عُمْرَانُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ خَرَابُ يَثْرِبَ، وَخَرَابُ يَثْرِبَ خُرُوجُ الْمَلْحَمَةِ، وَخُرُوجُ الْمَلْحَمَةِ فَتْحُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ، وَفَتْحُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ خُرُوجُ الدَّجَّالِ ". قَالَ: ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى فَخْذِ الَّذِي حَدَّثَهُ أَوْ مَنْكِبِهِ، ثُمَّ قَالَ " إِنَّ هَذَا لَحَقٌّ كَمَا أَنَّكَ هَاهُنَا ". أَوْ: " كَمَا أَنَّكَ قَاعِدٌ ". يَعْنِي مُعَاذًا.
وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ عَبَّاسٍ الْعَنْبَرِيِّ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ هَاشِمِ بْنِ الْقَاسِمِ، بِهِ.
وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ وَحَدِيثٌ حَسَنٌ، وَعَلَيْهِ نُورُ الصِّدْقِ وَجَلَالَةُ النُّبُوَّةِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الْمَدِينَةَ تَخْرَبُ بِالْكُلِّيَّةِ قَبْلَ خُرُوجِ الدَّجَّالِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، بَلْ قَدْ يَكُونُ عِمَارَةُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سَبَبًا فِي خَرَابِ الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ; لِأَنَّ النَّاسَ يَرْحَلُونَ مِنْهَا إِلَى الشَّامِ لِأَجْلِ الرِّيفِ وَالرُّخْصِ، فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ أَنَّ الدَّجَّالَ لَا يَدْخُلُهَا يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ مَا عَلَى أَنْقَابِهَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ، بِأَيْدِيهِمُ السُّيُوفُ الْمُصْلَتَةُ.
وَفِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ، عَنْ نُعَيْمٍ الْمُجْمِرِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " الْمَدِينَةُ لَا يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ وَلَا الدَّجَّالُ ". وَفِي " جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ " أَنَّ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ إِذَا مَاتَ يُدْفَنُ فِي الْحُجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ.

وَقَدْ قَالَ مُسْلِمٌ: حَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا الْأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَبْلُغُ الْمَسَاكِنُ إِهَابَ ". أَوْ: " يِهَابَ ". قَالَ زُهَيْرٌ: قُلْتُ لِسُهَيْلٍ: فَكَمْ ذَلِكَ مِنَ الْمَدِينَةِ؟ قَالَ: كَذَا وَكَذَا مِيلًا.
فَهَذِهِ الْعِمَارَةُ إِمَّا أَنْ تَكُونَ قَبْلَ عِمَارَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَقَدْ تَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ بِدَهْرٍ، ثُمَّ تَخْرَبُ بِالْكُلِّيَّةِ، كَمَا دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الَّتِي سَنُورِدُهَا.
وَقَدْ رَوَى الْقُرْطُبِيُّ، مِنْ طَرِيقِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَلَى الْمِنْبَرِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " يَخْرُجُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْهَا، ثُمَّ يَعُودُونَ إِلَيْهَا فَيُعَمِّرُونَهَا حَتَّى تَمْتَلِئَ، ثُمَّ يَخْرُجُونَ مِنْهَا، ثُمَّ لَا يَعُودُونَ إِلَيْهَا أَبَدًا ".
وَفِي حَدِيثٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، مَرْفُوعًا مِثْلُهُ، وَزَادَ: " وَلَيَدَعُنَّهَا وَهِيَ خَيْرُ مَا تَكُونُ، مُونِعَةً ". قِيلَ: فَمَنْ يَأْكُلُهَا؟ قَالَ: " الطَّيْرُ وَالسِّبَاعُ ".
وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ "، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَتْرُكُونَ الْمَدِينَةَ عَلَى خَيْرِ مَا كَانَتْ، لَا يَغْشَاهَا إِلَّا الْعَوَافِي - يُرِيدُ عَوَافِي السِّبَاعِ وَالطَّيْرِ -

ثُمَّ يَخْرُجُ رَاعِيَانِ مِنْ مُزَيْنَةَ يُرِيدَانِ الْمَدِينَةَ يَنْعِقَانِ بِغَنَمِهِمَا، فَيَجِدَانِهَا وَحْشًا، حَتَّى إِذَا بَلَغَا ثَنِيَّةَ الْوَدَاعِ خَرَّا عَلَى وُجُوهِهِمَا ".
وَفِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَشْيَاءَ، إِلَّا أَنِّي لَمْ أَسْأَلْهُ: مَا يُخْرِجُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ مِنْهَا؟ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " يَخْرُجُونَ مِنْهَا وَنِصْفُ ثَمَرِهَا زَهْوٌ، وَنِصْفُهُ رُطَبٌ ". قِيلَ: مَا يُخْرِجُهُمْ مِنْهَا يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: أُمَرَاءُ السُّوءِ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا ابْنُ نُفَيْلٍ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ سُفْيَانَ الْغَسَّانِيِّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ قُطْبٍ السَّكُونِيِّ، عَنْ أَبِي بَحْرِيَّةَ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْمَلْحَمَةُ الْكُبْرَى، وَفَتْحُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ، وَخُرُوجُ الدَّجَّالِ فِي سَبْعَةِ أَشْهُرٍ ". وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيِّ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ بِهِ، وَقَالَ: حَسَنٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَفِي الْبَابِ عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ،

وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ.
وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، بِهِ.
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ، وَاللَّفْظُ لَهُ: حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ الْحِمْصِيُّ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، عَنْ بَحِيرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ خَالِدٍ، هُوَ ابْنُ مَعْدَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي بِلَالٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بَيْنَ الْمَلْحَمَةِ وَفَتْحِ الْمَدِينَةِ سِتُّ سِنِينَ، وَيَخْرُجُ الدَّجَّالُ فِي السَّابِعَةِ ". وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ بَقِيَّةَ، بِهِ.
وَهَذَا مُشْكِلٌ مَعَ الَّذِي قَبْلَهُ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَ أَوَّلِ الْمَلْحَمَةِ وَآخِرِهَا سِتُّ سِنِينَ، وَيَكُونُ بَيْنَ آخِرِهَا وَفَتْحِ الْمَدِينَةِ، وَهَيَ الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ، مُدَّةٌ قَرِيبَةٌ، بِحَيْثُ يَكُونُ ذَلِكَ مَعَ خُرُوجِ الدَّجَّالِ فِي سَبْعَةِ أَشْهُرٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: فَتْحُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ مَعَ قِيَامِ السَّاعَةِ. قَالَ مَحْمُودٌ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَالْقُسْطَنْطِينِيَّةُ هِيَ مَدِينَةُ الرُّومِ تُفْتَحُ عِنْدَ خُرُوجِ الدَّجَّالِ، وَالْقُسْطَنْطِينِيَّةُ قَدْ فُتِحَتْ فِي زَمَانِ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. هَكَذَا قَالَ إِنَّهَا فُتِحَتْ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ، وَفِي هَذَا نَظَرٌ; فَإِنَّ مُعَاوِيَةَ بَعَثَ إِلَيْهَا ابْنَهُ يَزِيدَ فِي جَيْشٍ فِيهِمْ أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ، وَلَكِنْ لَمْ يَتَّفِقْ لَهُ فَتْحُهَا، وَحَاصَرَهَا مَسْلَمَةُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، فِي زَمَانِ دَوْلَتِهِمْ، وَلَمْ يَفْتَحْهَا أَيْضًا، وَلَكِنْ صَالَحَهُمْ عَلَى بِنَاءِ مَسْجِدٍ بِهَا، كَمَا قَدَّمْنَا ذَلِكَ مَبْسُوطًا. وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

ذُكْرُ خُرُوجِ الدَّجَّالِ بَعْدَ وُقُوعِ الْمَلْحَمَةِ الرُّومِيَّةِ وَفَتْحِ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ
وَلْنَذْكُرْ قَبْلَ ذَلِكَ مُقَدِّمَةً فِيمَا وَرَدَ فِي ذِكْرِ الْكَذَّابِينَ الدَّجَّالِينَ الَّذِينَ هُمْ كَالْمُقَدِّمَةِ بَيْنَ يَدِيِ الدَّجَّالِ الْكَبِيِرِ خَاتَمِهِمْ، قَبَّحَهُ اللَّهُ وَإِيَّاهُمْ، وَجَعَلَ نَارَ الْجَحِيمِ مُنْقَلَبَهُمْ وَمَثْوَاهُمْ.
رَوَى مُسْلِمٌ فِي " صَحِيحِهِ " مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ وَغَيْرِهِ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّبَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ كَذَّابِينَ ". قَالَ جَابِرٌ: فَاحْذَرُوهُمْ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ كَذَّابُونَ،

مِنْهُمْ صَاحِبُ الْيَمَامَةِ، وَمِنْهُمْ صَاحِبُ صَنْعَاءَ الْعَنْسِيُّ، وَمِنْهُمْ صَاحِبُ حِمْيَرَ، وَمِنْهُمُ الدَّجَّالُ، وَهُوَ أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً ". قَالَ جَابِرٌ: وَبَعْضُ أَصْحَابِي يَقُولُ: قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثِينَ كَذَّابًا. تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.
وَثَبَتَ فِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ "، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ، قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثِينَ، كُلٌّ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ ". وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ بِطُولِهِ.
وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ، قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثِينَ، كُلٌّ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ ".
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: " يَنْبَعِثُ ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، سَمِعْتُ الْعَلَاءَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَظْهَرَ ثَلَاثُونَ دَجَّالُونَ، كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، وَيَفِيضُ

الْمَالُ فَيَكْثُرُ، وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ، وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ ". قَالَ: قِيلَ: أَيُّمَا الْهَرْجُ؟ قَالَ: " الْقَتْلُ الْقَتْلُ " ثَلَاثًا. تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَهُوَ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، عَنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ، عَنِ الْعَلَاءِ بِهِ.
وَمِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ ثَلَاثُونَ دَجَّالًا كَذَّابًا، كُلُّهُمْ يَكْذِبُ عَلَى اللَّهِ وَعَلَى رَسُولِهِ ".
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عَوْفٍ، حَدَّثَنَا خِلَاسٌ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثِينَ دَجَّالِينَ كَذَّابِينَ، كُلُّهُمْ يَقُولُ: أَنَا نَبِيٌّ، أَنَا نَبِيٌّ ". وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ حَسَنٌ، تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ أَيْضًا.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنَا سَلَامَانُ بْنُ عَامِرٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ الْأَصْبَحِيِّ، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ، يَأْتُونَكُمْ بِبِدَعٍ مِنَ الْحَدِيثِ بِمَا لَمْ تَسْمَعُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ، فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ، لَا يَفْتِنُوكُمْ ".
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ

الْحَسَنِ الْأَسَدِيُّ، حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ صَالِحٍ الْهَمْدَانِيُّ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي الْجُلَاسِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ لِعَبْدِ اللَّهِ السَّبَائِيِّ: وَيْلَكَ، وَاللَّهِ مَا أَفْضَى إِلَيَّ بِشَيْءٍ كَتَمْتُهُ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ، وَلَقَدْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ ثَلَاثِينَ كَذَّابًا ". وَإِنَّكَ لَأَحَدُهُمْ. وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ أَبِي بُكَيْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، بِهِ.
وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَإِنَّهُ سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي ثَلَاثُونَ كَذَّابُونَ، كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، وَأَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، لَا نَبِيَّ بَعْدِي ". الْحَدِيثُ بِتَمَامِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِيَادِ بْنِ لَقِيطٍ، حَدَّثَنَا إِيَادٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نُعْمٍ، أَوْ نُعَيْمٍ الْأَعْرَجِيِّ، شَكَّ أَبُو الْوَلِيدِ، قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ عَنِ الْمُتْعَةِ - وَأَنَا عِنْدَهُ - مُتْعَةِ النِّسَاءِ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا كُنَّا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَانِينَ وَلَا مُسَافِحِينَ، ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَيَكُونَنَّ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ،

وَكَذَّابُونَ ثَلَاثُونَ، أَوْ أَكْثَرُ ". وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُوَرِّقٍ الْعِجْلِيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، بِنَحْوِهِ، تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، وَهُوَ ابْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، فَجَعَلَ يُحَدِّثُهُ عَنِ الْمُخْتَارِ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: إِنْ كَانَ كَمَا تَقُولُ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ ثَلَاثِينَ دَجَّالًا كَذَّابًا ". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَقَدْ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَلَكِنْ قَالَ: " سَبْعُونَ ". قَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ: حَدَّثَنَا وَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَامِرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ فِي أُمَّتِي لَنَيِّفًا وَسَبْعِينَ دَاعِيًا، كُلُّهُمْ دَاعٍ إِلَى النَّارِ، لَوْ أَشَاءُ لَأَنْبَأْتُكُمْ بِأَسْمَائِهِمْ وَقَبَائِلِهِمْ ". وَهَذَا إِسْنَادٌ لَا بَأْسَ بِهِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَاجَهْ بِهِ حَدِيثًا فِي الْكَرْعِ وَالشُّرْبِ بِالْيَدِ.

وَقَالَ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ بِشْرٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَكُونُ قَبْلَ خُرُوجِ الدَّجَّالِ نَيِّفٌ عَلَى سَبْعِينَ دَجَّالًا ". فِيهِ غَرَابَةٌ، وَالَّذِي فِي الصِّحَاحِ أَثْبَتُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ:أَكْثَرَ النَّاسُ فِي مُسَيْلِمَةَ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ شَيْئًا، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيبًا، فَقَالَ: " أَمَّا بَعْدُ، فَفِي شَأْنِ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي قَدْ أَكْثَرْتُمْ فِيهِ، وَإِنَّهُ كَذَّابٌ مِنْ ثَلَاثِينَ كَذَّابًا، يَخْرُجُونَ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ، وَإِنَّهُ لَيْسَ بَلَدٌ إِلَّا يَبْلُغُهَا رُعْبُ الْمَسِيحِ إِلَّا الْمَدِينَةَ; عَلَى كُلِّ نَقْبٍ مِنْ نِقَابِهَا مَلَكَانِ يَذُبَّانِ عَنْهَا رُعْبَ الْمَسِيحِ ".
وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا عَنْ حَجَّاجٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ، أَنَّ عِيَاضَ بْنَ مُسَافِعٍ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، فَذَكَرَهُ، وَقَالَ فِيهِ: فَإِنَّهُ كَذَّابٌ مِنْ ثَلَاثِينَ كَذَّابًا، يَخْرُجُونَ قَبْلَ

الدَّجَّالِ، وَإِنَّهُ لَيْسَ بَلَدٌ إِلَّا يَدْخُلُهُ رُعْبُ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ إِلَّا الْمَدِينَةَ; عَلَى كُلِّ نَقْبٍ مِنْ نِقَابِهَا يَوْمَئِذٍ مَلَكَانِ يَذُبَّانِ عَنْهَا رُعْبَ الْمَسِيحِ ". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنَ الْوَجْهَيْنِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْمَدَائِنِيُّ، وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أَمَامَ الدَّجَّالِ سِنِينَ خَدَّاعَةً، يُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيَتَكَلَّمُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ ". قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ: " الْفُوَيْسِقُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ ". وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ قَوِيٌّ، تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: ثَنَا مُعَاذٌ. يَعْنِي ابْنَ هِشَامٍ قَالَ: وَجَدْتُ فِي كِتَابِ أَبِي بِخَطِّ يَدِهِ، وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْهُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فِي أُمَّتِي كَذَّابُونَ دَجَّالُونَ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ، مِنْهُمْ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ، وَإِنِّي خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، لَا نَبِيَّ بَعْدِي ".

الْكَلَامُ عَلَى أَحَادِيثِ الدَّجَّالِ
قَالَ مُسْلِمٌ: حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَرْمَلَةَ بْنِ عِمْرَانَ التُّجِيبِيُّ، أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ انْطَلَقَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَهْطٍ قِبَلَ ابْنِ صَيَّادٍ حَتَّى وَجَدَهُ يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ عِنْدَ أُطُمِ بَنِي مَغَالَةَ، وَقَدْ قَارَبَ ابْنُ صَيَّادٍ يَوْمَئِذٍ الْحُلُمَ، فَلَمْ يَشْعُرْ حَتَّى ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظَهْرَهُ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِابْنِ صَيَّادٍ: " أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ " فَنَظَرَ إِلَيْهِ ابْنُ صَيَّادٍ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ الْأُمِّيِّينَ، فَقَالَ ابْنُ صَيَّادٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ فَرَفَضَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: " آمَنْتُ بِاللَّهِ وَبِرُسُلِهِ ". ثُمَّ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَاذَا تَرَى؟ " قَالَ ابْنُ صَيَّادٍ: يَأْتِينِي صَادِقٌ وَكَاذِبٌ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خُلِّطَ عَلَيْكَ الْأَمْرُ ". ثُمَّ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنِّي قَدْ خَبَّأْتُ لَكَ خَبِيئًا ". فَقَالَ ابْنُ صَيَّادٍ: هُوَ

الدُّخُّ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اخْسَأْ، فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ ". فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ذَرْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَضْرِبْ عُنُقَهُ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنْ يَكُنْهُ قُلْنَ تَسَلَّطَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْهُ فَلَا خَيْرَ لَكَ فِي قَتْلِهِ ". وَقَالَ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: انْطَلَقَ بَعْدَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ الْأَنْصَارِيُّ إِلَى النَّخْلِ الَّتِي فِيهَا ابْنُ صَيَّادٍ حَتَّى إِذَا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّخْلَ طَفِقَ يَتَّقِي بِجُذُوعِ النَّخْلِ، وَهُوَ يَخْتِلُ أَنْ يَسْمَعَ مِنَ ابْنِ صَيَّادٍ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ ابْنُ صَيَّادٍ، فَرَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى فِرَاشٍ فِي قَطِيفَةٍ، لَهُ فِيهَا زَمْزَمَةٌ، فَرَأَتْ أُمُّ ابْنِ صَيَّادٍ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَتَّقِي بِجُذُوعِ النَّخْلِ، فَقَالَتْ لِابْنِ صَيَّادٍ: يَا صَافِ - وَهُوَ اسْمُ ابْنِ صَيَّادٍ - هَذَا مُحَمَّدٌ. فَثَارَ ابْنُ صَيَّادٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَوْ تَرَكَتْهُ بَيَّنَ ".
قَالَ سَالِمٌ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ، فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ ذَكَرَ الدَّجَّالَ، فَقَالَ: إِنِّي لَأُنْذِرُكُمُوهُ، مَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا

وَقَدْ أَنْذَرَهُ قَوْمَهُ، لَقَدْ أَنْذَرَهُ نُوحٌ قَوْمَهُ، وَلَكِنْ أَقُولُ لَكُمْ فِيهِ قَوْلًا لَمْ يَقُلْهُ نَبِيٌّ لِقَوْمِهِ، تَعَلَّمُوا أَنَّهُ أَعْوَرُ، وَأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَيْسَ بِأَعْوَرَ ".
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيُّ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ حَذَّرَ النَّاسَ الدَّجَّالَ: " إِنَّهُمَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ، يَقْرَؤُهُ مَنْ كَرِهَ عَمَلَهُ، أَوْ يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ ". وَقَالَ: تَعَلَّمُوا أَنَّهُ لَنْ يَرَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى يَمُوتَ ". وَأَصْلُ الْحَدِيثِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، بِنَحْوِهِ.
وَرَوَى مُسْلِمٌ أَيْضًا، مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ الدَّجَّالَ بَيْنَ ظَهَرَانَيِ النَّاسِ فَقَالَ: " إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيْسَ بِأَعْوَرَ، أَلَا وَإِنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُمْنَى، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِئَةٌ ". وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ أَنْذَرَ أُمَّتَهُ الْأَعْوَرَ الْكَذَّابَ، أَلَا إِنَّهُ أَعْوَرُ، وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، وَمَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، بِنَحْوِهِ.
قَالَ مُسْلِمٌ: وَحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ الْحَبْحَابِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

الدَّجَّالُ مَمْسُوحُ الْعَيْنِ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ ". ثُمَّ تَهَجَّاهَا كَ فَ رَ، " يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُسْلِمٍ ".
وَقَالَ أَحْمَدُ: ثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ إِلَّا وَصَفَ الدَّجَّالَ لِأُمَّتِهِ، وَلَأَصِفَنَّهُ صِفَةً لَمْ يَصِفْهَا أَحَدٌ كَانَ قَبْلِي، إِنَّهُ أَعْوَرُ، وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَيْسَ بِأَعْوَرَ " لَمْ يُخْرِجُوهُ، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ.
وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الدَّجَّالُ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُسْرَى، جُفَالُ الشَّعْرِ، مَعَهُ جَنَّةٌ وَنَارٌ، فَنَارُهُ جَنَّةٌ وَجَنَّتُهُ نَارٌ ".
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا مَعَ الدَّجَّالِ مِنْهُ، مَعَهُ نَهْرَانِ يَجْرِيَانِ; أَحَدُهُمَا رَأْيَ الْعَيْنِ مَاءٌ أَبْيَضُ، وَالْآخَرُ رَأْيَ الْعَيْنِ نَارٌ تَأَجَّجُ، فَإِمَّا أَدْرَكَنَّ أَحَدٌ فَلْيَأْتِ النَّهْرَ الَّذِي يَرَاهُ نَارًا وَلِيُغَمِّضْ، ثُمَّ لِيُطَأْطِئْ رَأْسَهُ، فَيَشْرَبَ مِنْهُ، فَإِنَّهُ مَاءٌ بَارِدٌ، وَإِنَّ الدَّجَّالَ مَمْسُوحُ

الْعَيْنِ، عَلَيْهَا ظَفَرَةٌ غَلِيظَةٌ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ، يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ، كَاتِبٍ وَغَيْرِ كَاتِبٍ ".
ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِنَحْوِهِ.
قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ: وَأَنَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، بِنَحْوِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، سَمِعْتُ صَخْرًا يُحَدِّثُ عَنْ سُبَيْعٍ قَالَ: أَرْسَلُونِي مِنْ مَاءٍ إِلَى الْكُوفَةِ أَشْتَرِي الدَّوَابَّ فَأَتَيْنَا الْكُنَاسَةَ، فَإِذَا رَجُلٌ عَلَيْهِ جَمْعٌ، فَأَمَّا صَاحِبِي فَانْطَلَقَ إِلَى الدَّوَابِّ، وَأَمَّا أَنَا فَأَتَيْتُهُ، فَإِذَا حُذَيْفَةُ،فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَهُ عَنِ الْخَيْرِ، وَأَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: " نَعَمْ ". قُلْتُ: فَمَا الْعِصْمَةُ مِنْهُ؟ قَالَ: " السَّيْفُ ".

قُلْتُ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: " ثُمَّ تَكُونُ هُدْنَةٌ عَلَى دَخَنٍ ". قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: " ثُمَّ تَكُونُ دُعَاةُ الضَّلَالَةِ، فَإِنْ رَأَيْتَ يَوْمَئِذٍ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَالْزَمْهُ، وَإِنْ نَهَكَ جِسْمَكَ، وَأَخَذَ مَالَكَ، فَإِنْ لَمْ تَرَهُ فَاهْرُبْ فِي الْأَرْضِ، وَلَوْ أَنْ تَمُوتَ وَأَنْتَ عَاضٌّ بِجِذْلِ شَجَرَةٍ ". قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: " ثُمَّ يَخْرُجُ الدَّجَّالُ ". قَالَ: قُلْتُ: فَبِمَ يَجِيءُ بِهِ مَعَهُ؟ قَالَ: " بِنَهْرٍ - أَوْ قَالَ: مَاءٍ وَنَارٍ - فَمَنْ دَخَلَ نَهْرَهُ حَبِطَ أَجْرُهُ، وَوَجَبَ وَزِرُهُ، وَمَنْ دَخَلَ نَارَهُ وَجَبَ أَجْرُهُ، وَحَبِطَ وِزْرُهُ ". قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: " لَوْ أَنْتَجْتَ فَرَسًا لَمْ تُرْكَبْ فُلُوُّهَا حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ ". وَرَوَى الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ شَيْبَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَلَاأُخْبِرُكُمْ عَنِ الدَّجَّالِ حَدِيثًا مَا حَدَّثَهُ نَبِيٌّ قَوْمَهُ؟ إِنَّهُ أَعْوَرُ، وَإِنَّهُ يَجِيءُ مَعَهُ مِثْلُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَالَّتِي يَقُولُ إِنَّهَا الْجَنَّةُ، هِيَ النَّارُ، وَإِنِّي أَنْذَرْتُكُمْ بِهِ، كَمَا أَنْذَرَ بِهِ نُوحٌ قَوْمَهَ ".
وَرَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: رَأَيْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَحْلِفُ بِاللَّهِ أَنَّ ابْنَ صَيَّادٍ " الدَّجَّالُ، فَقُلْتُ: أَتَحْلِفُ بِاللَّهِ؟ قَالَ؟ إِنِّي سَمِعْتُ عُمَرَ يَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُنْكِرْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَرُوِيَ مِنْ حَدِيثِ نَافِعٍ،أَنَّ ابْنَ عُمَرَ لَقِيَ ابْنَ صَيَّادٍ فِي بَعْضِ طُرُقِ

الْمَدِينَةِ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ قَوْلًا أَغْضَبَهُ، فَانْتَفَخَ حَتَّى مَلَأَ السِّكَّةَ - وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ ابْنَ صَيَّادٍ نَخَرَ كَأَشَدِّ نَخِيرِ حِمَارٍ يَكُونُ، وَأَنَّ ابْنَ عُمَرَ ضَرَبَهُ حَتَّى تَكَسَّرَتْ عَصَاهُ - ثُمَّ دَخَلَ عَلَى أُخْتِهِ حَفْصَةَ، فَقَالَتْ لَهُ: مَا أَرَدْتَ مِنَ ابْنِ صَيَّادٍ؟ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّمَا يَخْرُجُ مِنْ غَضْبَةٍ يَغْضَبُهَا ".
قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: ابْنُ صَيَّادٍ كَانَ بَعْضُ الصِّحَابَةِ يَظُنُّهُ الدَّجَّالَ الْأَكْبَرَ، وَلَيْسَ بِهِ، إِنَّمَا كَانَ دَجَّالًا مِنَ الدَّجَاجِلَةِ صَغِيرًا. وَقَدْ ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحِ أَنَّهُ صَحِبَ أَبَا سَعِيدٍ فِيمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَأَنَّ ابْنَ صَيَّادٍ تَبَرَّمَ إِلَيْهِ مِمَّا تَقُولُ النَّاسُ فِيهِ إِنَّهُ الدَّجَّالُ، ثُمَّ قَالَ لِأَبِي سَعِيدٍ: أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ ". وَقَدْ وُلِدْتُ بِهَا، " وَإِنَّهُ لَا يُولَدُ لَهُ ". وَقَدْ وُلِدَ لِي، " وَإِنَّهُ كَافِرٌ ". وَأَنَا قَدْ أَسْلَمْتُ؟ ثُمَّ قَالَ ابْنُ صَيَّادٍ: وَمَعَ هَذَا إِنِّي لَأَعْلَمُ النَّاسِ بِهِ، وَأَيْنَ مَكَانُهُ، وَلَوْ عُرِضَ عَلَيَّ أَنْ أَكُونَ إِيَّاهُ لَمَا كَرِهْتُ ذَلِكَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمُتَعَالِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ، حَدَّثَنَا مُجَالِدٌ، عَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ:ذُكِرَ ابْنُ صَيَّادٍ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّهُ لَا يَمُرُّ بِشَيْءٍ إِلَّا كَلَّمَهُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: ثَنَا سَعِيدٌ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، حَدَّثَنِي مَهْدِيُّ بْنُ

عِمْرَانَ الْمَازِنِيُّ،سَمِعْتُ أَبَا الطُّفَيْلِ، وَسُئِلَ هَلْ رَأَيْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قِيلَ: هَلْ كَلَّمْتَهُ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنِّي رَأَيْتُهُ انْطَلَقَ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا، وَمَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَأُنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى أَتَى دَارًا قَوْرَاءَ، فَقَالَ: " افْتَحُوا هَذَا الْبَابَ ". فَفَتَحُوا، وَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَخَلْتُ مَعَهُ، فَإِذَا قَطِيفَةٌ فِي وَسَطِ الْبَيْتِ، فَقَالَ: " ارْفَعُوا هَذِهِ الْقَطِيفَةَ ". فَرَفَعُوهَا، فَإِذَا غُلَامٌ أَعْوَرُ تَحْتَ الْقَطِيفَةِ، فَقَالَ: " قُمْ يَا غُلَامُ ". فَقَامَ الْغُلَامُ. فَقَالَ: " يَا غُلَامُ، أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ ". فَقَالَ الْغُلَامُ: أَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ. قَالَ: " أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ ". فَقَالَ الْغُلَامُ: أَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ شَرٍّ هَذَا " مَرَّتَيْنِ.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ ابْنَ صَيَّادٍ لَيْسَ بِالدَّجَّالِ الَّذِي يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَطْعًا; لِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ الْفِهْرِيَّةِ، فَإِنَّهُ فَيْصَلٌ فِي هَذَا الْمَقَامِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

حَدِيثُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فِي الدَّجَّالِ
قَالَ مُسْلِمٌ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ، وَحَجَّاجُ

ابْنُ الشَّاعِرِ، كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ، وَاللَّفْظُ لِعَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ ذَكْوَانَ، حَدَّثَنَا ابْنُ بُرَيْدَةَ، حَدَّثَنِي عَامِرُ بْنُ شَرَاحِيلَ الشَّعْبِيُّ، شَعْبُ هَمْدَانَ، أَنَّهُسَأَلَ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ أُخْتَ الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ، وَكَانَتْ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلِ، فَقَالَ: حَدِّثِينِي حَدِيثًا سَمِعْتِيهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُسْنِدِيهِ إِلَى أَحَدٍ غَيْرِهِ. فَقَالَتْ: لَئِنْ شِئْتَ لَأَفْعَلَنَّ. فَقَالَ لَهَا: أَجَلْ، حَدِّثِينِي. فَقَالَتْ: نَكَحْتُ ابْنَ الْمُغِيرَةِ، وَهُوَ مِنْ خِيَارِ شَبَابِ قُرَيْشٍ يَوْمَئِذٍ، فَأُصِيبَ فِي أَوَّلِ الْجِهَادِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا تَأَيَّمْتُ خَطَبَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَطَبَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَوْلَاهُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَكُنْتُ قَدْ حُدِّثْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ أَحَبَّنِي فَلْيُحِبَّ أُسَامَةَ ". فَلَمَّا كَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ؟ أَمْرِي بِيَدِكَ، فَأَنْكِحْنِي مَنْ شِئْتَ. فَقَالَ: " انْتَقِلِي إِلَى أُمِّ شَرِيكٍ ". وَأُمُّ شَرِيكٍ امْرَأَةٌ غَنِيَّةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، عَظِيمَةُ النَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، يَنْزِلُ عَلَيْهَا الضِّيفَانُ. فَقُلْتُ: سَأَفْعَلُ. فَقَالَ: " لَا تَفْعَلِي; إِنَّ أُمَّ شَرِيكٍ امْرَأَةٌ كَثِيرَةُ الضِّيفَانِ، وَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَسْقُطَ عَنْكِ خِمَارُكِ، أَوْ يَنْكَشِفَ الثَّوْبُ عَنْ سَاقَيْكِ، فَيَرَى الْقَوْمُ مِنْكِ بَعْضَ مَا تَكْرَهِينَ، وَلَكِنِ انْتَقِلِي إِلَى ابْنِ عَمِّكِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ ". وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي فِهْرٍ، فِهْرِ قُرَيْشٍ، وَهُوَ مِنَ الْبَطْنِ الَّذِي هِيَ مِنْهُ. فَانْتَقَلَتْ إِلَيْهِ، فَلَمَّا

