مشاري راشد {سورة الطلاق}

Translate

الأربعاء، 21 فبراير 2024

5.الديباج المذهب + السنة النبوية ومكانتها نور قاروت +المدخل الي الصحيح +المنظومة البيقونية +الموقظة في علم الحديث +النبذة العثيمينية + ثمرات النظر في علم الحديث

 

5.مجموعة كتب في مصطلح الحديث{5.} 

{الديباج المذهب + السنة النبوية ومكانتها نور قاروت +المدخل الي الصحيح +المنظومة البيقونية +الموقظة في علم الحديث +النبذة العثيمينية + ثمرات النظر في علم الحديث}

                                            

1. الديباج المذهب في مصطلح الحديث

الكتاب: الديباج المُذَهَّب في مصطلح الحديث (مطبوع مع شرح منلا حنفي عليه)

المؤلف: يُنسب لعلي بن محمد بن علي الزين الشريف الجرجاني (المتوفى: 816هـ)

مصحح بمعرفة لجنة: برئاسة الشيخ حسن الإنبابي

الناشر: مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده - بمصر

باشر طبعه: محمد أمين عمران

عام النشر: 1350 هـ - 1931 م

عدد الأجزاء: 1

[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]

ـ[الديباج المذهب (مطبوع مع شرح منلا حنفي عليه)]ـ

المؤلف: علي بن محمد بن علي الزين الشريف الجرجاني (المتوفى: 816هـ)

الناشر: مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده - بمصر

باشر طبعه: محمد أمين عمران

عام النشر: 1350 هـ - 1931 م

عدد الأجزاء: 1

[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين،

والصلاة والسلام على محمد وآله أجمعين فهذا مختصر جامع لمعرفة علم الحديث،

(1/3)

في بيان أصوله ومصطلحاته.

المتن: هو ألفاظ الحديث التي تتقوم بها المعاني.

(1/5)

والحديث: عم من أن يكون قول الرسول صلى الله عليه وسلم أو الصحابي أو التابعين، وفعلهم، وتقريرهم.

(1/6)

والسند: إخبار عن طريق المتن.

والإسناد: هو رفع الحديث إلى قائله، وهما متقاربان في المعنى، اعتماد الحفاظ في صحة الحديث وضعفه عليه.

والخبر المتواتر: ما بلغت رواته في الكثرة مبلغا أحالت العادة تواطأهم على الكذب،

(1/8)

ويدوم هذا فيكون أوله كآخره، ووسطه كطرفيه، كالقرآن، وكالصلوات الخمس.

(1/9)

قال ابن الصلاح: من سأل عن إبراز مثال لذلك في الحديث أعياه طلبه، وحديث: (إنما الأعمال بالنيات) ليس من ذلك وإن نقله عدد التواتر وأكثر، لأن ذلك طرأ عليه في وسط إسناده.

نعم. . حديث: (من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار)

(1/10)

نقله من الصحابة: قيل أربعون، وقيل اثنان وستون وفيهم العشرة المبشرة،

(1/11)

ولم يزل العدد على التوالي في ازدياد.

والآحاد: ما لم ينته إليه التواتر، وهو مستفيض

(1/12)

وغيره.

قال ابن الجوزي: حصر الأحاديث يبعد أمانة غير أن جماعة بالغوا فى تتبعها وحصروها: قال الإمام أحمد: صح سبعمائة ألف وكسر (700. 000 وكسر)، وقال: وقد جمعت في المسند أحاديث انتخبتها من أكثر من سبعمائة ألف وخمسين ألف (750. 000) فما اختلفتم فيه فارجعوا إليه، وما لم تجدوا فيه فليس بحجة.

والمراد بهذه الأعداد: الطرق لا المتون.

المقاصد: اعلم أن متن الحديث نفسه

(1/13)

لا يدخل في الاعتبار إلا نادرا بل يكتسب صفة من القوة والضعف، وبين بين بحسب أوصاف الرواة من العدالة والضبط والحفظ وخلافها، وبين ذلك وبين خلافه أو بحسب الإسناد من الاتصال والانقطاع والإرسال ونحوها والاضطراب.

فالحديث على هذا ينقسم إلى صحيح وحسن وضعيف، هذا إذا نظر إلى المتن، وأما إذا نظر إلى أوصاف الرواة فقيل هو ثقة عدل ضابط، أو غير ثقة أو متهم أو مجهول أو كذوب أو نحو ذلك، فيكون البحث عن الجرح والتعديل، وإذا نظر إلى كيفية أخذهم وطرق تحملهم الحديث كان البحث عن أوصاف الطالب.

وإذا بحث عن أسمائهم ونسبهم كان البحث عن تعيينهم وتشخيص ذواتهم، فالمقاصد مرتبة على أربعة أبواب:

(1/14)

الباب الأول

في أقسام الحديث وأنواعه

وفيه ثلاثة فصول:

الفصل الأول

في الصحيح

وهو ما اتصل سنده بنقل العدل الضابط عن مثله، وسلم عن شذوذ وعلة.

ونعني بالمتصل ما لم يكن مقطوعا بأي وجه كان، وبالعدل: من لم يكن مستور العدالة ولا مجروحا، وبالضابط من يكون حافظا متيقظا، وبالشذوذ ما يرويه الثقة مخالفا لرواية الناس، وبالعلة، ما فيه أسباب خفية غامضة قادحة.

(1/15)

فائدة: وتتفاوت درجات الصحيح بحسب قوة شروطه وضعفها، وأول من صنف في الصحيح المجرد البخاري، ثم أبو الحسين مسلم، وكتاباهما أصح الكتب بعد كتاب الله العزيز.

(1/16)

وأما قول الشافعي رضي الله عنه: ما أعلم شيئا بعد كتاب الله أصح من موطأ مالك فقبل وجود الكتابين.

وأعلى أقسام الصحيح ما اتفقا عليه، ثم انفرد به البخاري، ثم انفرد به مسلم، ثم ما كان على شرطهما وإن لم يخرجاه، ثم ما كان على شرط البخاري، ثم ما كان على شرط مسلم، ثم ما صححه غيرهما.

فهذه سبعة أقسام.

وما حذف سنده فيهما - وهو كثير في تراجم البخاري،

(1/17)

قليل جدا في كتاب صحيح مسلم - فما كان بصيغة الجزم نحو: (قال فلان) و (فعل) و (أمر) و (روى) و (ذكر) معروفا فهو حكم بصحته، وما روي من ذلك مجهولا فليس حكما بصحته، ولكن إيراده في كتاب الصحيح مشعر بصحة أصله، وأما قول الحاكم: اختيار البخاري ومسلم ألا يذكرا في كتابيهما إلا ما رواه الصحابي المشهور، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وله راويان ثقتان فأكثر، ثم يرويه عنه تابعي مشهور وله أيضا راويان ثقتان فأكثر، ثم كذلك في كل درجة؛

(1/18)

ففيه بحث. قال الشيخ محيى الدين النووي: ليس ذلك من شرطهما لإخراجهما أحاديث ليس لها إلا إسناد واحد: منها حديث: (إنما الأعمال بالنيات) ونظائره في الصحيحين كثيرة.

قال ابن حبان: تفرد بحديث: (إنما الأعمال بالنيات) أهل المدينة، وليس عند أهل العراق، ولا عند أهل مكة، ولا الشام ولا مصر، وراويه هو يحيى بن سعيد القطان، عن محمد بن إبراهيم، عن علقمة، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه هكذا رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه مع اختلاف

في الرواة بعد يحيى يعرف بالرجوع إلى هذه الصحاح الست.

(1/19)

الفصل الثاني

في الحسن

قال الترمذي: هو ما لا يكون في إسناده متهم، ولا يكون شاذا، ويروى من غير وجه نحوه في المعنى.

(1/20)

وقال الخطابي: هو ما عرف مخرجه واشتهر رجاله، وعليه مدار أكثر الحديث. فالمنقطع ونحوه مما لم يعرف مخرجه، وكذا المدلس إذا لم يبين، وقال بعض المتأخرين: هو الذي فيه ضعف قريب محتمل ويصلح للعمل به.

وقال ابن الصلاح: هو قسمان: أحدهما: ما لم تخل رجال إسناده عن مستور غير مغفل في روايته، وقد روي مثله أو نحوه من

(1/21)

وجه آخر.

والثاني: ما اشتهر راويه بالصدق والأمانة، وقصر عن درجة رجال الصحيح حفظا وإتقانا، بحيث لا يعد ما انفرد به منكرا، ولا بد في القسمين من سلامتهما عن الشذوذ والتعليل، وقيل: ما ذكره بعض المتأخرين مبنى على أن معرفة الحسن موقوفة على معرفة الصحيح والضعيف، لأنه وسط بينهما، فقوله: (قريب) أي قريب مخرجه إلى الصحيح، محتمل كذبه لكون رجاله مستورين.

والفرق بني حدي الصحيح والحسن، أن شرائط الصحيح معتبرة في حد الحسن، لكن العدالة في الصحيح تنبغي أن تكون ظاهرة، والإتقان كاملا.

(1/22)

وليس ذلك شرطا في الحسن، ومن ثمة احتاج إلى قيد قولنا أن يروى من وجه مثله أو نحوه ليخبر به.

فالضعيف هو الذي بعد عن مخرج الصحيح مخرجه، واحتمل الصدق والكذب أو لا يحتمل الصدق أصلا كالموضوع.

وإنما سمي حسنا لحسن الظن براويه، ولو قيل: الحسن هو مسند من قرب من درجة الثقة أو مرسل ثقة، ويروى كلاهما من غير وجه وسلم عن شذوذ وعلة لكان أجمع الحدود وأضبطها وأبعدها عن التعقيد.

ونعني بالمسند ما اتصل إسناده إلى منتهاه، وبالثقة: من جمع بين العدالة والضبط.

والتنكير في ثقة للشيوخ كما سيأتي بيانه في نوع المرسل.

(1/23)

والحسن حجة كالصحيح، ولذلك أدرج في الصحيح، قال ابن الصلاح محيي السنة في المصابيح: تسمية السنن بالحسان تساهل لأن فيها الصحاح والحسان والضعاف.

وقول الترمذي: حيث حسن صحيح يريد به أنه روي بإسنادين: أحدهما يقتضي الصحة والآخر الحسن.

(1/24)

أو المراد اللغوي، وهو ما تميل النفس إليه وتستحسنه، والحسن إذا روي من وجه آخر ترقى من الحسن إلى الصحيح لقوته من الجهتين فيعتضد أحدهما بالآخر، ونعني بالترقي أنه ملحق في القوة بالصحيح لا أنه عينه.

وأما الضعيف فلكذب راويه وفسقه لا ينجبر بتعدد طرقه كما في حديث: (طلب العلم فريضة) قال البيهقي: هذا حديث مشهور بين الناس وإسناده ضعيف، وقد روي من أوجه كثيرة كلها ضعيف.

الفصل الثالث

في الضعيف

هو ما لا يجتمع فيه شروط الصحيح والحسن، وتتفاوت درجاته في الضعف بحسب بعده من شروط الصحة، ويجوز

(1/25)

عند العلماء التساهل في أسانيد الضعيف دون الموضوع من غير بيان ضعفه في المواعظ والقصص وفضائل الأعمال لا

في صفات الله تعالى وأحكام الحلال والحرام.

قيل: كان من مذهب النسائي أن يخرج الحديث عن كل من لم يجمع على تركه، وأبو داود كان يأخذه مأخذه، ويخرج الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره ويرجحه على رأي الرجال، عن الشعبي ما حدثك عن النبي صلى الله عليه وسلم فخذ به، وما قالوه برأيهم فألقه في الحش، وقال الشعبي: الرأي بمنزلة الميتة إذا اضطررت إليها أكلتها.

وروي عن الشافعي: مهما قلت من قول أو أصلت من أصل فيه عن رسول الله

(1/26)

صلى الله عليه وسلم خلاف ما قلت، فالقول ما قاله صلى الله عليه وسلم وهو قولى. . يردده. .

وهاهنا عدة عبارات منها: ما تشترك فيه الأقسام الثلاثة، أعني: الصحيح والحسن والضعيف، ومنها: ما يختص بالضعيف.

المسند

فمن الأول المسند: هو ما اتصل سنده مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

المتصل

والمتصل: هو ما اتصل سنده سواء كان مرفوعا إليه صلى الله عليه وسلم أو موقوفا.

(1/27)

المرفوع

والمرفوع: هو ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم خاصة من قول أو فعل أو تقرير سواء كان متصلا أو منقطعا.

فالمتصل قد يكون مرفوعا وغير مرفوع، والمرفوع قد يكون متصلا وغير

متصل، والمسند مرفوع متصل.

المعنعن

والمعنعن: هو ما يقال في سنده: فلان عن فلان، والصحيح أنه متصل إذا أمكن اللقاء مع البراءة من التدليس، وقد أودع في الصحيحين.

قال ابن الصلاح: كثر في عصرنا وما قاربه استعمال كلمة (عن) في الإجازة، وإذا قيل: فلان عن رجل عن فلان،

(1/28)

فالأقرب أنه منقطع وليس بمرسل.

المعلق

والمعلق: مأخوذ من مبدأ إسناده واحدا فأكثر، فاعلم أن الحذف إما أن يكون في أول الإسناد وهو المعلق، أو في وسطه وهو المنقطع، أو في آخره وهو المرسل والبخاري أكثر من هذا النوع في صحيحه، وليس بخارج من الصحيح، لكون هذا الحديث معروفا من جهة الثقات الذين علق الحديث عنهم، أو لكونه ذكره متصلا في موضوع آخر من كتابه.

الإفراد

والإفراد: إما فرد عن جميع الرواة - جهة - نحو: تفرد به أهل مكة فلا يضعف إلا أن يراد به تفرد واحد منهم.

(1/29)

المدرج

والمدرج: هو ما أدرج في الحديث من كلام بعض الرواة، فيظن أنه من الحديث أو أدرج متنان بإسنادين كرواية سعيد بن أبى مريم: (لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تنافسوا) أدرج ابن أبى مريم فيه قوله: (ولا تنافسوا) من متن آخر أو عند الراوي طرف من متن واحد بسند شيخ هو غير سند المتن فيرويهما عنه بسند واحد، فيصير الإسنادان إسنادا واحدا.

أو يسمع حديثا واحدا من جماعة مختلفين في سنده أو متنه، فيدرج روايتهم على الاتفاق ولا يذكر الاختلاف.

وتعمد كل واحد من تلك الثلاثة حرام.

(1/30)

المشهور

والمشهور: ما شاع عند أهل الحديث خاصة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (قنت شهرا يدعو على جماعة)، أو اشتهر عندهم وعند غيرهم نحو: (الأعمال بالنيات) أو عند غيرهم، قال الإمام أحمد بن حنبل: قوله صلى الله عليه وسلم: (للسائل حق وإن جاء على فرس، ويوم نحركم يوم صومكم) يدوران في الأسواق ولا أصل لهما في الاعتبار.

الغريب

والغريب: العزيز؛ قيل: الغريب: كحديث الزهري وأشباهه ممن يجمع حديثه بعدالته وضبطه إذا تفرد عنهم بالحديث رجل يسمى غريبا،

(1/31)

فإن رواه عنهم اثنان أو ثلاثة يسمى عزيزا، وإن رواه عنهم جماعة يسمى مشهورا.

والأفراد المضافة إلى البلدان ليست بغريبة، والغريب إما صحيح كالأفراد المخرجة في الصحيح، أو غير صحيح وهو الأغلب.

والغريب أيضا إما غريب متنا وإسنادا، وهو ما تفرد برواية متنه واحد أو إسنادا لا متنا، كحديث يعرف متنه عن جماعة من الصحابة إذا تفرد واحد بروايته عن صحابي آخر، ومنه قول الترمذي: غريب من هذا الوجه، ولا يوجد ما هو غريب متنا لا إسنادا إلا إذا اشتهر الحديث الفرد فرواه عمن تفرد به جماعة كثيرة فإنه يصير غريبا مشهورا.

وأما حديث: (إنما الأعمال بالنيات) فإن إسناده متصف بالغرابة في طرفه الأول متصف بالشهرة في طرفه الآخر.

(1/32)

المصحف

قد يكون في الراوي كحديث شعبة، عن العوام بن مراجم - بالراء والجيم - صحفه يحيى بن معين فقال: مزاحم بالزاى والحاء المهملة، وقد يكون في الحديث كقوله صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال) صحفه بعضهم فقال (شيئا) بالشين المعجمة.

المسلسل

والمسلسل: هو ما تتابع فيه رجال الإسناد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عند روايته على حالة واحدة، إما في الراوي قولا نحو: سمعت فلانا يقول: سمعت فلانا يقول. . إلى المنتهى. . أو أخبرنا فلان والله قال: أخبرنا فلان والله. . إلى المنتهى. .

أو فعلا: كحديث التشبيك باليد، أو قولا وفعلا

(1/33)

كما في حديث: (اللهم أعني على شكرك وذكرك وحسن عبادتك).

وفي رواية أبي داود وأحمد والنسائي: قال الراوي: أخذ صلى الله عليه وسلم بيدي فقال صلى الله عليه وسلم: إني لأحبك فقل: اللهم أعنى. . إلى آخره. وإما على صفة: كحديث الفقهاء فقيه عن فقيه. . وأما في الرواية: كالمسلسل باتفاق أسماء الرواة، وأسماء آبائهم، أو كناهم، أو أنسابهم أو بلدانهم.

قال الإمام النووي رحمه الله: وأنا أروي ثلاثة أحاديث مسلسلة بالدمشقيين.

الاعتبار

والاعتبار: هو النظر في حال الحديث، هل تفرد به راويه أو لا، وهل هو

(1/34)

معروف أو لا.

والضرب الثاني ما يختص بالضعيف

الموقوف

وهو مطلقا ما روي عن الصحابي من قول أو فعل، متصلا كان أو منقطعا، وهو ليس بحجة على الأصح، وقد يستعمل في غير الصحابي مقيدا نحو وقفه معمر على همام، ووقفه مالك على نافع، وقول الصحابي كنا نفعله في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مرفوع، لأن

(1/35)

الظاهر الاطلاع والتقرير، وكذا كان أصحابه يقرعون بابه بالأظافير مرفوع في المعنى، وتفسير الصحابي موقوف، وما كان من قبيل بيان سبب النزول كقول جابر: كانت اليهود تقول كذا، فأنزل الله تعالى كذا ونحوه مرفوع.

المقطوع

المقطوع: ما جاء عن التابعين من أقوالهم وأفعالهم موقوفا عليهم، وليس بحجة.

المرسل

المرسل: هو قول التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، أو فعل كذا، أو قرر كذا،

(1/36)

وهو المعروف في الفقه وأصوله.

المنقطع

المنقطع: هو ما لم يتصل إسناده بأي وجه كان، سواء ترك الراوي من أول الإسناد أو وسطه أو آخره، إلا أن الغالب استعماله فيمن دون التابعي عن الصحابي كمالك عن ابن عمر رضي الله عنهما.

المعضل

المعضل: بفتح الضاد وهو ما سقط من سنده اثنان فصاعدا؛ كقول مالك: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقول

(1/37)

الشافعي رحمه الله: قال ابن عمر كذا.

