مشاري راشد {سورة الطلاق}

Translate

الأربعاء، 21 فبراير 2024

8.{كيف نستفيد من الكتب الحديثية الستة مسألة العلو والنزول في الحديث مصطلح الحديث مقدمة في أصول الحديث نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر نصيحة أهل الحديث }

8.{كيف نستفيد من الكتب الحديثية الستة    مسألة العلو والنزول في الحديث    مصطلح الحديث    مقدمة في أصول الحديث    نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر    نصيحة أهل الحديث  }

 

8.{ كيف نستفيد من الكتب الحديثية الستة مسألة العلو والنزول في الحديث مصطلح الحديث مقدمة في أصول الحديث نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر نصيحة أهل الحديث }

كيف نستفيد من الكتب الحديثية الستة

الكتاب: كيف نستفيد من الكتب الحديثية الستة

المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر

الناشر: دار المغني، الرياض، المملكة العربية السعودية

الطبعة: الأولى، 1423هـ/2002م

عدد الأجزاء: 1

[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي]

مقدمة

كيف نستفيد من الكتب الحديثية الستة

محاضرة ألقاها: عبد المحسن بن حمد العباد البدر بالجامعة الإسلامية بالمدينة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين.

أما بعد:

فهذه لمحات يسيرة في الاستفادة من كتب الحديث الستة وهي؛ صحيح البخاري، وصحيح

(1/3)

مسلم، وسنن أبي داود، وسنن النسائي، وجامع الترمذي، وسنن ابن ماجة.

فأقول: إن أعظم نعمة أنعم الله تعالى بها على أمة محمد صلى الله عليه وسلم أن بعث فيها رسوله الكريم محمدا عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، ليخرجهم به من الظلمات إلى النور، فقام بهذه المهمة خير قيام، وأدى ما أرسله الله تعالى به على التمام والكمال، فما ترك خيرا إلا دل الأمة عليه ورغبها فيه، وما ترك شرا إلا حذرها منه ونهاها عنه، صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

وكان التوفيق حليف صحابته الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم؛ إذ اختارهم الله تعالى لصحبته، وشرف أبصارهم في الحياة الدنيا بالنظر إلى طلعته، ومتع أسماعهم بسماع حديثه الشريف من فمه الشريف صلوات الله وسلامه عليه، فتلقوا عنه

(1/4)

القرآن، وكل ما صدر عنه صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير، وأدوه إلى من بعدهم على التمام والكمال، فصاروا بذلك أسبق الناس إلى كل خير، وأفضل هذه الأمة التي هي خير الأمم. ثم بعد أن انقرض عصر الصحابة بدأ تدوين الحديث وجمعه بأسانيده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتتابع التأليف في تدوين السنة حتى جاءت المائة الثالثة التي ازدهر فيها التأليف، وكان من أهم المؤلفات التي ألفت في السنة على الإطلاق؛ صحيح الإمام أبي عبد الله محمد ابن إسماعيل البخاري رحمه الله، المولود سنة (194هـ) والمتوفى سنة (256هـ) ، وصحيح الإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري، المولود سنة (204هـ) - وهي السنة التي توفي فيها الإمام الشافعي رحمه الله - والمتوفى سنة (261هـ) ، ثم سنن الأئمة الأربعة: أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني المتوفى سنة (275هـ) ،

(1/5)

وأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي المتوفى سنة (303هـ) ، وأبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي المتوفى سنة (279هـ) ، وأبي عبد الله محمد بن يزيد بن ماجة القزويني المتوفى سنة (273هـ) .

وهذه الكتب هي التي اشتهرت بالكتب الستة، وقد لقيت عناية خاصة واهتماما كبيرا من العلماء فيما يتعلق بمتونها ورجالها.

وأول هذه الكتب صحيح الإمام أبي عبد الله البخاري رحمه الله، وهو أصح الكتب المؤلفة في الحديث على الإطلاق، ويليه في الصحة صحيح الإمام مسلم رحمه الله، وهذان الكتابان لقيا عناية فائقة، وذلك لعناية مؤلفيهما بجمع كثير مما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يستوعبا كل صحيح، ولم يلتزما ذلك، بل يوجد خارج الصحيحين أحاديث كثيرة صحيحة، ولكن الذي في الصحيحين جملة

(1/6)

كبيرة من الحديث الصحيح الثابت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.

وما اتفق عليه الشيخان البخاري ومسلم - رحمهما الله - هو أعلى درجة مما انفرد به أحدهما، وعلى ذلك فإن درجات الصحيح بالنسبة لما رواه البخاري ومسلم أو لم يروياه سبع درجات:

الأولى: ما اتفق عليه البخاري ومسلم، والثانية: ما انفرد به البخاري، والثالثة: ما انفرد به مسلم، والرابعة: ما كان على شرط البخاري ومسلم ولم يخرجاه، والخامسة: ما كان على شرط البخاري ولم يخرجه، والسادسة: ما كان على شرط مسلم ولم يخرجه، والسابعة: ما لم يكن في الصحيحين وليس على شرطهما وهو صحيح.

فهذه درجات سبع للحديث الصحيح، وأعلاها كما تقدم ما اتفق عليه البخاري ومسلم، وأحسن

(1/7)

كتاب ألف في ذلك كتاب "اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان" للشيخ محمد فؤاد عبد الباقي المتوفى سنة (1388هـ) ، وقد رتبه وفقا لترتيب الإمام مسلم، وأما النص الذي يثبته فمن صحيح البخاري، حيث يختار أقرب لفظ في صحيح البخاري يوافق ما في صحيح مسلم فيثبته، وإنما أتى به على ترتيب مسلم؛ لأن الإمام مسلما رحمه الله يجمع الأحاديث المتعلقة بموضوع واحد في مكان واحد فيسردها، ويذكر حديثا يعتبره أصلا ثم يأتي بالطرق الأخرى والأسانيد ويذكر الإضافات والنقص والفروق التي بينها وبين الحديث الذي اعتبره أصلا، فيثبت الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي لفظ الحديث عند البخاري في موضعه من صحيح مسلم ثم يقول: أخرجه البخاري في كتاب كذا، باب كذا، ويذكر رقم الكتاب ورقم الباب، وإنما لم يثبته على ترتيب البخاري؛ لأن

(1/8)

البخاري يقطع الأحاديث ويفرقها في أبواب متعددة للاستدلال بها على ما يترجم به من المسائل، لأنه أراد أن يكون كتابه كتاب رواية ودراية، وقد بلغ مجموع الأحاديث في كتاب "اللؤلؤ والمرجان" (1906) حديث.

ويقول العلماء عند العزو لما كان في الصحيحين: رواه البخاري ومسلم، أو أخرجه الشيخان، أو متفق عليه، وعبارة"متفق عليه" في الاصطلاح المراد بها اتفاق البخاري ومسلم، إلا عند المجد ابن تيمية جد شيخ الإسلام ابن تيمية صاحب "منتقى الأخبار" الذي شرحه الشوكاني في "نيل الأوطار"، فإنه يريد "بمتفق عليه" بالإضافة إلى البخاري ومسلم، الإمام أحمد في المسند، فإذا قال: متفق عليه، فإنه يعني الثلاثة.

(1/9)

1 - صحيح البخاري

صحيح الإمام البخاري أصح كتب السنة، وموضوعه الأحاديث المسندة المرفوعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أراد البخاري أن يكون كتابه كتاب دراية، بالإضافة إلى كونه كتاب رواية؛ كتاب حديث وفقه، من أجل ذلك اتبع طريقة تميز بها عن الإمام مسلم في صحيحه، وذلك بتقطيع الأحاديث وتفريقها وإيرادها تحت أبواب، من أجل الاستدلال بها على ما يترجم به، ومع تكرار الأحاديث في مواضع متعددة لا يخلي المقام من فائدة إسنادية أو متنية. وذلك أنه إذا أورد الحديث مكررا يورده عن شيخ آخر، فيستفاد من ذلك تعدد طرق الحديث، والأحاديث التي كررها إسنادا ومتنا قليلة جدا تزيد على العشرين قليلا، كما أشار إلى ذلك الحافظ في الفتح (11/340) وكما في كتاب كشف الظنون (/363) .

(1/10)

وقد ذكرت مواضع تلك الأحاديث في الفائدة (254) من كتابي "الفوائد المنتقاة من فتح الباري وكتب أخرى".

وهذه الطريقة التي اتبعها البخاري في تفريقه الأحاديث على الأبواب ترتب عليها وجود بعض الأحاديث في غير مظنتها، فظن بعض العلماء خلو الكتاب منها كما حصل للحاكم رحمه الله في المستدرك حيث استدرك على البخاري أحاديث، وقال إنه لم يخرجها مع وجودها في صحيح البخاري، ومن أمثلة ذلك الحديث الذي رواه البخاري (2284) في كتاب الإجارة في النهي عن عسب الفحل، فقد استدركه الحاكم على البخاري فوهم، قال الحافظ في شرح الحديث: "وقد وهم في استدراكه، وهو في البخاري كما ترى، وكأنه لما لم يره في كتاب البيوع توهم أن البخاري لم يخرجه".

(1/11)

وأما فقه البخاري فهو واضح من تراجمه التي وصفها الحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح بكونها حيرت الأفكار وأدهشت العقول والأبصار، وبكونها بعيدة المنال منيعة المثال، انفرد بتدقيقه فيها عن نظرائه، واشتهر بتحقيقه لها عن قرنائه.

ومن أمثلة دقته في تراجمه قوله في كتاب الإجارة: "باب إذا استأجر أجيرا ليعمل له بعد ثلاثة أيام أو بعد شهر أو بعد سنة جاز وهما على شرطهما الذي اشترطاه إذا جاء الأجل" والمقصود من هذه الترجمة أن مدة الإجارة لا يشترط فيها أن تكون تالية لوقت إبرام العقد، وأورد تحت هذه الترجمة حديث عائشة رضي الله عنها (2264) في استئجار النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه رجلا من بني الديل هاديا خريتا ودفعا إليه راحلتيهما، ووعداه غار ثور بعد ثلاث ليال.

ومن منهج البخاري في صحيحه أنه قد يروي

(1/12)

الحديث في موضع واحد بإسنادين عن شيخين فيجعل المتن للشيخ الثاني منهما، أشار إلى ذلك الحافظ ابن حجر في الفتح (1436) وقال:"وقد ظهر بالاستقراء من صنيع البخاري أنه إذا أورد الحديث عن غير واحد فإن اللفظ يكون للأخير، والله أعلم".

ومن منهج البخاري أيضا في صحيحه أنه إذا مرت به لفظة غريبة توافق كلمة في القرآن أتى بتفسير تلك الكلمة التي من القرآن، فيكون بذلك جمع بين تفسير غريب القرآن والحديث، أشار إلى ذلك الحافظ في الفتح في مواضع متعددة انظر على سبيل المثال (3/196، 324، 343) .

والحافظ ابن حجر - عليه رحمة الله - تمكن من معرفة اصطلاحات البخاري ومنهجه في صحيحه، وقد ذكرت في كتاب "الفوائد المنتقاة من فتح الباري

(1/13)

وكتب أخرى" جملة كبيرة من الفوائد المتعلقة بذلك من الفائدة (226) إلى (284) .

ولأهمية صحيح البخاري لقي عناية من العلماء في مختلف العصور، وكان على رأس الذين وفقوا للعناية بهذا الكتاب الحافظ ابن حجر العسقلاني المتوفى سنة (852هـ) ، فقد شرحه شرحا نفيسا واسعا جمع فيه ما اقتبسه من غيره ممن تقدمه، وما وفقه الله لفهمه واستنباطه من ذلك الكتاب العظيم، وذلك في كتابه "فتح الباري" الذي يعتبر حدا فاصلا بين من سبقه ومن لحقه، فالذين تقدموه جمع ما عندهم، والذين تأخروا عنه صار كتابه مرجعا لهم، وقد طبع كتاب "فتح الباري" في المطبعة السلفية في مصر، واشتملت الأجزاء الثلاثة الأولى منه على تعليقات نفيسة لشيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز

(1/14)

رحمه الله1، وقد أثبت في هذه الطبعة ترقيم أحاديث الكتاب التي وضعها الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي. وطريقته في الترقيم أنه يثبت في أول موضع يرد فيه ذكر الحديث أرقامه في المواضع الأخرى التي تأتي بعد ذلك، وعند ورود الحديث في تلك المواضع لا يشير إلى الموضع الأول الذي ذكرت فيه الأرقام، ويمكن الاهتداء إلى الموضع الأول بالنظر في شرح الحافظ ابن حجر للحديث، فقد يشير فيه إلى المواضع المتقدمة، ويمكن ذلك أيضا بالرجوع إلى "فهارس البخاري" لرضوان محمد رضوان، فإنه عندما يأتي للمواضع التي تكرر فيها ذكر الحديث يقول: انظر كذا رقم كذا، مشيرا إلى الكتاب الذي ورد فيه ذكر الحديث

__________

1 ألقيت هذه المحاضرة قبل عشرين سنة، وجرى تحريرها لطباعتها هذا العام (1423هـ) ، وكانت وفاة شيخنا رحمه الله في السابع والعشرين من شهر المحرم عام (1420هـ) .

(1/15)

أول مرة ورقمه.

وعدد كتب صحيح البخاري سبعة وتسعون كتابا، وعدد أحاديثه بالتكرار كما في ترقيم الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي (7563) حديث، وفي صحيح البخاري اثنان وعشرون حديثا ثلاثيا.

(1/16)

2 - صحيح مسلم

وصحيح الإمام مسلم يلي صحيح البخاري في الصحة، وقد اعتنى مسلم - رحمه الله - بترتيبه، فقام بجمع الأحاديث المتعلقة بموضوع واحد فأثبتها في موضع واحد، ولم يكرر شيئا منها في مواضع أخرى، إلا في أحاديث قليلة بالنسبة لحجم الكتاب، ولم يضع لكتابه أبوابا، وهو في حكم المبوب؛ لجمعه الأحاديث في الموضوع الواحد في موضع واحد.

ومما تميز به صحيح الإمام مسلم إثبات الأحاديث بأسانيدها ومتونها كما هي من غير تقطيع

(1/16)

أو رواية بمعنى، مع المحافظة على ألفاظ الرواة، وبيان من يكون له اللفظ منهم، ومن عبر منهم بلفظ حدثنا، وبلفظ أخبرنا، وقد أثنى الحافظ ابن حجر في ترجمة الإمام مسلم في كتابه "تهذيب التهذيب" على حسن عنايته في وضع صحيحه، فقال:"قلت: حصل لمسلم في كتابه حظ عظيم مفرط لم يحصل لأحد مثله، بحيث إن بعض الناس كان يفضله على صحيح محمد بن إسماعيل، وذلك لما اختص به من جمع الطرق وجودة السياق والمحافظة على أداء الألفاظ كما هي، من غير تقطيع ولا رواية بمعنى، وقد نهج على منواله خلق من النيسابوريين فلم يبلغوا شأوه، وحفظت منهم أكثر من عشرين إماما ممن صنف المستخرج على مسلم، فسبحان المعطي الوهاب".

وقد قام الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي رحمه الله

(1/17)

بالعناية بإخراج صحيح مسلم ووضع فهارس له متعددة مفصلة، وطبع الكتاب بعمله هذا في أربعة مجلدات أثبت فيها تراجم الأبواب التي وضعها الإمام النووي - رحمه الله - وهي ليست من عمل مسلم، كما قام بترقيم الأحاديث الأصلية فيه فبلغت

(3033) حديث، وبلغ مجموع كتب صحيح مسلم أربعة وخمسين كتابا، ووضع الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي مجلدا خامسا مشتملا على الفهارس المتنوعة المفصلة لصحيح مسلم رحمه الله، وأعلى الأسانيد في صحيح مسلم الرباعيات.

(1/18)

3 - سنن أبي داود

كتاب السنن لأبي داود كتاب ذو شأن عظيم، عني فيه مؤلفه بجمع أحاديث الأحكام وترتيبها وإيرادها تحت تراجم أبواب تدل على فقهه وتمكنه في الرواية والدراية، قال فيه أبو سليمان الخطابي في

(1/18)

أول كتاب "معالم السنن": "وقد جمع أبو داود في كتابه هذا من الحديث في أصول العلم وأمهات السنن وأحكام الفقه ما لا نعلم متقدما سبقه إليه ولا متأخرا لحقه فيه".

وللحافظ المنذري تهذيب لسنن أبي داود وللإمام ابن القيم تعليقات على هذا التهذيب، وقد وصف ابن القيم - رحمه الله - "سنن أبي داود" و"تهذيب" المنذري وما علقه عليه فقال: "ولما كان كتاب السنن لأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني - رحمه الله - من الإسلام بالموضع الذي خصه الله به، بحيث صار حكما بين أهل الإسلام، وفصلا في موارد النزاع والخصام، فإليه يتحاكم المنصفون، وبحكمه يرضى المحققون، فإنه جمع شمل أحاديث الأحكام، ورتبها أحسن ترتيب، ونظمها أحسن نظام، مع انتقائها أحسن انتقاء، واطراحه منها

(1/19)

أحاديث المجروحين والضعفاء، وكان الإمام العلامة الحافظ زكي الدين أبو محمد عبد العظيم المنذري - رحمه الله تعالى - قد أحسن في اختصاره وتهذيبه، وعزو أحاديثه وإيضاح علله وتقريبه، فأحسن حتى لم يكد يدع للإحسان موضعا، وسبق حتى جاء من خلفه له تبعا: جعلت كتابه من أفضل الزاد، واتخذته ذخيرة ليوم المعاد. فهذبته نحو ما هذب هو به الأصل، وزدت عليه من الكلام على علل سكت عنها أو لم يكملها، والتعرض إلى تصحيح أحاديث لم يصححها، والكلام على متون مشكلة لم يفتح مقفلها، وزيادة أحاديث صالحة في الباب لم يشر إليها، وبسطت الكلام على مواضع جليلة، لعل الناظر المجتهد لا يجدها في كتاب سواه".

وكتاب سنن أبي داود مقدم على غيره من كتب السنن الأخرى، وقد بلغ مجموع كتبه خمسة وثلاثين

(1/20)

كتابا، وبلغ مجموع أحاديثه (5274) حديث.

وأعلى الأسانيد في سنن أبي داود الرباعيات وهي التي يكون بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها أربعة أشخاص. ولسنن أبي داود عدة شروح من أشهرها عون المعبود لأبي الطيب شمس الحق العظيم آبادي.

(1/21)

4 - سنن النسائي

صنف الإمام النسائي - عليه رحمة الله - في السنن كتابين هما؛ السنن الكبرى، والصغرى التي اختصرها منها، ويقال لها المجتبى أي: المختارة من الكبرى، والسنن الصغرى هي التي لقيت عناية خاصة من العلماء، وهي التي اعتبرت أحد الكتب الحديثية الستة، وهو كتاب عظيم القدر، كثير الأبواب، وتراجم أبوابه تدل على فقه مؤلفه، بل إن منها ما تظهر فيه دقة الإمام النسائي في الاستنباط، ومن أمثلة ذلك: قوله في أوائل كتاب الطهارة:"الرخصة في

(1/21)

السواك بالعشي للصائم"، وهي مسألة للعلماء فيها قولان: أحدهما: منع الاستياك بعد الزوال، قالوا: لأنه يذهب الخلوف الوارد في قوله صلى الله عليه وسلم: "لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك"، والقول الثاني: الجواز لدخوله تحت عموم قوله صلى الله عليه وسلم: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة"، وقد أورد النسائي هذا الحديث تحت هذه الترجمة، وهو أرجح القولين في المسألة لدلالة الحديث على ذلك، قال السندي في حاشيته على السنن منوها بدقة الإمام النسائي قال:"ومنه يؤخذ ما ذكره المصنف من الترجمة، ولا يخفى أن هذا من المصنف استنباط دقيق وتيقظ عجيب، فلله دره ما أدق وأحد فهمه".

وأعلى الأسانيد في سنن النسائي الرباعيات، وقد بلغ مجموع كتبه واحدا وخمسين كتابا وبلغت

(1/22)

أحاديثه"5774" حديث، وأحسن طبعات هذا الكتاب الطبعة التي حققها ورقمها ووضع فهارسها مكتب تحقيق التراث الإسلامي - دار المعرفة بيروت، فإنه عند كل حديث يذكر رقمه، وأرقام مواضعه الأخرى عند النسائي، ويذكر تخريج بقية أصحاب الكتب الستة، وأرقام الحديث عندهم، ورقمه في تحفة الأشراف.

(1/23)

5 - سنن الترمذي

سنن الترمذي ويقال له الجامع، من أهم كتب الحديث وأكثرها فوائد، اعتنى فيه مؤلفه بجمع الأحاديث وترتيبها، وبيان فقهها، وذكر أقوال الصحابة والتابعين وغيرهم في المسائل الفقهية، ومن لم يذكر أحاديثهم من الصحابة أشار إليها بقوله: وفي الباب عن فلان وفلان، واعتنى ببيان درجة الأحاديث من الصحة والحسن والضعف، وفيه

(1/23)

أحاديث رباعية كثيرة، وفيه حديث ثلاثي واحد أخرجه الترمذي في كتاب الفتن (2260) فقال: "حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري بن ابنة السدي الكوفي، حدثنا عمر بن شاكر، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يأتي على الناس زمان الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر".وقال: هذا حديث غريب من هذا الوجه" انتهى.

وفي إسناده عمر بن شاكر وهو ضعيف، لكن الحديث صحيح بالشواهد، انظر "السلسلة الصحيحة" للألباني رقم (957) .

وعدد كتب جامع الترمذي خمسون كتابا، وعدد أحاديثه (3956) حديث، وأحسن شروح جامع الترمذي كتاب "تحفة الأحوذي" للشيخ عبد الرحمن المباركفوري المتوفى سنة (1353هـ) .

(1/24)

6 - سنن ابن ماجه

سنن ابن ماجه سادس الكتب الستة على القول المشهور وهو أقلها درجة، قال الحافظ ابن حجر في ترجمة ابن ماجه في تهذيب التهذيب: "كتابه في السنن جامع جيد كثير الأبواب والغرائب وفيه أحاديث ضعيفة جدا، حتى بلغني أن السري كان يقول: مهما انفرد بخبر فيه فهو ضعيف غالبا، وليس الأمر في ذلك على إطلاقه باستقرائي، وفي الجملة ففيه أحاديث كثيرة منكرة، والله المستعان".

وإنما اعتبر سادس الكتب الستة لكثرة زوائده على الكتب الخمسة، وقيل سادسها الموطأ لعلو إسناده، وقيل السادس سنن الدارمي.

وأحسن طبعاته الطبعة التي أخرجت بعناية الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي التي رقم فيها الأحاديث فبلغت (4341) حديث، وبلغت كتبه سبعة وثلاثين كتابا،

(1/25)

وذكر الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي في كلام له في آخر السنن أن أحاديثه الزائدة على الكتب الخمسة بلغت (1339) حديث.

وفي سنن ابن ماجة خمسة أحاديث ثلاثيات الإسناد، كلها من طريق جبارة بن المغلس، عن كثير ابن سليم، عن أنس رضي الله عنه، ثلاثة منها في كتاب الأطعمة (3356) (3357) ، (3310) ، وفي كتاب الزهد واحد (4292) ، وواحد في كتاب الطب (3479) ، وجبارة وكثير انفرد ابن ماجة عن بقية أصحاب الكتب الستة بإخراج حديثهما، وقال عنهما الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب إنهما ضعيفان، وهذه الأحاديث الخمسة من زوائد سنن ابن ماجة على الكتب الخمسة.

وقد ألف الشيخ أحمد بن أبي بكر البوصيري المتوفى سنة (840هـ) كتاب "مصباح الزجاجة في

(1/26)

زوائد ابن ماجة"، وبلغت أحاديثه في بعض طبعاته (1552) حديث.

وهذه الكتب الستة لقيت من العلماء عناية في أطرافها ورجالها، وأحسن ما ألف في أطرافها كتاب أبي الحجاج المزي "تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف" وقد رتبه على أسماء الصحابة رضي الله عنهم، وعند كل صحابي يذكر أسماء التابعين الذين رووا عنه على الترتيب، ثم يذكر الأسانيد من الأئمة أصحاب الكتب الستة إلى التابعين، وهذا الكتاب العظيم يعتبر بالنسبة للأسانيد بمثابة نسخ أخرى لتلك الكتب الستة.

وأحسن ما ألف في رجالها بل في رجال مؤلفات أصحابها كتاب "تهذيب الكمال في أسماء الرجال" لأبي الحجاج المزي، فإنه مشتمل على أسماء رجال الكتب الستة ورجال مؤلفات أخرى لأصحاب

(1/27)

الكتب الستة مثل رجال الأدب المفرد، وجزء القراءة خلف الإمام، وخلق أفعال العباد للبخاري وغيرها.

وأما الكتاب المقتصر على رجال الكتب الستة فهو كتاب الكاشف للذهبي.

وقد اعتنى الحافظ أبو الحجاج المزي عند ترجمة كل راو بذكر شيوخه وتلاميذه مرتبين على ترتيب حروف الهجاء، ثم يذكر ما قيل في صاحب الترجمة من جرح وتعديل، ويختم الترجمة بذكر أسماء الذين خرجوا أحاديثه من الأئمة الستة في كتبهم وفي أول الترجمة يثبت الرموز لهم.

وقد هذب كتابه هذا الحافظ ابن حجر في كتابه تهذيب التهذيب، فيذكر عند كل ترجمة بعض شيوخ الراوي وتلاميذه وما ذكره المزي مما قيل فيه، ثم يختم الترجمة بذكر إضافات أخرى مبدوءة بقوله: (قلت) ، وعندما ينظر طالب العلم في ترجمة الراوي

(1/28)

في تهذيب التهذيب وما اشتملت عليه من جرح وتعديل يتساءل! ما هي النتيجة التي انتهى إليها الحافظ ابن حجر في الحكم على الراوي؟ والجواب على هذا التساؤل موجود عند الحافظ ابن حجر في كتابه تقريب التهذيب، فيقول عنه ثقة أو صدوق أو ضعيف أو غير ذلك. وكتاب المزي تهذيب الكمال هذبه أيضا الذهبي في كتابه تذهيب تهذيب الكمال، ولخصه الخزرجي في خلاصة تذهيب تهذيب الكمال.

والفرق بين ما في التقريب والخلاصة أن الحافظ ابن حجر في التقريب يثبت رأيه في الراوي ويذكر طبقته، وأما الخزرجي في الخلاصة فإنه يذكر بعض شيوخ الراوي وبعض تلاميذه ويذكر بعض ما قيل في الحكم عليه جرحا أو تعديلا، وعند ذكر الصحابي يذكر عدد الأحاديث التي له في الكتب الستة، وعدد

(1/29)

ما اتفق عليه البخاري ومسلم منها، وعدد ما انفرد به كل واحد منهما عن الآخر.

وفي كتاب تهذيب الكمال للمزي وما تفرع عنه من الكتب ذكر رواة ليس لهم رواية عند أصحاب الكتب الستة، ذكروا لتمييزهم عن رواة مذكورين قبلهم لهم رواية عند أصحاب الكتب الستة، والرمز لهم في هذه الكتب بكلمة (تمييز) عند الترجمة.

فمثلا: كثير بن أبي كثير جاء في هذه الترجمة خمسة رواة؛ الأول روى له أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة في التفسير، والثاني روى له البخاري في الأدب المفرد، والثلاثة الباقون ليس لهم رواية وإنما ذكروا لتمييزهم عن الاثنين قبلهم.

وقد جمع أبو نصر الكلاباذي رجال صحيح البخاري في مؤلف خاص، وجمع أبو بكر بن منجويه الأصبهاني رجال صحيح مسلم في مؤلف خاص،

(1/30)

وجمع بين الكتابين الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي المعروف بابن القيسراني، واسم كتابه "الجمع بين رجال الصحيحين" وكلها مطبوعة، وكتاب ابن القيسراني مختصر، وطريقته فيه أنه عندما يذكر التراجم التي تحت اسم واحد كأحمد مثلا: يذكر من اسمه أحمد عند البخاري ومسلم، ثم من اسمه أحمد عند البخاري ثم من اسمه أحمد عند مسلم، ومن أجل فوائده أن الراوي إذا كان قليل الرواية، فإنه يذكر مواضع أحاديثه في الصحيحين أو أحدهما، وذلك بذكر الكتاب الذي ورد فيه الحديث.

وقد ألف الشيخ يحي بن أبي بكر العامري اليمني في الصحابة الذين لهم رواية في الصحيحين أو أحدهما كتابا سماه "الرياض المستطابة في جملة من روى في الصحيحين من الصحابة"، وهو كتاب عظيم الفائدة.

ومن المناسب ذكره هنا أن للحافظ الذهبي كتابا

(1/31)

اسمه "ميزان الاعتدال في نقد الرجال" اشتمل على تراجم لرجال ورد ذكرهم في تهذيب الكمال وما تفرع عنه، وعلى تراجم لرجال غيرهم، وفيه ثقات ذكرهم لا لنقدهم وإنما للدفاع عنهم؛ مثل علي بن المديني، وعبد الرحمن بن أبي حاتم.

وللحافظ ابن حجر كتاب كبير سماه "لسان الميزان" بناه على كتاب الميزان للذهبي مع زيادات كثيرة عليه، وقد قصره على تراجم رجال لا ذكر لهم في كتاب تهذيب الكمال وما تفرع عنه، وهو يعتبر إضافة رجال آخرين إلى رجال أصحاب الكتب الستة.

وقد جمع متون الكتب الستة وسادسها الموطأ أبو السعادات ابن الأثير في كتابه "جامع الأصول"، وهو مطبوع متداول، وقد هذب به كتاب رزين العبدري "التجريد للصحاح والسنن"، ويرمز عند كل حديث

(1/32)

للذين خرجوه من الأئمة الستة، وفيه أحاديث زائدة على ما في الكتب الستة وهذه الزيادات لرزين، وعلامتها في جامع الأصول خلوها من الرموز أمامها.

وابن الأثير رتب كتابه "جامع الأصول" على كتب مرتبة على حروف الهجاء، فيذكر في كل كتاب ما يتعلق بموضوعه.

وإذا أراد طالب العلم الوقوف على حديث في الكتب الستة وهو يعرف متنه فيمكنه ذلك بالبحث عنه في مظنته من الكتب التي اشتملت عليها الكتب الستة؛ فإذا كان الحديث يتعلق بالإيمان مثلا بحث عنه في كتاب الإيمان من الصحيحين والسنن، وإذا كان يعرف اسم الصحابي راوي الحديث رجع إلى "تحفة الأشراف" للحافظ المزي، فإنه يذكر أماكن وجود الحديث في الكتب الستة، أو رجع إلى كتاب "ذخائر

(1/33)

المواريث في الدلالة على مواضع الحديث" للشيخ عبد الغني النابلسي فإنه يذكر طرف الحديث، ويذكر من خرجه من أصحاب الكتب الستة بالإضافة إلى الإمام مالك في الموطأ، مع ذكر شيخ المؤلف فيه.

ويمكن الاهتداء إلى موضع الحديث في الكتب الستة بمعرفة بعض الكلمات في الحديث المعين فيرجع إلى كتاب "المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي" الذي بني على الكتب الستة والموطأ وسنن الدارمي ومسند الإمام أحمد، فيبحث عن الكلمة، فإذا كان الحديث في هذه الكتب وجد الدلالة على موضعه منها، وذلك بذكر اسم الكتاب ورقم الباب، إلا في صحيح مسلم وموطأ الإمام مالك فإنه يكون بذكر اسم الكتاب ورقم الحديث فيه، وإلا في مسند الإمام أحمد فإن الإشارة فيه إلى الجزء والصفحة من الطبعة ذات الستة أجزاء.