انْقَضَتْ عِدَّتِي سَمِعْتُ نِدَاءَ الْمُنَادِي، مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَادِي: الصَّلَاةَ جَامِعَةً. فَخَرَجْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَصَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكُنْتُ فِي النِّسَاءِ اللَّاتِي يَلِينَ ظُهُورَ الْقَوْمِ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَضْحَكُ، فَقَالَ: " لِيَلْزَمْ كُلُّ إِنْسَانٍ مُصَلَّاهُ ". ثُمَّ قَالَ: " أَتَدْرُونَ لِمَ جَمَعْتُكُمْ؟ " قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: " إِنِّي، وَاللَّهِ، مَا جَمَعْتُكُمْ لِرَغْبَةٍ وَلَا لِرَهْبَةٍ، وَلَكِنْ جَمَعْتُكُمْ لِأَنَّ تَمِيمًا الدَّارِيَّ كَانَ رَجُلًا نَصْرَانِيًّا، فَجَاءَ فَبَايَعَ وَأَسْلَمَ وَحَدَّثَنِي حَدِيثًا وَافَقَ الَّذِي كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْ مَسِيحِ الدَّجَّالِ; حَدَّثَنِي أَنَّهُ رَكِبَ فِي سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ مَعَ ثَلَاثِينَ رَجُلًا مِنْ لَخْمٍ وَجُذَامَ، فَلَعِبَ بِهِمُ الْمَوْجُ شَهْرًا فِي الْبَحْرِ، ثُمَّ أَرْفَئُوا إِلَى جَزِيرَةٍ فِي الْبَحْرِ حِينَ مَغْرِبِ الشَّمْسِ، فَجَلَسُوا فِي أَقْرُبِ السَّفِينَةِ، فَدَخَلُوا الْجَزِيرَةَ، فَلَقِيَتْهُمْ دَابَّةٌ أَهْلَبُ كَثِيرُ الشَّعْرِ، لَا يَدْرُونَ مَا قُبُلُهُ مِنْ دُبُرِهِ مِنْ كَثْرَةِ الشَّعْرِ، فَقَالُوا: وَيْلَكِ، مَا أَنْتِ؟ فَقَالَتْ: أَنَا الْجَسَّاسَةُ. قَالُوا: وَمَا الْجَسَّاسَةُ؟ قَالَتْ: أَيُّهَا الْقَوْمُ، انْطَلِقُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فِي الدَّيْرِ، فَإِنَّهُ إِلَى خَبَرِكُمْ بِالْأَشْوَاقِ. قَالَ: لَمَّا سَمَّتْ لَنَا رَجُلًا فَرِقْنَا مِنْهَا أَنْ تَكُونَ شَيْطَانَةً. قَالَ: فَانْطَلَقْنَا سِرَاعًا حَتَّى دَخَلْنَا الدَّيْرَ، فَإِذَا فِيهِ أَعْظَمُ إِنْسَانٍ رَأَيْنَاهُ قَطُّ خَلْقًا، وَأَشَدُّهُ وَثَاقًا، مَجْمُوعَةٌ يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ، مَا بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى كَعْبَيْهِ، بِالْحَدِيدِ. قُلْنَا: وَيْلَكَ، مَا أَنْتَ؟ قَالَ: قَدْ قَدَرْتُمْ عَلَى خَبَرِي، فَأَخْبِرُونِي مَا أَنْتُمْ؟ قَالُوا:

نَحْنُ أُنَاسٌ مِنَ الْعَرَبِ، رَكِبْنَا فِي سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ، فَصَادَفْنَا الْبَحْرَ حِينَ اغْتَلَمَ، فَلَعِبَ بِنَا الْمَوْجُ شَهْرًا، ثُمَّ أَرْفَأْنَا إِلَى جَزِيرَتِكَ هَذِهِ، فَجَلَسْنَا فِي أَقْرُبِهَا، فَدَخَلْنَا الْجَزِيرَةَ، فَلَقِيَتْنَا دَابَّةٌ أَهْلَبُ كَثِيرُ الشَّعْرِ، لَا نَدْرِي مَا قُبُلُهُ مِنْ دُبُرِهِ مِنْ كَثْرَةِ الشَّعْرِ، فَقُلْنَا: وَيْلَكِ، مَا أَنْتِ؟ فَقَالَتْ: أَنَا الْجَسَّاسَةُ. قُلْنَا: وَمَا الْجَسَّاسَةُ؟ قَالَتِ: اعْمِدُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فِي الدَّيْرِ; فَإِنَّهُ إِلَى خَبَرِكُمْ بِالْأَشْوَاقِ. فَأَقْبَلْنَا إِلَيْكَ سِرَاعًا، وَفَزِعْنَا مِنْهَا، وَلَمْ نَأْمَنْ أَنْ تَكُونَ شَيْطَانَةً. فَقَالَ: أَخْبِرُونِي عَنْ نَخْلِ بَيْسَانَ. قُلْنَا: عَنْ أَيِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ؟ قَالَ: أَسْأَلُكُمْ عَنْ نَخْلِهَا، هَلْ يُثْمِرُ؟ قُلْنَا لَهُ: نَعَمْ. قَالَ: أَمَا إِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ لَا تُثْمِرَ. قَالَ: أَخْبِرُونِي عَنْ بُحَيْرَةِ الطَّبَرِيَّةِ. قُلْنَا: عَنْ أَيِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ؟ قَالَ: هَلْ فِيهَا مَاءٌ؟ قَالُوا: هِيَ كَثِيرَةُ الْمَاءِ. قَالَ: أَمَا إِنْ مَاءَهَا يُوشِكُ أَنْ يَذْهَبَ. قَالَ: أَخْبِرُونِي عَنْ عَيْنِ زُغَرَ. قَالُوا: عَنْ أَيِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ؟ قَالَ: هَلْ فِي الْعَيْنِ مَاءٌ؟ وَهَلْ يَزْرَعُ أَهْلُهَا بِمَاءِ الْعَيْنِ؟ قُلْنَا لَهُ: نَعَمْ، هِيَ كَثِيرَةُ الْمَاءِ، وَأَهْلُهَا يَزْرَعُونَ مِنْ مَائِهَا. قَالَ: أَخْبِرُونِي عَنْ نَبِيِّ الْأُمِّيِّينَ مَا فَعَلَ؟ قَالُوا: قَدْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ، وَنَزَلَ يَثْرِبَ. قَالَ: أَقَاتَلَهُ الْعَرَبُ؟ قُلْنَا: نَعَمْ. قَالَ: كَيْفَ صَنَعَ بِهِمْ؟ فَأَخْبَرْنَاهُ أَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ عَلَى مَنْ يَلِيهِ مِنَ الْعَرَبِ، وَأَطَاعُوهُ. قَالَ لَهُمْ: قَدْ كَانَ ذَلِكَ؟ قُلْنَا: نَعَمْ. قَالَ: أَمَا إِنَّ ذَاكَ خَيْرٌ لَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ، وَإِنِّي مُخْبِرُكُمْ عَنِّي، إِنِّي أَنَا الْمَسِيحُ، وَإِنِّي يُوشِكُ أَنْ يُؤْذَنَ لِي فِي الْخُرُوجِ، فَأَخْرُجَ

فَأَسِيرَ فِي الْأَرْضِ، فَلَا أَدَعُ قَرْيَةً إِلَّا هَبَطْتُهَا فِي أَرْبَعِينَ لَيْلَةً غَيْرَ مَكَّةَ وَطَيْبَةَ، فَهُمَا مُحَرَّمَتَانِ عَلَيَّ كِلْتَاهُمَا، كُلَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَ وَاحِدَةً، أَوْ وَاحِدًا مِنْهُمَا اسْتَقْبَلَنِي مَلَكٌ بِيَدِهِ السَّيْفُ صَلْتًا، يَصُدُّنِي عَنْهَا، وَإِنَّ عَلَى كُلِّ نَقْبِ مِنْهَا مَلَائِكَةً يَحْرُسُونَهَا ". قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَطَعَنَ بِمِخْصَرَتِهِ فِي الْمِنْبَرِ: " هَذِهِ طَيْبَةُ، هَذِهِ طَيْبَةُ، هَذِهِ طَيْبَةُ ". يَعْنِي الْمَدِينَةَ. " أَلَا هَلْ كُنْتُ حَدَّثْتُكُمْ عَنْ ذَلِكَ؟ " فَقَالَ النَّاسُ: نَعَمْ. " فَإِنَّهُ أَعْجَبَنِي حَدِيثُ تَمِيمٍ أَنَّهُ وَافَقَ الَّذِي كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْهُ، وَعَنِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ، أَلَا إِنَّهُ فِي بَحْرِ الشَّامِ أَوْ بَحْرِ الْيَمَنِ، لَا بَلْ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ مَا هُوَ، مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ مَا هُوَ ". وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى الْمَشْرِقِ، قَالَتْ: فَحَفِظْتُ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ثُمَّ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ سَيَّارٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ فَاطِمَةَ، قَالَتْ. فَسَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ، فَقَالَ: " إِنَّ بَنِي عَمٍّ لِتَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَكِبُوا فِي الْبَحْرِ ". وَسَاقَ الْحَدِيثَ.
وَمِنْ حَدِيثِ غَيْلَانَ بْنِ جَرِيرٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْهَا، فَذَكَرَتْهُ: أَنَّ تَمِيمًا الدَّارِيَّ رَكِبَ فِي الْبَحْرِ، فَتَاهَتْ بِهِ السَّفِينَةُ، فَسَقَطَ إِلَى جَزِيرَةٍ، فَخَرَجَ إِلَيْهَا يَلْتَمِسُ الْمَاءَ، فَلَقِيَ إِنْسَانًا يَجُرُّ شَعْرَهُ، وَاقْتَصَّ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: فَأَخْرَجَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى النَّاسِ، فَحَدَّثَهُمْ، قَالَ: " هَذِهِ طَيْبَةُ، وَذَاكَ الدَّجَّالُ ".

حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ، يَعْنِي الْحِزَامِيَّ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقَالَ: " أَيُّهَا النَّاسُ، حَدَّثَنِي تَمِيمٌ الدَّارِيُّ أَنَّ أُنَاسًا مِنْ قَوْمِهِ كَانُوا فِي الْبَحْرِ فِي سَفِينَةٍ لَهُمْ، فَانْكَسَرَتْ بِهِمْ، فَرَكِبَ بَعْضُهُمْ عَلَى لَوْحٍ مِنْ أَلْوَاحِ السَّفِينَةِ، فَخَرَجُوا إِلَى جَزِيرَةٍ فِي الْبَحْرِ ". وَسَاقَ الْحَدِيثَ، وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ مَجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْهَا، بِنَحْوِهِ.
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْهَا، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ، مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ.
وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنْ الشَّعْبِيِّ، عَنْهَا بِنَحْوِهِ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ عَفَّانَ، وَعَنْ يُونُسَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُؤَدِّبِ، كُلٌّ مِنْهُمَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، ثَنَا مَجَالِدٌ، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ،فَأَتَيْتُ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ، فَحَدَّثَتْنِي أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا عَلَى عَهْدِ

رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ، فَقَالَ لِي أَخُوهُ: اخْرُجِي مِنَ الدَّارِ. فَقُلْتُ: إِنَّ لِي نَفَقَةً وَسُكْنَى حَتَّى يَحِلَّ الْأَجَلُ. قَالَ: لَا. قَالَتْ: فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: إِنَّ فَلَانًا طَلَّقَنِي، وَإِنَّ أَخَاهُ أَخْرَجَنِي، وَمَنَعَنِي السُّكْنَى وَالنَّفَقَةَ. فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: " مَا لَكَ، وَلِابْنَةِ آلِ قَيْسٍ؟ " قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَخِي طَلَّقَهَا ثَلَاثًا جَمِيعًا. قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " انْظُرِي يَا ابْنَةَآلِ قَيْسٍ، إِنَّمَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى لِلْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا، مَا كَانَتْ لَهُ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ فَلَا نَفَقَةَ وَلَا سُكْنَى، اخْرُجِي فَانْزِلِي عَلَى فُلَانَةَ ". ثُمَّ قَالَ: " إِنَّهُ يُتَحَدَّثُ إِلَيْهَا، انْزِلِي عَلَى ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ; فَإِنَّهُ أَعْمَى لَا يَرَاكِ ". ثُمَّ قَالَ: " لَا تَنْكِحِي حَتَّى أَكُونَ أَنَا أُنْكِحُكِ ".
قَالَتْ: فَخَطَبَنِي رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْتَأْمِرُهُ، فَقَالَ: " أَلَا تَنْكِحِينَ مَنْ هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ؟ " فَقُلْتُ: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَنْكِحْنِي مَنْ أَحْبَبْتَ. قَالَتْ: فَأَنْكَحَنِي مِنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ. قَالَ: فَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أَخْرُجَ، قَالَتِ: اجْلِسْ حَتَّى أُحَدِّثَكَ حَدِيثًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَتْ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَوْمًا مِنَ الْأَيَّامِ، فَصَلَّى صَلَاةَ الْهَاجِرَةِ، ثُمَّ قَعَدَ فَفَزِعَ النَّاسُ، فَقَالَ: " اجْلِسُوا أَيُّهَا النَّاسُ، فَإِنِّي لَمْ أَقُمْ مَقَامِي هَذَا لِفَزَعٍ، وَلَكِنَّ تَمِيمًا الدَّارِيَّ أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي خَبَرًا مَنَعَنِي مِنَ الْقَيْلُولَةِ; مِنَ الْفَرَحِ وَقُرَّةِ الْعَيْنِ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَنْشُرَ عَلَيْكُمْ فَرَحَ نَبِيِّكُمْ. أَخْبَرَنِي أَنَّ رَهْطًا مِنْ بَنِي عَمِّهِ رَكِبُوا الْبَحْرَ، فَأَصَابَتْهُمْ رِيحٌ عَاصِفٌ، فَأَلْجَأَتْهُمُ الرِّيحُ إِلَى

جَزِيرَةٍ لَا يَعْرِفُونَهَا فَقَعَدُوا فِي قُوَيْرِبِ سَفِينَةٍ، حَتَّى خَرَجُوا إِلَى الْجَزِيرَةِ، فَإِذَا هُمْ بِشَيْءٍ أَهْلَبَ كَثِيرِ الشَّعْرِ، لَا يَدْرُونَ أَرَجُلٌ هُوَ أَوِ امْرَأَةٌ؟ فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ، فَرَدَّ عَلَيْهِمُ السَّلَامَ، فَقَالُوا: أَلَا تُخْبِرُنَا؟ فَقَالَ: مَا أَنَا بِمُخْبِرِكُمْ، وَلَا بِمُسْتَخْبِرِكُمْ، وَلَكِنَّ هَذَا الدَّيْرَ الَّذِي قَدْ رَهِقْتُمُوهُ فِيهِ مَنْ هُوَ إِلَى خَبَرِكُمْ بِالْأَشْوَاقِ أَنْ يُخْبِرَكُمْ وَيَسْتَخْبِرَكُمْ. قَالُوا: قُلْنَا: مَا أَنْتِ؟ قَالَ: أَنَا الْجَسَّاسَةُ. فَانْطَلَقُوا حَتَّى أَتَوُا الدَّيْرَ، فَإِذَا هُمْ بِرَجُلٍ مُوثَقٍ شَدِيدِ الْوَثَاقِ، مُظْهِرِ الْحُزْنِ كَثِيرِ التَّشَكِّي، فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ، فَرَدَّ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: مِمَّنْ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: مِنَ الْعَرَبِ. قَالَ: مَا فَعَلَتِ الْعَرَبُ؟ أَخَرَجَ نَبِيُّهُمْ بَعْدُ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فَمَا فَعَلُوا؟ قَالُوا: خَيْرًا، آمَنُوا بِهِ وَصَدَّقُوهُ. قَالَ: ذَلِكَ خَيْرٌ لَهُمْ. قَالَ: فَكَانَ لَهُ عَدُوٌّ فَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ؟ قَالَ: فَالْعَرَبُ الْيَوْمَ إِلَهُهُمْ وَاحِدٌ، وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ، وَكَلِمَتُهُمْ وَاحِدَةٌ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فَمَا فَعَلَتْ عَيْنُ زُغَرَ؟ قَالُوا: صَالِحَةٌ، يَشْرَبُ مِنْهَا أَهْلُهَا، تَسْقِيهِمْ، وَيَسْقُونَ مِنْهَا زَرْعَهُمْ. قَالَ: فَمَا فَعَلَ نَخْلٌ بَيْنَ عَمَّانَ وَبَيْسَانَ؟ قَالُوا: صَالِحٌ، يُطْعِمُ جَنَاهُ كُلَّ عَامٍ. قَالَ " فَمَا فَعَلَتْ بُحَيْرَةُ الطَّبَرِيَّةِ؟ قَالُوا: مَلْأَى. قَالَ: فَزَفَرَ ثُمَّ زَفَرَ ثُمَّ زَفَرَ، ثُمَّ حَلَفَ: لَوْ خَرَجْتُ مِنْ مَكَانِي هَذَا مَا تَرَكْتُ أَرْضًا مِنْ أَرْضِ اللَّهِ إِلَّا وَطِئْتُهَا غَيْرَ طَيْبَةَ، لَيْسَ لِي عَلَيْهَا سُلْطَانٌ ". قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِلَى هَذَا انْتَهَى فَرَحِي ". ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. " إِنَّ طَيْبَةَ الْمَدِينَةُ، إِنَّ اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ، حَرَّمَ

حَرَمهَا عَلَى الدَّجَّالِ أَنْ يَدْخُلَهَا ". ثُمَّ حَلَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ مَا لَهَا طَرِيقٌ ضَيِّقٌ وَلَا وَاسِعٌ فِي سَهْلٍ وَلَا جَبَلٍ إِلَّا عَلَيْهِ مَلَكٌ شَاهِرٌ بِالسَّيْفِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، مَا يَسْتَطِيعُ الدَّجَّالُ أَنْ يَدْخُلَهَا عَلَى أَهْلِهَا ".
قَالَ عَامِرٌ: فَلَقِيتُ الْمُحَرَّرَ بْنَ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَحَدَّثْتُهُ بِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، فَقَالَ: أَشْهَدُ عَلَى أَبِي أَنَّهُ حَدَّثَنِي كَمَا حَدَّثَتْكَ فَاطِمَةُ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّهُ فِي نَحْوِ الْمَشْرِقِ ". قَالَ: ثُمَّ لَقِيتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ، فَذَكَرْتُ لَهُ حَدِيثَ فَاطِمَةَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ عَلَى عَائِشَةَ أَنَّهَا حَدَّثَتْنِي كَمَا حَدَّثَتْكَ فَاطِمَةُ غَيْرَ أَنَّهَا قَالَتْ: الْحَرَمَانِ عَلَيْهِ حَرَامٌ، مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ ".
وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ مَجَالِدٍ، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، بَسَطَهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَأَحَالَهُ أَبُو دَاوُدَ عَلَى الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ قَبْلَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ مُتَابَعَةَ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَائِشَةَ، كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ، ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، ثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَّرَ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ ذَاتَ لَيْلَةٍ، ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ: " إِنَّهُ حَبَسَنِي حَدِيثٌ كَانَ يُحَدِّثُنِيهِ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ عَنْ رَجُلٍ فِي جَزِيرَةٍ مِنْ جَزَائِرِ الْبَحْرِ، فَإِذَا أَنَا بِامْرَأَةٍ تَجُرُّ شَعْرَهَا، قَالَ: مَا أَنْتِ؟ قَالَتْ: أَنَا الْجَسَّاسَةُ، اذْهَبْ إِلَى ذَلِكَ الْقَصْرِ. فَأَتَيْتُهُ،

فَإِذَا رَجُلٌ يَجُرُّ شَعْرَهُ، مُسَلْسَلٌ فِي الْأَغْلَالِ، يَنْزُو فِيمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَقُلْتُ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا الدَّجَّالُ، خَرَجَ نَبِيُّ الْأُمِّيِّينَ بَعْدُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: أَطَاعُوهُ أَمْ عَصَوْهُ؟ قُلْتُ: بَلْ أَطَاعُوهُ. قَالَ: ذَاكَ خَيْرٌ لَهُمْ. فَهَذِهِ مُتَابَعَةٌ لِلشَّعْبِيِّ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ بِبَعْضِهِ، ثُمَّ أَوْرَدَ أَبُو دَاوُدَ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، بِطُولِهِ كَنَحْوٍ مِمَّا تَقَدَّمَ.
ثُمَّ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا وَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُمَيْعٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى الْمِنْبَرِ: " إِنَّهُ بَيْنَمَا أُنَاسٌ يَسِيرُونَ فِي الْبَحْرِ، فَنَفِدَ طَعَامُهُمْ، فَرُفِعَتْ لَهُمْ جَزِيرَةٌ، فَخَرَجُوا يُرِيدُونَ الْخُبْزَ، فَلَقِيَتْهُمُ الْجَسَّاسَةُ ". قُلْتُ لِأَبِي سَلَمَةَ: وَمَا الْجَسَّاسَةُ؟ قَالَ: امْرَأَةٌ تَجُرُّ شَعَرَ جِلْدِهَا وَرَأْسِهَا. فَقَالَتْ: فِي هَذَا الْقَصْرِ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَسَأَلَ عَنْ نَخْلِ بَيْسَانَ، وَعَيْنِ زُغَرَ. قَالَ: هُوَ الْمَسِيحُ. فَقَالَ لِي ابْنُ أَبِي سَلَمَةَ: إِنَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ شَيْئًا مَا حَفِظْتُهُ. قَالَ: شَهِدَ جَابِرٌ أَنَّهُ ابْنُ صَيَّادٍ. قُلْتُ: فَإِنَّهُ قَدْ مَاتَ. قَالَ: وَإِنْ مَاتَ. قُلْتُ: فَإِنَّهُ أَسْلَمَ. قَالَ: وَإِنْ أَسْلَمَ. قُلْتُ: فَإِنَّهُ قَدْ دَخَلَ الْمَدِينَةَ. قَالَ: وَإِنْ دَخْلَ الْمَدِينَةَ. تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ، وَهُوَ غَرِيبٌ جِدًّا.

وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ سَعْدُ بْنُ زِيَادٍ، حَدَّثَنِي نَافِعٌ مَوْلَايَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَوَى عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقَالَ: " حَدَّثَنِي تَمِيمٌ ". فَرَأَى تَمِيمًا فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: " يَا تَمِيمُ، حَدِّثِ النَّاسَ مَا حَدَّثْتَنِي ". فَقَالَ: كُنَّا فِي جَزِيرَةٍ، فَإِذَا نَحْنُ بِدَابَّةٍ لَا يُدْرَى قُبُلُهَا مِنْ دُبُرِهَا. فَقَالَتْ: تَعْجَبُونَ مِنْ خَلْقِي، وَفِي الدَّيْرِ مَنْ يَشْتَهِي كَلَامَكُمْ! فَدَخَلْنَا الدَّيْرَ، فَإِذَا نَحْنُ بِرَجُلٍ مُوثَقٍ فِي الْحَدِيدِ، مِنْ كَعْبِهِ إِلَى أُذُنِهِ، وَإِذَا أَحَدُ مِنْخَرَيْهِ مَسْدُودٌ، وَإِحْدَى عَيْنَيْهِ مَطْمُوسَةٌ، وَالْأُخْرَى كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ. قَالَ: مَنْ أَنْتُمْ؟ فَأَخْبَرْنَاهُ، فَقَالَ: مَا فَعَلَتْ بُحَيْرَةُ طَبَرِيَّةَ؟ قُلْنَا: كَعَهْدِهَا. قَالَ: فَمَا فَعَلَ نَخْلُ بَيْسَانَ؟ قُلْنَا: بِعَهْدِهِ. قَالَ: لَأَطَأَنَّ الْأَرْضَ بِقَدَمَيَّ هَاتَيْنِ، إِلَّا بَلْدَةَ إِبْرَاهِيمَ وَطَابَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " طَابَا هِيَ الْمَدِينَةُ ". وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا.
وَقَدْ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: أَبُو عَاصِمٍ هَذَا لَيْسَ بِالْمَتِينِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ،عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ امْرَأَةً مِنَ الْيَهُودِ بِالْمَدِينَةِ وَلَدَتْ غُلَامًا مَمْسُوحَةً عَيْنُهُ، طَالِعَةً نَاتِئَةً، فَأَشْفَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكُونَ الدَّجَّالَ، فَوَجَدَهُ تَحْتَ قَطِيفَةٍ يُهَمْهِمُ، فَآذَنَتْهُ أُمُّهُ فَقَالَتْ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، هَذَا أَبُو الْقَاسِمِ قَدْ

جَاءَ فَاخْرُجْ إِلَيْهِ. فَخَرَجَ مِنَ الْقَطِيفَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا لَهَا قَاتَلَهَا اللَّهُ؟ لَوْ تَرَكَتْهُ لَبَيَّنَ ".
ثُمَّ قَالَ: " يَا ابْنَ صَيَّادٍ مَا تَرَى؟ " قَالَ: أَرَى حَقًّا، وَأَرَى بَاطِلًا، وَأَرَى عَرْشًا عَلَى الْمَاءِ. قَالَ: فَلُبِسَ عَلَيْهِ. فَقَالَ: " أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ ". فَقَالَ هُوَ: أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " آمَنْتُ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ". ثُمَّ خَرَجَ وَتَرَكَهُ، ثُمَّ أَتَاهُ مَرَّةً أُخْرَى، فَوَجَدَهُ فِي نَخْلٍ لَهُ يُهَمْهِمُ، فَآذَنَتْهُ أُمُّهُ، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، هَذَا أَبُو الْقَاسِمِ قَدْ جَاءَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا لَهَا قَاتَلَهَا اللَّهُ؟ لَوْ تَرَكَتْهُ لَبَيَّنَ ". قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطْمَعُ أَنْ يَسْمَعَ مِنْ كَلَامِهِ شَيْئًا؟ لِيَعْلَمَ أَهْوَ هُوَ أَمْ لَا؟ قَالَ: " يَا ابْنَ صَيَّادٍ مَا تَرَى؟ ". قَالَ: أَرَى حَقًّا، وَأَرَى بَاطِلًا، وَأَرَى عَرْشًا عَلَى الْمَاءِ. قَالَ: " أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ ". قَالَ هُوَ: أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " آمَنْتُ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ". فَلُبِسَ عَلَيْهِ، ثُمَّ خَرَجَ وَتَرَكَهُ. ثُمَّ جَاءَ فِي الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي نَفَرٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَأَنَا مَعَهُ. قَالَ: فَبَادَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَيْدِينَا، وَرَجَا أَنْ يَسْمَعَ مِنْ كَلَامِهِ شَيْئًا، فَسَبَقَتْهُ أُمُّهُ إِلَيْهِ، فَقَالَتْ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، هَذَا أَبُو الْقَاسِمِ قَدْ جَاءَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا لَهَا قَاتَلَهَا اللَّهُ؟ لَوْ تَرَكَتْهُ لَبَيَّنَ ". فَقَالَ: " يَا ابْنَ صَيَّادٍ مَا تَرَى؟ ". قَالَ: أَرَى حَقًّا، وَأَرَى بَاطِلًا، وَأَرَى عَرْشًا عَلَى الْمَاءِ. قَالَ: " أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ ". قَالَ: أَتَشْهَدُ

أَنْتَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: آمَنْتُ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ". فَلُبِسَ عَلَيْهِ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا ابْنَ صَيَّادٍ، إِنَّا قَدْ خَبَّأْنَا لَكَ خَبِيئًا، فَمَا هُوَ؟ ". قَالَ: الدُّخُّ، الدُّخُّ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اخْسَأْ اخْسَأْ ". فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ائْذَنْ لِي فَأَقْتُلَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنْ يَكُنْ هُوَ فَلَسْتَ صَاحِبَهُ، إِنَّمَا صَاحِبُهُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، وَإِنْ لَا يَكُنْ هُوَ فَلَيْسَ لَكَ أَنْ تَقْتُلَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ ". قَالَ - يَعْنِي جَابِرًا -: فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُشْفِقًا أَنَّهُ الدَّجَّالُ. وَهَذَا سِيَاقٌ غَرِيبٌ جِدًّا.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ:بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَمْشِي إِذْ مَرَّ بِصِبْيَانٍ يَلْعَبُونَ، فِيهِمُ ابْنُ صَيَّادٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَرِبَتْ يَدَاكَ، أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ " فَقَالَ هُوَ: أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: دَعْنِي فَلْأَضْرِبْ عُنُقَهُ. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنْ يَكُنِ الَّذِي تَخَافُ فَلَنْ تَسْتَطِيعَهُ ". وَالْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي ابْنِ صَيَّادٍ كَثِيرَةٌ، وَفِي بَعْضِهَا التَّوَقُّفُ فِي أَمْرِهِ، هَلْ هُوَ الدَّجَّالُ أَمْ لَا؟ فَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَأْنِ الدَّجَّالِ وَتَعْيِينِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ فَاصِلٌ فِي هَذَا الْمَقَامِ، وَسَنُورِدُ مِنَ الْأَحَادِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الدَّجَّالَ لَيْسَ بِابْنِ صَيَّادٍ. وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ؟ فَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا

اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ، فَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ، سَبْطُ الشَّعْرِ، يَنْطِفُ - أَوْ: يُهَرَاقُ - رَأْسُهُ مَاءً، قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: ابْنُ مَرْيَمَ. ثُمَّ ذَهَبْتُ أَلْتَفِتُ، فَإِذَا رَجُلٌ جَسِيمٌ، أَحْمَرُ، جَعْدُ الرَّأْسِ، أَعْوَرُ الْعَيْنِ، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ، قَالُوا: هَذَا الدَّجَّالُ، أَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا ابْنُ قَطَنٍ، رَجُلٌ مِنْ خُزَاعَةَ ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَخْرُجُ الدَّجَّالُ فِي خِفَّةٍ مِنَ الدِّينِ، وَإِدْبَارٍ مِنَ الْعِلْمِ، فَلَهُ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً يَسِيحُهَا فِي الْأَرْضِ، الْيَوْمُ مِنْهَا كَالسَّنَةِ، وَالْيَوْمُ مِنْهَا كَالشَّهْرِ، وَالْيَوْمُ مِنْهَا كَالْجُمُعَةِ، ثُمَّ سَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ هَذِهِ، وَلَهُ حِمَارٌ يَرْكَبُهُ، عَرْضُ مَا بَيْنَ أُذُنَيْهِ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا، فَيَقُولُ لِلنَّاسِ: أَنَا رَبُّكُمْ. وَهُوَ أَعْوَرُ - وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ - مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ: كَافِرٌ، ك ف ر مُهَجَّاةٌ، يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ، كَاتِبٍ وَغَيْرِ كَاتِبٍ، يَرِدُ كُلَّ مَاءٍ وَمَنْهَلٍ إِلَّا الْمَدِينَةَ وَمَكَّةَ; حَرَّمَهُمَا اللَّهُ عَلَيْهِ، وَقَامَتِ الْمَلَائِكَةُ بِأَبْوَابِهَا، وَمَعَهُ جِبَالٌ مَنْ خُبْزٍ، وَالنَّاسُ فِي جَهْدٍ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَهُ، وَمَعَهُ نَهَرَانِ - أَنَا أَعْلَمُ بِهِمَا مِنْهُ،

نَهَرٌ يَقُولُ: الْجَنَّةُ. وَنَهَرٌ يَقُولُ: النَّارُ. فَمَنْ أُدْخِلَ الَّذِي يُسَمِّيهِ الْجَنَّةَ فَهُوَ النَّارُ، وَمَنْ أُدْخِلَ الَّذِي يُسَمِّيهِ النَّارَ فَهُوَ الْجَنَّةُ ". قَالَ: " وَتُبْعَثُ مَعَهُ شَيَاطِينُ تُكَلِّمُ النَّاسَ، وَمَعَهُ فِتْنَةٌ عَظِيمَةٌ، يَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرُ فِيمَا يَرَى النَّاسُ، وَيَقْتُلُ نَفْسًا ثُمَّ يُحْيِيهَا فِيمَا يَرَى النَّاسُ، لَا يُسَلَّطُ عَلَى غَيْرِهَا، وَيَقُولُ لِلنَّاسِ: هَلْ يَفْعَلُ مِثْلَ هَذَا إِلَّا الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ؟ " قَالَ: " فَيَفِرُّ الْمُسْلِمُونَ إِلَى جَبَلِ الدُّخَانِ بِالشَّامِ، فَيَأْتِيهِمْ فَيُحَاصِرُهُمْ، فَيَشْتَدُّ حِصَارُهُمْ، وَيُجْهِدُهُمْ جُهْدًا شَدِيدًا، ثُمَّ يَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، فَيُنَادِي مِنَ السَّحَرِ، فَيَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، مَا يَمْنَعُكُمْ أَنْ تَخْرُجُوا إِلَى الْكَذَّابِ الْخَبِيثِ؟ فَيَقُولُونَ: هَذَا رَجُلٌ جِنِّيٌّ. فَيَنْطَلِقُونَ، فَإِذَا هُمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فَتُقَامُ الصَّلَاةُ، فَيُقَالُ لَهُ: تَقَدَّمْ يَا رُوحَ اللَّهِ. فَيَقُولُ: لِيَتَقَدَّمْ إِمَامُكُمْ فَلْيُصَلِّ بِكُمْ. فَإِذَا صَلَّى صَلَاةَ الصُّبْحِ خَرَجُوا إِلَيْهِ " قَالَ: " فَحِينَ يَرَاهُ الْكَذَّابُ يَنْمَاثُ كَمَا يَنْمَاثُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ، فَيَمْشِي إِلَيْهِ فَيَقْتُلُهُ، حَتَّى إِنَّ الشَّجَرَةَ وَالْحَجَرَ يُنَادِي: يَا رُوحَ اللَّهِ، هَذَا يَهُودِيٌّ، فَلَا يَتْرُكُ مِمَّنْ كَانَ يَتْبَعُهُ أَحَدًا إِلَّا قَتَلَهُ ". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ أَيْضًا، وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ، وَهُوَ ثِقَةٌ.