الشاذ والمنكر

الشاذ والمنكر: قال الشافعي: الشاذ ما رواه الثقة مخالفا لما رواه الناس، قال ابن الصلاح في الشاذ تفصيل: فما خالف مفرده أحفظ منه وأضبط فشاذ مردود، وإن لم يخالف وهو عدل ضابط فصحيح، وإن رواه غير ضابط لكن لا يبعد عن درجة الضابط فحسن، وإن بعد فمنكر.

ويفهم من قوله: أحفظ وأضبط على صيغة التفضيل أن المخالف إن كان مثله لا يكون مردودا،

(1/38)

وقد علم من هذا التقسيم أن المنكر ما هو؟.

المعلل

المعلل: ما فيه أسباب خفية غامضة قادحة، والظاهر السلامة، ويستعان على إدراكها بتفرد الراوي، وبمخالفة غيره له مع قرائن تنبه العارف على إرسال في الموصول، أو تحقق وقف في المرفوع أو دخول حديث أو وهم واهم بحيث يغلب على ظنه ذلك، فيحكم به، فيتوقف، وكل ذلك مانع عن الحكم بصحة ما وجد فيه ذلك، وحديث يعلى بن عبيد، عن الثوري، عن عمرو بن دينار، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم: (البيعان بالخيار) إسناده متصل من العدل الضابط وهو معلل والمتن صحيح لأن عمرو بن دينار وضع موضع أخيه عبد الله بن دينار، هكذا رواه الأئمة من أصحاب الثوري عنه فوهم يعلى.

(1/39)

وقد يطلق اسم العلة على الكذب والغفلة وسوء الحفظ وغيرها، وأطلق بعضهم العلة على مخالفة لا تقدح، كإرسال ما وصله الثقة الضابط حتى قال: من الصحيح ما هو صحيح معلل، كما قال آخر: من الصحيح ما هو شاذ ويدخل في هذا حديث يعلى بن عبيد: (البيعان بالخيار).

المدلس

المدلس: ما أخفي عيبه إما في الإسناد وهو أن يروي عمن لقيه، أو عاصر ما لم

يسمعه منه على سبيل يوهم أنه سمعه منه، فمن حقه أن لا يقول: حدثنا، بل يقول: قال فلان، أو عن فلان ونحوه.

وربما لم يسقط المدلس شيخه لكن يسقط من بعده: رجلا ضعيفا أو صغير السن

(1/40)

يحسن الحديث بذلك، كفعل الأعمش وسفيان الثوري وغيرهما، وهو مكروه جدا وذمه أكثر العلماء، واختلف في قبول روايته، والأصح التفصيل.

فما رواه بلفظ محتمل لم يبين فيه السماع، فحكمه حكم المرسل، وأنواعه وما رواه بلفظ مبين؛ كسمعت وأخبرنا وحدثنا وأمثالها محتج به، وأما في الشيوخ، وهو عن شيخ حدثنا سمعه منه فيسميه أو يكنيه أو ينسبه أو يضعفه بما لا يعرف كيلا يعرف، وأمره أخف لكن فيه تضييع للمروي عنه وتوعير لطريق معرفة حاله، والكراهة بحسب الغرض الحامل، نحو أن يكون كثير الرواية عنه فلا يجب الإكثار من واحد على صورة واحدة، وقد يحمله عليه كون شيخه الذي غير سمته غير ثقة أو أصغر منه أو غير ذلك.

(1/41)

المضطرب

والمضطرب: ما اختلف الرواية فيه، فما اختلف الروايتان إن ترجحت إحداهما على الأخرى بوجه، نحو أن يكون راويها أحفظ أو أكثر صحبه للمروي عنه. فالحكم للراجح فلا يكون مضطربا وإلا فمضطرب.

المقلوب

المقلوب: هو نحو حديث مشهور عن سالم، جعل عن نافع ليصير بذلك غريبا مرغوبا فيه.

(1/42)

وحديث البخاري حين قدم بغداد وامتحان الشيوخ إياه بقلب الأسانيد مشهور.

الموضوع

الموضوع: الخبر إما أن يجب تصديقه وهو ما نص الأئمة على صحته، وإما أن

يجب تكذيبه وهو ما نصوا على وضعه واختلافه، أو يتوقف فيه لاحتمال الصدق والكذب كسائر الأخبار، ولا يحل رواية الموضوع للعالم بحاله في أي معنى كان إلا مقرونا ببيان الوضع.

(1/43)

ويعرف:

1 - بإقرار واضعه.

2 - أو يعرف بركاكة الألفاظ.

3 - والواضعون أصناف،

(1/44)

وأعظمهم ضررا من انتسب إلى الزهد فوضع احتسابا.

4 - ووضعت الزنادقة أيضا جملا.

ثم قامت جهابذة الحديث بكشف عوارها ومحو عارها والحمد لله.

5 - وقد ذهبت الكراهية والطائفة المبتدعة إلى جواز وضع الحديث في الترغيب والترهيب؛ ومنه ما روي عن أبي عصمة نوح بن أبي مريم أنه قيل له: من أين لك عن عكرمة عن ابن عباس في فضائل القرآن سورة سورة

(1/45)

فقال: إني رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبي حنيفة، ومغازي محمد بن إسحاق، فوضعت هذه الأحاديث حسبة.

ولقد أخطأ المفسرون في إيداعها في تفاسيرهم إلا من عصمه الله تعالى، ومما أودعوا فيها: أنه قال صلى الله عليه وسلم حين قرأ: (ومناة الثالثة الأخرى) (وتلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى).

ولقد اشبعنا القول في إبطاله في باب سجدة التلاوة.

(1/46)

وكذا ما أورده الأصوليون من قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا روي الحديث عني فاعرضوه على كتاب الله تعالى، فإن وافقه فاقبلوه وإن خالفه فردوه).

قال الخطابي: وضعته الزنادقة ويدفعه قوله صلى الله عليه وسلم: (إني قد أوتيت الكتاب وما يعدله) ويروى: (أوتيت الكتاب ومثله معه).

وقد صنف ابن الجوزي في الموضوعات مجلدات، قال ابن الصلاح: أودع فيها كثيرا من الأحاديث الضعيفة مما لا دليل على وضعه وحقها أن تذكر في الأحاديث الضعيفة.

وللشيخ الحسن بن محمد الصغاني (الدر الملتقط في تبين الغلط).

(1/47)

الباب الثاني

في معرفة أوصاف الرواة

ومن تقبل روايته ومن لا تقبل روايته في الجرح

والتعديل، وجوز ذلك صيانة للشريعة وبهما

يتميز صحيح الحديث وضعيفه فيجب على

المتكلم التثبت فيهما. قد أخطأ غير واحد

(1/48)

في

تجريحهم بما لا يجرح وفيه فصلان.

الفصل الأول

في العدالة والضبط

فالعدالة: أن يكون الراوي بالغا مسلما عاقلا، سليما من أسباب الفسق وخوارم المروءة.

والضبط: أن يكون الراوي متيقظا حافظا غير مغفل ولا ساه، ولا شاك في حالتي التحمل والأداء، فإن حدث عن حفظه ينبغي كونه حافظا، وإن حدث عن كتابه

ينبغي أن يكون ضابطا له،

(1/49)

وإن حدث بالمعنى ينبغي أن يكون عالما بما يختل به المعنى، ولا تشترط الذكورة، ولا الحرية ولا العلم بفقهه ولا بغريبه، والبصر، والعدد

(1/50)

وتعرف العدالة بتنصيص عدلين عليها أو بالاستضافة، ويعرف الضبط بأن يعتبر رواياته بروايات الثقات المعروفين بالضبط، فإن وافقهم غالبا، وكانت مخالفته نادرة عرف كونه ضابطا ثبتا.

الفصل الثاني

ولا تقبل رواية من عرف بالتساهل

في السماع والإسماع بالنوم، أو الاشتغال، أو يحدث لا من أصل مصحح، أو يكثر سهوه إذا لم يحدث من أصل مصحح،

(1/51)

أو كثرت الشواذ والمناكير في حديثه، ومن غلط في حديثه فبين له الغلط وأصر فلم يرجع قيل: تسقط عدالته، قال ابن الصلاح: إذا كان على وجه العناد، وأما إذا كان على وجه التنقير في البحث فلا.

تذييل:

أعرض في هذه الأعصار عن مجموع الشروط المذكورة، واكتفوا من عدالة الراوي بكونه مستورا ومن ضبطه بوجود سماعه مثبتا بخط موثوق به، وبروايته من أصل موافق لأصل شيخه، وذلك لأن الحديث الصحيح أو الحسن وغيرهما قد اجتمعت في كتب أئمة الحديث، فلا يذهب شيء منه عن جميعهم، والقصد بالسماع بقاء السلسلة في الإسناد المخصوص بهذه الأمة.

(1/52)

الباب الثالث

في تحمل الحديث

يصح التحمل قبل الاسلام، وكذا قبل البلوغ، فإن الحسن والحسين وابن عباس

وابن الزبير رضي الله عنهم تحملوا قبل البلوغ، ولم يزل الناس يسمعون الصبيان، واختلف في الزمن الذي يصح فيه السماع من الصبي، وقيل يعتبر كل صغير بحاله، فإذا فهم الخطاب ورد الجواب صححنا، وإن كان دون خمس وإلا لم يصح.

طرق تحمل الحديث

ولتحمل الحديث طرق:

الأول: السماع من لفظ الشيخ.

(1/53)

الثاني: القراءة عليه.

(1/54)

الثالث: الإجازة: ولها أنواع:

1 - إجازة معين لمعين: كأجزتك لكتاب البخاري، أو أجزت فلانا جميع ما اشتمل عليه فهرستي.

(1/55)

2 - إجازة معين في غير معين كأجزتك مسموعاتي أو مروياتي.

3 - والعموم.

والصحيح جواز الرواية بهذه الأقسام.

4 - وإجازة المعدوم: كأجزت لمن يولد لفلان، والصحيح المنع، ولو قال: لفلان ولمن يولد له أو لك ولعقبك جاز كالوقف.

الإجازة للطفل الذي لم يميز صحيحة، لأنها إباحة للرواية والإباحة تصح للعاقل وغيره.

5 - وإجازة المجاز: كأجزت لك ما أجيز لي.

(1/56)

وتستحب الإجازة إذا كان المجيز والمجاز له من أهل العلم، وينبغي للمجيز بالكتابة أن يتلفظ بها فإن اقتصر على الكتابة صحت.

الرابع المناولة

1 - وأعلاها ما يقرن بالإجازة وذلك بأن يدفع إليه أصل سماعه أو فرعا مقابلا به، وأن يقول هذا سماعي وروايتي عن فلان أجزت لك روايته ثم يبقيه في يده تمليكا أو إلى أن ينسخه.

2 - ومنها: أن يناول الطالب الشيخ سماعه فيتأمله وهو عارف متيقظ ثم يتناوله الطالب ويقول: هو حديثي أو سماعي فارو. . ويسمى هذا: (عرض المناولة) ولها أقسام أخر.

(1/57)

الخامس: المكاتبة: وهي أن يكتب الشيخ لغائب أو حاضر بخطبه أو بكتبه له، وهي إما مقترنة بالإجازة كأن يكتب: أجزت لك، أو مجردة عنها، والصحيح جواز الرواية على التقديرين.

السادس: الإعلام: وهو أن يعلم الشيخ الطالب أن هذا الكتاب روايته من غير أن يقول اروه عني، والأصح أنه لا تجوز روايته لاحتمال أن يكون الشيخ قد عرف فيه خللا فلا يأذن فيه.

السابع: الوجادة: من يجد وجد؛ مولد، وهو أن يقف على كتاب بخط شيخ فيه أحاديث ليس له رواية ما فيها، فله أن يقول: وجدت أو قرأت بخط فلان أو في كتاب فلان بخطه، حدثنا فلان، ويسوق باقي الإسناد والمتن، وقد استمر عليه العمل قديما وحديثا، وهو من باب المرسل، وفيه شوب من الاتصال،

(1/58)

واعلم أن قوما شددوا وقالوا: لا حجة إلا فيما رواه حفظا، وقالوا: تجوز الرواية من نسخ غير مقابلة بأصولها.

والحق أنه إذا قام في التحمل والضبط والمقابلة بما تقدم جازت الرواية عنه، وكذا إذا غاب عنه الكتاب إذا كان الغالب سلامته من التغيير ولا سيما إذا كان مما لا يخفى عليه تغيير غالبا.

الباب الرابع

في أسماء الرجال

الصحابي: مسلم رأى النبي صلى الله عليه وسلم،

(1/59)

وقال الأصوليون: من طالت مجالسته.

(1/60)

والتابعي: كل مسلم صحب صحابيا، وقيل من لقيه وهو الأظهر والبحث عن تفاصيل الأسماء والكنى والألقاب والمراتب في العلم والورع لهاتين المرتبتين وما بعدهما يفضي إلى التطويل.

(1/61)

توفي مالك بالمدينة سنة تسع وسبعين ومائة (179) وولد سنة ثلاث أو إحدى أو أربع أو سبع وتسعين (90) و (3) أو (1) أو (4). وأبو حنيفة ببغداد سنة خمسين ومائة (150) وكان ابن سبعين (70).

والشافعي بمصر سنة أربع ومائتين (204) وولد سنة خمسين ومائة (150).

واحمد بن حنبل ببغداد سنة إحدى وأربعين ومائتين (241) وولد سنة أربع وستين ومائة (164).

والبخاري يوم الجمعة لثلاث عشرة خلت من شوال سنة أربع وسبعين ومائة (174) ومات ليلة عيد الفطر سنة ست وخمسين ومائتين (256) بقرية من بخارى.

ومسلم مات بنيسابور سنة إحدى وستين ومائتين (261) وهو ابن خمس وخمسين، وأبو داود مات بالبصرة سنة سبع وسبعين ومائتين (277) والترمذي مات ببلدة ترمذ سنة تسع وسبعين ومائتين (279).

والنسائي سنة ثلاث وثلاثمائة (303).

(1/62)

والدارقطني ببغداد سنة خمس وثمانين وثلاثمائة (385).

والحاكم بنيسابور سنة خمس واربعمائة (405) وولد فيها سنة إحدى وعشرين

وثلاثمائة (321).

والخطيب ولد في جمادي الآخرة سنة اثنتين وتسعين وثلثمائة (392) ومات ببغداد في ذي الحجة سنة ثلاث وستين وأربعمائة (463).

============================

( فهرس المحتويات )

السنة النبوية ومكانتها نور قاروت

الكتاب: السنة النبوية المصدر الثاني للتشريع الإسلامي ومكانتها من حيث الاحتجاج والعمل

المؤلف: نور بنت حسن قاروت

الناشر: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة

عدد الأجزاء: 1

[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي]

المقدمة:

الحمد لله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر، والصلاة والسلام على الهادي البشير والسراج المنير وعلى آله وصحبه ومن استن بسنته إلى يوم الدين وبعد:

فهذا البحث في بيان أهم ما يلزم تأمله ومعرفته من كون السنة النبوية هي المصدر الثاني للتشريع الإسلامي شرعت في الكتابة فيه خدمة للسنة، راغبة في حصول الثواب من الكريم ذي الفضل العظيم، ثم استجابة للأمانة العامة لمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف التي شرفتني بدعوتها للكتابة في هذا الموضوع.

وهذا البحث محاولة لتعميق الفهم الذي قصده علماء السلف من كون السنة النبوية هي المصدر الثاني للتشريع الإسلامي بوسطية لا مغالاة فيها ولا جفاء.

وبنيت خطة البحث على هذه المقدمة، وثلاثة فصول وخاتمة:

أما الفصل الأول فعنوانه: التعريف بكون السنة النبوية المصدر الثاني للتشريع الإسلامي:

وفيه خمسة مباحث:

المبحث الأول: التعريف بالسنة، وأدوار العناية بها.

فيه ثلاثة مطالب:

الأول: تعريف السنة لغة وشرعا.

الثاني: الفرق بين السنة والحديث.

الثالث: أدوار العناية بالسنة.

(1/1)

المبحث الثاني: التعريف بالشريعة ومصادرها ومقاصدها.

وفيه ثلاثة مطالب:

الأول: تعريف الشريعة لغة وشرعا.

الثاني: مصادر التشريع.

الثالث: مقاصد الشريعة.

المبحث الثالث: الأدلة على حجية السنة.

المبحث الرابع: عناية المحدثين بالفقه، وعناية الفقهاء بالحديث.

وفيه مطلبان:

الأول: عناية المحدثين بالفقه.

الثاني: عناية الفقهاء بالحديث.

المبحث الخامس: أقسام السنة من حيث ثبوتها ومن حيث دلالاتها.

وفيه مطلبان:

الأول: أقسام السنة من حيث ثبوتها.

الثاني: أقسام السنة من حيث دلالاتها.

المبحث السادس: أنواع القرائن الصارفة العمل بظواهر السنة.

المبحث السابع: أسباب عدم الاحتجاج بالسنة.

المبحث الثامن: موقف العلماء من السنن التي ظاهرها التعارض.

الفصل الثاني: تبيين السنة لأحكام القرآن الكريم.

وفيه ثلاثة مباحث:

المبحث الأول: تفصيل السنة لأحكام مجملة في القرآن الكريم.

وفيه مطلبان:

(1/2)

الأول: تعريف المجمل والمفصل.

الثاني: أمثلة لأحكام مجملة في القرآن الكريم ورد تفصيلها في السنة.

المبحث الثاني: تفصيل السنة لأحكام عامة في القرآن الكريم.

وفيه مطلبان

الأول: تعريف العام والخاص.

الثاني: أمثلة لأحكام عامة في القرآن خصصتها السنة.

المبحث الثالث: تقييد السنة لأحكام مطلقة في القرآن الكريم.

وفيه مطلبان:

الأول: تعريف المطلق والمقيد.

الثاني: أمثلة لأحكام مطلقة في القرآن الكريم قيدتها السنة.

الفصل الثالث: أحكام وردت في السنة ولم تذكر في القرآن.

وفيه سبعة مباحث:

الأول: الفرق بين وحي القرآن ووحي السنة.

الثاني: مقاييس وضوابط لقبول ما صح من أخبار الآحاد.

الثالث: هل جاءت السنة بأحكام لم تثبت في القرآن؟

الرابع: أمثلة مما استقلت به السنة في العبادات.

الخامس: أمثلة مما استقلت به السنة في المعاملات.

السادس: أمثلة مما استقلت به السنة في النكاح.

السابع: أمثلة مما استقلت به السنة في الجنايات.

ثم الخاتمة في أهم النتائج التي توصل إليها البحث.

وكان المنهج المتبع في كتابة أغلب مواضيع البحث ما يلي:

(1/3)

- عرض أهم عناصر الموضوع باختصار دون ذكر الخلافات إلا في أضيق حدود.

- ذكر ما بدا لي راجحا فيما لا بد من ذكر الخلاف فيه، دون الإسهاب في ذكر الأدلة والردود عليها ومناقشتها.

- الحرص ما أمكن على تسهيل أسلوب الكتابة وتبسيطه.

- تشكيل وعزو الآيات إلى سورها.

- تخريج الأحاديث والحكم عليها من غير الصحيحين، فإن خرجتها منهما اكتفيت بهما أو بأحدهما، وقد أكتفي بالرجوع إلى كتاب اللؤلؤ المرجان.

- التوضيح للكلمات الغريبة.