(1/34)

في الختام: أسأل الله عز وجل أن يوفقنا جميعا لما فيه رضاه، وأن يوفقنا لتحصيل العلم النافع والعمل به، إنه سبحانه وتعالى جواد كريم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

( فهرس المحتويات )

مسألة العلو والنزول في الحديث

الكتاب: مسألة العلو والنزول في الحديث

المؤلف: أبو الفضل محمد بن طاهر بن علي بن أحمد المقدسي الشيباني، المعروف بابن القيسراني (المتوفى: 507هـ)

المحقق: صلاح الدين مقبول أحمد

الناشر: مكتبة ابن تيمية - الكويت

سنة النشر:

عدد الأجزاء: 1

[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]

مقدمة المؤلف

أخبرني بجميع هذا الجزء الشيخ المسند الحافظ أبو بكر بن عبد الرحمن بن منصور بن جامع الكناني الموصلي قراءة عليه قال أخبرني الشيخ المسند بقية السلف زين الدين أحمد بن أبي الخير سلامة بن إبراهيم ابن سلامة قال أخبرنا الشيخ الإمام أبو جعفر محمد بن إسماعيل ابن محمد بن أبي الفتح الطرسوسي إجازة في جمادى الآخر سنة إحدى وسبعين وخمس مائة بأصبهان فأقر به قال أنا الحافظ أبو الفضل محمد بن الظاهر بقراءة الإمام أبي

(1/39)

زكريا يحيى بن عبد الوهاب بن منده عليه في ربيع الآخر من سنة ست وخمس مائة فأقرب به قال

1 - الحمد لله وحده وصلواته على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما

سألت أحسن الله لنا ولك التوفيق عن علامة العلو في الحديث وبأي شئ يعرف المبتدئ العلو من النزول وأن أبين لك ذلك وأشرحه على الاختصار مع إقامة الشواهد التي تهتدي بها إلى معرفة ذلك

2 - اعلم أن الحديث وطلبه مندوب إليه مثاب صاحبه عليه ويرغب فيه أشراف الناس ويزهد فيه الأغبياء الأدناس أهله منصورون وأعداؤه مقهورون ذكرهم الله عز وجل في كتابه ودعا لهم رسوله صلى الله عليه وسلم في خطابه

3 - قرأت على أبي بكر أحمد بن علي الأديب بنيسابور أخبركم أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ قال سمعت أبا عبد الله محمد بن محمد بن عبد الله الواعظ يقول 2 ب سمعت عبد الله بن عدي الحافظ يقول سمعت محمد بن يزيد الواسطي سمعت يزيد بن هارون

(1/40)

يقول قلت لحماد بن يزيد يا أبا إسماعيل هل ذكر الله عز وجل أصحاب الحديث في القرآن

فقال بلى ألم تسمع إلى قوله عز وجل

ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم

فهذا فيمن رحل في طلب العلم ثم رجع به إلى من وراءه ليعلمهم إياه

4 - أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد بن علي الأصبهاني بها قال أنا أبو علي الحسن بن علي بن أحمد بن سليمان البغدادي ثنا أحمد بن موسى ثنا يحيى بن أبي بكير ثنا هريم بن سفيان

(1/41)

ثنا عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن بن عبد الله بت عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

نضر الله امرءا سمع منا حديثا فأداه عنا كما سمعه فرب مبلغ أوعى من سامع

5 - أخبرنا أبو سعد عبد الواحد بن عبد الكريم المذكر النيسابوري قدم علينا الري حاجا قال أنا أبو اسحق حميد بن المأمون بن حميد الهمذاني بها

(1/42)

قال أنا أبو الحسن علي بن عبد الله بن الحسن الهمذاني ثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن عبد الرحمن أبو علي الأسدي ثنا محمد بن إسماعيل عن عبد الله ابن الزبير قال سمعت سفيان يقول

ما من أحد يطلب الحديث غلا وفي وجهه نضرة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم نضر الله امراء منا حديثا فبلغه

6 - أخبرنا أبو منصور محمد بن عبد الملك السرخسي بها قال أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال قال سمعت أبا بكر بن حمدان الغزال يقول سمعت أبا الموجه يقول سمعت عبدان بن جبلة يقول سمعت عبد الله بن المبارك يقول

الإسناد عندي من الدين لولا الإسناد لقال 3 أمن شاء

(1/43)

ما شاء فإذا قيل له من حدثك بقى

7 - أخبرنا أبو إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري الإمام بهراة قال أنا أبو الفضل عمر بن إبراهيم بن إسماعيل الزاهد إملاء أنا أبو جعفر محمد بن الحسن بن محمد بن العباس الساوي بمرو قال أنا أبو الحسن محمد بن أبي بكر المروزي ثنا علي بن محمد المروزي ثنا أبو الفضل صالح بن محمد قال سمعت أبا يعقوب البويطي يقول سمعت محمد بن إدريس

(1/44)

الشافعي يقول إذا رأيت صاحب حديث فكأني رأيت رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هو بمنزلته

قال لنا الشافعي جزاهم الله عنا خيرا أنهم حفظوا لنا الأصل فلهم علينا فضل

8 - أخبرنا أبو محمد بن الحسين بن محمد التنيسي بها قال أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن محمد الرقي وأخبرنا أبو إسحاق بن سعيد الحبال بمصر ثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن مرزوق

قالا أنا أحمد بن عبيد بن أحمد الصفار ثنا أحمد بن علي الحافظ ثنا محمد بن إبراهيم ثنا محمد بن عبد الله المقرى ثنا يحيى بن أكثم قال

قال لي الرشيد ما أنبل المراتب

قلت ما أنت فيه يا أمير المؤمنين

قال فتعرف أجل مني

قلت لا

قال لكني أعرفه رجل في حلقه يقول حدثنا فلان عن فلان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1/45)

قلت يا أمير المؤمنين هذا خير منك وأنت ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وولى 3 ب عهد المسلمين

قال نعم ويلك خير مني لأن اسمه مقترن باسم رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يموت أبدا ونحن نموت ونفنى والعلماء باقون ما بقي الدهر

9 - حدثنا أبو شريف الطوسي بها قال أنا أبو محمد بن عبد العزيز النيلي قال أنا أبو عمرو بن حمدان ثنا أبو بكر بن داود ثنا سليمان بن معبد السنجي ثنا سعيد بن عامر عن أبي بكر الهذلي قال

قال لي الزهري يا هذلي أيعجبك الحديث

قلت نعم

قال أما إنه يعجب مذكري الرجال ويكرهه مؤنثوهم

(1/46)

10 - أخبرنا أبو القاسم علي بن محمد الكوفي بمكة قال أنا أبو زكريا يحيى بن إبراهيم المزكي وأخبرنا أبو القاسم بن أحمد الأصبهاني بآمد قال أنا أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن منده الحافظ قال ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم قال سمعت محمد بن الحسين الحنيني قال سمعت عمر بن حفص بن غياث يقول سمعت أبي يقول وقالوا له يا أبا عمر ما ترى أصحاب الحديث كيف تغيروا قد فسدوا قال هم على ما هم خيار القبائل

11 - أخبرنا أبو بكر الأديب قال أنا الحاكم أبو عبد الله الحافظ قال سمعت أبا محمد عبد الله محمد بن أحمد بن بالويه المزكي يقول سمعت أبا بكر عيس بن موسى يقول سمعت الحسن بن علي يقول سمعت علي بن المديني يقول

(1/47)

ليس قوم خيرا من أصحاب الحديث الناس في طلب الدنيا وهو في إقامة الدين

124 - 2 4 أأنشدنا أو الفراس قاسم بن محمد الخوزي بمكة قال أنشدنا نصر محمد بن عبد الله الشاهد قال أنشدنا أبو علي الحسن بن العباس الكرماني قال أنشدنا هبة الله بن الحسن الشيرازي لنفسه الطويل

عليك بأصحاب الحديث فإنه

على منهج الدين ما زال معلما ... وما النور إلا في الحديث وأهله

إذا ما دجى الليل البهيم وأظلما ... وأعلى البرايا من إلى السنن اعتزى

وأغوى البرايا من إلى البدع انتما ... ومن ترك الآثار ضلل سعيه ... وهل يترك الآثار من كان مسلما

13 - أنشدنا أبو الحسين يحيى بن الحسين العلوي الزيدي بالري قال أنشدنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصوري الحافظ لنفسه الخفيف

قل لمن عاند الحديث وأضحى

عائبا أهله ومن يدعيه

(1/48)

أبا لعلم تقول هذا أين لي

أم بجهل فالجهل خلق السفيه ... أيعاب الذين هو حفظوا الدين

من الترهات والتمويه ... وإلى قولهم وما قدرووه

راجع كل عالم وفقيه

14 - أنشدنا أبو الحسن علي بن عبد السلام الارمنازي بصور لنفسه الطويل

ألا إن خير الناس بعد محمد

وأصحابه والتابعين بإحسان ... أناس أراد الله إحياء دينه

بحفظ الذي يروي عن الأول الثاني ... أقاموا حدود الشرع شرع محمد

بما وضحوه من دليل وبرهان ... وساروا مسير الشمس في جمع علمه

فأوطانهم أضحت لهم غير أوطان ... إذا عالم على الحديث تسامعوا

به جاء القاصي من القوم والداني

(1/49)

15 - سمعت المرتضى أبا الحسن المطهر بن أبي علي العلوي بالري يقول سمعت أبا سعد السمان إمام المعتزلة يقول

ومن لم يكتب الحديث لم يتغرغر بحلاوة الإسلام

16 - قال المقدسي ولست أقصد أن أستقصي ما ذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة رضي الله عنهم وعن أئمة المسلمين قرنا بعد قرن ما في مدح هذه الفرقة على أن لا تقام سنة ولا تذل بدعة ولا يؤمر بمعروف ولا ينهى عن منكر إلا هو دليل على فضلهم لأنهم الذين رووه ونقلوه ودونوه حتى بلغ إلى من عمل به

وقد صنف غير واحد من أئمتنا في هذا المعنى كتبا تشمل على مناقبهم وإنما قدمنا هذه النبذ في أول هذا السؤال لنبني عليها المقال

فاسمع الآن ما له قصدت وبيان ما عنه سألت

(1/50)

17 - اعلم أن طلب العلو من الحديث من علو همة المحدث ونبل قدره وجزالة رأيه وقد ورد في طلب العلو سنة صحيحة

أخبرنا بها أبو عمر عثمان بن محمد بن عبيد الله العدل بنيسابور قال أنا أبو نعيم عبد الملك بن الحسن الاسفرائينى ثنا أبو عوانه يعقوب ابن إسحاق الحافظ ثنا محمد بن حيوة ثنا أبو سلمة ثنا سليمان ابن المغيرة ثنا ثابت عن أنس بن مالك قال

كنا قد نهينا في القرآن أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم 5 أعن شيء فكان يعجبنا أن يجئ الرجل من أهل البادية فيسأله ونحن نسمع وكانوا أجرأ على ذلك منا

قال فجاء رجل من أهل البادية

فقال يا محمد أتانا رسولك فزعم أنك تزعم أن الله أرسلك

قال صدق

(1/51)

قال فمن خلق السماء

قال الله

قال فمن خلق الأرض

قال الله

قال فمن نصب هذه الجبال

قال الله

قال فبالذي خلق السماء وخلق الأرض ونصب فيها الجبال وجعل فيها المنافع الله أرسلك

قال نعم

قال وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا

قال صدق

قال فبالذي أرسلك الله أمرك بهذا

قال نعم

قال وزعم رسولك أن علينا صوم شهر رمضان في سنتنا

قال صدق

قال فبالذي أرسلك الله أمرك بهذا

قال نعم

قال وزعم رسولك أن علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلا

قال صدق

قال فبالذي أرسلك الله أمرك بهذا

قال نعم ثم ولى الرجل

ثم قال والذي بعثك بالحق لا أزيد عليهن شيئا ولا أنقص منهن شيئا ثم ولى

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم

لئن صدق ليدخلن الجنة

(1/52)

صحيح رواه مسلم في صحيحه عن عمرو الناقد عن أبي النضر هاشم بن القاسم عن سليمان

وقال البخاري في كتاب العلم ورواه موسى وعلي بن عبد الحميد عن سليمان

وأبو سلمة المكنى في إسنادنا هو موسى الذي ذكره البخاري وهو موسى بن إسماعيل التبوذكى

فهذا دليل 5 ب على طلب المرء العلو من الإسناد والرحلة فيه فإن هذا الرجل المكنى عن اسمه في هذا الحديث هو ضمام بن ثعلبة لما جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما فرض عليهم لم يقنعه ذلك حتى وصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسمع منه

(1/53)

فلو كان طلب العلو غير مستحب لا نكر عليه صلى الله عليه وسلم سؤاله عما أخبره رسوله عنه والله أعلم بالصواب

18 - فقد أجمع أهل النقل على طلبهم العلو ومدحه إذ لو اقتصروا على سماعه بنزول لم يرحل أحد منهم

ثم وجدنا الأئمة المقتدى بهم في هذا الشأن سافروا الآفاق في سماعه ولو اقتصروا على النزول لوجد كل واحد منهم ببلده من يخبره بذلك الحديث

(1/54)

ولو شرعنا في ذكر من مدح العلو ونعت من رحل فيه وأقاويلهم في ذلك تجاوزنا حدا الاختصار إلا أن المميز يستدل برواياتهم على سفرهم

19 - وقد ذم قوم النزول وأطنبوا في ذمه كما أخبرنا أبو الفتح المطهر بن أحمد البيع بأصبهان قال أنا أحمد بن عبد الله الأصبهاني قال سمعت أبا بكر محمد بن علي الأصبهاني يقول

سمعت الحسن ابن حبيب بدمشق يقول

حدثنا علان بن المغيرة قال

سمعت يحيى بن معين يقول

الحديث بنزول كالقرحة في الوجه

20 - أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن مسعدة الجرجاني بها قال أنا حمزة بن

(1/55)

يوسف السهمي قال أنا عبد الله بن عدي قال أنا بكر بن محمد الكاتب بمرو قال سمعت إسماعيل بن إسحاق يقول سمعت علي ابن المديني يقول

النزول شؤم

(1/56)

مسألة العلو والنزول في الحديث

21 - فإذا كان الأمر على ما ذكرناه من مدحهم 6 أالعلو وذمهم النزول فاعلم أن العلو في الحديث على درجات خمس

22 - الدرجة الأولى

حديث صح سنده وقل عدده

وهذا الحد الذي وضعناه يعسر على المبتدي ويسهل على المميز بين الصحيح والسقيم فرب إسنادين استويا في العدد أحدهما ثابت والآخر واه لا أصل له

(1/57)

23 - مثاله ما أخبرناه أبو القاسم قاسم بن أحمد بن أحمد بثغر آمد ثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد بن حشيش العدل ثنا أبو سعيد الحسن بن علي العدوي شيبان بن فروخ ثنا نافع بن عبد الله أبو هرمز عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

عليكم بركعتي الفجر فإن فيهما الرغائب

24 - فهذا إسناد إذا تأمله من ليس الحديث من صناعته اعتقد علوه وقدمه على سائر حديثه وافتخر بقلة عدد رواته إلا أن إسناده لا تقوم به الحجة لأن نافعا هذا غير ثقة

(1/58)

25 - أخبرنا أبو القاسم الإسماعيلي قال أنا حمزة بن يوسف ثنا عبد الله ابن عدي قال سمعت أبا العلي الموصلي يقول سألت يحيى بن معين عن نافع أبي هرمز قال ليس بشيء وقال ابن أبي مريم

سألت يحيى عنه فقال ليس بثقة

وقال عباس ثنا يحيى قال أبو هرمز الذي يروى عنه أنس ضعيف الحديث

وقال النسائي ليس بثقة

والعدوي هذا أيضا كذاب

26 - فإذا ورد عليك 6 ب أحاديث هذا مع أمثاله

مثل كثير بن سليم ويغنم بن سالم بن قنبر وفرج

(1/59)

وموسى ابن عبد الله الطويل وأبي الدنيا عثمان بن الخطاب وخراش بن عبد الله فلا تفرح بها ولا تعرج عليها

وهؤلاء قوم معروفون عند أهل النقل بطيور السن ورواياتهم شبه الريح يدعون أعمارا طويلة ويروون أحاديث دخيلة لم يحتج حديثهم محتج ولم ينقل في كتب الأئمة عنهم شيئا وإنما تنقل أحاديثهم للمعرفة والاستدلال على كذبهم وضعفهم

أعاذنا الله وإياك من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم

27 - فهذا الحد الواهي الذي أشرت إليه قبل وقد يقع لأمثالنا بهذا العدد أحاديث مشهورة الأسانيد متصلة مثاله

ما أخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن أحمد البزاز ببغداد قال أنا أبو

(1/60)

القاسم عبيد الله بن محمد بن إسحاق قال أنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي ثنا طالوت بن عباد قال حدثني فضال بن جبير قال سمعت أبا أمامة الباهلي يقول

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

اكفلوا إلي بست أكفل لكم بالجنة

إذ حدث أحدكم فلا يكذب

وإذا ائتمن فلا يخن

وإذا وعد فلا يخلف

غضوا أبصاركم

وكفلوا أيديكم

واحفظوا فروجكم

(1/61)

فإسناد هذا الحديث في العدة إلى الصحابي كالإسناد المتقدم وطريقه أشهر ورواته أوثق

أما فضال بن جبير فإن أبا أحمد العسال الحافظ الأصبهاني ذكره فقال

فضال بن جبير بصري سمع 7 أمن أبي أمامة يكنى أبا المهند

وأورد له هذا الحديث في كتابه عن مطين محمد بن عبد الله الكوفي

وأما طالوت بن عباد الصيرفي أبو عثمان الجحدري فقال عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي في كتابه طالوت بن عباد عنه أبي سئل عنه فقال صدوق

ومن بعدهما إلى شيخنا عدول ثقات

(1/62)

28 - فهذا أحد الدرجة الأولى من العلو والتمييز فيما بين الصحيح والسقيم

وقد يقع إلينا بعلو درجة على ما تقدم إلا أنه أضعف من الذي ذكرناه وأوهى من ذلك

ما أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد عبد الله الخطيب الصريفيني ببغداد إملاء من حفظه قال حدثني أبو حفص عمر بن إبراهيم الكتاني المقرئ قال حدثني أبو سعيد الحسن بن علي العدوي قال حدثني خراش بن عبد الله وقال سمعت أنس بن مالك يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول

الصوم جنة

وهذا أعلى من المتقدم بدرجة إلا أنه شبه الريح لأن ابن خراش هذا مجهول والعدوي كذاب والحمل فيه عليه

وقوله الصوم جنة صحيح من طريق أبي هريرة فركب له العدوي إسنادا وجعله عن أنس بعلو

(1/63)

29 - أخبرنا به أبو بكر إسماعيل بن علي الخطيب بالري قال أنا أبو زكريا يحيى بن إبراهيم ثنا أبو حفص عمر بن محمد أحمد الجمحي بمكة ثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو نعيم الفضل بن دكين قال نا الأعمش

عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله عز وجل

الصوم لي وأنا أجزي به يدع شهوته وأكله وشربه 7 ب من أجلي

والصوم جنة وللصائم فرحتان فرحة عند إفطاره وفرحة عند لقاءه ربه

ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك

(1/64)

أخرجه البخاري في التوحيد عن أبي نعيم الفضل كذلك

30 - الدرجة الثانية

العلو إلى الأئمة

وهذه الدرجة تنقسم إلى قسمين

(1/65)

31 - الأول العلو إلى الأئمة وعلو الأئمة إلى الصحابي

فنجد أولا حدا يعرف به المبتدي الأئمة فنقول قوم حدثونا عن التابعين ثم يقع حديثهم إلى أمثالها عن أربعة رجال مثل مالك بن أنس ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب وشعبة والثوري والحمادين ومن طبقتهم على القاعدة التي قدمناها في الثقة وإمكان سماع كل واحد من صاحبه

(1/66)

32 - وفي هذه الطبقة قوم تأخرت وفاتهم عمن ذكرنا فعلا حديثهم ومنهم من تقدمت وفاتهم فلا يقع حديثهم إلا نازلا وسيجيء الكلام على تفصيل طبقاتهم إن شاء الله عز وجل

33 - فمثال القسم الأول إسناد يقع لأمثالنا إلى شعبة أو غيره ممن قدمنا ذكره بعلو ثم يعلو لشعبة إلى الصحابي الراوي للحديث

ومثاله

ما أخبرناه أبو عبد الله محمد بن عبد العزيز الهروي بها قال أنا أبو محمد بن عبد الرحمن بني أبي شريح الأنصاري ثنا أبو القسم البغوي ثنا علي بن الجعد ثنا شعبة عن محمد بن المنكدر قال سمعت جابرا قال استأذنا على النبي صلى الله عليه وسلم فقال من هذا فقلت أنا فقال أنا أنا كأنه كرهه

(1/67)

348 - 4 8 أفهذا هو الحد في العلو إلى الإمام وعلو الإمام إلى الصحابي مع صحة سماع كل واحد من صاحبه

وعلى هذا سائر الروايات إلى كل من روى عن متقدمي التابعين ومتأخريهم فإن التابعين أيضا على طبقات عدة إلا أنا نختصرهم فنمثلهم ثلاث طبقات

35 - الطبقة الأولى قوم رووا عن العشرة فمن في طبقتهم فلا يكاد يقع حديثهم إلا كما يقع حديث متأخري الصحابة لتقدم موتهم ولا يوجد حديثهم إلا عند تابعي

(1/68)

36 - الطبقة الثانية قوم رووا عن متوسطي الصحابة وهم الذين أدركهم هؤلاء الأئمة وأمثالهم

37 - الطبقة الثالثة قوم حدثوا عن صغار الصحابة الذين تأخرت وفاتهم فأدركوهم في حال صغر سنهم وكبر سن الصحابة الذين عمروا وكانوا صغارا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن آخر من مات بمكة من الصحابة أبو الطفيل عامر بن وائلة وبالمدينة سهل بن سور وبالشام عبد الله بن بسر

(1/69)

وبمصر عبد الله بن الحارث بن جزء

وبالكوفة عبد الله بن أبي أوفى

وبالبصرة أنس بن مالك

38 - هؤلاء آخر من بقي من الصحابة في بلاد الإسلام وأدركهم جماعة العلماء فسمي من لقي واحدا منهم تابعيا وإن كان صغيرا وقت السماع أو كبير إلا أن الرواة عن هؤلاء الصحابة على حزبين

صادق في لقيه لهم

وكاذب

وقد قدمنا من هذه سمته من كلا الفريقين

(1/70)

39 - والقسم الثاني من الدرجة الثانية

علو المحدث إلى الإمام ثم نزول 8 ب الإمام بعد إلى الصحابة

ومثاله ما أخبرنا أبو القاسم فضل بن عبد الله المفسر بنيسابور ثنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن عمر الزاهد ثنا أبو العباس محمد بن إسحاق السراج ثنا غياث بن جعفر ثنا سفيان عن عثمان بن أبي سليمان عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن عمرو بن سليم عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا دخل أحدكم المسجد فليصل ركعتين قبل أن يجلس

(1/71)

40 - فهذا الحديث علا إلى أبي محمد سفيان بن عينية فإنه أحد الأئمة أدرك جماعة من التابعين وروى عنهم إلا أنه نزل إلى الصحابي في هذا الإسناد من طريق العدد فافهم ذلك

41 - أخبرنا أبو بكر الأديب بنيسابور قال أنا الحاكم أبو عبد الله قال سمعت أبا بكر محمد بن عبد الله الشافعي يقول سمعت بشر بن موسى يقول سمعت الحميدي يقول سمعت سفيان يقول رأيت شعبة وثمانين نفسا من التابعين

(1/72)

43 - الطبقة الأولى قوم حدثوا عن التابعين وتقدمت وفاتهم فلا يقع الحديث إلى واحد منه إلا بزيادة رجل في الإسناد عن الحد الذي شرطناه

فمن تقدم من الأئمة مثل ابن جريج والأوزاعي ويونس بن زيد وأقرانهم فإن هؤلاء حدثوا عن الزهري وغيره من التابعين فقد يقع الحديث إلى الزهري من غير طريقهم عليا إلا أنا إذا أوردناه عن واحد منهم فلا يقع لنا بالعدد الذي قدمنا ذكره

44 - مثاله إلى الأوزاعي ما أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن علي الكاتب بشيراز قال أنا أبو علي الحسن بن أحمد بن محمد بن الليث الحافظ ثنا

(1/73)

أبو العباس محمد بن يعقوب قال أنا العباس بن الوليد بن مزيد البيروني قال أخبرني أبي قال سمعت الأوزاعي قال حدثني ابن شهاب عن أنس بن مالك أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم شرب لبنا وعن يساره أبو بكر وعمر وعن يمينه رجل أعرابي فأعطى الأعرابي فضله ثم قال الأيمن فالأيمن

(1/74)

45 - فهذا الحديث بعينه قد وقع من حديث الزهري عاليا إلا أنه من طريق الأوزاعي لا يقع أعلى من هذا فيكون علونا إلى الأوزاعي فيه عنه فإن العباس بن الوليد ممن روى عنه أبو داود وأبو زرعة والنسائي وغيرهم

وعلى هذا المثال سائر الأئمة الذين تقدمت وفاتهم ثم لم يقع حديثهم إلى المحدث بعلو فهذه العدة علامة العلو إليهم

46 - والطبقة الثانية

من الأئمة الجماعة الذين قدمنا ذكرهم وأمثالهم فأغنى عن إيراد مثال يستدل به على منزلتهم

47 - الطبقة الثالثة

قوم تأخرت وفاتهم وتقدم سماعهم من متأخري التابعين الذين وصفناهم ك يزيد بن هارون ومحمد بن عبد الله

(1/75)

الأنصاري 9 ب وأبي عاصم النبيل وعبيد الله بن موسى وغيرهم

48 - الدرجة الثالثة من العلو

تقدم السماع وتأخره

مثاله أن يسمع تابعي من صحابي حديثا وتقدم وفاة ذلك التابعي

(1/76)

49 - مثاله حدثنا أبو القاسم علي بن أحمد البندار ببغداد قال أنا أو طاهر محمد بن عبد الرحمن المخلص ثنا أبو القاسم البغوي ثنا شيبان ابن فروخ ثنا مبارك بن فضالة ثنا الحسن

عن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة إلى جنب خشبة مسندا ظهره إليها فلما كثر الناس وقال ابنوا لي منبرا فبنوا له عتبتين فلما قام على المنبر فخطب حنت الخشبة

إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حنين الواله فما زالت تحن حتى نزل إليها فاحتضنها فسكتت

(1/77)

50 - فكان الحسن إذا حدت بهذا الحديث بكى ثم قال يا عباد الله الخشبة تحن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شوقا إليه لمكانه من الله عز وجل فأنتم أحق أن تشتاقوا إلى لقائه

فالحسن بن أبي الحسن البصري رحمه الله سمع هذا الحديث من أنس وتوفي في رجب سنة عشر ومائة

51 - ثم يروي عن أنس تابعي آخر

مثاله ما أخبرنا أبو الفضل العباس بن محمد بن الحسين بمرشت قرية من رستاق مروروذ قال أنا أبو الفضل الرشيدي ثنا

(1/78)

أبو بكر المفيد ثنا أحمد بن عبد الرحمن اسقطي ثنا يزيد بن هارون قال أنا حميد عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

1 - أدخلت الجنة فرأيت قصرا من ذهب

فقلت لمن هذا

قالوا لشاب من قريش

فقلت لمن

قالوا لعمر بن الخطاب

(1/79)

52 - هذا حميد بن أبي حميد روى عن أنس وصح سماعه منه وتوفي سنة ثلاث وأربعين ومائة

فلا يكون الإسناد إلى الحسن مثل الإسناد إلى حميد وإن استويا في المرتبة بل يكون الطريق إلى الحسن أعلى وأجل ثم الراوي عن الحسن المبارك بن فضالة وتوفي سنة ست وستين ومائة

والراوي عن حميد يزيد بن هارون وتوفي بواسط غرة ربيع الأول سنة ست ومائتين

53 - وقد يقع في طبقات المتأخرين ما هو أعجب من هذا مثاله أن البخاري حدث في كتابه عن أحمد بن أبي داود عن روح حديث

(1/80)

قوله صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن

54 - وحدث بهذا الحديث بعينه أبو عمرو بن السماك عن ابن أبي داود هذا وبين وفاته ووفاة البخاري ثمان وثمانون سنة فان البخار توفي سنة ست وخمسين ومائتين وتوفي أبو عمرو سنة أربع وأربعين وثلاثمائة

والسبب أن البخاري توفي قبل ابن أبي داود بأربع عشرة سنة فلو ولد مولود وفاة البخاري احتمل أن يسمع من ابن داود فهما وإن اجتمعا في المنزلة فقد افترقا في الجلالة وقدم السماع

فلا يكون الطريق إلى البخاري كالطريق إلى أبي عمرو ابن السماك

55 - أخبرنا أبو نصر عبد السيد بن محمد الفقيه البغدادي بأصبهان قال أنا 10 ب أبو علي الحسن بن أحمد ابن شاذان ثنا أبو عمرو عثمان بن أحمد بن السماك ثنا أبو جعفر محمد بن عبيد الله المنادي

(1/81)

ثنا روح بن عبادة ثنا سعيد بن أبي عروبة

عن قتادة عن أنس قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بن كعب إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن

قال آلله سماني لك قال وقد ذكرت عند رب العالمين

قال نعم

فذرفت عيناه

أخرجه البخاري عن أحمد بن أبي داود وكذلك كان يسميه البخاري وهو أبو جعفر هذا والله أعلم

(1/82)

56 - وعلى هذا القياس فهذه قاعدة إذا وقفت عليها قست عليها طبقات الصحابة ثم هلم جرا إلى عصرنا هذا

57 - الدرجة الرابعة من العلو

أقوام لا يقع حديثهم إلى محدث زماننا إلا بتلك العدة مثل محمد بن إسماعيل البخاري ومسلم بن الحجاج وأبي

(1/83)

داود السجستاني وأبو حاتم وأبو زرعة الرازيان ومن في طبقاتهم من المشايخ فهم وإن كان معظم ما يروونه وجله عن أصحاب الأئمة إلا أن حديثهم لا يقع كما يقع من الطريق التي قدمنا إلى الأئمة

58 - فعلامة العلو إلى هذه الطبقة

ما أخبرنا أبو محمد علي بن الحسين العدل بتنيس قال أنا جدي أبو العباس محمد بن إبراهيم البغدادي قال أنا أبو القاسم جعفر بن محمد بن الحسن الجروي ثنا محمد بن إسماعيل

وعلى هذا القياس يقع سائر أحاديث من ذكرنا من هؤلاء المشايخ ومن لم نذكرهم ها هنا

59 - الطبقة الخامسة من العلو

11 - أكتب مصنفة لأقوام من أهل العلم فإذا أراد الرجل أن ينظر فيها ويرويها لا يمكنه ذلك إلا بالرواية إلى المصنف مثال ذلك

(1/84)

تصانيف أبي بكر بن أبي الدنيا وبعده أبي سليمان الخطابي وأشباهما

فيكون علونا إلى أبي سليمان أن تقول

60 - أخبرنا أبو القاسم سعد بن علي الزنجاني بمكة يرحمه الله قال

(1/85)

أنا أبو محمد جعفر بن علي المروزي ثنا أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي

ولا يقع بأقل من هذا العدد

61 - ثم نظرنا فإذا شيخ روى عنه أبو سعيد ابن الأعرابي

وقد وقع لنا حديثه عاليا أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن سعيد الحافظ الحبال بمصر قال أنا أبو محمد عبد الرحمن بن النحاس قال

أنا أبو سعيد بن الأعرابي

وعندنا إلى أبي سعيد بن الأعرابي عدة طرق بهذه المنزلة إلا أن هذه التصانيف لعزتها وكثرة المنفعة بها وتعذر وجودها لقدم موت المصنف والراوي عنه تكون عاليا بهذه العدة

62 - واعلم أن كل حديث عسر على المحدث ولم يجده عاليا ولا بدله من إيراده في تصنيف أو احتجاج به فمن أي وجه أورده فهو عال لعزته ومثاله

أن البخاري إمام الصنعة أدرك الإسناد وروى عن أصحاب التابعين مثل

محمد بن عبد الله الأنصاري وأبي عاصم النبيل

(1/86)

ومكي بن إبراهيم وعبيد الله بن موسى وغيرهم وحدث عن أصحاب مالك بن أنس

ولما أراد إخراج حديث أبي إسحاق الفزاري تعنى فيه فلم يجده إلا ثلاثة عن مالك

6311 - 11 ب أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد إمام جامع أصبهان أنا أبو بكر أحمد موسى الحافظ ثنا دعلج بن أحمد ثنا محمد أحمد بن النضر ثنا معاوية بن عمرو ثنا أبو إسحاق الفزاري عن مالك بن أنس قال حدثني ثور بن زيد قال حدثني سالم مولى ابن مطيع أنه سمع أبا هريرة يقول

افتتحنا خيبر فلم نغنم ذهبا ولا فضة إنما غنمنا الإبل والبقر

(1/87)

والمتاع والحوايط ثم انصرفنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى وادي القرى وذكر الحديث

فهذا رواه البخاري عن عبد الله بن محمد المسندي البخاري معاوية بن عمر عن أبي إسحاق عن مالك

فيكون دعلج في روايته عن النضر بمنزلة البخاري

64 - ثم إنا لو أردنا أن نورده بإسناد إلى البخاري عاليا لم نجده أو إلى شيخه لم نجده

وإذا أردنا أن نورده من حديث مالك وجدنا

أخبرنا به أبو عبد الله بن العزيز الهروي بها قال أنا عبد الرحمن بن أبي شريح ثنا أبو القاسم البغوي ثنا مصعب بن عبد الله الزبيري قال حدثني مالك عن ثور بن زيد

(1/88)

الديلي عن أبي الغيث مولى ابن مطيع عن أبي هريرة قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام جيبر فلم نغنم ذهبا ولا فضة وذكر الحديث

وقد ذكرنا هذا الحديث وطرقه والكلام عليه والسبب الذي نزل فيه البخاري لأجله في غير هذا الموضع

65 - فهذا الحديث بعينه قد وقع لنا إلى مالك عاليا فأكون كأني سمعته من البخاري نفسه من طريق العدد فإن مصعبا في مقابلة الفزاري

12 - أوالبغوي في مقابلة معاوية بن عمرو وابن أبي شريح في مقابلة عبد الله بن محمد وشيخنا في مقابلة البخاري رحمه الله

66 - وقد تقدم لسلم بن الحجاج مثل هذا أيضا أحاديث منها

ما أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد البزاز ببغداد ثنا عيسى

(1/89)

بن علي إملاء ثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز ثنا عثمان ابن أبي شيبة وعبد الله بن سعيد قالا أنا عبدة

عن هشام بن عروة عن بكر بن وائل عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس أن سعدا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نذر كان على أمه وذكر الحديث

67 - ومثله عن ابن عباس عن سعد قال ماتت أمي وعليها نذر فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فأمرني أن أقضيه عنها

68 - وهذا رواه مسلم في كتابه عن عثمان بن أبي شيبة هذا كما أوردناه

والنزول في هذا الحديث لا ينسب إلى مسلم فإنه حدث عن عثمان بن أبي شيبة وهو من أماثل رجاله

(1/90)

ولا ينسب إلى عثمان فإنه حدث عن عبدة وهو من أجلاء مشايخه

ولا إلى عبدة فإنه حدث عن هشام وهو من أنبال مشايخه

وإنما النزول في هذا الحديث ينسب إلى هشام فإنه حدث عن رجل أصغر منه عن الزهري وهو في طبقته

69 - وقد وقع إلينا هذا الحديث بعينه من حديث الزهري عاليا

أخبرنا أبو الحسن بن عبد الرحمن الشافعي بمكة ثنا أبو الحسن بن فراس قال أنا أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله ابن محمد المقرئ قال أنا جدي 12 ب محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ ثنا سفيان بن عينية عن الزهري عن عبيد الله بالحديث بعينه

(1/91)

70 - فيكون كأنا سمعناه من مسلم بن الحجاج

لأن ابن وائل في مثابة سفيان

وابن المقرئ في مقابلة هشام

وأبو محمد في مقابلة عبدة

وابن فراس في مقابلة عثمان

وشيخنا في مقابلة مسلم

71 - فتدبر نفعنا الله وإياك ما ذكرت لك من هذه النبذ بفكرك وتصورها بقلبك فإنها ترشدك إلى المراد والله أعلم

( فهرس المحتويات )

مصطلح الحديث

الكتاب: مصطلح الحديث

المؤلف: محمد بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى: 1421هـ)

الناشر: مكتبة العلم، القاهرة

الطبعة: الأولى، 1415 هـ - 1994 م

عدد الأجزاء: 1

[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.