حَدِيثُ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الْكِلَابِيِّ فِي مَعْنَاهُ، وَأَبْسَطُ مِنْهُ
قَالَ مُسْلِمٌ: حَدَّثَنِي أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ،

حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ جَابِرٍ الطَّائِيُّ، قَاضِي حِمْصَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ الْحَضْرَمِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّوَّاسَ بْنَ سَمْعَانَ الْكِلَابِيَّ ( ح )، وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ الرَّازِيُّ، وَاللَّفْظُ لَهُ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ جَابِرٍ الطَّائِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ، قَالَ:ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ، فَخَفَّضَ فِيهِ وَرَفَّعَ، حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ، فَلَمَّا رُحْنَا إِلَيْهِ عَرَفَ ذَلِكَ فِينَا، فَقَالَ: " مَا شَأْنُكُمْ؟ " قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ذَكَرْتَ الدَّجَّالَ غَدَاةً، فَخَفَّضْتَ فِيهِ وَرَفَّعْتَ، حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ. فَقَالَ: " غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِي عَلَيْكُمْ، إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ، وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ، وَاللَّهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، إِنَّهُ شَابٌّ قَطَطٌ، عَيْنُهُ طَافِيَةٌ، كَأَنِّي أُشَبِّهُهُ بِعَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قَطَنٍ، فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ، إِنَّهُ خَارِجٌ خَلَّةً بَيْنَ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ، فَعَاثَ يَمِينًا وَعَاثَ شِمَالًا، يَا عِبَادَ اللَّهِ فَاثْبُتُوا ". قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا لُبْثُهُ فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ: " أَرْبَعُونَ يَوْمًا; يَوْمٌ كَسَنَةٍ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ ". قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ؟ قَالَ: " لَا، اقْدِرُوا لَهُ قَدْرَهُ ". قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا إِسْرَاعُهُ فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ: " كَالْغَيْثِ اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ، فَيَأْتِي عَلَى الْقَوْمِ فَيَدْعُوهُمْ فَيُؤْمِنُونَ بِهِ، وَيَسْتَجِيبُونَ لَهُ، فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ

فَتُمْطِرُ وَالْأَرْضَ فَتُنْبِتُ، فَتَرُوحُ عَلَيْهِمْ سَارِحَتُهُمْ أَطْوَلَ مَا كَانَتْ ذُرًى وَأَسْبَغَهُ ضُرُوعًا وَأَمَدَّهُ خَوَاصِرَ، ثُمَّ يَأْتِي الْقَوْمَ فَيَدْعُوهُمْ فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ، فَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ، فَيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ لَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَيَمُرُّ بِالْخَرِبَةِ فَيَقُولُ لَهَا: أَخْرِجِي كُنُوزَكِ. فَتَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ، ثُمَّ يَدْعُو رَجُلًا مُمْتَلِئًا شَبَابًّا، فَيَضْرِبُهُ بِالسَّيْفِ، فَيَقْطَعُهُ جَزْلَتَيْنِ رَمْيَةَ الْغَرَضِ، ثُمَّ يَدْعُوهُ فَيُقْبِلُ يَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ يَضْحَكُ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ، فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ، شَرْقِيَّ دِمَشْقَ بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ، وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ، إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ، وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ، فَلَا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلَّا مَاتَ، وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرَفُهُ، فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ فَيَقْتُلَهُ، ثُمَّ يَأْتِي عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ قَوْمٌ قَدْ عَصَمَهُمُ اللَّهُ مِنْهُ، فَيَمْسَحُ عَنْ وُجُوهِهِمْ، وَيُحَدِّثُهُمْ بِدَرَجَاتِهِمْ فِي الْجَنَّةِ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى عِيسَى: إِنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي لَا يَدَانِ لِأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ، فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ. وَيَبْعَثُ اللَّهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ، فَيَمُرُّ أَوَائِلُهُمْ عَلَى بُحَيْرَةِ الطَّبَرِيَّةِ، فَيَشْرَبُونَ مَا فِيهَا، وَيَمُرُّ آخِرُهُمْ فَيَقُولُونَ: لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ مَرَّةً مَاءٌ،

وَيُحْصَرُ نَبِيُّ اللَّهِ وَأَصْحَابُهُ، حَتَّى يَكُونَ رَأْسُ الثَّوْرِ لِأَحَدِهِمْ خَيْرًا مِنْ مِائَةِ دِينَارٍ لِأَحَدِكُمُ الْيَوْمَ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى اللَّهِ، فَيُرْسِلُ اللَّهُ عَلَيْهِمُ النَّغْفَ فِي رِقَابِهِمْ، فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ يَهْبِطُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى الْأَرْضِ، فَلَا يَجِدُونَ فِي الْأَرْضِ مَوْضِعَ شِبْرٍ إِلَّا مَلَأَهُ زَهَمُهُمْ وَنَتَنُهُمْ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى اللَّهِ، فَيُرْسِلُ اللَّهُ طَيْرًا كَأَعْنَاقِ الْبُخْتِ فَتَحْمِلُهُمْ، فَتَطْرَحُهُمْ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ مَطَرًا لَا يَكُنُّ مِنْهُ بَيْتُ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ، فَيَغْسِلُ اللَّهُ الْأَرْضَ حَتَّى يَتْرُكَهَا كَالزَّلَفَةِ، ثُمَّ يُقَالُ لِلْأَرْضِ: أَنْبِتِي ثَمَرَتَكِ، وَرُدِّي بَرَكَتَكِ، فَيَوْمَئِذٍ تَأْكُلُ الْعِصَابَةُ مِنَ الرُّمَّانَةِ، وَيَسْتَظِلُّونَ بِقِحْفِهَا، وَيُبَارَكُ فِي الرِّسْلِ حَتَّى إِنَّ اللِّقْحَةَ مِنَ الْإِبِلِ لَتَكْفِي الْفِئَامَ مِنَ النَّاسِ، وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْبَقَرِ لَتَكْفِي الْقَبِيلَةَ مِنَ النَّاسِ، وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْغَنَمِ لَتَكْفِي الْفَخِذَ مِنَ النَّاسِ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً،

فَتَأْخُذُهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ، فَتَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَكُلِّ مُسْلِمٍ، وَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ يَتَهَارَجُونَ فِيهَا تَهَارُجَ الْحُمُرِ، فَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ ".
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، وَالْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ - قَالَ ابْنُ حُجْرٍ: دَخَلَ حَدِيثُ أَحَدِهِمَا فِي حَدِيثِ الْآخَرِ - عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَ مَا ذَكَرْنَا، وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ: " لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ مَرَّةً مَاءٌ ": " ثُمَّ يَسِيرُونَ حَتَّى يَنْتَهُوا إِلَى جَبَلِ الْخَمْرِ، وَهُوَ جَبَلُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَيَقُولُونَ: لَقَدْ قَتَلْنَا مَنْ فِي الْأَرْضِ، هَلُمَّ فَلْنَقْتُلْ مَنْ فِي السَّمَاءِ. فَيَرْمُونَ بِنِشَابِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ، فَيَرُدُّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ نِشَابَهُمْ مَخْضُوبَةً دَمًا ". وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ حُجْرٍ: " فَإِنِّي قَدْ أَنْزَلْتُ عِبَادًا لِي لَا يَدَيْ لِأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ ". انْتَهَى مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ إِسْنَادًا وَمَتْنًا. وَقَدْ تَفَرَّدَ بِهِ عَنِ الْبُخَارِيِّ.
وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي " مُسْنَدِهِ "، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ، وَزَادَ فِي سِيَاقِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ: " فَتَطْرَحُهُمْ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ " قَالَ ابْنُ جَابِرٍ: فَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عَطَاءٍ السَّكْسَكِيُّ، عَنْ كَعْبٍ أَوْ غَيْرِهِ، قَالَ: " فَتَطْرَحُهُمْ بِالْمَهْبِلِ ". قَالَ ابْنُ جَابِرٍ: وَأَيْنَ الْمَهْبِلُ؟ قَالَ: مَطْلِعُ الشَّمْسِ.

وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ صَالِحٍ الْمُؤَذِّنِ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، بِبَعْضِهِ.
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ، وَسَاقَهُ بِطُولِهِ، وَقَالَ: غَرِيبٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جَابِرٍ.
وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ، مُخْتَصَرًا.
وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ حَمْزَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ بِإِسْنَادِهِ، قَالَ: يَسْتَوْقِدُ النَّاسُ مِنْ قِسِيِّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَنِشَابِهِمْ وَأَتْرِسَتِهِمْ سَبْعَ سِنِينَ ". وَذَكَرَهُ قَبْلَ ذَلِكَ بِتَمَامِهِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ هَذِهِ الْقِصَّةَ، وَلَا ذَكَرَ فِي إِسْنَادِهِ يَحْيَى بْنَ جَابِرٍ الطَّائِيَّ.

قال أبو عبد الله بن ماجه، حدثنا علي بن محمد بن ماجه، حدثنا عبد الرحمن المحاربي، عن إسماعيل بن رافع أبي رافع، عن أبي زرعة الشيباني يحيى بن أبي عمرو، عن أبي أمامة الباهلي قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أكثرُ خُطْبَتِه حديثاً حَدَّثنَاهُ عن الدجال وحَذَّرْنَاهُ فكانَ من قوله أنْ قَالَ: " إِنَّهُ لم تكن فِتْنَةٌ في الأَرض مُنْذُ ذَرَأ اللَّهُ ذُرِّيَّة آدَمَ أعْظَمَ من فتنة الدجال، وإِن الله لَمْ يَبْعَثْ نبيّاً إلا حَذَّرَ من الدجال، وأنا آخر الأنبياء وأَنتم آخرُ الأمَم، وهو خارج فيكم لاَ مَحَالَةَ، فإِن يخرج وأنا بين أظْهرِكُم فأنا حَجِيجٌ لكل مسلم، وإِن يخرج من بعدي فكل حَجِيجُ نَفْسِهِ، والله خَلِيفتي على كل مسلم، وإِنه يخرج من خَلَّة بين الشام والعراق فيَعِيثُ يميناً وشِمالاً،. يا عباد الله أيها الناس فاثبُتُوا، وإِني سَأصِفُه لكم صِفَةَ لم يَصِفْها إِيَّاه نبيٌّ قَبْلي، إِنَّهُ يَبْدأ فَيَقولُ: أنا نَبي ولا نَبِيَّ بَعْدِي، ثُمّ يُثنِّي فيقول: أنا ربّكم، وَلاَ تَرَوْنَ ربكم حتى تَمُوتوا، وإِنَّه أَعورُ وإِن ربكم عزَّ وجل ليس بأعورَ، وإنه مَكتُوبٌ بين عينيه

كافرٌ يقرؤُه كل مؤمن كاتبٍ وغير كاتبٍ، وإِن من فتنته أن معه جنَّةً وناراً. فنارُه جَنّةٌ وَجَنَّتُهُ نار، فمن ابْتُلِيَ بِنَارِهِ فَلْيَسْتَغثْ بِاللَّهِ وليقرأْ فَوَاتِحَ الكهْفَ فَتَكُونَ عَلَيْهِ بَرْداً وَسَلاماً كما كانت النارُ على إِبراهِيمَ، وإِن مِن فتنته أن يقول لأعرابِيّ أَرأَيت إِن بَعَثث لك أَبَاكَ وأمَّكَ أتشهد أنِّي ربُّك؟ فيقول له: نَعَمْ، فَيَتَمًثّلْ لَهُ شيطانان في صورة أبيه وأمه فيقولان يا بُنَيّ اتَّبِعْهُ فإنه ربُّك، وإن من فتنته أن يُسًلّطَ على نَفس واحدة فيقتلها يَنْشُرُها بالمِنْشَارِ ثم يُلْقِيها شقَّتين، ثم يقول انظروا إلى عَبْدِي فإني أبتَعِثُهُ الآن، ثم يزعم أن له رباً غيري، فيَبْعَثُهُ الله فيقول له الخبيث: من ربك؟ فيقول: ربِّي اللَّهُ، وأنت عدوّ اللَّهِ الدجالُ واللَّهِ ما كنتُ بَعْدُ أشدَّ بَصِيرَةً بِكَ منِّي اليومَ ".
قال أبو الحسن يعني علي بن محمد، فحدثنا المحاربيّ حدثنا عبيد الله بن الوليد الوصالي، عن عطية، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ذاك الرجلُ أرفعُ أمَّتي درجةً في الجنّةِ ".
قال: قال أبو سعيد ما كنا نرى ذلك الرجل إلا عمر بن الخطاب حتى مضى لسبيله.
قال المحاربي ثم رجعنا إلى حديث أبي رافع قال: من فتنته أن يأمر السماءَ أنْ تُمْطِرَ فتمطرَ، ويأمرَ الأرض أن تُنْبِتَ فتُنبت، وإِن من فتنته أن يمر بالحي فيكذبونه فلا تبقى لهم سَائِمةٌ إلا هلكت، وإن من فتنته أن يمر بالحي

فيصدقونه فيأمر السماءَ أن تُمْطِرَ فتمطر ويأمر الأرض أن تنبت فتنبت، حتى تروح عليهم مواشِيهِم من يومهم ذلك أسمنَ ما كانَتْ وأعظمه، وأمَدَّه خَوَاصِرَ، وأدَرَّهُ ضُرُوعاً وإِنه لا يبقى من الأرض شيئاً إلا وَطِئَه وظَهَر عليه إلا مكّةَ والمدينة، فإنه لا يَأتيهما مِن نَقب من نِقَابِهِما إِلاّ لقيته الملائكة بالسيوف صَلْتَةً حتى ينزل عند الطريب الأحمر عند منقطع السبْخَةِ فَتَرْجُفُ المدينة بأهلها ثلاث رجَفَاتٍ فلا يبقى منافق ولا منافقة إلا خَرَج إليه فَيُنقًّى الخَبَث منها كما يُنقَّى الكيرُ خَبَثَ الحديد وَيُدْعَى ذَلِكَ الْيومُ يَوْمَ الخلاص، فقالت أمّ شَريكٍ ابنةُ أبي الْعَسْكَر: يا رسول الله فأيْنَ العربُ يَومَئِذٍ؟ قال: هُمْ قَلِيلٌ وجُلًّهُمْ ببيت المقدِس وإِمَامُهُمْ رجلٌ صالحٌ، فبينما إِمَامُهُمْ قدْ تَقَدَّمَ فَصًلّى الصُبحَ إذ نزل عليهم عِيسى ابنُ مَرْيَمَ، فَرَجَعَ ذلك الإِمَامُ يمشي القَهْقَرى ليتقدّمَ بهم عيسى يُصلّي، فيضعُ عيسى عليه الصلاة والسلام يده بين كتفيه فيقول له: تَقَدَّمْ فَصَلِّ فإنها لك أقيمَتْ، فيصلي بهم إمامهم فإذا انصرفَ قال عيسى: أقِيمُوا البابَ فَيُفْتَحُ

وَوَرَاءَه الدجالُ مَعَهُ سبعون ألف يهوديٌّ كُلُّهُم ذو سيْف مُحَلَّى وساج، فإذا نظر إليه الدجال ذَاب كما يذوبُ المِلحُ في الماء وينطلق هارِباً ويقول عيسى: إن لي فيك ضَرْبَةً لَنْ تَسْبقَني بِها؟ فيدْرِكُه عندَ بابِ الدارِ الشرقي فيقتله فَيَهزِمُ اللَّهُ اليهودَ فَلاَ يَبْقى شَيء بِهَا خَلَقَ اللَّهُ يَتَوَارى بِهِ يَهوديٌّ إلا أنطَقَ اللَّهُ الشيء، لاَ حَجَرَ وَلاَ شَجَرَ وَلاَ حَائِطَ وَلاَ دابَّةَ إلا الغَرْقَدَة فإِنها من شَجَرِهِمْ لاَ تَنْطِقُ إلا قال: يا عبد الله المسلم هذا يهوديٌّ فَتَعَالَ فاقْتُلْهُ.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وإِن أيامِه أربعون سنةً السنةُ كنصف السنةِ، والسنةُ كالشهر، والشهر ُكالجمعةِ، وآخر أيامِهِ قصيرةٌ يصبح أحدكم على باب المدينة فما يصل إلى بابها الآخر حتى يُمْسي، فقيل له يا رسول الله: كيف نصلي في تلكَ الأيّام القِصارِ؟ قال: تَقدُرُونَ فيها للصَلاةِ كما تقدرونه في هذه الأيام الطوال ثم صلّوا ".
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لِيَكونَنَّ عيسى ابنُ مريمَ في أمَّتي حَكَماً عَدْلاً وإِماماً قِسْطاً يدُق الصليبَ ويَقْتلُ الخنزيرَ ويَضَعُ الجزيةَ ويترك الصَّدقةَ فلا تسعى على شاةٍ ولا بعيرٍ، ويرفَع الشحناء والتباغضَ وينزع جُمَّةِ كل ذي جُمَّة حتى يدخل الوليد يده في فَم الحيّة فلا تَضُرُّه، وينفر الوليد الأسد فلا

يَضرُّه ويكون الذئب في الغنم كأنَّهُ كَلبها، وتملأ الأرْضُ من السّلْم كما يملأ الاناء من الماءِ؟ وتكون الكلمَةُ واحةً فلا يعبدُ إِلا اللَّهُ، وتَضعُ الْحَرب أوزَارها، وتَسْلَبُ قريشٌ فلْكَهَا وتكونُ الأرض كَعَاثُور الفِضّةَ يَنْبُتُ نَبَاتها كعهد آدمَ حتى يجتمِع النَّفَرُ على القِطْفِ من العِنَبِ فَلْيُشْبِعُهُمْ ويجتمع النَّفَرُ على الرًّمَانةِ فَتُشْبعهمْ، ويكونَ الثَّور بكذا وكذا من المال، ويكون الفرَسُ بالدريهمات قيل يا رسول الله: وَمَا يُرْخصُ الفرسَ؟ قال: لا يركب لحرب أبداً قيل له: فما يُغْلي الثور؟ قال: لحرث الأرض كلّها: وإن قبل خروج الدجال ثلاث سنوات شدادٍ يصيب الناس فيها جوعٌ شديدٌ يأمر اللَّهُ السماء أن تَحْبِسَ ثلثَ مطرِها، ويأمرَ الأرضَ أن تَحْبِسَ ثلثَ نباتِها، ثم يأمر السماء في السنةِ الثانية فتحبسُ ثلثي مَطَرِها ويأمر الأرضَ فتحبسُ ثلث نبَاتِها، ثم يأمر السماءَ في السنةِ الثالثةِ فتحبسُ مطرها كلَّهُ فَلاَ تَقْطر قطرةً، ويأمر الأرض فتحبسُ نَداتَها كلَّها فلا تُنْبِتَ خضراءَ، فلا تبقى ذاتُ ظلْفٍ إلا هلكت إلا ما شاء الله، فقيل: ما يُعيش الناس في ذلك الزمان؟ قال: التهليلُ والتكبير والتسبيحُ والتحميدُ ويجري ذلك عليهم مُجْرى الطعام ".
بعض العجائب الغرائب التي وردت نسبة قولها إلى الرسول عليه السلام
قال ابن ماجه سمعت أبا الحسن الطنافسي يقول، سمعت عبد الرحمن

المحاربي يقول ينبغي أن يدفع هذا الحديث إلى المؤدب حتى يعلمه الصبيان في الكتّاب انتهى سياق ابن ماجه، وقد وقع تخبيط في إسناده لهذا الحديث، فكما وجدته في نسخة كتبت إسناده، وقد سقط التابعي منه وهو عمرو بن عبد الله الحضرمي أبو عبد الله الجبار الشامي المرادي عن أبي أمامة قال شيخنا الحافظ المزي، ورواه ابن ماجه في الفتن عن علي بن محمد، عن عبد الرحمن بن محمد المحاربي، عن أبي رافع إسماعيل بن رافع، عن أبي عمرو الشيباني زرعة. عن أبي أمامة بتمامه كذا قال، وكذا رواه سهل بن عثمان عن المحاربي، وهو وهم فاحش. قلت: وقد جرد إسناده أبو داود فرواه عن عيسى بن محمد، عن ضمرة، عن يحيى بن أبي عمرو الشيباني، عن عمرو بن عبد الله، عن أبي أمامة نحو حديث النواس بن سمعان.
وقد روى الإِمام أحمد بهذا الإِسناد حديثاً واحداً في مسنده فقال أبو عبد الرحمن عبد الله ابن الإِمام أحمد: وجدت في كتاب أبي بخط يده حدثني مهدي بن جعفر الرملي، حدثنا ضمرة، عن الشيباني واسمه يحيى

بن أبي عمر، وعن عمرو بن عبد الله الحضرمي عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تزال طائفة من أمّتي ظاهرين على عَدوَهِم قاهرين لا يضرهم من خالفهم ولا ما أصابهم من لأواء حتى يأتي أمر الله وهم كذلك. قالوا يا رسول الله وأين هم؟ قال: في بيت المقدس وأكْتَافِ بَيْتِ المقدِس ".
حديث يجب صرفه عن ظاهره الى التأويل
وقال مسلم: حدثنا عمرو بن الناقد والحسن الحلواني وعبيد بن حميد وألفاظهم متقاربة والسياق بعيد قال حدثني وقال الآخران: حدثنا يعقوب هو ابن إبراهيم بن سعد، حدثنا أبي عن صالح، عن ابن شهاب، أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن أبا سعيد الخدري قال، حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً حدثنا طويلاً عن الدجال فكان فيما حدثنا قال: " يأتي وهو محرَّم عليه أن يدخلَ نِقَابَ المدينةِ فينتهي إلى بعض السباخ التي تلي المدينة فيَخرجُ إليه يومئذٍ رجل هو خيرُ الناس أو مِنْ خير الناس فيقول له: أشهد أَنَّك الدجالُ الذي حدّثَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثه فيقول الدجال: أرَايْتُمْ إِن قتلتُ هذا ثم أحْيَيْتُه أتَشكُّون في الأمرِ؟ فيقولون: لا. قال: فَيَقْتُلُهُ ثم يُحْيِيه فيقول حين يُحييه: والله ما كنتُ فيك قَطُّ أشَدّ بصيرةً مني الآن. قال: فيريدُ الدجال أن يقتلَه فلا يُسلّطَ عليه ".
قال أبو إسحاق: " يُقَالُ إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ

هو الخِضْرُ ".
قال مسلم: وحدثني عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، حدثنا أبو اليمان، حدثنا شعيب، عن الزهري في هذا الإِسناد بمثله.
وقال مسلم: حدثني محمد بن عبد الله بن فهران من أهل مرو، حدثنا عبد الله بن عثمان، عن أبي حمزة، عن قيس بن وهب، عن أبي الوداك، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يخرج الدجال فَيَتَوَجَّهُ قِبَلَهُ رجل من المؤمنين فتلقاه الْمَسَالحُ مَسالحُ الدجالِ فيقولون له أين تَعْمَدُ؟ فيقول: أَعْمَدُ إلى هذا الذي خرج. قال: فيقولون له أو ما تُؤْمن بربنا؟ فيقول: ما بربنا خَفَاءُ، فيقولون: اقتلوه، فيقول بعضهم لبعض: أليس قد نهاكم ربُّكم أن تقتلوا أحداً دونه؟ قال: فينطلقون إلى الدجالِ فإِذا رآه المؤمنُ قال يا أيها الناس: هذا الدجالُ الذي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: فيأمر الدجال به فَيُشَجُّ فيقول خذوه وشُجوه فَيُوسَعُ ظَهْرَهُ وبَطْنَهُ ضَرْباً قال فيقول: أما تؤمن بي؟ قال فيقول: أنت المسيح الكذاب.
قال: فيؤمر به فَيُنْشَرُ بالمنشارِ من مَفْرِقِهِ حتى يَفْرِقَ بينَ رِجْلَيْه قال: ثم يَمشي الدجال

بينَ الْقِطْعَتَيْن ثم يقول له: قُم فَيَسْتَوِي قَائِماً. قال: ثم يقول له أَتؤمِنُ بي؟ فيقول: مَا ازْدَدْتُ فيك إِلاَّ بصِيرَةً قال: ثم يقول يا أَيها الناس إِنه لا يفعل بعدي بأَحد من الناس مِثْلَ الذي فَعَلَ بي. قال: فيأخذه الدجال ليذبحه فَيَحُول مَا بَيْنَ رقبتِه إِلى تَرْقُوتِهِ نُحاس فلا يستطيع إِليه سبيلاً، قال فيأخذ بيديه ورجليه لِيَقْذِفَ به فَيَحْسِبُ الناس أَنَّما قَذَفَه إِلى النَّارِ وإِنَّمَا ألقِيَ في الجنةِ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هَذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين ".

ذِكْرُ أَحَادِيثَ مَنْثُورَةٍ فِي الدَّجَّالِ حَدِيثٌ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ أَبِي الْتَّيَّاحِ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ سُبَيْعٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَفَاقَ مِنْ مَرْضَةٍ لَهُ، فَخَرَجَ إِلَى النَّاسِ، فَاعْتَذَرَ بِشَيْءٍ وَقَالَ: مَا أَرَدْنَا إِلَّا الْخَيْرَ. ثُمَّ قَالَ:حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الدَّجَّالَ يَخْرُجُ فِي أَرْضٍ بِالْمَشْرِقِ يُقَالُ لَهَا: خُرَاسَانُ. يَتْبَعُهُ أَقْوَامٌ كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ بِهِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ.

قُلْتُ: وَقَدْ رَوَاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى الْعَبْسِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي الْتَّيَّاحِ، فَلَمْ يَتَفَرَّدْ بِهِ رَوْحٌ، كَمَا زَعَمَهُ بَعْضُهُمْ، وَلَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ; فَإِنَّ يَعْقُوبَ بْنَ شَيْبَةَ قَالَ: لَمْ يَسْمَعْهُ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ مِنْ أَبِي الْتَّيَّاحِ، وَإِنَّمَا سَمِعَهُ مِنَ ابْنِ شَوْذَبٍ عَنْهُ.
حَدِيثٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنَا الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُجَيٍّ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: ذَكَرْنَا الدَّجَّالَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ نَائِمٌ، فَاسْتَيْقَظَ مُحْمَرًّا لَوْنُهُ، فَقَالَ: " غَيْرُ ذَلِكَ أَخْوَفُ لِي عَلَيْكُمْ ". ذَكَرَ كَلِمَةً. تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.
حَدِيثٌ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ. رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ إِلَّا وَصَفَ الدَّجَّالَ لِأُمَّتِهِ، وَلَأَصِفَنَّهُ صِفَةً لَمْ يَصِفْهَا أَحَدٌ كَانَ قَبْلِي; إِنَّهُ أَعْوَرُ، وَإِنَّ اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ، لَيْسَ بِأَعْوَرَ ". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.

حَدِيثٌ عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ: حَدَّثَنِي أَبُو حُمَيْدٍ الْحِمْصِيُّ، ثَنَا حَيْوَةُ، ثَنَا بَقِيَّةُ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ:لَمَّا فُتِحَتْ إصْطَخْرُ إِذَا مُنَادٍ يُنَادِي: أَلَا إِنَّ الدَّجَّالَ قَدْ خَرَجَ. قَالَ: فَلَقِيَهُمُ الصَّعْبُ بْنُ جَثَّامَةَ فَقَالَ: لَوْلَا مَا تَقُولُونَ لَأَخْبَرْتُكُمْ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لَا يَخْرُجُ الدَّجَّالُ حَتَّى يَذْهَلَ النَّاسُ عَنْ ذِكْرِهِ، وَحَتَّى يَتْرُكَ الْأَئِمَّةُ ذِكْرَهُ عَلَى الْمَنَابِرِ ". إِسْنَادُهُ حَسَنٌ، وَلَمْ يُخْرِجْهُ.
حَدِيثٌ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْجُمَحِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُرَاقَةَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ بَعْدَ نُوحٍ، إِلَّا قَدْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ الدَّجَّالَ، وَأَنَا أُنْذِرُكُمُوهُ ". فَوَصَفَهُ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " لَعَلَّهُ سَيُدْرِكُهُ بَعْضُ مَنْ رَأَى أَوْ سَمِعَ كَلَامِي ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ قُلُوبُنَا يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: " مِثْلُهَا - يَعْنِي الْيَوْمَ - أَوْ خَيْرٌ ".

ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ جُزَيٍّ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ.
وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ عَفَّانَ وَعَبْدِ الصَّمَدِ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ، كُلُّهُمْ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِهِ. وَرَوَى أَحْمَدُ، عَنْ غُنْدَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ بِبَعْضِهِ.
حَدِيثٌ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: رَوَى أَحْمَدُ عَنْ غُنْدَرٍ، وَرَوْحٍ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ، وَوَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ، كُلُّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ الزُّبَيْرِ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي الْهُذَيْلِ، سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبْزَى، سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ خَبَّابٍ، سَمِعَ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ يُحَدِّثُأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذُكِرَ عِنْدَهُ الدَّجَّالُ، فَقَالَ: " إِحْدَى عَيْنَيْهِ كَأَنَّهَا زُجَاجَةٌ خَضْرَاءُ، وَتَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.
حَدِيثٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: وَجَدْتُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي كِتَابِ أَبِي بِخَطِّ يَدِهِ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمُتَعَالِ بْنُ

عَبْدِ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ، حَدَّثَنَا مَجَالِدٌ، عَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ، قَالَ: قَالَ لِي أَبُو سَعِيدٍ: هَلْ تُقِرُّ الْخَوَارِجُ بِالدَّجَّالِ؟ قُلْتُ: لَا. فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي خَاتَمُ أَلْفِ نَبِيٍّ أَوْ أَكْثَرَ، وَمَا بُعِثَ نَبِيٌّ يُتَّبَعُ إِلَّا وَقَدْ حَذَّرَ أُمَّتَهُ الدَّجَّالَ، وَإِنِّي قَدْ بُيِّنَ لِي مِنْ أَمْرِهِ مَا لَمْ يُبَيَّنْ لِأَحَدٍ، وَإِنَّهُ أَعْوَرُ، وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، وَعَيْنُهُ الْيُمْنَى عَوْرَاءُ جَاحِظَةٌ لَا تَخْفَى، كَأَنَّهَا نُخَامَةٌ فِي حَائِطٍ مُجَصَّصٍ، وَعَيْنُهُ الْيُسْرَى كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ، مَعَهُ مِنْ كُلِّ لِسَانٍ، وَمَعَهُ صُورَةُ الْجَنَّةِ خَضْرَاءُ، يَجْرِي فِيهَا الْمَاءُ، وَصُورَةُ النَّارِ سَوْدَاءُ، تَدْخُنُ ". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ. وَقَدْ رَوَى عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي " مُسْنَدِهِ "، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا، نَحْوَهُ.
حَدِيثٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا بَهْزٌ وَعَفَّانُ، قَالَا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَجِيءُ الدَّجَّالُ فَيَطَأُ الْأَرْضَ إِلَّا مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ، فَيَأْتِي الْمَدِينَةَ، فَيَجِدُ بِكُلِّ نَقْبٍ مِنْ أَنْقَابِهَا صُفُوفًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ، فَيَأْتِي سَبَخَةَ الْجُرْفِ " فَيَضْرِبُ رِوَاقَهُ، فَتَرْجُفُ الْمَدِينَةُ ثَلَاثَ رَجَفَاتٍ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ كُلُّ مُنَافِقٍ وَمُنَافِقَةٍ ".

وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُؤَدِّبِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، بِهِ نَحْوَهُ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَنَسٍ: قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِنَّ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الشِّمَالِ، عَلَيْهَا ظَفَرَةٌ غَلِيظَةٌ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ: كَفَرَ أَوْ كَافِرٌ ". هَذَا حَدِيثٌ ثُلَاثِيُّ الْإِسْنَادِ، وَهُوَ عَلَى شَرْطِ " الصَّحِيحَيْنِ ".
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَنَسٍ: قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُصْعَبٍ، حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَخْرُجُ الدَّجَّالُ مِنْ يَهُودِيَّةِ أَصْبَهَانَ، مَعَهُ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنَ الْيَهُودِ، عَلَيْهِمُ السِّيجَانُ ". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.

طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَنَسٍ: قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ; هُوَ ابْنُ الْحَبْحَابِ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الدَّجَّالُ مَمْسُوحُ الْعَيْنِ، بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوبٌ: كَافِرٌ - ثُمَّ تَهَجَّاهَا - يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُسْلِمٍ: ك ف ر ".
حَدَّثَنَا يُونُسُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ - يَعْنِي ابْنَ سَلَمَةَ - عَنْ حُمَيْدٍ وَشُعَيْبِ بْنِ الْحَبْحَابِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الدَّجَّالُ أَعْوَرُ، وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ: كَافِرٌ. يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ؟ كَاتِبٍ وَغَيْرِ كَاتِبٍ ".
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ زُهَيْرٍ، عَنْ عَفَّانَ، عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ، عَنْ شُعَيْبٍ بِهِ، بِنَحْوِهِ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَنَسٍ: قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ الْهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا بُعِثَ نَبِيٌّ إِلَّا أَنْذَرَ

أُمَّتَهُ الْأَعْوَرَ الْكَذَّابَ، أَلَا إِنَّهُ أَعْوَرُ، وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ: كَافِرٌ ".
وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ بِهِ.
حَدِيثٌ عَنْ سَفِينَةَ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنَا حَشْرَجٌ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ جُمْهَانَ، عَنْ سَفِينَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَلَا إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبَلِي إِلَّا قَدْ حَذَّرَ الدَّجَّالَ أُمَّتَهُ، هُوَ أَعْوَرُ عَيْنِهِ الْيُسْرَى، بِعَيْنِهِ الْيُمْنَى ظَفَرَةٌ غَلِيظَةٌ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ: كَافِرٌ، يَخْرُجُ مَعَهُ وَادِيَانِ; أَحَدُهُمَا جَنَّةٌ وَالْآخَرُ نَارٌ، فَنَارُهُ جَنَّةٌ، وَجَنَّتُهُ نَارٌ، مَعَهُ مَلَكَانِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ يُشْبِهَانِ نَبِيِّينِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، وَلَوْ شِئْتُ سَمَّيْتُهُمَا بِأَسْمَائِهِمَا وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمَا، أَحَدُهُمَا عَنْ يَمِينِهِ، وَالْآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ، وَذَلِكَ فِتْنَةٌ، فَيَقُولُ الدَّجَّالُ: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ أَلَسْتُ أُحْيِي وَأُمِيتُ؟ فَيَقُولُ لَهُ أَحَدُ الْمَلَكَيْنِ: كَذَبْتَ. مَا يَسْمَعُهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ إِلَّا صَاحَبَهُ، فَيَقُولُ لَهُ: صَدَقْتَ. فَيَسْمَعُهُ النَّاسُ فَيَظُنُّونَ أَنَمَا يُصَدِّقُ الدَّجَّالَ، وَذَلِكَ فِتْنَةٌ، ثُمَّ يَسِيرُ حَتَّى يَأْتِيَ الْمَدِينَةَ، فَلَا يُؤْذَنُ لَهُ فِيهَا؟ فَيَقُولُ: هَذِهِ قَرْيَةُ ذَاكَ الرَّجُلِ. ثُمَّ يَسِيرُ حَتَّى يَأْتِيَ الشَّامَ، فَيُهْلِكُهُ اللَّهُ عِنْدَ عَقَبَةِ

أَفِيقَ ". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ، وَإِسْنَادُهُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَلَكِنْ فِي مَتْنِهِ غَرَابَةٌ وَنَكَارَةٌ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ الْفَسَوِيُّ فِي " مُسْنَدِهِ ": حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا خُنَيْسُ بْنُ عَامِرِ بْنِ يَحْيَى الْمُعَافِرِيُّ، عَنْ أَبِي قَبِيلٍ، عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ، أَنَّ قَوْمًا دَخَلُوا عَلَى مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَهُوَ مَرِيضٌ، فَقَالُوا لَهُ: حَدِّثْنَا حَدِيثًا سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ تَنْسَهُ. فَقَالَ: أَجْلِسُونِي. فَأَخَذَ بَعْضُ الْقَوْمِ بِيَدِهِ، وَجَلَسَ بَعْضُهُمْ خَلْفَهُ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ حَذَّرَ أُمَّتَهُ الدَّجَّالَ، وَإِنِّي أُحَذِّرُكُمْ أَمْرَهُ، إِنَّهُ أَعْوَرُ، وَإِنَّ رَبِّي، عَزَّ وَجَلَّ، لَيْسَ بِأَعْوَرَ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ: كَافِرٌ. يَقْرَؤُهُ الْكَاتِبُ وَغَيْرُ الْكَاتِبِ، مَعَهُ جَنَّةٌ وَنَارٌ، فَنَارُهُ جَنَّةٌ، وَجَنَّتُهُ نَارٌ ". قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ خُنَيْسٌ، وَمَا عَلِمْتُ فِيهِ جَرْحًا، وَإِسْنَادُهُ صَالِحٌ.

حَدِيثٌ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنِ الْأُسُودِ بْنِ قَيْسٍ، حَدَّثَنِي ثَعْلَبَةُ بْنُ عَبَّادٍ الْعَبْدِيُّ، مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، قَالَ: شَهِدْتُ يَوْمًا خُطْبَةً لِسَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، فَذَكَرَ فِي خُطْبَتِهِ حَدِيثًا فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ بَعْدَ صَلَاةِ الْكُسُوفِ، فَقَالَ: "وَإِنَّهُ وَاللَّهِ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ ثَلَاثُونَ كَذَّابًا، آخِرُهُمُ الْأَعْوَرُ الدَّجَّالُ، مَمْسُوحُ الْعَيْنِ الْيُسْرَى، كَأَنَّهَا عَيْنُ أَبِي تِحْيَى، وَإِنَّهُ مَتَى يَخْرُجُ - أَوْ قَالَ: مَتَى مَا يَخْرُجُ - فَإِنَّهُ سَوْفَ يَزْعُمُ أَنَّهُ اللَّهُ، فَمَنْ آمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ وَاتَّبَعَهُ; لَمْ يَنْفَعْهُ صَالِحٌ مِنْ عَمَلِهِ سَلَفَ، وَمَنْ كَفَرَ بِهِ وَكَذَّبَهُ; لَمْ يُعَاقَبْ بِشَيْءٍ مِنْ عَمَلِهِ - وَقَالَ الْحَسَنُ: بِسَيِّئٍ مِنْ عَمَلِهِ - سَلَفَ، وَإِنَّهُ سَوْفَ يَظْهَرُ عَلَى الْأَرْضِ كُلِّهَا إِلَّا الْحَرَمَ وَبَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَإِنَّهُ يَحْصُرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَيُزَلْزَلُونَ زِلْزَالًا شَدِيدًا، ثُمَّ يُهْلِكُهُ اللَّهُ تَعَالَى، حَتَّى إِنَّ جِذْمَ الْحَائِطِ، وَأَصْلَ الشَّجَرَةِ لَيُنَادِي: يَا مُؤْمِنُ، هَذَا يَهُودِيٌّ - أَوْ قَالَ: هَذَا كَافِرٌ - تَعَالَ فَاقْتُلْهُ. وَلَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَذَلِكَ حَتَّى تَرَوْا أُمُورًا يَتَفَاقَمُ شَأْنُهَا فِي أَنْفُسِكُمْ،

وَتَسْأَلُونَ بَيْنَكُمْ: هَلْ كَانَ نَبِيُّكُمْ ذَكَرَ لَكُمْ مِنْهَا ذِكْرًا، وَحَتَّى تَزُولَ جِبَالٌ عَنْ مَرَاتِبِهَا ثُمَّ شَهِدَ خُطْبَةَ سَمُرَةَ مَرَّةً أُخْرَى، فَمَا قَدَّمَ كَلِمَةً وَلَا أَخَّرَهَا عَنْ مَوْضِعِهَا.
وَأَصْلُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ عِنْدَ أَصْحَابِ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ فِي " مُسْتَدْرَكِهِ " أَيْضًا.
وَقَالَ شَيْخُنَا الذَّهَبِيُّ فِي كِتَابِهِ " فِي نَبَأِ الدَّجَّالِ ": سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا: الدَّجَّالُ أَعْوَرُ عَيْنِ الشِّمَالِ، عَلَيْهَا ظَفَرَةٌ غَلِيظَةٌ ".
قُلْتُ: وَلَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فِي " الْمُسْنَدِ "، وَلَا فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ، وَكَانَ الْأَوْلَى بِشَيْخِنَا أَنْ يُسْنِدَهُ، أَوْ يَعْزُوَهُ إِلَى كِتَابٍ مَشْهُورٍ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ سَمُرَةَ: قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ، أَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: إِنَّ الدَّجَّالَ خَارِجٌ، وَهُوَ أَعْوَرُ عَيْنِ الشِّمَالِ، عَلَيْهَا ظَفَرَةٌ غَلِيظَةٌ، وَإِنَّهُ يُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَيُحْيِي الْمَوْتَى، وَيَقُولُ لِلنَّاسِ: أَنَا رَبُّكُمْ. فَمَنْ قَالَ: أَنْتَ رَبِّي. فَقَدْ فُتِنَ، وَمَنْ قَالَ: رُبِّيَ اللَّهُ. حَتَّى يَمُوتَ، فَقَدْ عُصِمَ مِنْ فِتْنَتِهِ، وَلَا فِتْنَةَ بَعْدَهُ عَلَيْهِ وَلَا عَذَابَ، فَيَلْبَثُ فِي الْأَرْضِ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ يَجِيءُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ مِنْ قِبَلِ الْمَغْرِبِ، مُصَدِّقًا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى مِلَّتِهِ، فَيَقْتُلُ الدَّجَّالَ، ثُمَّ إِنَّمَا هُوَ قِيَامُ السَّاعَةِ ".
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ جَعْفَرٍ السَّمُرِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ خُبَيْبِ بْنِ سُلَيْمَانَ، ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ سَمُرَةَ، عَنْ خُبَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ سَمُرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: إِنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ عَيْنِ الشِّمَالِ، عَلَيْهَا ظَفَرَةٌ غَلِيظَةٌ، وَإِنَّهُ يُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَيُحْيِي الْمَوْتَى، وَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ. فَمَنِ اعْتَصَمَ بِاللَّهِ، فَقَالَ. رَبِّيَ اللَّهُ. ثُمَّ أَبَى إِلَّا ذَلِكَ حَتَّى يَمُوتَ، فَلَا عَذَابَ عَلَيْهِ وَلَا فِتْنَةَ، وَمَنْ قَالَ: أَنْتَ رَبِّي. فَقَدْ فُتِنَ، وَإِنَّهُ يَلْبَثُ فِي الْأَرْضِ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ يَجِيءُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ مِنَ الْمَشْرِقِ مُصَدِّقًا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى مِلَّتِهِ، ثُمَّ يَقْتُلُ الدَّجَّالَ ".

حَدِيثٌ غَرِيبٌ.
حَدِيثٌ عَنْ جَابِرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ زَيْدٍ - يَعْنِي ابْنَ أَسْلَمَ - عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَشْرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى فَلَقٍ مِنْ أَفْلَاقِ الْحَرَّةِ، وَنَحْنُ مَعَهُ، فَقَالَ: نِعْمَتِ الْأَرْضُ الْمَدِينَةُ إِذَا خَرَجَ الدَّجَّالُ، عَلَى كُلِّ نَقْبٍ مِنْ أَنْقَابِهَا مَلَكٌ، لَا يَدْخُلُهَا، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ رَجَفَتِ الْمَدِينَةُ بِأَهْلِهَا ثَلَاثَ رَجَفَاتٍ، لَا يَبْقَى مُنَافِقٌ وَلَا مُنَافِقَةٌ إِلَّا خَرَجَ إِلَيْهِ، وَأَكْثَرُ - يَعْنِي مَنْ يَخْرُجُ إِلَيْهِ - النِّسَاءُ، وَذَلِكَ يَوْمُ التَّخْلِيصِ; يَوْمٌ تَنْفِي الْمَدِينَةُ الْخَبَثَ، كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ، يَكُونُ مَعَهُ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنَ الْيَهُودِ، عَلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ سَاجٌ وَسَيْفٌ مُحَلًّى، فَيَضْرِبُ رِوَاقَهُ بِهَذَا الضَّرْبِ الَّذِي عِنْدَ مُجْتَمَعِ السُّيُولِ ". ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا كَانَتْ فِتْنَةٌ وَلَا تَكُونُ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، أَكْبَرَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ، وَمَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ حَذَّرَ أُمَّتَهُ، وَلَأُخْبِرَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مَا أَخْبَرَهُ نَبِيٌّ أُمَّتَهُ قَبْلِي ". ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى عَيْنَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: " أَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ ". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ.

طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ جَابِرٍ: قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا مَجَالِدٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي لَخَاتَمُ أَلْفِ نَبِيٍّ أَوْ أَكْثَرَ، وَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْهُمْ نَبِيٌّ إِلَّا وَقَدْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ الدَّجَّالَ، وَإِنَّهُ قَدْ تَبَيَّنَ لِي مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ، وَإِنَّهُ أَعْوَرُ، وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ ". تَفَرَّدَ بِهِ الْبَزَّارُ، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ، وَلَفْظُهُ غَرِيبٌ جِدًّا.
وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي " السُّنَّةِ "، مِنْ طَرِيقِ مَجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرٍ;أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ الدَّجَّالَ فَقَالَ: " إِنَّهُ أَعْوَرُ، وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ ". وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ، عَنْ مُجَالِدٍ بِهِ، أَطْوَلَ مِنْ هَذَا.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ جَابِرٍ: قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الدَّجَّالُ أَعْوَرُ، وَهُوَ أَشَدُّ الْكَذَّابِينَ ".
وَرَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ حَتَّى يَنْزِلَ

عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ.... " وَتَقَدَّمَتِ الطَّرِيقُ الْأُخْرَى عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْهُ، وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْهُ، فِي الدَّجَّالِ.
حَدِيثٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي الدَّجَّالِ: " أَعْوَرُ هِجَانٌ أَزْهَرُ، كَأَنَّ رَأْسَهُ أَصَلَةٌ، أَشْبَهُ النَّاسَ بِعَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قَطَنٍ، فَإِمَّا هَلَكَ الْهُلَّكُ، فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ ". قَالَ شُعْبَةُ: فَحَدَّثْتُ بِهِ قَتَادَةَ، فَحَدَّثَنِي بِنَحْوٍ مِنْ هَذَا. تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَرَوَى أَحْمَدُ، وَالْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ، وَأَبُو يَعْلَى، مِنْ طَرِيقِ هِلَالٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ، قَالَ: وَرَأَى الدَّجَّالَ فِي صُورَتِهِ رُؤْيَا عَيْنٍ، لَيْسَ رُؤْيَا مَنَامٍ، وَعِيسَى وَإِبْرَاهِيمَ،فَسُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الدَّجَّالِ، فَقَالَ: " رَأَيْتُهُ فَيْلَمَانِيًّا أَقْمَرَ هِجَانًا، إِحْدَى عَيْنَيْهِ قَائِمَةٌ، كَأَنَّهَا

كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ، كَأَنَّ شَعْرَهُ أَغْصَانُ شَجَرَةٍ ". وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ.
حَدِيثٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ: قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ - يَعْنِي ابْنَ هِلَالٍ - عَنْ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَا بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ فِتْنَةٌ أَكْبَرُ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ ".
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ بَعْضِ أَشْيَاخِهِمْ، قَالَ: قَالَ هِشَامُ بْنُ عَامِرٍ لِجِيرَانِهِ: إِنَّكُمْ لَتَخْطُونَ إِلَى رِجَالٍ مَا كَانُوا بِأَحْضَرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَوْعَى لِحَدِيثِهِ مِنِّي، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَا بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ أَمْرٌ أَكْبَرُ مِنَ الدَّجَّالِ ".
وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ أَبِي الدَّهْمَاءِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ، أَنَّهُ قَالَ: إِنَّكُمْ لَتُجَاوِزُنَّنِي إِلَى رَهْطٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانُوا أَحْصَى وَلَا أَحْفَظَ لِحَدِيثِهِ مِنِّي، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَا بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ أَمْرٌ أَكْبَرُ مِنَ الدَّجَّالِ ".

وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَيُّوبَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ رَهْطٍ، مِنْهُمْ أَبُو الدَّهْمَاءِ وَأَبُو قَتَادَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ رَأَسَ الدَّجَّالِ مِنْ وَرَائِهِ حُبُكٌ حُبُكٌ، فَمَنْ قَالَ: أَنْتَ رَبِّي. افْتَتَنَ، وَمَنْ قَالَ: كَذَبْتَ، رَبِّيَ اللَّهُ، عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ. فَلَا يَضُرُّهُ ". أَوْ قَالَ: " فَلَا فِتْنَةَ عَلَيْهِ ".
حَدِيثٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَنْزِلُ الدَّجَّالُ فِي هَذِهِ السَّبَخَةِ، بِمَرِّ قَنَاةٍ، فَيَكُونُ أَكْثَرَ مَنْ يَخْرُجُ إِلَيْهِ النِّسَاءُ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَرْجِعُ إِلَى حَمِيمِهِ، وَإِلَى أُمِّهِ، وَابْنَتِهِ، وَأُخْتِهِ، وَعَمَّتِهِ، فَيُوثِقُهَا رِبَاطًا، مَخَافَةَ أَنْ تَخْرُجَ إِلَيْهِ، ثُمَّ يُسَلِّطُ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ، فَيَقْتُلُونَهُ، وَيَقْتُلُونَ شِيعَتَهُ، حَتَّى إِنَّ الْيَهُودِيَّ لَيَخْتَبِئُ تَحْتَ الشَّجَرَةِ أَوِ الْحَجَرِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرَةُ

لِلْمُسْلِمِ: هَذَا يَهُودِيٌّ تَحْتِي فَاقْتُلْهُ ". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ سَالِمٍ: قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ:قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ، فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ، تَعَالَى بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، فَذَكَرَ الدَّجَّالَ فَقَالَ: " إِنِّي لَأُنْذِرُكُمُوهُ، وَمَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا قَدْ أَنْذَرَهُ قَوْمَهُ; لَقَدْ أَنْذَرَهُ نُوحٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمَهُ، وَلَكِنْ سَأَقُولُ لَكُمْ فِيهِ قَوْلًا لَمْ يَقُلْهُ نَبِيٌّ لِقَوْمِهِ; تَعْلَمُونَ أَنَّهُ أَعْوَرُ، وَأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَيْسَ بِأَعْوَرَ ". وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي الصَّحِيحِ مَعَ حَدِيثِ ابْنِ صَيَّادٍ. وَبِهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: تُقَاتِلُكُمُ الْيَهُودُ، فَتُسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ، حَتَّى يَقُولَ الْحَجَرُ: يَا مُسْلِمُ، هَذَا يَهُودِيٌّ وَرَائِي، فَاقْتُلْهُ ". وَأَصْلُهُ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، بِنَحْوِهِ.
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَخِيهِ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ، يَعْنِي أَبَا عُمَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: كُنَّا نُحَدَّثُ بِحِجَّةِ الْوَدَاعِ، وَلَا نَدْرِي أَنَّهُ الْوَدَاعُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا كَانَ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ،خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ، فَأَطْنَبَ فِي ذِكْرِهِ، ثُمَّ قَالَ: " مَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا قَدْ أَنْذَرَهُ أُمَّتَهُ; لَقَدْ أَنْذَرَهُ نُوحٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّتَهُ، وَالنَّبِيُّونَ، عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، مِنْ بَعْدِهِ، أَلَا مَا خَفِيَ عَلَيْكُمْ

مِنْ شَأْنِهِ فَلَا يَخْفَيَنَّ عَلَيْكُمْ أَنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، أَلَا مَا خَفِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ شَأْنِهِ فَلَا يَخْفَيَنَّ عَلَيْكُمْ أَنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ ". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلَّا وَصَفَهُ لِأُمَّتِهِ، وَلَأَصِفَنَّهُ صِفَةً لَمْ يَصِفْهَا مَنْ كَانَ قَبْلِي، إِنَّهُ أَعْوَرُ وَإِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، عَيْنُهُ الْيُمْنَى كَأَنَّهَا عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ ". وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ حَسَنٌ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الصَّنْعَانِيُّ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ،عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الدَّجَّالِ فَقَالَ: " أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، أَلَا وَإِنَّهُ أَعْوَرُ، عَيْنُهُ الْيُمْنَى كَأَنَّهَا عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ ". قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَفِي الْبَابِ عَنْ سَعْدٍ، وَحُذَيْفَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَسْمَاءَ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبِي بَكْرَةَ، وَعَائِشَةَ، وَأَنَسٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْفَلَتَانِ بْنِ عَاصِمٍ.
حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، قَالَ: لَمَّا جَاءَتْنَا بَيْعَةُ يَزِيدَ بْنِ

مُعَاوِيَةَ قَدِمْتُ الشَّامَ، فَأُخْبِرْتُ بِمَقَامٍ يَقُومُهُ نَوْفٌ، فَجِئْتُهُ، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ - فَاشْتَدَّ النَّاسُ - عَلَيْهِ خَمِيصَةٌ، وَإِذَا هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، فَلَمَّا رَآهُ نَوْفٌ أَمْسَكَ عَنِ الْكَلَامِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّهَا سَتَكُونُ هِجْرَةٌ بَعْدَ هِجْرَةٍ، يَنْحَازُ النَّاسُ إِلَى مُهَاجَرِ إِبْرَاهِيمَ، لَا يَبْقَى فِي الْأَرْضِ إِلَّا شِرَارُ أَهْلِهَا، تَلْفِظُهُمْ أَرْضُوهُمْ، تَقْذَرُهُمْ نَفْسُ اللَّهِ، تَحْشُرُهُمُ النَّارُ مَعَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ، تَبِيتُ مَعَهُمْ إِذَا بَاتُوا، وَتَقِيلُ مَعَهُمْ إِذَا قَالُوا، وَتَأْكُلُ مَنْ تَخَلَّفَ ". قَالَ: وَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: سَيَخْرُجُ أُنَاسٌ مِنْ أُمَّتِي مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، كُلَّمَا خَرَجَ مِنْهُمْ قَرْنٌ قُطِعَ، كُلَّمَا خَرَجَ مِنْهُمْ قَرْنٌ قُطِعَ - حَتَّى عَدَّهَا زِيَادَةً عَلَى عَشْرِ مَرَّاتٍ - كُلَّمَا خَرَجَ مِنْهُمْ قَرْنٌ قُطِعَ، حَتَّى يَخْرُجَ الدَّجَّالُ فِي بَقِيَّتِهِمْ ". وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ، عَنْ شَهْرٍ، عَنْهُ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهُ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ السَّامَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا فِرْدَوْسٌ الْأَشْعَرِيُّ، عَنْ مَسْعُودِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو،عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي الدَّجَّالِ: " مَا شُبِّهَ عَلَيْكُمْ مِنْهُ، فَإِنَّ اللَّهَ، سُبْحَانَهُ، لَيْسَ بِأَعْوَرَ، يَخْرُجُ

فَيَكُونُ فِي الْأَرْضِ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، يَرِدُ كُلَّ مَنْهَلٍ إِلَّا الْكَعْبَةَ، وَبَيْتَ الْمَقْدِسِ وَالْمَدِينَةَ، الشَّهْرُ كَالْجُمُعَةِ، وَالْجُمُعَةُ كَالْيَوْمِ، وَمَعَهُ جَنَّةٌ وَنَارٌ، فَنَارُهُ جَنَّةٌ، وَجَنَّتُهُ نَارٌ، مَعَهُ جَبَلٌ مِنْ خُبْزٍ، وَنَهْرٌ مِنْ مَاءٍ، يَدْعُو بِرَجُلٍ، لَا يُسَلِّطُهُ اللَّهُ إِلَّا عَلَيْهِ، فَيَقُولُ: مَا تَقُوُلُ فِيَّ؟ فَيَقُولُ: أَنْتَ عَدُوُّ اللَّهِ، وَأَنْتَ الدَّجَّالُ الْكَذَّابُ. فَيَدْعُو بِمِنْشَارٍ، فَيَضَعُهُ حَذْوَ رَأْسِهِ فَيَشُقُّهُ، ثُمَّ يُحْيِيهِ، فَيَقُولُ لَهُ: مَا تَقُوُلُ فِيَّ؟ فَيَقُولُ: وَاللَّهِ مَا كُنْتُ أَشَدَّ بَصِيرَةً مِنِّي فِيكَ الْآنَ، أَنْتَ عَدُوُّ اللَّهِ؟ الدَّجَّالُ الَّذِي أَخْبَرَنَا عَنْكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَيَهْوِي إِلَيْهِ بِسَيْفِهِ فَلَا يَسْتَطِيعُهُ، فَيَقُولُ: أَخِّرُوهُ عَنِّي ". قَالَ شَيْخُنَا الذَّهَبِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَمَسْعُودٌ لَا يُعْرَفُ. وَسَيَأْتِي حَدِيثُ يَعْقُوبَ بْنِ عَاصِمٍ عَنْهُ، فِي مُكْثِ الدَّجَّالِ فِي الْأَرْضِ، وَنُزُولِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ.
حَدِيثٌ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ بْنِ السَّكَنِ الْأَنْصَارِيَّةِ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ الْأَنْصَارِيَّةِ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِي، فَذَكَرَ الدَّجَّالَ، فَقَالَ: إِنَّ بَيْنَ يَدَيْهِ ثَلَاثَ سِنِينَ; سَنَةً تُمْسِكُ السَّمَاءُ ثُلُثَ قَطْرِهَا، وَالْأَرْضُ ثُلُثَ نَبَاتِهَا، وَالثَّانِيَةَ تُمْسِكُ السَّمَاءُ ثُلُثَيْ قَطْرِهَا، وَالْأَرْضُ ثُلُثَيْ نَبَاتِهَا، وَالثَّالِثَةَ تُمْسِكُ السَّمَاءُ قَطْرَهَا كُلَّهُ، وَالْأَرْضُ نَبَاتَهَا كُلَّهُ، وَلَا يَبْقَى ذَاتُ ضِرْسٍ وَلَا ذَاتُ

ظِلْفً مِنَ الْبَهَائِمِ إِلَّا هَلَكَتْ، وَإِنَّ مِنْ أَشَدِّ فِتْنَتِهِ أَنْ يَأْتِيَ الْأَعْرَابِيَّ فَيَقُولُ: أَرَأَيْتَ إِنْ أَحْيَيْتُ لَكَ إِبِلَكَ؟ أَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنِّي رَبُّكَ؟ " قَالَ: " فَيَقُولُ: بَلَى. فَتَمَثَّلُ لَهُ الشَّيَاطِينُ نَحْوَ إِبِلِهِ كَأَحْسَنِ مَا تَكُونُ ضُرُوعُهَا وَأَعْظَمِهِ أَسْنِمَةً ". قَالَ: " وَيَأْتِي الرَّجُلَ قَدْ مَاتَ أَخُوهُ، وَمَاتَ أَبُوهُ، فَيَقُولُ: أَرَأَيْتَ إِنْ أَحْيَيْتُ لَكَ أَبَاكَ، وَأَحْيَيْتُ لَكَ أَخَاكَ، أَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنِّي رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: بَلَى. فَتَمَثَّلُ لَهُ الشَّيَاطِينُ نَحْوَ أَبِيهِ وَنَحْوَ أَخِيهِ ". قَالَتْ: ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَاجَةٍ، ثُمَّ رَجَعَ وَالْقَوْمُ فِي اهْتِمَامٍ وَغَمٍّ، مِمَّا حَدَّثَهُمْ بِهِ، قَالَتْ: فَأَخَذَ بِلُجْفَتَيِ الْبَابِ وَقَالَ: " مَهْيَمْ أَسْمَاءُ ". قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقَدْ خَلَعْتَ أَفْئِدَتَنَا بِذِكْرِ الدَّجَّالِ. قَالَ: " فَإِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا حَيٌّ فَأَنَا حَجِيجُهُ، وَإِلَّا فَإِنَّ رَبِّي خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ ". قَالَتْ أَسْمَاءُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا وَاللَّهِ لَنَعْجِنُ عَجِينَتَنَا فَمَا نَخْتَبِزُهَا حَتَّى نَجُوعَ، فَكَيْفَ بِالْمُؤْمِنِينَ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: " يُجْزِئُهُمْ مَا يُجْزِئُ أَهْلَ السَّمَاءِ مِنَ التَّسْبِيحِ، وَالتَّقْدِيسِ ".
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ شَهْرٍ، عَنْهَا، بِنَحْوِهِ، وَهَذَا إِسْنَادٌ لَا بَأْسَ بِهِ، وَقَدْ تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ، وَتَقَدَّمَ لَهُ شَاهِدٌ فِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ الطَّوِيلِ، وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ بَعْدَهُ شَاهِدٌ لَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَيْضًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا هَاشِمٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ، حَدَّثَنَا شَهْرٌ، حَدَّثَتْنِي أَسْمَاءُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي حَدِيثٍ: فَمَنْ حَضَرَ مَجْلِسِي، وَسَمِعَ قَوْلِي، فَلْيُبْلِغِ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الْغَائِبَ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ، صَحِيحٌ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، وَأَنَّ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ، مَمْسُوحُ الْعَيْنِ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ: كَافِرٌ. يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ; كَاتِبٍ وَغَيْرِ كَاتِبٍ ". وَسَيَأْتِي عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ نَحْوُهُ، وَالْمَحْفُوظُ هَذَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثُ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَائِشَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ جَهْدًا يَكُونُ بَيْنَ يَدَيِ الدَّجَّالِ، فَقَالُوا: أَيُّ الْمَالِ خَيْرٌ يَوْمَئِذٍ. قَالَ: " غُلَامٌ شَدِيدٌ يَسْقِي أَهْلَهُ الْمَاءَ، وَأَمَّا الطَّعَامُ فَلَيْسَ ". قَالُوا: فَمَا طَعَامُ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: " التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ، وَالتَّحْمِيدُ، وَالتَّهْلِيلُ ". قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَيْنَ الْعَرَبُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: " الْعَرَبُ يَوْمَئِذٍ قَلِيلٌ ". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ، وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ فِيهِ غَرَابَةٌ، وَتَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أَسْمَاءَ، وَأَبِي أُمَامَةَ شَاهِدٌ لَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهَا: قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنَا حَرْبُ بْنُ شَدَّادٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، حَدَّثَنِي الْحَضْرَمِيُّ بْنُ لَاحِقٍ، أَنَّ ذَكْوَانَ أَبَا

صَالِحٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَبْكِي، فَقَالَ: " مَا يُبْكِيكِ؟ " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ذَكَرْتُ الدَّجَّالَ، فَبَكَيْتُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنْ يَخْرُجِ الدَّجَّالُ وَأَنَا حَيٌّ كَفَيْتُكُمُوهُ، وَإِنْ يَخْرُجِ الدَّجَّالُ بَعْدِي فَإِنَّ رَبَّكُمْ، عَزَّ وَجَلَّ، لَيْسَ بِأَعْوَرَ، إِنَّهُ يَخْرُجُ فِي يَهُودِيَّةِ أَصْبَهَانَ، حَتَّى يَأْتِيَ الْمَدِينَةَ، فَيَنْزِلَ نَاحِيَتَهَا، وَلَهَا يَوْمَئِذٍ سَبْعَةُ أَبْوَابٍ، عَلَى كُلِّ نَقْبٍ مِنْهَا مَلَكَانِ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ شِرَارُ أَهْلِهَا، حَتَّى يَأْتِيَالشَّامَ، مَدِينَةً بِفِلَسْطِينَ بِبَابِ لُدٍّ، فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَيَقْتُلُهُ، ثُمَّ يَمْكُثُ عِيسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فِي الْأَرْضِ أَرْبَعِينَ سَنَةً إِمَامًا عَادِلًا، وَحَكَمًا مُقْسِطًا ". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.
وَقَالَ - أَحْمَدُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:لَا يَدْخُلُ الدَّجَّالُ مَكَّةَ وَلَا الْمَدِينَةَ ". وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عَدِيٍّ، بِهِ. وَالْمَحْفُوظُ رِوَايَةُ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، كَمَا تَقَدَّمَ.
وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحِ " مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ زَوْجَتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّهَا قَالَتْ فِي حَدِيثِ صَلَاةِ الْكُسُوفِ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ يَوْمَئِذٍ: وَإِنَّهُ قَدْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ قَرِيبًا، أَوْ مِثْلَ، فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ ". لَا أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ؟ الْحَدِيثُ بِطُولِهِ.