والله الرحمن الرحيم البر الكريم الجواد الحكيم أسأل أن يجعل هذا البحث عملا صالحا ولوجهه خالصا وأن يكتب له القبول والبركة، ويغفر لي ما كان به من زلل أو تقصير، ويجزي كل من صوبه أو نصحني فيه خير الجزاء إنه ولي ذلك والقادر عليه. والحمد لله على نعمه التي لا تعد ولا تحصى، والصلاة والسلام على النبي المجتبى وعلى آله وصحبه ومن اصطفى.

(1/4)

الفصل الأول: التعريف بكون السنة المصدر الثاني للتشريع الإسلامي

المبحث الأول: التعريف بالشريعة ومصادرها ومقاصدها

أولا: تعريف الشريعة لغة وشرعا

...

المبحث الأول: التعريف بالشريعة ومصادرها ومقاصدها

أولا: تعريف الشريعة لغة وشرعا

الشريعة في اللغة:

مورد الشاربة التي يردها الناس فيشربون منها ويستقون، والعرب لا تسميها شريعة حتى يكون الماء لا انقطاع له، ويكون ظاهرا معينا لا يسقى بالدلو، وشرعت في هذا الأمر شرعا: أي خضت (1) .

الشريعة شرعا:

استعمل العلماء لفظ الشريعة باستعمالات متعددة وذلك حسب المقام فمنهم من أطلقها على التوحيد وما سواه من الفروع ومنهم من أطلقها وأراد بها التوحيد فقط ومنهم من أطلقها وأراد بها الفروع فقط (2) .

والرأي الراجح في معنى الشريعة عند الباحثين: هي الفرائض والحدود والأمر والنهي (3) .

فيدخل في تعريفها التوحيد وسائر الأحكام، وهي بذلك أعم من الحكم الشرعي الذي عرفه العلماء بأنه: الخطاب المتعلق بأفعال المكلفين بالطلب، أو التخيير أو الوضع (4) .

__________

(1) ابن منظور/ لسان العرب (مادة شرع) 8/175.

(2) عابد السفياني/ الثبات والشمول في الشريعة الإسلامية: 24-26.

(3) عبد الله الكمالي/ الشريعة الإسلامية وفقه الموازنات: ص 30.

(4) شرح البدخشي على المنهاج: 1/30، شرح الأسنوي على المنهاج: 1/46.

(1/6)

فيمثل الحكم الشرعي الوجه العملي للدين فقط، والشريعة تمثل الوجهين العقدي والعملي معا.

ثانيا: مصادر الشريعة

ذكر العلماء أن مصادر الشريعة الأساسية أربعة مصادر: القرآن الكريم، والسنة المطهرة، والإجماع، والقياس (1) .

ولا يخفى على المتأمل أن أدلة حجية الإجماع والقياس الكتاب والسنة.

أتى رجل إلى الإمام الشافعي فسأله عن الدليل في أن اتفاق الأمة حجة في الدين؟ فذهب الإمام الشافعي ولم يخرج ثلاثة أيام، ثم خرج وجاءه الشيخ فسلم ثم جلس، فقال حاجتي؟ فقال الشافعي رحمه الله: نعم أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم قال الله تعالى: {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غيرسبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا} [النساء:115] . لا يصليه – تعالى- جهنم على خلاف سبيل المؤمنين إلا وهو فرض. قال: فقال: صدقت. وقام وذهب. قال الشافعي: قرأت القرآن في كل يوم وليلة ثلاث مرات حتى وقفت عليه (2) .أي الدليل على أن حجية الإجماع ثابتة في الكتاب.

__________

(1) ذكر العلماء للاستدلال مصادر غير أساسية وتسمى الأدلة الفرعية، ولم تسلم من الاختلاف بين الأصوليين وهي: الاستصحاب، شرع من قبلنا، مذهب الصحابي، الاستحسان، المصالح المرسلة. انظر: الآمدي/ الإحكام في أصول الأحكام: 4/172-209.

(2) انظر الشافعي/ أحكام القرآن: 1/39-40.

(1/7)

وكذلك روي في السنة قوله صلى الله عليه وسلم: (ما رآه المسلون حسنا فهو عند الله حسن) (1) .

وذكر أهل القياس ونفاته أدلتهم من الكتاب والسنة (2) .

وتعريف القرآن بالأحكام الشرعية أكثره كلي لا جزئي، فهو محتاج إلى كثير من البيان، والسنة إنما هي بيان للقرآن (3) .فمصادر الشريعة: الكتاب والسنة وغيرهما تبع لهما.

ثالثا: مقاصد الشريعة

القرآن الكريم والسنة الشريفة أتيا للتعريف بمصالح الدارين جلبا لها، والتعريف بمفاسدهما دفعا لها.

وهذه المصالح لها ثلاثة أقسام: الضروريات، والحاجيات، والتحسينيات.

والضروريات خمس: حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العرض، وحفظ المال، وحفظ العقل.

والحاجيات تدور على التوسعة، والتيسير، ورفع الحرج، والرفق في هذه المقاصد.

والتحسينيات ترجع إلى العمل بمكارم الأخلاق وما يحسن في مجاري العادات في هذه المقاصد الخمس.

ولكل مما تقدم أمثلة عديدة وردت في الكتاب والسنة (4) .

__________

(1) قال الألباني: لا أصل له مرفوعا، وإنما ورد موقوفا على ابن مسعود. انظر السلسلة الضعيفة 2/17

رقم 533.

(2) ابن القيم/ أعلام الموقعين: 1/195-198-227.

(3) الشاطبي/ الموافقات: 4/180.

(4) المرجع السابق: 4/346-352.

(1/8)

والفقهاء وهم ينظرون في السنن يجدون بالاستقراء أنه لا يمكن أن تشذ سنة فتدفع مصلحة أو تجلب مفسدة راجحة، فإن وجدت مفسدة، فهو دليل ضعفها أو كذب ناقلها.

(1/9)

المبحث الثاني: التعريف بالسنة، وأدوار العناية بها

أولا: السنة لغة وشرعا

السنة في اللغة:

تأتي في اللغة بمعاني منها الصورة وما أقبل من الوجه، والطريقة: سن الله سنة أبي بين طريقا قويما، قال تعالى: {سنة الله في الذين خلوا من قبل} [الأحزاب:38] .

والسنة السيرة، حسنة كانت أو قبيحة:

يقول الشاعر:

فلا تجزعن من سيرة أنت سرتها ... فأول راض عن سنة يسيرها (1)

السنة شرعا: ما جاء منقولا عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير بالوحي أو الاجتهاد (2) .

وتطلق السنة في الشرع أيضا فيما يقابل البدعة، يقال: فلان على سنة إذا عمل على وفق ما عمل عليه النبي صلى الله عليه وسلم.

ويطلق أيضا لفظ السنة على ما عمل عليه الصحابة مجتمعا عليه منهم أو من خلفائهم (3) .يدل عليه قوله عليه الصلاة والسلام: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، وتمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ (4) " (5)

__________

(1) لسان العرب، مادة "سنن" 13/225.

(2) الشاطبي/ الموافقات: 4/293.

(3) المرجع السابق: 4/290.

(4) النواجذ: الناجذ آخر الأضراس، وللإنسان أربعة نواجذ في أقصى الأسنان، ويسمى ضرس الحلم لأنه ينبت بعد البلوغ وكمال العقل، يقال ضحك حتى بدت نواجذه. انظر: الرازي/ مختار الصحاح: باب النون، فصل الجيم. ص: 646.

(5) أخرجه الترمذي وصححه الشيخ الألباني. انظر: الألباني: إرواء الغليل: (2455) 8/107.

(1/10)

ثانيا: الفرق بين السنة والحديث

للحديث قسمان عند علماء الحديث:

علم الحديث رواية وهو العلم الذي يشتمل على أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته وروايتها وضبطها وتحرير ألفاظها. وهذا القسم ينطبق تعريفه على تعريف السنة.

والقسم الثاني علم الحديث دراية ويقصد به العلم الذي يعرف به حقيقة الرواية وشروطها وأنواعها وأحكامها وحال الرواة وشروطهم وأصناف مروياتهم (1) .

يقول الدكتور رفعت فوزي:" قد يبدو في أقوال بعض العلماء في القرن الثاني الهجري التفرقة بينهما ذلك في قول الأعمش رحمه الله تعالى:" لا أعلم لله قوما يطلبون هذا الحديث، ويحبون هذه السنة"وأوضح من هذا قول عبد الرحمن بن مهدي: (الناس على وجوه، فمنهم من هو إمام في السنة وليس بإمام في الحديث، ومنهم من هو إمام في الحديث وليس بإمام في السنة) وربما كان أساس هذا التفريق هو أنهم كانوا ينظرون إلى أن الحديث أمر علمي نظري، وأن السنة أمر عملي، إذ إنها كانت تعتبر المثل الأعلى للسلوك في كل أمور الدين والدنيا، وكان هذا سبب الاجتهاد في البحث عنها والاعتناء بحفظها والاقتداء بها. وربما كان الأساس هو أن بعضهم كان ينظر إلى السنة على أنها أعم من فعل الرسول وقوله وتقريره وتشمل أفعال الصحابة والتابعين" (2) .

وسأسير في البحث على طريق من اختار أن السنة والحديث معناهما واحد.

__________

(1) السيوطي/ تدريب الراوي: 1/40.

(2) توثيق السنة في القرن الثاني الهجري أسسه واتجاهاته: ص: 19-20.

(1/11)

ثالثا: الأدوار التي مرت بها السنة وتدوينها

الدور الأول: القرن الأول الهجري

السنة في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وعصر الصحابة:

كان المعول في حفظ السنة وضبطها صدور الصحابة رضوان الله عليهم، وذلك لشيوع الأمية فيهم فكان اعتمادهم على السماع والحفظ لا على القراءة والكتابة، لم يكن للتدوين ضرورة، ولاسيما وأن حرصهم على تدوين القرآن الكريم وخشيتهم من أن يكون في تدوين الحديث ما يؤدي إلى اتخاذ الناس صحف الحديث مصاحف يضاهون بها صحف القرآن العزيز، فيشتبه على بعضهم القرآن بالأحاديث وربما اشتغلوا به عن التلاوة (1) .

لكن وجد من الصحابة من كان يكتب ويكثر من الكتابة لنفسه كعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما فكانت عنده صحيفة يسميها الصادقة (2) .

وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكتابة لرجل من أهل اليمن عام الفتح سمع النبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال: اكتب لي يا رسول الله. فقال: اكتبوا لأبي فلان (3) .

وذكر أن عليا صلى الله عليه وسلم كان لديه كتاب فيه حكم النبي صلى الله عليه وسلم في الزكاة (4) .

وثبت أن لديه صحيفة فيها فكاك الأسير والدية ولا يقتل مسلم بكافر (5)

__________

(1) العسقلاني/هدي الساري مقدمة فتح الباري: ص6، السيوطي/تنوير الحوالك شرح على موطأ مالك: 1/5.

(2) يقول (:" هذه الصادقة فيها ما سمعت من رسول الله (ليس بيني وبينه أحد"انظر: طبقات ابن سعد: 4/262.

(3) الخطبة عن مكة وحرمتها هي مشهورة. انظر صحيح البخاري، كتاب العلم، باب كتابة العلم: (110) 1/119.

(4) ابن حزم/ الإحكام في أصول الأحكام: 2/262.

(5) أخرجه البخاري، انظر: صحيح البخاري، باب كتابة العلم، باب كتابة العلم: (109) 1/119.

(1/12)

الدور الثاني: القرن الثاني الهجري

بدأ تدوين السنة في هذا القرن بطريقة أوسع وبشكل أمر رسمي من ولي أمر المسلمين حيث كتب عمر بن عبد العزيز أمير المؤمنين الخليفة الراشد رحمه الله تعالى إلى الآفاق: (انظروا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجمعوه) (1) .

والأرجح أن أول من جمع الحديث من العلماء الإمام محمد بن شهاب الزهري. ومن وقته شاع جمع الحديث وتدوينه فكتب بعده: ابن إسحاق ومالك بالمدينة، وحماد بن سلمة بالبصرة، ومعمر باليمن.

ثم تلا هؤلاء: عبد الرزاق باليمن وأبو قرة موسى بن طارق، وتفرد بالكوفة أبو بكر بن أبي شيبة بتكثير الأبواب، وجودة الترتيب وحسن التأليف (2) .

الدور الثالث: القرن الثالث الهجري

في هذا الدور بلغ الحديث غايته ومنتهاه، فلم يزل يروى ويجمع ويدون ويسطر في الأجزاء، والكتب إلى زمن الإمامين البخاري ومسلم، ورزقهما الله حسن القبول شرقا وغربا، ثم ازداد الجمع والتدوين وظهر جهابذة المحدثين كالترمذي وأبي داود والنسائي وكان هذا العصر خلاصة العصور في تحصيل هذا العلم وإليه المنتهى (3) .

__________

(1) العسقلاني/ فتح الباري: 1/195، الكتاني/ الرسالة المستطرفة: ص: 4.

(2) انظر: الرامهرمزي/ المحدث الفاصل: 613-614.

(3) القنوجي/ الحطة في ذكر الصحاح الستة: ص 61.

(1/13)

الدور الرابع: القرن الرابع الهجري

طغى التدوين في هذا القرن على الرواية الشفهية عن الشيوخ كما كان الحال فيمن سبق من علماء الحديث (1) .

وكثرت المستخرجات (2) ، وظهرت كتب جمعت أدلة المذاهب الفقهية من الأحاديث (3) .

الدور الخامس: من القرن الخامس الهجري وحتى سقوط بغداد على أيدي التتار عام 656هجري

ما كاد القرن الرابع أن ينتهي، حتى أصبح عمل العلماء قاصرا على الجمع، والانتقاء، والترتيب، أو التهذيب لكتب السابقين (4) .

الدور السادس: بعد سقوط بغداد وحتى نهاية القرن العاشر

بعد سقوط بغداد تقاعست الهمم وفترت العزائم عن الرحلة إلى الأقطار، وخدمة الحديث فانقرضت الرواية الشفهية إلا في أفراد يجددون ما خلق ويحيون ما اندثر من وقت لآخر، (5) .ويشتكي الإمام الذهبي من قتلهم فيقول:"فأين علم الحديث وأين أهله؟ كدت لا أراهم إلا في كتاب أو تحت تراب" (6) .

__________

(1) محمد أبو زهو/ الحديث والمحدثون: ص 423.

(2) من المستخرجات المشهورة: مستخرج أبي عوانة على صحيح مسلم، ومستخرج ابن أبي دهل الهروي على صحيح البخاري.

(3) من ذلك كتاب معاني الآثار للطحاوي في المذهب الحنفي، والسنن الكبرى على المذهب الشافعي.

(4) انظر: محمد أبو زهو/ الحديث والمحدثون: ص 43.

(5) مثل الحافظ زين الدين العراقي وتلميذه الحافظ ابن حجر العسقلاني.

(6) تذكرة الحفاظ: 1/4.

(1/14)

وأصبح للسنة شأن في مصر على مدار ثلاثة قرون حيث اهتم المماليك بالعلوم وأنشأوا فيها مدارس الحديث، حبسوا الأموال على المؤسسات الدينية والعلمية واستمرت هذه النهضة بمصر إلى أوائل القرن العاشر ثم أخذ النشاط العلمي يتضاءل ويضمحل، وطفق يرحل شيئا فشيئا إلى الهند (1) .

الدور السابع: من بداية القرن الحادي عشر وحتى اليوم

سخر الله عز وجل بفضله ومنه في الهند من حمل لواء السنة يدعو إليها وينافح عنها. وكانت لهم آثار ملموسة وأحيا الله بهم الحديث والسنة (2) .

ومما هو جدير بالذكر الإشادة بالجهود الطيبة المباركة التي قام بها جلالة الملك الراحل (عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود) عليه رحمة الله وعدد من أبنائه وعدد من علماء الجزيرة الذين عنوا بكتب السنة والفقه وبذلوا الأموال في تحقيقها وطبعها ونشرها بين أيدي الناس دون مقابل (3) .

__________

(1) أبو زهو/ الحديث والمحدثون: ص 440، الكشميري/ فيض الباري: 1/15.

(2) انظر الزركلي/ الأعلام: 1/149.

(3) من الكتب التي حصلت عليها مجانا جامع الأصول في أحاديث الرسول لابن الأثير، والفتاوى لابن تيمية، المغني لابن قدامة.

(1/15)

المبحث الثالث: الأدلة على حجية السنة

أولا من القرآن:

- قوله جل شأنه: {من يطع الرسول فقد أطاع الله} [النساء:80] .

- قوله تعالى: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأوليالأمر منكم} [النساء:59] .

- قوله عز من قائل: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوافي أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما} [النساء:65] .

- قوله سبحانه: {وما آتاكم الرسول فخذوه ومانهاكم عنه فانتهوا} [الحشر:7] .

(1/16)

ثانيا: من السنة الشريفة:

حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من ترك سنته ففي الحديث الذي يرويه المقدام بن معد يكرب صلى الله عليه وسلم: (لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر مما أمرت به أو النهي مما نهيت عنه، فيقول: ما أدري؟ ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه) وفي لفظ (يوشك أحدكم أن يكذبني وهو متكئ على أريكته يحدث بحديثي، فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا وإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما حرم الله) (1) .والشاهد من الحديث (ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله) .

__________

(1) أخرجه أحمد والحاكم وقال: صحيح على شرطهما ووافقه الذهبي. انظر: المسند: 4/132. والمستدرك على الصحيحين: 1/108

(1/16)

ثالثا: الإجماع:

المتتبع لتصرفات الصحابة رضي الله عنهم في وقائع كثيرة لا تنحصر يجد أنهم حيث وجدوا السنة عملوا بها، وجعلوها حجة في الدين ولم يستجيزوا مخالفتها أو إغفالها أو طرحها، مما لا يدع مجالا للشك أنه كان مقرر لديهم أن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة على عباده، وأن العمل بها عمل بالدين، فانعقد على ذلك إجماعهم (1) .

__________

(1) انظر: ابن القيم/ أعلام الموقعين: 1/49، محمد الأشقر/ أفعال الرسول (ودلالتها على الأحكام الشرعية: ص 15.

(1/17)

رابعا: المعقول:

كيف لا تكون السنة حجة وهي التي جاءت ببيان كيفية العمل ففيها ذكر الأسباب والشروط والموانع واللواحق وما أشبه ذلك كبيانها مواقيت الصلوات والركوع والسجود، وبيانها للزكاة في مقاديرها وأوقاتها وتعيين ما يزكى، وبيان أحكام الصوم وما فيه مما لم يقع النص عليه في الكتاب، وكذلك الطهارة من الحدث والخبث، والحج، والذبائح والصيد وما يؤكل مما لا يؤكل والأنكحة وما يتعلق بها من الطلاق والرجعة والظهار واللعان، والبيوع وأحكامها، والجنايات من القصاص وغيره كل ذلك بيان لما وقع مجملا في القرآن (2) .

وكيف لا تكون حجة وقد استقلت بأحكام كثيرة في الحلال والحرام عمل بها سلف الأمة وخلفها؟

فمن قال: إن السنة ليست حجة في التشريع الإسلامي معطل بالعقل لأحكام الشرع حيث إن معظمها لا يعرف إلا عن طريق السنة (3) .

__________

(2) الشاطبي/ الموافقات: ص 505.