أما بعد:

فإن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله، وأنزل عليه الكتاب والحكمة - فالكتاب هو: القرآن، والحكمة هي: السنة -؛ ليبين للناس ما نزل إليهم، ولعلهم يتفكرون فيهتدون ويفلحون.

فالكتاب والسنة هما الأصلان اللذان قامت بهما حجة الله على عباده، واللذان تنبني عليهما الأحكام الاعتقادية والعملية إيجابا ونفيا.

والمستدل بالقرآن يحتاج إلى نظر واحد وهو النظر في دلالة النص على الحكم، ولا يحتاج إلى النظر في مسنده؛ لأنه ثابت ثبوتا قطعيا بالنقل المتواتر لفظا ومعنى:) إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) (الحجر: 9)

والمستدل بالسنة يحتاج إلى نظرين:

أولها: النظر في ثبوتها عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ ليس كل ما نسب إليه صحيحا.

ثانيهما: النظر في دلالة النص على الحكم.

ومن أجل النظر الأول احتيج إلى وضع قواعد؛ يميز بها المقبول من المردود فيما ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قام العلماء - رحمهم الله - بذلك وسموه: (مصطلح الحديث)

وقد وضعنا فيه كتابا وسطا، يشتمل على المهم من هذا الفن، - حسب المنهج المقرر

(1/3)

للسنتين الأولى والثانية في القسم الثانوي في المعاهد العلمية وسميناه: (مصطلح الحديث) .

وقد جعلناه قسمين: القسم الأول يتضمن مقرر السنة الأولى، والقسم الثاني يتضمن مقرر السنة الثانية.

والله أسأل أن يجعل عملنا خالصا لوجهه، موافقا لمرضاته، نافعا لعباده إنه جواد كريم.

المؤلف

(1/4)

القسم الأول من كتاب (مصطلح الحديث)

مصطلح الحديث:

أ - تعريفه ب - فائدته:

أ - مصطلح الحديث:

علم يعرف به حال الراوي والمروي من حيث القبول والرد.

ب - وفائدته:

معرفة ما يقبل ويرد من الراوي والمروي.

الحديث - الخبر - الأثر - الحديث القدسي:

الحديث: ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول، أو فعل، أو تقرير، أو وصف.

الخبر: بمعنى الحديث؛ فيعرف بما سبق في تعريف الحديث.

وقيل: الخبر ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإلى غيره؛ فيكون أعم من الحديث وأشمل.

الأثر: ما أضيف إلى الصحابي أو التابعي، وقد يراد به ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم مقيدا فيقال: وفي الأثر عن النبي صلى الله عليه وسلم.

الحديث القدسي: ما رواه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه - تعالى -، ويسمى أيضا (الحديث الرباني) و (الحديث الإلهي)

مثاله: قوله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه - تعالى - أنه قال: "أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم" (1)

ومرتبة الحديث القدسي بين القرآن والحديث النبوي، فالقرآن الكريم ينسب إلى الله تعالى لفظا ومعنى، والحديث النبوي ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم لفظا ومعنى (2) ، والحديث القدسي ينسب إلى الله تعالى معنى لا لفظا، ولذلك لا يتعبد بتلاوة لفظه، ولا يقرأ في الصلاة، ولم يحصل به التحدي، ولم

_________

(1) رواه البخاري (7405) كتاب التوحيد، 15- باب قول الله تعالى: (ويحذركم الله نفسه) (آل عمران: 28) . ومسلم (2675) كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، 1- باب الحث على ذكر الله تعالى.

(2) يستثنى من ذلك ما علم أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله بالوحي كالإخبار عن المغيبات في المستقبل، وكما في حديث يعلى بن أمية في الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عمن أحرم بالعمرة وهو متضمخ بطيب، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم حتى جاءه الوحي بذلك، فمثل هذا ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم لفظا لا معنى (المؤلف) .

(1/5)

ينقل بالتواتر كما نقل القرآن، بل منه ما هو صحيح وضعيف وموضوع.

أقسام الخبر باعتبار طرق نقله إلينا:

ينقسم الخبر باعتبار طرق نقله إلينا إلى قسمين: متواتر وآحاد.

الأول - المتواتر:

أ - تعريفه ب - أقسامه مع التمثيل ج - ما يفيده:

أ - المتواتر:

ما رواه جماعة يستحيل في العادة أن يتواطؤوا على الكذب، وأسندوه إلى شيء محسوس.

ب - وينقسم المتواتر إلى قسمين:

متواتر لفظا ومعنى، ومتواتر معنى فقط.

فالمتواتر لفظا ومعنى: ما اتفق الرواة فيه على لفظه ومعناه.

مثاله: قوله صلى الله عليه وسلم: "من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" (1) . فقد رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من ستين صحابيا، منهم العشرة المبشرون بالجنة، ورواه عن هؤلاء خلق كثير.

والمتواتر معنى: ما اتفق فيه الرواة على معنى كلي، وانفرد كل حديث بلفظه الخاص.

مثاله: أحاديث الشفاعة، والمسح على الخفين، ولبعضهم:

مما تواتر حديث من كذب

ومن بنى لله بيتا واحتسب

ورؤية شفاعة والحوض

ومسح خفين وهذى بعض

_________

(1) انظر: البخاري (1291) كتاب الجنائز، 34- باب ما يكره من النياحة على الميت ... عن المغيرة. وهو في البخاري أيضا (110) كتاب العلم، 38- باب إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم. ومسلم (3) المقدمة، 2- باب تغليظ الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقارن مع كلام الحافظ في << فتح الباري>> (1/203- فما بعد) .

(1/6)

جـ - والمتواتر بقسميه يفيد:

أولا: العلم: وهو: القطع بصحة نسبته إلى من نقل عنه.

ثانيا: العمل بما دل عليه بتصديقه إن كان خبرا، وتطبيقه إن كان طلبا.

الثاني - الآحاد:

أ - تعريفها ب - أقسامها باعتبار الطرق مع التمثيل ج - أقسامها باعتبار الرتبة مع التمثيل د - ما تفيده.

أ - الآحاد:

ما سوى المتواتر.

ب - وتنقسم باعتبار الطرق إلى ثلاثة أقسام:

مشهور وعزيز وغريب.

1 - فالمشهور: ما رواه ثلاثة فأكثر، ولم يبلغ حد التواتر.

مثاله: قوله صلى الله عليه وسلم: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" (1) .

2 - والعزيز: ما رواه اثنان فقط.

مثاله: قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين" (2) .

3 - والغريب: ما رواه واحد فقط.

مثاله: قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ... " (3) الحديث.

فإنه لم يروه عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولا عن عمر إلا علقمة بن وقاص، ولا عن علقمة إلا محمد بن إبراهيم التيمي، ولا عن محمد إلا يحيى بن سعيد الأنصاري، وكلهم من التابعين ثم رواه

_________

(1) رواه البخاري (10) كتاب الإيمان، 4- باب المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده. ومسلم (40) كتاب الإيمان، 41- باب بيان تفاضل الإسلام وأي أموره أفضل.. من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص. ورواه البخاري (11) كتاب الإيمان، 5- باب أي الإسلام أفضل. ومسلم (42) كتاب الإيمان، 14- باب تفاضل الإسلام وأي أموره أفضل.. من حديث أبي موسى الأشعري. ورواه مسلم (41) كتاب الإيمان، 14- باب بيان تفاضل الإسلام وأيو أموره أفضل.. من حديث جابر.

(2) رواه البخاري 0159 كتاب الإيمان، 8- باب حب الرسول صلى الله عليه وسلم من الإيمان. ومسلم (44) كتاب الإيمان، 116- باب وجوب محبة رسول اله صلى الله عليه وسلم أكثر من الأهل والولد والناس أجمعين، وإطلاق عدم الإيمان على من لم يحبه هذه المحبة.

(3) رواه البخاري (1) كتاب بدء الوحي، 1- باب كيف بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومسلم (1907) كتاب الإمارة، 45- باب قوله صلى الله عليه وسلم: " إنما الأعمال بالنية"، وأنه يدخل فيه الغزو وغيره من الأعمال.

(1/7)

عن يحيى خلق كثير.

جـ - وتنقسم الآحاد باعتبار الرتبة إلى خمسة أقسام:

صحيح لذاته، ولغيره، وحسن لذاته، ولغيره، وضعيف.

1 - فالصحيح لذاته: ما رواه عدل تام الضبط بسند متصل وسلم من الشذوذ والعلة القادحة.

مثاله: قوله صلى الله عليه وسلم: "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين" (1) . رواه البخاري ومسلم.

وتعرف صحة الحديث بأمور ثلاثة:

الأول: أن يكون في مصنف التزم فيه الصحة إذا كان مصنفه ممن يعتمد قوله في التصحيح "كصحيحي البخاري ومسلم".

الثاني: أن ينص على صحته إمام يعتمد قوله في التصحيح ولم يكن معروفا بالتساهل فيه.

الثالث: أن ينظر في رواته وطريقة تخريجهم له، فإذا تمت فيه شروط الصحة حكم بصحته.

2 - والصحيح لغيره: الحسن لذاته إذا تعددت طرقه.

مثاله: حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يجهز جيشا فنفدت الإبل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ابتع علينا إبلا بقلائص من قلائص الصدقة إلى محلها" (2) ؛ فكان يأخذ البعير بالبعيرين والثلاثة. فقد رواه أحمد من طريق محمد بن إسحاق، ورواه البيهقي من طريق عمرو بن شعيب، وكل واحد من الطريقين بانفراده حسن، فبمجموعهما يصير الحديث صحيحا لغيره.

وإنما سمي صحيحا لغيره، لأنه لو نظر إلى كل طريق بانفراد لم يبلغ رتبة الصحة، فلما نظر إلى مجموعهما قوي حتى بلغها.

_________

(1) رواه البخاري (71) كتاب العلم، 13- باب من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين. ومسلم (1037) كتاب الزكاة، 33- باب النهي عن المسألة.

(2) رواه أحمد (2/171/6593) و (2/216/7025) . والبيهقي في كتاب البيوع، باب بيع الحيوان وغيره مما لا ربا فيه بعضه ببعض نسيئة. ومتابعة عمرو بن شعيب عند البيهقي (5/288) الكتاب والباب ذاتهما. وانظر تخريج الشيخ أحمد شاكر على " المسند" (6593) . و"سنن أبي داود" (3357) كتاب البيوع، 16- باب الرخصة في ذلك (بيع الحيوان نسيئة) .

(1/8)

3 - والحسن لذاته: ما رواه عدل خفيف الضبط بسند متصل وسلم من الشذوذ والعلة القادحة.

فليس بينه وبين الصحيح لذاته فرق سوى اشتراط تمام الضبط في الصحيح، فالحسن دونه.

مثاله: قوله صلى الله عليه وسلم: "مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم" (1) .

ومن مظان الحسن: ما رواه أبو داود منفردا به، قاله ابن الصلاح (2) .

4 - والحسن لغيره: الضعيف إذا تعددت طرقه على وجه يجبر بعضها بعضا، بحيث لا يكون فيها كذاب، ولا متهم بالكذب.

مثاله: حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا مد يديه (3) في الدعاء لم يردهما حتى يمسح بهما وجهه وأخرجه الترمذي، قال في "بلوغ المرام": وله شواهد عند أبي داود وغيره، ومجموعها يقضي بأنه حديث حسن.

وإنما سمي حسنا لغيره؛ لأنه لو نظر إلى كل طريق بانفراده لم يبلغ رتبة الحسن، فلما نظر إلى مجموع طرقه قوي حتى بلغها.

5 - والضعيف: ما خلا عن شروط الصحيح والحسن.

مثاله: حديث: "احترسوا من الناس بسوء الظن".

ومن مظان الضعيف: ما انفرد به العقيلي، أو ابن عدي، أو الخطيب البغدادي، أو ابن عساكر في "تأريخه"، أو الديلمي في "مسند الفردوس"، أو الترمذي الحكيم في "نوادر الأصول" - وهو غير صاحب السنن - أو الحاكم وابن الجارود في "تأريخيهما".

د - وتفيد أخبار الآحاد سوى الضعيف:

أولا: الظن وهو: رجحان صحة نسبتها إلى من نقلت عنه، ويختلف ذلك بحسب مراتبها السابقة، وربما تفيد العلم إذا احتفت بها القرائن، وشهدت بها الأصول.

ثانيا: العمل بما دلت عليه بتصديقه إن كان خبرا، وتطبيقه إن كان طلبا.

_________

(1) رواه الترمذي (3) كتاب الطهارة، 3- باب ما جاء في أن مفتاح الصلاة الطهور وقال: هذا الحديث أصح شيء في الباب وأحسن ... وعبد الله بن محمد بن عقيل صدوق، وقد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه. وأبو داود (61) كتاب الطهارة، 31- باب فرض الوضوء. وابن ماجه (275) كتاب الطهارة وسننها، 3- باب مفتاح الصلاة الطهور.. وأحمد (1/123) .

(2) " علوم الحديث" (المقدمة) (ص37) ، مع "التقييد والإيضاح".

(3) رواه الترمذي (3386) كتاب الدعوات، 11- باب ما جاء في رفع الأيدي عند الدعاء. وقال: صحيح غريب. وحديث ابن عباس، رواه أبو داود (1485) كتاب الوتر، 23- باب الدعاء. وكلام الحافظ في "بلوغ المرام" موجود برقم (1581، 1582) باب الذكر والدعاء.

(1/9)

أما الضعيف فلا يفيد الظن ولا العمل، ولا يجوز اعتباره دليلا، ولا ذكره غير مقرون ببيان ضعفه إلا في الترغيب والترهيب؛ فقد سهل في ذكره جماعة بثلاثة شروط:

1 - أن لا يكون الضعف شديدا.

2 - أن يكون أصل العمل الذي ذكر فيه الترغيب والترهيب ثابتا.

3 - أن لا يعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله.

وعلى هذا فيكون فائدة ذكره في الترغيب: حث النفس على العمل المرغب فيه، لرجاء حصول ذلك الثواب، ثم إن حصل وإلا لم يضره اجتهاده في العبادة، ولم يفته الثواب الأصلي المرتب على القيام بالمأمور.

وفائدة ذكره في الترهيب تنفير النفس عن العمل المرهب عنه للخوف من وقوع ذلك العقاب، ولا يضره إذا اجتنبه ولم يقع العقاب المذكور.

شرح تعريف الصحيح لذاته:

سبق أن الصحيح لذاته: ما رواه عدل تام الضبط بسند متصل، وسلم من الشذوذ والعلة القادحة.

فالعدالة: استقامة الدين والمروءة.

فاستقامة الدين: أداء الواجبات، واجتناب ما يوجب الفسق من المحرمات.

واستقامة المروءة: أن يفعل ما يحمده الناس عليه من الآداب والأخلاق، ويترك ما يذمه الناس عليه من ذلك

وتعرف عدالة الراوي بالاستفاضة كالأئمة المشهورين: مالك وأحمد والبخاري ونحوهم، وبالنص عليها ممن يعتبر قوله في ذلك.

وتمام الضبط: أن يؤدي ما تحمله من مسموع، أو مرئي على الوجه الذي تحمله من

(1/10)

غير زيادة ولا نقص، لكن لا يضر خطأ يسير؛ لأنه لا يسلم منه أحد.

ويعرف ضبط الراوي بموافقته الثقات والحفاظ ولو غالبا، وبالنص عليه ممن يعتبر قوله في ذلك.

واتصال السند: أن يتلقى كل راو ممن روى عنه مباشرة أو حكما.

فالمباشرة: أن يلاقي من روى عنه فيسمع منه، أو يرى، ويقول: حدثني، أو سمعت، أو رأيت فلانا ونحوه.

والحكم: أن يروي عمن عاصره بلفظ يحتمل السماع والرؤية، مثل: قال فلان، أو: عن فلان، أو: فعل فلان، ونحوه.

وهل يشترط مع المعاصرة ثبوت الملاقاة أو يكفي إمكانها؟

على قولين؛ قال بالأول البخاري، وقال بالثاني مسلم.

قال النووي عن قول مسلم: أنكره المحققون، قال: وإن كنا لا نحكم على مسلم بعمله في "صحيحه" بهذا المذهب لكونه يجمع طرقا كثيرة يتعذر معها وجود هذا الحكم الذي جوزه، والله أعلم (1) .

ومحل هذا في غير المدلس، أما المدلس فلا يحكم لحديثه بالاتصال إلا ما صرح فيه بالسماع أو الرؤية.

ويعرف عدم اتصال السند بأمرين:

أحدهما: العلم بأن المروي عنه مات قبل أن يبلغ الراوي سن التمييز.

ثانيهما: أن ينص الراوي أو أحد أئمة الحديث على أنه لم يتصل بمن روى عنه، أو لم يسمع، أو ير منه ما حدث به عنه.

والشذوذ: أن يخالف الثقة من هو أرجح منه إما: بكمال العدالة، أو تمام الضبط، وكثرة العدد، أو

_________

(1) "شرح صحيح مسلم" (1/149) .

(1/11)

ملازمة المروي عنه، أو نحو ذلك.

مثاله: حديث عبد الله بن زيد (1) في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم: أنه مسح برأسه بماء غير فضل يده، فقد رواه مسلم بهذا اللفظ من طريق ابن وهب، ورواه البيهقي من طريقه أيضا بلفظ: أنه أخذ لأذنيه ماء خلاف الماء الذي أخذه لرأسه. ورواية البيهقي شاذة؛ لأن راويه عن ابن وهب ثقة، لكنه مخالف لمن هو أكثر منه. حيث رواه جماعة عن ابن وهب بلفظ رواية مسلم، وعليه فرواية البيهقي غير صحيحة، وإن كان رواتها ثقات؛ لعدم سلامتها من الشذوذ.

والعلة القادحة: أن يتبين بعد البحث في الحديث سبب يقدح في قبوله. بأن يتبين أنه منقطع، أو موقوف، أو أن الراوي فاسق، أو سيئ الحفظ، أو مبتدع والحديث يقوي بدعته، ونحو ذلك؛ فلا يحكم للحديث بالصحة حينئذ؛ لعدم سلامته من العلة القادحة.

مثاله: حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن" (2) . فقد رواه الترمذي وقال: لا نعرفه إلا من حديث إسماعيل بن عياش عن موسى بن عقبة ... إلخ.

فظاهر الإسناد الصحة، لكن أعل بأن رواية إسماعيل عن الحجازيين ضعيفة، وهذا منها، وعليه فهو غير صحيح لعدم سلامته من العلة القادحة.

فإن كانت العلة غير قادحة لم تمنع من صحة الحديث أو حسنه.

مثاله: حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر" (3) . فقد رواه مسلم من طريق سعد بن سعيد، وأعل الحديث به، لأن الإمام أحمد ضعفه. وهذه العلة غير قادحة؛ لأن بعض الأئمة وثقه، ولأن له متابعا، وإيراد مسلم له في "صحيحه"

_________

(1) رواه مسلم (236) كتاب الطهارة، 7- باب في وضوء النبي صلى الله عليه وسلم. ورواية البيهقي (1/65) كتاب الطهارة، باب مسح الأذنين بماء جديد. وقال: وهذا إسناد صحيح، ثم ذكر حديث مسلم وقال: هذا أصح من الذي قبله. وانظر: "سبل السلام" (1/499، و"نصب الراية" (1/22) ، و"التلخيص الحبير" (1/90) .

(2) رواه الترمذي (131) كتاب الطهارة، 131- باب ما جاء في الجنب والحائض أنهما لا يقرآن القرآن. وضعفه بإسماعيل بن عياش. وضعفه: البيهقي (1/309- عطا) ، والحافظ في الفتح "الفتح" (1/409) ، والذهبي في "السير" (6/118) و"الميزان" ترجمة إسماعيل.

(3) رواه مسلم (1164) كتاب الصيام، 39- باب استحباب صوم ستة أيام من شوال اتباعا لرمضان. قال القرطبي (2/331) في "تفسيره": حديث حسن صحيح، من حديث سعد بن سعيد الأنصاري المدني، وهو ممن لم يخرج له البخاري شيئا. وقال ابن الملقن في "تحفة المحتاج" (2/112) : له متابعات وشواهد. وانظر: "خلاصة البدر المنير" (1/336) ، و"سبل السلام".

(1/12)

يدل على صحته عنده، وأن العلة غير قادحة.

الجمع بين وصفي الصحة والحسن في حديث واحد:

سبق أن الحديث الصحيح قسيم للحديث الحسن، فهما متغايران، ولكنه يمر بنا أحيانا حديث يوصف بأنه صحيح حسن فكيف نوفق بين هذين الوصفين مع التغاير بينهما؟

نقول: إن كان للحديث طريقان فمعنى ذلك أن أحد الطريقين صحيح، والثاني حسن فجمع فيه بين الوصفين باعتبار الطريقين.

وإن كان للحديث طريق واحد فمعناه التردد هل بلغ الحديث مرتبة الصحيح أو أنه في مرتبة الحسن؟

منقطع السند:

أ - تعريفه ب - أقسامه ج - حكمه:

أ - منقطع السند:

هو الذي لم يتصل سنده، وقد سبق أن من شروط الحديث الصحيح والحسن أن يكون بسند متصل.

ب - وينقسم إلى أربعة أقسام:

مرسل ومعلق ومعضل ومنقطع.

1 - فالمرسل: ما رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم صحابي لم يسمع منه أو تابعي.

2 - والمعلق: ما حذف أول إسناده.

وقد يراد به: ما حذف جميع إسناده كقول البخاري: وكان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله في كل أحيانه (1)

فأما ما ينقله المصنفون كصاحب "العمدة" - مثلا - منسوبا إلى أصله بدون إسناد؛ فلا

_________

(1) علقه البخاري، كتاب الحيض، 7- باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت، وكتاب الأذان، 19- باب هل يتتبع المؤذن فاه هاهنا وهاهنا، وهل يلتفت في الأذان؟. ووصله مسلم (373) كتاب الحيض، 30- باب ذكر الله تعالى في حال الجنابة وغيرها.

(1/13)

يحكم عليه بالتعليق حتى ينظر في الأصل المنسوب إليه. لأن ناقله غير مسند له، وإنما هو فرع، والفرع له حكم الأصل.

3 - والمعضل: ما حذف من أثناء سنده راويان فأكثر على التوالي.

4 - والمنقطع: ما حذف من أثناء سنده راو واحد، أو راويان فأكثر لا على التوالي.

وقد يراد به: كل ما لم يتصل سنده، فيشمل الأقسام الأربعة كلها.

مثال ذلك: ما رواه البخاري؛ قال: حدثنا الحميدي عبد الله بن الزبير قال: حدثنا سفيان، قال: حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري قال: أخبرني محمد بن إبراهيم التيمي أنه سمع علقمة بن وقاص الليثي يقول: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه على المنبر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما الأعمال بالنيات ... " (1) إلخ.

فإذا حذف من هذا السند عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ سمي مرسلا.

وإذا حذف منه الحميدي؛ سمي معلقا.

وإذا حذف منه سفيان ويحيى بن سعيد؛ سمي معضلا.

وإذا حذف منه سفيان وحده أو مع التيمي؛ سمي منقطعا.

جـ - حكمه:

ومنقطع السند بجميع أقسامه مردود؛ للجهل بحال المحذوف، سوى ما يأتي:

1 - مرسل الصحابي.

2 - مرسل كبار التابعين (2) عند كثير من أهل العلم، إذا عضده مرسل آخر، أو عمل صحابي أو قياس.

3 - المعلق إذا كان بصيغة الجزم في كتاب التزمت صحته "كصحيح البخاري".

4 - ما جاء متصلا من طريق آخر، وتمت فيه شروط القبول.

_________

(1) سبق (ص13) وأنه رواه البخاري 01) كتاب بدء الوحي، 1- باب كيف بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومسلم (1907) كتاب الإمارة، 45- باب قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنية"، وأنه يدخل فيه الغزو وغيره من الأعمال.

(2) كبار التابعين هم الذين أكثر روايتهم عن الصحابة؛ كسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير.

(1/14)

التدليس:

أ - تعريفه ب - أقسامه ج - طائفة من المدلسين د - حكم حديث المدلس:

أ - التدليس:

سياق الحديث بسند؛ يوهم أنه أعلى مما كان عليه في الواقع.

ب - وينقسم إلى قسمين:

تدليس الإسناد، وتدليس الشيوخ.

فتدليس الإسناد: أن يروي عمن لقيه ما لم يسمعه من قوله أو يره من فعله، بلفظ يوهم أنه سمعه أو رآه مثل: قال، أو فعل، أو عن فلان، أو أن فلانا قال، أو فعل، ونحو ذلك.

وتدليس الشيوخ: أن يسمي الراوي شيخه، أو يصفه بغير ما اشتهر به فيوهم أنه غيره؛ إما لكونه أصغر منه، فلا يحب أن يظهر روايته عمن دونه، وإما ليظن الناس كثرة شيوخه، وإما لغيرهما من المقاصد.

ج - والمدلسون كثيرون، وفيهم الضعفاء والثقات؛ كالحسن البصري، وحميد الطويل، وسليمان بن مهران الأعمش، ومحمد بن إسحاق والوليد بن مسلم، وقد رتبهم الحافظ إلى خمس مراتب:

الأولى - من لم يوصف به إلا نادرا؛ كيحيى بن سعيد.

الثانية - من احتمل الأئمة تدليسه، وأخرجوا له في "الصحيح"؛ لإمامته، وقلة تدليسه في جنب ما روى؛ كسفيان الثوري، أو كان لا يدلس إلا عن ثقة؛ كسفيان بن عيينة.

الثالثة - من أكثر من التدليس غير متقيد بالثقات؛ كأبي الزبير المكي.

الرابعة - من كان أكثر تدليسه عن الضعفاء والمجاهيل؛ كبقية بن الوليد.

الخامسة - من انضم إليه ضعف بأمر آخر؛ كعبد الله بن لهيعة.

د - وحديث المدلس غير مقبول إلا أن يكون ثقة، ويصرح بأخذه مباشرة عمن روى عنه، فيقول: سمعت فلانا يقول، أو رأيته يفعل، أو حدثني ونحوه، لكن ما جاء في

(1/15)

"صحيحي البخاري ومسلم" بصيغة التدليس عن ثقات المدلسين فمقبول؛ لتلقي الأمة لما جاء فيهما بالقبول من غير تفصيل.

المضطرب:

أ - تعريفه ب - حكمه:

أ - المضطرب:

ما اختلف الرواة في سنده، أو متنه، وتعذر الجمع في ذلك والترجيح.

مثاله: ما روي عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أراك شبت قال: "شيبتني هود وأخواتها" (1) . فقد اختلف فيه على نحو عشرة أوجه: فروي موصولا ومرسلا، وروي من مسند أبي بكر وعائشة وسعد، إلى غير ذلك من الاختلافات التي لا يمكن الجمع بينها ولا الترجيح.

فإن أمكن الجمع وجب، وانتفى الاضطراب.

مثاله: اختلاف الروايات فيما أحرم به النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، ففي بعضها أنه أحرم بالحج، وفي بعضها أنه تمتع، وفي بعضها أنه قرن بين العمرة والحج، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ولا تناقض بين ذلك، فإنه تمتع تمتع قران، وأفرد أعمال الحج، وقرن بين النسكين العمرة والحج، فكان قارنا باعتبار جمعه النسكين ومفردا باعتبار اقتصاره على أحد الطوافين والسعيين، ومتمتعا باعتبار ترفهه بترك أحد السفرين (2) .

وإن أمكن الترجيح عمل بالراجح، وانتفى الاضطراب أيضا.

مثاله: اختلاف الروايات في حديث بريرة رضي الله عنها حين عتقت فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم بين أن تبقى مع زوجها أو تفارقه؛ هل كان زوجها حرا أو عبدا؟ (3)

فروى الأسود عن عائشة رضي الله عنها أنه كان حرا، وروى عروة بن الزبير والقاسم بن محمد بن أبي بكر عنها أنه كان عبدا، ورجحت روايتهما على

_________

(1) رواه وذكر طرقه وعلله والاختلاف فيها، وبتوسع محمود ومرضي: الإمام الدارقطني في كتابه العظيم "العلل الورادة في الاحاديث النبوية" (1/193-211 سؤال 17) . فينظر لمن شاء التوسع.

(2) ذكره ابن القيم في "زاد المعاد" (2/121- الرسالة) .

(3) أ- كان عبدا. رواه مسلم (1504) كتاب العتق، 2-باب إنما الولاء لمن أعتق من طريق عروة والقاسم. ب- كان حرا. روا البخاري (6751) كتاب الفرائض، 19- باب الولاء لمن أعتق وميراث اللقيط. قال الحكم: وكان زوجها حرا. قال البخاري: وقول الحكم مرسل. ورواه (6754) كتاب الفرائض، 20- باب ميراث السائبة. ثم قال: قال الأسود: وكان زوجها حرا. قال البخاري: قول الأسود منقطع. وقول ابن عباس: (رأيته عبدا) أصح.

(1/16)

رواية الأسود، لقربهما منها لأنها خالة عروة وعمة القاسم، وأما الأسود فأجنبي منها؛ مع أن في روايته انقطاعا.

ب - والمضطرب:

ضعيف لا يحتج به، لأن اضطرابه يدل على عدم ضبط رواته، إلا إذا كان الاضطراب لا يرجع إلى أصل الحديث، فإنه لا يضر.

مثاله: اختلاف الروايات في حديث فضالة بن عبيد رضي الله عنه أنه اشترى قلادة يوم خيبر باثني عشر دينارا فيها ذهب وخرز، قال: ففصلتها فوجدت فيها أكثر من اثني عشر دينارا، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "لا تباع حتى تفصل". ففي بعض الروايات أن فضالة اشتراها، وفي بعضها أن غيره سأله عن شرائها، وفي بعض الروايات أنه ذهب وخرز، وفي بعضها ذهب وجوهر، وفي بعضها خرز معلقة بذهب، وفي بعضها باثني عشر دينارا، وفي بعضها بتسعة دنانير، وفي بعضها سبعة (1) .

قال الحافظ ابن حجر: وهذا لا يوجب ضعفا (يعني الحديث) بل المقصود من الاستدلال محفوظ لا اختلاف فيه؛ وهو النهي عن بيع ما لم يفصل، وأما جنسها أو مقدار ثمنها فلا يتعلق به في هذه الحال ما يوجب الاضطراب. اهـ.

وكذلك لا يوجب الاضطراب: ما يقع من الاختلاف في اسم الراوي أو كنيته، أو نحو ذلك، مع الاتفاق على عينه، كما يوجد كثيرا في الأحاديث الصحيحة.

الإدراج في المتن:

أ - تعريفه ب - مكانه مع التمثيل - ج - متى يحكم به:

أ - الإدراج في المتن:

أن يدخل أحد الرواة في الحديث كلاما من عنده بدون بيان، إما: تفسيرا لكلمة، أو استنباطا لحكم، أو بيانا لحكمة.

ب - مكانه مع التمثيل:

ويكون في أول الحديث ووسطه وآخره.

مثاله في أوله: حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "أسبغوا الوضوء" (2) "ويل

_________

(1) رواه مسلم (1591) كتاب المساقاة، 17- باب بيع القلادة فيها خرز وذهب. والروايات ذكرها الحافظ في "التلخيص الحبير" (3/9) وأحال على "المعجم الكبير" للطبراني، وهو في المجلد الثامن عشر منه. وقوله المذكور في كلام الشيخ رحمه الله موجود في "التلخيص".

(2) رواه البخاري (165) كتاب الوضوء، 29- باب غسل الأعقاب. ومسلم (242) بعد (29) كتاب الطهارة، 9- باب وجوب غسل الرجلين بكمالهما. وفيه كلام أبي هريرة مميزا عن كلام النبي صلى الله عليه وسلم.

(1/17)

للأعقاب من النار".

فقوله: "أسبغوا الوضوء" مدرج من كلام أبي هريرة، بينته رواية للبخاري عنه أنه قال: أسبغوا الوضوء؛ فإن أبا القاسم صلى الله عليه وسلم قال: "ويل للأعقاب من النار".

ومثاله في وسطه: حديث عائشة رضي الله عنها في بدء الوحي (1) برسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه:

وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه - وهو التعبد - الليالي ذوات العدد.

فقوله: وهو التعبد مدرج من كلام الزهري، بينته رواية للبخاري من طريقه بلفظ: وكان يلحق بغار حراء فيتحنث فيه - قال: والتحنث: التعبد - الليالي ذوات العدد.

ومثاله في آخره: حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء"، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل (2) .

فقوله: "فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل"، مدرج من كلام أبي هريرة انفرد بها نعيم بن المجمر عن أبي هريرة وذكر في "المسند" عنه أنه قال: لا أدري قوله: "فمن استطاع ... "، من قول النبي صلى الله عليه وسلم، أو من قول أبي هريرة! وقد بين غير واحد من الحفاظ أنها مدرجة، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: لا يمكن أن تكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلم.