وَثَبَتَ فِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أُمِّ شَرِيكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَيَفِرَّنَّ النَّاسُ مِنَ الدَّجَّالِ حَتَّى يَلْحَقُوا بِرُءُوسِ الْجِبَالِ ". قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيْنَ الْعَرَبُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: " هُمْ قَلِيلٌ ".
حَدِيثٌ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ:ذَكَرْتُ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ لَيْلَةً، فَلَمْ يَأْتِنِي النَّوْمُ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: " لَا تَفْعَلِي، فَإِنَّهُ إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ يَكْفِكُمُ اللَّهُ بِي، وَإِنْ يَخْرُجْ بَعْدَ أَنْ أَمُوتَ يَكْفِكُمُ اللَّهُ بِالصَّالِحِينَ ". ثُمَّ قَامَ، فَقَالَ: " مَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا حَذَّرَ أُمَّتَهُ مِنْهُ، وَإِنِّي أُحَذِّرُكُمُوهُ، إِنَّهُ أَعْوَرُ، وَإِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ ". قَالَ الذَّهَبِيُّ: إِسْنَادُهُ قَوِيٌّ.
حَدِيثُ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عَطِيَّةَ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَمِّ الْقَدَرِيَّةِ، وَأَنَّهُمْ زَنَادِقَةُ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَفِي زَمَانِهِمْ يَكُونُ ظُلْمُ السُّلْطَانِ، وَحَيْفٌ وَأَثَرَةٌ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ طَاعُونًا، فَيُفْنِي عَامَّتَهُمْ، ثُمَّ يَكُونُ الْخَسْفُ، فَمَا أَقَلَّ مَنْ يَنْجُو مِنْهُمْ، الْمُؤْمِنُ يَوْمَئِذٍ قَلِيلٌ فَرَحُهُ، شَدِيدٌ غَمُّهُ، ثُمَّ يَكُونُ الْمَسْخُ، فَيَمْسَخُ اللَّهُ عَامَّتَهُمْ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ، ثُمَّ يَخْرُجُ الدَّجَّالُ عَلَى

إِثْرِ ذَلِكَ قَرِيبًا. ثُمَّ بَكَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَكَيْنَا لِبُكَائِهِ، وَقُلْنَا: مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: " رَحْمَةً لِأُولَئِكَ الْأَشْقِيَاءِ، لِأَنَّ فِيهِمُ الْمُقْتَصِدَ، وَفِيهِمُ الْمُجْتَهِدَ... ". الْحَدِيثَ.
حَدِيثٌ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، قَالَ: أَتَيْنَا عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ; لِنَعْرِضَ عَلَيْهِ مُصْحَفًا لَنَا عَلَى مُصْحَفِهِ، فَلَمَّا حَضَرَتِ الْجُمُعَةُ أَمَرَنَا فَاغْتَسَلْنَا، ثُمَّ أَتَيْنَا بِطِيبٍ فَتَطَيَّبْنَا، ثُمَّ جِئْنَا الْمَسْجِدَ، فَجَلَسْنَا إِلَى رَجُلٍ، فَحَدَّثَنَا عَنِ الدَّجَّالِ، ثُمَّ جَاءَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ، فَقُمْنَا إِلَيْهِ فَجَلَسْنَا، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: يَكُونُ لِلْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةُ أَمْصَارٍ ; مِصْرٌ بِمُلْتَقَى الْبَحْرَيْنِ، وَمِصْرٌ بِالْحِيرَةِ، وَمِصْرٌ بِالشَّامِ، فَيَفْزَعُ النَّاسُ ثَلَاثَ فَزَعَاتٍ، فَيَخْرُجُ الدَّجَّالُ فِي أَعْرَاضِ النَّاسِ، فَيَهْزِمُ مَنْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ، فَأَوَّلُ مِصْرٍ يَرُدُّهُ الْمِصْرُ الَّذِي بِمُلْتَقَى الْبَحْرَيْنِ، فَيَصِيرُ أَهْلُهُ ثَلَاثَ فِرَقٍ; فِرْقَةٌ تُقِيمُ تَقُولُ: نُشَامُّهُ; نَنْظُرُ مَا هُوَ، وَفِرْقَةٌ تَلْحَقُ بِالْأَعْرَابِ،

وَفِرْقَةٌ تَلْحَقُ بِالْمِصْرِ الَّذِي يَلِيهِمْ، وَمَعَ الدَّجَّالِ سَبْعُونَ أَلْفًا عَلَيْهِمُ السِّيجَانُ، وَأَكْثَرُ تَبَعِهِ الْيَهُودُ وَالنِّسَاءُ، ثُمَّ يَأْتِي الْمِصْرَ الَّذِي يَلِيهِ، فَيَصِيرُ أَهْلُهُ ثَلَاثَ فِرَقٍ; فِرْقَةٌ تَقُولُ: نُشَامُّهُ نَنْظُرُ مَا هُوَ، وَفِرْقَةٌ تَلْحَقُ بِالْأَعْرَابِ، وَفِرْقَةٌ تَلْحَقُ بِالْمِصْرِ الَّذِي يَلِيهِمْ بِغَرْبِيِّ الشَّامِ، وَيَنْحَازُ الْمُسْلِمُونَ إِلَى عَقَبَةِ أَفِيقَ، فَيَبْعَثُونَ سَرْحًا لَهُمْ، فَيُصَابُ سَرْحُهُمْ، فَيَشْتَدُّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَتُصِيبُهُمْ مَجَاعَةٌ شَدِيدَةٌ وَجَهْدٌ شَدِيدٌ، حَتَّى إِنَّ أَحَدَهُمْ لَيَحْرِقُ وَتَرَ قَوْسِهِ فَيَأْكُلُهُ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ نَادَى مُنَادٍ مِنَ السَّحَرِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَتَاكُمُ الْغَوْثُ. ثَلَاثًا، فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: إِنَّ هَذَا الصَّوْتَ لَصَوْتُ رَجُلٍ شَبْعَانَ، وَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، عِنْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ، فَيَقُولُ لَهُ أَمِيرُهُمْ: يَا رُوحَ اللَّهِ، تَقَدَّمْ صَلِّ. فَيَقُولُ: هَذِهِ الْأُمَّةُ أُمَرَاءُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، فَيَتَقَدَّمُ أَمِيرُهُمْ فَيُصَلِّي، فَإِذَا قَضَى صَلَاتَهُ أَخَذَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ حَرْبَتَهُ، فَيَذْهَبُ نَحْوَ الدَّجَّالِ، فَإِذَا رَآهُ الدَّجَّالُ ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الرَّصَاصُ، فَيَضَعُ حَرْبَتَهُ بَيْنَ ثَنْدُوَتَيْهِ فَيَقْتُلُهُ، وَيَنْهَزِمُ أَصْحَابُهُ، فَلَيْسَ يَوْمَئِذٍ شَيْءٌ يُوَارِي مِنْهُمْ أَحَدًا، حَتَّى إِنَّ الشَّجَرَةَ لَتَقُولُ: يَا مُؤْمِنُ، هَذَا كَافِرٌ. وَيَقُولُ الْحَجَرُ: يَا مُؤْمِنُ، هَذَا كَافِرٌ ". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.
وَلَعَلَّ هَذَيْنَ الْمِصْرَيْنِ هَمَا الْبَصْرَةُ وَالْكُوفَةُ; بِدَلِيلِ مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، حَدَّثَنَا الْحَشْرَجُ بْنُ نُبَاتَةَ الْقَيْسِيُّ الْكُوفِيُّ،

حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ جُمْهَانَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي فِي هَذَا الْمَسْجِدِ، يَعْنِي مَسْجِدَ الْبَصْرَةِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَتَنْزِلَنَّ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي أَرْضًا يُقَالُ لَهَا: الْبَصْرَةُ. يَكْثُرُ بِهَا عَدَدُهُمْ، وَيَكْثُرُ بِهَا نَخْلُهُمْ، ثُمَّ يَجِيءُ بَنُو قَنْطُورَاءَ صِغَارُ الْعُيُونِ، حَتَّى يَنْزِلُوا عَلَى جِسْرٍ لَهُمْ يُقَالُ لَهُ: دِجْلَةُ. فَيَتَفَرَّقُ الْمُسْلِمُونَ ثَلَاثَ فِرَقٍ، فَأَمَّا فِرْقَةٌ فَيَأْخُذُونَ بِأَذْنَابِ الْإِبِلِ، وَتَلْحَقُ بِالْبَادِيَةِ، وَهَلَكَتْ، وَأَمَّا فِرْقَةٌ فَتَأْخُذُ عَلَى أَنْفُسِهَا، وَكَفَرَتْ، فَهَذِهِ وَتِلْكَ سَوَاءٌ، وَأَمَّا فِرْقَةٌ فَيَجْعَلُونَ عِيَالَهُمْ خَلْفَ ظُهُورِهِمْ وَيُقَاتِلُونَ، فَقَتْلَاهُمْ شُهَدَاءُ، وَيَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى بَقِيَّتِهَا ".
ثُمَّ رَوَاهُ أَحْمَدُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ وَغَيْرِهِ، عَنِ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُمْهَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، فَذَكَرَهُ. قَالَ الْعَوَّامُ: بَنُو قَنْطُورَاءَ هُمُ التُّرْكُ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ، عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُمْهَانَ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ.
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ بَشِيرِ بْنِ الْمُهَاجِرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ يُقَاتِلُكُمْ قَوْمٌ صِغَارُ الْأَعْيُنِ ". يَعْنِي التُّرْكَ، قَالَ: " تَسُوقُونَهُمْ ثَلَاثَ مِرَارٍ، حَتَّى تُلْحِقُوهُمْ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ، فَأَمَّا فِي السِّيَاقَةِ

الْأُولَى فَيَنْجُو مَنْ هَرَبَ مِنْهُمْ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَيَنْجُو بَعْضٌ وَيَهْلِكُ بَعْضٌ، وَأَمَّا فِي الثَّالِثَةِ فَيُصْطَلَمُونَ ". أَوْ كَمَا قَالَ. لَفْظُ أَبِي دَاوُدَ.
وَرَوَى الثَّوْرِيُّ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ أَبِي الزَّعْرَاءِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: يَفْتَرِقُ النَّاسُ عِنْدَ خُرُوجِ الدَّجَّالِ ثَلَاثَ فِرَقٍ، فِرْقَةٌ تَتْبَعُهُ، وَفِرْقَةٌ تَلْحَقُ بِأَرْضِ آبَائِهَا بِمَنَابِتِ الشِّيحِ، وَفِرْقَةٌ تَأْخُذُ بِشَطِّ الْفُرَاتِ، يُقَاتِلُهُمْ وَيُقَاتِلُونَهُ، حَتَّى يَجْتَمِعَ الْمُؤْمِنُونَ بِقُرَى الشَّامِ، وَيَبْعَثُونَ طَلِيعَةً، فِيهِمْ فَارِسٌ فَرَسُهُ أَشْقَرُ أَوْ أَبْلَقُ، فَيُقْتَلُونَ فَلَا يَرْجِعُ مِنْهُمْ بَشَرٌ.
حَدِيثٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ: قَالَ حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا دُحَيْمٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى الْمَعَافِرِيُّ، هُوَ الْبُرُلُّسِيُّ - أَحَدُ الثِّقَاتِ - عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، حَدَّثَنِي أَبُو الْوَازِعِ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ بُسْرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَيُدْرِكَنَّ الدَّجَّالَ مَنْ رَآنِي ". أَوْ قَالَ: " لَيَكُونَنَّ قَرِيبًا مِنْ مَوْتِي ". قَالَ شَيْخُنَا الذَّهَبِيُّ: أَبُو الْوَازِعِ لَا يُعْرَفُ، وَالْحَدِيثُ مُنْكَرٌ. قُلْتُ: وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي عُبَيْدَةَ شَاهِدٌ لَهُ.

حَدِيثٌ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ الْأَسْفَاطِيُّ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحَرِيشِ، حَدَّثَنَا أَبُو هَمَّامٍ مُحَمَّدُ بْنُ الزِّبْرِقَانِ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ، حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، قَالَ: أَقْبَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قِبَلِ الْعَقِيقِ، حَتَّى إِذَا كُنَّا مَعَ الثَّنِيَّةِ، قَالَ: إِنِّي لَأَنْظُرُ إِلَى مَوَاقِعِ عَدُوِّ اللَّهِ الْمَسِيحِ، إِنَّهُ يُقْبِلُ حَتَّى يَنْزِلَ مِنْ كَذَا، حَتَّى يَخْرُجَ إِلَيْهِ الْغَوْغَاءُ، مَا مِنْ نَقْبٍ مِنْ أَنْقَابِ الْمَدِينَةِ إِلَّا عَلَيْهِ مَلَكٌ أَوْ مَلَكَانِ يَحْرُسَانِهِ، مَعَهُ صُورَتَانِ; صُورَةُ الْجَنَّةِ، وَصُورَةُ النَّارِ خَضْرَاءُ، وَمَعَهُ شَيَاطِينُ يَتَشَبَّهُونَ بِالْأَمْوَاتِ، يَقُولُ لِلْحَيِّ: تَعْرِفُنِي؟ أَنَا أَخُوكَ، أَنَا أَبُوكَ، أَنَا ذُو قُرَابَةٍ مِنْكَ، أَلَسْتُ قَدْ مِتُّ؟ هَذَا رَبُّنَا فَاتَّبِعْهُ. فَيَقْضِي اللَّهُ مَا شَاءَ مِنْهُ، وَيَبْعَثُ اللَّهُ لَهُ رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَيُسْكِتُهُ وَيُبَكِّتُهُ، وَيَقُولُ: هَذَا الْكَذَّابُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ، لَا يَغُرَّنَّكُمْ، فَإِنَّهُ كَذَّابٌ وَيَقُولُ بَاطِلًا، وَلَيْسَ رَبُّكُمْ بِأَعْوَرَ. فَيَقُولُ: هَلْ أَنْتَ مُتَّبِعِي؟ فَيَأْتِي، فَيَشُقُّهُ شِقَّتَيْنِ، وَيَفْصِلُ ذَلِكَ، وَيَقُولُ: أُعِيدُهُ لَكُمْ؟ فَيَبْعَثُهُ اللَّهُ أَشَدَّ مَا كَانَ تَكْذِيبًا لَهُ، وَأَشَدَّ شَتْمًا، فَيَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا رَأَيْتُمْ بَلَاءً ابْتُلِيتُمْ بِهِ، وَفِتْنَةً افْتُتِنْتُمْ بِهَا، إِنْ كَانَ صَادِقًا فَلْيُعِدْنِي مَرَّةً أُخْرَى، أَلَا هُوَ كَذَّابٌ. فَيَأْمُرُ بِهِ إِلَى هَذِهِ النَّارِ، وَهَىَ صُورَةُ الْجَنَّةِ، ثُمَّ يَخْرُجُ قِبَلَ الشَّامِ ".

مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ الرَّبَذِيُّ ضَعِيفٌ، وَهَذَا السِّيَاقُ فِيهِ غَرَابَةٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثُ مِحْجَنِ بْنِ الْأَدْرَعِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، يَعْنِي ابْنَ سَلَمَةَ، عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ مِحْجَنِ بْنِ الْأَدْرَعِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ، فَقَالَ: يَوْمُ الْخَلَاصِ، وَمَا يَوْمُ الْخَلَاصِ؟! " ثَلَاثًا. فَقِيلَ لَهُ: وَمَا يَوْمُ الْخَلَاصِ. قَالَ: " يَجِيءُ الدَّجَّالُ، فَيَصْعَدُ أُحُدًا، فَيَنْظُرُ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَيَقُولُ لِأَصْحَابِهِ: هَلْ تَرَوْنَ هَذَا الْقَصْرَ الْأَبْيَضَ، هَذَا مَسْجِدُ أَحْمَدَ. ثُمَّ يَأْتِي الْمَدِينَةَ، فَيَجِدُ بِكُلِّ نَقْبٍ مِنْ أَنِقَابِهَا مَلَكًا مُصْلِتًا، فَيَأْتِي سَبَخَةَ الْجُرْفِ، فَيَضْرِبُ رُوَاقَهُ، ثُمَّ تَرْجُفُ الْمَدِينَةُ ثَلَاثَ رَجَفَاتٍ، فَلَا يَبْقَى مُنَافِقٌ وَلَا مُنَافِقَةٌ، وَلَا فَاسِقٌ وَلَا فَاسِقَةٌ إِلَّا خَرَجَ إِلَيْهِ، فَذَلِكَ يَوْمُ الْخَلَاصِ ". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.
ثُمَّ رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ غُنْدَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ رَجَاءِ بْنِ أَبِي رَجَاءٍ، عَنْ مِحْجَنِ بْنِ الْأَدْرَعِ، قَالَ:أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي، فَصَعِدَ عَلَى أُحُدٍ، فَأَشْرَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ، فَقَالَ: " وَيْلَ أُمِّهَا قَرْيَةً! يَدَعُهَا أَهْلُهَا خَيْرَ مَا تَكُونُ - أَوْ كَأَخْيَرِ مَا تَكُونُ - فَيَأْتِيهَا الدَّجَّالُ، فَيَجِدُ عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِهَا مَلَكًا مُصْلِتًا بِجَنَاحِهِ، فَلَا يَدْخُلُهَا ". قَالَ: ثُمَّ نَزَلَ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِي، فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا رَجُلٌ يُصَلِّي، فَقَالَ لِي: " مَنْ هَذَا؟ " فَأَثْنَيْتُ عَلَيْهِ خَيْرًا، فَقَالَ: " اسْكُتْ، لَا تُسْمِعْهُ فَتُهْلِكَهُ ". قَالَ: ثُمَّ أَتَى حُجْرَةَ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ، فَنَفَضَ يَدَهُ مِنْ يَدِي، وَقَالَ: " إِنَّ خَيْرَ دِينِكُمْ أَيْسَرُهُ، إِنَّ خَيْرَ دِينِكُمْ

أَيْسَرُهُ ".
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ مَعْمَرٌ فِي " جَامِعِهِ "، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي سُفْيَانَ الثَّقَفِيُّ، أَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّجَّالَ، فَقَالَ: " يَأْتِي سِبَاخَ الْمَدِينَةِ، وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَهَا، فَتَنْتَفِضُ بِأَهْلِهَا نَفْضَةً أَوْ نَفْضَتَيْنِ، وَهِيَ الزَّلْزَلَةُ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ مِنْهَا كُلُّ مُنَافِقٍ وَمُنَافِقَةٍ، ثُمَّ يُوَلِّي الدَّجَّالُ قِبَلَ الشَّامِ، حَتَّى يَأْتِيَ بَعْضَ جِبَالِ الشَّامِ، وَبَقِيَّةُ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُعْتَصِمُونَ بِذُرْوَةِ جَبَلٍ، فَيُحَاصِرُهُمْ نَازِلًا بِأَصْلِهِ، حَتَّى إِذَا طَالَ عَلَيْهِمُ الْبَلَاءُ، قَالَ رَجُلٌ: حَتَّى مَتَى أَنْتُمْ هَكَذَا، وَعَدُوُّ اللَّهِ نَازِلٌ بِأَصْلِ جَبَلِكُمْ؟ هَلْ أَنْتُمْ إِلَّا بَيْنَ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ; بَيْنَ أَنْ يَسْتَشْهِدَكُمْ أَوْ يُظْهِرَكُمُ اللَّهُ عَلَيْهِ. فَتَتَبَايَعُونَ عَلَى الْمَوْتِ بَيْعَةً يَعْلَمُ اللَّهُ أَنَّهَا الصِّدْقُ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ تَأْخُذُهُمْ ظُلْمَةٌ لَا يُبْصِرُ امْرُؤٌ كَفَّهُ، فَيَنْزِلُ ابْنُ مَرْيَمَ، فَيَحْسِرُ عَنْ أَبْصَارِهِمْ، وَبَيْنَ أَظْهُرِهِمْ رَجُلٌ عَلَيْهِ لَأْمَةٌ، فَيَقُولُونَ: مَنْ أَنْتَ؟ فَيَقُولُ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَرُوحُهُ، وَكَلِمَتُهُ، عِيسَى، اخْتَارُوا إِحْدَى ثَلَاثٍ، بَيْنَ أَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ عَلَى الدَّجَّالِ وَجُنُودِهِ عَذَابًا مِنَ السَّمَاءِ، أَوْ يَخْسِفَ بِهِمُ الْأَرْضَ، أَوْ يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ سِلَاحَكُمْ، وَيَكُفَّ سِلَاحَهُمْ عَنْكُمْ. فَيَقُولُونَ: هَذِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَشَفَى لِصُدُورِنَا. فَيَوْمَئِذٍ يُرَى الْيَهُودِيُّ الْعَظِيمُ الطَّوِيلُ، الْأَكُولُ الشَّرُوبُ، لَا تُقِلُّ يَدُهُ سَيْفَهُ; مِنَ الرِّعْدَةِ، فَيَنْزِلُونَ إِلَيْهِمْ، فَيُسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ، وَيَذُوبُ الدَّجَّالُ

حَتَّى يُدْرِكَهُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، فَيَقْتُلَهُ " قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ قَوِيُّ الْإِسْنَادِ.
حَدِيثُ نَهِيكِ بْنِ صُرَيْمٍ: قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى الزَّمِنُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ بِشْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ، عَنْ نَهِيكِ بْنِ صُرَيْمٍ السَّكُونِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَتُقَاتِلُنَّ الْمُشْرِكِينَ، حَتَّى تُقَاتِلَ بَقِيَّتُكُمُ الدَّجَّالَ عَلَى نَهَرِ الْأُرْدُنِّ، أَنْتُمْ شَرْقِيَّهُ، وَهُوَ غَرْبِيَّهُ ". قَالَ: وَمَا أَدْرِي أَيْنَ الْأُرْدُنُّ يَوْمَئِذٍ مِنَ الْأَرْضِ؟ وَكَذَا رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ، وَعَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ صَالِحٍ. حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ، فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ، حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ، يَا عَبْدَ اللَّهِ، هَذَا الْيَهُودِيُّ مِنْ خَلْفِي، فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ، إِلَّا الْغَرْقَدَ; فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ ".

وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا التُّرْكَ ". الْحَدِيثَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ بِطُرُقِهِ وَأَلْفَاظِهِ، وَالظَّاهِرُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، أَنَّ الْمُرَادَ بِهَؤُلَاءِ التُّرْكِ أَنْصَارُ الدَّجَّالِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ الَّذِي رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَبَى هُرَيْرَةَ: قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَيَنْزِلَنَّ الدَّجَّالُ بِخُوزَ وَكَرْمَانَ فِي سَبْعِينَ أَلْفًا كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ ". إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ قَوِيٌّ حَسَنٌ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: قَالَ حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ فُضَيْلٍ، عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ، وَذَكَرَ الدَّجَّالَ، فَقَالَ: " إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ إِلَّا حَذَّرَهُ أُمَّتَهُ، وَسَأَصِفُهُ لَكُمْ مَا لَمْ يَصِفْهُ نَبِيٌّ قَبْلِي; إِنَّهُ أَعْوَرُ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ: كَافِرٌ. يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ يَكْتُبُ أَوْ لَا يَكْتُبُ ". هَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ لَمْ يُخْرِجُوهُ.

طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُرَيْجٌ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْعَلَاءِ الثَّقَفِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الْمَدِينَةُ وَمَكَّةُ مَحْفُوفَتَانِ بِالْمَلَائِكَةِ، عَلَى كُلِّ نَقْبٍ مِنْهُمَا مَلَكٌ لَا يَدْخُلُهُمَا الدَّجَّالُ وَلَا الطَّاعُونُ ". هَذَا غَرِيبٌ جِدًّا، وَذِكْرُ مَكَّةَ فِي هَذَا لَيْسَ بِمَحْفُوظٍ، أَوْ ذِكْرُ الطَّاعُونِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَالْعَلَاءُ الثَّقَفِيُّ هَذَا إِنْ كَانَ ابْنَ زَيْدَلٍ، فَهُوَ كَذَّابٌ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهُ: قَالَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عِمَارَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:مَازِلْتُ أُحِبُّ بَنِي تَمِيمٍ مُنْذُ ثَلَاثٍ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " هُمْ أَشَدُّ أُمَّتِي عَلَى الدَّجَّالِ ". قَالَ: وَجَاءَتْ صَدَقَاتُهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَذِهِ صَدَقَاتُ قَوْمِي ". قَالَ: وَكَانَتْ سَبِيَّةٌ مِنْهُمْ عِنْدَ عَائِشَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَعْتِقِيهَا; فَإِنَّهَا مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ ".
حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ، عَنْ أَبِي الدَّهْمَاءِ، قَالَ: سَمِعْتُ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ يُحَدِّثُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ سَمِعَ

بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ، فَوَاللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَأْتِيهِ وَهُوَ يَحْسَبُ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ فَيَتَّبِعُهُ، مِمَّا يُبْعَثُ بِهِ مِنَ الشُّبُهَاتِ " أَوْ لِمَا يُبْعَثُ بِهِ مِنَ الشُّبُهَاتِ ". هَكَذَا قَالَ. تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ. وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ، عَنْ أَبِي الدَّهْمَاءِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ، فَإِنَّ الرَّجُلَ يَأْتِيهِ يَحْسَبُ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ، فَمَا يَزَالُ بِهِ - لِمَا مَعَهُ مِنَ الشُّبَهِ - حَتَّى يَتَّبِعَهُ ". وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ. وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ، وَأَبُو الدَّهْمَاءِ - وَاسْمُهُ قِرْفَةُ بْنُ بُهَيْسٍ الْعَدَوِيُّ - ثِقَةٌ.
وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَقَدْ أَكَلَ الطَّعَامَ، وَمَشَى فِي الْأَسْوَاقِ ". يَعْنِي الدَّجَّالَ.
حَدِيثُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، حَدَّثَنَا بِحِيرٌ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ

جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنِّي قَدْ حَدَّثْتُكُمْ عَنِ الدَّجَّالِ، حَتَّى خَشِيتُ أَلَّا تَعْقِلُوا، إِنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ رَجُلٌ قَصِيرٌ، أَفْحَجُ، جَعْدٌ، أَعْوَرُ، مَطْمُوسُ الْعَيْنِ لَيْسَ بِنَاتِئَةٍ، وَلَا حَجْرَاءَ، فَإِنْ لُبِّسَ عَلَيْكُمْ، فَاعْلَمُوا أَنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ ". وَرَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ وَيَزِيدَ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، كُلُّهُمْ عَنْ بَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ، بِهِ.
حَدِيثٌ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَنَسِ بْنِ عِيَاضٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَاعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ، أَنَّهَا شَكَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَاجَةَ، فَقَالَ: " كَيْفَ بِكُمْ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِعَبْدٍ قَدْ سُخِّرَتْ لَهُ أَنْهَارُ الْأَرْضِ وَثِمَارُهَا، فَمَنِ اتَّبَعَهُ أَطْعَمَهُ وَأَكْفَرَهُ، وَمَنْ عَصَاهُ حَرَمَهُ وَمَنَعَهُ؟ " فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الْجَارِيَةَ لَتُخْلَفَنَّ عَلَى التَّنُّورِ سَاعَةً تَخْبِزُهَا، فَأَكَادُ أَفْتَتِنُ بِهَا فِي صَلَاتِي، فَكَيْفَ بِنَا إِذَا كَانَ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: " إِنَّ اللَّهَ

لَيَعْصِمُ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا يَعْصِمُ بِهِ الْمَلَائِكَةَ مِنَ التَّسْبِيحِ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ: كَافِرٌ، يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ كَاتِبٍ وَغَيْرِ كَاتِبٍ ".
حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ: قَالَ مُسْلِمٌ: حَدَّثَنَا شِهَابُ بْنُ عَبَّادٍ الْعَبْدِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حُمَيْدٍ الرُّؤَاسِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ:مَا سَأَلَ أَحَدٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الدَّجَّالِ أَكْثَرَ مِمَّا سَأَلْتُ. قَالَ: " وَمَا يُنْصِبُكَ مِنْهُ؟ إِنَّهُ لَا يَضُرُّكَ ". قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ مَعَهُ الطَّعَامَ وَالْأَنْهَارَ. قَالَ: " هُوَ أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ ".
حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ:مَا سَأَلَ أَحَدٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الدَّجَّالِ أَكْثَرَ مِمَّا سَأَلْتُهُ. قَالَ: " وَمَا سُؤَالُكَ؟ ". قَالَ: قُلْتُ: إِنَّهُمْ يَقُولُونَ: مَعَهُ جِبَالٌ مِنْ خُبْزٍ وَلَحْمٍ، وَنَهْرٌ مِنْ مَاءٍ. قَالَ " هُوَ أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ ".
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا فِي الِاسْتِئْذَانِ، مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ مُسَدَّدٍ، عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، بِهِ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ وَغَيْرِهِ أَنَّ مَاءَهُ نَارٌ، وَنَارَهُ مَاءٌ بَارِدٌ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي رَأْيِ الْعَيْنِ.
وَقَدْ تَمَسَّكَ بِهَذَا الْحَدِيثِ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ، كَابْنِ حَزْمٍ وَالطَّحَاوِيِّ وَغَيْرِهِمَا فِي أَنَّ الدَّجَّالَ مُمَخْرِقٌ مُمَوِّهٌ، لَا حَقِيقَةَ لِمَا يُبْدِي لِلنَّاسِ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي تُشَاهَدُ فِي زَمَانِهِ، بَلْ كُلُّهَا خَيَالَاتٌ عِنْدَ هَؤُلَاءِ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ الْجُبَّائِيُّ شَيْخُ الْمُعْتَزِلَةِ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِذَلِكَ حَقِيقَةٌ; لِئَلَّا يَشْتَبِهَ خَارِقُ السَّاحِرِ بِخَارِقِ النَّبِيِّ. وَقَدْ أَجَابَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الدَّجَّالَ إِنَّمَا يَدَّعِي الْإِلَهِيَّةَ، وَذَلِكَ مُنَافٍ لِبَشَرِيَّتِهِ، فَلَا يَمْتَنِعُ إِجْرَاءُ الْخَارِقِ عَلَى يَدَيْهِ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ.
وَقَدْ أَنْكَرَتْ طَوَائِفُ كَثِيرَةٌ مِنَ الْخَوَارِجِ وَالْجَهْمِيَّةِ وَبَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ خُرُوجَ الدَّجَّالِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَرَدُّوا الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِيهِ، فَلَمْ يَصْنَعُوا شَيْئًا، وَخَرَجُوا بِذَلِكَ عَنْ حَيِّزِ الْعُلَمَاءِ; لِرَدِّهِمْ مَا تَوَاتَرَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ. وَإِنَّمَا أَوْرَدْنَا بَعْضَ مَا وَرَدَ فِي هَذَا الْبَابِ، وَفِيهِ كِفَايَةٌ وَمَقْنَعٌ، وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ.
وَالَّذِي يَظْهَرُ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَنَّ الدَّجَّالَ يَمْتَحِنُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ بِمَا يَخْلُقُهُ مَعَهُ مِنَ الْخَوَارِقِ الْمُشَاهَدَةِ فِي زَمَانِهِ، كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّ مَنِ اسْتَجَابَ لَهُ يَأْمُرُ السَّمَاءَ

فَتُمْطِرُهُمْ، وَالْأَرْضَ فَتُنْبِتُ لَهُمْ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ، وَأَنْفُسُهُمْ وَتَرْجِعُ إِلَيْهِمْ مَوَاشِيهِمْ سِمَانًا لَبَنًا، وَمَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَمْرَهُ تُصِيبُهُمُ السَّنَةُ وَالْجَدْبُ وَالْقَحْطُ وَالْغُلَّةُ وَمَوْتُ الْأَنْعَامِ وَنَقْصُ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ، وَأَنَّهُ يَتْبَعُهُ كُنُوزُ الْأَرْضِ كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ، وَأَنَّهُ يَقْتُلُ ذَلِكَ الشَّابَّ ثُمَّ يُحْيِيهِ، وَهَذَا كُلُّهُ لَيْسَ بِمَخْرَقَةٍ، بَلْ لَهُ حَقِيقَةٌ امْتَحَنَ اللَّهُ بِهَا عِبَادَهُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، فَيُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا، وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا، يَكْفُرُ الْمُرْتَابُونَ، وَيَزْدَادُ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا.
وَقَدْ حَمَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى مَعْنَى الْحَدِيثِ: " هُوَ أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ ". أَيْ هُوَ أَقَلُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ مَا يُضِلُّ بِهِ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِأَنَّهُ نَاقِصٌ، ظَاهِرُ النَّقْصِ وَالْفُجُورِ وَالظُّلْمِ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ مَا مَعَهُ مِنَ الْخَوَارِقِ; فَبَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوبٌ: كَافِرٌ. كِتَابَةً ظَاهِرَةً، وَقَدْ حَقَّقَ ذَلِكَ الشَّارِعُ فِي خَبَرِهِ بِقَوْلِهِ: " كَ فَ رَ ". فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ كِتَابَةٌ حِسِّيَّةٌ، لَا مَعْنَوِيَّةٌ، كَمَا يَقُولُهُ بَعْضُ النَّاسِ، وَعَيْنُهُ الْوَاحِدَةُ عَوْرَاءُ شَنِيعَةُ الْمَنْظَرِ نَاتِئَةٌ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: " كَأَنَّهَا عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ ". أَيْ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ، وَمَنْ رَوَى ذَلِكَ: " طَافِئَةٌ ". فَمَعْنَاهُ: لَا ضَوْءَ فِيهَا. وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: " كَأَنَّهَا نُخَامَةٌ عَلَى حَائِطٍ مُجَصَّصٍ ". أَيْ بَشِعَةُ الشَّكْلِ.
وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ عَيْنَهُ الْيُمْنَى عَوْرَاءُ، وَجَاءَ فِي بَعْضِهَا: الْيُسْرَى. فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ غَيْرَ مَحْفُوظَةٍ، أَوْ أَنَّ الْعَوَرَ