(3) الباحثة: مدخل لدراسة أحاديث الأحكام، مجلة جامعة أم القرى، عدد 18، 1419، ص: 145.

(1/17)

المبحث الرابع: عناية الفقهاء بالحديث وعناية المحدثين بأحكام الشريعة

لا يخفى على أحد اهتمام الفقهاء بالحديث وأنهم لا يستغنون عنه لاستنباط الحكم الشرعي، يقول الإمام النووي مبينا أهمية ذلك: " على السنن مدار أكثر الأحكام الفقهيات، فإن أكثر الآيات الفروعيات مجملات، وبيانها في السنن المحكمات، وقد اتفق العلماء على أن من شروط القاضي والمفتي أن يكون عالما بالأحاديث الحكميات" (1) .وكان تأثر الأئمة المحدثين أمثال البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي بمذاهب أئمة الفقه كبيرا.

والمتأمل في كتبهم يظهر له حرصهم على وزن المذاهب الفقهية ومقارنتها بما صح من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ومناقشتها أحيانا.

ولقد تفاوت حظ الفقهاء من الحديث كما تفاوت حظ المحدثين من الفقه. فالإمامان مالك وأحمد بن حنبل محدثان ولكن شهرتهما في الفقه غلبت شهرتهما في الحديث (2) .

واختلف تأثر المحدثين بالفقهاء، يقول في ذلك الإمام ابن تيمية:" أما البخاري وأبو داود فإمامان في الفقه والاجتهاد، وأما مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة ونحوهم فهم على مذهب أهل الحديث ليسوا مقلدين لواحد بعينه من العلماء، وهم إلى مذاهب أهل الحجاز كمالك وأمثاله أميل منهم إلى مذاهب أهل العراق كأبي حنيفة والثوري ووكيع. ويحي بن سعيد وابن المبارك يميلان إلى مذهب العراقيين

__________

(1) النووي/ شرح صحيح مسلم: 1/4.

(2) اشتهر كتاب الموطأ للإمام مالك، كما اشتهر مسند الإمام أحمد ولم يثبت للإمامين أبي حنيفة، والشافعي مثلهما.

(1/18)

كأبي حنيفة والثوري، والبيهقي على مذهب الإمام الشافعي، والدارقطني يميل إلى مذهب الشافعي ولكن اجتهاده أقوى من البيهقي وكان أعلم منه وأفقه" (1) .

فالسنن والأحكام الشرعية علمان يكمل أحدهما الآخر كعلم الصيدلة والطب لا يستغني أحدهما عن الآخر (2) .

وقد يكون الفقيه محدثا فقيها. مع التسليم جميعا من الجميع أن الحكم الشرعي ينبغي أن لا يخالف الحديث القطعي الدلالة والقطعي الثبوت بحال من الأحوال.

يقول الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى:" لم يزل الناس في صلاح ما دام فيهم من يطلب الحديث، فإن طلبوا العلم بلا حديث فسدوا" (3) .

يقول أبو يوسف رحمه الله:" لا يحل لأحد أن يقول قولنا حتى يعلم من أين قلناه" (4) .

وقول الإمام مالك بن أنس رحمه الله المشهور:" ما كان من كلامي موافقا للكتاب والسنة فخذوه وما لم يوافق فاتركوه" (5) .

وقول الإمام الشافعي رحمه الله:" الحديث مذهبي فما خالفه فاضربوا به الحائط" (6) .

__________

(1) الفتاوى: 20/39-42.

(2) يوسف القاسم/ مبادئ الفقه الإسلامي: ص 115، الحجوي/ الفكر السامي: 2/162.

(3) محمد عوامة/ أثر الحديث الشريف في اختلاف الأئمة ص 19.

(4) ابن القيم/ أعلام الموقعين: 2/182.

(5) الشاطبي/ الاعتصام بالكتاب والسنة: ص 505.

(6) الذهبي/ سير أعلام النبلاء: 10/78.

(1/19)

ويقول الإمام أحمد رحمه الله:" عليكم بأصحاب الآثار والسنن" (1) .

والمتأمل بعمق في كتابي الإمامين البخاري والترمذي يلحظ الترابط القوي بين الأحكام الشرعية التي ناقشها الأئمة الفقهاء وإثباتها بما صح من الأحاديث والآثار (2) .

وهذه الأقوال توضح أن مذهب أعلام وعلماء الأمة محدثين وفقهاء: اعتماد السنة مصدرا أساسيا للتشريع الإسلامي، فمن شذ عنهم بإنكار حجيتها، فقد جاء ببهتان وإثم عظيم، ومن شذ فقد شذ في النار.

__________

(1) المرجع السابق: 11/231.

(2) ظهرت دراسات في الحديث اهتمت بإظهار الجوانب الفقهية عند المحدثين، ومن أوائل من كتب في ذلك الأستاذ الدكتور عبد المجيد محمود في كتابه الاتجاهات الفقهية عند المحدثين في القرن الثالث الهجري، الباحثة/ مدخل لدراسة أحاديث الأحكام، مجلة جامعة أم القرى العدد،18، 1419?، ص 154.

(1/20)

المبحث الخامس: أقسام السنة من حيث ثبوتها ومن حيث دلالاتها

أولا: أقسام السنة من حيث ثبوتها

...

المبحث الخامس: أقسام السنة من حيث ثبوتها ومن حيث دلالاتها

ينبغي لطلبة العلم بعد معرفتهم أن جميع الأئمة المقبولين عند الأمة قبولا عاما لا يتعمدون مخالفة السنة في دقيق ولا جليل، وأنهم متفقون يقينا على وجوب إتباع الرسول صلى الله عليه وسلم: معرفة أن تلك السنن منها المعتبر في التشريع من حيث الثبوت والدلالة ومنها غير المعتبر. وفصل العلماء في ذلك حيث ذكروا أن بعض الأحاديث لا تصلح مصدرا للتشريع، وأن بعض أفعاله صلى الله عليه وسلم الخاصة به ليست حجة لعمل سائر الأمة ويوضح ذلك أكثر المبحث التالي:

أولا: أقسام السنة من حيث ثبوتها

تنقسم من حيث ثبوتها إلى قسمين: ثابتة وغير ثابتة. والثابتة إما قطعية الثبوت أو ظنية الثبوت.

والقطعية هي الأحاديث المتواترة التي تفيد العلم اليقيني: أي الضروري الذي يضطر الإنسان إليه فلا يستطيع دفعه، والفرق بينه وبين العلم النظري: أن العلم الضروري يفيد العلم بلا استدلال والنظري يفيد العلم لكن مع الاستدلال، والضروري يحصل لكل سامع، والنظري لا يحصل إلا لمن فيه أهلية النظر (1) .

أما الظنية الثبوت فهي الأحاديث المقبولة التي رواها آحاد يغلب على الظن فيها صدق الخبر لصدق ناقله. فيؤخذ بها، ويجب العمل بها عند الجمهور، وتفيد غلبة الظن ما لم تعارض بمثلها.

__________

(1) العسقلاني: نزهة النظر: ص 38.

(1/21)

ثم إذا اجتمعت لها قرائن مثل كون الحديث في الصحيحين، وله طرق متعددة، ورواه الأئمة فلا يبعد حينئذ القطع بصدقه (1) .

أما الأحاديث غير الثابتة، أو المردودة فهي التي يغلب على الظن فيها كذب الخبر، لثبوت كذب ناقليه، وهذه الأحاديث الضعيفة، والتي لها أنواع قد يعمل ببعضها في فضائل الأعمال والمواعظ وأشباهها (2) .

والخلاصة: أن المتواترة يجب العمل بها إجماعا وتفيد العلم اليقيني، والآحاد الصحيحة يجب العمل بها عند الجمهور وتفيد غلبة الظن، فإذا اجتمعت لها قرائن وجب العمل بها وأفادت العلم النظري، والمردودة الضعيفة لا تفيد علما ولا عملا.

__________

(1) المرجع السابق: ص 38.

(2) النووي/ شرح صحيح مسلم: 1/28-29، النووي/ ما تمس إليه حاجة القارئ إلى صحيح البخاري: ص 38.

(1/22)

ثانيا: أقسام السنة من حيث دلالتها (3)

تنقسم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من حيث دلا لتها إلى ثلاثة أقسام: أقوال، أفعال، تقريرات. ولكل قسم فرع ولكل فرع دلالة ذكرها العلماء.

القسم الأول:

أقواله صلى الله عليه وسلم وهي على خمسة أنواع: أوامر وهي تدل على الوجوب ما لم

__________

(3) الدلالات لغة: مفردها دلالة من دله على الشيء إذا أرشده إليه، والدليل المرشد. واصطلاحا: وضع الشيء بحيث يفهم منه شيء آخر وقسمها الجمهور إلى قسمين؛ منطوق: وهو ما يفهم من اللفظ في محل النطق، ومفهوم وهو ما يفهم من اللفظ لا في محل النطق. وقسم الأصوليون الألفاظ الواضحة الدلالة إلى قسمين نص وظاهر، فالنص بهذا المفهوم هو ما كانت دلالته قطعية وهو المقصود من القاعدة " لا اجتهاد مع نص". والظاهر ما كانت دلالته راجحة فقط، الأحكام الشرعية تارة تؤخذ من نص الكتاب والسنة وتارة تؤخذ من ظاهرهما. انظر: ابن بيه/ أمالي الدلالات: ص 58، سعد العثماني: الفقه الدعوي مساهمة في التأصيل: ص 17، السعدي/ رسالة مختصرة في أصول الفقه: 123.

(1/22)

يقم دليل على خروج الوجوب إلى الندب وغيره (1) . وللوجوب صور وأمثلة. (2) .

ونواه، والنهي عند الجمهور يفيد التحريم ما لم تأت قرينة أو دليل يصرفه عن التحريم إلى الكراهة (3) .وللتحريم صور وأمثلة (4)

وإذا مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرا، أو أثنى عليه دون أن يأمر به فإنه يدل على استحباب ذلك الأمر (5) . وله صور وأمثلة (6) .

وإذا ذم الرسول صلى الله عليه وسلم أمرا ولم ينه عنه أو يتوعد عليه بعقوبة فإنه يدل على الكراهة (7) . وله صور وأمثلة (8)

__________

(1) أصول السرخسي: 1/15، الأصفهاني/ مختصر ابن الحاجب: 2/19، الخبازي/ المغني في أصول الفقه: ص 30، ابن دقيق العيد/ إحكام الأحكام: 1/19.

(2) صيغة الوجوب لها صور، فعل الأمر مثل قوله (: ((تنزهوا من البول)) ، أو فعل مضارع مسبوق بلام الأمر مثل قوله (: ((فليستطب بثلاثة أحجار)) أو بذكر صريح الوجوب مثل قوله (: ((إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل)) أو بقرن الفعل بعقوبة على تركه مثل قوله (:

((رضا الله في رضا الوالد وسخط الله في سخط الوالد)) الباحثة/ مدخل لدراسة أحاديث الأحكام، مجلة أم القرى، العدد 18.

(3) أصول السرخسي: 1/79، الخبازي/ المغني في أصول الفقه: ص 67، الأصفهاني/ بيان المختصر: 2/87.

(4) صيغة التحريم لها صور، لفظ النهي مثل حديث ((نهى رسول الله (عن كل ذي ناب ... )) لا الناهية مثل حديث: ((لا يخلون رجل بامرأة..)) أو بذكر التحريم مثل حديث ((كل ذي ناب من السباع فأكله حرام)) ، أو بذكر الفعل مقرونا بالعقوبة مثل حديث ((لعن الله الواصلة ... )) الباحثة/ المدخل لدراسة أحاديث الأحكام.

(5) ابن حزم/ الإحكام في أصول الأحكام: 3/305.

(6) انظر الباحثة/ المدخل لدراسة أحاديث الأحكام.

(7) ابن حزم / الإحكام في أصول الأحكام: 1/241.

(8) حديث جابر بن عبد الله صلى الله عليه وسلم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فرأى زحاما ورجلا قد ضلل عليه فقال: ما هذا؟ قالوا: صائم قال: ((ليس من البر الصيام في السفر)) أخذ العلماء منه كراهة الصوم في السفر لمن يجهده ويشق عليه. انظر ابن دقيق العيد/ إحكام الأحكام: 2/25.

(1/23)

أما إذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم عن شيء: ((شأنكم به)) فمعناه أمره إليكم فمن شاء فعله، ومن شاء تركه، فيدل هذا القول على الإباحة (1) ففي الحديث عن عائشة رضي الله عنها: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع أصواتا، فقال: ما هذا الصوت؟ قالوا: النخل يؤبرونها (2) . فقال: لو لم يفعلوا لصلح. فلم يؤبروها عامئذ، فصار شيصا (3) ، فذكروا للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن كان شيئا من أمور دنياكم فشأنكم به، وإن كان من أمور دينكم فإلي)) (4) .

وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم عن شيء هذا حلال فإنه يدل على الإباحة. كقوله صلى الله عليه وسلم عن البحر: ((هو الطهور ماؤه الحل ميتته)) (5) .

أما القسم الثاني فدلالات أفعاله صلى الله عليه وسلم، ولها ثلاثة فروع:

1- أفعال تدل على الإباحة، ولا قدوة فيها للأمة. ولها ثلاث صور:

الفعل الجبلي الطبيعي المركوز في أصل الخلقة (6) :

والمقصود به المحبة والكراهة الطبيعيتان، كحبه صلى الله عليه وسلم الحلواء والعسل والدباء والثريد من الخبز واللحم ومن الشراب الحلو البارد، وكراهته لرائحة الحناء (7) .

__________

(1) ابن حزم/ الإحكام في أصول الأحكام: 3/305.

(2) يؤبرونها: يلقحونها والمأبورة الملقحة. انظر: ابن الأثير/ النهاية باب الهمز مع الباء، 1/13.

(3) شيصا: الشيص التمر الذي لا يشتد نواه ويقوى، وقد لا يكون له نوى. انظر المرجع السابق باب الشين مع الباء، 2/ 518.

(4) أخرجه أحمد، وابن ماجه وصححه الشيخ الألباني، انظر المسند: 6/123، سنن ابن ماجه كتاب الرهون، باب تلقيح النخل: 2/825، صحيح ابن ماجه (2471) 2/64.

(5) أخرجه أبو داود (83) وصححه الشيخ الألباني، انظر: صحيح سنن أبي داود: كتاب الطهارة، باب الوضوء بماء البحر، (76) 1/19.

(6) قلعة جي/ معجم لغة الفقهاء: ص 160.

(7) ابن القيم/ زاد المعاد: 3/156، 179.

(1/24)

o الفعل العادي: ويقصد بالأمور العادية ما سوى الأمور العبادية أي ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم على عادة قومه ومألوفهم مما لم يدل دليل على ارتباطه بالشرع، مثال ذلك: لبسه صلى الله عليه وسلم الثوب المخطط، وإطالة شعره، وأنواع الطيب والعطور.

o الفعل الدنيوي: كالوسائل التي استخدمها الرسول صلى الله عليه وسلم في الطب والزراعة والتجارة والتدابير من اتخاذ الولاة والحراس والسفراء (1)

2- أفعال خاصة به صلى الله عليه وسلم:

إذا ثبتت الخصوصية في فعل من أفعال النبي صلى الله عليه وسلم فإنها تقتضي أن حكم غيره ليس كحكمه، وذلك إجماع (2) ، كاختصاصه صلى الله عليه وسلم بوجوب الوتر والتهجد بالليل.

وقد تكون واجبة عليه محرمة على أمته، كاختصاصه بإباحة الوصال في الصوم فلا يفطر بين اليومين أو الأيام (3) .

3- أفعال تدل على الوجوب أو الندب في حقه صلى الله عليه وسلم وحق أمته:

كالأفعال التي تصدر عنه صلى الله عليه وسلم بيانا لآية دالة على الوجوب في حقه وحقنا كبيانه صلاة الظهر وأنها أربع ركعات، والجمعة وأنها ركعتان، وبيانه صلى الله عليه وسلم لكيفية الصلاة، ففي الحديث: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم ثم يكبر حين يركع ثم يقول سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركعة ثم يقول: وهو قائم: ربنا ولك الحمد ثم يكبر حين يهوي، ثم يكبر

__________

(1) الأشقر/ أفعال الرسول (: 1/216.

(2) الآمدي/ الإحكام في أصول الأحكام: 1/247.

(3) معجم لغة الفقهاء: ص 503.

(1/25)

حين يرفع رأسه، ثم يكبر حين يسجد، ثم يكبر حين يرفع رأسه ثم يفعل ذلك في الصلاة كلها حين يقضيها، ويكبر حين يقوم من الثنتين بعد الجلوس)) (1) .

أما الأفعال التي يفعلها صلى الله عليه وسلم من ذات نفسه مطابقا لما فرضه الله تعالى له من إنشاء بعض الأحكام فإن دل الدليل على أنه صلى الله عليه وسلم فعله واجبا دل على وجوبه، وإن دل الدليل على أنه فعله ندبا كان مندوبا في حقه وحق أمته (2) . مثال ذلك ما ورد في الحديث ((كان صلى الله عليه وسلم يعجبه التيامن في تنعله وترجله وفي شأنه كله)) (3) ." يعجبه" دليل أن هذا الفعل للاستحباب.

أما القسم الثالث: تقريراته صلى الله عليه وسلم:

إذا رأى الرسول صلى الله عليه وسلم شيئا، أو علمه، فسكت عنه ولم ينكره، فهذا يدل على إباحته لذلك الشيء فقط غير موجب له، ولا ندب إليه (4) .

عن عمرو بن خارجة صلى الله عليه وسلم قال: ((خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى وهو على راحلته ولعابها يسيل على كتفي)) (5) .دل الحديث على أن لعاب ما يؤكل لحمه طاهر، وهو مبني على أنه صلى الله عليه وسلم علم سيلان لعاب الناقة على الصحابي راوي الحديث ولم يأمره بغسله، ولا إزالته. وأخذ العلماء بذلك فلم ينقل عن أحد من الأئمة القول بوجوب غسل لعاب ما يؤكل لحمه لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز بالاتفاق (6) .

__________

(1) متفق عليه، واللفظ للبخاري، انظر: صحيح البخاري، كتاب الأذان، باب إتمام التكبير إذا قام من السجود: (746) 1/746.

(2) أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم: 1/325-372.

(3) متفق عليه، واللفظ للبخاري، كتاب الوضوء، باب التيمن في الوضوء والغسل: 1/143 (164) .

(4) ابن حزم/ الإحكام في أصول الأحكام: 1/149.

(5) أخرجه أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه، انظر: المسند: 4/186، سنن ابن ماجه، أبواب الوصايا، باب لا وصية لوارث: 2/117، سنن الترمذي، أبواب الوصايا، باب لا وصية لوارث: 3/294.

(6) الصنعاني، سبل السلام: 1/36

(1/26)

المبحث السادس: أنواع القرائن الصارفة عن العمل بظاهر السن

...

المبحث السادس: أنواع القرائن الصارفة عن العمل بظواهر السنن

ورد في تعريف القرينة عدة مصطلحات منها:

القرينة: الأمر الذي يصرف الذهن عن المعنى الوضعي إلى المعنى المجازي، وقيل هي: ما يدل على المراد من غير أن يكون صريحا فيه. وقيل: أمر يشير إلى المطلوب (1) .