ج - متى يحكم به:

ولا يحكم بالإدراج إلا بدليل إما من كلام الراوي، أو من كلام أحد الأئمة المعتبرين، أو من الكلام المدرج بحيث يستحيل أن يقوله النبي صلى الله عليه وسلم.

الزيادة في الحديث:

أ - تعريفها - ب - أقسامها وبيان حكم كل قسم مع التمثيل:

أ - الزيادة في الحديث:

أن يضيف أحد الرواة إلى الحديث ما ليس منه.

ب - وتنقسم إلى قسمين:

1 - أن تكون من قبيل الإدراج، وهي التي زادها أحد الرواة من عنده لا على أنها

_________

(1) رواه البخاري (3) كتاب بدء الوحي، 3- باب. ومسلم (160) بعد (252) كتاب الإيمان، 73- باب بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. والرواية المفصلة: عند البخاري (4953) كتاب التفسير، 96- باب سورة العلق؛ (اقرأ باسم ربك الذي خلق) . وانظر "فتح الباري" (8/717) .

(2) رواه البخاري (136) كتاب الوضوء، 3- باب فضل الوضوء، والغر المحجلون من آثار الوضوء. ومسلم (246) كتاب الطهارة، 12- باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء. والرواية عند أحمد في "مسنده" (2/334/8394) ، وانظر "العلل" للدارقطني (8/170/سؤال1488) .

(1/18)

من الحديث، وسبق بيان متى يحكم بها.

2 - أن يأتي بها بعض الرواة على أنها من الحديث نفسه.

فإن كانت من غير ثقة لم تقبل؛ لأنه لا يقبل ما انفرد به، فما زاده على غيره أولى بالرد، وإن كانت من ثقة، فإن كانت منافية لرواية غيره ممن هو أكثر منه، أو أوثق لم تقبل لأنها حينئذ شاذة.

مثاله: ما رواه مالك في "الموطأ": أن ابن عمر رضي الله عنهما إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه، وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما دون ذلك (1) .

قال أبو داود: لم يذكر: (رفعهما دون ذلك) أحد غير مالك فيما أعلم. اهـ.

وقد صح عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يرفع يديه حتى يجعلهما حذو منكبيه، إذا افتتح الصلاة، وعند الركوع، وعند الرفع منه؛ بدون تفريق (2) .

وإن كانت غير منافية لرواية غيره قبلت؛ لأن فيها زيادة علم.

مثاله: حديث عمر رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ، أو فيسبغ الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبد الله ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء" (3) .

فقد رواه مسلم من طريقين وفي أحدهما زيادة: (وحده لا شريك له) بعد قوله: (إلا الله) .

اختصار الحديث:

أ - تعريفه ب - حكمه:

أ - اختصار الحديث:

أن يحذف راويه، أو ناقله شيئا منه.

ب - ولا يجوز إلا بشروط خمسة:

الأول - أن لا يخل بمعنى الحديث: كالاستثناء، والغاية، والحال، والشرط، ونحوها.

_________

(1) رواه مالك في "الموطأ" (163) كتاب الصلاة، 4- باب افتتاح الصلاة. وقول أبي داود ذكره في "السنن" كتاب الصلاة، باب- افتتاح الصلاة (ح742) .

(2) رواه البخاري (735) كتاب الأذان، 83-باب رفع اليدين في التكبيرة الأولى مع الافتتاح سواء. ومسلم (390) كتاب الصلاة، 4- باب استحباب رفع اليدين حذو المنكبين مع تكبيرة الإحرام والركوع وفي الرفع من الركوع وأنه لا يفعله إذا رفع من السجود.

(3) رواه مسلم (234) كتاب الطهارة، 6- باب الذكر المستحب عقب الوضوء.

(1/19)

مثل قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل" (1) .

"لا تبيعوا الثمر حتى يبدو صلاحه" (2) .

"لا يقضين حكم بين اثنين وهو غضبان" (3) .

"نعم إذا هي رأت الماء" (4) ؛ قاله جوابا لأم سليم حين سألته: هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟

"لا يقل أحدكم: اللهم! اغفر لي إن شئت" (5) .

"الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" (6) .

فلا يجوز حذف قوله:

(إلا مثلا بمثل)

(حتى يبدو صلاحه)

(وهو غضبان)

(إذا هي رأت الماء)

(إن شئت)

(المبرور) ؛ لأن حذف هذه الأشياء يخل بمعنى الحديث.

الثاني - أن لا يحذف ما جاء الحديث من أجله.

مثل: حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنا نركب البحر، ونحمل معنا القليل من الماء، فإن توضأنا به عطشنا! أفنتوضأ بماء البحر؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هو الطهور ماؤه، الحل ميتته" (7) .

فلا يجوز حذف قوله: (هو الطهور ماؤه) ؛ لأن الحديث جاء من أجله، فهو المقصود بالحديث.

الثالث - أن لا يكون واردا لبيان صفة عبادة قولية أو فعلية.

مثل حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا جلس أحدكم في الصلاة فليقل: التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله" (8) .

فلا يجوز حذف شيء من هذا الحديث؛ لإخلاله بالصفة المشروعة إلا أن يشير إلى أن فيه حذفا.

الرابع - أن يكون من عالم بمدلولات الألفاظ، وما يخل حذفه بالمعنى وما لا يخل؛ لئلا يحذف ما يخل بالمعنى من غير شعور بذلك.

الخامس - أن لا يكون الراوي محلا للتهمة، بحيث يظن به سوء الحفظ إن اختصره، أو

_________

(1) رواه البخاري (2177) كتاب البيوع، 78- باب بيع الفضة بالفضة. ومسلم (1584) كتاب المساقاة، 14- باب الربا.

(2) رواه البخاري (2183) كتاب البيوع، 13- باب النهي عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها بغير شرط البيع.

(3) رواه البخاري (7158) كتاب الأحكام، 13- باب هل يقضي القاضي أو يفتي وهو غضبان؟. ومسلم (1717) كتاب الأقضية، كراهة قضاء القاضي وهو غضبان.

(4) رواه الترمذي (122) كتاب الطهارة، 90- باب ما جاء في المرأة ترى في المنام مثل ما يرى الرجل، من حديث أم سلمة. وهو في البخاري (282) كتاب الغسل، 22- باب إذا احتلمت المرأة. ومسلم (312) كتاب الحيض، 7- باب وجوب الغسل على المرأة بخروج المني منها.

(5) رواه البخاري (6339) كتاب الدعوات، 21- باب ليعزم فإنه لا مكره له. ومسلم (2678) كتاب الذكر والدعاء، 3- باب العزم بالدعاء، ولا يقل: إن شئت.

(6) رواه أحمد (3/325/14522) ، والطبراني (8/203/8405) من "المعجم الأوسط"، (دار الحرمين) ، من حديث جابر. قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (3/207) : إسناده حسن. وهو في البخاري (1773) كتاب العمرة، 1-باب وجوب العمرة وفضله. ومسلم (1349) كتاب الحج، 79- باب في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة.

(7) رواه مالك (1/22/41) كتاب الطهارة، 3- باب الطهور للوضوء. وأبو داود (83) كتاب الطهارة، 41- باب الوضوء بماء البحر. والترمذي (69) كتاب الطهارة، 52- باب ما جاء في ماء البحر أنه طهور، وقال: حسن صحيح. والنسائي (1/50/59) كتاب الطهارة، 47- باب ماء البحر. وابن ماجه (386) كتاب الطهارة وسننها، 36- باب الوضوء بماء البحر.

(8) رواه البخاري (831) كتاب الأذان، 148- باب التشهد في الآخرة. ومسلم (402) كتاب الصلاة، 16- باب التشهد في الصلاة.

(1/20)

الزيادة فيه إن أتمه؛ لأن اختصاره في هذه الحال يستلزم التردد في قبوله، فيضعف به الحديث.

ومحل هذا الشرط في غير الكتب المدونة المعروفة؛ لأنه يمكن الرجوع إليها فينتفي التردد.

فإذا تمت هذه الشروط جاز اختصار الحديث، ولا سيما تقطيعه للاحتجاج بكل قطعة منه في موضعها، فقد فعله كثير من المحدثين والفقهاء.

والأولى أن يشير عند اختصار الحديث إلى أن فيه اختصارا فيقول: إلى آخر الحديث، أو: ذكر الحديث ونحوه.

رواية الحديث بالمعنى:

أ - تعريفها ب - حكمها:

أ - رواية الحديث بالمعنى:

نقله بلفظ غير لفظ المروي عنه.

ب - ولا تجوز إلا بشروط ثلاثة:

1 - أن تكون من عارف بمعناه: من حيث اللغة، ومن حيث مراد المروي عنه.

2 - أن تدعو الضرورة إليها، بأن يكون الراوي ناسيا للفظ الحديث حافظا لمعناه. فإن كان ذاكرا للفظه لم يجز تغييره، إلا أن تدعو الحاجة إلى إفهام المخاطب بلغته.

3 - أن لا يكون اللفظ متعبدا به: كألفاظ الأذكار ونحوها.

وإذا رواه بالمعنى فليأت بما يشعر بذلك فيقول عقب الحديث: أو كما قال، أو نحوه، كما في حديث أنس رضي الله عنه في قصة الأعرابي الذي بال في المسجد قال: ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له: "إن هذه المساجد لا تصلح

(1/21)

لشيء من هذا البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله عز وجل، والصلاة، وقراءة القرآن" (1) ، أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

وكما في حديث معاوية بن الحكم - وقد تكلم في الصلاة لا يدري - فلما صلى النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح، والتكبير، وقراءة القرآن" (2) ، أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

الموضوع:

أ - تعريفه ب - حكمه ج - ما يعرف به الوضع د - طائفة من الأحاديث الموضوعة وبعض الكتب المؤلفة فيها هـ - طائفة من الوضاعين:

أ - الموضوع:

الحديث المكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم.

ب - حكمه:

وهو المردود، ولا يجوز ذكره إلا مقرونا ببيان وضعه؛ للتحذير منه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين" (3) . رواه مسلم.

ج - ويعرف الوضع بأمور منها:

1 - إقرار الواضع به.

2 - مخالفة الحديث للعقل، مثل: أن يتضمن جمعا بين النقيضين، أو إثبات وجود مستحيل، أو نفي وجود واجب ونحوه.

3 - مخالفته للمعلوم بالضرورة من الدين، مثل: أن يتضمن إسقاط ركن من أركان الإسلام، أو تحليل الربا ونحوه، أو تحديد وقت قيام الساعة، أو جواز إرسال نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم، ونحو ذلك.

د - والأحاديث الموضوعة كثيرة منها:

1 - أحاديث في زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم.

_________

(1) رواه مسلم (285) كتاب الطهارة، 3- باب وجوب الغسل البول وغيره من النجاسات إذا جعلت في المسجد. وانظر: البخاري (220) كتاب الوضوء، 58- باب صب الماء على البول في المسجد.

(2) رواه مسلم (537) كتاب المساجد، 7- باب تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من إباحته.

(3) رواه مسلم في مقدمة "صحيحه"، 1- باب وجوب الرواية عن الثقات وترك الكذابين والتحذير من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم. (بدون رقم) من حديث سمرة بن جندب، والمغيرة بن شعبة.

(1/22)

2 - أحاديث في فضائل شهر رجب ومزية الصلاة فيه.

3 - أحاديث في حياة الخضر - صاحب موسى عليه الصلاة والسلام - وأنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وحضر دفنه.

4 - أحاديث في أبواب مختلفة نذكر منها ما يلي:

"أحبوا العرب لثلاث: لأني عربي، والقرآن عربي، ولسان أهل الجنة عربي" (1) .

"اختلاف أمتي رحمة" (2) .

"اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا" (3) .

"حب الدنيا رأس كل خطيئة" (4) .

"حب الوطن من الإيمان" (5) .

"خير الأسماء ما حمد وعبد" (6) .

"نهى عن بيع وشرط" (7) .

"يوم صومكم يوم نحركم" (8) .

وقد ألف كثير من أهل الحديث في بيان الأحاديث الموضوعة؛ دفاعا عن السنة، وتحذيرا للأمة مثل:

1 - "الموضوعات الكبرى" للإمام عبد الرحمن بن الجوزي المتوفى سنة 597هـ، لكنه لم يستوعبها وأدخل فيها ما ليس منها.

2 - "الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة" للإمام الشوكاني المتوفى سنة 1250هـ، وفيها تساهل بإدخال ما ليس بموضوع.

3 - "تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الشنيعة الموضوعة" لابن عراق المتوفى سنة 963هـ وهو من أجمع ما كتب فيها.

هـ - والوضاعون كثيرون ومن أكابرهم المشهورين:

إسحاق بن نجيح الملطي، ومأمون بن أحمد الهروي ومحمد بن السائب الكلبي، والمغيرة بن سعيد الكوفي، ومقاتل بن سليمان، والواقدي بن أبي يحيى.

وهم أصناف فمنهم:

أولا - الزنادقة الذين يريدون إفساد عقيدة المسلمين، وتشويه الإسلام، وتغيير أحكامه مثل: محمد بن سعيد المصلوب الذي قتله أبو جعفر المنصور، وضع حديثا عن

_________

(1) قال العقيلي في "الضعفاء" (3/348) : منكر لا أصل له.

(2) انظر "كشف الخفاء" (153) .

(3) انظر"سلسلة الأحاديث الضعيفة" (8) .

(4) انظر "كشف الخفاء" (1099) .

(5) انظر "كشف الخفاء" (1102) .

(6) انظر "كشف الخفاء" (1245) .

(7) انظر "الغماز" (313) (491) ، و"السلسلة الضعيفة".

(8) انظر "تمييز الطيب من الخبيث" (223/1695) .

(1/23)

أنس مرفوعا: "أنا خاتم النبيين لا نبي بعدي إلا أن يشاء الله" (1) .

ومثل عبد الكريم بن أبي العوجاء (2) الذي قتله أحد الأمراء العباسيين في البصرة، وقال حين قدم للقتل: لقد وضعت فيكم أربعة آلاف حديث، أحرم فيها الحلال، وأحلل فيها الحرام.

وقد قيل: إن الزنادقة وضعوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة عشر ألف حديث.

ثانيا - المتزلفون إلى الخلفاء والأمراء: مثل غياث بن إبراهيم دخل على المهدي، وهو يلعب بالحمام فقيل له: حدث أمير المؤمنين! فساق سندا وضع به حديثا على النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا سبق إلا في خف أو نصل أو حافر أو جناح" (3) فقال المهدي: أنا حملته على ذلك! ثم ترك الحمام، وأمر بذبحها.

ثالثا - المتزلفون إلى العامة بذكر الغرائب ترغيبا، أو ترهيبا، أو التماسا لمال، أو جاه مثل: القصاص الذين يتكلمون في المساجد والمجتمعات بما يثير الدهشة من غرائب.

نقل عن الإمام أحمد بن حنبل ويحيى بن معين (4) أنهما صليا في مسجد الرصافة، فقام قاص يقص فقال: حدثنا أحمد بن حنبل ويحيى بن معين، ثم ساق سندا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من قال لا إله إلا الله خلق الله من كل كلمة طيرا منقاره من ذهب وريشه من مرجان ... "، وذكر قصة طويلة، فلما فرغ من قصصه، وأخذ العطيات، أشار إليه يحيى بيده، فأقبل متوهما لنوال، فقال له يحيى: من حدثك بهذا الحديث؟ قال: أحمد بن حنبل ويحيى بن معين! فقال: أنا يحيى بن معين وهذا أحمد بن حنبل، ما سمعنا بهذا قط في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم! فقال القاص: لم أزل أسمع أن يحيى بن معين أحمق ما تحققت هذا إلا هذه الساعة، كأن ليس فيها يحيى بن معين وأحمد بن حنبل غيركما! لقد كتبت عن سبعة عشر أحمد بن حنبل ويحيى بن معين، فوضع أحمد كمه على وجهه وقال: دعه يقوم! فقام كالمستهزئ بهما.

_________

(1) ذكره الذهبي في "المغني في الضعفاء" (2/585/ت5553) . وانظر: تدريب الراوي" (1/284) للسيوطي، و"المنهل الروي" (54) لابن جماعة.

(2) قصة ابن أبي العوجاء تنظر في "تدريب الراوي" أيضا.

(3) انظر: "تاريخ بغداد" (13/486) ن و"تفسير القرطبي" (1/80) و (9/147) ، و"التمهيد" لابن عبد البر (14/94) ، و"المنار المنيف" لابن القيم (106/199) و (107/201) . وجعلوا القصة لوهب بن وهب مع الرشيد. وانظر: ترجمة غياث من "ميزان الاعتدال في نقد الرجال" (5/406) للحافظ الذهبي، و"لسان الميزان" لابن حجر (4/422) ، و"تاريخ بغداد" (12/324) .

(4) انظر: "تفسير القرطبي" (1/80) ، و"تهذيب الكمال" (31/558) ، و"الجامع لآداب الراوي وأخلاق السامع" (2/168/1505) .

(1/24)

رابعا - المتحمسون للدين يضعون أحاديث في فضائل الإسلام، وما يتصل فيه، وفي الزهد في الدنيا، ونحو ذلك. لقصد إقبال الناس على الدين وزهدهم في الدنيا مثل: أبي عصمة نوح بن أبي مريم قاضي مرو، وضع حديثا في فضائل سور القرآن سورة سورة وقال: إني رأيت الناس أعرضوا عن القرآن، واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي ابن إسحاق، يعني فوضع ذلك.

خامسا - المتعصبون لمذهب، أو طريقة، أو بلد، أو متبوع، أو قبيلة: يضعون أحاديث في فضائل ما تعصبوا له، والثناء عليه مثل: ميسرة بن عبد ربه الذي أقر أنه وضع على النبي صلى الله عليه وسلم سبعين حديثا في فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

الجرح والتعديل:

الجرح:

أ - تعريفه ب - أقسامه - ج - مراتبه د - شروط قبوله:

أ - الجرح:

هو أن يذكر الراوي بما يوجب رد روايته من إثبات صفة رد، أو نفي صفة قبول مثل أن يقال:

هو كذاب، أو فاسق، أو ضعيف، أو ليس بثقة، أو لا يعتبر، أو لا يكتب حديثه.

ب - وينقسم الجرح إلى قسمين: مطلق ومقيد:

1 - فالمطلق: أن يذكر الراوي بالجرح بدون تقييد، فيكون قادحا فيه بكل حال.

2 - والمقيد: أن يذكر الراوي بالجرح بالنسبة لشيء معين من شيخ، أو طائفة، أو نحو ذلك؛ فيكون قادحا فيه بالنسبة إلى ذلك الشيء المعين دون غيره.

(1/25)

مثاله: قول ابن حجر في "التقريب" في زيد بن الحباب - وقد روى عنه مسلم -: صدوق يخطئ في حديث الثوري؛ فيكون ضعيفا في حديثه عن الثوري دون غيره.

وقول صاحب "الخلاصة" في إسماعيل بن عياش: وثقه أحمد، وابن معين، والبخاري في أهل الشام. وضعفوه في الحجازيين؛ فيكون ضعيفا في حديثه عن الحجازيين دون أهل الشام.

ومثل ذلك إذا قيل: هو ضعيف في أحاديث الصفات مثلا فلا يكون ضعيفا في رواية غيرها.

لكن إذا كان المقصود بتقييد الجرح دفع دعوى توثيقه في ذلك المقيد، لم يمنع أن يكون ضعيفا في غيره أيضا

ج - وللجرح مراتب:

* أعلاها: ما دل على بلوغ الغاية فيه مثل: أكذب الناس، أو ركن الكذب.

* ثم ما دل على المبالغة مثل: كذاب، ووضاع، ودجال.

* وأسهلها لين، أو سيئ الحفظ، أو فيه مقال.

وبين ذلك مراتب معلومة.

د - ويشترط لقبول الجرح شروط خمسة:

1 - أن يكون من عدل؛ فلا يقبل من فاسق.

2 - أن يكون من متيقظ؛ فلا يقبل من مغفل.

3 - أن يكون من عارف بأسبابه؛ فلا يقبل ممن لا يعرف القوادح.

4 - أن يبين سبب الجرح؛ فلا يقبل الجرح المبهم، مثل أن يقتصر على قوله: ضعيف، أو يرد حديثه، حتى يبين سبب ذلك؛ لأنه قد يجرحه بسبب لا يقتضي الجرح، هذا هو المشهور، واختار ابن حجر - رحمه الله - قبول الجرح المبهم إلا فيمن علمت عدالته، فلا يقبل جرحه إلا ببيان السبب. وهذا هو القول الراجح لا سيما إذا كان الجارح من أئمة هذا الشأن.

(1/26)

5 - أن لا يكون واقعا على من تواترت عدالته، واشتهرت إمامته. كنافع، وشعبة، ومالك، والبخاري، فلا يقبل الجرح في هؤلاء وأمثالهم.

التعديل:

أ - تعريفه ب - أقسامه ج - مراتبه د - شروط قبوله:

أ - التعديل:

أن يذكر الراوي بما يوجب قبول روايته: من إثبات صفة قبول أو نفي صفة رد، مثل أن يقال: هو ثقة، أو ثبت، أو لا بأس به، أو لا يرد حديثه.

ب - وينقسم التعديل إلى قسمين: مطلق ومقيد:

1 - فالمطلق: أن يذكر الراوي بالتعديل بدون تقييد؛ فيكون توثيقا له بكل حال.

2 - والمقيد: أن يذكر الراوي بالتعديل بالنسبة لشيء معين من شيخ، أو طائفة، أو نحو ذلك؛ فيكون توثيقا له بالنسبة إلى ذلك الشيء المعين دون غيره.

مثل أن يقال: هو ثقة في حديث الزهري، أو في الحديث عن الحجازيين، فلا يكون ثقة في حديثه من غير من وثق فيهم، لكن إذا كان المقصود دفع دعوى ضعفه فيهم، فلا يمنع حينئذ أن يكون ثقة في غيرهم أيضا.

ج - وللتعديل مراتب:

* أعلاها: ما دل على بلوغ الغاية فيه مثل: أوثق الناس، أو إليه المنتهى في التثبت.

* ثم ما تأكد بصفة، أو صفتين مثل: ثقة ثقة أو ثقة ثبت، أو نحو ذلك.

* وأدناها: ما أشعر بالقرب من أسهل الجرح مثل: صالح، أو مقارب، أو يروى حديثه، أو نحو ذلك، وبين هذا مراتب معلومة.

(1/27)

د - ويشترط لقبول التعديل شروط أربعة:

1 - أن يكون من عدل؛ فلا يقبل من فاسق.

2 - أن يكون من متيقظ؛ فلا يقبل من مغفل يغتر بظاهر الحال.

3 - أن يكون من عارف بأسبابه؛ فلا يقبل ممن لا يعرف صفات القبول والرد.

4 - أن لا يكون واقعا على من اشتهر بما يوجب رد روايته: من كذب، أو فسق ظاهر، أو غيرهما.

تعارض الجرح والتعديل:

أ - تعريفه ب - أحواله:

أ - تعارض الجرح والتعديل:

أن يذكر الراوي بما يوجب رد روايته، وبما يوجب قبولها، مثل: أن يقول بعض العلماء فيه: إنه ثقة، ويقول بعض: إنه ضعيف.

ب - وللتعارض أحوال أربع:

الحال الأولى: أن يكونا مبهمين؛ أي: غير مبين فيهما سبب الجرح أو التعديل، فإن قلنا بعدم قبول الجرح المبهم أخذ بالتعديل، لأنه لا معارض له في الواقع، وإن قلنا بقبوله - وهو الراجح - حصل التعارض، فيؤخذ بالأرجح منهما؛ إما في عدالة قائله، أو في معرفته بحال الشخص، أو بأسباب الجرح والتعديل، أو في كثرة العدد.

الحال الثانية: أن يكونا مفسرين؛ أي: مبينا فيهما سبب الجرح والتعديل، فيؤخذ بالجرح؛ لأن مع قائله زيادة علم، إلا أن يقول صاحب التعديل: أنا أعلم أن السبب الذي جرحه به قد زال؛ فيؤخذ حينئذ بالتعديل؛ لأن مع قائله زيادة علم.

الحال الثالثة: أن يكون التعديل مبهما؛ والجرح مفسرا فيؤخذ بالجرح لأن مع قائله زيادة علم.

(1/28)

الحال الرابعة: أن يكون الجرح مبهما، والتعديل مفسرا، فيؤخذ بالتعديل لرجحانه.

وإلى هنا انتهى مقرر السنة الأولى الثانوية في المعاهد العلمية في المصطلح على يد مؤلفه محمد صالح العثيمين، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وتطيب الأوقات، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

تم القسم الأول.

ويتلوه القسم الثاني وأوله:

أقسام الحديث باعتبار من يضاف إليه.

(1/29)

القسم الثاني من كتاب (مصطلح الحديث)

أقسام الخبر باعتبار من يضاف إليه:

ينقسم الخبر باعتبار من يضاف إليه إلى ثلاثة أقسام: أ - المرفوع ب - الموقوف ج - المقطوع.

أ - فالمرفوع:

ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

وينقسم إلى قسمين: مرفوع صريحا، ومرفوع حكما.

1 - فالمرفوع صريحا: ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم نفسه من قول، أو فعل، أو تقرير، أو وصف في خلقه، أو خلقته.

مثاله من القول: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد" (1) .

ومثاله من الفعل: كان صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته بدأ بالسواك (2) .

ومثاله من التقرير: تقريره الجارية حين سألها: "أين الله؟ " (3) قالت: في السماء، فأقرها على ذلك صلى الله عليه وسلم.

وهكذا كل قول، أو فعل علم به النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينكره، فهو مرفوع صريحا من التقرير.

ومثاله من الوصف في خلقه: كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس وأشجع الناس، ما سئل شيئا قط فقال: لا. وكان دائم البشر سهل الخلق، لين الجانب، ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما إلا أن يكون إثما فيكون أبعد الناس عنه.

ومثاله من الوصف في خلقته: كان النبي صلى الله عليه وسلم ربعة من الرجال: ليس بالطويل، ولا بالقصير، بعيد ما بين المنكبين، له شعر يبلغ شحمة أذنيه، وربما يبلغ منكبيه، حسن اللحية، فيه شعرات من شيب.

2 - والمرفوع حكما: ما كان له حكم المضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو أنواع:

_________

(1) رواه مسلم (1718) كتاب الأقضية، 8- باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور. وعلقه البخاري (كتاب البيوع، 60- باب النجش) .

(2) رواه مسلم في "صحيحه" (253) كتاب الطهارة، 15- باب السواك.

(3) رواه مسلم (537) كتاب المساجد، 7-باب تحريم الكلام في الصلاة، ونسخ ما كان من إباحته.

(1/30)

الأول - قول الصحابي إذا لم يمكن أن يكون من قبيل الرأي ولم يكن تفسيرا، ولا معروفا قائله بالأخذ عن الإسرائيليات، مثل أن يكون خبرا عن أشراط الساعة، أو أحوال القيامة، أو الجزاء.

فإن كان من قبيل الرأي فهو موقوف.

وإن كان تفسيرا فالأصل: له حكم نفسه، والتفسير موقوف.

وإن كان قائله معروفا بالأخذ عن الإسرائيليات، فهو متردد بين أن يكون خبرا إسرائيليا، أو حديثا مرفوعا، فلا يحكم فيه بأنه حديث للشك فيه.

وقد ذكروا أن العبادلة وهم: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عمرو بن العاص، أخذوا عن أحبار بني إسرائيل: من كعب الأحبار، أو غيره.

الثاني - فعل الصحابي إذا لم يمكن أن يكون من قبيل الرأي، ومثلوا لذلك بصلاة علي رضي الله عنه في الكسوف أكثر من ركوعين في كل ركعة.

الثالث - أن يضيف الصحابي شيئا إلى عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر أنه علم به. كقول أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها: ذبحنا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فرسا، ونحن في المدينة فأكلناه (1) .

الرابع - أن يقول الصحابي عن شيء بأنه من السنة. كقول ابن مسعود رضي الله عنه: من السنة أن يخفي التشهد، يعني في الصلاة (2) .

فإن قاله تابعي، فقيل: مرفوع، وقيل: موقوف. كقول عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود: السنة أن يخطب الإمام في العيدين خطبتين يفصل بينهما بجلوس (3) .

الخامس - قول الصحابي: أمرنا أو نهينا أو أمر الناس ونحوه، كقول أم عطية رضي الله عنها: أمرنا أن نخرج في العيدين العواتق (4) ، وقولها: نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا (5) ،

_________

(1) رواه البخاري (5510 و5512) كتاب الذبائح والصيد، 24- باب النحر والذبح. ومسلم (1942) كتاب الصيد والذبائح، 6- باب في أكل لحوم الخيل.

(2) رواه أبو داود (986) كتاب الصلاة، باب إخفاء التشهد. والترمذي (291) كتاب الصلاة، 101- باب ما جاء أنه يخفي التشهد. وقال: حسن غريب. وصححه الألباني.

(3) رواه الشافعي في "مسنده" (1/77) وهو في "الأم" (1/272) كتاب العيدين، باب الفصل بين الخطبتين.

(4) رواه البخاري (351) كتاب الصلاة، 2- باب وجوب الصلاة في الثياب. ومسلم (890) كتاب صلاة العيدين، 1- باب ذكر إباحة خروج النساء في العيدين إلى المصلى وشهود الخطبة مفارقات للرجال.

(5) رواه البخاري (1278) كتاب الجنائز، 30- باب اتباع النساء والجنائز. ومسلم (938) كتاب الجنائز، 11- باب نهي النساء عن اتباع الجنائز.

(1/31)

وقول ابن عباس رضي الله عنهما: أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت (1) ، وقول أنس رضي الله عنه: وقت لنا في قص الشارب وتقليم الأظافر ونتف الإبط وحلق العانة أن لا نترك فوق أربعين ليلة (2) .

السادس - أن يحكم الصحابي على شيء بأنه معصية؛ كقول أبي هريرة رضي الله عنه فيمن خرج من المسجد بعد الأذان: أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم (3) .

وكذا لو حكم الصحابي على شيء بأنه طاعة. إذ لا يكون الشيء معصية أو طاعة إلا بنص من الشارع، ولا يجزم الصحابي بذلك إلا وعنده علم منه.

السابع - قولهم عن الصحابي: رفع الحديث أو رواية؛ كقول سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "الشفاء في ثلاث: شربة عسل، وشرطة محجم، وكية نار، وأنهى أمتي عن الكي" (4) ، رفع الحديث، وقول سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه رواية: "الفطرة خمس، أو خمس من الفطرة: الختان، والاستحداد، ونتف الإبط، وتقليم الأظفار، وقص الشارب" (5) .

وكذلك لو قالوا عن الصحابي: يأثر الحديث، أو ينميه، أو يبلغ به ونحوه، فإن مثل هذه العبارات لها حكم المرفوع صريحا، وإن لم تكن صريحة في إضافتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم لكنها مشعرة بذلك.

ب - والموقوف:

ما أضيف إلى الصحابي، ولم يثبت له حكم الرفع.

مثاله: قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يهدم الإسلام زلة العالم وجدال المنافق بالكتاب، وحكم الأئمة المضلين.

ج - والمقطوع:

ما أضيف إلى التابعي فمن بعده.

مثاله: قول ابن سيرين: إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم.

وقول مالك: اترك من أعمال السر ما لا يحسن بك أن تعمله في العلانية.

_________

(1) رواه البخاري (1755) كتاب الحج، 144- باب طواف الوداع. ومسلم (1328) كتاب الحج، 68- باب وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض.

(2) رواه مسلم (2589 كتاب الطهارة، 16- باب خصال الفطرة.

(3) رواه مسلم (655) كتاب المساجد، 45- باب النهي عن الخروج من المسجد إذا أذن المؤذن.

(4) رواه البخاري (5680) كتاب الطب، 3- باب الشفاء في ثلاثة.

(5) رواه البخاري (5889) كتاب اللباس، 63- باب قص الشارب. ومسلم (257) كتاب الطهارة، 16- باب خصال الفطرة.

(1/32)

الصحابي:

أ - تعريف الصحابي ب - حال الصحابة ج - آخرهم موتا وفائدة معرفته د - المكثرون من التحديث:

أ - الصحابي:

من اجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم، أو رآه مؤمنا به، ومات على ذلك.

فيدخل فيه: من ارتد ثم رجع إلى الإسلام: كالأشعث بن قيس؛ فإنه كان ممن ارتد بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فجيء به أسيرا إلى أبي بكر، فتاب وقبل منه أبو بكر رضي الله عنه.

ويخرج منه: من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم في حياته، ولم يجتمع به: كالنجاشي، ومن ارتد ومات على ردته: كعبد الله بن خطل قتل يوم الفتح، وربيعة بن أمية بن خلف ارتد في زمن عمر ومات على الردة.

والصحابة عدد كثير، ولا يمكن الجزم بحصرهم على وجه التحديد، لكن قيل على وجه التقريب: أنهم يبلغون مئة وأربعة عشر ألفا.

ب - حال الصحابة:

والصحابة كلهم ثقات ذوو عدل، تقبل رواية الواحد منهم وإن كان مجهولا، ولذلك قالوا: جهالة الصحابي لا تضر.

والدليل على ما وصفناه من حال الصحابة: أن الله أثنى عليهم ورسوله في عدة نصوص، وأن النبي صلى الله عليه وسلم يقبل قول الواحد منهم إذا علم إسلامه، ولا يسأل عن حاله، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني رأيت الهلال: يعني رمضان فقال: "أتشهد أن لا إله إلا الله؟ "، قال: نعم. قال: "أتشهد أن محمدا رسول الله؟ "، قال: نعم. قال: "يا بلال أذن في الناس فليصوموا غدا" (1) . أخرجه الخمسة وصححه ابن خزيمة وابن حبان.