حَاصِلٌ فِي كُلٍّ مِنَ الْعَيْنَيْنِ، وَيَكُونُ مَعْنَى الْعَوَرِ النَّقْصَ وَالْعَيْبَ، وَيُقَوِّي هَذَا الْجَوَابَ مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ التَّمَّارُ وَأَبُو خَلِيفَةَ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، حَدَّثَنَا سِمَاكٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الدَّجَّالُ جَعْدٌ هِجَانٌ أَقْمَرُ، كَأَنَّ رَأْسَهُ غُصْنُ شَجَرَةٍ، مَطْمُوسُ عَيْنِهِ الْيُسْرَى، وَالْأُخْرَى كَأَنَّهَا عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ ". الْحَدِيثَ. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ سِمَاكٍ بِنَحْوِهِ. لَكِنْ قَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ: " وَعَيْنُهُ الْأُخْرَى كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ ".
وَعَلَى هَذَا فَتَكُونُ الرِّوَايَةُ الْوَاحِدَةُ غَلَطًا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ الْعَيْنَ الْوَاحِدَةَ عَوْرَاءُ فِي نَفْسِهَا، وَالْأُخْرَى عَوْرَاءُ بِاعْتِبَارِ انْفِرَادِهَا. وَاللَّهُ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
وَقَدْ سَأَلَ سَائِلٌ سُؤَالًا، فَقَالَ: مَا الْحِكْمَةُ فِي أَنَّ الدَّجَّالَ مَعَ كَثْرَةِ شَرِّهِ وَفُجُورِهِ، وَانْتِشَارِ أَمْرِهِ، وَدَعْوَاهُ الرُّبُوبِيَّةَ، وَهُوَ فِي ذَاكَ ظَاهِرُ الْكَذِبِ وَالِافْتِرَاءِ، وَقَدْ حَذَّرَ مِنْهُ جَمِيعُ الْأَنْبِيَاءِ، كَيْفَ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْقُرْآنِ، وَيُبَصَّرْ مِنْهُ، وَيُصَرَّحْ بِاسْمِهِ، وَيُنَوَّهْ بِكَذِبِهِ وَعِنَادِهِ؟.
وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ; أَحَدُهَا أَنَّهُ قَدْ أُشِيرَ إِلَى ذِكْرِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا

الْآيَةَ [ الْأَنْعَامِ: 158 ].
فَالَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ عِنْدَ تَفْسِيرِهَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ثَلَاثٌ إِذَا خَرَجْنَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا الدَّجَّالُ، وَالدَّابَّةُ، وَطُلُوعُ الشَّمْسِ مِنَ الْمَغْرِبِ - أَوْ مِنْ مَغْرِبِهَا ". ثُمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
الثَّانِي: أَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَقْتُلُ الدَّجَّالَ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَمَا سَيَأْتِي، وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْقُرْآنِ نُزُولُهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لِيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا [ النِّسَاءِ: 158، 159 ].
وَقَدْ قَرَّرْنَا فِي " التَّفْسِيرِ " أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قَبْلَ مَوْتِهِ. عَائِدٌ عَلَى عِيسَى، أَيْ سَيَنْزِلُ إِلَى الْأَرْضِ، وَيُؤْمِنُ بِهِ أَهْلُ الْكِتَابِ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ اخْتِلَافًا مُتَبَايِنًا، فَمِنْ مُدِّعِي الْإِلَهِيَّةِ كَالنَّصَارَى، وَمِنْ قَائِلٍ فِيهِ قَوْلًا عَظِيمًا، وَهُوَ أَنَّهُ وَلَدُ زَنْيَةٍ، وَهُمُ الْيَهُودُ، وَمِنْ قَائِلٍ أَنَّهُ قُتِلَ وَصُلِبَ وَمَاتَ. إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ، فَإِذَا نَزَلَ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ تَحَقَّقَ كُلٌّ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ كَذِبَ نَفْسِهِ فِيمَا يَدَّعِيهِ فِيهِ مِنَ الِافْتِرَاءِ، وَسَنُقَرِّرُ هَذَا قَرِيبًا. وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ ذِكْرُ نُزُولِ الْمَسِيحِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ إِشَارَةً إِلَى ذِكْرِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ مَسِيحِ الضَّلَالَةِ، وَهُوَ ضِدُّ مَسِيحِ الْهُدَى، وَمِنْ

عَادَةِ الْعَرَبِ أَنَّهَا تَكْتَفِي بِذِكْرِ أَحَدِ الضِّدَّيْنِ عَنْ ذِكْرِ الْآخَرِ، كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي مَوْضِعِهِ.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ بِصَرِيحِ اسْمِهِ فِي الْقُرْآنِ احْتِقَارًا لَهُ، حَيْثُ إِنَّهُ يَدَّعِي الْإِلَهِيَّةَ وَهُوَ بَشَرٌ، وَهُوَ مَعَ بَشَرِيَّتِهِ نَاقِصُ الْخَلْقِ يُنَافِي حَالُهُ جَلَالَ الرَّبِّ وَعَظَمَتَهُ وَكِبْرِيَاءَهُ وَتَنْزِيهَهُ عَنِ النَّقْصِ، فَكَانَ أَمْرُهُ عِنْدَ الرَّبِّ أَحْقَرَ مِنْ أَنْ يُذْكَرَ، وَأَصْغَرَ، وَأَدْحَرَ مِنْ أَنْ يُجْلَى عَنْ أَمْرِ دَعْوَاهُ وَيُحَذَّرَ، وَلَكِنِ انْتَصَرَ الرُّسُلُ لِجَنَابِ الرَّبِّ، عَزَّ وَجَلَّ، فَجَلَوْا لِأُمَمِهِمْ عَنْ أَمْرِهِ، وَحَذَّرُوهُمْ مَا مَعَهُ مِنَ الْفِتَنِ الْمُضِلَّةِ، وَالْخَوَارِقِ الْمُنْقَضِيَةِ الْمُضْمَحِلَّةِ، فَاكْتَفَى بِإِخْبَارِ الْأَنْبِيَاءِ، وَتَوَاتَرَ ذَلِكَ عَنْ سَيِّدِ وَلَدِ آدَمَ إِمَامِ الْأَتْقِيَاءِ عَنْ أَنْ يَذْكُرَ أَمْرَهُ الْحَقِيرَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى جَلَالِ اللَّهِ، فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَوَكَلَ بَيَانَ أَمْرِهِ إِلَى كُلِّ نَبِيٍّ كَرِيمٍ.
فَإِنْ قُلْتَ: فَقَدْ ذُكِرَ فِرْعَوْنُ فِي الْقُرْآنِ، وَقَدِ ادَّعَى مَا ادَّعَاهُ مِنَ الْإِلَهِيَّةِ وَالْكَذِبِ وَالْبُهْتَانِ; حَيْثُ قَالَ: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى [ النَّازِعَاتِ: 24 ]. وَقَالَ: يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي [ الْقَصَصِ: 38 ]. فَالْجَوَابُ أَنَّ أَمْرَ فِرْعَوْنَ قَدِ انْقَضَى، وَتَبَيَّنَ كَذِبُهُ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ وَعَاقِلٍ، وَأَمْرُ الدَّجَّالِ سَيَأْتِي، وَهُوَ كَائِنٌ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ فِتْنَةً وَاخْتِبَارًا لِلْعِبَادِ، فَتُرِكَ ذِكْرُهُ فِي الْقُرْآنِ احْتِقَارًا لَهُ، وَامْتِحَانًا بِهِ، إِذْ أَمْرُهُ وَكَذِبُهُ أَظْهَرُ مِنْ أَنْ يُنَبَّهَ عَلَيْهِ، وَيُحَذَّرَ مِنْهُ، وَقَدْ يُتْرَكُ ذِكْرُ الشَّيْءِ لِوُضُوحِهِ، كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ قَدْ عَزَمَ عَلَى أَنْ يَكْتُبَ كِتَابًا بِخِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، مِنْ بَعْدِهِ، ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ، وَقَالَ: " يَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ ". فَتَرَكَ نَصَّهُ عَلَيْهِ لِوُضُوحِ جَلَالَتِهِ، وَعَظِيمِ

قَدْرِهِ عِنْدَ الصَّحَابَةِ، وَعَلِمَ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، أَنَّهُمْ لَا يَعْدِلُونَ بِهِ أَحَدًا بَعْدَهُ، وَكَذَلِكَ وَقَعَ الْأَمْرُ، وَلِهَذَا يُذْكَرُ هَذَا الْحَدِيثُ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ، كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لَهُ غَيْرَ مَرَّةٍ فِي مَوَاضِعَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ.
وَهَذَا الْمَقَامُ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، وَهُوَ أَنَّ الشَّيْءَ قَدْ يَكُونُ ظُهُورُهُ كَافِيًا عَنِ التَّنْصِيصِ عَلَيْهِ، وَأَنَّ الْأَمْرَ أَظْهَرُ وَأَوْضَحُ وَأَجْلَى مِنْ أَنْ يُحْتَاجَ مَعَهُ إِلَى زِيَادَةِ إِيضَاحٍ عَلَى مَا فِي الْقُلُوبِ مُسْتَقِرٌّ، فَالدَّجَّالُ وَاضِحُ الذَّمِّ ظَاهِرُ النَّقْصِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَقَامِ الَّذِي يَدَّعِيهِ مِنَ الرُّبُوبِيَّةِ، فَتَرَكَ اللَّهُ ذِكْرَهُ وَالنَّصَّ عَلَيْهِ; لِمَا يَعْلَمُ تَعَالَى مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ مِثْلَ الدَّجَّالِ لَا يَخْفَى ضَلَالُهُ عَلَيْهِمْ وَلَا يَهِيضُهُمْ، وَلَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، وَتَصْدِيقًا لِلْحَقِّ، وَرَدًّا لِلْبَاطِلِ.
وَلِهَذَا يَقُولُ ذَلِكَ الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُسَلَّطُ عَلَيْهِ الدَّجَّالُ فَيَقْتُلُهُ، ثُمَّ يُحْيِيهِ: وَاللَّهِ مَا ازْدَدْتُ فِيكَ إِلَّا بَصِيرَةً، أَنْتَ الْأَعْوَرُ الْكَذَّابُ الَّذِي حَدَّثَنَا عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ سَمِعَ خَبَرَ الدَّجَّالِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شِفَاهًا.
وَقَدْ أَخَذَ بِظَاهِرِهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ الْفَقِيهُ الرَّاوِي لِلصَّحِيحِ عَنْ مُسْلِمٍ، فَحَكَى عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ الْخَضِرُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَحَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ مَعْمَرٍ فِي " جَامِعِهِ ".

وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ فِي " مُسْنَدِهِ "، وَأَبُو دَاوُدَ فِي " سُنَنِهِ "، وَالتِّزْمِذِيُّ فِي " جَامِعِهِ "، بِإِسْنَادِهِمْ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَعَلَّهُ سَيُدْرِكُهُ مَنْ رَآنِي، وَسَمِعَ كَلَامِي ". وَهَذَا مِمَّا قَدْ يَتَقَوَّى بِهِ بَعْضُ مَنْ يَقُولُ بِهَذَا، وَلَكِنْ فِي إِسْنَادِهِ غَرَابَةٌ، وَلَعَلَّ هَذَا كَانَ قَبْلَ أَنْ يُبَيَّنَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَمْرِ الدَّجَّالِ مَا بُيِّنَ فِي ثَانِي الْحَالِ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي قِصَّةِ الْخَضِرِ كَلَامَ النَّاسِ فِي حَيَاتِهِ، وَدَلَّلْنَا عَلَى وَفَاتِهِ بِأَدِلَّةٍ أَسْلَفْنَاهَا هُنَالِكَ، فَمَنْ أَرَادَ الْوُقُوفَ عَلَيْهَا فَلْيَتَأَمَّلْهَا فِي قَصَصِ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

ذِكْرُ مَا يَعْصِمُ مِنَ الدَّجَّالِ فَمِنْ ذَلِكَ الِاسْتِعَاذَةُ مِنْ فِتْنَتِهِ، فَقَدْ ثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ الصِّحَاحِ، مِنْ غَيْرِ

وَجْهٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَعَوَّذُ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ فِي الصَّلَاةِ، وَأَنَّهُ أَمَرَ أُمَّتَهُ بِذَلِكَ أَيْضًا: " اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ ". وَذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَائِشَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَسَعْدٍ، وَعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَغَيْرِهِمْ.
قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الذَّهَبِيُّ: وَالِاسْتِعَاذَةُ مِنَ الدَّجَّالِ مُتَوَاتِرَةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَمِنْ ذَلِكَ حِفْظُ آيَاتٍ مِنْ سُورَةِ الْكَهْفِ، كَمَا قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا هُشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا سَالِمُ بْنُ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ مَعْدَانَ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، يَرْوِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مَنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَكَذَا قَالَ هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ، عَنْ قَتَادَةَ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: " مَنْ حَفِظَ مِنْ خَوَاتِيمِ سُورَةِ الْكَهْفِ ". وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ: " مِنْ آخِرِ الْكَهْفِ ".

وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ هَمَّامٍ، وَهِشَامٍ، وَشُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، بِهِ، بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ: " الثَّلَاثُ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ ". وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، وَعَفَّانَ وَعَبْدِ الصَّمَدِ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ قَتَادَةَ بِهِ: مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ ".
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَنْ رَوْحٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ بِمِثْلِهِ، وَرَوَاهُ عَنْ حُسَيْنٍ، عَنْ شَيْبَانَ، عَنْ قَتَادَةَ كَذَلِكَ، وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ غُنْدَرٍ وَحَجَّاجٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ وَقَالَ: مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ ".
وَمِنْ ذَلِكَ الِابْتِعَادُ عَنْهُ فَلَا يَرَاهُ; فَإِنَّ مَنْ رَآهُ افْتَتَنَ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ، فَوَاللَّهِ إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيَأْتِيهِ وَهُوَ يَحْسَبُ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ فَيَتَّبِعُهُ; لِمَا يُبْعَثُ بِهِ مِنَ الشُّبُهَاتِ ".

وَمِمَّا يَعْصِمُ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ سُكْنَى الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ وَمَكَّةَ، شَرَّفَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، مِنْ حَدِيثِ الْإِمَامِ مَالِكٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ نُعَيْمٍ الْمُجْمِرِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: عَلَى أَنْقَابِ الْمَدِينَةِ مَلَائِكَةٌ، لَا يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ وَلَا الدَّجَّالُ ".
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ رُعْبُ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ; لَهَا يَوْمَئِذٍ سَبْعَةُ أَبْوَابٍ، عَلَى كُلِّ بَابٍ مَلَكَانِ ". وَقَدْ رَوَى هَذَا جَمَاعَةٌ مِنَ الصِّحَابَةِ مِنْهُمْ; أَبُو هُرَيْرَةَ، وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَسَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ، وَمِحْجَنُ بْنُ الْأَدْرَعِ، كَمَا تَقَدَّمَ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخُزَاعِيُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَأْتِي الدَّجَّالُ الْمَدِينَةَ، فَيَجِدُ الْمَلَائِكَةَ يَحْرُسُونَهَا، فَلَا يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ وَلَا الدَّجَّالُ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ ". وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ مُوسَى، وَإِسْحَاقِ بْنِ أَبِي عِيسَى، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ بِهِ، ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، وَمِحْجَنٍ، وَأُسَامَةَ، وَسَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ مَكَّةَ وَلَا الْمَدِينَةَ تَمَنَعُهُ الْمَلَائِكَةُ; لِشَرَفِ هَاتَيْنِ

الْبُقْعَتَيْنِ، فَهُمَا حَرَمَانِ آمِنَانِ، وَإِنَّمَا إِذَا نَزَلَ عِنْدَ سَبَخَةِ الْمَدِينَةِ تَرْجُفُ بِأَهْلِهَا ثَلَاثَ رَجَفَاتٍ، إِمَّا حِسًّا، وَإِمَّا مَعْنًى، عَلَى الْقَوْلَيْنِ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ كُلُّ مُنَافِقٍ وَمُنَافِقَةٍ، فَيَوْمَئِذٍ تَنْفِي الْمَدِينَةُ خَبَثَهَا، وَيَنْصَعُ طِيبُهَا، كَمَا تَقَدَّمَ.

مُلَخَّصُ سِيرَةِ الدَّجَّالِ، لَعَنَهُ اللَّهُ تَعَالَى
هُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي آدَمَ، خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى، لِيَكُونَ مِحْنَةً وَاخْتِبَارًا لِلنَّاسِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، فَيُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا، وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا، وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ.
وَقَدْ رَوَى الْحَافِظُ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَبَّارُ، فِي " تَارِيخِهِ "، مِنْ طَرِيقِ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: كُنْيَةُ الدَّجَّالِ أَبُو يُوسُفَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَأَبِي ذَرٍّ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَغَيْرِهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ، كَمَا تَقَدَّمَ، أَنَّهُ ابْنُ صَيَّادٍ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَمْكُثُ أَبَوَا الدَّجَّالِ ثَلَاثِينَ عَامًا لَا يُولَدُ لَهُمَا، ثُمَّ يُولَدُ لَهُمَا غُلَامٌ أَعْوَرُ أَضَرُّ شَيْءٍ، وَأَقَلُّهُ نَفْعًا، تَنَامُ عَيْنَاهُ، وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ ". ثُمَّ نَعَتَ أَبَوَيْهِ، فَقَالَ: " أَبُوهُ رَجُلٌ طَوِيلٌ، مُضْطَرِبُ اللَّحْمِ، طَوِيلُ الْأَنْفِ، كَأَنَّ أَنْفَهُ مِنْقَارٌ، وَأُمُّهُ امْرَأَةٌ

فِرْضَاخِيَّةٌ، عَظِيمَةُ الثَّدْيَيْنِ ". قَالَ: فَبَلَغَنَا أَنَّ مَوْلُودًا مِنَ الْيَهُودِ وُلِدَ بِالْمَدِينَةِ، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ، حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى أَبَوَيْهِ، فَرَأَيْنَا فِيهِمَا نَعْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِذَا هُوَ مُنْجَدِلٌ فِي الشَّمْسِ فِي قَطِيفَةٍ، لَهُ هَمْهَمَةٌ، فَسَأَلْنَا أَبَوَيْهِ، فَقَالَا: مَكَثْنَا ثَلَاثِينَ عَامًا لَا يُولَدُ لَنَا، ثُمَّ وُلِدَ لَنَا غُلَامٌ أَعْوَرُ، أَضَرُّ شَيْءٍ، وَأَقَلُّهُ نَفْعًا. فَلَمَّا خَرَجْنَا مَرَرْنَا بِهِ، فَقَالَ: مَا كُنْتُمَا فِيهِ؟ قُلْنَا: وَسَمِعْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنَّهُ تَنَامُ عَيْنَايَ، وَلَا يَنَامُ قَلْبِي. فَإِذَا هُوَ ابْنُ صَيَّادٍ. وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ. قُلْتُ: بَلْ هُوَ مُنْكَرٌ جِدًّا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ كَانَ ابْنُ صَيَّادٍ مِنْ يَهُودِ الْمَدِينَةِ، وَقِيلَ: كَانَ مِنَ الْأَنْصَارِ. وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ، وَيُقَالُ: صَافُ. وَقَدْ جَاءَ هَذَا وَهَذَا، وَقَدْ يَكُونُ أَصْلَ اسْمِهِ صَافُ، ثُمَّ تَسَمَّى لَمَّا أَسْلَمَ بِعَبْدِ اللَّهِ، وَكَانَ ابْنُهُ عُمَارَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مِنْ سَادَاتِ التَّابِعِينَ، رَوَى عَنْهُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الدَّجَّالَ غَيْرُ ابْنِ صَيَّادٍ، وَأَنَّ ابْنَ صَيَّادٍ كَانَ دَجَّالًا مِنَ الدَّجَاجِلَةِ، ثُمَّ تِيبَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ، فَأَظْهَرَ الْإِسْلَامَ.

وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِضَمِيرِهِ وَسَرِيرَتِهِ.
وَأَمَّا الدَّجَّالُ الْأَكْبَرُ فَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، الَّذِي رَوَتْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، وَفِيهِ قِصَّةُ الْجَسَّاسَةِ، ثُمَّ يُؤْذَنُ لَهُ فِي الْخُرُوجِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، بَعْدَ فَتْحِ الْمُسْلِمِينَ مَدِينَةَ الرُّومِ الْمُسَمَّاةَ بِقُسْطَنْطِينِيَّةَ، فَيَكُونُ بُدُوُّ ظُهُورِهِ مِنْ أَصْبَهَانَ مِنْ حَارَةٍ بِهَا يُقَالُ لَهَا: الْيَهُودِيَّةُ. وَيَنْصُرُهُ مِنْ أَهْلِهَا سَبْعُونَ أَلْفَ يَهُودِيٍّ، عَلَيْهِمُ الْأَسْلِحَةُ وَالسِّيجَانُ، وَهَى الطَّيَالِسَةُ الْخُضْرُ، وَكَذَلِكَ يَنْصُرُهُ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنَ التَّتَارِ، وَخَلْقٌ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ، فَيَظْهَرُ أَوَّلًا فِي صُورَةِ مَلِكٍ مِنَ الْمُلُوكِ الْجَبَابِرَةِ، ثُمَّ يَدَّعِي النُّبُوَّةَ، ثُمَّ يَدَّعِي الرُّبُوبِيَّةَ، فَيَتْبَعُهُ عَلَى ذَلِكَ الْجَهَلَةُ مِنْ بُنِيَ آدَمَ، وَالطَّغَامُ مِنَ الرَّعَاعِ وَالْعَوَامِّ، وَيُخَالِفُهُ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ مَنْ هَدَاهُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ، وَحِزْبِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ، وَيَتَدَنَّى فَيَأْخُذُ الْبِلَادَ بَلَدًا بَلَدًا، وَحِصْنًا حِصْنًا، وَإِقْلِيمًا إِقْلِيمًا، وَكُورَةً كُورَةً، وَلَا يَبْقَى بَلَدٌ مِنَ الْبِلَادِ إِلَّا وَطِئَهُ بِخَيْلِهِ وَرَجِلِهِ، غَيْرَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَمُدَّةُ مُقَامِهِ فِي الْأَرْضِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا، يَوْمٌ كَسَنَةٍ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِ النَّاسِ هَذِهِ، وَمُعَدَّلُ ذَلِكَ سَنَةٌ وَشَهْرَانِ وَنِصْفٌ، وَقَدْ خَلَقَ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ خَوَارِقَ كَثِيرَةً، يُضِلُّ بِهَا مَنْ

يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ، وَيَثْبُتُ مَعَهَا الْمُؤْمِنُونَ، فَيَزْدَادُونَ بِهَا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ، وَهُدًى إِلَى هُدَاهُمْ، وَيَكُونُ نُزُولُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، مَسِيحِ الْهُدَى فِي أَيَّامِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ مَسِيحِ الضَّلَالَةِ عَلَى الْمَنَارَةِ الشَّرْقِيَّةِ بِدِمَشْقَ، فَيَجْتَمِعُ عَلَيْهِ الْمُؤْمِنُونَ، وَيَلْتَفِتُ مَعَهُ عِبَادُ اللَّهِ الْمُتَّقُونَ، فَيَسِيرُ بِهِمْ قَاصِدًا نَحْوَ الدَّجَّالِ، وَقَدْ تَوَجَّهَ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَيُدْرِكُهُ عِنْدَ عَقَبَةِ أَفِيقَ، فَيَنْهَزِمُ مِنْهُ الدَّجَّالُ، فَيَلْحَقُهُ عِنْدَ بَابِ مَدِينَةِ لُدٍّ فَيَقْتُلُهُ بِحَرْبَتِهِ، وَهُوَ دَاخِلٌ إِلَيْهَا، وَيَقُولُ لَهُ: إِنَّ لِي فِيكَ ضَرْبَةً لَنْ تَفُوتَنِي. وَإِذَا وَاجَهَهُ الدَّجَّالُ انْمَاعَ كَمَا يَنْمَاعُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ، فَيُدْرِكُهُ عِنْدَ بَابِ لُدٍّ، فَتَكُونُ وَفَاتُهُ هُنَالِكَ، لَعَنَهُ اللَّهُ، كَمَا دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الصِّحَاحُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَمَا سَيَأْتِي.
وَقَدْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ الْأَنْصَارِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ الْأَنْصَارِيِّ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَمِّي مُجَمِّعَ بْنَ جَارِيَةَ الْأَنْصَارِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: يَقْتُلُ ابْنُ مَرْيَمَ الدَّجَّالَ بِبَابِ لُدٍّ ".

وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهِ. وَعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهِ. وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُصْعَبٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهِ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، فَهُوَ مَحْفُوظٌ مِنْ حَدِيثِهِ، وَإِسْنَادُهُ مِنْ بَعْدِهِ ثِقَاتٌ، وَلِهَذَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ رِوَايَتِهِ لَهُ: هَذَا حَدِيثٌ " صَحِيحٌ. قَالَ: وَفِي الْبَابِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، وَنَافِعِ بْنِ عُتْبَةَ، وَأَبِي بَرْزَةَ، وَحُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَكَيْسَانَ، وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، وَجَابِرٍ، وَأَبِي أُمَامَةَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَسَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ، وَالنَّوَّاسِ بْنِ سِمْعَانَ، وَعَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ.
وَرَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عُمَرَ سَأَلَ يَهُودِيًّا عَنِ الدَّجَّالِ، فَقَالَ: وَإِلَهِ يَهُودَ لَيَقْتُلَنَّهُ ابْنُ مَرْيَمَ بِفِنَاءِ لُدٍّ.

صِفَةُ الدَّجَّالِ، قَبَّحَهُ اللَّهُ وَلَعَنَهُ وَأَخْزَاهُ وَأَخَسَاهُ
قَدْ تَقَدَّمَ فِي الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ أَعْوَرُ، وَأَنَّهُ أَزْهَرُ هِجَانٌ فَيْلَمَانِيٌّ، وَهُوَ كَثِيرُ الشَّعْرِ، وَفِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ قَصِيرٌ أَفْحَجُ. وَفِي حَدِيثٍ أَنَّهُ طَوِيلٌ، وَجَاءَ أَنَّ مَا بَيْنَ أُذُنَيْ حِمَارِهِ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا، كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ، وَيُرْوَى فِي حَدِيثٍ آخَرَ: سَبْعُونَ بَاعًا. وَلَا يَصِحُّ، وَفِي الْأَوَّلِ نَظَرٌ.
وَقَالَ عَبْدَانُ فِي كِتَابِ " مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ ": رَوَى سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ حَوْطٍ الْعَبْدِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: أُذُنُ حِمَارِ الدَّجَّالِ تُظِلُّ سَبْعِينَ أَلْفًا.
قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ: حَوْطٌ مَجْهُولٌ، وَالْخَبَرُ مُنْكَرٌ.
وَإِنَّ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوبٌ كَافِرٌ، يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ، وَإِنَّ رَأْسَهُ مِنْ وَرَائِهِ كَأَنَّهُ أَصَلَةٌ - أَيْ حَيَّةٌ - لَعَلَّهُ طَوِيلُ الرَّأْسِ.
وَقَالَ حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ: دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا النَّاسُ قَدْ تَكَابُّوا عَلَى رَجُلٍ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ بَعْدِيَ الْكَذَّابَ الْمُضِلَّ، وَإِنَّ رَأْسَهُ مِنْ

وَرَائِهِ حُبُكٌ حُبُكٌ ". وَقَدْ تَقَدَّمَ لَهُ شَاهِدٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَمَعْنَى حُبُكٍ أَيْ: جَعْدٌ خَشِنٌ، كَقَوْلِهِ: وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ [ الذَّارِيَاتِ: 7 ].
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ وَأَبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، الْمَعْنَى، عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَرَجْتُ إِلَيْكُمْ، وَقَدْ بُيِّنَتْ لِي لَيْلَةُ الْقَدْرِ، وَمَسِيحُ الضَّلَالَةِ. فَكَانَ تَلَاحٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ بِسُدَّةِ الْمَسْجِدِ، فَأَتَيْتُهُمَا; لِأَحْجِزَ بَيْنَهُمَا، فَأَنْسَيْتُهُمَا، وَسَأَشْدُو لَكُمْ مِنْهُمَا شَدْوًا، أَمَّا لَيْلَةُ الْقَدْرِ فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ وَتْرًا، وَأَمَّا مَسِيحُ الضَّلَالَةِ، فَإِنَّهُ أَعْوَرُ الْعَيْنِ، أَجْلَى الْجَبْهَةِ، عَرِيضُ النَّحْرِ، فِيهِ دُفًا، كَأَنَّهُ قَطَنُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى ". قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ يَضُرُّنِي شَبَهُهُ؟ قَالَ: " لَا. أَنْتَ امْرُؤٌ مُسْلِمٌ، وَهُوَ امْرُؤٌ كَافِرٌ ". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ; وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ.
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو شُعَيْبٍ الْحَرَّانِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى ( ح )، وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَنْبَسَةَ قَالَا: حَدَّثَنَا

سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الثَّقَفِيُّ، حَدَّثَنَا حَلَّامُ بْنُ صَالِحٍ، أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ شِهَابٍ الْعَبْسِيُّ قَالَ: نَزَلَ عَلَيَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَغْنَمٍ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَدَّثَنِي عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " الدَّجَّالُ لَيْسَ بِهِ خَفَاءٌ، إِنَّهُ يَجِيءُ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ، فَيَدْعُو إِلَى حَقٍّ، فَيُتَّبَعُ، وَيَنْتَصِبُ لِلنَّاسِ فَيُقَاتِلُهُمْ، فَيَظْهَرُ عَلَيْهِمْ، فَلَا يَزَالُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يَقْدَمَ الْكُوفَةَ، فَيُظْهِرُ دِينَ اللَّهِ، وَيَعْمَلُ بِهِ، فَيُتَّبَعُ وَيُحَبُّ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ: إِنِّي نَبِيٌّ. فَيَفْزَعُ مِنْ ذَلِكَ كُلُّ ذِي لُبٍّ وَيُفَارِقُهُ، فَيَمْكُثُ بَعْدَ ذَلِكَ، حَتَّى يَقُولَ: أَنَا اللَّهُ. فَتَعْمَشُ عَيْنُهُ، وَتُقْطَعُ أُذُنُهُ، وَيُكْتَبُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ، فَلَا يَخْفَى عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، فَيُفَارِقُهُ كُلُّ أَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ، وَيَكُونُ أَصْحَابُهُ وَجُنُودُهُ الْمَجُوسَ وَالْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، وَهَذِهِ الْأَعَاجِمَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، ثُمَّ يَدْعُو بِرَجُلٍ فِيمَا يَرَوْنَ، فَيُؤْمَرُ بِهِ فَيُقْتَلُ، ثُمَّ يُقَطِّعُ أَعْضَاءَهُ، كُلَّ عُضْوٍ عَلَى حِدَةٍ، فَيُفَرِّقُ بَيْنَهَا حَتَّى يَرَاهُ النَّاسُ، ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَهَا، ثُمَّ يَضْرِبُهُ بِعَصَاهُ، فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ، فَيَقُولُ: أَنَا اللَّهُ، أُحْيِي وَأُمِيتُ، وَذَلِكَ كُلُّهُ سِحْرٌ يَسْحَرُ بِهِ أَعْيُنَ النَّاسِ، لَيْسَ يَصْنَعُ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ".
قَالَ شَيْخُنَا الذَّهَبِيُّ: وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ مُوسَى خَتٌّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الثَّقَفِيِّ، وَهُوَ وَاهٍ، وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ فِي الدَّجَّالِ: هُوَ صَافِي بْنُ صَائِدٍ، يَخْرُجُ مِنْ يَهُودِيَّةِ أَصْبَهَانَ عَلَى حِمَارٍ أَبْتَرَ، مَا بَيْنَ

أُذُنَيْهِ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا، وَمَا بَيْنَ حَافِرِهِ إِلَى الْحَافِرِ الْآخَرِ أَرْبَعُ لَيَالٍ، يَتَنَاوَلُ السَّمَاءَ بِيَدِهِ، أَمَامَهُ جَبَلٌ مِنْ دُخَانٍ، وَخَلْفَهُ جَبَلٌ آخَرُ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ، يَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى، أَتْبَاعُهُ أَصْحَابُ الرِّبَا وَأَوْلَادُ الزِّنَا. رَوَاهُ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِي فِي كِتَابِ " أَخْبَارِ الدَّجَّالِ "، وَلَا يَصِحُّ إِسْنَادُهُ.