والمتتبع لمسائل الأمر عند جمهور الأصوليين يجد أنهم متفقون على أن القرينة بجميع أنواعها تعتبر صارفة الأمر عن حقيقته فإنه متى وجدت ترك تحديد المراد من الأمر حينئذ إليها (2) .

فالسنة النبوية المصدر الثاني للتشريع الإسلامي والجميع متفقون على مكانتها المهمة من حيث الاحتجاج والعمل لكن ينبغي عدم إغفال ما تقدم من ثبوت السنة، ووضوح دلالتها، ومعرفة القرائن التي لها أثر في صرف السنة عن ظاهرها. ويوضح ذلك الأمثلة التالية:

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه طلق امرأته وهي حائض فذكر ذلك عمر رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتغيظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال له: ((مره فليراجعها)) (3) . فدل ظاهر الحديث على وجوب الرجعة، ولكن ذهب

__________

(1) انظر: معجم لغة الفقهاء، ص 362، الحيفان/ القرائن الصارفة للأمر عن حقيقته: ص 118.

(2) المرجع السابق: ص 116-134.

(3) أخرجه مسلم، انظر: صحيح مسلم بشرح النووي، كتاب الطلاق، باب تحريم طلاق الحائض بغير رضاها: 10/61.

(1/27)

1- الجمهور إلى أنها مستحبة فقط (1) ،حيث ظهرت لهم قرينة صرفت الأمر من الوجوب إلى الاستحباب، وتلك القرينة هي: أن ابتداء النكاح لا يجب فاستدامته كذلك لا تجب، فقاس العلماء ابتداء النكاح في عدم وجوبه على استمرار وجوبه بالرجعة، فقالوا: هي أيضا ليست بواجبة. فكان القياس قرينة على أن الأمر للندب (2) .

2- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده" (3) . ظاهر الحديث يدل على وجوب غسل اليدين ثلاثا بعد الاستيقاظ، ولكن ذهب الجمهور إلى أن الأمر للندب (4) .

لا يدخله احتمال. فكان قرينة لصرف الأمر عن ظاهره (5) .

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل" (6) . دل الحديث على وجوب الغسل يوم الجمعة. وذكر الإمام الشوكاني أن جمهور العلماء من السلف والخلف وفقهاء

__________

(1) سبل السلام: 3/113.

(2) المرجع السابق: 3/169.

(3) رواه الجماعة إلا البخاري، انظر: صحيح مسلم، كتاب الطهارة، باب كراهة غمس المتوضئ يده المشكوك في نجاستها في الإناء قبل غسلها ثلاثا. 1/233.

(4) الشوكاني/ نيل الأوطار: 1/290-291.

(5) ابن دقيق العيد/ إحكام الأحكام: 1/19، سبل السلام: 1/47.

(6) أخرجه الجماعة واللفظ للبخاري، انظر صحيح البخاري، كتاب الجمعة، باب فضل الغسل يوم الحمعة: (826) 2/409.

(1/28)

الأمصار ذهبوا إلى أنه مستحب (1) . والقرينة الصارفة عن الوجوب أحاديث صحيحة دلت على الاستحباب، كقوله صلى الله عليه وسلم: "من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام" (2) .

وهناك أمثلة عديدة خالف فيها الجمهور ظاهر السنة لقرينة قوية ظهرت لهم. وهم في هذا الأمر مخالفون لبعض الظاهرية الذين لا يبالون بأي قرينة إذا خالفت ظاهر السنة (3) .

__________

(1) نيل الأوطار: 1/290-291.

(2) أخرجه مسلم، انظر صحيح مسلم، كتاب الجمعة، باب فضل من استمع وأنصت في الخطبة: 2/588 (857) .

(3) من أعجب أقوال الظاهرية: أن الرجل إذا بال في قارورة أو في إناء ثم صبه في الماء الدائم فإنه لا ينجس ولا يكون منهيا عنه....‘ وما ذلك إلا لمنعهم النظر في الحديث ومنعهم القول بالقرائن، ومن أمثلة النظر في القرائن التي يذهب إليها جمهور الفقهاء موقفهم من عدم وجوب الاضطجاع بعد ركعتي سنة الفجر ... انظر: الشوكاني/ نيل الأوطار: 1/239-241، سبل السلام: 1/21، 2/6.

(1/29)

المبحث السابع: أسباب عدم الاحتجاج ببعض السنن

أستهل هذا المبحث بقول للإمام ابن تيمية: " ليس أحد من الأئمة المقبولين عند الأمة قبولا عاما يتعمد مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء من سننه دقيق ولا جليل، فإنهم متفقون على وجوب إتباع الرسول صلى الله عليه وسلم وعلم أن كل واحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم " (1) .

فلو وجد لأحدهم قول مخالف لسنة صحيحة فلا بد له من سبب قوي كضعف في رجال السند، أو اختلاف في عدالة الرواة، أو غير ذلك مما يسوغ عد الأخذ بالحديث والعدول عنه إلى غيره (2) .

وينبغي لطالب العلم أن يرفع الملام عن الأئمة الأعلام إن وجد لأحدهم فتوى تخالف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد ذكر العلماء أسبابا عديدة تجعل الأئمة معذورين مأجورين، وملخصها هذان السببان:

الأول: زيادة بعضهم على بعض في كثرة العلم:

فالخلفاء الراشدون والصحابة رضي الله عنهم كانوا أعلم الأمة وأفقهها، وأتقاها وأفضلها، ومع ذلك لم يحيطوا بجميع أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (3) ، فمن بعدهم أنقص (4) .

وقد ينظر العالم في الحديث فيراه ضعيفا لرجل متهم في إسناده ويخفى عليه طريق أخرى للحديث صحيحة يعلمها إمام غيره.

__________

(1) رفع الملام عن الأئمة الأعلام: ص 3.

(2) المنبجي/ اللباب في الجمع بين السنة والكتاب: 1/55.

(3) وقعت قصص ثابتة معروفة مثل قصة استئذان أبي موسى الأشعري على عمر رضي الله عنه ثلاثا ثم رجوعه، وقصة التيمم لعمار بن ياسر رضي الله عنهما. انظر: رفعت فوزي/ توثيق السنة في القرن الثاني: ص 114.

(4) ابن تيمية/ رفع الملام عن الأئمة الأعلام: ص 114.

(1/30)

الثاني: زيادة بعضهم على بعض في قوة الفهم:

فقد تخفى دلالة الحديث على إمام وتظهر لغيره، أو يعتقد الإمام أن تلك الدلالة قد عارضها ما دل على أنها ليست مرادة (1) وقد يفتح الحق سبحانه بدقائق الفهم لإمام لا تفتح لغيره (2) . وذكر سبحانه قصة داود وسليمان عليهما السلام دليلا على ذلك: {وداوود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذنفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين، ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما} [الأنبياء:78-79] . فاختص سبحانه سليمان عليه السلام بالفهم، وأثنى عليهما بالحكم والعلم، وتدل الآية كذلك على أن خطأ المجتهد لا يقدح فيه بل يبقى المجتهد موضع الثناء والتقدير لعلمه الذي يحمله (3) . ولقد بين العلماء أن دلالات أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من حيث وضوحها وخفاؤها تنقسم إلى قسمين:

1- دلالة قطعية واضحة، لا يسع أحدا – غير مغلوب على عقله- جهلها كالأمر بالصلاة، والصيام، والزكاة، والحج، فالقطع بوجوبها لا خلاف فيه. وكالنهي عن الربا، والزنى، وقول الزور، والسرقة، فالقطع بتحريمها لا خلاف فيه (4) .

__________

(1) ابن تيمية/ الفتاوى: 20/231.

(2) ذكر الرامهرمزي قصة لامرأة تغسل الموتى فسألت الفقيه أبا ثور فأجاب: إذا فرقت رأس الحي بالماء فالميت من باب أولى، استنباطا من حديث عائشة رضي الله عنها كنت أفرق رأس رسول الله وأنا حائض. المحدث الفاصل بين الراوي والسامع: ص 249.

(3) البيضاوي/ أنوار التنزيل: ص 434.

(4) أبو زهرة/ أصول الفقه: ص 347.

(1/31)

1- دلالة ظنية خفية يعلمها الخاصة دون العامة كفروع الفرائض والمسائل المختلف فيها بين الصحابة رضوان الله عليهم، وقد يكون خفاؤها في الحديث، إما للفظ غريب غير مشتهر، وإما لكون اللفظ مشتركا وفيه أكثر من معنى (1) ، أو لكون المعنى يختلف بين عرف وعرف، وبلد وبلد. وإما لكون الحديثين ظاهرهما التعارض. وهذه الدلالة يتفاوت العلماء في إدراكها وفهم وجوه الكلام فيها بحسب ما يفتح الحق سبحانه. وهي أحد أسباب اختلاف الأئمة رحمهم الله تعالى (2) .

__________

(1) الألفاظ المشتركة: ما اتحد لفظه وتعدد معناه: كالقرء. والمترادفة: كالفقير والمسكين. والمترددة بين الحقيقة والمجاز كالقمر. انظر: ولد بيه: أمالي الدلالات ومجالي الاختلافات: ص 75.

(2) رفع الملام: ص 21.

(1/32)

المبحث الثامن: موقف العلماء من السنن التي ظاهرها التعارض

الباحث في موضوع الاحتجاج بالسنة النبوية وكونها المصدر الثاني للتشريع الإسلامي لا يمكنه بحال إغفال النظر في موضوع الأحاديث التي ظاهرها التعارض حيث ذهب جمهور العلماء إلى ما يلي:

1- ينظر في الحديث المعارض، فإن كان ضعيفا فلا أثر له في المعارضة، لأن القوي لا تؤثر فيه مخالفة الضعيف.

2- إذا كان الحديث المعارض صحيحا مقبولا مثل الأول، فينظر هل يمكن أن يجمع بينهما؟ فإن أمكن: جمع بينهما وعمل بهما معا، فإعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما.

والخلاف الظاهر بين العلماء هنا أن منهم من يقدم الجمع على الترجيح، ومنهم من يقدم الترجيح على الجمع. ويعتبر هذا الأمر من أهم أسباب اختلافهم رحمهم الله تعالى. ويوضح ذلك المثال التالي:

- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها، ولكن شرقوا أو غربوا ... " (1) .

- وحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: ((لقد ارتقيت يوما على ظهر بيت لنا فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على لبنتين مستقبلا بيت المقدس لحاجته ... )) (2) .

__________

(1) متفق عليه، انظر: صحيح البخاري، كتاب الوضوء، باب قبلة أهل المدينة وأهل الشام والمشرق: (380) 1/135.

(2) رواه الجماعة، انظر: صحيح البخاري، كتاب الوضوء، باب من تبرز على لبنتين. (142) 1/135.

(1/33)

- فمن العلماء من رجح الحديث الأول فقال: لا يجوز استقبال واستدبار القبلة بالبول والغائط لا في الصحاري ولا في البنيان.

- ومنهم من رجح الحديث الثاني فقال: بمطلق الإباحة وأنه يجوز استقبال القبلة واستدبارها بالبول والغائط في الصحاري والبنيان.

- ومنهم من جمع بين الحديثين فقال: لا يجوز في الصحاري، ويجوز في البنيان (1)

1- إن لم يمكن الجمع بينهما فلا يخلو أن يعرف التأريخ أولا؟ فإن عرف وثبت المتأخر فهو الناسخ والآخر منسوخ. مثال ذلك حديث "نهيتكم عن زيارة القبور فزروها" (2) . بين الحديث أن الأمر بزيارة القبور نسخ النهي عن زيارتها.

2- إن لم يعرف التأريخ للمتأخر فلا يخلو إما أن يمكن ترجيح أحدهما على الآخر بوجه من وجوه الترجيح المتعلقة بالمتن أو السند، أو لا يمكن ذلك بحسب ما يفتح به الله من كثرة العلم أو عمق الفهم (3)

فإن لم يمكن الجمع بينهما، ولا معرفة الناسخ والمنسوخ، ولا الترجيح لأحدهما على الآخر فيكون التوقف عن العمل بالحديثين (4) . يقول الإمام ابن حجر:" التعبير بالتوقف أولى من التعبير بالتساقط، لأن خفاء ترجيح أحدهما على الآخر إنما هو بالنسبة للمعتبر في الحالة الراهنة مع احتمال أن يظهر لغيره ما خفي عليه والله أعلم" (5) .

__________

(1) الشوكاني/ نيل الأوطار: 1/98.

(2) أخرجه مسلم، انظر صحيح مسلم، كتاب الجنائز، باب استئذان النبي ربه عز وجل في زيارة قبر أمه: 2/977.

(3) الشافعي/ الرسالة: ص 282.

(4) محمد عوامة/ أثر الحديث الشريف قي اختلاف الفقهاء: ص 101.

(5) نزهة النظر: ص 83.

(1/34)

الفصل الثاني: تبيين السنة لأحكام القرآن الكريم

مدخل

...

الفصل الثاني: تبيين السنة لأحكام القرآن الكريم

وفيه ثلاثة مباحث:

المبحث الأول: تفصيل السنة لأحكام مجملة في القرآن الكريم.

المبحث الثاني: تخصيص السنة لأحكام عامة في القرآن الكريم.

المبحث الثالث: تقييد السنة لأحكام مطلقة في القرآن الكريم.

(1/35)

لم يقع الخلاف بين الصحابة رضي الله عنهم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين في أن السنة مبينة لأحكام القرآن الكريم: فعن عبد الرحمن بن يزيد رأى محرما عليه ثيابه فنهى المحرم فقال: ائتني بآية من كتاب الله تنزع ثيابي؟ فقرأ عليه {وما آتاكم الرسول فخذوه ومانهاكم عنه فانتهو} [الحشر:36] (1) .

عن هشام بن حجير قال: كان طاووس يصلي ركعتين بعد العصر. فقال ابن عباس رضي الله عنهما: اتركهما. فقال: إنما نهي عنهما أن تتخذ سنة، فقال ابن عباس رضي الله عنهما: قد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة بعد العصر، فلا أدري أتعذب أم تؤجر؟ لأن الله تعالى قال: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله مرا أن يكونلهم الخيرة من أمرهم} [الأحزاب:36] (2) .

__________

(1) القرطبي/ الجامع لأحكام القرآن: 1/38.

(2) المرجع السابق: 1/37.

(1/36)

المبحث الأول: تفصيل السنة لأحكام مجملة في آيات القرآن الكريم

جاءت السنة مفصلة ومفسرة للأحكام المجملة في آيات عديدة من القرآن الكريم؛ إما بحسب كيفيات العمل أو أسبابه أو شروطه أو موانعه أو لواحقه، وما أشبه ذلك؛ كبيانها للصلوات على اختلافها في أنواع مواقيتها، وركوعها وسجودها وسائر أحكامها، وبيانها للزكاة في مقاديرها ونصب الأموال وتعيين ما يزكى مما لا يزكى.

وبيان أحكام الصوم وما فيه مما لم يقع النص عليه في الكتاب.

وكذلك الطهارة الحدثية والخبثية، والحج، والذبائح، والصيد، وما يؤكل مما لا يؤكل، والأنكحة وما يتعلق بها من الطلاق والرجعة والظهار واللعان، والبيوع وأحكامها، والجنايات من القصاص وغيره، كل ذلك بيان لما وقع مجملا في القرآن الكريم، وهو الذي يظهر دخوله تحت قوله تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم} [النحل:44] ، (1)

يوضح ذلك قوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم} [المائدة:38] .

ظاهر الآية يقتضي قطع سارق القليل والكثير، والعقل لا يهتدي إلى الفصل فيه بحد تقف المعرفة عنده، فجاءت السنة بتحديده بربع دينار؛ فعن

__________

(1) انظر الشاطبي/ الموافقات: 4/343.

(1/37)

عائشة رضي الله عنها قالت: ((ما طال علي ولا نسيت: القطع في ربع دينار فصاعدا)) (1) (2) .

وظاهر الآية يقتضي القطع في كل مال لا يسرع إليه الفساد أو يسرع كالخضار والفاكهة فجاءت السنة مفصلة أن من سرق ثمرا ونحوه لا تقطع يده؛ فعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا قطع في ثمر ولا كثر (3) " (4) (5) .

ولم تبين الآية اشتراط الحرز وجاءت السنة به، ففي الحديث ".. ومن سرق شيئا منه بعد أن يؤويه الجرين (6) ، فبلغ ثمن المجن فعليه القطع.." (7) .

واشترطه الفقهاء للقطع في السرقة، ورد في زاد المستقنع:" فإن سرقه من غير حرز فلا قطع، وحرز المال ما العادة حفظه فيه، ويختلف باختلاف الأموال والبلدان.." (8) .

وجاءت السنة لتبين أن حد السرقة وغيره من الحدود لا يقام في المساجد لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تقام الحدود في المساجد ولا يستقاد فيها" (9) .

__________

(1) متفق عليه، انظر صحيح البخاري، كتاب الحدود، باب قول الله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعواأيديهما} ، وفي كم القطع. (1638) 8/574.

(2) ابن العربي/ أحكام القرآن: 2/78.

(3) الكثر: بفتحتين، جمار النخل، وهو شحمه الذي وسط النخلة، انظر: ابن الأثير/ النهاية: باب الكاف مع الثاء، 4/152.

(4) أخرجه أبو داود (4388) , وابن ماجه (2593) ، وصححه الشيخ الألباني. انظر: صحيح سنن أبي داود: كتاب الحدود، باب ما لا قطع فيه (3688) 3/829.

(5) النجدي/ هداية الراغب: ص 534.

(6) الجرين: موضع تجفيف التمر، يجمع على جرون بضمتين، انظر: ابن الأثير/ النهاية: باب الجيم مع الراء، 1/263.

(7) أخرجه النسائي، وأبو داود، وحسنه الألباني. انظر: صحيح سنن النسائي (4593) 3/1020.

(8) 2/350.

(9) أخرجه أحمد 3/434، والدارقطني 324-325، قال الشيخ الألباني: اختلف فيه قول الحافظ فقال في بلوغ المرام: سنده ضعيف، وقال في التلخيص: لا بأس بإسناده ... ثم قال: وعندي أن الحديث حسن بالنظر.. انظر الألباني/ الثمر المستطاب في فقه السنة والكتاب: 2/695.

(1/38)

وفصلت السنة أنه لا يقام الحد مع وجود شبهة لقوله صلى الله عليه وسلم: "ادرؤوا الحدود بالشبهات ما استطعتم" (1) . ومثل الفقهاء للشبهة: أنه لا يقطع السارق بالسرقة من مال أبيه وإن علا ولا بسرقة مال ولده وإن سفل لأن نفقة كل منهما تجب في مال الآخر (2) .

فهذه التفصيلات وغيرها وردت في السنة، فلولا السنة لما عرف كيفية قطع يد الساق، ولا متى تقطع. وعلى ذلك أكثر الآيات. يقول الإمام النووي رحمه الله: "على السنن مدار أكثر الأحكام الفقهيات، فإن أكثر الآيات الفروعيات مجملات، وبيانها في السنن المحكمات وقد اتفق العلماء أن على القاضي والمفتي أن يكون عالما بالأحاديث الحكميات" (3) .