ج - وآخر الصحابة موتا على الإطلاق:

عامر بن واثلة الليثي مات بمكة سنة 110

_________

(1) رواه أبو داود (2340) كتاب الصوم، باب في شهادة الواحد على رؤية هلال رمضان. والنسائي في "المجتبى" (4/132/2112) كتاب الصيام، 8- باب قبول شهادة الرجل الواحد على هلال شهر رمضان. والترمذي (691) كتاب الصوم، 7- باب ما جاء في الصوم بالشهادة ورجح إرساله. وابن ماجه (1652) كتاب الصيام، 6- باب ما جاء في الشهادة على رؤية الهلال. وصححه لابن خزيمة (1923، 1924) كتاب الصيام، 39- باب إجازة الشاهد الواحد على رؤية الهلال. وابن حبان (780/الموارد) كتاب الصيام، 1-باب رؤية الهلال.

(1/33)

من الهجرة، فهو آخر من مات بمكة.

وآخر من مات بالمدينة: محمود بن الربيع الأنصاري الخزرجي مات سنة 99هـ.

وآخر من مات بالشام في دمشق: واثلة بن الأسقع الليثي مات سنة 86هـ.

وفي حمص: عبد الله بن بسر المازني سنة 96هـ.

وآخر من مات بالبصرة: أنس بن مالك الأنصاري الخزرجي مات سن 93هـ.

وآخر من مات بالكوفة: عبد الله بن أبي أوفى الأسلمي مات سنة 87هـ.

وآخر من مات بمصر عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي مات سنة 89هـ.

ولم يبق منهم أحد بعد سنة عشر ومئة؛ لقول ابن عمر رضي الله عنهما: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر حياته فلما سلم قام فقال: "أرأيتكم ليلتكم هذه فإن رأس مئة سنة منها، لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد" (1) . متفق عليه. وكان ذلك قبل موته بشهر. كما رواه مسلم من حديث جابر.

وفائدة معرفة آخر الصحابة موتا أمران:

أحدهما: أن من تأخر موته عن هذه الغاية لم تقبل منه دعوى الصحبة.

الثاني: أن من لم يدرك التمييز قبل هذه الغاية فحديثه عن الصحابة منقطع.

د - المكثرون من التحديث:

من الصحابة من أكثروا التحديث فكثر الأخذ عنهم، والذين تجاوز الحديث عنهم الألف هم:

1 - أبو هريرة رضي الله عنه روي عنه (5374)

2 - عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، روي عنه (2630)

3 - أنس بن مالك رضي الله عنه، روي عنه (2286)

4 - عائشة رضي الله عنها، روي عنها (2210)

5 - عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، روي عنه (1660) .

6 - جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، روي عنه (1540)

7 - أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، روي عنه (1170)

_________

(1) رواه البخاري (116) كتاب العلم، 41- باب السمر في العلم. ومسلم (2537) كتاب فضائل الصحابة، 53- باب قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تأتي مائة سنة وعلى الأرض نفس منفوسة اليوم". وحديث جابر موجود عنده عقبه (2538) .

(1/34)

ولا يلزم من كثرة التحديث عن هؤلاء أن يكونوا أكثر أخذا من غيرهم عن النبي صلى الله عليه وسلم. لأن قلة التحديث عن الصحابي قد يكون سببها: تقدم موته؛ كحمزة رضي الله عنه عم النبي صلى الله عليه وسلم، أو انشغاله بما هو أهم؛ كعثمان رضي الله عنه، أو الأمرين جميعا؛ كأبي بكر رضي الله عنه فقد تقدم موته، وانشغل بأمر الخلافة، أو غير ذلك من الأسباب.

المخضرم:

أ - تعريفه ب - حكم حديثه:

أ - المخضرم:

من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم في حياته، ولم يجتمع به.

والمخضرمون طبقة مستقلة بين الصحابة والتابعين، وقيل: بل هم من كبار التابعين.

وقد أوصلهم بعض العلماء إلى نحو أربعين شخصا فمنهم:

الأحنف بن قيس، الأسود بن يزيد، سعد بن إياس، عبد الله بن عكيم، عمرو بن ميمون، أبو مسلم الخولاني، النجاشي ملك الحبشة.

ب - وحديث المخضرم من قبيل مرسل التابعي فهو منقطع، وفي قبوله ما في قبول مرسل التابعي من الخلاف.

التابعي:

أ - التابعي: من اجتمع بالصحابي مؤمنا بالنبي صلى الله عليه وسلم، ومات على ذلك.

ب - والتابعون كثيرون لا يمكن حصرهم، وهم ثلاث طبقات: كبرى وصغرى وبينهما.

فالكبرى: من كان أكثر روايتهم عن الصحابة مثل: سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وعلقمة بن قيس.

والصغرى: من كان أكثر روايتهم عن التابعين، ولم يلتقوا إلا بالعدد القليل من

(1/35)

الصحابة مثل: إبراهيم النخعي، وأبي الزناد، ويحيى بن سعيد.

والوسطى: من كثرت روايتهم عن الصحابة وعن كبار التابعين مثل: الحسن البصري، ومحمد بن سيرين، ومجاهد، وعكرمة، وقتادة، والشعبي، والزهري، وعطاء، وعمر بن عبد العزيز، وسالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب.

الإسناد:

أ - تعريفه ب - أقسامه ج - أصح الأسانيد:

أ - الإسناد - ويقال: السند -: رواة الحديث الذين نقلوه إلينا.

مثاله: قول البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال" (1) .

فالإسناد: عبد الله بن يوسف، ومالك، وابن شهاب، وأنس بن مالك.

ب - أقسامه:

وينقسم إلى قسمين: عال ونازل.

فالعالي: ما كان أقرب إلى الصحة، والنازل عكسه.

والعلو نوعان: علو صفة وعلو عدد.

1 - فعلو الصفة: أن يكون الرواة أقوى في الضبط أو العدالة من الرواة في إسناد آخر.

2 - وعلو العدد: أن يقل عدد الرواة في إسناد بالنسبة إلى إسناد آخر.

وإنما كانت قلة العدد علوا؛ لأنه كلما قلت الوسائط قل احتمال الخطأ، فكان أقرب للصحة.

_________

(1) رواه البخاري (6065) كتاب الأدب، 57- باب ما ينهى عن التحاسد، والتدابر. ومسلم (2559) كتاب البر والصلة والآداب، 7- باب تحريم التحاسد والتباغض.

(1/36)

والنزول يقابل العلو، فيكون نوعين: نزول صفة، نزول عدد.

1 - فنزول الصفة: أن يكون الرواة أضعف في الضبط أو العدالة من الرواة في إسناد آخر.

2 - ونزول العدد: أن يكثر عدد الرواة في إسناد بالنسبة إلى إسناد آخر.

وقد يجتمع النوعان علو الصفة وعلو العدد في إسناد واحد، فيكون عاليا من حيث الصفة ومن حيث العدد.

وقد يوجد أحدهما دون الآخر، فيكون الإسناد عاليا من حيث الصفة، نازلا من حيث العدد أو بالعكس، وفائدة معرفة العلو والنزول: الحكم بالترجيح للعالي عند التعارض.

ج - أصح الأسانيد:

والتحقيق أنه لا يحكم لإسناد معين بكونه أصح الأسانيد، وإنما يحكم له بذلك بالنسبة إلى الصحابي أو البلد أو الموضوع، فيقال: أصح أسانيد أبي بكر، أصح أسانيد أهل الحجاز، أصح أسانيد حديث النزول، وقد ذكروا أصح الأسانيد بالنسبة إلى الصحابة فمنها:

أصح الأسانيد إلى أبي هريرة رضي الله عنه: الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة.

وأصح الأسانيد إلى عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما: مالك عن نافع عن ابن عمر.

وأصح الأسانيد إلى أنس بن مالك رضي الله عنه: مالك عن الزهري عن أنس.

وأصح الأسانيد إلى عائشة رضي الله عنها: هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة.

وأصح الأسانيد إلى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: الزهري عن عبيد الله بن عتبة عن ابن عباس.

وأصح الأسانيد إلى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: سفيان بن عيينة عن

(1/37)

عمرو بن دينار عن جابر.

وأما رواية عمرو بن شعيب عن أبيه (شعيب) عن جده (أي جد أبيه شعيب) وهو عبد الله بن عمرو بن العاص، فبالغ بعضهم حتى جعله من أصح الأسانيد، وردها بعضهم بأن شعيبا لم يدرك جده فيكون منقطعا.

والراجح أنها صحيحة ومقبولة، قال البخاري: رأيت أحمد بن حنبل وعلي بن المديني وإسحاق بن راهويه وأبا عبيد وعامة أصحابنا يحتجون بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، ما تركه أحد من المسلمين، قال البخاري: من الناس بعدهم؟ اهـ. وأما ردها بأن شعيبا لم يدرك جده فمردود؛ بأنه قد ثبت سماع شعيب من جده عبد الله، فليس فيه انقطاع حينئذ، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: أئمة الإسلام وجمهور العلماء يحتجون بحديث عمرو بن شعيب إذا صح النقل إليه. اهـ.

المسلسل:

أ - تعريفه ب - فائدته:

أ - المسلسل:

ما اتفق الرواة فيه على شيء واحد، فيما يتعلق بالراوي أو الرواية.

مثاله فيما يتعلق بالراوي: حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "يا معاذ! إني لأحبك، أوصيك يا معاذ! لا تدعن في دبر كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذكرك، وشكرك وحسن عبادتك" (1) .

فقد ذكروا أن كل من حدث قال لمن رواه عنه: وأنا أحبك، فقل: اللهم أعني ... إلخ.

ومثاله فيما يتعلق بالرواية: قول البخاري في "صحيحه": حدثنا عمر بن حفص، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش، حدثنا زيد بن وهب، حدثنا عبد الله (يعني ابن مسعود) حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: "إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة ... " الحديث (2) .

_________

(1) رواه أبو داود (1522) كتاب الوتر، باب في الاستغفار. والنسائي في "المجتبى" (3/53/1303) كتاب السهو، 60- نوع آخر من الدعاء. وأحمد (5/244/22172) و (247/22179) . وثبته الحافظ في "الفتح" (11/133) .

(2) رواه البخاري (3332) كتاب أحاديث الأنبياء، 1- باب خلق آدم وذريته. وهو عند مسلم في "صحيحه" (2643) كتاب القدر، 1- باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه وكتابة رزقه وأجله وعمله وشقاوته وسعادته.

(1/38)

فقد تسلسل باتفاق الرواة على صيغة واحدة هي: حدثنا.

ومثل ذلك لو تسلسل بلفظ: عن فلان عن فلان.

أو تسلسل بكونه أول حديث سمعه من شيخه أو آخر حديث.

ب - وفائدة المسلسل:

بيان ضبط الرواة في أخذ بعضهم من بعض، وعناية كل واحد باتباع من قبله.

تحمل الحديث وأداؤه:

تحمل الحديث:

أ - تعريفه ب - شروطه - ج أنواعه:

أ - تحمل الحديث:

أخذه عمن حدث به عنه.

ب - وشروطه ثلاثة:

1 - التمييز: وهو فهم الخطاب ورد جوابه على الصواب، والغالب أن يكون عند تمام سبع سنين.

فلا يصح تحمل من لا تمييز له لصغر، وكذلك لو فقد تمييزه لكبر، أو غيره فلا يصح تحمله.

2 - العقل: فلا يصح تحمل المجنون والمعتوه.

3 - السلامة من الموانع: فلا يصح مع غلبة نعاس أو لغط كثير، أو شاغل كبير.

ج - وأنواعه كثيرة فمنها:

1 - السماع من لفظ الشيخ، وأرفعه ما يقع إملاء.

2 - القراءة على الشيخ ويسمى: (العرض) .

3 - الإجازة وهي أن يأذن الشيخ بالرواية عنه، سواء أذن له لفظا، أو كتابة.

(1/39)

والرواية بالإجازة صحيحة عند جمهور العلماء لدعاء الحاجة إليها، ويشترط لصحتها ثلاثة شروط:

الأول - أن يكون المجاز به معلوما إما بالتعيين مثل: أجزت لك أن تروي عني "صحيح البخاري"، وإما بالتعميم مثل: أجزت لك أن تروي عني جميع مروياتي، فكل ما ثبت عنده أنه من مروياته، صح أن يحدث به عنه بناء على هذه الإجازة العامة.

فإن كان المجاز به مبهما، لم تصح الرواية بها مثل: أجزت لك أن تروي عني بعض "صحيح البخاري"، أو بعض مروياتي؛ لأنه لا يعلم المجاز به.

الثاني - أن يكون المجاز له موجودا فلا تصح الإجازة لمعدوم لا تبعا ولا استقلالا.

فلو قال: أجزت لك، ولمن سيولد لك، أو أجزت لمن سيولد لفلان؛ لم تصح الإجازة.

الثالث - أن يكون المجاز له معينا بشخصه أو بوصفه مثل: أجزت لك ولفلان رواية مروياتي عني، أو أجزت لطالبي علم الحديث رواية مروياتي عني.

فإن كان عاما لم تصح الإجازة مثل: أجزت لجميع المسلمين أن يرووا عني.

وقيل: تصح للمعدوم، وغير المعين، والله أعلم.

أداء الحديث:

أ - تعريفه ب - شروط قبوله ج - صيغه:

أ - أداء الحديث:

إبلاغه إلى الغير.

ويؤدي الحديث كما سمعه حتى في صيغ الأداء، فلا يبدل: حدثني بأخبرني أو سمعت أو نحوها؛ لاختلاف معناها في الاصطلاح، نقل عن الإمام أحمد أنه

(1/40)

قال: اتبع لفظ الشيخ في قوله: حدثني، وحدثنا، وسمعت، وأخبرنا، ولا تعده. اهـ.

ب - ولقبول الأداء شروط منها:

1 - العقل: فلا يقبل من مجنون، ولا معتوه، ولا ممن ذهب تمييزه لكبر، أو غيره.

2 - البلوغ: فلا يقبل من صغير، وقيل: يقبل من مراهق يوثق به.

3 - الإسلام: فلا يقبل من كافر، ولو تحمل وهو مسلم.

4 - العدالة: فلا يقبل من فاسق، ولو تحمل وهو عدل.

5 - السلامة من الموانع: فلا يقبل مع غلبة نعاس، أو شاغل يقلق فكره.

ج - وصيغ الأداء:

ما يؤدى بها الحديث، ولها مراتب:

الأولى: سمعت، حدثني، إذا سمع وحده من الشيخ، فإن كان معه غيره قال: سمعنا وحدثنا.

الثانية: قرأت عليه، أخبرني قراءة عليه، أخبرني، إذا قرأ على الشيخ.

الثالثة: قرئ عليه وأنا أسمع، قرأنا عليه، أخبرنا، إذا قرئ على الشيخ وهو يسمع.

الرابعة: أخبرني إجازة، حدثني إجازة، أنبأني، عن فلان؛ إذا روى عنه بالإجازة.

وهذا عند المتأخرين، أما المتقدمون فيرون أن حدثني وأخبرني وأنبأني بمعنى واحد، يؤدي بها من سمع من الشيخ.

وبقي صيغ أخرى تركناها حيث لم نتعرض لأنواع التحمل بها.

كتابة الحديث:

أ - تعريفها ب - حكمها ج - صفتها:

أ - تعريفها:

كتابة الحديث: نقله عن طريق الكتابة.

ب - حكم كتابة الحديث:

(1/41)

والأصل فيها الحل، لأنها وسيلة، وقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو أن يكتب ما سمعه منه، رواه أحمد بإسناد حسن (1) . فإن خيف منها محذور شرعي منعت، وعلى هذا يحمل النهي في قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تكتبوا عني شيئا غير القرآن، فمن كتب عني شيئا غير القرآن فليمحه" (2) . رواه مسلم وأحمد واللفظ له.

وإذا توقف عليها حفظ السنة وإبلاغ الشريعة كانت واجبة، وعليه تحمل كتابة النبي صلى الله عليه وسلم بحديثه إلى الناس يدعوهم إلى الله عز وجل ويبلغهم شريعته، وفي "الصحيحين" (3) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب عام الفتح فقام رجل من أهل اليمن يقال له: أبو شاه فقال: اكتبوا لي يا رسول الله، فقال: "اكتبوا لأبي شاه"، يعني الخطبة التي سمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ج - صفتها:

وتجب العناية بكتابة الحديث؛ لأنها إحدى وسيلتي نقله، فوجبت العناية بها كنقله عن طريق اللفظ.

وللكتابة صفتان: واجبة ومستحسنة:

فالواجبة: أن يكتب الحديث بخط واضح بين، لا يوقع في الإشكال والالتباس.

والمستحسنة: أن يراعي ما يأتي:

1 - إذا مر بذكر اسم الله كتب: تعالى، أو عز وجل، أو سبحانه، أو غيرها من كلمات الثناء الصريحة بدون رمز.

وإذا مر بذكر اسم الرسول صلى الله عليه وسلم كتب: صلى الله عليه وسلم، أو عليه الصلاة والسلام صريحة بدون رمز، قال العراقي في "شرح ألفيته" في المصطلح: ويكره أن يرمز للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الخط بأن يقتصر على حرفين ونحو ذلك، وقال أيضا: ويكره حذف واحد من الصلاة، أو التسليم، والاقتصار على أحدهما (4) . اهـ.

* وإذا مر بذكر صحابي كتب: رضي الله عنه، ولا يخص أحدا من الصحابة بثناء، أو دعاء معين يجعله شعارا له كلما ذكره. كما يفعل الرافضة في علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قولهم عند ذكره: عليه السلام أو كرم الله وجهه، قال ابن كثير (5) : فإن هذا من باب التعظيم، والتكريم، فالشيخان يعني: أبا بكر وعمر وأمير المؤمنين عثمان أولى بذلك منه. اهـ.

_________

(1) رواه أحمد (2/215/70189 وابن خزيمة في "صحيحه" (4/26/2280) كتاب الزكاة، 299- باب النهي عن الجلب عند أخذ الصدقة. وحسنه الألباني.

(2) رواه مسلم (3004) كتاب الزهد والرقائق، 16- باب التثبت في الحديث وحكم كتابة العلم. وأحمد (3/12/11100)

(3) رواه البخاري (112) كتاب العلم، 39- باب كتابة العلم. ومسلم (1355) كتاب الحج، 82- باب تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها ولقطتها إلا لمنشد على الدوام.

(4) هو في "شرحه لألفيته" (ص237-239) .

(5) ابن كثير، هو في "تفسيره" (3/517-518 الفكر) .

(1/42)

فأما إن أضاف الصلاة إلى السلام عند ذكر علي رضي الله عنه دون غيره فهو ممنوع، لا سيما إذا اتخذه شعارا لا يخل به، فتركه حيئنذ متعين، قاله ابن القيم في كتاب "جلاء الأفهام" (1) .

* وإذا مر بذكر تابعي فمن بعده ممن يستحقون الدعاء كتب: رحمه الله.

2 - أن يشير إلى نص الحديث بما يتميز به: فيجعله بين قوسين () أو مربعين () أو دائرتين * * أو نحو ذلك، لئلا يختلط بغيره فيشتبه.

3 - أن يراعي القواعد المتبعة في إصلاح الخطأ:

* فالساقط يلحقه في أحد الجانبين، أو فوق، أو تحت مشيرا إلى مكانه بما يعينه.

* والزائد يشطب عليه من أول كلمة منه إلى الأخيرة بخط واحد؛ لئلا ينطمس ما تحته فيخفى على القارئ، وإذا كان الزائد كثيرا كتب قبل أول كلمة منه (لا) وبعد آخر كلمة منه (إلى) ترفعان قليلا عن مستوى السطر.

وإذا كانت الزيادة بتكرار كلمة شطبت الأخيرة منها، إلا أن يكون لها صلة بما بعدها فيشطب الأولى، مثل أن يكرر كلمة عبد في عبد الله، أو امرئ في امرئ مؤمن، فيشطب الأولى.

4 - أن لا يفصل بين كلمتين في سطرين إذا كان الفصل بينهما يوهم معنى فاسدا، مثل قول علي رضي الله عنه: بشر قاتل ابن صفية (يعني: الزبير بن العوام) بالنار، فلا يجعل بشر قاتل في سطر، وابن صفية في النار في سطر آخر.

5 - أن يجتنب الرمز إلا فيما كان مشهورا بين المحدثين (2) ومنه:

* (ثنا) أو (نا) و (دثنا) يرمز بها عن حدثنا، وتقرأ: حدثنا.

* (أنا) أو (أرنا) أو (أبنا) يرمز بها عن أخبرنا، وتقرأ: أخبرنا.

* (ق) يرمز بها عن قال، وتقرأ: قال، والأكثر حذف قال بدون رمز، لكن ينطق بها عند القراءة.

مثاله: قول البخاري: حدثنا أبو معمر: حدثنا عبد الوارث، قال يزيد: حدثني مطرف بن

_________

(1) هو في "جلاء الأفهام" (467- العروبة) .

(2) يستعمل كثير من المتأخرين الرموز طلبا للاختصار، لكنهم يذكرون مصطلحهم في ذلك فيزول المحذور منها.

(1/43)

عبد الله عن عمران، قال: قلت: يا رسول الله فيم يعمل العاملون؟ قال: "كل ميسر لما خلق له" (1) .

فقد حذفت (قال) بين الرواة، لكن ينطق بها عند القراءة فيقال في المثال: قال البخاري: حدثنا أبو معمر قال: حدثنا عبد الوارث قال: قال يزيد: حدثني مطرف ... إلخ.

* (ح) يرمز بها للتحول من إسناد إلى آخر إذا كان للحديث أكثر من إسناد، سواء كان التحول عند آخر الإسناد أو في أثنائه، وينطق بها على صورتها فيقال: حا.

مثال التحول عند آخر الإسناد:

قول البخاري: حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال: حدثنا ابن علية، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم (ح) وحدثنا آدم قال: حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده، وولده، والناس أجمعين" (2) .

ومثال التحول في أثنائه:

قول مسلم: حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا ليث (ح) وحدثنا محمد بن رمح: حدثنا الليث عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ألا كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته. فالأمير الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته. والرجل راع على أهل بيته، وهو مسؤول عنهم. والمرأة راعية على بيت بعلها وولده، وهي مسؤولة عنهم. والعبد راع على مال سيده، وهو مسؤول عنه. ألا فكلكم راع. وكلكم مسؤول عن رعيته" (3) .

_________

(1) رواه البخاري (7551) كتاب التوحيد، 54- باب قول الله تعالى (ولقد يسرنا القرآن للذكر) (القمر: 17) . وهو في مسلم (26499 كتاب القدر، 1- باب كيفية خلق الآدمي ...

(2) رواه البخاري (15) كتاب الإيمان، 8- باب حب الرسول صلى الله عليه وسلم من الإيمان. وهو في مسلم (44) كتاب الإيمان، 16- باب وجوب محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر الأهل والولد والوالد والناس أجمعين.

(3) رواه مسلم (1829) كتاب الإمارة، 5- باب فضيلة الإمام العادل، وعقوبة الجائر، والحث على الرفق بالرعية، والنهي عن إدخال المشقة عليهم. وهو في البخاري (2554) كتاب العتق، 17- باب كراهية التطاول على الرقيق.

(1/44)

تدوين الحديث:

لم يكن الحديث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الأربعة الراشدين مدونا كما دون فيما بعد، وقد روى البيهقي في "المدخل" (1) عن عروة بن الزبير أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أراد أن يكتب السنن، فاستشار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فأشاروا عليه أن يكتبها، فطفق عمر يستخير الله فيها شهرا، ثم أصبح يوما وقد عزم الله له، فقال: إني كنت أردت أن أكتب السنن، وإني ذكرت قوما، كانوا قبلكم، كتبوا كتبا، فأكبوا عليها، وتركوا كتاب الله، وإني والله لا ألبس كتاب الله بشيء أبدا.

ولما كانت خلافة عمر بن عبد العزيز رحمه الله وخاف من ضياع الحديث، كتب إلى قاضيه في المدينة أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم: انظر ما كان من حديث النبي صلى الله عليه وسلم فاكتبه، فإني خفت دروس العلم، وذهاب العلماء، ولا تقبل إلا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولتفشوا العلم، ولتجلسوا حتى يعلم من لا يعلم، فإن العلم لا يهلك حتى يكون سرا.

وكتب إلى الآفاق بذلك أيضا ثم أمر محمد بن شهاب الزهري بتدوينها.

فكان أول من صنف في الحديث: محمد بن شهاب الزهري بأمر أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمهما الله، وكان ذلك على رأس مئة سنة من الهجرة، ثم تتابع الناس في ذلك، وتنوعت طرقهم في تصنيف الحديث

طرق تصنيف الحديث:

طرق تصنيف الحديث على نوعين:

أ - تصنيف الأصول:

وهي التي يسند فيها الحديث من المصنف إلى غاية الإسناد وله طرق، فمنها:

1 - التصنيف على الأجزاء: بأن يجعل لكل باب من أبواب العلم جزء خاص

_________

(1) رواه البيهقي في "المدخل" (731) ، وعبد الرزاق عن معمر في "جامعه" (11/257- المحلق في آخر المصنف) .

(1/45)

مستقل، فيجعل لباب الصلاة جزء خاص، ولباب الزكاة جزء خاص، وهكذا. ويذكر أن هذه طريقة الزهري ومن في زمنه.

2 - التصنيف على الأبواب: بحيث يجعل في الجزء الواحد أكثر من باب، وترتب على الموضوعات؛ كترتيب أبواب الفقه، أو غيره. مثل: طريقة البخاري، ومسلم، وأصحاب "السنن".

3 - التصنيف على المسانيد: بحيث يجمع أحاديث كل صحابي على حدة، فيذكر في مسند أبي بكر جميع ما رواه عن أبي بكر، وفي مسند عمر جميع ما رواه عن عمر، وهكذا مثل طريقة الإمام أحمد في "مسنده".

ب - تصنيف الفروع:

وهي التي ينقلها مصنفوها من الأصول معزوة إلى أصلها بغير إسناد، وله طرق أيضا فمنها:

1 - التصنيف على الأبواب مثل: "بلوغ المرام" لابن حجر العسقلاني، و"عمدة الأحكام" لعبد الغني المقدسي

2 - التصنيف مرتبا على الحروف مثل: "الجامع الصغير" للسيوطي. إلى غير ذلك من الطرق الكثيرة من النوعين حسبما يراه أهل الحديث أقرب إلى تحصيله وتحقيقه.

الأمهات الست

يطلق هذا الوصف على الأصول التالية:

1 - صحيح البخاري 2 - صحيح مسلم 3 - سنن النسائي

4 - سنن أبي داود 5 - سنن الترمذي 6 - سنن ابن ماجه.

1 - صحيح البخاري:

هذا الكتاب سماه مؤلفه "الجامع الصحيح" وخرجه من ستمائة ألف حديث، وتعب رحمه الله في تنقيحه، وتهذيبه، والتحري في صحته، حتى كان لا يضع فيه

(1/46)

حديثا إلا اغتسل وصلى ركعتين، يستخير الله في وضعه، ولم يضع فيه مسندا إلا ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ بالسند المتصل الذي توفر في رجاله العدالة والضبط.

وأكمل تأليفه في ستة عشر عاما، ثم عرضه على الإمام أحمد ويحيى بن معين وعلي بن المديني وغيرهم، فاستحسنوه، وشهدوا له بالصحة.

وقد تلقاه العلماء بالقبول في كل عصر، قال الحافظ الذهبي: هو أجل كتب الإسلام، وأفضلها بعد كتاب الله تعالى.

وعدد أحاديثه بالمكرر (7397) سبعة وتسعون وثلاثمائة وسبعة آلاف، وبحذف المكرر (2602) اثنان وستمائة وألفا حديث، كما حرر ذلك الحافظ ابن حجر رحمه الله.

* البخاري:

هو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه (1) الجعفي - مولاهم - الفارسي الأصل.

ولد ببخارى في شوال سنة 194 هـ أربع وتسعين ومئة، ونشأ يتيما في حجر والدته، وبدأ بالرحلة في طلب الحديث سنة عشر ومائتين، وتنقل في البلاد لطلب الحديث، وأقام في الحجاز ست سنين، ودخل الشام ومصر والجزيرة والبصرة والكوفة وبغداد، وكان رحمه الله غاية في الحفظ، ذكر عنه أنه كان ينظر في الكتاب فيحفظه من نظرة واحدة، وكان زاهدا ورعا بعيدا عن السلاطين والأمراء، شجاعا، سخيا، أثنى عليه العلماء في عصره وبعده، قال الإمام أحمد: ما أخرجت خراسان مثله، وقال ابن خزيمة: ما تحت أديم السماء أعلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أحفظ من محمد بن إسماعيل البخاري. وكان

_________

(1) بردزبه: كلمة فارسية معناها الزراع.

(1/47)

مجتهدا في الفقه، وله دقة عجيبة في استنباطه من الحديث. كما تشهد بذلك تراجمه في "صحيحه".

توفي رحمه الله في خرتنك (1) ؛ بلدة على فرسخين من سمرقند، ليلة عيد الفطر سنة 256 هـ ست وخمسين ومائتين عن اثنين وستين عاما إلا ثلاثة عشر يوما، وقد خلف علما كثيرا في مؤلفاته، رحمه الله، وجزاه عن المسلمين خيرا.

2 - صحيح مسلم:

هو الكتاب المشهور الذي ألفه مسلم بن الحجاج رحمه الله، جمع فيه ما صح عنده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال النووي: سلك فيه طرقا بالغة في الاحتياط، والإتقان، والورع، والمعرفة، لا يهتدي إليها إلا أفراد في الأعصار. اهـ.

وكان يجمع الأحاديث المتناسبة في مكان واحد، ويذكر طرق الحديث وألفاظه مرتبا على الأبواب، لكنه لا يذكر التراجم إما: خوفا من زيادة حجم الكتاب، أو لغير ذلك.

وقد وضع تراجمه جماعة من شراحه، ومن أحسنها تراجم النووي رحمه الله.

وعدد أحاديثه بالمكرر (7275) خمسة وسبعون ومائتان وسبعة آلاف حديث، وبحذف المكرر نحو (4000) أربعة آلاف حديث.

وقد اتفق جمهور العلماء أو جميعهم على أنه - من حيث الصحة - في المرتبة الثانية بعد صحيح البخاري، وقيل في المقارنة بينهما:

تشاجر قوم في البخاري ومسلم

لدي وقالوا: أي ذين تقدم

فقلت: لقد فاق البخاري صحة

كما فاق في حسن الصناعة مسلم

_________

(1) بفتح الخاء وسكون الراء وفتح التاء وسكون النون.

(1/48)

* مسلم:

هو أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري، ولد في نيسابور سنة 204 هـ أربع ومائتين، وتنقل في الأمصار لطلب الحديث؛ فرحل إلى الحجاز والشام والعراق ومصر، ولما قدم البخاري نيسابور لازمه ونظر في علمه، وحذا حذوه.

أثنى عليه كثير من العلماء من أهل الحديث وغيرهم.

توفي في نيسابور سنة 261 هـ إحدى وستين ومائتين، عن سبع وخمسين سنة.

وقد خلف علما كثيرا في مؤلفاته، رحمه الله، وجزاه عن المسلمين خيرا.

فائدتان:

الفائدة الأولى:

لم يستوعب "الصحيحان": صحيح البخاري، ومسلم جميع ما صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم، بل في غيرهما أحاديث صحيحة لم يروياها، قال النووي: إنما قصد البخاري ومسلم جمع جمل من الصحيح، كما يقصد المصنف في الفقه جمع جملة من مسائله، لا أنه يحصر جميع مسائله، لكن إذا كان الحديث الذي تركاه، أو تركه أحدهما مع صحة إسناده في الظاهر أصلا في بابه، ولم يخرجا له نظيرا، ولا ما يقوم مقامه؛ فالظاهر من حالهما أنهما اطلعا فيه على علة إن كانا روياه، ويحتمل أنهما تركاه نسيانا، أو إيثارا لترك الإطالة، أو رأيا أن غيره مما ذكراه يسد مسده، أو لغير ذلك. اهـ.

الفائدة الثانية:

اتفق العلماء على أن "صحيحي البخاري ومسلم" أصح الكتب المصنفة في الحديث فيما ذكراه متصلا، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: لا يتفقان على حديث إلا يكون صحيحا لا ريب فيه. وقال: جمهور متونهما، يعلم أهل الحديث علما قطعيا أن النبي صلى الله عليه وسلم قالها. اهـ.

هذا وقد انتقد بعض الحفاظ على صاحبي "الصحيحين" أحاديث نزلت عن درجة

(1/49)

ما التزماه، تبلغ مائتين وعشرة أحاديث، اشتركا في اثنين وثلاثين منها، وانفرد البخاري بثمانية وسبعين، وانفرد مسلم بمئة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية (1) : جمهور ما أنكر على البخاري، مما صححه يكون قوله فيه راجحا على من نازعه، بخلاف مسلم فإنه نوزع في أحاديث خرجها، وكان الصواب مع من نازعه فيها، ومثل لذلك بحديث: "خلق الله التربة يوم السبت" (2) ، وحديث "صلاة الكسوف بثلاث ركوعات وأربع" (3) .

وقد أجيب عما انتقد عليهما بجوابين مجمل ومفصل:

1 - أما المجمل: فقال ابن حجر العسقلاني في مقدمة "فتح الباري" (4) : لا ريب في تقديم البخاري ثم مسلم على أهل عصرهما ومن بعده من أئمة هذا الفن في معرفة الصحيح والمعلل، قال: فبتقدير توجيه كلام من انتقد عليهما يكون قوله معارضا لتصحيحهما، ولا ريب في تقديمهما في ذلك على غيرهما، فيندفع الاعتراض من حيث الجملة. اهـ.