خَبَرٌ عَجِيبٌ، وَنَبَأٌ غَرِيبٌ
قَالَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ فِي " كِتَابِ الْفِتَنِ ": حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " بَيْنَ أُذُنَيْ حِمَارِ الدَّجَّالِ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا، وَخُطْوَةُ حِمَارِهِ مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، يَخُوضُ الْبَحْرَ كَمَا يَخُوضُ أَحَدُكُمُ السَّاقِيَةَ، وَيَقُولُ: أَنَا رَبُّ الْعَالَمِينَ، وَهَذِهِ الشَّمْسُ تَجْرِي بِإِذْنِي، أَفَتُرِيدُونَ أَنْ أَحْبِسَهَا؟ فَتُحْبَسُ الشَّمْسُ، حَتَّى يُجْعَلَ الْيَوْمُ كَالشَّهْرِ وَالْجُمُعَةِ، وَيَقُولُ: أَتُرِيدُونَ أَنْ أُسَيِّرَهَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ. فَيُجْعَلُ الْيَوْمُ كَالسَّاعَةِ، وَتَأْتِيهِ الْمَرْأَةُ فَتَقُولُ: يَا رَبِّ; أَحْيِ لِي ابْنِي، وَأَحْيِ لِي زَوْجِي. حَتَّى إِنَّهَا تُعَايِنُ شَيَاطِينَ عَلَى صُوَرِهِمْ،. وَبُيُوتُهُمْ مَمْلُوءَةٌ شَيَاطِينَ، وَيَأْتِيهِ الْأَعْرَابُ فَتَقُولُ: يَا رَبَّنَا، أَحْيِ لَنَا إِبِلَنَا وَغَنَمَنَا. فَيُعْطِيهِمْ شَيَاطِينَ أَمْثَالَ إِبِلِهِمْ وَغَنَمِهِمْ، سَوَاءً بِالسِّنِّ وَالسِّمَةِ، فَيَقُولُونَ: لَوْ لَمْ يَكُنْ هَذَا رَبَّنَا لَمْ يُحْيِ لَنَا مَوْتَانَا. وَمَعَهُ جَبَلٌ مِنْ مَرَقٍ وَعُرَاقِ

اللَّحْمِ، حَارٌّ لَا يَبْرَدُ، وَنَهْرٌ جَارٍ، وَجَبَلٌ مِنْ جِنَانٍ وَخُضْرَةٍ، وَجَبَلٌ مِنْ نَارٍ وَدُخَانٍ، يَقُولُ: هَذِهِ جَنَّتِي وَهَذِهِ نَارِي، وَهَذَا طَعَامِي وَهَذَا شَرَابِي. وَالْيَسَعُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، مَعَهُ يُنْذِرُ النَّاسَ مِنْهُ; يَقُولُ: هَذَا الْمَسِيحُ الْكَذَّابُ فَاحْذَرُوهُ، لَعَنَهُ اللَّهُ. وَيُعْطِيهِ اللَّهُ مِنَ السُّرْعَةِ وَالْخِفَّةِ مَا لَا يَلْحَقُهُ الدَّجَّالُ، فَإِذَا قَالَ: أَنَا رَبُّ الْعَالَمِينَ. قَالَ لَهُ النَّاسُ: كَذَبْتَ. وَيَقُولُ الْيَسَعُ: صَدَقَ النَّاسُ. فَيَمُرُّ بِمَكَّةَ، فَإِذَا هُوَ بِخَلْقٍ عَظِيمٍ، فَيَقُولُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَيَقُولُ: أَنَا مِيكَائِيلُ، بَعَثَنِي اللَّهُ أَنْ أَمْنَعَهُ مِنْ حَرَمِهِ. وَيَمُرُّ بِالْمَدِينَةِ، فَإِذَا هُوَ بِخَلْقٍ عَظِيمٍ، فَيَقُولُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَيَقُولُ: أَنَا جِبْرِيلُ، بَعَثَنِي اللَّهُ لِأَمْنَعهُ مِنْ حَرَمِ رَسُولِهِ. فَيَمُرُّ الدَّجَّالُ بِمَكَّةَ، فَإِذَا رَأَى مِيكَائِيلَ وَلَّى هَارِبًا، فَيَصِيحُ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ مِنْ مَكَّةَ مُنَافِقُوهَا، وَمِنَ الْمَدِينَةِ كَذَلِكَ. وَيَأْتِي النَّذِيرُ إِلَى الَّذِينَ فَتَحُوا الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ، وَمَنْ تَأْلَّفَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ أَنَّ الدَّجَّالَ قَدْ خَرَجَ وَخَلَفَكُمْ فِي ذَرَارِيِّكُمْ ". قَالَ: " فَيَتَنَاوَلُ الدَّجَّالُ ذَلِكَ، فَيَقُولُ: هَذَا الَّذِي يَزْعُمُ أَنِّي لَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَاقْتُلُوهُ. فَيُنْشَرُ فَيَقُولُ: أَنَا أُحْيِيهِ، قُمْ. فَيَأْذَنُ اللَّهُ بِإِحْيَائِهِ، وَلَا يَأْذَنُ بِإِحْيَاءِ نَفْسٍ غَيْرِهَا، فَيَقُولُ: أَلَيْسَ قَدْ أَمَتُّكَ ثُمَّ أَحْيَيْتُكَ؟ فَيَقُولُ: الْآنَ قَدِ ازْدَدْتُ فِيكَ يَقِينًا; بَشَّرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّكَ تَقْتُلُنِي، ثُمَّ أَحْيَا بِإِذْنِ اللَّهِ لَا بِإِذْنِكَ. فَيُوضَعُ عَلَى جِلْدِهِ صَفَائِحُ مِنْ نُحَاسٍ، فَلَا يُحِيكُ فِيهِ سِلَاحُهُمْ، فَيَقُولُ: اطْرَحُوهُ فِي نَارِي. فَيُحَوِّلُ اللَّهُ ذَلِكَ الْجَبَلَ عَلَى النَّذِيرِ جِنَانًا، فَيَشُكُّ النَّاسُ فِيهِ، وَيُبَادِرُ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَإِذَا صَعِدَ عَلَى عَقَبَةِ أَفِيقَ

وَقَعَ ظِلُّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَيُوَتِّرُونَ قِسِيَّهُمْ لِقِتَالِهِ، فَأَقْوَاهُمْ مَنْ يُوَتِّرُ وَهُوَ بَارِكٌ، أَوْ جَالِسٌ مِنَ الْجُوعِ وَالضَّعْفِ، وَيَسْمَعُونَ النِّدَاءَ: جَاءَكُمُ الْغَوْثُ. فَيَقُولُونَ: هَذَا كَلَامُ رَجُلٍ شَبْعَانَ. وَتُشْرِقُ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا، وَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، وَيَقُولُ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، احْمَدُوا رَبَّكُمْ وَسَبِّحُوهُ. فَيَفْعَلُونَ، وَيُرِيدُونَ الْفِرَارَ، فَيُضَيِّقُ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْأَرْضَ، فَإِذَا أَتَوْا بَابَ لُدٍّ فِي نِصْفِ سَاعَةٍ، فَيُوَافُونَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَإِذَا نَظَرَ الدَّجَّالُ إِلَى عِيسَى قَالَ: أَقِمِ الصَّلَاةَ. فَيَقُولُ الدَّجَّالُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، قَدْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ. فَيَقُولُ عِيسَى: يَا عَدُوَّ اللَّهِ، زَعَمْتَ أَنَّكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، فَلِمَنْ تُصَلِّي؟ فَيَضْرِبُهُ بِمِقْرَعَةٍ فِي يَدِهِ فَيَقْتُلُهُ، فَلَا يَبْقَى أَحَدٌ مِنْ أَنْصَارِهِ خَلْفَ شَيْءٍ إِلَّا نَادَى: يَا مُؤْمِنُ، هَذَا دَجَّالٌ فَاقْتُلْهُ. إِلَى أَنْ قَالَ: فَتَمَتَّعُوا أَرْبَعِينَ سَنَةً، لَا يَمُوتُ أَحَدٌ، وَلَا يَمْرَضُ أَحَدٌ، وَيَقُولُ الرَّجُلُ لِغَنَمِهِ وَدَوَابِّهِ: اذْهَبُوا فَارْعَوْا. وَتَمُرُّ الْمَاشِيَةُ بَيْنَ الزَّرْعَيْنِ لَا تَأْكُلُ مِنْهُ سُنْبُلَةً، وَالْحَيَّاتُ وَالْعَقَارِبُ لَا تُؤْذِي أَحَدًا، وَالسَّبُعُ عَلَى أَبْوَابِ الدُّورِ لَا يُؤْذِي أَحَدًا، وَيَأْخُذُ الرَّجُلُ الْمُدَّ مِنَ الْقَمْحِ، فَيَبْذُرُهُ بِلَا حِرَاثٍ، فَيَجِيءُ مِنْهُ سَبْعُمِائَةِ مُدٍّ، فَيَمْكُثُونَ فِي ذَلِكَ كَذَلِكَ حَتَّى يُكْسَرَ سَدُّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، فَيَخْرُجُونَ وَيُفْسِدُونَ مَا عَلَى الْأَرْضِ، فَيَسْتَغِيثُ النَّاسُ، فَلَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ، وَأَهْلُ طُورِ سَيْنَاءَ هَمُ الَّذِينَ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ فَيَدْعُونَ، فَيَبْعَثُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ ذَاتَ قَوَائِمَ، فَتَدْخُلُ فِي آذَانِهِمْ، فَيُصْبِحُونَ مَوْتَى أَجْمَعُونَ، وَتُنْتِنُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ، فَيُؤْذُونَ النَّاسَ بِنَتَنِهِمْ أَشَدَّ مِنْ حَيَاتِهِمْ، فَيَسْتَغِيثُونَ بِاللَّهِ تَعَالَى، فَيَبْعَثُ اللَّهُ رِيحًا يَمَانِيَّةً غَبْرَاءَ، فَتَصِيرُ عَلَى النَّاسِ غَمًّا وَدُخَانًا، وَتَقَعُ عَلَيْهِمُ

الزُّكْمَةُ، وَيُكْشَفُ مَا بِهِمْ بَعْدَ ثَلَاثٍ، وَقَدْ قُذِفَتْ جِيَفُهُمْ فِي الْبَحْرِ، وَلَا يَلْبَثُونَ إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَجَفَّتِ الْأَقْلَامُ، وَطُوِيَتِ الصُّحُفُ، وَلَا يُقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ تَوْبَةٌ، وَيَخِرُّ إِبْلِيسُ سَاجِدًا يُنَادِي: إِلَهِي، مُرْنِي أَنْ أَسْجُدَ لِمَنْ شِئْتَ. وَيَجْتَمِعُ إِلَيْهِ الشَّيَاطِينُ، تَقُولُ: يَا سَيِّدَنَا، إِلَى مَنْ تَفْزَعُ؟ فَيَقُولُ: سَأَلْتُ رَبِّي أَنْ يُنْظِرَنِي إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ، وَقَدْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَهَذَا الْوَقْتُ الْمَعْلُومُ. وَتَصِيرُ الشَّيَاطِينُ ظَاهِرَةً فِي الْأَرْضِ، حَتَّى يَقُولَ الرَّجُلُ: هَذَا قَرِينِي الَّذِي كَانَ يُغْوِينِي، فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَخْزَاهُ. وَلَا يَزَالُ إِبْلِيسُ سَاجِدًا بَاكِيًا، حَتَّى تَخْرُجَ الدَّابَّةُ فَتَقْتُلُهُ وَهُوَ سَاجِدٌ، وَيَتَمَتَّعُ الْمُؤْمِنُونَ بَعْدَ ذَلِكَ أَرْبَعِينَ سَنَةً، لَا يَتَمَنَّوْنَ شَيْئًا إِلَّا أُعْطُوهُ، وَبَرَزَ الْمُؤْمِنُونَ، لَا يَمُوتُ مُؤْمِنٌ حَتَّى تَتِمَّ أَرْبَعُونَ سَنَةً بَعْدَ الدَّابَّةِ، ثُمَّ يَعُودُ فِيهِمُ الْمَوْتُ وَيُسْرِعُ، فَلَا يَبْقَى مُؤْمِنٌ، وَيَقُولُ الْكَافِرُ: قَدْ كُنَّا مَرْعُوبِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَلَيْسَ يُقْبَلُ مِنَّا تَوْبَةٌ. فَيَتَهَارَجُونَ فِي الطُّرُقِ كَالْبَهَائِمِ، حَتَّى يَنْكِحَ الرَّجُلُ أُمَّهُ فِي وَسَطِ الطَّرِيقِ، يَقُومُ وَاحِدٌ عَنْهَا، وَيَنْزِلُ عَلَيْهَا آخَرُ، وَأَفْضَلُهُمْ مَنْ يَقُولُ: لَوْ تَنَحَّيْتُمْ عَنِ الطَّرِيقِ كَانَ أَحْسَنَ. فَيَكُونُونَ عَلَى ذَلِكَ، حَتَّى لَا يُوَلَدَ أَحَدٌ مِنْ نِكَاحٍ، ثُمَّ يُعْقِمُ اللَّهُ النِّسَاءَ ثَلَاثِينَ سَنَةً، إِلَّا الزَّوَانِيَ وَالزَّانِيَاتِ فَإِنَّهُنَّ يَحْبَلْنَ، وَيَلِدْنَ مِنَ الزِّنَى، وَيَكُونُونَ كُلُّهُمْ أَوْلَادَ زِنًى، شِرَارَ النَّاسِ، فَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ ". كَذَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاتِمٍ الْمُرَادِيِّ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ، فَذَكَرَهُ.
قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ: وَهَذَا الْحَدِيثُ شِبْهُ مَوْضُوعٍ، وَأَبُو عُمَرَ مَجْهُولٌ، وَعَبْدُ الْوَهَّابِ كَذَلِكَ، وَشَيْخُهُ يُقَالُ لَهُ: الْبُنَانِيُّ. وَقَدْ أَنْبَأَنِي شَيْخُنَا الذَّهَبِيُّ إِجَازَةً - إِنْ لَمْ يَكُنْ سَمَاعًا - أَنْبَأَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ الْيُونِينِيُّ، أَنْبَأَنَا الْبَهَاءُ

عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حُضُورًا، أَنْبَأَنَا عَتِيقُ بْنُ صِيلَا، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عُلْوَانَ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ دُوسْتَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ النَّجَّادُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ التَّبُوذَكِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الدَّجَّالُ يَتَنَاوَلُ السَّحَابَ، وَيَخُوضُ الْبَحْرَ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَيَسْبِقُ الشَّمْسَ إِلَى مَغْرِبِهَا، وَتَسِيرُ مَعَهُ الْآكَامُ طَعَامًا، وَفِي جَبْهَتِهِ قَرْنٌ مَكْسُورُ الطَّرْفِ، يَخْرُجُ مِنْهُ الْحَيَّاتُ، وَقَدْ صُوِّرَ فِي جَسَدِهِ السِّلَاحُ كُلُّهُ، حَتَّى الرُّمْحُ وَالسَّيْفُ وَالدَّرَقُ ". قُلْتُ لِلْحَسَنِ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، مَا الدَّرَقُ؟ قَالَ: التُّرْسُ. ثُمَّ قَالَ شَيْخُنَا: هَذَا مِنْ مَرَاسِيلِ الْحَسَنِ، وَهِيَ ضَعِيفَةٌ.
وَقَالَ ابْنُ مَنْدَهْ فِي " كِتَابِ الْإِيمَانِ ": حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْمَدِينِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ سَعْدُوَيْهِ، حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَا أَعْلَمُ بِمَا مَعَ الدَّجَّالِ مِنْهُ، مَعَهُ نَهْرَانِ، أَحَدُهُمَا نَارٌ تَأَجَّجُ فِي عَيْنِ مَنْ يَرَاهُ، وَالْآخَرُ مَاءٌ أَبْيَضُ، فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيُغْمِضْ عَيْنَيْهِ، وَلِيَشْرَبْ مِنَ الَّذِي يَرَاهُ نَارًا; فَإِنَّهُ مَاءٌ بَارِدٌ، وَإِيَّاكُمْ وَالْآخَرَ، فَإِنَّهُ فِتْنَةٌ، وَاعْلَمُوا أَنَّهُ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ: كَافِرٌ، يَقْرَؤُهُ مَنْ كَتَبَ، وَمَنْ لَمْ يَكْتُبْ، وَأَنَّ إِحْدَى عَيْنَيْهِ مَمْسُوحَةٌ، عَلَيْهَا ظَفَرَةٌ، وَأَنَّهُ يَطْلُعُ مِنْ آخِرِ عُمُرِهِ عَلَى بَطْنِ الْأُرْدُنِّ عَلَى ثَنِيَّةِ فِيقَ، وَكُلُّ أَحَدٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ بِبَطْنِ الْأُرْدُنِّ، وَأَنَّهُ يَقْتُلُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ثُلُثًا، وَيَهْزِمُ ثُلُثًا، وَيَبْقَى ثُلُثٌ، فَيَحْجِزُ بَيْنَهُمُ اللَّيْلَ، فَيَقُولُ بَعْضُ الْمُؤْمِنِينَ لِبَعْضٍ: مَا تَنْتَظِرُونَ أَنْ

تَلْحَقُوا بِإِخْوَانِكُمْ فِي مَرْضَاةِ رَبِّكُمْ؟ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ فَضْلُ طَعَامٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى أَخِيهِ، وَصَلُّوا حَتَّى يَنْفَجِرَ الْفَجْرُ، وَعَجِّلُوا الصَّلَاةَ، ثُمَّ أَقْبِلُوا عَلَى عَدُوِّكُمْ، فَلَمَّا قَامُوا يُصَلُّونَ، نَزَلَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَإِمَامُهُمْ يُصَلِّي بِهِمْ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: هَكَذَا فَرِّجُوا بَيْنِي وَبَيْنَ عَدُوِّ اللَّهِ. فَيَذُوبُ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ، فَيُسَلِّطُ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْمُسْلِمِينَ فَيَقْتُلُونَهُمْ، حَتَّى إِنَّ الْحَجَرَ وَالشَّجَرَ لَيُنَادِي: يَا عَبْدَ اللَّهِ، يَا مُسْلِمُ، هَذَا يَهُودِيٌّ فَاقْتُلْهُ. فَيُعِينُهُمُ اللَّهُ، وَيَظْهَرُ الْمُسْلِمُونَ، فَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ أَخْرَجَ اللَّهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، فَيَشْرَبُ أَوَّلُهُمُ الْبُحَيْرَةَ، وَيَجِيءُ آخِرُهُمْ، وَقَدِ انْتَشَفُوا، فَمَا يَدَعُونَ فِيهَا قَطْرَةً، فَيَقُولُونَ: كَانَ هَاهُنَا أَثَرُ مَاءٍ مَرَّةً. وَنَبِيُّ اللَّهِ وَأَصْحَابُهُ وَرَاءَهُمْ حَتَّى يَدْخُلُوا مَدِينَةً مِنْ مَدَائِنِ فِلَسْطِينَ، يُقَالُ لَهَا: بَابُ لُدٍّ. فَيَقُولُونَ: ظَهَرْنَا عَلَى مَنْ فِي الْأَرْضِ، فَتَعَالَوْا نُقَاتِلُ مَنْ فِي السَّمَاءِ. فَيَدْعُو اللَّهَ نَبِيُّهُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، عِنْدَ ذَلِكَ، فَيَبْعَثُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قُرْحَةً فِي حُلُوقِهِمْ، فَلَا يَبْقَى مِنْهُمْ بَشَرٌ، وَتُؤْذِي رَيحُهُمُ الْمُسْلِمِينَ، فَيَدْعُو عِيسَى عَلَيْهِمْ، فَيُرْسِلُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ رِيحًا تَقْذِفُهُمْ فِي الْبَحْرِ أَجْمَعِينَ ". قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الذَّهَبِيُّ: هَذَا إِسْنَادٌ صَالِحٌ. قُلْتُ: وَفِيهِ سِيَاقٌ غَرِيبٌ، وَأَشْيَاءُ مُنْكَرَةٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ شَيْخٍ مِنْ أَهْلِ دِمَشْقَ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَذَا الْأَثَرُ فِي قُرَيْشٍ يَلِيهِ بَرُّهُمْ بِبَرِّهِمْ، وَفَاجِرُهُمْ بِفَاجِرِهِمْ، حَتَّى يَدْفَعُوهُ إِلَى عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ". وَفِي لَفْظٍ: " بَرُّهُمْ بِبِرِّهِ، وَفَاجِرُهُمْ بِفُجُورِهِ ". قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: وَهُوَ الْأَصَحُّ.

ذِكْرُ نُزُولِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مِنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا إِلَى الْأَرْضِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ
قَالَ تَعَالَى: وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا [ النِّسَاءِ: 157 - 159 ].
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ. قَالَ: قَبْلَ مَوْتِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ. وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ، وَكَذَا رَوَى الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَقَالَ أَبُو مَالِكٍ: وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ. ذَلِكَ عِنْدَ نُزُولِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، لَا يَبْقَى أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا آمَنَ بِهِ. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ. قَالَ: قَبْلَ مَوْتِ عِيسَى، وَاللَّهِ إِنَّهُ الْآنَ حَيٌّ عِنْدَ اللَّهِ، وَلَكِنْ إِذَا نَزَلَ آمَنُوا بِهِ أَجْمَعُونَ. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ.

وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ الْحَسَنَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ. فَقَالَ: قَبْلَ مَوْتِ عِيسَى، إِنَّ اللَّهَ رَفَعَ عِيسَى إِلَيْهِ، وَهُوَ بَاعِثُهُ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَقَامًا يُؤْمِنُ بِهِ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ. وَهَكَذَا قَالَ قَتَادَةُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ، وَهُوَ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، كَمَا سَيَأْتِي مَوْقُوفًا، وَفِي رِوَايَةٍ مَرْفُوعًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَهَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنَ السِّيَاقِ الْإِخْبَارُ بِحَيَاتِهِ الْآنَ فِي السَّمَاءِ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا يَزْعُمُهُ أَهْلُ الْكِتَابِ الْجَهَلَةُ أَنَّهُمْ صَلَبُوهُ بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ الْمُتَوَاتِرَةُ كَمَا سَبَقَ فِي أَحَادِيثِ الدَّجَّالِ، وَكَمَا سَيَأْتِي أَيْضًا، وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ: قَبْلَ مَوْتِهِ عَائِدٌ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ، أَيْ يُؤْمِنُ بِعِيسَى قَبْلَ الْمَوْتِ، وَذَلِكَ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ مُخَالِفًا لِلْأَوَّلِ، وَلَكِنَّ الصَّحِيحَ فِي الْمَعْنَى وَالْإِسْنَادِ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ فِي كِتَابِنَا " التَّفْسِيرِ " بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.

ذِكْرُ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ
قَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ عِنْدَ مُسْلِمٍأَنَّ عِيسَى يَنْزِلُ عَلَى الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ. وَفِي غَيْرِ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ:أَنَّهُ يَنْزِلُ عَلَى الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ الشَّرْقِيَّةِ بِدِمَشْقَ. وَهَذَا أَشْبَهُ، فَإِنَّ فِي سِيَاقِ الْحَدِيثِ فَيَنْزِلُ وَقَدْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ لِلصُّبْحِ فَيَقُولُ لَهُ إِمَامُ الْمُسْلِمِينَ: تَقَدَّمْ يَا رُوحَ اللَّهِ. فَيَقُولُ: لَا، إِنَّهَا إِنَّمَا أُقِيمَتْ لَكَ " فَفِيهِ مِنَ الدَّلَالَةِ الظَّاهِرَةِ أَنَّهُ يَنْزِلُ عَلَى مَنَارَةِ الْمَعْبَدِ الْأَعْظَمِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ إِمَامُ الْمُسْلِمِينَ إِذْ ذَاكَ، وَإِمَامُ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ هُوَ الْمَهْدِيُّ فِيمَا قِيلَ، وَهُوَ جَامِعُ دِمَشْقَ الْأَكْبَرُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّهُ يَنْزِلُ فِي غَيْرِ دِمَشْقَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَحْفُوظٍ.
وَكَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي سَاقَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي " تَارِيخِهِ " مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَائِذٍ، ثَنَا الْوَلِيدُ، ثَنَا مَنْ سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ رَبِيعَةَ، يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَيُّوبَ بْنِ نَافِعِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ جَدِّهِ نَافِعِ بْنِ كَيْسَانَ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عِنْدَ بَابِ دِمَشْقَ - قَالَ نَافِعٌ: وَلَا أَدْرِي أَيَّ بَابِهَا يُرِيدُ - عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ لِسِتِّ سَاعَاتٍ مِنَ النَّهَارِ فِي ثَوْبَيْنِ مُمَشَّقَيْنِ، كَأَنَّمَا يَتَحَدَّرُ مَنْ رَأْسِهِ اللُّؤْلُؤُ ". فَفِيهِ مُبْهَمٌ لَمْ يُسَمَّ، وَهُوَ مُنْكَرٌ; إِذْ هُوَ مُخَالِفٌ لِمَا ثَبَتَ فِي الصِّحَاحِ مِنْ أَنَّ نُزُولَهُ وَقْتَ السَّحَرِ عِنْدَ إِضَاءَةِ الْفَجْرِ وَقَدْ

أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ مُسْلِمٌ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ سَالِمٍ، سَمِعْتُ يَعْقُوبَ بْنَ عَاصِمِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيَّ يَقُولُ:سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو وَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: مَا هَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي تُحَدِّثُ بِهِ؟ تَقُولُ: إِنَّ السَّاعَةَ تَقُومُ إِلَى كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ - أَوْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهُمَا - لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ لَا أُحَدِّثَ أَحَدًا شَيْئًا أَبَدًا، إِنَّمَا قُلْتُ: إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدَ قَلِيلٍ أَمْرًا عَظِيمًا; يُحَرَّقُ الْبَيْتُ، وَيَكُونُ وَيَكُونُ. ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَخْرُجُ الدَّجَّالُ فِي أُمَّتِي، فَيَمْكُثُ أَرْبَعِينَ - لَا أَدْرِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا، أَوْ أَرْبَعِينَ شَهْرًا، أَوْ أَرْبَعِينَ عَامًا - فَيَبْعَثُ اللَّهُ تَعَالَى عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ كَأَنَّهُ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ، فَيَطْلُبُهُ فَيُهْلِكُهُ، ثُمَّ يَمْكُثُ النَّاسُ سَبْعَ سِنِينَ، لَيْسَ بَيْنَ اثْنَيْنِ عَدَاوَةٌ، ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ رِيحًا بَارِدَةً مِنْ قِبَلِ الشَّامِ، فَلَا يَبْقَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ أَوْ إِيمَانٍ إِلَّا قَبَضَتْهُ، حَتَّى لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ دَخَلَ فِي كَبَدِ جَبَلٍ لَدَخَلَتْهُ عَلَيْهِ، حَتَّى تَقْبِضَهُ ". قَالَ: سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: " فَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ فِي خِفَّةِ الطَّيْرِ، وَأَحْلَامِ السِّبَاعِ، لَا يَعْرِفُونَ مَعْرُوفًا، وَلَا يُنْكِرُونَ مُنْكَرًا، فَيَتَمَثَّلُ لَهُمُ الشَّيْطَانُ فَيَقُولُ: أَلَّا تَسْتَجِيبُونَ؟ فَيَقُولُونَ: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ فَيَأْمُرُهُمْ بِعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، وَهُمْ فِي ذَلِكَ دَارٌّ رِزْقُهُمْ، حَسَنٌ عَيْشُهُمْ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ، فَلَا يَسْمَعُهُ أَحَدٌ إِلَّا أَصْغَى لِيتًا وَرَفَعَ لِيتًا ". قَالَ: " وَأَوَّلُ مَنْ

يَسْمَعُهُ رَجُلٌ يَلُوطُ حَوْضَ إِبِلِهِ ". قَالَ: " فَيُصْعَقُ، وَيُصْعَقُ النَّاسُ، ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ - أَوْ قَالَ: " يُنْزِلُ اللَّهُ " - مَطَرًا، كَأَنَّهُ الطَّلُّ - أَوِ الظِّلُّ، نُعْمَانُ الشَّاكُّ - فَتَنْبُتُ مِنْهُ أَجْسَادُ النَّاسِ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ أُخْرَى، فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ، ثُمَّ يُقَالُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، هَلُمُّوا إِلَى رَبِّكُمْ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ [ الصَّافَّاتِ " 24 ] يُقَالُ: أَخْرِجُوا بَعْثَ النَّارِ. فَيُقَالُ: مِنْ كَمْ؟ فَيُقَالُ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ ". قَالَ: " وَذَلِكَ يَوْمٌ يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا، وَيَوْمَ يُكْشَفُ. عَنْ سَاقٍ ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُرَيْجٌ، حَدَّثَنَا فُلَيْجٌ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ فُضَيْلٍ، عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَنْزِلُ ابْنُ مَرْيَمَ إِمَامًا عَادِلًا، وَحَكَمًا مُقْسِطًا، فَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ، وَيَرْجِعُ السِّلْمُ، وَتُتَّخَذُ السُّيُوفُ مَنَاجِلَ، وَتَذْهَبُ حُمَةُ كُلِّ ذَاتِ حُمَةٍ، وَتُنْزِلُ السَّمَاءُ رِزْقَهَا، وَتُخْرِجُ الْأَرْضُ بَرَكَتَهَا، حَتَّى يَلْعَبَ الصَّبِيُّ بِالثُّعْبَانِ وَلَا يَضُرُّهُ، وَيُرَاعِي الْغَنَمَ الذِّئْبُ فَلَا يَضُرُّهَا، وَيُرَاعِي الْأَسَدُ الْبَقَرَ فَلَا يَضُرُّهَا ". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ قَوِيٌّ صَالِحٌ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ،

حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلًا، فَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ، وَيَفِيضُ الْمَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ، حَتَّى تَكُونَ السَّجْدَةُ خَيْرًا مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ". ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا [ النِّسَاءِ: 159 ].
وَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَسَنٍ الْحُلْوَانِيِّ، وَعَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، كِلَاهُمَا عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بِهِ، وَأَخْرَجَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهِ.
وَرَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدُوَيْهِ، مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلًا، يَقْتُلُ الدَّجَّالَ، وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ، وَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ، وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ، وَيَفِيضُ الْمَالُ، وَتَكُونُ السَّجْدَةُ وَاحِدَةً لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ". قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ. مَوْتِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، ثُمَّ يُعِيدُهَا أَبُو هُرَيْرَةَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، وَهُوَ ابْنُ حُسَيْنٍ، عَنِ

الزُّهْرِيِّ، عَنْ حَنْظَلَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، فَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ، وَيَمْحُو الصَّلِيبَ، وَتُجْمَعُ لَهُ الصَّلَاةُ، وَيُعْطِي الْمَالَ حَتَّى لَا يُقْبَلَ، وَيَضَعَ الْخَرَاجَ، وَيَنْزِلَ الرَّوْحَاءَ، فَيَحُجُّ مِنْهَا أَوْ يَعْتَمِرُ، أَوْ يَجْمَعُهُمَا ". قَالَ: وَتَلَا أَبُو هُرَيْرَةَ: وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا. فَزَعَمَ حَنْظَلَةُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: يُؤْمِنُ بِهِ قَبْلَ مَوْتِ عِيسَى. فَلَا أَدْرِي، هَذَا كُلُّهُ حَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ شَيْءٌ قَالَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ؟.
وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ، مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حَنْظَلَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لِيُهِلَّنَّ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، مِنْ فَجِّ الرَّوْحَاءِ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، أَوْ لَيُثَنِّيَنَّهُمَا جَمِيعًا ".
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا نَزَلَ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ؟ " ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: تَابَعَهُ عُقَيْلٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ.
وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ،

عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، كِلَاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهِ.
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ يُونُسَ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، أَخْبَرَنَا قَتَادَةُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَهُوَ ابْنُ آدَمَ مَوْلَى أُمِّ بُرْثُنٍ صَاحِبِ السِّقَايَةِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعِلَّاتٍ، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى، وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ، وَإِنِّي أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ; لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ نَازِلٌ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَاعْرِفُوهُ، رَجُلٌ مَرْبُوعٌ إِلَى الْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ، عَلَيْهِ ثَوْبَانِ مُمَصَّرَانِ، كَأَنَّ رَأْسَهُ يَقْطُرُ وَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ بَلَلٌ، فَيَدُقُّ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ، وَيَدْعُو النَّاسُ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَيُهْلِكُ اللَّهُ فِي زَمَانِهِ الْأُمَمَ كُلَّهَا إِلَّا الْإِسْلَامَ، وَيُهْلِكُ اللَّهُ فِي زَمَانِهِ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ، ثُمَّ تَقَعُ الْأَمَنَةُ عَلَى الْأَرْضِ، حَتَّى تَرْتَعَ الْأُسُودُ مَعَ الْإِبِلِ، وَالنِّمَارُ مَعَ الْبَقَرِ، وَالذِّئَابُ مَعَ الْغَنَمِ، وَيَلْعَبَ الصِّبْيَانُ بِالْحَيَّاتِ، لَا تَضُرُّهُمْ، فَيَمْكُثُ أَرْبَعِينَ سَنَةً ثُمَّ يُتَوَفَّى، وَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ ". وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ هُدْبَةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ قَتَادَةَ بِهِ.
وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَلَمْ يُورِدْ عِنْدَ تَفْسِيرِهَا غَيْرَهُ، عَنْ بِشْرِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ بِنَحْوِهِ، وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ قَوِيٌّ.