__________

(1) أخرجه الترمذي (1424) في الحدود، باب ما جاء في درء الحدود، قال الشيخ عبد القادر الأرناؤوط: وفي سنده يزيد بن زياد الدمشقي وهو متروك كمال قال الحافظ في التقريب، وقد روي مرفوعا وموقوفا، والموقوف أصح كما قال الترمذي. انظر: ابن الأثير/ جامع الأصول في أحاديث الرسول: (1933) 3/603.

(2) انظر البهوتي/ الروض المربع: 2/351.

(3) النووي/ شرح صحيح مسلم: 1/4.

(1/39)

المبحث الثاني: تخصيص السنة لأحكام عامة في القرآن الكريم

العام اللفظ المستغرق لما يصلح له (1) .

أي يستغرق جميع الأفراد التي يصدق عليها معناه من غير حصر كمي ولا عددي (2) .

وصيغة الألفاظ العربية تفيد الشمول والاستغراق وهي على النحو التالي:

- لفظ كل، جميع، كافة

- المعرف ب "أل" التي ليست للعهد.

- النكرة في سياق النفي، أو النهي.

- الذي، والتي وفروعهما.

- أسماء الشروط.

- المضاف إلى جمع.

- المفرد المضاف.

ولا خلاف بين العلماء أن السنة إذا كانت متواترة يجوز تخصيص القرآن بها.

أما إذا كانت السنة من أخبار الآحاد فمذهب الأئمة الأربعة جوازه، وهو المختار عند العلماء (3) .

__________

(1) الأصفهاني/ بيان المختصر لابن الحاجب: 2/104.

(2) صبحي الصالح/ مباحث في علوم القرآن: ص 304.

(3) الآمدي/ الإحكام في أصول الأحكام: 2/472.

(1/40)

والأدلة المنقولة عن الصحابة رضي الله عنهم كثيرة منها الآيات التالية التي خصصت بالسنة التي رويت بأخبار الآحاد:

- بعد ذكر الحق سبحانه وتعالى للمحرمات من النسب والرضاع والمصاهرة قال سبحانه: {وأحل لكم ما وراء ذلكم} [النساء:24] ، وخصص هذا الحل بما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تنكح المرأة على عمتها ولا خالتها" (1) .

وخصص قوله تعالى: {يوصيكم الله في أولادكم} [النساء: 11] بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يرث القاتل" (2) وبقوله: "لا يرث الكافر المسلم ولا المسلم من الكافر" (3) .

- وخصص قوله تعالى: {فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك} النساء:11] بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أنه جعل للجدة السدس" (4) .

- وخصص قوله تعالى: {وأحل الله البيع وحرم الربا} [البقرة:275] بما روي عنه صلى الله عليه وسلم: "أنه نهى عن بيع الدرهم بالدرهمين" (5) .

__________

(1) متفق عليه انظر: صحيح البخاري، كتاب النكاح، باب لا تنكح المرأة مع عمتها (45) 7/22.

(2) أخرجه الترمذي، ثم قال: والعمل على هذا عند أهل العلم أن القاتل لا يرث، وصححه الألباني. انظر سنن الترمذي، أبواب الفرائض، باب ما جاء في إبطال ميراث القاتل: 3/288، صحيح سنن الترمذي: (1713) 2/215.

(3) أخرجه البخاري ومسلم والترمذي، أبو داود، انظر: جامع الأصول في أحاديث الرسول (7371) 9/599.

(4) أخرجه الموطأ، الترمذي، أبو داود، انظر: جامع الأصول في أحاديث الرسول (7371) 9/609.

(5) أخرجه مسلم والموطأ، انظر: جامع الأصول: (382) 1/558.

(1/41)

- وخصص قوله تعالى: {فاقتلوا المشركين} [التوبة:5] . بإخراج المجوس وهم عبدة النار بما روي: "سنوا بهم سنة أهل الكتاب" (1) .

والصحابة أجمعوا على تخصيص العمومات بأخبار الآحاد، حيث إنهم أضافوا التخصيص إليها من غير نكير، فكان إجماعا (2) .

__________

(1) أخرجه الموطأ، قال عبد القادر الأرناؤوط ورجاله ثقات، لكنه منقطع، فإن محمد بن علي لم يلق عمر، وله شاهد من حديث مسلم بن العلاء الحضرمي انظر: جامع الأصول: (1151) 2/660.

(2) الآمدي/ الإحكام في أصول الأحكام: 3/3.

(1/42)

المبحث الثالث: تقييد السنة لأحكام مطلقة في القرآن الكريم

المطلق: ما دل على شائع في جنسه.

أي هو اللفظ الدال على معنى غير متعين، له أفراد مماثلة له (1) .

كقولك رقبة، رجل، صبي.

والمقيد: بخلاف المطلق. فهو لفظ دال على معنى غير شائع في جنسه.

فهو يتناول ما دل على معين، ومادل على شائع لكن لا في جنسه.

فيكون العام مقيدا بهذا التعريف (2) .

كقولك عن الرقبة: مؤمنة. وعن الرجل: صالح. وعن الصبي: ذكي. إذا ورد مطلق ومقيد، فلا يخلو، إما أن يختلف حكمهما، أو لا يختلف (3) .

ومثال اختلاف حكمهما: إن ظاهرت فأعتق رقبة، مع: لا تملك رقبة كافرة (4) .

ولا خلاف في امتناع حمل أحدهما على الآخر (5) .

وإن لم يختلف حكمهما أي حكم المطلق والمقيد، واتحد سببهما، وكان اللفظ دالا على إثباتهما أو نفيهما، كما لو قال في الظهار: أعتقوا رقبة، ثم

__________

(1) الأصفهاني/ بيان المختصر: 2/475.

(2) المرجع السابق: 2/350.

(3) الآمدي/ الإحكام في أصول الأحكام: 3/4.

(4) بيان المختصر: 2/351.

(5) الآمدي/ الإحكام في أصول الأحكام: 3/3.

(1/43)

قال: أعتقوا رقبة مسلمة. يقول الآمدي:" فلا نعرف خلافا في حمل المطلق على المقيد هاهنا" (1) .

ومن أمثلة تقييد السنة للآيات المطلقة التي وردت في القرآن الكريم:

قوله تعالى: {فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث من بعد وصية يوصى بهآ أو دين غير مضآر وصية من الله والله عليم حليم} [النسا:12] . فالوصية لفظ مطلق شائع جنسه.

وقيد رسول الله صلى الله عليه وسلم الوصية بالثلث، وذلك في قصة مرض سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني عام حجة الوداع من وجع اشتد بي فقلت: إني قد بلغ بي من الوجع وأنا ذو مال، ولا يرثني إلا ابنة لي، أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا. فقلت: بالشطر؟ فقال: لا. ثم قال: الثلث والثلث كبير أو كثير، إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس، ... الحديث" (2) .

قال الإمام الترمذي: والعمل على هذا عند أهل العلم، أنه ليس للرجل أن يوصي بأكثر من الثلث، وقد استحب بعض أهل العلم أن ينقص من الثلث ... (3) .

__________

(1) المرجع السابق: 3/4.

(2) متفق عليه، انظر: محمد فؤاد عبد الباقي/ اللؤلؤ والمرجان، كتاب الوصية، باب الوصية بالثلث: (1053) ص 461.

(3) أخرجه الترمذي وصححه الألباني، انظر: سنن الترمذي، أبواب الوصايا، ما جاء في الوصية بالثلث: 3/291. صحيح سنن الترمذي (1718) 2/2111.

(1/44)

كما ورد قيد ثان للوصية في السنة فذهب الفقهاء إلى أن الإنسان إذا وصى لوارثه بوصية، فلم يجزها سائر الورثة، لم تصح بغير خلاف بين العلماء واشترط بعضهم لصحة الوصية ألا يكون الموصى له وارثا (1) .

فعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته عام حجة الوداع: ((إن الله تبارك وتعالى قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث..)) (2) .

وجمهور الفقهاء أو قفوا نفاذها على إجازة باقي الورثة، إن أجازوها نفذت وإلا بطلت (3) .

ولم أعثر فيما اطلعت عليه على أمثلة كثيرة لتقييد السنة لمطلق أحكام القرآن، بخلاف تخصيص الآيات العامة.

__________

(1) ابن قدامة/ المغني: 8/398.

(2) أخرجه الترمذي، وقال: حسن صحيح، أبواب الوصايا، باب لا وصية لوارث: 3/194.

(3) محمد شلبي/ أحكام الوصايا والأوقاف: ص 87.

(1/45)

الفصل الثالث: الاحتجاج والعمل بأحكام ثبتت في السنة ولم تذكر في القرآن

المبحث الأول: مرتبة السنة مع القرآن

...

المبحث الأول: مرتبة السنة مع القرآن

آيات القرآن الكريم هي الأساس الأول لجميع علوم الشرع (1) ، نزل بها أمين السماء إلى أمين الأرض، يقول سبحانه: {ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين} [النحل:89] . والقرآن محفوظ بحفظ مالك السموات والأرض عن التغيير والتبديل والزيادة والنقصان، يقول سبحانه وتعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} [الحجر:9] .

ورغب الرسول صلى الله عليه وسلم في تلاوته ومدارسته (2) ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده" (3) .

وأهم الفروق بين وحي القرآن ووحي السنة ما يلي:

1- القرآن معجزة بلفظه إلى الأبد دون السنة.

2- يتعبد المسلم بتلاوته.

3- لا تجوز روايته بالمعنى.

4- يحرم مسه لغير طاهر دون السنة.

__________

(1) ابن حزم/ الإحكام في أصول الأحكام: 1/94-95.

(2) أصل المدارسة: الرياضة، والتعهد للشيء، وتدارسوا القرآن: أي اقرأوه وتعهدوه لئلا تنسوه. انظر: ابن الأثير/ جامع الأصول في أحاديث الرسول: (6279) 8/496.

(3) أخرجه مسلم في صحيحه (2699) 4/2074. وأبو داود (1455) في الصلاة، باب في ثواب قراءة القرآن..

(1/47)

1- تسمى الجملة منه آية، والفصل منه سورة.

2- لفظه ومعناه من عند الله عز وجل.

3- تكفل الله سبحانه بحفظه فهو قطعي الثبوت وأحاديث الآحاد بما حف بها من ظنون في المرتبة الثانية بعد القرآن من حيث الثبوت (1) .

وكانت وصية عمر رضي الله عنه في كتابه إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: ((الفهم فيما يختلج في صدرك مما ليس في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ثم عرف الأشباه والأمثال، وقس الأمور واعمد إلى أقربها إلى الله وأشبهها بالحق)) (2) . فقدم القرآن ثم السنة وجعلهما مصدري التشريع لما ظهر وخفي.

يقول الإمام الشافعي رحمه الله:

"فحق على طلبة العلم بلوغ جهدهم في الاستكثار من علمه – أي القرآن- والصبر على كل عارض دون طلبه وإخلاص النية لله في استدراك علمه نصا واستنباطا" (3) . ويقول في موضع آخر:" ... فأبان الله لنا أن سنن رسوله فرض علينا بأن ننتهي إليها، لا أن لنا معها من الأمر شيئا إلا التسليم لها واتباعها، ولا أنها تعرض على قياس ولا على شيء غيرها وأن كل ما سواها من قول الآدميين تبع لها" (4) . والقرآن ليس كلام الآدميين فيقدم عليها.

__________

(1) خادم حسين بخش/ القرآنيون وشبهاتهم حول السنة: ص 217.

(2) الصنعاني/ سبل السلام: 4/119.

(3) الشافعي/ أحكام القرآن: 1/20.

(4) رفعت فوزي/ توثيق السنة في القرن الثاني: ص 285.

(1/48)

المبحث الثاني: ثبوت أحكام استقلت بها السنة

يقول الإمام الشافعي رحمه الله تعالى:" فلم أعلم من أهل العلم مخالفا في أن سنن النبي صلى الله عليه وسلم من ثلاثة وجوه، فاجتمعوا منها على وجهين. والوجهان يجتمعان ويتفرعان:

أحدهما: ما أنزل الله فيه نص كتاب فبين رسول الله مثل ما نص الكتاب.

والآخر: مما أنزل الله فيه جملة كتاب، فبين عن الله معنى ما أراد. وهذان الوجهان اللذان لم يختلفوا فيهما (1) . الوجه الثالث: ما سن رسول الله فيما ليس فيه نص كتاب...." (2) .

وهذا الوجه الثالث ذهب الجمهور إلى أن في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ليس في القرآن (3) واستدلوا على ذلك بأدلة عديدة أهمها:

أولا: إن في نصوص القرآن الكريم ما يدل على أن في السنة ما ليس في القرآن مثل قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} [النساء:59] . والرد إلى الله هو الرد إلى الكتاب والرد إلى الرسول هو الرد إلى سنته بعد وفاته. وكذا سائر ما قرن فيه طاعة الرسول بطاعة الله فهو دال على أن طاعة الله ما أمر به ونهى عنه في كتابه وطاعة الرسول ما أمر به ونهى عنه مما جاء به مما ليس في القرآن؛ إذ لو كان في القرآن لكان من طاعة الله (4) .

__________

(1) انظر: البحث: ص 36.

(2) الشافعي/ أحكام القرآن: 1/21.

(3) انظر: السباعي/ السنة ومكانتها في التشريع: ص 380.

(4) الشاطبي/ الموافقات: 4/321.

(1/49)

ثانيا: إنه لا مانع عقلا من وقوع استقلال السنة بالتشريع مادام رسول الله معصوما عن الخطأ، والله قد أمر رسوله بتبليغ أحكامه إلى الناس من أي طريق سواء كان بالكتاب أو بغيره.

ثالثا: ثبت من قول علي رضي الله عنه: ((ما عندنا إلا كتاب الله أو فهما أعطيه رجل مسلم وما في هذه الصحيفة، فنشرها فإذا فيها أسنان الإبل، وإذا فيها: المدينة حرم من عير (1) إلى كذا، فمن أحدث فيها حدثا، فعليه لعنة الله واللائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا، وإذا فيها: ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا، وإذا فيها: من والى قوما بغير إذن مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا)) (2) .

فدل على أن في السنة أشياء لا تحصى كثرة، لم ينص عليها في القرآن. وستأتي أمثلة أخرى عليها.

ويظهر للباحث أن الخلاف لفظي، لأن القائلين إنه ليس في السنة ما لم يرد في الكتاب يثبتون هذه الأحكام ولكن يدخلونها تحت القواعد الكلية التي وردت في القرآن كالأمر بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فالخلاف لا ثمرة له. حيث إن كلا منهما يعترف بوجود أحكام في السنة لم تثبت في القرآن ولكن أحدهما لا يسمي ذلك استقلالا، والآخر يسميه، والنتيجة واحدة (3) . وكذا يتم الجمع

__________

(1) عير: جبل بالمدينة، انظر ابن الأثير: النهاية، باب العين مع الراء، 3/328.

(2) أخرجه البخاري، انظر: صحيح البخاري، كتاب الجزية، باب ذمة المسلمين وجوارهم واحدة يسعى بها أدناهم: (1339) 4/533.

(3) انظر: السباعي/ السنة ومكانتها في التشريع: 385.

(1/50)

بين رأي الجمهور وظاهر قوله تعالى: {ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدىورحمة وبشرى للمسلمين} [النحل:89] . فكونه تبيانا لكل شيء من أمور الدين باعتبار أن فيه نصا على بعض الأمور، وإحالة لبعضها على السنة (1) . وأن الآيات المعجزات جاءت تبيانا لكل شيء: إما تأصيلا وإما تفصيلا (2) .

__________

(1) أبو السعود/ إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم: 5/135.

(2) الشافعي/ أحكام القرآن: 1/20.

(1/51)

المبحث الثالث: ضوابط قبول الأحكام التي استقلت بها السنة

وضع العلماء شروطا يجب أن تتوافر في الراوي ليكون خبره مقبولا، كما وضعوا مناهج لتحمل الحديث تضمن النقل الصحيح للسنة نقلا لا تحريف فيه ولا تغيير، وبحثوا في الأسانيد من حيث اتصالها وانقطاعها واستولى ذلك على معظم جهودهم. وهذا يسمى بتوثيق السند.

واختلفوا في توثيق متن الحديث بعد ثبوت صحة سنده إلى مذهبين:

ذهب بعض الفقهاء إلى أنه إذا نقلت السنة برواة ثقات، وأسلمها بعضهم إلى بعض بطريقة سليمة فإنه مما لا شك فيه ستنقل كما صدرت من رسول الله صلى الله عليه وسلم دون تبديل أو تغيير، أو دخيل فلا ينظر إلى غير ذلك من معارضتها لظاهر الكتاب أو لسنة مشهورة لأنه قد تخفى على عقولنا بعض الأحاديث فنتوهم أنها تعارض كتاب الله عز وجل وليست كذلك في واقع الأمر وحقيقته (1) .

إلا أن بعض العلماء اعتنوا بوضع مقاييس وضوابط في توثيق متن السنة لا تقل أهمية عن المقاييس التي وضعت لتوثيقها من حيث السند واعتبروا ذلك انقطاعا باطنيا في الحديث يقدح في قبوله. يقول الإمام السرخسي:" ثبوت الانقطاع بدليل معارض على أربعة أوجه: إما أن يكون مخالفا لكتاب الله تعالى، أو لسنة مشهورة عن رسول الله، أو يكون حديثا شاذا لم يشتهر فيما تعم به البلوى ويحتاج الخاص والعام إلى معرفته، أو يكون حديثا قد أعرض

__________

(1) رفعت فوزي/ توثيق السنة في القرن الثاني: 5/135.

(1/52)

عنه الأئمة من الصدر الأول بأن ظهر منهم الاختلاف في تلك الحادثة ولم تجر بينهم المحاجة بذلك الحديث" (1) . وأكثر من اهتم بهذا القسم الحنفية.

وأهم ما تم به توثيق متون السنة بعد صحة السند ما يلي:

1. عرض المتن الذي ثبت في خبر الآحاد على كتاب الله عز وجل.

وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخالف القرآن، وكيف يخالفه والله سبحانه وتعالى يقول:

{ولوتقول علينا بعض الأقاويل، لأخذنا منه باليمين، ثم لقطعنا منه الوتين، فما منكم من أحد منه حاجزين} [الحاقة:44-47] . وكانت عائشة رضي الله عنها تفعل ذلك، وقصتها مع حديث: "إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه" (2) ، وعرضها هذا الحديث على قوله تعالى: {ألا تزر وازرة وزر أخرى، وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} [النجم:38-39] مشهورة (3) .

وعليه ذهب الحنفية إلى أن خبر الواحد لا يكون صحيحا إذا خالف كتاب الله عز وجل فإذا ورد مخالفا له كان هذا دليلا على عدم صحته. واتبع الإمام مالك ذلك أيضا فاختار عرض الدليل من السنة على الكتاب فإن دل على التحريم وخالف ظاهر الكتاب لم يذهب الإمام مالك إلى التحريم ومثال ذلك موقفه من أكل ذي المخلب من الطير وذي ناب من السباع (4) .

__________

(1) أصول السرخسي 1/364.

(2) متفق عليه، انظر: محمد فؤاد عبد الباقي/ اللؤلؤ والمرجان، كتاب الجنائز، باب الميت يعذب ببكاء أهله عليه، (536) ص 240-241.

(3) الصنعاني/ سبل السلام: 2/116.

(4) المرجع السابق: 4/72-73.