2 - وأما المفصل: فقد أجاب ابن حجر في المقدمة عما في "صحيح البخاري" جوابا مفصلا عن كل حديث، وألف الرشيد العطار كتابا في الجواب عما انتقد على مسلم حديثا حديثا، وقال العراقي في "شرح ألفيته" في المصطلح: إنه قد أفرد كتابا لما ضعف من أحاديث "الصحيحين" مع الجواب عنها، فمن أراد الزيادة في ذلك فليقف عليه، ففيه فوائد ومهمات. اهـ.

3 - سنن النسائي:

ألف النسائي رحمه الله كتابه "السنن الكبرى" وضمنه الصحيح، والمعلول، ثم اختصره في كتاب "السنن الصغرى"، وسماه "المجتبى"، جمع فيه الصحيح عنده، وهو المقصود بما ينسب إلى رواية النسائي من حديث.

_________

(1) انظر: "مجموع الفتاوى" (1/256) و (17/236) و (8/73) .

(2) رواه مسلم (2789) كتاب صفة القيامة والجنة والنار، 1- باب ابتداء الخلق، وخلق آدم عليه السلام. وانظر: "تفسير ابن كثير" (1/69/- 70) .

(3) انظر: "صحيح مسلم" (901) ، (6) كتاب الكسوف، 1- باب صلاة الكسوف.

(4) وكلام ابن حجر: "مقدمة فتح الباري" "هدي الساري"، الفصل الثامن.

(1/50)

و"المجتبى" أقل السنن حديثا ضعيفا، ورجلا مجروحا ودرجته بعد "الصحيحين"، فهو - من حيث الرجال - مقدم على "سنن أبي داود والترمذي"؛ لشدة تحري مؤلفه في الرجال، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: كم من رجل أخرج له أبو داود والترمذي تجنب النسائي إخراج حديثه، بل تجنب إخراج حديث جماعة في "الصحيحين". اهـ.

وبالجملة فشرط النسائي في "المجتبى" هو أقوى الشروط بعد "الصحيحين".

* النسائي:

هو أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي النسائي، ويقال: النسوي؛ نسبة إلى نسأ بلدة مشهورة بخراسان.

ولد سنة 215، في نسأ، ثم ارتحل في طلب الحديث، وسمع من أهل الحجاز وخراسان والشام والجزيرة وغيرها، وأقام بمصر طويلا، وانتشرت مصنفاته فيها، ثم ارتحل إلى دمشق، فحصلت له فيها محنة، وتوفي سنة 303، في الرملة في فلسطين عن ثمان وثمانين سنة.

وقد خلف مصنفات كثيرة في الحديث والعلل، فرحمه الله، وجزاه عن المسلمين خيرا.

4 - سنن أبي داود:

هو كتاب يبلغ 4800 أربعة آلاف وثمانمائة حديث، انتخبه مؤلفه من خمسمائة ألف حديث، واقتصر فيه على أحاديث الأحكام وقال: ذكرت فيه الصحيح، وما يشبهه وما يقاربه. وما كان في كتابي هذا فيه وهن شديد بينته، وليس فيه عن رجل متروك الحديث شيء، وما لم أذكر فيه شيئا فهو صالح، وبعضها أصح من بعض، والأحاديث التي وضعتها في كتاب "السنن" أكثرها مشاهير. اهـ.

قال السيوطي: يحتمل أن يريد بصالح: الصالح للاعتبار دون الاحتجاج فيشمل

(1/51)

الضعيف، لكن ذكر ابن كثير أنه يروى عنه أنه قال: وما سكت عنه فهو حسن، فإن صح هذا فلا إشكال. اهـ. أي: فلا إشكال في أن المراد بصالح: صالح للاحتجاج، وقال ابن الصلاح: فعلى هذا ما وجدناه في كتابه مذكورا مطلقا وليس في أحد "الصحيحين"، ولا نص على صحته أحد؛ عرفنا أنه من الحسن عند أبي داود. اهـ. وقال ابن منده: وكان أبو داود يخرج الإسناد الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره؛ لأنه أقوى عنده من رأي الرجال. اهـ.

وقد اشتهر "سنن أبي داود" بين الفقهاء لأنه كان جامعا لأحاديث الأحكام، وذكر مؤلفه أنه عرضه على الإمام أحمد بن حنبل فاستجاده واستحسنه، وأثنى عليه ابن القيم ثناء بالغا في مقدمة "تهذيبه".

* أبو داود:

هو سليمان بن الأشعث بن إسحاق الأزدي السجستاني، ولد في سجستان سنة 202هـ، ورحل في طلب الحديث وكتب عن أهل العراق والشام ومصر وخراسان، وأخذ عن أحمد بن حنبل، وغيره من شيوخ البخاري ومسلم.

أثنى عليه العلماء ووصفوه بالحفظ التام والفهم الثاقب والورع.

توفي في البصرة سنة 275هـ عن ثلاث وسبعين سنة.

وقد خلف علما كثيرا في مؤلفاته، رحمه الله، وجزاه عن المسلمين خيرا.

5 - سنن الترمذي:

هذا الكتاب اشتهر أيضا باسم "جامع الترمذي"، ألفه الترمذي رحمه الله على أبواب الفقه، وأودع فيه الصحيح والحسن والضعيف، مبينا درجة كل حديث في موضعه مع بيان وجه الضعف، واعتنى ببيان من أخذ به من أهل العلم من الصحابة وغيرهم، وجعل في آخره كتابا في "العلل" جمع فيه فوائد هامة.

(1/52)

قال: وجميع ما في هذا الكتاب من الحديث فهو معمول به، وقد أخذ به بعض العلماء ما خلا حديثين: حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر بالمدينة والمغرب والعشاء من غير خوف ولا سفر (1) . وحديث: "إذا شرب فاجلدوه، فإن عاد في الرابعة فاقتلوه" (2) . اهـ (3) .

وقد جاء في هذا الكتاب من الفوائد الفقهية والحديثية ما ليس في غيره، واستحسنه علماء الحجاز والعراق وخراسان حين عرضه مؤلفه عليهم.

هذا وقد قال ابن رجب: اعلم أن الترمذي خرج في كتابه الصحيح والحسن والغريب. والغرائب التي خرجها فيها بعض المنكر، ولا سيما في كتاب الفضائل، ولكنه يبين ذلك غالبا، ولا أعلم أنه خرج عن متهم بالكذب، متفق على اتهامه بإسناد منفرد، نعم قد يخرج عن سيئ الحفظ، ومن غلب على حديثه الوهن، ويبين ذلك

غالبا، ولا يسكت عنه اهـ.

* الترمذي:

هو أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة السلمي الترمذي، ولد في ترمذ مدينة بطرف جيحون، سنة 209هـ فطاف بالبلاد، وسمع من أهل الحجاز والعراق وخراسان.

اتفقوا على إمامته وجلالته حتى كان البخاري يعتمد عليه ويأخذ عنه مع أنه - أي البخاري - من شيوخه.

توفي في ترمذ سنة 279هـ عن سبعين عاما، وقد صنف تصانيف نافعة في العلل

_________

(1) رواه مسلم (705) كتاب الصلاة، 5- باب جواز الجمع بين الصلاتين في السفر. وانظر: البخاري (543) كتاب مواقيت الصلاة، 12- باب تأخير الظهر إلى العصر. والترمذي (187) كتاب الصلاة، 24- باب ما جاء في الجمع بين الصلاتين في الحضر.

(2) رواه الترمذي (1444) كتاب الحدود، 15- باب ما جاء من شرب الخمر فاجلدوه، ومن عاد في الرابعة فاقتلوه.

(3) قلت: بل أخذ الإمام أحمد رحمه الله تعالى بمقتضى حديث ابن عباس في الجمع فأجاز الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء للمرض ونحوه، وقد سئل ابن عباس رضي الله عنهما لم فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك؟ فقال: أراد أن لا يحرج أمته، فدل على أنه كلما لحق الأمة حرج في ترك الجمع، جاز الجمع. وأما حديث قتل شارب الخمر في الرابعة فقد أخذ به بعض العلماء، فقال ابن حزم: يقتل في الرابعة بكل حال، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: يقتل عند الحاجة إلى قتله، إذا لم ينته الناس بدونه، وعلى هذا فلا إجماع على ترك العمل بالحديثين.

(1/53)

وغيرها، رحمه الله، وجزاه الله عن المسلمين خيرا.

6 - سنن ابن ماجه:

كتاب جمعه مؤلفه مرتبا على الأبواب يبلغ نحو واحد وأربعين وثلاثمائة وأربعة آلاف حديث (4341) ، والمشهور عند كثير من المتأخرين أنه السادس من كتب أصول الحديث (الأمهات الست) ، إلا أنه أقل رتبة من "السنن": "سنن النسائي وأبي داود والترمذي"، حتى كان من المشهور أن ما انفرد به يكون ضعيفا غالبا إلا أن الحافظ ابن حجر قال: ليس الأمر في ذلك على إطلاقه باستقرائي، وفي الجملة ففيه أحاديث كثيرة منكرة، والله المستعان. اهـ، وقال الذهبي: فيه مناكير وقليل من الموضوعات. اهـ، وقال السيوطي: إنه تفرد بإخراج الحديث عن رجال متهمين بالكذب، وسرقة الأحاديث، وبعض تلك الأحاديث، لا تعرف إلا من جهتهم.

وأكثر أحاديثه قد شاركه في إخراجها أصحاب الكتب الستة كلهم، أو بعضهم، وانفرد عنهم بتسعة وثلاثين وثلاثمائة وألف حديث (1339) كما حقق ذلك الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي رحمه الله.

* ابن ماجه:

هو أبو عبد الله محمد بن يزيد بن عبد الله بن ماجه (بالهاء الساكنة ويقال بالتاء) الربعي مولاهم القزويني.

ولد في قزوين (من عراق العجم) سنة 209هـ، وارتحل في طلب الحديث إلى الري والبصرة والكوفة وبغداد والشام ومصر والحجاز، وأخذ عن كثير من أهلها.

توفي سنة 273هـ عن أربع وستين سنة.

له عدد من التصانيف النافعة، رحمه الله، وجزاه عن المسلمين خيرا.

(1/54)

مسند الإمام أحمد

المحدثون جعلوا المسانيد في الدرجة الثالثة بعد "الصحيحين" و"السنن".

ومن أعظم المسانيد قدرا وأكثرها نفعا: "مسند الإمام أحمد"، فقد شهد له المحدثون قديما وحديثا بأنه أجمع كتب السنة، وأوعاها، لما يحتاج إليه المسلم في دينه ودنياه، قال ابن كثير: لا يوازي "مسند أحمد" كتاب مسند في كثرته وحسن سياقاته، وقال حنبل: جمعنا أبي أنا، وصالح، وعبد الله، فقرأ علينا المسند وما سمعه غيرنا، وقال: هذا الكتاب جمعته من أكثر من سبعمائة ألف حديث وخمسين ألفا، فما اختلف فيه المسلمون من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فارجعوا إليه، فإن وجدتموه وإلا فليس بحجة. اهـ. لكن قال الذهبي: هذا القول منه على غالب الأمر وإلا فلنا أحاديث قوية في "الصحيحين" و"السنن" والأجزاء ما هي في المسند. اهـ.

وقد زاد فيه ابنه عبد الله زيادات ليست من رواية أبيه، وتعرف بزوائد عبد الله، وزاد فيه أيضا أبو بكر القطيعي الذي رواه عن عبد الله عن أبيه زيادات عن غير عبد الله وأبيه.

ويبلغ عدد أحاديث المسند بالمكرر نحو (40000) أربعين ألف حديث، وبحذف المكرر (30000) ثلاثين ألف حديث.

آراء العلماء في أحاديث المسند:

للعلماء في أحاديث المسند ثلاثة آراء:

الأول - أن جميع ما فيه من الأحاديث حجة.

الثاني - أن فيه الصحيح والضعيف والموضوع، وقد ذكر ابن الجوزي في "الموضوعات" تسعة وعشرين حديثا منه، وزاد العراقي عليها تسعة أحاديث، وجمعها في جزء.

الثالث - أن فيه الصحيح والضعيف الذي يقرب من الحسن، وليس فيه موضوع، وقد ذهب إلى هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية والذهبي والحافظ

(1/55)

ابن حجر والسيوطي، وقال شيخ الإسلام: شرط أحمد في "المسند" أقوى من شرط أبي داود في "سننه"، وقد روى أبو داود عن رجال أعرض عنهم في "المسند"، وقد شرط أحمد في "المسند" أن لا يروي عن المعروفين بالكذب عنده، وإن كان في ذلك ما هو ضعيف، ثم زاد عليه ابنه عبد الله وأبو بكر القطيعي زيادات، ضمت إليه، وفيها كثير من الأحاديث الموضوعة فظن من لا علم عنده أن ذلك من رواية أحمد في مسنده. اهـ (1) .

وبما ذكره شيخ الإسلام رحمه الله يتبين أنه يمكن التوفيق بين الآراء الثلاثة، فمن قال: إن فيه الصحيح والضعيف، لا ينافي القول بأن جميع ما فيه حجة؛ لأن الضعيف إذا صار حسنا لغيره يكون حجة، ومن قال: إن فيه الموضوع حمل على ما في زيادات عبد الله وأبي بكر القطيعي.

وقد صنف الحافظ ابن حجر كتابا سماه: "القول المسدد في الذب عن المسند" ذكر فيه الأحاديث التي حكم العراقي عليها بالوضع، وأضاف إليها خمسة عشر حديثا، مما ذكره ابن الجوزي ثم أجاب عنها حديثا حديثا، وعقب السيوطي عليه بما فاته مما ذكره ابن الجوزي، وهي أربعة عشر حديثا في جزء سماه: "الذيل الممهد هذا وقد تناول العلماء هذا المسند بالتصنيف عليه ما بين مختصر له، وشارح، ومفسر، ومرتب، ومن أحسنها الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني" الذي ألفه أحمد بن عبد الرحمن البنا، الشهير بالساعاتي، جعله سبعة أقسام أولها: قسم التوحيد وأصول الدين وآخرها: قسم القيامة وأحوال الآخرة، ورتبه على الأبواب ترتيبا حسنا، وأتمه بوضع شرح عليه سماه "بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني"، وهو اسم مطابق لمسماه فإنه مفيد جدا من الناحيتين الحديثية والفقهية، والحمد لله رب العالمين.

* أحمد بن حنبل:

هو الإمام أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني المروزي ثم البغدادي.

ولد سنة 164هـ في مرو ثم حمل إلى بغداد وهو رضيع، وقيل: ولد في بغداد، نشأ

_________

(1) انظر: "منهاج السنة النبوية" (7/97) .

(1/56)

يتيما وطاف بالبلاد والآفاق؛ لطلب الحديث فسمع من مشايخ العصر في الحجاز والعراق والشام واليمن، وعني عناية عظيمة بالسنة والفقه حتى عده أهل الحديث إمامهم وفقيههم.

وقد أثنى عليه العلماء في عصره وبعده، فقال الشافعي: خرجت من العراق، فما رأيت رجلا أفضل، ولا أعلم، ولا أورع، ولا أتقى من أحمد بن حنبل، وقال إسحاق بن راهويه: أحمد حجة بين الله وبين عبيده في أرضه، وقال ابن المديني: إن الله أيد هذا الدين بأبي بكر الصديق رضي الله عنه يوم الردة، وبأحمد بن حنبل رحمه الله يوم المحنة، وقال الذهبي: انتهت إليه الإمامة في الفقه، والحديث، والإخلاص، والورع وأجمعوا على أنه ثقة حجة إمام. اهـ.

توفي في بغداد سنة 241هـ عن سبعة وسبعين عاما.

وقد خلف للأمة علما كثيرا، ومنهجا قويما، رحمه الله، وجزاه عن المسلمين خيرا.

آداب العالم والمتعلم

فائدة العلم وثمرته: العمل بما علم، فمن لم يعمل بما علم كان علمه وبالا عليه، وحجة عليه يوم القيامة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "والقرآن حجة لك أو عليك" (1) .

ولكل من العالم والمتعلم آداب ينبغي مراعاتها، منها ما هو مشترك بينهما، ومنها ما هو مختص بأحدهما.

فمن الآداب المشتركة:

1 - إخلاص النية لله؛ بأن ينوي بتعلمه وتعليمه التقرب إلى الله، بحفظ شريعته، ونشرها، ورفع الجهل عنه وعن الأمة، فمن نوى بتعلمه العلم الشرعي شيئا من الدنيا؛ فقد عرض نفسه للعقوبة، ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:

"من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله، لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا؛ لم

_________

(1) رواه مسلم (223) كتاب الطهارة، 1- باب فضل الوضوء.

(1/57)

يجد عرف الجنة يوم القيامة" (1) : يعني ريحها. رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه.

وروي أنه قال: "من طلب العلم؛ ليجاري به العلماء، أو ليماري به السفهاء، أو يصرف به وجوه الناس إليه؛ أدخله الله النار" (2) . رواه الترمذي.

2 - العمل بما علم؛ فمن عمل بما علم، ورثه الله علم ما لم يعلم، قال الله تعالى: (والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم) (محمد: 17)

ومن ترك العمل بما علم؛ أوشك أن يسلبه الله ما علم، قال الله تعالى:) فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به) (المائدة: الآية13)

3 - التخلق بالأخلاق الفاضلة من الوقار وحسن السمت ولين الجانب، وبذل المعروف واحتمال الأذى، وغير ذلك من الأخلاق التي يحمد عليها شرعا، أو عرفا سليما.

4 - اجتناب الأخلاق السافلة من الفحش والسب والأذى والغلظة والخفة المذمومة في المنطق والهيئة، وغير ذلك مما يذم عليه شرعا، أو عرفا سليما.

من الآداب المختصة بالمعلم:

1 - الحرص على نشر العلم بجميع الوسائل، وأن يبذله لمن طلبه بطلاقة وانشراح صدر، مغتبطا بنعمة الله عليه بالعلم والنور، وتيسير من يرث علمه عنه، وليحذر كل الحذر من كتمان العلم في حال يحتاج الناس فيها إلى بيانه، أو يسأله عنه مسترشد، ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من سئل عن علم علمه، ثم كتمه، ألجم يوم القيامة بلجام من نار" (3) . رواه أحمد وأبو داود والترمذي.

2 - الصبر على أذى المتعلمين وسوء معاملتهم له؛ لينال بذلك أجر الصابرين، ويعودهم على الصبر واحتمال الأذى من الناس، لكن مع ملاحظتهم بالتوجيه والإرشاد والتنبيه بحكمة على ما أساؤوا به؛ لئلا تضيع هيبته من نفوسهم، فيضيع مجهوده في تعليمهم.

_________

(1) رواه أبو داود (3664) كتاب العلم، 12- باب في طلب العلم لغير الله تعالى. وابن ماجه (252) المقدمة، 23- باب الانتفاع بالعلم والعمل به. وأحمد (1/338/ح8438) . وصححه ابن حبان (1/279/78) . وقال العقيلي في "الضعفاء" (3/466) : الرواية في هذا الباب لينة. ورجح أبو زرعة في "العلل" (2/438) وقفه.

(2) رواه الترمذي (2654) كتاب العلم، 6- باب ما جاء فيمن يطلب الدنيا بعلمهن وقال: غريب. وابن ماجه (259، 260) المقدمة، 23- باب الانتفاع بالعلم والعمل به. وحسنه الألباني في مجموع طرقه.

(3) رواه أبو داود (3658) كتاب العلم، باب كراهية منع العلم. وابن ماجه (261) المقدمة، 24- باب من سئل عن علم فكتمه. والترمذي (2649) كتاب العلم، 3- باب ما جاء في كتمان العلم، وقال: حسن. وأحمد (2/263/7561) . وقال ابن كثير في "التفسير" (1/201- الفكر) : ورد من طرائق يشد بعضها بعضا.

(1/58)

3 - أن يمثل أمام الطلبة بما ينبغي أن يكون عليه من دين وخلق، فإن المعلم أكبر قدوة لتلميذه، وهو المرآة التي ينعكس عليها دين المعلم وأخلاقه.

4 - أن يسلك أقرب الطرق في إيصال العلم إلى تلاميذه، ومنع ما يحول دون ذلك، فيعتني ببيان العبارة وإيضاح الدلالة، وغرس المحبة في قلوبهم؛ ليتمكن من قيادتهم، وإصغائهم لكلامه، واستجابتهم لتوجيهه.

ومن الآداب المختصة بالمتعلم:

1 - بذل الجهد في إدراك العلم، فإن العلم لا ينال براحة الجسم، فيسلك جميع الطرق الموصلة إلى العلم. وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من سلك طريقا يلتمس فيه علما؛ سهل الله له به طريقا إلى الجنة" (1) . رواه مسلم.

2 - البدء بالأهم فالأهم فيما يحتاج إليه من العلم في أمور دينه ودنياه، فإن ذلك من الحكمة {و من يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولو الألباب} (البقرة: 269.

3 - التواضع في طلب العلم بحيث لا يستكبر عن تحصيل الفائدة من أي شخص كان، فإن التواضع للعلم رفعة، والذل في طلبه عز، وكم من شخص أقل منك في العلم من حيث الجملة، وعنده علم في مسألة ليس عندك منها علم.

4 - توقير المعلم واحترامه بما يليق به، فإن المعلم الناصح بمنزلة الأب، يغذي النفس، والقلب بالعلم، والإيمان، فمن حقه أن يوقره المتعلم، ويحترمه بما يليق من غير غلو ولا تقصير، ويسأله سؤال المستلهم المسترشد لا سؤال المتحدي أو المستكبر، وليتحمل من معلمه ما قد يحصل من جفاء وغلظة وانتهار. لأنه ربما يكون متأثرا بأسباب خارجية، فلا يتحمل من المتعلم ما يتحمله منه في حال الصفاء، والسكون.

5 - الحرص على المذاكرة والضبط وحفظ ما تعلمه في صدره أو كتابه؛ فإن الإنسان

_________

(1) رواه مسلم (2699) كتاب الذكر والدعاء، 11- باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر.

(1/59)

عرضة للنسيان، فإذا لم يحرص على ذلك نسي ما تعلمه وضاع منه وقد قيل:

العلم صيد والكتابة قيده

قيد صيودك بالحبال الواثقة

فمن الحماقة أن تصيد غزالة

وتتركها بين الخلائق طالقة

وليعتن بحفظ كتبه من الضياع وصيانتها من الآفات، فإنها ذخره في حياته، ومرجعه عند حاجته.

وإلى هنا انتهى القسم الثاني من كتاب (مصطلح الحديث) ويحتوي على مقرر السنة الثانية الثانوية في المعاهد العلمية.

وبه تم الكتاب على يد مؤلفه: محمد بن صالح العثيمين في يوم الخميس الموافق للسادس عشر من شهر ربيع الآخر سنة 1396هـ ست وتسعين وثلاثمائة وألف.

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

( فهرس المحتويات )

مقدمة في أصول الحديث

الكتاب: مقدمة في أصول الحديث

المؤلف: عبد الحق بن سيف الدين بن سعد الله البخاري الدهلوي الحنفي (المتوفى: 1052هـ)

المحقق: سلمان الحسيني الندوي

الناشر: دار البشائر الإسلامية - بيروت - لبنان

الطبعة: الثانية، 1406هـ - 1986م

عدد الأجزاء: 1

[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]

الفصل الأول في تعريف الحديث وأنواعه

تعريف مصطلح الحديث

اعلم أن الحديث في إصطلاح جمهور المحدثين يطلق على قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله وتقريره

ومعنى التقرير أنه فعل أحد أو قال شيئا في حضرته صلى الله عليه وسلم ولم ينكره ولم ينهه عن ذلك بل سكت وقرر

وكذلك يطلق الحديث على قول الصحابي وفعله وتقريره وعلى قول التابعي وفعله وتقريره

(1/33)

المرفوع

فما انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقال له المرفوع

الموقوف

وما انتهى إلى الصحابي يقال له الموقوف كما يقال قال أو فعل أو قرر ابن عباس أو عن ابن عباس موقوفا أو موقوف على ابن عباس

المقطوع

وما انتهى إلى التابعي يقال له المقطوع

الحديث والأثر

وقد خصص بعضهم الحديث بالمرفوع والموقوف إذ المقطوع يقال له الأثر وقد يطلق الأثر على المرفوع أيضا كما يقال الأدعية المأثورة لما جاء من الأدعية عن النبي صلى الله عليه وسلم

(1/34)

والطحاوي سمى كتابه المشتمل على بيان الأحاديث النبوية وآثار الصحابة بشرح معاني الآثار

(1/35)

وقال السخاوي إن للطبراني كتابا مسمى بتهذيب الآثار مع أنه مخصوص بالمرفوع وما ذكر فيه من الموقوف فبطريق التبع والتطفل

(1/36)

الخبر والحديث

والخبر والحديث في المشهور بمعنى واحد وبعضهم خص الحديث بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين والخبر بما جاء عن أخبار الملوك والسلاطين والأيام الماضية

ولهذا يقال لمن يشتغل بالسنة محدث ولمن يشتغل بالتواريخ أخباري

الرفع قسمان صريح وحكمي

والرفع قد يكون صريحا وقد يكون حكما

القولي الصريح

أما صريحا ففي القولي كقول الصحابي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كذا أو كقوله أي الصحابي أو قول غيره قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال كذا

الفعلي الصريح

وفي الفعلي كقول الصحابي رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل كذا أو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه فعل كذا أو عن الصحابي أو غيره مرفوعا أو رفعه أنه فعل كذا

التقريري الصريح

والتقريري أن يقول الصحابي أو غيره فعل فلان أو أحد

(1/37)

بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم كذا ولا يذكر إنكاره

القولي الحكمي

وأما حكما فكإخبار الصحابي الذي لم يخبر عن الكتب المتقدمة ما لا مجال للاجتهاد فيه عن الأحوال الماضية كأخبار الأنبياء أو الآتية كالملاحم والفتن وأهوال يوم القيامة أو عن ترتب ثواب مخصوص أو عقاب مخصوص على فعل فإنه لا سبيل إليه إلا السماع عن النبي صلى الله عليه وسلم

الفعلي الحكمي

أو يفعل الصحابي ما لا مجال للاجتهاد فيه

التقريري الحكمي

أو يخبر الصحابي بأنهم كانوا يفعلون كذا في زمان النبي صلى الله عليه وسلم لأن

(1/38)

الظاهر اطلاعه صلى الله عليه وسلم على ذلك ونزول الوحي به

أو يقولون من السنة كذا لأن الظاهر أن السنة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم إنه يحتمل سنة الصحابة وسنة الخلفاء الراشدين فإن السنة تطلق عليه

(1/39)

الفصل الثاني في تعريف السند والمتن وعوارضهما

السند

السند طريق الحديث وهو رجاله الذين رووه

الإسناد

والإسناد بمعناه وقد يجيىء بمعنى ذكر السند والحكاية عن طريق المتن

المتن

ما انتهى إليه الإسناد

(1/40)

المتصل

فإن لم يسقط راو من البين فالحديث متصل ويسمى عدم السقوط اتصالا

المنقطع

وإن سقط واحد أو أكثر فالحديث منقطع وهذا السقوط انقطاع

المعلق

والسقوط إما أن يكون من أول السند ويسمى معلقا وهذا الإسقاط تعليقا والساقط قد يكون واحدا وقد يكون أكثر وقد يحذف السند كما هو عادة المصنفين يقولون قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

تعليقات البخاري

والتعليقات كثيرة في تراجم صحيح البخاري ولها حكم الاتصال لأنه التزم في هذا الكتاب أن لا يأتي إلا بالصحيح ولكنها ليست في مرتبة مسانيده إلا ما ذكر منها مسندا في موضع آخر من كتابه

(1/41)

حكم التعليق بصيغة المعلوم والمجهول

وقد يفرق فيها بأن ما ذكر بصيغة الجزم والمعلوم كقوله قال فلان أو ذكر فلان

دل على ثبوت إسناده عنده فهو صحيح قطعا

وما ذكره بصيغة التمريض والمجهول قيل ويقال وذكر ففي صحته عنده كلام ولكنه لما أورده في هذا الكتاب كان له أصل ثابت ولهذا قالوا تعليقات البخاري متصلة صحيحة

المرسل

وإن كان السقوط من آخر السند فإن كان بعد التابعي فالحديث مرسل وهذا الفعل إرسال كقول التابعي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

وقد يجيئ المرسل والمنقطع بمعنى والاصطلاح الأول أشهر

حكم المرسل

وحكم المرسل التوقف عند جمهور العلماء لأنه لا يدرى أن

(1/42)

الساقط ثقة أولا لأن التابعي قد يروي عن التابعي وفي التابعين ثقات وغير ثقات

وعند أبي حنيفة ومالك المرسل مقبول مطلقا

وهم يقولون إنما أرسله لكمال الوثوق والاعتماد لأن الكلام في الثقة ولو لم يكن عنده صحيحا لم يرسله ولم يقل قال رسول صلى الله عليه وسلم

وعند الشافعي إن اعتضد بوجه آخر مرسل أو مسند وإن كان ضعيفا قبل وعن أحمد قولان

وهذا كله إذا علم أن عادة ذلك التابعي أن لا يرسل إلا عن الثقات وإن كانت عادته أن يرسل عن الثقات وعن غير الثقات

(1/43)

فحكمه التوقف بالاتفاق كذا قيل

وفيه تفصيل أزيد من ذلك ذكره السخاوي في شرح الألفية

المعضل

وإن كان السقوط من أثناء الإسناد فإن كان الساقط اثنين متواليا يسمى معضلا بفتح الضاد

المنقطع

وإن كان واحدا أو أكثر من غير موضع واحد يسمى منقطعا

وعلى هذا يكون المنقطع قسما من غير المتصل

وقد يطلق المنقطع بمعنى غير المتصل مطلقا شاملا لجميع الأقسام

وبهذا المعنى يجعل مقسما أي لا يكون قسما واحدا بل يشتمل على جميع أقسام الانقطاع

(1/44)

طريق معرفة الانقطاع

ويعرف الانقطاع وسقوط الراوي بمعرفة عدم الملاقاة بين الراوي والمروي عنه إما بعدم المعاصرة أو عدم الاجتماع والإجازة عنه بحكم علم التاريخ المبين لمواليد الرواة ووفياتهم وتعيين أوقات طلبهم وارتحالهم

وبهذا صار علم التاريخ أصلا وعمدة عند المحدثين

المدلس

ومن أقسام المنقطع المدلس بضم الميم وفتح اللام المشددة يقال لهذا الفعل التدليس ولفاعله مدلس بكسر اللام

تعريف التدليس اصطلاحا

وصورته أن لا يسمى الراوي شيخه الذي سمعه منه بل يروي عمن فوقه بلفظ يوهم السماع ولا يقطع كذبا كما يقول عن فلان

(1/45)

وقال فلان

تعريف التدليس لغة

والتدليس في اللغة كتمان عيب السلعة في البيع

وقد يقال إنه مشتق من الدلس وهو اختلاط الظلام واشتداده

وجه التسمية به

سمي به لاشتراكهما في الخفاء

حكم المدلس

قال الشيخ وحكم من ثبت عنه التدليس أنه لا يقبل منه إلا إذا صرح بالحديث

حكم التدليس

قال الشمني التدليس حرام عند الأئمة روي عن وكيع أنه

(1/46)

قال لا يحل تدليس الثوب فكيف بتدليس الحديث

وبالغ شعبة في ذمه

حكم رواية المدلس

وقد اختلف العلماء في قبول رواية المدلس فذهب فريق من أهل الحديث والفقه إلى أن التدليس جرح وأن من عرف به لا يقبل حديثه مطلقا وقيل يقبل وذهب الجمهور إلى قبول تدليس من

(1/47)

عرف أنه لا يدلس إلا عن ثقة كابن عيينة وإلى رد من كان يدلس عن الضعفاء وغيرهم حتى ينص على سماعه بقوله سمعت أو حدثنا أو أخبرنا

أسباب التدليس

والباعث على التدليس قد يكون لبعض الناس غرض فاسد مثل إخفاء السماع من الشيخ لصغر سنه أو عدم شهرته وجاهه عند الناس

تدليس الأكابر

والذي وقع من بعض الأكابر ليس لمثل هذا بل من جهة وثوقهم بصحة الحديث واستغناءا بشهرة الحال

قال الشمني يحتمل أن يكون قد سمع الحديث من جماعة من

(1/48)

الثقات وعن ذلك الرجل فاستغنى بذكره عن ذكر أحدهم أو ذكر جميعهم لتحققه بصحة الحديث فيه كما يفعل المرسل

المضطرب

وإن وقع في إسناد أو متن اختلاف من الرواة بتقديم أو تأخير أو زيادة أو نقصان أو إبدال راو مكان راو آخر أو متن مكان متن أو تصحيف في أسماء السند أو أجزاء المتن أو باختصار أو حذف أو مثل ذلك فالحديث مضطرب

حكم المضطرب من الروايات

فإن أمكن الجمع فبها وإلا فالتوقف

المدرج

وإن أدرج الراوي كلامه أو كلام غيره من صحابي أو تابعي

(1/49)

مثلا لغرض من الأغراض كبيان اللغة أو تفسير للمعنى أو تقييد للمطلق أو نحو ذلك فالحديث مدرج

تنبيه

الرواية بالمعنى

وهذا المبحث يجر إلى رواية الحديث ونقله بالمعنى وفيه اختلاف

فالأكثرون على أنه جائز ممن هو عالم بالعربية وماهر في أساليب الكلام وعارف بخواص التراكيب ومفهومات الخطاب لئلا يخطئ بزيادة ونقصان