وَرَوَى الْبُخَارِيُّ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِابْنِ مَرْيَمَ، وَالْأَنْبِيَاءُ أَوْلَادُ عَلَّاتٍ، لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ ". ثُمَّ رَوَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانِ، عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَالْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى، وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ ". ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَهَذِهِ طُرُقٌ مُتَعَدِّدَةٌ كَالْمُتَوَاتِرَةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

حَدِيثٌ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنِ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ جَبَلَةَ بْنِ سُحَيْمٍ، عَنْ مُؤْثِرِ بْنِ عَفَازَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَقِيتُ لَيْلَةَ أُسَرِيَ بِي إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى، عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ". قَالَ: " فَتَذَاكَرُوا أَمْرَ السَّاعَةِ، فَرَدُّوا أَمْرَهُمْ إِلَى إِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ: لَا عِلْمَ لِي بِهَا. فَرَدُّوا أَمْرَهُمْ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: لَا عِلْمَ لِي بِهَا. فَرَدُّوا أَمْرَهُمْ إِلَى عِيسَى، فَقَالَ: أَمَّا وَجْبَتُهَا فَلَا يَعْلَمُ بِهَا أَحَدٌ إِلَّا اللَّهُ، وَلَكِنْ فِيمَا عَهِدَ إِلَيَّ رَبِّي، عَزَّ وَجَلَّ،

أَنَّ الدَّجَّالَ خَارِجٌ، وَمَعِي قَضِيبَانِ، فَإِذَا رَآنِي ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الرَّصَاصُ ". قَالَ: " فَيُهْلِكُهُ اللَّهُ إِذَا رَآنِي، حَتَّى إِنَّ الْحَجَرَ وَالشَّجَرَ لَيَقُولُ: يَا مُسْلِمُ، إِنْ تَحْتِي كَافِرًا، فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ ". قَالَ: " فَيُهْلِكُهُمُ اللَّهُ، ثُمَّ يَرْجِعُ النَّاسُ إِلَى بِلَادِهِمْ وَأَوْطَانِهِمْ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَخْرُجُ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ، فَيَطَئُونَ بِلَادَهُمْ، لَا يَأْتُونَ عَلَى شَيْءٍ إِلَّا أَكَلُوهُ، وَلَا يَمُرُّونَ عَلَى مَاءٍ إِلَّا شَرِبُوهُ ". قَالَ: " ثُمَّ يَرْجِعُ النَّاسُ إِلَيَّ فَيَشْكُونَهُمْ، فَأَدْعُو اللَّهَ عَلَيْهِمْ فَيُهْلِكُهُمُ اللَّهُ وَيُمِيتُهُمْ حَتَّى تَجْوَى الْأَرْضُ مِنْ نَتَنِ رِيحِهِمْ، وَيُنْزِلُ اللَّهُ الْمَطَرَ، فَتَجْرُفُ أَجْسَادَهُمْ حَتَّى يَقْذِفَهُمْ فِي الْبَحْرِ "، فَفِيمَا عَهِدَ إِلَيَّ رَبِّي، عَزَّ وَجَلَّ، أَنَّ ذَلِكَ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ السَّاعَةَ كَالْحَامِلِ الْمُتِمِّ الَّتِي لَا يَدْرِي أَهْلُهَا مَتَى تَفْجَؤُهُمْ بِوِلَادَتِهَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا ".
وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، عَنِ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ بِهِ، نَحْوَهُ.

صِفَةُ الْمَسِيحِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ رَسُولِ اللَّهِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ
ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْلَةَ أُسَرِيَ بِي لَقِيتُ مُوسَى - قَالَ: فَنَعَتَهُ - فَإِذَا رَجُلٌ - حَسِبْتُهُ قَالَ -: مُضْطَرِبٌ - أَيْ طَوِيلٌ - رَجِلُ الرَّأْسِ، كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ ". قَالَ: " وَلَقِيتُ عِيسَى ". فَنَعَتَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " رَبْعَةٌ أَحْمَرُ، كَأَنَّمَا خَرَجَ مِنْ دِيمَاسٍ ". يَعْنِي الْحَمَّامَ.
وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رَأَيْتُ عِيسَى، وَمُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ، فَأَمَّا عِيسَى فَأَحْمَرُ جَعْدٌ عَرِيضُ

الصَّدْرِ، وَأَمَّا مُوسَى فَآدَمُ جَسِيمٌ سَبْطٌ، كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ الزُّطِّ ". وَلَهُمَا مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا بَيْنَ ظَهَرَانَيِ النَّاسِ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، أَلَا إِنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُمْنَى، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ، وَأَرَانِي اللَّيْلَةَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ فِي الْمَنَامِ، وَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ كَأَحْسَنِ مَا يُرَى مِنْ أُدْمِ الرِّجَالِ، تَضْرِبُ لِمَّتُهُ بَيْنَ مَنْكِبَيْهِ، رَجِلُ الشَّعْرِ، يَقْطُرُ رَأْسُهُ مَاءً، وَاضِعًا يَدَيْهِ عَلَى مَنْكِبَيْ رَجُلَيْنِ، وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ. فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: هَذَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ. ثُمَّ رَأَيْتُ رَجُلًا وَرَاءَهُ، جَعْدًا قَطَطًا أَعْوَرَ عَيْنِ الْيُمْنَى، كَأَشْبَهِ مَنْ رَأَيْتُ بِابْنِ قَطَنٍ، وَاضِعًا يَدَيْهِ عَلَى مَنْكِبَيْ رَجُلٍ، يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: " الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ ". تَابَعَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ.
ثُمَّ رَوَى الْبُخَارِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَكِّيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَا وَاللَّهِ، مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعِيسَى: " أَحْمَرُ ". وَلَكِنْ قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ أَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ، فَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ سَبْطُ الشَّعْرِ، يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ، يَنْظِفُ رَأْسُهُ مَاءً - أَوْ يُهَرَاقُ رَأْسُهُ مَاءً -

فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: ابْنُ مَرْيَمَ. فَذَهَبْتُ أَلْتَفِتُ، فَإِذَا رَجُلٌ أَحْمَرُ جَسِيمٌ، جَعْدُ الرَّأْسِ، أَعْوَرُ عَيْنِهِ الْيُمْنَى، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ. قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا الدَّجَّالُ، وَأَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا ابْنُ قَطَنٍ ". قَالَ الزُّهْرِيُّ: رَجُلٌ مِنْ خُزَاعَةَ هَلَكَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ.
وَتَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ: فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ، شَرْقِيَّ دِمَشْقَ، بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ، وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ، إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ، وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ مِثْلُ جُمَانِ اللُّؤْلُؤِ، وَلَا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلَّا مَاتَ، وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرَفُهُ ".
هَذَا هُوَ الْأَشْهَرُ فِي مَوْضِعِ نُزُولِهِ أَنَّهُ عَلَى الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ الشَّرْقِيَّةِ بِدِمَشْقَ، وَقَدْ رَأَيْتُ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ: أَنَّهُ يَنْزِلُ عَلَى الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ جَامِعِ دِمَشْقَ. فَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الْمَحْفُوظُ، وَتَكُونُ الرِّوَايَةُ: " فَيَنْزِلُ عَلَى الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ الشَّرْقِيَّةِ بِدِمَشْقَ " فَتَصَرَّفَ الرَّاوِي فِي التَّعْبِيرِ بِحَسَبِ مَا فَهِمَ، وَلَيْسَ فِي دِمَشْقَ مَنَارَةٌ تُعْرَفُ بِالشَّرْقِيَّةِ سِوَى الَّتِي إِلَى جَانِبِ الْجَامِعِ الْأُمَوِيِّ بِدِمَشْقَ مِنْ شَرْقِيِّهِ، وَهَذَا هُوَ الْأَنْسَبُ وَالْأَلْيَقُ; لِأَنَّهُ يَنْزِلُ، وَقَدْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَيَقُولُ لَهُ إِمَامُ الْمُسْلِمِينَ: " يَا رُوحَ اللَّهِ تَقَدَّمْ ". فَيَقُولُ: " تَقَدَّمْ أَنْتَ، فَإِنَّهَا إِنَّمَا أُقِيمَتْ لَكَ ". وَفِي رِوَايَةٍ: بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ، تَكْرِمَةُ اللَّهِ هَذِهِ الْأُمَّةَ ".
وَقَدْ جُدِّدَ بِنَاءُ مَنَارَةٍ فِي زَمَانِنَا فِي سَنَةِ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ، مِنْ حِجَارَةٍ بِيضٍ، مِنْ أَمْوَالِ النَّصَارَى الَّذِينَ حَرَقُوا الْمَنَارَةَ الَّتِي كَانَتْ مَكَانَهَا، وَلَعَلَّ هَذَا يَكُونُ مِنْ دَلَائِلَ النُّبُوَّةِ الظَّاهِرَةِ، حَيْثُ قَبَضَ اللَّهُ بِنَاءَ هَذِهِ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ مِنْ أَمْوَالِ

النَّصَارَى، لِيَنْزِلَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهَا، فَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ، وَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَلَا يَقْبَلُ مِنْهُمْ جِزْيَةً، وَمَنْ لَمْ يُسْلِمْ قَتَلَهُ، وَكَذَلِكَ يَكُونُ حُكْمُهُ فِي سَائِرِ كُفَّارِ أَهْلِ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ، فَإِنَّهُ لَا يَبْقَى حُكْمٌ فِي أَهْلِ الْأَرْضِ إِلَّا لَهُ، وَهَذَا مِنْ بَابِ الْإِخْبَارِ عَنِ الْمَسِيحِ بِذَلِكَ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ سَوَّغَ لَهُ ذَلِكَ، وَشَرَعَهُ لَهُ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَحْكُمُ بِمُقْتَضَى هَذِهِ الشَّرِيعَةِ الْمُطَهَّرَةِ.
وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ، كَمَا تَقَدَّمَ، أَنَّهُ يَنْزِلُ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَالْأَحَادِيثُ تَقْتَضِي أَنَّ الدَّجَّالَ يُقْتَلُ بَلُدٍّ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَتَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُهُ الدَّجَّالُ كَمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ حِمَايَةً لَهُ مِنْهُ، وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّ عِيسَى يَنْزِلُ بِالْأُرْدُنِّ، وَفِي رِوَايَةٍ بِمُعَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَتَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ آدَمَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: وَإِنَّهُ نَازِلٌ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَاعْرِفُوهُ رَجُلٌ مَرْبُوعٌ إِلَى الْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ، عَلَيْهِ ثَوْبَانِ مُمَصَّرَانِ، كَأَنَّ رَأْسَهُ يَقْطُرُ، وَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ بَلَلٌ، فَيَدُقُّ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ، وَيَدْعُو النَّاسُ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَيُهْلِكُ اللَّهُ تَعَالَى فِي زَمَانِهِ الْمِلَلَ كُلَّهَا إِلَّا الْإِسْلَامَ، وَيُهْلِكُ اللَّهُ فِي زَمَانِهِ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ، ثُمَّ تَقَعُ الْأَمَنَةُ عَلَى الْأَرْضِ، حَتَّى تَرْتَعَ الْأُسُودُ مَعَ الْإِبِلِ، وَالنِّمَارُ مَعَ الْبَقَرِ، وَالذِّئَابُ مَعَ الْغَنَمِ، وَيَلْعَبُ الصِّبْيَانُ بِالْحَيَّاتِ لَا تَضُرُّهُمْ، فَيَمْكُثُ أَرْبَعِينَ سَنَةً ثُمَّ يُتَوَفَّى، وَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ ". رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ.

وَهَكَذَا وَقَعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ أَرْبَعِينَ سَنَةً.
وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ يَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ سَبْعَ سِنِينَ. فَهَذَا مَعَ هَذَا مُشْكِلٌ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ تُحْمَلَ هَذِهِ السَّبْعُ عَلَى مُدَّةِ إِقَامَتِهِ بَعْدَ نُزُولِهِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ مَحْمُولًا عَلَى مُكْثِهِ فِيهَا قَبْلَ رَفْعِهِ مُضَافًا إِلَيْهِ، وَكَانَ عُمْرُهُ قَبْلَ رَفْعِهِ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً عَلَى الْمَشْهُورِ. وَهَذِهِ السَّبْعُ تَكْمِلَةُ الْأَرْبَعِينَ، فَيَكُونُ هَذَا مُدَّةَ مُقَامِهِ فِي الْأَرْضِ قَبْلَ رَفْعِهِ وَبَعْدَ نُزُولِهِ،. وَأَمَّا مُقَامُهُ فِي السَّمَاءِ قَبْلَ نُزُولِهِ فَهُوَ مُدَّةٌ طَوِيلَةٌ. وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ يَخْرُجُونَ فِي زَمَانِهِ وَيُهْلِكُهُمُ اللَّهُ بِبَرَكَةِ دُعَائِهِ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَكَمَا سَيَأْتِي، وَثَبَتَ أَنَّهُ يَحُجُّ فِي مُدَّةِ إِقَامَتِهِ فِي الْأَرْضِ بَعْدَ نُزُولِهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ: فِي الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ، أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ يَكُونُونَ فِي حِوَارِيِّهِ، وَأَنَّهُمْ يَحُجُّونَ مَعَهُ، ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمَلَاحِمِ، فِي آخِرِ كِتَابِ " التَّذْكِرَةِ "، وَتَكُونُ وَفَاتُهُ بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ، فَيُصَلَّى عَلَيْهِ هُنَالِكَ، وَيَدْفَنُ بِالْحُجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ. وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ عَسَاكِرَ، وَرَوَاهُ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ فِي " جَامِعِهِ "، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، فَقَالَ فِي كِتَابِ الْمَنَاقِبِ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ أَخْزَمَ الطَّائِيُّ الْبَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو قُتَيْبَةَ سَلْمُ بْنُ قُتَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مَوْدُودٍ الْمَدَنِيُّ،

حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الضَّحَّاكِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ صِفَةُ مُحَمَّدٍ، وَعِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يُدْفَنُ مَعَهُ. قَالَ: فَقَالَ أَبُو مَوْدُودٍ: وَقَدْ بَقِيَ فِي الْبَيْتِ مَوْضِعُ قَبْرٍ. ثُمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. هَكَذَا قَالَ عُثْمَانُ بْنُ الضَّحَّاكِ، وَالْمَعْرُوفُ الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ الْمَدَنِيُّ. انْتَهَى مَا ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الضَّحَّاكِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ:يُدْفَنُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَيَكُونُ قَبْرُهُ رَابِعًا.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَسْعَدَةَ، عَنْ رِيَاحِ بْنِ عُبَيْدَةَ، حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: يَمْكُثُ النَّاسُ بَعْدَ الدَّجَّالِ يُعَمِّرُونَ الْأَسْوَاقَ، وَيَغْرِسُونَ النَّخْلَ.

ذِكْرُ خُرُوجِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَذَلِكَ فِي أَيَّامِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ بَعْدَ قَتْلِهِ الدَّجَّالَ، فَيُهْلِكُهُمُ اللَّهُ أَجْمَعِينَ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ بِبَرَكَةِ دُعَائِهِ عَلَيْهِمْ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ [ الْأَنْبِيَاءِ: 96، 97 ] وَقَالَ تَعَالَى فِي قِصَّةِ ذِي الْقَرْنَيْنِ: حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا [ الْكَهْفِ 93، 94 ] الْآيَاتِ إِلَى آخِرِ الْقِصَّةِ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي " التَّفْسِيرِ "، وَفِي قِصَّةِ ذِي الْقَرْنَيْنِ خَبَرَ بِنَائِهِ لِلسَّدِّ مِنْ حَدِيدٍ وَنُحَاسٍ بَيْنَ جَبَلَيْنِ، فَصَارَ رَدْمًا وَاحِدًا، وَقَالَ: هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي. أَيْ يَحْجِزُ بِهِ بَيْنَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ وَبَيْنَ النَّاسِ. فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا [ الْكَهْفِ: 98 ]. أَيِ الْوَقْتُ الَّذِي قَدَّرَ انْهِدَامَهُ فِيهِ. جَعَلَهُ دَكَّاءَ أَيْ مُسَاوِيًا لِلْأَرْضِ. وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا. أَيْ هَذَا شَيْءٌ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ وَوُقُوعِهِ وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ [ الْكَهْفِ: 99 ] أَيْ إِذَا انْهَدَمَ يَخْرُجُونَ عَلَى النَّاسِ فَيَمُوجُونَ فِيهِمْ، وَيَنْسِلُونَ أَيْ

يُسْرِعُونَ الْمَشْيَ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ، ثُمَّ يَكُونُ النَّفْخُ فِي الصُّورِ لِلْفَزَعِ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ [ الْأَنْبِيَاءِ: 96، 97 ] الْآيَةَ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي خُرُوجِ الدَّجَّالِ وَنُزُولِ الْمَسِيحِ طَرَفًا صَالِحًا مَنْ ذِكْرِهِمْ، مِنْ رِوَايَةِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ وَغَيْرِهِ.
وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَامَ عِنْدَهَا، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ مُحْمَرًّا وَجْهُهُ، وَهُوَ يَقُولُ: " لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ ". وَحَلَّقَ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ، وَفِي رِوَايَةٍ:وَعَقَدَ سَبْعِينَ أَوْ تِسْعِينَ. قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: " نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ ".
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ وُهَيْبٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذَا ". وَعَقَدَ تِسْعِينَ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ لَيَحْفِرُونَ السَّدَّ كُلَّ يَوْمٍ، حَتَّى إِذَا كَادُوا يَرَوْنَ شُعَاعَ

الشَّمْسِ، قَالَ الَّذِي عَلَيْهِمْ: ارْجِعُوا، فَسَتَحْفِرُونَهُ غَدًا. فَيُعُودُونَ إِلَيْهِ كَأَشَدِّ مَا كَانَ، حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ مُدَّتُهُمْ وَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَهُمْ عَلَى النَّاسِ حَفَرُوا حَتَّى إِذَا كَادُوا يَرَوْنَ شُعَاعَ الشَّمْسِ قَالَ الَّذِي عَلَيْهِمْ: اغْدُوا فَسَتَحْفِرُونَهُ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَيَسْتَثْنِي، فَيَعُودُونَ إِلَيْهِ، وَهُوَ كَهَيْئَتِهِ حِينَ تَرَكُوهُ فَيَحْفِرُونَهُ، وَيَخْرُجُونَ عَلَى النَّاسِ، فَيَنْشُفُونَ الْمِيَاهَ، وَيَتَحَصَّنُ النَّاسُ مِنْهُمْ فِي حُصُونِهِمْ، فَيَرْمُونَ بِسِهَامِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ، فَتَرْجِعُ وَعَلَيْهَا كَهَيْئَةِ الدَّمِ، فَيَقُولُونَ: قَهَرْنَا أَهْلَ الْأَرْضِ، وَعَلَوْنَا أَهْلَ السَّمَاءِ. فَيَبْعَثُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ نَغَفًا فِي أَقْفَائِهِمْ فَيَقْتُلُهُمْ بِهَا ". فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إِنَّ دَوَابَّ الْأَرْضِ لَتَسْمَنُ وَتَشْكُرُ شُكْرًا مِنْ لُحُومِهِمْ وَدِمَائِهِمْ ". ثُمَّ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ: مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، عَنْ قَتَادَةَ بِهِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ قَرِيبًا مِنْ هَذَا. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: يُفْتَحُ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ، فَيَخْرُجُونَ عَلَى النَّاسِ،

كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ [ الْأَنْبِيَاءِ: 96 ]. فَيَغْشَوْنَ النَّاسَ، وَيَنْحَازُ النَّاسُ، عَنْهُمْ إِلَى مَدَائِنِهِمْ وَحُصُونِهِمْ، وَيَضُمُّونَ إِلَيْهِمْ مَوَاشِيَهُمْ، فَيَشْرَبُونَ مِيَاهَ الْأَرْضِ، حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ لَيَمُرُّ بِالنَّهْرِ، فَيَشْرَبُونَ مَا فِيهِ، حَتَّى يَتْرُكُوهُ يَبَسًا، حَتَّى إِنَّ مَنْ بَعْدَهُمْ لَيَمُرُّ بِذَلِكَ النَّهْرِ، فَيَقُولُ: قَدْ كَانَ هَاهُنَا مَاءٌ مَرَّةً. حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ إِلَّا أَحَدٌ فِي حِصْنٍ أَوْ مَدِينَةٍ قَالَ قَائِلَهُمْ: هَؤُلَاءِ أَهْلُ الْأَرْضِ قَدْ فَرَغْنَا مِنْهُمْ، بَقِيَ أَهْلُ السَّمَاءِ ". قَالَ: " ثُمَّ يَهُزُّ أَحَدُهُمْ حَرْبَتَهُ، ثُمَّ يَرْمِي بِهَا إِلَى السَّمَاءِ، فَتَرْجِعُ إِلَيْهِ مُخْتَضِبَةً دَمًا لِلْبَلَاءِ وَالْفِتْنَةِ، فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ بَعَثَ اللَّهُ دُودًا فِي أَعْنَاقِهِمْ كَنَغَفِ الْجَرَادِ الَّذِي يَخْرُجُ فِي أَعْنَاقِهِ، فَيُصْبِحُونَ مَوْتَى، لَا يُسْمَعُ لَهُمْ حِسٌّ، فَيَقُولُ الْمُسْلِمُونَ: أَلَا رَجُلٌ يَشْرِي لَنَا نَفْسَهُ، فَيَنْظُرُ مَا فَعَلَ هَذَا الْعَدُوُّ؟ قَالَ: " فَيَتَجَرَّدُ رَجُلٌ مِنْهُمْ مُحْتَسِبًا نَفْسَهُ، قَدْ وَطَّنَهَا عَلَى أَنَّهُ مَقْتُولٌ، فَيَنْزِلُ فَيَجِدُهُمْ مَوْتَى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، فَيُنَادِي: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، أَلَا أَبْشِرُوا، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ كَفَاكُمْ

عَدُوَّكُمْ. فَيَخْرُجُونَ مِنْ مَدَائِنِهِمْ وَحُصُونِهِمْ، وَيُسَرِّحُونَ مَوَاشِيَهُمْ، فَمَا يَكُونُ لَهَا رَعْيٌ إِلَّا لُحُومُهُمْ، فَتَشْكُرُ عَنْهُ كَأَحْسَنِ مَا شَكَرَتْ عَنْ شَيْءٍ مِنَ النَّبَاتِ أَصَابَتْهُ قَطُّ ". وَهَكَذَا أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بِهِ، وَهُوَ إِسْنَادٌ جَيِّدٌ.
وَفِي حَدِيثِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ، بَعْدَ ذِكْرِ قَتْلِ عِيسَى الدَّجَّالَ عِنْدَ بَابِ لُدٍّ الشَّرْقِيِّ، قَالَ: فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى عِيسَى: إِنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي، لَا يَدَانِ لِأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ، فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ. فَيَبْعَثُ اللَّهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَهُمْ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ، فَيَرْغَبُ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، فَيُرْسِلُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ نَغَفًا فِي رِقَابِهِمْ، فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، فَيَهْبِطُ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ فَلَا يَجِدُونَ فِي الْأَرْضِ بَيْتًا إِلَّا مَلَأَهُ زَهَمُهُمْ وَنَتَنُهُمْ، فَيَرْغَبُ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى اللَّهِ فَيُرْسِلُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ طَيْرًا كَأَعْنَاقِ الْبُخْتِ، فَتَحْمِلُهُمْ فَتَطْرَحُهُمْ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ ".
قَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ: " بِمَكَانٍ يُقَالُ لَهُ الْمَهْبِلُ عِنْدَ مَطْلِعِ الشَّمْسِ ". الْحَدِيثُ إِلَى آخِرِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
كَذَلِكَ حَدِيثُ مُؤْثِرِ بْنِ عَفَازَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فِي اجْتِمَاعِ الْأَنْبِيَاءِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ، وَتَذَاكُرِهِمْ أَمْرَ السَّاعَةِ، فَرَدُّوا أَمْرَهُمْ إِلَى عِيسَى، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، كَمَا

تَقَدَّمَ، وَفِي آخِرِهِ: فَيَرْجِعُ النَّاسُ إِلَى أَوْطَانِهِمْ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَخْرُجُ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ، وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ فَيَطَئُونَ بِلَادَهُمْ، لَا يَمُرُّونَ عَلَى شَيْءٍ، إِلَّا أَهْلَكُوهُ، وَلَا عَلَى مَاءٍ إِلَّا شَرِبُوهُ "، قَالَ: " ثُمَّ يَرْجِعُ النَّاسُ إِلَيَّ يَشْكُونَهُمْ، فَأَدْعُو اللَّهَ عَلَيْهِمْ، فَيُهْلِكُهُمْ وَيُمِيتُهُمْ حَتَّى تَجْوَى الْأَرْضُ مِنْ نَتَنِ رِيحِهِمْ، وَيُنْزِلُ اللَّهُ الْمَطَرَ، فَتَجْرُفُ أَجْسَادَهُمْ، حَتَّى يَقْذِفَهُمْ فِي الْبَحْرِ، فَفِيمَا عَهِدَ إِلَيَّ رَبِّي أَنَّ ذَلِكَ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ السَّاعَةَ كَالْحَامِلِ الْمُتِمِّ، لَا يَدْرِي أَهْلُهَا مَتَّى تَفْجَؤُهُمْ بِوِلَادَتِهَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا " وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنِ ابْنِ حَرْمَلَةَ، عَنْ خَالَتِهِ قَالَتْ:خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَاصِبٌ إِصْبَعَهُ مِنْ لَدْغَةِ عَقْرَبٍ، فَقَالَ: " إِنَّكُمْ تَقُولُونَ: لَا عَدُوَّ لَكُمْ، وَإِنَّكُمْ لَا تَزَالُونَ تُقَاتِلُونَ عَدُوًّا حَتَّى يَأْتِيَ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ، عِرَاضُ الْوُجُوهِ، صِغَارُ الْعُيُونِ، صُهْبُ الشِّعَافِ، مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ ".
قُلْتُ: يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ طَائِفَتَانِ مِنَ التُّرْكِ كَبِيرَتَانِ لَا يَعْلَمُ عَدَدَهُمْ إِلَّا اللَّهُ

سُبْحَانَهُ، وَهُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا آدَمُ. فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ. فَيُنَادِي بِصَوْتٍ: ابْعَثْ بَعْثَ النَّارِ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ. فَيَقُولُ: مِنْ كَمْ؟ فَيَقُولُ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ إِلَى النَّارِ، وَوَاحِدًا إِلَى الْجَنَّةِ. فَيَوْمَئِذٍ يَشِيبُ الصَّغِيرُ، وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا فَيُقَالُ: أَبْشِرُوا، فَإِنَّ فِي يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ لَكُمْ فِدَاءً ". وَفِي رِوَايَةٍ: " فَيُقَالُ: إِنَّ فِيكُمْ أُمَّتَيْنِ مَا كَانَتَا فِي شَيْءٍ إِلَّا كَثَّرَتَاهُ; يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ ". وَسَيَأْتِي هَذَا الْحَدِيثُ بِطُرُقِهِ وَأَلْفَاظِهِ.
ثُمَّ هُمْ مِنْ حَوَّاءَ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُمْ مِنْ آدَمَ لَا مِنْ حَوَّاءَ، وَذَلِكَ أَنَّ آدَمَ احْتَلَمَ، فَاخْتَلَطَ مَنِيُّهُ بِالتُّرَابِ، فَخَلَقَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ. وَهَذَا مِمَّا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَرِدْ عَمَّنْ يَجِبُ قَبُولُ قَوْلِهِ فِي هَذَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَهُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، مِنْ سُلَالَةِ يَافِثَ بْنِ نُوحٍ، وَهُوَ أَبُو التُّرْكِ، وَقَدْ كَانُوا يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ، وَيُؤْذُونَ أَهْلَهَا، فَأَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ ذَا الْقَرْنَيْنِ فَحَصَرَهُمْ فِي مَكَانِهِمْ دَاخِلَ السَّدِّ إِلَى أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ تَعَالَى فِي خُرُوجِهِمْ عَلَى النَّاسِ، فَيَكُونُ مِنْ أَمْرِهِمْ مَا ذَكَرْنَا فِي الْأَحَادِيثِ.
وَهُمْ كَالنَّاسِ يُشْبِهُونَهُمْ كَأَبْنَاءِ جِنْسِهِمْ مِنَ التُّرْكِ الْغُتْمِ، الْمَغُولِ الْمُخَرْزَمَةِ عُيُونُهُمْ، الذُّلْفِ أُنُوفُهُمْ، الصُّهْبِ، شُعُورُهُمْ عَلَى أَشْكَالِهِمْ وَأَلْوَانِهِمْ، وَمَنْ زَعَمَ

أَنَّ مِنْهُمُ الطَّوِيلَ كَالنَّخْلَةِ السَّحُوقِ وَأَطْوَلَ، وَمِنْهُمُ الْقَصِيرَ كَالشَّيْءِ الْحَقِيرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَهُ أُذُنَانِ يَتَغَطَّى بِإِحْدَاهُمَا وَيَتَوَطَّأُ بِالْأُخْرَى، فَقَدْ تَكَلَّفَ مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ، وَقَالَ مَا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثٍ أَنَّ أَحَدَهُمْ لَا يَمُوتُ حَتَّى يَرَى مِنْ نَسْلِهِ أَلْفَ إِنْسَانٍ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّتِهِ.
قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ الْأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مَسْعُودٍ أَحْمَدُ بْنُ الْفُرَاتِ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ وَهْبِ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِنْ وَلَدِ آدَمَ، وَلَوْ أُرْسِلُوا لَأَفْسَدُوا عَلَى النَّاسِ مَعَايِشَهُمْ، وَلَنْ يَمُوتَ مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلَّا تَرَكَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ أَلْفًا فَصَاعِدًا، وَإِنَّ مِنْ وَرَائِهِمْ ثَلَاثَ أُمَمٍ؟ تَاوِيلَ، وَتَارِيسَ، وَمَنْسَكَ ". وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَقَدْ يَكُونُ مِنْ كَلَامِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مِنَ الزَّامِلَتَيْنِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ، قَالَ: رَأَى ابْنُ عَبَّاسٍ صِبْيَانًا يَنْزُو بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَلْعَبُونَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَكَذَا تَخْرُجُ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ.

ذِكْرُ تَخْرِيبِ الْكَعْبَةِ، شَرَّفَهَا اللَّهُ، عَلَى يَدَيْ ذِي السُّوَيْقَتَيْنِ الْأَفْحَجِ الْحَبَشِيِّ، قَبَّحَهُ اللَّهُ
وَرُوِّينَا عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ فِي " التَّفْسِيرِ " عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ [ الْأَنْبِيَاءِ: 96 ] أَنَّ أَوَّلَ ظُهُورِ ذِي السُّوَيْقَتَيْنِ فِي أَيَّامِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَذَلِكَ بَعْدَ هَلَاكِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، فَيَبْعَثُ إِلَيْهِ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ طَلِيعَةً مَا بَيْنَ السَّبْعِمِائَةِ إِلَى الثَّمَانِمِائَةِ، فَبَيْنَمَا هُمْ يَسِيرُونَ إِلَيْهِ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ رِيحًا يَمَانِيَّةً طَيِّبَةً، فَتُقْبَضُ فِيهَا رُوحُ كُلِّ مُؤْمِنٍ، ثُمَّ يَبْقَى عَجَاجٌ مِنَ النَّاسِ، يَتَسَافَدُونَ كَمَا تَتَسَافَدُ الْبَهَائِمُ. ثُمَّ قَالَ كَعْبٌ: وَتَكُونُ السَّاعَةُ قَرِيبَةً حِينَئِذٍ. قُلْتُ: وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ يَحُجُّ بَعْدَ نُزُولِهِ إِلَى الْأَرْضِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، حَدَّثَنَا عِمْرَانُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عُتْبَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيُحَجَّنَّ هَذَا الْبَيْتُ، وَلَيُعْتَمَرَنَّ بَعْدَ خُرُوجِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ ". انْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ الْبُخَارِيُّ، فَرَوَاهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَفْصِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ

طَهْمَانَ، عَنْ حَجَّاجٍ - هُوَ ابْنُ حَجَّاجٍ - عَنْ قَتَادَةَ بْنِ دِعَامَةَ بِهِ. قَالَ: تَابَعَهُ أَبَانٌ وَعِمْرَانُ، عَنْ قَتَادَةَ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يُحَجَّ الْبَيْتُ ". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَالْأَوَّلُ أَكْثَرُ. انْتَهَى مَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ.
وَقَدْ رَوَاهُ الْبَزَّارُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ أَبَانِ بْنِ يَزِيدَ الْعَطَّارِ، عَنْ قَتَادَةَ، كَمَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ. وَرِوَايَةُ عِمْرَانَ بْنِ دَاوُدَ الْقَطَّانِ قَدْ أَوْرَدَهَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ، كَمَا رَأَيْتَ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ; سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي عُتْبَةَ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يُحَجَّ الْبَيْتُ ". ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ.
قُلْتُ: وَلَا مُنَافَاةَ فِي الْمَعْنَى بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ; لِأَنَّ الْكَعْبَةَ يَحُجُّهَا النَّاسُ وَيَعْتَمِرُونَ بِهَا، بَعْدَ خُرُوجِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَهَلَاكِهِمْ، وَطُمَأْنِينَةِ النَّاسِ وَكَثْرَةِ أَرْزَاقِهِمْ فِي زَمَانِ الْمَسِيحِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً، فَيَقْبِضُ بِهَا رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ، وَيُتَوَفَّى نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ، وَيُدْفَنُ بِالْحُجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ يَكُونُ خَرَابُ الْكَعْبَةِ عَلَى يَدَيْ ذِي السُّوَيْقَتَيْنِ بَعْدَ هَذَا، وَإِنْ كَانَ ظُهُورُهُ فِي زَمَنِ الْمَسِيحِ، كَمَا قَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

معايير الأحكام في قضية الطلاق؟

  معايير الأحكام في قضية الطلاق؟     أحكام الطلاق من القرآن والسنة الصحيحة   1 الطلاق للعدة الشرعة الباقية إلي يوم القيامة :   1. ما هي...