(1/53)

وروي أن مالكا روى " مائة ألف حديث جمع منها في الموطأ عشرة آلاف ثم لم يزل يعرضها على الكتاب والسنة ويخبرها بالآثار حتى رجعت إلى خمسمائة" (1) .

1. عرض أحاديث الآحاد على السنة المشهورة:

عرض الحنفية أخبار الآحاد على السنة المشهورة، ذلك لأن الأخبار المشهورة تفيد اليقين القلبي أما أخبار الآحاد فتفيد العلم الظني فالأولى أوثق صلة برسول الله صلى الله عليه وسلم من الثانية، فإذا تعارضتا دلت المشهورة على أن غيرها لم يصدر عن النبي صلى الله عليه وسلم من أخبار الآحاد (2) . وطبق هذا المقياس جمهور الفقهاء على السنن التي ظاهرها التعارض (3) .

يرى الدكتور رفعت فوزي أن الإمام الشافعي أيضا كان يعرض السنة على السنة في كثير من الأحكام (4) .

من ذلك قوله في غسل يوم الجمعة: إنه سنة مستحبة وليس بواجب، وأن الوجوب الذي ورد في بعض الأحاديث صرف بالسنة المشهورة وفيها أن عثمان بن عفان رضي الله عنه ترك الغسل وأقره عمررضي الله عنه وحاضرو الجمعة وهم أهل الحل والعقد

__________

(1) السيوطي/ تنوير الحوالك: 1/6.

(2) رفعت فوزي/توثيق السنة في القرن الثاني الهجري: ص 323.

(3) انظر البحث: ص 17.

(4) رفعت فوزي/ توثيق السنة في القرن الثاني الهجري: ص 341.

(1/54)

3عرض الحديث على عمل الصحابة وفتاواهم:

تقدم في عبارة السرخسي المتقدمة أن للحنفية ضابطين أيضا لقبول أخبار الآحاد وشرحهما الدكتور رفعت فوزي بقوله:" هناك مقياسان غير ما تقدم لتوثيق الحديث أخذ بهما الحنفية وهما:

أولا: الحديث الذي تعم به البلوى، والذي إليه تكون الحاجة ماسة في عموم الأحوال؛ لا بد أن يأتي بروايات مشهورة ليكون مقبولا وموثقا، فإذا لم يكن كذلك يرفض؛ لأنه لو صح لانتشر وشاع بين الصحابة ومن بعدهم. فالعادة تقتضي استفاضة نقل ما تعم به البلوى.

ثانيا: الحديث الصحيح يأخذ به الأئمة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم

- فإذا أعرضوا عن الحديث- وهم الأصول في نقل الشريعة- دل ذلك على انقطاعه أو نسخه ... وهذان المقياسان- كما يبدو واضحا- يرجعان إلى أصل واحد وهو الرجوع بالحديث وعرضه على عمل الصحابة وفتاواهم ومدى نقلهم له، فإذا كانت العادة تقتضي أن يعلمه أكثرهم ويعملوا به، وحدث ذلك فعلا ونقلوه قبل وكان صحيحا أما إذا أعرضوا عنه- وواجب عليهم ألا يعرضوا عما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ذلك دليلا على أنه لم يصدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " (1) .

2. عرض الحديث على عمل أهل المدينة:

المقصود بعمل أهل المدينة ما نقله أهلها من سنن نقلا مستمرا عن زمن النبي صلى الله عليه وسلم أو كان رأيا واستدلالا لهم (2) .

__________

(1) توثيق السنة: ص 345.

(2) انظر: أحمد محمد نور سيف/ عمل أهل المدينة: ص 317.

(1/55)

فهل يشترط في قبول خبر الآحاد بعد صحة سنده عرضه على عمل أهل المدينة فإن صحب الخبر عملهم قبل وإن خالفهم لا يقبل؟

يقول الدكتور أحمد نور سيف:

" نسب إلى مالك أنه لا يقبل الآحاد إلا ما صحبه العمل. لكن باستعراض عدد من أخبار الآحاد بالموطأ والتي لم يذكر مالك مصاحبة عمل لها، وكذلك تفرق بعض الأصوليين بين هذا الشرط وبين رد مالك أخبار الآحاد بالعمل يدل على أنه لا يشترط في قبول أخبار الآحاد مصاحبة العمل لها وإنما يردها إذا عارضها العمل" (1) .

إن كان عمل أهل المدينة معارضا لخبر الآحاد، وثبت عنهم من طريق النقل فهذا يشبه التواتر ويفيد القطع واليقين، ومن أمثلة ذلك:

* زكاة الفاكهة والخضروات:

عن عائشة رضي الله عنها: ((أن السنة جرت به وليس فيما أنبتت الأرض من الخضر زكاة)) (2) .

عن معاذ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((فيما سقت السماء والبعل (3) والسيح (4) العشر وفيما سقي بالنضح (5) نصف العشر)) وإنما يكون

__________

(1) المرجع السابق: ص 320.

(2) أخرجه البيهقي: كتاب الزكاة، باب الصدقة فيما يزرعه الآدميون، ثم قال: هذه الأحاديث كلها مراسيل إلا أنها من طرق مختلفة فبعضها يؤكد بعضا ومعها رواية أبي بردة ... ومعها قول بعض الصحابة رضي الله عنهم. انظر: السنن الكبرى 4/129-130.

(3) البعل: هو ما شرب من النخيل بعروقه من الأرض من غير سقي سماء ولا غيرها. انظر: ابن الأثير/ النهاية: باب الباء مع العين، 1/141.

(4) السيح: الماء الجاري، المرجع. انظر: المرجع السابق، باب السين مع الياء، 2/433.

(5) النضح: ما سقي بالدوالي والاستسقاء، والنواضح الإبل التي يسقى عليها، واحدها نضح. انظر: المرجع السابق، باب النون مع الضاد، 5/69.

(1/56)

ذلك في التمر والحنطة والحبوب، وأما القثاء والبطيخ والرمان والقصب فقد عفا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) .

قال الإمام مالك: السنة التي لا اختلاف فيها عندنا والذي سمعت من أهل العلم أنه ليس في شيء من الفواكه كلها صدقة (2) .

الوقف:

المقصود بالوقف شرعا: تحبيس الأصل، وتسبيل المنفعة (3) .

وخالف الإمام أبو حنيفة جمهور العلماء في جواز الوقف ولزومه (4) .

وقد روي أن مالكا قال له أبو يوسف بحضرة الرشيد: إن الحبس - أي الوقف- لا يجوز فقال له مالك:

"فهذه الأحباس؛ أحباس رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر وفدك وأحباس أصحابه؟ " (5)

فاستدل بعمل الرسول صلى الله عليه وسلم وعمل الصحابة في المدينة التي شاهدها الناس وعرفوها وهم على اطلاع عليها، فالقرآن الكريم لم يتعرض لذكر الوقف بخصوصه بل رغب في التصدق العام ويدخل الوقف في هذا

__________

(1) أخرجه الحاكم والبيهقي، انظر: النسابوري/ المستدرك على الصحيحين، كتاب الزكاة، باب أخذ الصدقة من الحنطة والشعير: 1/401، السنن الكبرى، كتاب الزكاة، باب الصدقة فيما يزرعه الآدميون: 1/129.

(2) انظر: الموطأ، كتاب الزكاة، باب ما لا زكاة فيه من الفواكه والقصب والبقول، 1/376.

(3) انظر: ابن قدامة/ عمدة الفقه: ص 93.

(4) انظر: السرخسي/ المبسوط: 11/21، الشلبي/ أحكام الوصايا والوقف: ص 316.

(5) ابن العربي/ أحكام القرآن: 2/163.

(1/57)

العموم. وكذلك وردت الأخبار التي تؤكد عمل أهل المدينة، منها حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: أصاب عمررضي الله عنه أرضا بخيبر قال: لم أصب مالا قط أنفس منه فكيف تأمرني به؟ قال- صلى الله عليه وسلم - "إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها" فتصدق بها عمر في الفقراء والرقاب وفي سبيل الله والضيف وابن السبيل، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، أو يطعم صديقا غير متمول فيه (1) .

وفي الأثر عن جابر رضي الله عنه: ((ما بقي أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم له مقدرة على الوقف إلا وقف)) (2) .

والخلاصة لما تقدم في هذا المبحث أن أئمة الفقه وعلماء الأمة بلغوا الغاية في توثيق السنة سندا كما هو مشهور، ومتنا بعرض السنن الصحيحة على كتاب الله، وعلى المشهور من السنن الأخرى، وعلى فتاوى جمهور أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولاسيما في المدينة موطن رسول الله صلى الله عليهوسلم، والكبار من صحابته أتبع الناس له رضوان الله عليهم ثم من كان فيها من بعدهم من التابعين يسلكون تلك السبيل ولا يظن فيهم مخالفتها.

__________

(1) متفق عليه، انظر: صحيح البخاري، كتاب الشروط، باب الوقف: (2737) ، 4/384.

(2) أخرجه الخصاف بسنده في كتابه أحكام الوقف: ص 15.

(1/58)

المبحث الرابع: مثال مما استقلت به السنة في العبادات

هذا المبحث والمباحث التي تليه تصلح لطلبة الدراسات العليا الشرعية، وفيها رد ودحض لشبهات القرآنيين وقولهم: إن القرآن ذكر كل شيء، ولا حاجة معه للسنة (1) .

وسأكتفي بذكر ثلاثة أحكام في كل مبحث تاركة الاستقصاء والموازنة بين المذاهب لباحثين آخرين سمة أبحاثهم التوسع والمقارنة.

المتأمل للقسم الأول من أقسام الفقه وهو قسم العبادات يلحظ في كل كتاب من كتبه أحكاما ثبتت بالسنة الصحيحة. ففي كتاب الطهارة:

باب السواك:

حديث أبي هريرةرضي الله عنه:أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لولا أن أشق على أمتي – أو على الناس- لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة" (2) .

وحديث أبي موسى رضي الله عنه قال: ((أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فوجدته يستن بسواك بيده يقول: " أع أع" والسواك في فيه كأنه يتهوع (3)) ) (4)

وحديث حذيفة رضي الله عنه قال: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يشوص فاه (5) بالسواك)) (6) .

__________

(1) انظر: خادم حسين بخش/ القرآنيون ص21.

(2) متفق عليه، انظر: محمد فؤاد عبد الباقي/ اللؤلؤ والمرجان، كتاب الطهارة، باب السواك، (142) ص 89.

(3) يتهوع: أي يتقيأ، والهوع: القيء. انظر: ابن الأثير/ النهاية، باب الهاء مع الواو: 5/282.

(4) متفق عليه، انظر: اللؤلؤ والمرجان، كتاب الطهارة، باب السواك (143) ص 90.

(5) يشوص: أي يدلك أسنانه وينقها، وقيل هو أن يستاك من أسفل إلى علو، والشوص: الغسل، انظر: ابن الأثير/ النهاية: باب الشين مع الواو، 2/509.

(6) متفق عليه، انظر: محمد فؤاد عبد الباقي/ اللؤلؤ والمرجان: كتاب الطهارة، باب السواك (144) ص 90.

(1/59)

فاستحباب السواك ثبت بالسنة الفعلية والقولية.

كما ثبتت أحكام أخرى كخصال الفطرة، والمسح على الخفين، وولوغ الكلب في الإناء، ونجاسة المذي وغير ذلك. ومن أراد الاستقصاء فدونه كتب السنن.

وفي كتاب الصلاة:

الأذان وشفعه، وإيتار الإقامة ووردت السنن التالية في ذلك:

حديث عن أبي محذورة أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه هذا الأذان الله أكبر الله أكبر (1) أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله ثم يعود فيقول أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة مرتين حي على الفلاح مرتين، زاد إسحاق: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله (2)

وحديث ابن عمر رضي الله عنه كان يقول: كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحينون الصلاة، ليس ينادى لها، فتكلموا يوما في ذلك، فقال بعضهم لبعض: اتخذوا ناقوسا مثل ناقوس النصارى، وقال بعضهم: بل بوقا مثل بوق اليهود؛ فقال عمر رضي الله عنه: أولا تبعثون رجلا ينادي بالصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا بلال، قم فناد بالصلاة" (3) .

__________

(1) قال الإمام النووي: ((في صحيح مسلم في أكثر الأصول في أوله: الله أكبر مرتين ووقع في غير مسلم: الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أربع مرات، قال القاضي عياض رحمه الله: ووقع في بعض طرق الفارسي في صحيح مسلم أربع مرات، وكذلك اختلف في حديث عبد الله بن زيد في التثنية والتربيع، والمشهور فيه أربع..)) شرح صحيح مسلم 4/81.

(2) أخرجه مسلم، كتاب الصلاة، صفة الأذان، انظر: المرجع السابق: 4/80.

(3) متفق عليه، انظر: اللؤلؤ والمرجان، كتاب الصلاة، باب بدء الأذان (213) 113.

(1/60)

وحديث أنس رضي الله عنه قال: ((ذكروا النار والناقوس، فذكروا اليهود والنصارى، فأمر بلال أن يشفع الأذان وأن يوتر الإقامة)) (1)

وثبت فرض الصلوات الخمس بالقرآن الكريم وثبت حكم صلاة العيدين، والاستسقاء، والكسوف، والجنائز بالسنة.

__________

(1) متفق عليه، انظر: المرجع السابق: (214) 113.

(1/61)

المبحث الخامس: مثال مما استقلت به السنة في المعاملات

القسم الثاني للفقه الإسلامي قسم المعاملات، والقاعدة التي بنى عليها المسلمون معاملاتهم الدنيوية قوله صلى الله عليه وسلم: "إن كان شيئا من أمور دنياكم؛ فشأنكم به. وإن كان من أمور دينكم فإلي" (1) .

وكان الضابط منع كل ما يثير الشحناء والبغضاء بين المسلمين فثبت في السنن ما يؤكد هذه القاعدة في المعاملات والأمثلة على ذلك كثيرة منها:

حديث أبي سعيد الخدري قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبستين وعن بيعتين: نهى عن الملامسة والمنابذة في البيع؛ والملامسة لمس الرجل ثوب الآخر بيده بالليل أو بالنهار ولا يقلبه إلا بذلك، والمنابذة أن ينبذ الرجل إلى الرجل بثوبه وينبذ الآخر ثوبه ويكون ذلك بيعهما من غير نظر ولا تراض.

واللبستين: اشتمال الصماء، والصماء: أن يجعل ثوبه على أحد عاتقيه، فيبدو أحد شقيه ليس عليه ثوب، واللبسة الأخرى احتباؤه بثوبه وهو جالس ليس على فرجه منه شيء (2)

حديث أبي هريرةرضي الله عنه قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تلقوا الركبان ولا يبع بعضكم على بيع بعض ولا تناجشوا (3) ولا يبع حاضر لباد ولا تصروا الغنم ومن ابتاعها فهو بخير النظرين بعد أن يحتلبها؛ إن رضيها أمسكها، وإن سخطها ردها وصاعا من تمر" (4) .

__________

(1) سبق تخريجه في ص 24 حاشية 8.

(2) متفق عليه، انظر: المرجع السابق، كتاب البيوع، باب إبطال بيع الملامسة والمنابذة، (967) ص 429.

(3) تناشجوا: النجش: هو أن يمدح السلعة لينفقها ويروجها، أو يزيد في ثمنها وهو لا يريد شراءها، ليقع غيره فيها، والأصل فيه: تنفير الوحش من مكان. انظر ابن الأثير/ النهاية: باب النون مع الجيم، 5/21.

(4) متفق عليه، اللؤلؤ والمرجان، كتاب البيوع، باب تحريم بيع الرجل على بيع أخيه وسومه على سومه، وتحريم النجش، وتحريم التصرية، (970) ص 430.

(1/62)

حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن (1) .

وغير هذه الأحاديث الكثير مما تفردت به السنة من الأحكام والتي لم ترد في القرآن الكريم. ولقد اهتم العلماء بفصلها عن ألوان الفنون الأخرى واستقلت بمصنفات اقتصرت على جمع أحاديث الأحكام فقط (2)

__________

(1) متفق عليه، اللؤلؤ والمرجان، كتاب المساقاة، باب تجريم ثمن الكلب وحلوان الكاهن ومهر البغي (1010) ص444.

(2) أشهر المصنفات في علم أحاديث الأحكام: معاني الآثار للطحاوي، وعمدة الأحكام من كلام خير الأنام عليه الصلاة والسلام للمقدسي وعليه خمسة شروح، دلائل الأحكام من أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام ليوسف بن شداد، المنتقي من أخبار المصطفى لابن تيمية - الجد – الحراني وعليه شروح عديدة أشهرها نيل الأوطار للشوكاني، بلوغ المرام من أحاديث الأحكام للقاضي الإمام ابن حجر العسقلاني وأهم شروحه سبل السلام للصنعاني. انظر: الباحثة/ مدخل لدراسة أحاديث الأحكام، مجلة جامعة أم القرى، العدد 18، 1419.

(1/63)

المبحث السادس: مما استقلت به السنة افي النكاح

...

المبحث السادس: مما استقلت به السنة في النكاح

القسم الثالث في الفقه الإسلامي أحكام النكاح ويلحقها أحكام المهر والنفقة والرضاع والطلاق وثبتت أكثر أحكام هذا القسم في القرآن. ومما استقلت به السنة ما يلي:

حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها" (1) .

وحديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشغار. الشغار أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته، ليس بينهما صداق (2) .

وحديث أنس رضي الله عنه: من السنة، إذا تزوج الرجل البكر على الثيب، أقام عندها سبعا، وقسم؛ وإذا تزوج الثيب على البكر أقام عندها ثلاثا، ثم قسم (3)

__________

(1) متفق عليه، سبق تخريجه، انظر ص 40 حاشية 2.

(2) متفق عليه، انظر اللؤلؤ والمرجان: كتاب النكاح، باب تحريم نكاح الشغار وبطلانه (893) ص 386.

(3) متفق عليه، انظر المرجع السابق، كتاب الرضاع، باب قدر ما تستحقه البكر والثيب من إقامة الزوج عندها عقب الزفاف (925) ص 401.

(1/64)

المبحث السابع: مثال مما استقلت به السنة في الحدود والجنايات

ثبتت أكثر الحدود بالقرآن الكريم إلا حكم الردة، وحد الخمر، والتعزير. ووردت فيها الأحاديث التالية:

حديث عبد الله قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "والذي لا إله غيره، لا يحل دم رجل مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا ثلاثة نفر، التارك الإسلام المفارق للجماعة - أو الجماعة - والثيب الزاني والنفس بالنفس" (1) .

قال الإمام النووي: والتارك لدينه المفارق للجماعة فهو عام في كل مرتد عن الإسلام بأي ردة كانت فيجب قتله إن لم يرجع إلى الإسلام (2)

وحديث أنس رضي الله عنه قال: جلد النبي صلى الله عليه وسلم في الخمر، بالجريد والنعال؛ وجلد أبو بكر أربعين (3) .

وحديث أبي بردة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله" (4) .

ويوجد في كل مسألة عدة أحاديث جمعت في كتب أحاديث الأحكام واقتصرت على أصحها وأوضحها دلالة، طلبا للاختصار.

__________

(1) أخرجه مسلم، كتاب القسامة، باب ما يحل به دم المسلم. انظر: النووي/ شرح صحيح مسلم: 11/165.

(2) المرجع السابق: 11/165.