وقيل جائز في مفردات الألفاظ دون المركبات

وقيل جائز لمن استحضر ألفاظه حتى يتمكن من التصرف فيه

وقيل جائز لمن يحفظ معاني الحديث ونسي ألفاظها للضرورة في تحصيل الأحكام وأما من استحضر الألفاظ فلا يجوز له لعدم الضرورة

وهذا الخلاف في الجواز وعدمه

رواية اللفظ أولى

أما أولوية رواية اللفظ من غير تصرف فيها فمتفق عليه لقوله صلى الله عليه وسلم (نضر الله امرءا سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمع)

(1/50)

والنقل بالمعنى واقع في الكتب الستة وغيرها

العنعنة

والعنعنة رواية الحديث بلفظ عن فلان عن فلان

المعنعن

والمعنعن حديث روي بطريق العنعنة

شروط العنعنة

ويشترط في العنعنة المعاصرة عند مسلم واللقي عند البخاري والأخذ عند قوم آخرين

(1/51)

ومسلم رد على الفريقين أشد الرد وبالغ فيه

وعنعنة المدلس غير مقبولة

المسند

وكل حديث مرفوع سنده متصل فهو مسند

هذا هو المشهور المعتمد عليه

وبعضهم يسمى كل متصل مسندا وإن كان موقوفا أو مقطوعا

وبعضهم يسمى المرفوع مسندا وإن كان مرسلا أو معضلا أو منقطعا

(1/52)

الفصل الثالث في الشاذ والمنكر والمعلل والاعتبار

ومن أقسام الحديث الشاذ والمنكر والمعلل

الشاذ لغة

والشاذ في اللغة من تفرد من الجماعة وخرج منها

الشاذ اصطلاحا

وفي الاصطلاح ما روي مخالفا لما رواه الثقات

فإن لم يكن راوية ثقة فهو مردود

وإن كان ثقة فسبيله الترجيح بمزيد حفظ وضبط أو كثرة عدد ووجوه أخر من الترجيحات

المحفوظ

فالراجح يسمى محفوظا والمرجوح شاذا

(1/53)

المنكر

والمنكر حديث رواه ضعيف مخالف لمن هو أضعف منه

المعروف

ومقابله المعروف

حكم المعروف والمنكر والشاذ والمحفوظ

فالمعروف والمنكر كلا راويهما ضعيف وأحدهما أضعف من الآخر

وفي الشاذ والمحفوظ قوي أحدهما أقوى من الآخر

والشاذ والمنكر مرجوحان والمحفوظ والمعروف راجحان

تعريف آخر للشاذ

وبعضهم لم يشترط في الشاذ والمنكر قيد المخالفة لراو آخر قويا كان أو ضعيفا وقالوا الشاذ ما رواه الثقة وتفرد به ولا يوجد له أصل موافق ومعاضد

(1/54)

له وهذا صادق على فرد ثقة صحيح

تعريف ثالث للشاذ

وبعضهم لم يعتبروا الثقة ولا المخالفة

تعريف آخر للمنكر

وكذلك المنكر لم يخصوه بالصورة المذكورة وسموا حديث المطعون بفسق أو فرط غفلة أو كثرة غلط منكرا

وهذه اصطلاحات لا مشاحة فيها

المعلل

والمعلل بفتح اللام إسناد فيه علل وأسباب غامضة خفية قادحة في الصحة يتنبه لها الحذاق المهرة من أهل هذا الشأن كإرسال في الموصول ووقف في المرفوع ونحو ذلك

وقد تقصر عبارة المعلل عن إقامة الحجة على دعواه كالصيرفي في نقد الدينار والدرهم

(1/55)

المتابع

وإذا روى راو حديثا وروى راو آخر حديثا موافقا له يسمى هذا الحديث متابعا بصيغة اسم الفاعل

وهذا معنى ما يقول المحدثون تابعه فلان وكثيرا ما يقول البخاري في صحيحه ويقولون وله متابعات

فائدة المتابعة

والمتابعة توجب التقوية والتأييد

ولا يلزم أن يكون المتابع مساويا في المرتبة للأصل وإن كان دونه يصلح للمتابعة

درجات المتابعة

والمتابعة قد يكون في نفس الراوي وقد يكون في شيخ فوقه والأول أتم وأكمل من الثاني لأن الوهن في أول الإسناد أكثر وأغلب

متى يستعمل مثله

والمتابع إن وافق الأصل في الفظ والمعنى يقال مثله

(1/56)

استعمال نحوه

وإن وافق في المعنى دون اللفظ يقال نحوه

شرط المتابعة

ويشترط في المتابعة أن يكون الحديثان من صحابي واحد

الشاهد

وإن كانا من صحابيين يقال له شاهد كما يقال له شاهد من حديث أبي هريرة ويقال له شواهد ويشهد به حديث فلان

تعريف آخر للمتابع والشاهد

وبعضهم يخصون المتابعة بالموافقة في اللفظ والشاهد في المعنى سواء كان من صحابي واحد أو من صحابيين

تعريف ثالث لهما

وقد يطلق الشاهد والمتابع بمعنى واحد والأمر في ذلك بين

الاعتبار

وتتبع طرق الحديث وأسانيدها بقصد معرفة المتابع والشاهد يسمى الاعتبار

(1/57)

الفصل الرابع في الصحيح والحسن والضعيف

وأصل أقسام الحديث ثلاثة فالصحيح أعلى مرتبة والضعيف أدنى مرتبة والحسن متوسط

وسائر الأقسام التي ذكرت داخلة في هذه الثلاثة

الصحيح

فالصحيح ما يثبت بنقل عدل تام الضبط غير معلل ولا شاذ

الصحيح لذاته

فإن كان هذه الصفات على وجه الكمال والتمام فهو صحيح لذاته

الصحيح لغيره

(1/58)

وإن كان فيه نوع قصور ووجد ما يجبر ذلك القصور من كثرة الطرق فهو الصحيح لغيره

الحسن لذاته

وإن كان لم يوجد فهو الحسن لذاته

الضعيف

وما فقد فيه الشرائط المعتبرة في الصحيح كلا أو بعضا فهو الضعيف

الحسن لغيره

والضعيف إن تعدد طرقه وانجبر ضعفه يسمى حسنا لغيره

النقصان المعتبر في الحسن

وظاهر كلامهم أنه يجوز أن تكون جميع الصفات المذكورة في الصحيح ناقصة في الحسن لكن التحقيق أن النقصان الذي اعتبر في

(1/59)

الحسن إنما هو بخفة الضبط وباقي الصفات بحالها

(1/60)

الفصل الخامس في العدالة ووجوه الطعن المتعلقة بها

العدالة

والعدالة ملكة في الشخص تحمله على ملازمة التقوى والمروءة

التقوى

والتقوى اجتناب الأعمال السيئة من الشرك والفسق والبدعة وفي الاجتناب عن الصغيرة خلاف

والمختار عدم اشتراطه لخروجه عن الطاقة إلا الإصرار عليها لكونه كبيرة

(1/61)

المروءة

والمراد بالمروءة التنزه عن بعض الخسائس والنقائص التي خلاف مقتضى الهمة والمروءة مثل بعض المباحات الدنيئة كالأكل والشرب في السوق والبول في الطريق وأمثال ذلك

عدل الرواية أعم من عدل الشهادة

وينبغي أن يعلم أن عدل الرواية أعم من عدل الشهادة فإن عدل الشهادة مخصوص بالحر وعدل الرواية يشمل الحر والعبد

الضبط

والمراد بالضبط حفظ المسموع وتثبيته من الفوات والاختلال بحيث يتمكن من استحضاره

الضبط قسمان

ضبط الصدر وضبط الكتاب

وهو قسمان 1 - ضبط الصدر 2 - وضبط الكتاب

(1/62)

فضبط الصدر بحفظ القلب ووعيه

وضبط الكتاب بصيانته عنده إلى وقت الأداء

وجوه الطعن المتعلقة بالعدالة

أما العدالة فوجوه الطعن المتعلقة بها خمس

1 - الأول بالكذب 2 - والثاني باتهامه بالكذب 3 - والثالث بالفسق 4 - والرابع بالجهالة 5 - والخامس بالبدع

1 - الكذب

والمراد بكذب الراوي أنه ثبت كذبه في الحديث النبوي صلى الله عليه وسلم إما بإقرار الواضع أو بغير ذلك من القرائن

الموضوع

وحديث المطعون بالكذب يسمى موضوعا

حكم متعمد الكذب

ومن ثبت عنه تعمد الكذب في الحديث وإن كان في العمر مرة وإن تاب من ذلك لم يقبل حديثه أبدا بخلاف شاهد الزور إذا تاب

(1/63)

المراد بالموضوع

فالمراد بالحديث الموضوع في اصطلاح المحدثين هذا لا أنه ثبت كذبه وعلم ذلك في هذا الحديث بخصوصه

مسألة الحكم بالوضع ظنية

والمسألة ظنية والحكم بالوضع والافتراء بحكم الظن الغالب وليس إلى القطع واليقين بذلك سبيل فإن الكذوب قد يصدق

وبهذا يندفع ما قيل في معرفة الوضع بإقرار الواضع أنه يجوز أن يكون كاذبا في هذا الإقرار فإنه يعرف صدقه بغالب الظن ولولا ذلك لما ساغ قتل المقر بالقتل ولا رجم المعترف بالزنا فافهم

2 - اتهام الراوي بالكذب

وأما اتهام الراوي بالكذب فبأن يكون مشهورا بالكذب ومعروفا به في كلام الناس ولم يثبت كذبه في الحديث النبوي

المتروك

وفي حكمه رواية ما يخالف قواعد معلومة ضرورية في الشرع كذا

(1/64)

قيل ويسمى هذا القسم متروكا كما يقال حديثه متروك وفلان متروك الحديث

حكم المتهم بالكذب

وهذا الرجل إن تاب وصحت توبته وظهرت أمارات الصدق منه جاز سماع الحديث منه

حكم من يكذب نادرا

والذي يقع منه الكذب أحيانا نادرا في كلامه غير الحديث النبوي فذلك غير مؤثر في تسمية حديثه بالموضوع أو المتروك وإن كانت معصية

3 - الفسق

وأما الفسق فالمراد به الفسق في العمل دون الاعتقاد

فإن ذلك داخل في البدعة وأكثر ما يستعمل البدعة في الاعتقاد

والكذب وإن كان داخلا في الفسق لكنهم عدوه أصلا على حدة لكون الطعن به أشد وأغلظ

4 - جهالة الراوي

وأما جهالة الراوي فإنه أيضا سبب للطعن في الحديث لأنه لما لم

(1/65)

يعرف اسمه وذاته لم يعرف حاله وأنه ثقة أو غير ثقة

كما يقول حدثني رجل وأخبرني شيخ

المبهم

ويسمى هذا أي المذكور باللفظ العام مبهما

حكم المبهم

وحديث المبهم غير مقبول إلا أن يكون صحابيا لأنهم عدول

وإن جاء المبهم بلفظ التعديل كما يقول أخبرني عدل أو حدثني ثقة ففيه اختلاف

والأصح أنه لا يقبل لأنه يجوز أن يكون عدلا في اعتقاده لا في نفس الأمر

وإن قال ذلك إمام حاذق قبل

5 - البدعة

وأما البدعة فالمراد به اعتقاد أمر محدث على خلاف ما عرف

(1/66)

في الدين وما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بنوع شبهة وتأويل لا بطريق جحود وإنكار فإن ذلك كفر

حكم حديث المبتدع

وحديث المبتدع مردود عند الجمهور

وعند البعض إن كان متصفا بصدق اللهجة وصيانة اللسان قبل وقال بعضهم إن كان منكرا لأمر متواتر في الشرع وقد علم بالضرورة كونه من الدين فهو مردود وإن لم يكن بهذه الصفة يقبل وإن كان كفره المخالفون مع وجود ضبط وورع وتقوى واحتياط وصيانة

والمختار إنه إن كان داعيا إلى بدعته مروجا له رد وإن لم يكن كذلك قبل إلا أن يروي شيئا يقوي به بدعته فهو مردود قطعا

وبالجملة الأئمة مختلفون في أخذ الحديث من أهل البدع والأهواء

(1/67)

وأرباب المذاهب الزائغة

وقال صاحب جامع الأصول أخذ جماعة من أئمة الحديث من فرقة الخوارج والمنتسبين إلى القدر والتشيع والرفض وسائر أصحاب البدع والأهواء

وقد احتاط جماعة آخرون وتورعوا من أخذ حديث من هذه

(1/68)

الفرق ولكل منهم نيات انتهى

ولا شك أن أخذ الحديث من هذه الفرق يكون بعد التحري والاستصواب ومع ذلك الاحتياط في عدم الأخذ لأنه قد ثبت أن هؤلاء الفرق كانوا يضعون الأحاديث لترويج مذاهبهم

وكانوا يقرون به بعد التوبة والرجوع والله أعلم

وجوه الطعن المتعلقة بالضبط

أما وجوه الطعن المتعلقة بالضبط فهي أيضا خمسة

1 - أحدها فرط الغفلة 2 وثانيها كثرة الغلط 3 وثالثها مخالفة الثقات 4 ورابعها الوهم 5 وخامسها سوء الحفظ

1 - و 2 فرط الغفلة وكثرة الغلط

أما فرط الغفلة وكثرة الغلط فمتقاربان

فالغفلة في السماع وتحمل الحديث والغلط في الإسماع والأداء

(1/69)

3 - مخالفة الثقات

ومخالفة الثقات في الإسناد والمتن يكون على أنحاء متعددة تكون موجبة للشذوذ

وجعله من وجوه الطعن المتعلقة بالضبط من جهة أن الباعث على مخالفة الثقات إنما هو عدم الضبط والحفظ وعدم الصيانة عن التغير والتبديل

4 - الوهم

والطعن من جهة الوهم والنسيان الذين أخطأ بهما وروي على سبيل التوهم إن حصل الاطلاع على ذلك بقرائن دالة على وجوه علل وأسباب قادحة كان الحديث معللا

غموض علم العلة ودقته

وهذا أغمض علوم الحديث وأدقها ولا يقوم به إلا من رزق فهما وحفظا واسعا ومعرفة تامة بمراتب الرواة وأحوال الأسانيد والمتون

(1/70)

كالمتقدمين من أرباب هذا الفن إلى أن انتهى إلى الدارقطني ويقال لم يأتي بعده مثله في هذا الأمر والله أعلم

5 - سوء الحفظ

وأما سوء الحفظ فقالوا إن المراد به أن لا يكون إصابته أغلب على خطئه وحفظه وإتقانه أكثر من سهوه ونسيانه يعني إن كان

(1/71)

خطأه ونسيانه أغلب أو مساويا لصوابه وإتقانه كان داخلا في سوء الحفظ فالمعتمد عليه صوابه وإتقانه وكثرتهما

حكم سيىء الحفظ

وسوء الحفظ إن كان لازم حاله في جميع الأوقات ومدة عمره لا يعتبر بحديثه

وعند بعض المحدثين هذا أيضا داخل في الشاذ

المختلط

وإن طرأ سوء الحفظ لعارض مثل اختلال في الحافظة بسبب كبر سنة أو ذهاب بصره أو فوات كتبه فهذا يسمى مختلطا

حكم المختلط

فما روي قبل الاختلاط والاختلال متميزا عما رواه بعد هذه الحال قبل وإن لم يتميز توقف وإن اشتبه فكذلك

(1/72)

وإن وجد لهذا القسم متابعات وشواهد ترقى من مرتبة الرد إلى القبول والرجحان

وهذا حكم أحاديث المستور والمدلس والمرسل

(1/73)

الفصل السادس في الغريب والعزيز والمشهور والمتواتر

الغريب

الحديث الصحيح إن كان راويه واحدا يسمى غريبا

العزيز

وإن كان اثنين يسمى عزيزا

المشهور

وإن كانوا أكثر يسمى مشهورا ومستفيضا

(1/74)

المتواتر

وإن بلغت رواته في الكثرة إلى أن يستحيل في العادة تواطؤهم على الكذب يسمى متواترا

الفرد

ويسمى الغريب فردا أيضا

الفرد النسبي

والمراد بكون راويه واحدا كونه كذلك ولو في موضع واحد من الإسناد لكنه يسمى فردا نسبيا

الفرد المطلق

وإن كان في كل موضع منه يسمى فردا مطلقا

(1/75)

المراد بكون الراوي اثنين أو أكثر

والمراد بكون الراوي اثنين أن يكونا في كل موضع كذلك فإن كان في واحد مثلا لم يكن الحديث عزيزا بل غريبا

وعلى هذا القياس معنى اعتبار الكثرة في المشهور أن يكون في كل موضع أكثر من اثنين

وهذا معنى قولهم إن الأقل حاكم على الأكثر في هذا الفن فافهم

لا تنافي بين الغرابة والصحة

وعلم مما ذكر أن الغرابة لا تنافي الصحة ويجوز أن يكون الحديث صحيحا غريبا بأن يكون كل واحد من رجاله ثقة

الغريب بمعنى الشاذ

والغريب قد يقع بمعنى الشاذ أي شذوذا هو من أقسام الطعن في الحديث

(1/76)

وهذا هو المراد من قول صاحب المصابيح من قوله هذا حديث غريب لما قال بطريق الطعن

وبعض الناس يفسرون الشاذ بمفرد الراوي من غير اعتبار مخالفته للثقات كما سبق ويقولون صحيح شاذ وصحيح غير شاذ

فالشذوذ بهذا المعنى أيضا لا ينافي الصحة كالغرابة

والذي يذكر في مقام الطعن هو مخالف للثقات

(1/77)

الفصل السابع في تعدد مراتب الضعيف والصحيح وغيره وبعض اصطلاحات الترمذي

الضعيف

الحديث الضعيف هو الذي فقد فيه الشرائط المعتبرة في الصحة والحسن كلا أو بعضا ويذم راوية بشذوذ أو نكارة أو علة

تعدد أقسام الضعيف

وبهذا الاعتبار يتعدد أقسام الضعيف ويكثر إفرادا وتركيبا

(1/78)

تعدد مراتب الصحيح والحسن

ومراتب الصحيح والحسن لذاتهما ولغيرهما أيضا تتعدد بتفاوت المراتب والدرجات في كمال الصفات المعتبرة المأخوذة في مفهوميهما مع وجود الاشتراك في أصل الصحة والحسن

والقوم ضبطوا مراتب الصحة وعينوها وذكروا أمثلتها من الأسانيد وقالوا اسم العدالة والضبط يشمل رجالها كلها ولكن بعضها فوق بعض

أصح الأسانيد

وأما إطلاق أصح الأسانيد على سند مخصوص على الإطلاق ففيه اختلاف

فقال بعضهم أصح الأسانيد زين العابدين عن أبيه الحسين رضي الله عنه عن جده علي بن أبي طالب رضي الله عنه

وقيل مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه

وقيل الزهري عن سالم عن ابن عمر رضي الله عنه

والحق أن الحكم على إسناد مخصوص بالأصحية على الإطلاق غير جائز إلا أن في الصحبة مراتب عليا وعدة من الأسانيد يدخل فيها

(1/79)

ولو قيد بقيد بأن يقال أصح أسانيد البلد الفلاني أو في الباب الفلاني أو في المسألة الفلانية يصح والله أعلم

اصطلاحات الترمذي

من عادة الترمذي أن يقول في جامعه حديث حسن صحيح حديث غريب حسن حديث حسن غريب صحيح

ولا شبهة في جواز اجتماع الحسن والصحة بأن يكون حسنا لذاته وصحيحا لغيره وكذلك في اجتماع الغرابة والصحة كما أسلفنا

(1/80)

إشكال اجتماع الغرابة والحسن

وأما اجتماع الغرابة والحسن فيستشكلونه بأن الترمذي اعتبر في الحسن تعدد الطرق فكيف يكون غريبا

جواب الإشكال

ويجيبون بأن اعتبار تعدد الطرق في الحسن ليس على الإطلاق بل في قسم منه

وحيث حكم باجتماع الحسن والغرابة فالمراد به قسم آخر

وقال بعضهم إنه أشار بذلك إلى اختلاف الطرق بأن جاء في بعض الطرق غريبا وفي بعضها حسنا

وقيل الواو بمعنى أو بأنه يشك ويتردد في أنه غريب أو حسن لعدم معرفته جزما

وقيل المراد بالحسن ههنا ليس معناه الاصطلاحي بل اللغوي بمعنى ما يميل إليه الطبع وهذا القول بعيد جدا

(1/81)

الفصل الثامن في الاحتجاج بالحديث الصحيح والحسن والضعيف

الاحتجاج بالصحيح والحسن

الاحتجاج في الأحكام بالخبر الصحيح مجمع عليه

وكذلك بالحسن لذاته عند عامة العلماء وهو ملحق بالصحيح في باب الاحتجاج وإن كان دونه في المرتبة

والحديث الضعيف الذي بلغ بتعدد الطرق مرتبة الحسن لغيره أيضا مجمع عليه

الاحتجاج بالضعيف

وما اشتهر أن الحديث الضعيف معتبر في فضائل الأعمال لا في غيرها المراد مفرداته لا مجموعها لأنه داخل في الحسن لا في الضعيف صرح به الأئمة

(1/83)

وقال بعضهم إن كان الضعيف من جهة سوء حفظ أو اختلاط أو تدليس مع وجود الصدق والديانة ينجبر بتعدد الطرق

وإن كان من جهة اتهام الكذب أو الشذوذ أو فحش الغلط لا ينجبر بتعدد الطرق والحديث محكوم عليه بالضعف ومعمول به في فضائل الأعمال

وعلى مثل هذا ينبغي أن يحمل أن لحوق الضعيف بالضعيف لا يفيد قوة

وإلا فهذا القول ظاهر الفساد فتدبر

(1/84)

الفصل التاسع في مراتب الصحيح وعدد الصحاح وكتبها

صحيح البخاري أعلى الصحاح

لما تفاوتت مراتب الصحيح والصحاح بعضها أصح من بعض فاعلم أن الذي تقرر عند جمهور المحدثين أن صحيح البخاري مقدم على سائر الكتب المصنفة حتى قالوا أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى صحيح البخاري

وجه ترجيح صحيح مسلم عند بعض المغاربة

وبعض المغاربة رجحوا صحيح مسلم على صحيح البخاري والجمهور يقولون إن هذا فيما يرجع إلى حسن البيان وجوده الوضع

(1/85)

والترتيب ورعاية دقائق الإشارات ومحاسن النكات في الأسانيد وهذا خارج عن المبحث والكلام في الصحة والقوة وما يتعلق بهما وليس كتاب يساوي صحيح البخاري في هذا الباب بدليل كمال الصفات التي اعتبرت في الصحة في رجاله

وبعضهم توقف في ترجيح أحدهما على الآخر

والحق هو الأول

المتفق عليه

والحديث الذي اتفق البخاري ومسلم على تخريجه يسمى متفقا عليه

وقال الشيخ بشرط أن يكون عن صحابي واحد

عدد الأحاديث المتفق عليها

وقالوا مجموع الأحاديث المتفق عليها ألفان وثلثمائة وستة وعشرون

(1/86)

درجات الصحاح

وبالجملة 1 ما اتفق عليه الشيخان مقدم على غيره

2 - ثم ما تفرد به البخاري

3 - ثم ما تفرد به مسلم

4 - ثم ما كان على شرط البخاري ومسلم

(1/87)

5 - ثم ما هو على شرط البخاري

6 - ثم ما هو على شرط مسلم

7 - ثم ما هو رواه من غيرهم من الأئمة الذين التزموا الصحة وصححوه

فالأقسام سبعة

معنى شرط البخاري ومسلم

والمراد بشرط البخاري ومسلم أن يكون الرجال متصفين بالصفات التي يتصف بها رجال البخاري ومسلم من الضبط والعدالة وعدم الشذوذ والنكارة والغفلة

وقيل المراد بشرط البخاري ومسلم رجالهما أنفسهم

والكلام في هذا طويل ذكرناه في مقدمة شرح سفر السعادة

البخاري ومسلم لم يستوعبا الصحاح

الأحاديث الصحيحة لم تنحصر في صحيحي البخاري ومسلم ولم

(1/88)

يستوعبا الصحاح كلها بل هما منحصران في الصحاح

والصحاح التي عندهما وعلى شرطهما أيضا لم يورداها في كتابيهما فضلا عما عند غيرهما

قال البخاري ما أوردت في كتابي هذا إلا ما صح ولقد تركت كثيرا من الصحاح

وقال مسلم الذي أوردت في هذا الكتاب من الأحاديث صحيح ولا أقول أن ما تركت ضعيف

ولا بد أن يكون في هذا الترك والإتيان وجه تخصيص الإيراد والترك إما من جهة الصحة أو من جهة مقاصد أخر

مستدرك الحاكم

والحاكم أبو عبد الله النيسابوري صنف كتابا سماه المستدرك بمعنى أن ما تركه البخاري ومسلم من الصحاح أورده في هذا الكتاب

(1/89)

وتلافى واستدرك بعضها على شرط الشيخين وبعضها على شرط أحدهما وبعضها على غير شرطهما

وقال

الطعن بقلة الأحاديث الصحيحة ورده

إن البخاري ومسلما لم يحكما بأنه ليس أحاديث صحيحة غير ما خرجاه في هذين الكتابين وقال قد حدث في عصرنا هذا فرقة من المبتدعة أطالوا ألسنتهم بالطعن على أئمة الدين بأن مجموع ما صح

(1/90)

عندكم من الأحاديث لم يبلغ زهاء عشرة آلاف

ونقل عن البخاري أنه قال حفظت من الصحاح مائة ألف حديث ومن غير الصحاح مائتي ألف

والظاهر والله أعلم أنه يريد الصحيح على شرطه ومبلغ ما أورد في هذا الكتاب مع التكرار سبعة آلاف ومائتان وخمس وسبعون حديثا وبعد حذف التكرار أربعة آلاف

صحيح ابن خزيمة

ولقد صنف الآخرون من الأئمة صحاحا مثل صحيح ابن خزيمة الذي يقال له إمام الأئمة وهو شيخ ابن حبان

وقال

(1/91)

ابن حبان في مدحه ما رأيت على وجه الأرض أحدا أحسن في صناعة السنن وأحفظ للألفاظ الصحيحة منه كأن السنن والأحاديث كلها نصب عينه

صحيح ابن حبان

ومثل صحيح ابن حبان تلميذ ابن خزيمة ثقة ثبت فاضل إمام

(1/92)

فهام وقال الحاكم كان ابن حبان من أوعية العلم واللغة والحديث والوعظ وكان من عقلاء الرجال

صحيح الحاكم المستدرك

ومثل صحيح الحاكم أبي عبد الله النيسابوري الحافظ الثقة المسمى ب المستدرك

وقد تطرق في كتابه التساهل وأخذوا عليه

وقالوا ابن خزيمة وابن حبان أمكن وأقوى من الحاكم وأحسن وألطف في الأسانيد والمتون

المختارة للمقدسي

ومثل المختارة للحافظ ضياء الدين المقدسي وهو أيضا

(1/93)

خرج صحاحا ليست في الصحيحين وقالوا كتابه أحسن من المستدرك

صحاح أخرى

ومثل صحيح أبي عوانة وابن السكن والمنتقى لابن

(1/94)

الجارود

وهذه الكتب كلها مختصة بالصحاح ولكن جماعة انتقدوا عليها تعصبا أو انصافا وفوق كل ذي علم عليم والله أعلم

(1/95)

الفصل العاشر في الكتب الستة المشهورة

الكتب الستة

الكتب الستة المشهورة المقررة في الإسلام التي يقال لها الصحاح الستة هي

1 - صحيح البخاري 2 وصحيح مسلم 3 والجامع للترمذي 4 والسنن لأبي داود 5 والنسائي 6 وسنن ابن

(1/96)

ماجه وعند البعض الموطأ بدل ابن ماجه وصاحب جامع الأصول اختار الموطأ

(1/97)

أحاديث الكتب الأربعة

وفي هذه الكتب الأربعة أقسام من الأحاديث من الصحاح والحسان والضعاف وتسميتها بالصحاح الستة بطريق التغليب

اصطلاح البغوي

وسمى صاحب المصابيح أحاديث غير الشيخين بالحسان وهو قريب من هذا الوجه قريب من المعنى اللغوي أو هو اصطلاح جديد منه

(1/98)

كتاب الدارمي

وقال بعضهم كتاب الدارمي أحرى وأليق بجعله سادس الكتب لأن رجاله أقل ضعفا ووجود الأحاديث المنكرة والشاذة فيه نادر وله أسانيد عالية وثلاثياته أكثر من ثلاثيات البخاري

(1/99)

وهذه المذكورات من الكتب أشهر الكتب وغيرها من الكتب كثيرة شهيرة

مصادر السيوطي في جمع الجوامع

ولقد أورد السيوطي في كتاب جمع الجوامع من كتب كثيرة يتجاوز خمسين مشتملة على الصحاح والحسان والضعاف وقال ما أوردت فيها حديثا موسوما بالوضع اتفق المحدثون على تركه ورده والله أعلم

(1/100)

جماعة من الأئمة المتقنين

وذكر صاحب المشكاة في ديباجة كتابه جماعة من الأئمة المتقنين وهم

(1/101)

البخاري ومسلم والإمام مالك والإمام الشافعي والإمام

(1/102)

أحمد بن حنبل والترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجه والدارمي والدارقطني والبيهقي ورزين وأجمل في ذكر

(1/103)

غيرهم وكتبنا أحوالهم في كتاب مفرد مسمى بالاكمال بذكر أسماء الرجال

ومن الله التوفيق وهو المستعان في المبدأ والمآل

وأما الاكمال في أسماء الرجال لصاحب المشكاة فهو ملحق في آخر هذا الكتاب

تم الفراغ من نسخ هذه المقدمة ووضع العناوين الجانبية لها وترقيم فوائدها للشيخ عبد الحق المحدث الدهلوي رحمه الله تعالى بيد الفقير إلى الله سلمان الحسيني الندوي يوم الجمعة 9 / من شعبان المعظم عام 1404 هـ بلكنو الهند

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وآله وصحبه أجمعين

( فهرس المحتويات )

نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر

الكتاب: نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر (مطبوع ملحقا بكتاب سبل السلام)

المؤلف: أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني (المتوفى: 852هـ)

المحقق: عصام الصبابطي - عماد السيد

الناشر: دار الحديث - القاهرة

الطبعة: الخامسة، 1418 هـ - 1997 م

عدد الأجزاء: 1

تنبيه: المتن مشكول والزيادات [بين معكوفين] هي تعليقات منتخبة من الشرح، وليست من المتن

[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]

ـ[نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر (مطبوع ملحقا بكتاب سبل السلام) ]ـ

المؤلف: أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني (المتوفى: 852هـ)

الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت

عدد الأجزاء: 1

تنبيه: المتن مشكول والزيادات [بين معكوفين] هي تعليقات منتخبة من الشرح، وليست من المتن

[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]

(/)

مقدمة

قال الإمام الحافظ: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني - يرحمه الله تعالى -:

الحمد لله الذي لم يزل عليما قديرا وصلى الله على سيدنا محمد الذي أرسله إلى الناس كافة بشيرا ونذيرا، وعلى آل محمد وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

أما بعد:

فإن التصانيف في اصطلاح أهل الحديث قد كثرت، وبسطت واختصرت، فسألني بعض الإخوان أن ألخص له المهم من ذلك، فأجبته إلى سؤاله رجاء الاندراج في تلك المسالك.

(4/721)

الخبر إما أن يكون له

فأقول: الخبر إما أن يكون له:

* طرق بلا عدد معين.

* أو مع حصر بما فوق الاثنتين.

* أو بهما.

* أو بواحد.

فالأول: المتواتر المفيد للعلم اليقيني بشروطه [وهي عدد كثير أحالت العادة تواطؤهم على الكذاب رووا ذلك عن مثلهم من الابتداء إلى الانتهاء وكان مستند انتهائم الحسن وانضاف إلى ذلك أن يصحب خبرهم إفادة العلم لسامعه] .

والثاني: المشهور وهو المستفيض على رأي. [ويطلق المشهور على ما اشتهر على الألسنة]

والثالث: العزيز، وليس شرطا للصحيح خلافا لمن زعمه.

والرابع: الغريب.

وكلها - سوى الأول - آحاد.

وفيها المقبول [وهو ما يجب العمل به عند الجمهور] والمردود لتوقف الاستدلال بها على البحث عن أحوال رواتها دون الأول، وقد يقع فيها ما يفيد العلم النظري بالقرائن على المختار [كأن يخرج الخبر الشيخان في صحيحهما أو يكون مشهورا وله طرق متباينة سالمة من ضعف الرواة والعلل أو يكون مسلسلا بالأئمة الحفاظ المتقنين حيث لا يكون غريبا] .

(4/721)

أنواع الحديث

الغرابة

* ثم الغرابة: إما أن تكون في أصل السند، [طرفه الذي فيه الصحابي من أول التابعى] ، أو لا.

فالأول: الفرد المطلق.

والثاني: الفرد النسبي، ويقل إطلاق الفرد عليه [كما ان أكثر ما يطلقون الغريب على الفرد النسبي] .

وخبر الآحاد بنقل عدل تام الضبط، متصل السند، غير معلل ولا شاذ: هو الصحيح لذاته،. [والمراد بالعدل من له ملكة تحمله على ملازمة التقوى والمروءة والمراد بالتقوى اجتناب الأعمال السيئة من شرك أو فسق أو بدعة والضبط ضبط صدر وهو أن يثبت ما سمعه بحيث يتمكن من استحضاره متى شاء وضبط كتاب وهو صيانته لديه منذ سمع فيه إلى أن يؤدى منه وقيد بالتام إشارة إلى المرتبة العليا في ذلك والمتصل ما سلم إسناده من سقوط فيه بحيث يكون كل من رجاله سمع ذلك المروى من شيخه والمعلل ما فيه علة خفية قادحة والشاذ ما يخالف فيه الراوى من هو ارجح منه]

وتتفاوت رتبه بتفاوت هذه الأوصاف.

، ومن ثم قدم صحيح البخاري، ثم مسلم، ثم شرطهما [المراد به رواتهما مع باقي شروط الصحيح] .

فإن خف الضبط [مع بقية الشروط المتقدمة في الصحيح] : فالحسن لذاته، وبكثرة طرقه يصحح [فيسمى الصحيح لغيره] .

فإن جمعا [كقول الترمذي حديث حسن صحيح] فللتردد في الناقل حيث التفرد، وإلا فباعتبار إسنادين.

وزيادة راويهما [أي الصحيح والحسن] مقبولة ما لم تقع منافية لـ[رواية] من هو أوثق.

فإن خولف بأرجح فالراجح المحفوظ، ومقابله الشاذ، و [إن وقعت المخالفة له] مع الضعف فالراجح المعروف، ومقابله المنكر.

(4/722)

الفرد النسبي

* والفرد النسبي: إن وافقه غيره فهو المتابع [والمتابعة مختصة بكونها من رواية ذلك الصحابي] .

وإن وجد متن [يروى من حديث صحابى آخر] يشبهه فهو الشاهد.

وتتبع الطرق [من الجوامع والمسانيد والأجزاء] لذلك [الحديث الذي يظن انه فرد] هو الاعتبار.

(4/722)

المقبول

* ثم المقبول: إن سلم من المعارضة فهو المحكم.، وإن عورض بمثله: فإن أمكن الجمع [بغير تعسف] فمختلف الحديث.

أو لا [يعني: وإن لم يمكن الجمع] وثبت المتأخر [عرف بالتاريخ] فهو الناسخ، والآخر المنسوخ.

وإلا فالترجيح، ثم التوقف.

(4/722)

المردود

* ثم المردود: إما أن يكون لسقط [من إسناد] أو طعن [في راو] .

(4/722)

السقط

* فالسقط: إما أن يكون من مبادئ السند من [تصرف] أو من آخره بعد التابعي، أو غير ذلك.

فالأول: المعلق. [قال ابن الصلاح إن وقع الحذف في كتاب التزمت صحته كالبخاري فما أتى فيه بالجزم دل على انه ثبت إسناده عنده وإنما حذف لغرض من [ص:723] الأغراض وما أتى فيه بغير الجزم ففيه مقال] .

والثاني: هو المرسل.

والثالث: إن كان باثنين فصاعدا مع التوالي فهو المعضل، وإلا فالمنقطع. ثم [إن السقط من الإسناد] قد يكون واضحا أو خفيا.

* فالأول: يدرك بعدم التلاقي، ومن ثم احتيج إلى التأريخ..

* والثاني: المدلس [سمى بذلك لكون الراوى لم يسم من حدثه واوهم سماعه للحديث ممن لم يحدثه به] ويرد بصيغة تحتمل [وقوع] اللقي: كعن، وقال [فإن وقع بصيغة صريحة لا تجوز فيها كان كذبا] ، وكذا المرسل الخفي، من معاصر لم يلق من حدث عنه [فالفرق بين المدلس والمرسل الخفى أن التدليس يختص بمن روى عمن لقاؤه إياه فأما إن عاصره ولم يعرف انه لقيه فهو المرسل الخفى] .

(4/722)

الطعن

* ثم الطعن: إما أن يكون لكذب الراوي، أو تهمته بذلك، أو فحش غلطه، أو غفلته [عن الإتقان] ، أو فسقه، أو وهمه [بأن يروى على سبيل التوهم] ، أو مخالفته [للثقات] ، أو جهالته، أو بدعته، أو سوء حفظه [بأن يكون ليس غلطه أقل من إصابته] .

فالأول: الموضوع

والثاني: المتروك.

والثالث: المنكر على رأي [من لا يشترط في المنكر قيد المخالفة] .

وكذا الرابع والخامس.

(4/723)

الوهم

* ثم الوهم: إن اطلع عليه بالقرائن، وجمع الطرق: ف [هو] المعلل.

(4/723)

المخالفة

*ثم المخالفة: إن كانت بتغيير السياق [سياق الإسناد] : فمدرج الإسناد.

أو بدمج موقوف بمرفوع: فمدرج المتن.

أو بتقديم أو تأخير [في الأسماء كمرة بن كعب وكعب بن مرة] : فالمقلوب.

أو بزيادة راو: فالمزيد في متصل الأسانيد.

أو بإبداله ولا مرجح: فالمضطرب - وقد يقع الإبدال عمدا امتحانا -

أو بتغيير [حروف] مع بقاء [صورة الخط في] لسياق: فالمصحف [في النقط] والمحرف [في الشكل] .

ولا يجوز تعمد تغيير المتن بالنقص والمرادف إلا لعالم بما يحيل المعاني [ومن ثم] فإن خفي المعنى احتيج إلى شرح الغريب وبيان المشكل.

(4/723)

الجهالة

* ثم الجهالة: وسببها أن الراوي قد تكثر نعوته [من اسم او كنية أو لقب أو حرفة الخ] فيذكر بغير ما اشتهر به لغرض، وصنفوا فيه الموضح.

وقد يكون مقلا فلا يكثر الأخذ عنه، وصنفوا فيه الوحدان [وهو من لم يرو عنه إلا واحد] ، و لا يسمى اختصارا، وفيه المبهمات، ولا يقبل المبهم ولو أبهم بلفظ التعديل على الأصح.

فإن سمي وانفرد واحد عنه فمجهول العين، أو اثنان فصاعدا، ولم يوثق: فمجهول الحال، وهو المستور.

ثم البدعة: إما بمكفر، أو بمفسق.

فالأول: لا يقبل صاحبها الجمهور [والتحقيق أنه لا يرد كل مكفر ببدعته لأن كل طائفة تدعى أن مخالفيها مبتدعة وقد تبالغ فتكفر مخالفها فالمعتمد [ص:724] أن الذي ترد روايته من أنكر أثرا متواترا من الشرع معلوما من الدين بالضرورة وكذا من اعتقد عكسه] .

والثاني: يقبل من لم يكن داعية إلى بدعته في الأصح، إلا إن روى ما يقوي بدعته فيرد على المختار، وبه صرح الجوزقاني شيخ النسائي.

(4/723)

سوء الحفظ

* ثم سوء الحفظ: إن كان لازما [للراوى في جميع حالاته] فهو الشاذ على رأي، أو طارئا فالمختلط، ومتى توبع سيئ الحفظ بمعتبر [كأن يكون فوقه أو مثله لا دونه] ، وكذا المستور والمرسل، والمدلس: صار حديثهم حسنا لا لذاته، بل ب [اعتبار] المجموع.

(4/724)

الاسناد

* ثم الإسناد [وهو الطريق لموصلة إلى المتن والمتن هو غاية ما ينتهى إليه الإسناد من الكلام] : إما أن ينتهي إلى النبي -صلى الله تعالى عليه وسلم-، تصريحا، أو حكما: من قوله، أو فعله، أو تقريره.

أو إلى الصحابي كذلك وهو: من لقي النبي -صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم- مؤمنا به، ومات على الإسلام، ولو تخللت ردة في الأصح [لا خفاء في رجحان رتبة من لازمه صلى الله عليه وسلم وقاتل معه أو قتل تحت رايته على من لم يلازمه أو لم (1 / 231) يحضر معه مشهدا أو على من كلمه يسيرا أو ماشاه قليلا أو رآه على بعد أو في حل الطفولية وإن كان شرف الصحبة حاصلا للجميع ومن ليس له منهم سماع منه فحديثه مرسل من حيث الرواية ويعرف كون الشخص صحابيا بالتواتر أو الاستفاضة أو الشهة أو باخبار بعض الصحابة أو بعض ثقات التابعين أو باخباره عن نفسه بأنه صحابى إذا كان دعواه ذلك تدخل تحت الإمكان] .

أو إلى التابعي: وهو من لقي الصحابي كذلك. .

فالأول: المرفوع ، والثاني: الموقوف، والثالث: المقطوع ، ومن دون التابعي فيه مثله.

ويقال للأخيرين: الأثر.

والمسند: مرفوع صحابي بسند ظاهره الاتصال.

فإن قل عدده [أي عدد رجال السند] : إما أن ينتهي إلى النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، أو إلى إمام ذي صفة علية [كالحفظ والفقه والضبط والتصنيف] كشعبة [ومالك والشافعي والثوري والبخارى ومسلم ونحوهم] .

فالأول: العلو المطلق.

والثاني: النسبي.

وفيه الموافقة: وهي الوصول إلى شيخ أحد المصنفين من غير طريقه.

وفيه البدل: وهو الوصول إلى شيخ شيخه كذلك.

وفيه المساواة: وهي استواء عدد الإسناد من الراوي إلى آخره [آخر [ص:725] الإسناد] ، مع إسناد أحد المصنفين.

وفيه المصافحة: وهي الاستواء مع تلميذ ذلك المصنف [على الوجه المشروح في المساواة] .

ويقابل العلو بأقسامه النزول.

فإن تشارك الراوي ومن روى عنه في السن واللقي [الأخذ عن المشايخ] فهو [رواية] الأقران.

كل منهما عن الآخر: فالمدبج، وإن روى عمن دونه [في السن أو في المقدار] : فالأكابر عن الأصاغر، ومنه الآباء عن الأبناء [والصحابة عن التابعين والشيخ عن تلميذه] ، وفي عكسه كثرة، ومنه من روى عن أبيه عن جده. .

وإن اشترك اثنان عن شيخ، وتقدم موت أحدهما، فهو: السابق واللاحق .

وإن روى عن اثنين متفقي الاسم [أو مع اسم الأب أو مع الجد أو مع النسبة] ولم يتميزا، ولم يتميزا، فباختصاصه بأحدهما يتبين المهمل.

وإن جحد مرويه جزما: رد، أو احتمالا: قبل في الأصح.

وفيه: من حدث ونسي.

وإن اتفق الرواة في صيغ الأداء [كسمعت فلانا قال سمعت فلانا الخ] و غيرها من الحالات [كسمعت فلانا يقول أشهد بالله لقد حدثنى فلان الخ] ، فهو المسلسل.

(4/724)

صيغ الأداء

* وصيغ الأداء: سمعت وحدثني، ثم أخبرني، وقرأت عليه، ثم قرئ عليه وأنا أسمع، ثم أنبأني، ثم ناولني، ثم شافهني. ثم كتب إلي، ثم عن، ونحوها. [من الصيغ المحتملة للسماع والإجازة ولعدم السماع أيضا هذا مثل قال وذكر وروى] .

فالأولان [سمعت وحدثنى] : لمن سمع وحده من لفظ الشيخ، فإن جمع فمع غيره [وقد تكون النون للعظمة لكن بقلة] ، (1 / 232) وأولها: وأولها: أصرحها وأرفعها [مقدارا ما يقع] في الإملاء

والثالث [أخبرني] ، والرابع [قرأت] : لمن قرأ بنفسه، فإن جمع: فكالخامس.

والإنباء: بمعنى الإخبار.

إلا في عرف المتأخرين فهو للإجازة كعن، وعنعنة المعاصر محمولة على السماع إلا من مدلس وقيل: يشترط ثبوت لقائهما -ولو مرة-، وهو المختار، وأطلقوا المشافهة في الإجازة المتلفظ بها، و [كذا] المكاتبة في الإجازة المكتوب بها، واشترطوا في صحة المناولة اقترانها بالإذن بالرواية، وهي أرفع أنواع الإجازة.

وكذا اشترطوا الإذن في الوجادة، والوصية بالكتاب وفي الإعلام [أن يعلم الشيخ أحد الطلبة بأننى أروى الكتاب الفلانى عن فلان] ، وإلا فلا عبرة بذلك كالإجازة العامة، وللمجهول وللمعدوم على الأصح في جميع ذلك.

(4/725)

الرواة

* ثم الرواة إن اتفقت أسماؤهم، وأسماء آبائهم فصاعدا، واختلفت أشخاصهم: فهو المتفق والمفترق، وإن اتفقت الأسماء خطا، واختلفت نطقا: فهو المؤتلف والمختلف .

وإن اتفقت الأسماء واختلفت الآباء، أو بالعكس: فهو المتشابه، وكذا إن وقع ذلك [ص:726] الاتفاق في الاسم واسم الأب، والاختلاف في النسبة، ويتركب منه ومما قبله أنواع: منها أن يحصل الاتفاق أو الاشتباه إلا في حرف أو حرفين [كمحمد بن سنان ومحمد بن سيار وعبد الله بن زيد وعبد الله بن يزيد] .

أو بالتقديم والتأخير أو نحو ذلك [كالأسود بن يزيد ويزيد بن الأسود وأيوب بن سيار وأيوب بن يسار] .

(4/725)

خاتمة

ومن المهم: معرفة طبقات الرواة [الطبقة في اصطلاحهم عبارة عن جماعة اشتركوا في السن ولقاء المشايخ] ومواليدهم، ووفياتهم، وبلدانهم، وأحوالهم تعديلا وتجريحا وجهالة.

ومراتب الجرح: وأسوؤها الوصف بأفعل، كأكذب الناس، ثم دجال، أو وضاع، أو كذاب.

وأسهلها: لين، أو سيئ الحفظ، أو فيه مقال.

ومراتب التعديل: وأرفعها الوصف بأفعل: كأوثق الناس، ثم ما تأكد بصفة أو صفتين كثقة ثقة، أو ثقة حافظ وأدناها ما أشعر بالقرب من أسهل التجريح: كشيخ، وتقبل التزكية من عارف بأسبابها، ولو من واحد على الأصح.

والجرح مقدم على التعديل إن صدر مبينا من عارف بأسبابه، فإن خلا عن التعديل قبل مجملا على المختار.

(4/726)

فصل معرفة الكنى وغيرها

ومن المهم معرفة كنى المسمين، وأسماء المكنين، ومن اسمه كنيته، ومن اختلف في كنيته، ومن كثرت كناه أو نعوته، ومن وافقت كنيته اسم أبيه [كأبي إسحاق إبراهيم بن إسحاق] .

أو بالعكس [كإسحاق بن ابي إسحاق] ، أو كنيته كنية زوجته [كأبي أيوب وأم أيوب] ، ومن نسب إلى غير أبيه، أو إلى أمه، أو إلى غير ما يسبق إلى الفهم [كالحداد نسب إلى الحدادة لأنه كان يجالس الحدادين] ، ومن اتفق اسمه واسم أبيه وجده، أو [اسمه و] اسم شيخه وشيخ شيخه فصاعدا

ومن اتفق اسم شيخه والراوي عنه [كالبخاري روى عن مسلم بن إبراهيم وروى عنه مسلم بن الحجاج] .

ومعرفة الأسماء المجردة والمفردة [التي لم يسم بها إلا واحد] ، والكنى [المجردة] ، والألقاب، والأنساب، وتقع إلى القبائل والأوطان، بلادا، أو ضياعا أو سككا، أو مجاورة. وإلى الصنائع والحرف، ويقع فيها الاتفاق والاشتباه كالأسماء، وقد تقع ألقابا. [كخالد بن محمد القطواني كان كوفيا ويلقب القطواني وكان يغضب منها] .

ومعرفة أسباب ذلك، ومعرفة الموالي من أعلى، ومن أسفل، بالرق، أو بالحلف [أو بالاسلام] ، ومعرفة الإخوة والأخوات.

ومعرفة آداب الشيخ والطالب، وسن التحمل والأداء [الأصح اعتبار سن التحمل بالتمييز وسن الأداء يقدر بالاحتياج والتأهيل [ص:727] لذلك] ، وصفة كتابة الحديث وعرضه، وسماعه، وإسماعه، والرحلة فيه، وتصنيفه، إما على المسانيد، أو الأبواب، أو العلل [فيذكر المتن وطرقه وبيان اختلاف نقلته] ، أو الأطراف [فيذكر طرف الحديث الدال على بقيته ويجمع أسانيده إما مستوعبا وإما مقيدا بكتب مخصوصة] .

ومعرفة سبب الحديث، وقد صنف فيه بعض شيوخ القاضي أبي يعلى بن الفراء، وصنفوا في غالب هذه الأنواع.

وهي نقل محض، ظاهرة التعريف، مستغنية عن التمثيل، وحصرها متعسر، فلتراجع لها مبسوطاتها.

والله الموفق والهادي، لا إله إلا هو.

( فهرس المحتويات )

نصيحة أهل الحديث

الكتاب: نصيحة أهل الحديث

المؤلف: أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي الخطيب البغدادي (المتوفى: 463هـ)

المحقق: عبد الكريم أحمد الوريكات

الناشر: مكتبة المنار - الزرقاء

الطبعة: الأولى، 1408

عدد الأجزاء: 1

[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الخطيب أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الحافظ رحمه الله تعالى

رسمت في هذا الكتاب لصاحب الحديث خاصة ولغيره عامة ما أقوله نصيحة مني له وغيرة عليه وهو أن يتميز عمن رضي لنفسه بالجهل ولم يكن فيه معنى يلحقه بأهل الفضل وينظر فيما أذهب فيه معظم وقته وقطع به أكثر عمره من كتب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وجمعه ويبحث عن علم ما أمر به من معرفة حلاله وحرامه وخاصه وعامه وفرضه وندبه وإباحته وحظره وناسخه ومنسوخه وغير ذلك من أنواع علومه قبل فوت إدراك ذلك فيه

1 - فقد أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن رزقويه ثنا محمد بن أحمد بن إسحاق بن إبراهيم السرخسي ثنا محمد بن المنذر الهروي قال ثنا الحسن بن عامر النصيبي قال سمعت أحمد بن صالح يقول قال الشافعي

تفقه قبل أن ترأس فإذا ترأست فلا سبيل إلى التفقه

(1/21)

2 - أخبرنا عبيد الله بن أبي الفتح الفارسي أنا عمر بن أحمد بن عثمان الواعظ ناموس بن عبيد الله بن يحيى قال حدثني عبد الله بن أبي سعد حدثني أبو محمد المروزي قال كان يقال

إنما تقبل الطينة الختم ما دامت رطبة

(1/22)

أي أن العلم يطلب في طرواة السن

3 - قال وجاء عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال تفقهوا قبل أن تسودوا

أخبرناه علي بن محمد بن عبد الله المعدل أنا إسماعيل بن محمد الصفار ثنا سعدان بن نصر ثنا وكيع عن ابن عون

وأخبرنا محمد بن أحمد بن رزق أنا عثمان بن أحمد الدقاق ثنا حنبل بن إسحاق ثنا بكار بن محمد ثنا عبد الله بن عون

وأنا الحسن بن أبي بكر أنا أبو سهل أحمد بن محمد بن عبد الله بن زياد القطان ثنا محمد بن غالب بن حرب

وأخبرنا أبو الفرج محمد بن عمر بن محمد الجصاص أنا أحمد بن يوسف بن خلاد العطار نا أحمد بن علي هو الخزاز قالا ثنا هوذه بن عون

وأخبرنا الحسن بن أبي الحسن نا أبو بكر محمد بن جعفر بن محمد الأدمي القارىء ثنا محمد بن القاسم مولى بني هاشم ثنا أزهر عن ابن عون عن محمد عن الأحنف وفي حديث وكيع وبكار عن ابن سيرين عن الأحنف بن قيس قال قال عمر بن الخطاب تفقهوا قبل أن تسودوا

4 - أخبرنا الحسن بن أبي بكر أنا أحمد بن إسحاق بن ينخاب الطيبي ثنا محمد بن يونس القرشي ثنا أزهر ثنا ابن عون عن الحسن عن الأحنف بن قيس قال قال عمر بن الخطاب تفقهوا قبل أن تسودوا

كذا قال عن الحسن والصواب عن ابن سيرين كما ذكرناه أولا والله أعلم

(1/24)

5 - أخبرنا أبو الحسن أحمد بن علي بن الحسن البادا أنا دعلج بن أحمد ثنا علي بن عبد العزيز قال قال أبو عبيد في حديث عمر تفقهوا قبل أن تسودوا

يقول تعلموا العلم ما دمتم صغارا قبل أن تصيروا سادة رؤساء

(1/25)

منظور إليكم فإن لم تعلموا قبل ذلك استحييتم أن تعلموا بعد الكبر فبقيتم جهالا تأخذون من الأصاغر فيزري ذلك بكم وهذا شبيه بحديث عبد الله لن يزال الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم فإذا أتاهم من أصاغرهم فقد هلكوا

قال أبو عبيد وفي الأصاغر تفسير آخر بلغني عن ابن المبارك أنه كان يذهب بالأصاغر إلى أهل البدع ولا يذهب إلى السن

(1/26)

6 - أخبرنا عبد الملك بن محمد بن عبد الله أنا عمر بن محمد بن أحمد الجمحي ثنا علي بن عبد العزيز ثنا محمد بن عمار الموصلي ثنا عفيف بن سالم عن ابن لهيعة عن بكر بن سوادة عن أبي أمية الجمحي رضي الله عنه قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشراط الساعة قال إن من أشراطها أن يلتمس العلم عند الأصاغر

(1/27)

7 - وقال علي نا مسلم بن إبراهيم نا شعبة عن أبي إسحاق عن سعيد بن وهب عن عبد الله قال لا يزال الناس بخير ماأخذوا العلم عن أكابرهم وعن أمنائهم فإذا أخذوا من صغارهم وشرارهم هلكوا

(1/28)

8 - أخبرنا أبو الحسن محمد بن عبد الواحد بن محمد بن جعفر نا أبو عمر محمد بن العباس الخزاز أنا عبيد الله بن عبد الرحمن السكري عن عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري قال

(1/29)

سئلت عن قوله لا يزال الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم يريد لا يزال الناس بخير ما كان علماؤهم المشايخ ولم يكن علماؤهم الأحداث لأن الشيخ قد زالت عنه متعة الشباب وحدته وعجلته وسفهه واستصحب التجربة والخبرة فلا يدخل عليه في علمه الشبهة ولا يغلب عليه الهوى ولا يميل به الطمع ولا يستزله الشيطان استزلال الحدث ومع السن الوقار والجلالة والهيبة والحدث قد تدخل عليه هذا الأمور التي أمنت على الشيخ فإذا دخلت عليه وأفتى هلك وأهلك

(1/30)

قال الخطيب ولا يقتنع بأن يكون روايا حسب ومحدثنا فقط

9 - فقد أخبرنا أبو نعيم الحافظ نا إبراهيم بن عبد الله المعدل نا أحمد بن علي الأنصاري ومولده بأصبهان نا أبو الصلت الهروي نا علي بن موسى الرضا عن أبيه عن جده عن آبائه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كونوا دراة ولا تكونوا رواة حديث تعرفون فقهه خير من ألف حديث تروونه

(1/31)

أخبرنا أحمد بن أبي جعفر القطيعي أنا علي بن عبد العزيز البردعي نا عبد الرحمن بن أبي حاتم قال في كتابي عن الربيع بن سليمان قال سمعت الشافعي وذكر من يحمل العلم جزافا فقال هذا مثل حاطب ليل يقطع حزمة حطب فيحملها ولعل فيها أفعى فتلدغه وهو لا يدري قال الربيع يعني الذين لا يسألون عن الحجة من أين

(1/32)

11 - أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن أحمد العتيقي أنا أبو مسلم محمد بن أحمد بن علي الكاتب المعبر نا أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد قال

سئل بعضهم متى يكون الأدب ضارا قال إذا نقصت القريحة وكثرت الرواية

12 - أخبرنا القاضي أبو العلاء محمد بن علي الواسطي أنا أبو الحسن محمد بن جعفر التميمي الكوفي قال قال لنا أبو العباس بن

(1/33)

عقدة يوما وقد سأله رجل عن حديث فقال

أقلوا من هذه الأحاديث فإنها لا تصلح إلا لمن علم تأويلها فقد روى يحيى بن سليمان عن ابن وهب قال سمعت مالكا يقول كثير من هذه الأحاديث ضلالة لقد خرجت مني أحاديث لوددت أني ضربت بكل حديث منها سوطين وأني لم أحدث به

(1/34)

ولعله يطول عمره فتنزل به نازلة في دينه يحتاج أن يسأل عنها فقيه وقته وعسى أن يكون الفقيه حديث السن فيستحي أو يأنف من مسألته ويضيع أمر الله في تركه تعرف حكم نازلته

13 - أخبرنا عبد الملك بن محمد بن عمر بن محمد الجمحي نا علي بن عبد العزيز نا أبو نعيم الفضل بن دكين عن سعد بن أوس العبسي الكاتب عن بلال بن يحيى أن عمر قال قد علمت متى صلاح الناس ومتى فسادهم إذا جاء الفقه من قبل الصغير استعصى عليه الكبير وإذا جاء الفقه من قبل الكبير تابعه الصغير فاهتديا

فإن أدركه التوفيق من الله عز وجل وسأل الفقيه لم يأمن أن

(1/35)

يكون بحضرته من يدري به ويلومه على عجزه في مقتبل عمره إذ فرط في التعليم فينقلب حينئذ واجما وعلى ما سلف من تفريطه نادما

14 - حدثني أبو طاهر محمد بن أحمد بن علي الأشناني نا أحمد بن إسحاق النهاوندي نا الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد نا عبد الله بن أحمد بن معدان نا أحمد بن حرب الموصلي قال سمعت محمد بن عبيد يقول جاء رجل وافر اللحية إلى الأعمش فسأله عن مسألة من مسائل الصبيان يحفظها الصبيان فالتفت إلينا الأعمش فقال

انظروا الى لحيته تحتمل حفظ أربعة آلاف حديث ومسألته مسألة الصبيان

(1/36)

وليعلم أن الإكثار من كتب الحديث وروايته لا يصير بها الرجل فقيها إنما يتفقه باستنباط معانيه وإنعام التفكر فيه

15 - حدثني محمد بن أحمد الأشناني نا أحمد بن إسحاق النهاوندي نا الحسن بن عبد الرحمن حدثني أحمد بن محمد بن سهيل الفقيه نا محمد بن إسماعيل أبو عبد الله الأصبهاني بمكة نا مصعب الزبيري قال سمعت مالك بن أنس قال لابني أخته أبي بكر وإسماعيل ابني أبي أويس أراكما تحبان هذا الشأن وتطلبانه قالا نعم قال إن أحببتما أن تنتفعا به وينفع الله بكما فأقلا منه وتفقها

16 - أخبرنا محمد بن الحسين القطان أنا عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم البغوي نا أحمد بن السري نا سهل بن زنجلة نا سفيان عن إسماعيل بن أمية عن الأعمش قال لما سمعت الحديث قلت لو جلست إلى سارية أفتي الناس قال فجلست إلى سارية فكان أول ما سألوني عنه لم أدر ما هو

(1/37)

17 - أخبرنا محمد بن أحمد بن علي الدقاق نا أحمد بن إسحاق النهاوندي قال نا ابن خلاد أبو عمر أحمد بن محمد بن سهيل قال حدثني رجل ذكره من أهل العلم قال ابن خلاد وأنسيت أنا اسمه وأحسبه يوسف بن الصاد قال

وقفت امرأة على مجلس فيه يحيى بن معين وأبو خيثمة وخلف بن سالم في جماعة يتذاكرون الحديث فسمعتهم يقولون قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رواه فلان وما حدث به غير فلان فسألتهم عن الحائض تغسل الموتى وكانت غاسلة فلم يجبها أحد منهم وجعل بعضهم ينظر إلى بعض فأقبل أبو ثور فقالوا لها عليك بالمقبل فالتفتت إليه وقد دنا منها فسألته فقال تغسل الميت لحديث القاسم عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها أما إن حيضتك ليست في يدك ولقولها كنت أفرق رأس

(1/38)

رسول الله صلى الله عليه وسلم بالماء وأنا حائض قال أبو ثور فإذا فرقت رأس الحي فالميت أولى به فقالوا نعم رواه فلان وحدثناه فلان ويعرفونه من طرق كذا وخاضوا في الطرق فقالت المرأة فأين كنتم إلى الآن

(1/39)

قال وإنما أسرعت ألسنة المخالفين إلى الطعن على المحدثين لجهلهم أصول الفقه وأدلته في ضمن السنن مع عدم معرفتهم بمواضعها فإذا عرف صاحب الحديث بالتفقه خرست عنه الألسن وعظم محله في الصدور والأعين وخشي من كان عليه يطعن

18 - أنبأنا محمد بن عبد الله الحنائي نا جعفر بن محمد بن نصير الخلدي نا عبد الله بن جابر الطرسوسي نا محمد بن العرجي العسكري قال سمعت مسلما الجرمي قال سمعت وكيعا يقول

لقيني أبو حنيفة فقال لي لو تركت كتابة الحديث وتفقهت أليس كان خيرا قلت أفليس الحديث يجمع الفقه كله قال ما تقول في امرأة ادعت الحمل وأنكر الزوج فقلت له حدثني عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لاعن بالحمل فتركني

(1/40)

فكان بعد ذلك إذا رآني في طريق أخذ في طريق آخر

19 - أخبرني الحسن بن محمد بن الحسن الخلال نا محمد بن العباس الخزاز نا أبو بكر بن أبي داود نا علي بن خشرم قال سمعت وكيعا غير مرة يقول يا فتيان تفهموا فقه الحديث فإنكم إن تفهمتم فقه الحديث لم يقهركم أهل الرأي

20 - أخبرنا الحسن بن الحسين بن العباس النعالي أنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن محمد بن سلم الختلي نا أحمد بن علي الأبار نا علي بن خشرم المروزي قال سمعت وكيعا يقول لأصحاب الحديث

لو أنكم تفقهتم الحديث وتعلمتموه ما غلبكم أصحاب الرأي ما قال أبو حنيفة في شيء يحتاج إليه إلا ونحن نروي فيه بابا

(1/41)

قال رحمه الله

ولا بد للمتفقه من أستاذ يدرس عليه ويرجع في تفسير ما أشكل إليه ويتعرف منه طرق الاجتهاد وما يفرق به بين الصحة والفساد

(1/42)

وقد أخبرنا أبو الفتح عبد الكريم بن محمد بن أحمد بن القسم المحاملي قال نا عمر بن أحمد بن عثمان المروروذي نا الحسين بن أحمد بن صدقة نا أحمد بن أبي خيثمة أخبرني سليمان بن أبي شيخ قال أخبرني بعض الكوفيين قال قيل لأبي حنيفة رحمه الله في المسجد حلقة ينظرون في الفقه فقال لهم رأس قالوا لا قال لا يفقه هؤلاء أبدا

22 - أخبرنا الحسن بن ابي طالب أنا علي بن عمرو الحريري أن علي بن محمد بن كاس النخعي حدثهم قال نا إبراهيم بن إسحاق الزهري نا أبو نعيم قال كنت أمر على زفر وهو محتب بثوب فيقول يا أحول تعال حتى أغربل لك أحاديثك فأريه ما قد سمعت فيقول هذا يؤخذ به وهذا لا يؤخذ به وهذا هاهنا ناسخ وهذا منسوخ

(1/43)

23 - حدثني محمد بن علي الصوري إملاء أنا عبد الرحمن بن عمر المصري نا محمد بن أحمد بن عبد الله بن وركان العامري نا إبراهيم بن أبي داود نا علي بن معبد نا عبيد الله بن عمرو قال جاء رجل إلى الأعمش فسأله عن مسألة وأبو حنيفة جالس فقال الأعمش يا نعمان قل فيها فأجابه فقال الأعمش من أين قلت هذا فقال من حديثك الذي حدثتناه قال نعم نحن صيادلة وأنتم أطباء

(1/44)

24 - أخبرنا القاضي أبو عبد الله الحسين بن علي الصيمري أنا عبد الله بن محمد الشاهد نا مكرم ابن أحمد نا أحمد بن عطية

وأخبرنا الحسن بن علي الجوهري أنا محمد بن العباس الخزاز نا أبو بكر عبد الله بن محمد بن زياد النيسابوري قال سمعت أبا إبراهيم المزني قال أنا علي بن معبد نا عبيد الله بن عمرو قال

كنا عند الأعمش وهو يسأل أبا حنيفة عن مسائل ويجيبه أبو حنيفة فيقول له الأعمش من أين لك هذا فيقول أنت حدثتنا عن إبراهيم بكذا وحدثتنا عن الشعبي بكذا قال فكان الأعمش عند ذلك يقول

يا معشر الفقهاء أنتم الأطباء ونحن الصيادلة واللفظ لحديث الصيمري

(1/45)

25 - أخبرنا أبو مسلم جعفر بن بابي الفقيه الجيلي انا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المقري بأصبهان نا محمد بن خالد بن يزيد البردعي قال سمعت عطية بن بقية يقول قال لي أبي كنت عند شعبة بن الحجاج إذ قال لي يا أبا محمد إذا جاءتكم مسألة معضلة من تسألون عنها قال قلت في نفسي هذا رجل قد أعجبته نفسه قال قلت يا أبا بسطام توجه إليك وإلى أصحابك حتى تفوتونا

(1/46)

قال فما كان إلا هنيهة إذ جاءه رجل فقال يا أبا بسطام رجل ضرب رجلا على أم رأسه فادعى المضروب أنه انقطع شمه قال فجعل شعبة يتشاغل عنه يمينا وشمالا فأومأت إلى الرجل أن ألح عليه فالتفت إلي وقال يا أبا يحمد ما أشد البغي على أهله لا والله ما عندي فيه شيء ولكن أفته أنت قال قلت يسألك وأفتيه أنا قال فإني قد سألتك قال قلت سمعت الأوزاعي والزبيدي يقولان يدق الخردل دقا بالغا ثم يشم فإن عطس كذب وإن لم يعطس صدق

قال جئت بها يا فقيه والله لا يعطس رجل انقطع شمه أبدا

[تم الكتاب]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

معايير الأحكام في قضية الطلاق؟

  معايير الأحكام في قضية الطلاق؟     أحكام الطلاق من القرآن والسنة الصحيحة   1 الطلاق للعدة الشرعة الباقية إلي يوم القيامة :   1. ما هي...