(3) متفق عليه، انظر: اللؤلؤ والمرجان، كتاب الحدود، باب حد الخمر (1108) ص 489.

(4) متفق عليه، انظر: المرجع السابق، كتاب الحدود، باب قدر أسواط التعزير (1110) ص 489

(1/65)

الخاتمة:

الحمد لله ذي الفضل والإنعام والمنة والإحسان حمدا يليق بجلاله وعظمته، والصلاة والسلام على الرحمة المهداة سيد الأنام وخير من صلى وصام. وبعد:

فموضوع السنة النبوية وكونها المصدر الأساسي الثاني للتشريع الإسلامي من حيث الاحتجاج والعمل؛ له فهم عند علماء السلف متوسط بين الغلو والمجافاة.

الغلو: الذي يجعل طائفة تثبت الحلال والحرام بسنن لم تصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأخرى تمنع مجاوزة ظاهر الحديث وإن خالف إجماع المسلمين وعملهم.

والمجافاة: التي تجعل طائفة يطلق عليهم القرآنيون يقولون: إن القرآن الكريم ذكر كل شيء ولا حاجة معه إلى السنة.

وأما جمهور علماء السلف فسودت أحبار أقلامهم ألوف الأوراق يوقرون السنة ويعظمونها ويدافعون عنها ويحتجون بها. فكان لهم معها التوثيق والتحقيق وجعلوا لها أقساما؛ متواترة وآحادا، صحيحة أو ضعيفة، وميزوا بين السنن التي دلالاتها قطعية والتي دلالاتها ظنية، كما ذكروا القرائن التي تصرف العمل عن ظاهر السنن. وذكروا كذلك الأسباب التي تمنع من الاحتجاج ببعض السنن، كما جمعوا بين الأحاديث التي ظاهرها التعارض، فأعملوها ولم يهملوها.

ولقد أجمع علماء السلف على قضية تبيين السنة للأحكام المجملة التي وردت في القرآن الكريم، وأن السنن الصحيحة تخصص الآيات العامة، وتقيد بعض الآيات المطلقة.

(1/66)

ولقد اختلف العلماء في استقلال السنة بأحكام لم تذكر في القرآن الكريم، والحق أنها اندرجت تحت قواعد كلية وأصول عامة جاء فيها الأمر بإتباع الرسول صلى الله عليه وسلم: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} [آلعمران:31] .

ومن أمثلة الأحكام التي استقلت بها السنة: السواك، والآذان، والنجش، والشغار، والجمع بين المرأة وعمتها، والتعزير، والردة، وغير ذلك كثير.

وأهم التوصيات التي آمل أن يحققها البحث:

1. تشجيع الأبحاث والرسائل العلمية التي توضح ضعف منهج المغالين في الاحتجاج على الأحكام الشرعية بسنن ضعيفة وكيف أنها أوجدت في الفقه الإسلامي أحكام شاذة لا ينبغي الاعتداد بها.

2. تشجيع الأبحاث والرسائل العلمية التي تفضح القرآنيين وتبين فساد أصولهم وتدحض شبهاتهم.

3. تشجيع الأبحاث والرسائل التي تجمع الأحكام الشرعية الفروعية التي استقلت بها السنن وبيان المذاهب الفقهية ومدى اتباع كل مذهب للسنة الصحيحة. وهذا تقديم للسنة على المذاهب – لا العكس- حيث يقوم الباحث بذكر السنة ثم يذكر من وافقها من المذاهب.

4. تشجيع الأبحاث والرسائل العلمية التي تستنبط الحكم الشرعي من الكتاب والسنة الصحيحة للوقائع والقضايا المعاصرة.

منح إجازة علمية لمتخصصين في السنة ليقوموا بجمع السنن الصحيحة في غير الصحيحين والتي أخرجها الثلاثة أو الأربعة أو الخمسة على غرار كتاب اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان، الذي وضعه الشيخ فؤاد عبد

(1/67)

1. الباقي رحمه الله. ويسهل الأمر كتب الشيخ الألباني في صحيح السنن الأربعة، واستخدام الحاسوب.

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين.

(1/68)

مصادر ومراجع

...

فهرس المصادر والمراجع:

1- أثر الحديث الشريف في اختلاف الأئمة الفقهاء، ط الثانية. محمد عوامة.

2- إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام، ط دار الكتب العلمية. ابن دقيق العيد.

3- الإحكام في أصول الأحكام، ط الأولى. ابن حزم الظاهري.

4- الإحكام في أصول الأحكام، ط 1400?/1980م. الآمدي.

5- أحكام القرآن، ط 1400?/1980م، محمد بن إدريس الشافعي.

6- أحكام القرآن، ط 1421?/2000م، دار الكتاب العربي، أبو بكر محمد بن عبد الله المعروف بابن العربي.

7- أحكام الوقف، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، أبو بكر أحمد بن عمرو الشيباني الخصاف.

8- أحكام الوصايا والأوقاف، الدار الجامعية للطباعة والنشر، د. محمد مصطفى شلبي.

9- إرشاد العقل السليم إلى مازيا القرآن الكريم، دار إحياء التراث العربي. أبو السعود محمد بن محمد العماري.

10- أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم ودلالاتها على الأحكام الشرعية، ط الأولى. د. محمد سليمان الأشقر.

11- أصول السرخسي، دار الفكر، 1313?/1973م.

12- الاعتصام بالكتاب والسنة، ط الأولى. الشاطبي.

13- الإعلام. ط السادسة. خير الدين الزركلي.

(1/69)

1- أعلام الموقعين عن رب العالمين، دار الباز. ابن القيم الجوزية.

2- أمالي الدلالات ومجالي الاختلافات، ط دار المحمدي. د. ولد بيه.

3- أنوار التنزيل وأسرار، دار الجيل، البيضاوي.

4- بيان المختصر شرح مختصر ابن الحاجب، جامعة أم القرى، مركز إحياء التراث الإسلامي، أبو الثناء محمود الأصفهاني، تحقيق د. محمد مظهر بقا.

5- تدريب الراوي، ط الثانية، السيوطي.

6- تنوير الحوالك شرح موطأ مالك، دار الفكر، السيوطي.

7- توثيق السنة في القرن الثاني الهجري أسسه واتجاهاته، ط الأولى، د. رفعت فوزي عبد المطلب.

8- الثبوت والشمول في الشريعة الإسلامية، رسالة دكتوراة في أصول الفقه، د. عابد السفياني.

9- جامع الأصول في أحاديث الرسول، دار البيان، مكتبة الحلواني، مطبعة الملاح، مجد الدين أبو السعادات ابن الأثير الجزري.

10- الجامع لأحكام القرآن، ط الثانية، 1372?/1952م، القرطبي.

11- الحديث والمحدثون، ط مطبعة مصر، محمد أبو زهو.

12- الحطة في ذكر الصحاح الستة، دار الكتب العلمية،

أبو الطبيب صديق القنوجي.

13- الرسالة، دار الفكر، تحقيق وشرح الأستاذ أحمد محمد شاكر الشافعي.

14- رسالة مختصرة في أصول الفقه، مطبوع مع منهج السالكين، ط 1399?/1979م، السعدي.

(1/70)

1- رفع الملام عن الأئمة الأعلام، ابن تيمية.

2- الروض المربع، ط السادسة، دار الفكر، البهوتي.

3- زاد المستنقع- مطبوع مع الروض المربع- الحجاوي.

4- زاد المعاد في هدي خير العباد، المكتبة العلمية، دار الباز، ابن قيم الجوزية.

5- سبل السلام شرح بلوغ المرام، مكتبة مصطفى البابي الحلبي، ط 1379?/1960م محمد إسماعيل الصنعاني.

6- السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، المكتب الإسلامي، ط 1405?/1985 دار مصطفى السباعي.

7- سنن أبي داود، مراجعة محمد محي الدين عبد الحميد، ط دار إحياء السنة النبوية.

8- سنن الترمذي، دار الفكر، 1400?/1980م.

9- شرح الأسنوي على المنهاج، ط محمد علي صبيح.

10- شرح البدخشي على المنهاج، ط محمد علي صبيح.

11- شرح صحيح مسلم، ط دار الفكر، النووي.

12- الشريعة الإسلامية وفقه الموازانات، ط الأولى 1421? دار ابن حزم، عبد الله الكمالي.

13- صحيح البخاري، ط 1407?/1987م دار القلم.

14- صحيح سنن أبي داود، ط 1409?/1989م، مكتب التربية العربي لدول الخليج، محمد ناصر الدين الألباني.

15- صحيح مسلم، ط الثانية 1392?/1972م دار إحياء التراث العربي.

(1/71)

1- الطبقات الكبرى، دار صادر، دار الفكر، محمد بن سعد.

2- عمل أهل المدينة بين مصطلحات مالك وآراء الأصوليين، ط الأولى 1397?/1977م، دار الاعتصام، د. أحمد محمد نور سيف.

3- الفتاوى، إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، 1398?، أحمد ابن تيمية.

4- فتح الباري شرح صحيح البخاري، السلفية، دار المعرفة للطباعة والنشر، ابن حجر العسقلاني.

5- الفقه الدعوي مساهمة في التأصيل، دار القلم، الكويت، د. سعد الدين العثماني.

6- الفكر السامي في التاريخ الفقه الإسلامي، المكتبة العلمية بالمدينة المنورة، ط 1396?، محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي الفاسي.

7- القرآنيون وشبهاتهم حول السنة، مكتبة الحرم النبوي الشريف، خادم حسين إلهي بخش.

8- القرائن الصارفة للأمر عن حقيقة وأثر ذلك في الفروع الفقهية، رسالة ماجستير – غير مطبوعة- محمد الحيفان.

9- كيف نتعامل مع السنة النبوية معالم وضوابط، ط السابعة، دار الوفاء المنصورة، د. يوسف القرضاوي.

10- لسان العرب، ط الأولى، المطبعة الأميرية، ابن منظور الإفريقي الخزرجي.

11- اللباب في الجمع بين السنة والكتاب، تحقيق: د. محمد فضل عبد العزيز المراد، دار الشروق- جدة، علي بن زكريا المنبجي.

(1/72)

1- اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان، دار السلام للنشر والتوزيع، وضعه محمد فؤاد عبد الباقي.

2- ما تمس إليه حاجة القاري إلى صحيح البخاري، دار الكتب العلمية، النووي.

3- مبادئ الفقه الإسلامي، دار النهضة العربية، القاهرة، 1401?/1981م، د. محمد القاسم.

4- المبسوط، دار المعرفة، 1406?/1986م، شمس الدين السرخسي.

5- مجلة جامعة أم القرى للبحوث العلمية المحكمة، الشريعة والدراسات الإسلامية، العدد 18، 1419?/1998م. مدخل لدراسة أحاديث الأحكام للباحثة.

6- المحدث الفاصل بين الراوي والواعي، دار الفكر، ط الأولى 1391?/1971م، الحسن بن عبد الرحمن الرامهرمزي.

7- المستدرك على الصحيحين، ط الكتاب العربي. النسابوري.

8- المسند، المكتب الإسلامي، ط الرابعة، أحمد بن حنبل.

9- معجم لغة الفقهاء، دار النفائس، ط الأولى. د. قلعة جي، قنيبي.

10- المغني في أصول الفقه، تحقيق د. محمد مظهر بقا، مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي، جامعة أم القرى. محمد عمر الخبازي.

11- مقدمة ابن الصلاح في علوم الحديث- مطبوع مع التقييد والإيضاح- المكتبة السلفية، المدينة المنورة. تحقيق: عبد الرحمن محمد عثمان.

(1/73)

1- الموافقات، دار ابن عفان، تحقيق: مشهور حسن سلمان، أبو إسحاق الشاطبي.

2- الموطأ، تعليق: محمد فؤاد عبد الباقي، ط دار إحياء الكتب العربية. مالك بن أنس.

3- نزهة النظر شرح نخبة الفكر، تحقيق عمرو عبد المنعم، ط مكتبة ابن تيمية، ابن حجر العسقلاني.

4- النهاية في غريب الحديث والأثر، دار إحياء التراث العربي، بيروت، تحقيق طاهر الزواوي- محمود الطناحي، ابن الأثير الجزري.

5- نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار، دار الجيل، ط 1973م، محمد بن علي الشوكاني.

6- هداية الراغب شرح عمدة الطالب، المكتبة الفيصلية، مكة المكرمة، تحقيق: محمد بكر إسماعيل، عثمان بن أحمد النجدي الحنبلي.

7- هدي الساري مقدمة فتح الباري، المكتبة السلفية،

ابن حجر العسقلاني.

=========

( فهرس المحتويات )

المدخل إلى الصحيح

الكتاب: المدخل إلى الصحيح

المؤلف: أبو عبد الله الحاكم محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نُعيم بن الحكم الضبي الطهماني النيسابوري المعروف بابن البيع (المتوفى: 405هـ)

المحقق: د. ربيع هادي عمير المدخلي

الناشر: مؤسسة الرسالة - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404

عدد الأجزاء: 1

[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]

بسم الله الرحمن الرحيم

رب أعن بفضلك يا كريم

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى اله وصحبه أجمعين

قال الإمام الحاكم أبو عبد الله محمد بن نعيم الحافظ النيسابوري حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب بن يوسف عن العباس بن محمد الدوري ثنا أبو عاصم ثنا ثور بن يزيد ثنا خالد بن معدان عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي عن العرباض بن سارية قال صلى بنا

(1/79)

رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون فقلنا يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأودعنا قال أوصيكم بتقوى الله عز وجل والسمع والطاعة وإن أمر عليكم عبد فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة وروى أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبدوس بن سلمة العنزي لفظا ثنا

(1/80)

عثمان بن سعيد الدرامي ثنا عبد الله بن صالح أن معاوية بن صالح حدثه أن ضمرة بن حبيب حدثه عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي عن عرباض بن سارية قال وعظنا رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة ذرفت منها الأعين فقلنا إن هذه موعظة مودع فما تعهد إلينا قال لقد تركتم على البيضاء ليلها كنهارها فلا يزيغ عنها إلا هالك ومن يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين بعدي وعليكم بالطاعة وإن عبدا حبشيا عضوا عليها بالنواجذ

(1/81)

وكان أسد بن وداعة يروي هذا الحديث فإن المؤمن كالجمل الأنف حيثما قيد انقاد فقد حث المصطفى صلى الله عليه وسلم في هذا الخبر على النزول عند سنته وسنة الصحابة الخلفاء بعده ثم أوعد الله التارك لسنته وقرن ذلك بالكفر أعاذنا الله منه

أنبأ محمد بن المؤمل بن الحسن بن عيسى قال ثنا الفضل بن محمد الشعراني ثنا أبو صالح وأحمد بن يونس وابن بكير قالوا ثنا الليث يعني ابن سعد عن ابن شهاب عن عروة أنه حدثه أن عبد الله بن الزبير حدثه

(1/82)

أن رجلا من الأنصار خاصم الزبير عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في شراج الحرة التي يسقون بها النخل فقال الأنصاري سرح الماء يمر فأبى عليهم فاختصموا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اسق يا زبير ثم أرسل إلى جارك فغضب الأنصاري فقال يا رسول اللهذره إن كان ابن عمتك فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال يا زبير اسق ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر قال فقال والله إني لأحسب أن هذه الآية نزلت يعني فيها {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم} الآية ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإبلاغ عنه في أخبار كثيرة يرويها عنه جماعة من الصحابة في مواقف مختلفة وخطب ذوات عدد يقول صلى الله عليه وسلم

أفلا فليبلغ الشاهد منكم الغائب أخبرني أبو الحسن محمد بن الحسين بن علي بن بكر العدل ثنا الحسين ابن الفضل ثنا محمد بن مصعب ثنا الأوزاغي عن حسان بن

(1/83)

عطية عن أبي كبشة وهو السلولي عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

بلغوا عني ولو آية وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ثم حث رسول الله صلى الله عليه وسلم السامع منه على أداء ما سمعه كما سمعه وندب إلى ذلك بالدعاء للأصحاب جعلنا الله تعالى ممن لحقته الدعوة من المصطفى صلى الله عليه وسلم

ثنا أبو العباس ثنا أبو عتبة أحمد بن الفرج ثنا بقية بن الوليد ثنا شعبة عن عمر بن سليمان بن عاصم بن عمر بن الخطاب عن عبد الرحمن بن أبان بن عثمان بن عفان عن أبيه عن زيد بن ثابت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

نضر الله امرأ سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه عنا كما

(1/84)

سمعه فرب حامل فقه غير فقيه فذكره ثم لعلمه صلى الله عليه وسلم بما يكون في أمته من الكذابين في رواة الأخبار قيد هذه الكلمة بأن جعل الدعوة لمن لم يزد فيما سمع

حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن سهل البغدادي ثنا بكير الحداد بمكة ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ثنا عبد الجبار بن عاصم ثنا هلال بن عبد الرحمن عن إبراهيم بن أبي عبلة عن عقبة بن وساج عن

(1/85)

أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

نضر الله من سمع قولي ثم لم يزد فيه ثلاث لا يغل عليهن قلب امريء أو قلب مسلم إخلاص العمل لله ومناصحة ولاة الأمر ولزوم جماعة المسلمين فإن دعوتهم تحيط من وراءهم ثم ندب صلى الله عليه وسلم المحدث الصادق على إعطائه أجر من عمل ما يحدث إن صح الحديث الوارد بذلك

أخبرني أبو بكر أحمد بن إسحاق فيما قرأته عليه من أصوله أنا أبو جعفر

(1/86)

محمد بن احمد بن ما هان السراج ثنا عبد الملك بن عبد ربه الطائي ثنا عطاء بن يزيد عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال

من حدث بحديث فعمل به أعطي أجر ذلك ثم أوعد عليه الصلاة والسلام كاتم العلم أشد العقاب حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أنبا ابن وهب أخبرني عبد الله بن عياش عن أبيه عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال

من كتم

(1/87)

علما ألجمه الله بلجام من نار وقد بين صلى الله عليه وسلم أن هذا العلم الذي لايجوز كتمانه هو ما يتقنه العالم فيعلمه

أخبرنا أبو بكر أحمد بن سليمان الموصلي ثنا علي بن حرب الموصلي ثنا عبد الله بن نمير ثنا عمارة بن زاذان ثنا علي بن الحكم عن عطاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

سئل من سئل

(1/88)

عن علم يعلمه فكتمه ألجم بلجام من نار وقد روى عنه صلى الله عليه وسلم

ما دل على أن علمه وإتقانه حفظه ولا جمعه في الصناديق والحباب

أخبرني أبو أحمد بكر بن محمد بن حمدان الصيرفي بمرو حدثنا أحمد بن بشر المرثدي ثنا خالد بن خداش ثنا عمارة الصيدلاني ثنا علي بن الحكم عن عطاء عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال

ما من رجل حفظ علما فسئل عنه فكتمه إلا جاء يوم القيامة ملجما بلجام من نار وقد روى عنه صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن هذا العلم الذي أوعد صلى الله عليه وسلم على كتمانه هو علم ينتفع به لا كما يتوهمه حشوية أهل العلم إن المحدث محظور عليه

(1/89)

أن يمتنع عن التحديث في وقت دون وقت أو يعز ما يعلو فيه من الأسانيد

أخبرنا جعفر بن محمد ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا إبراهيم ابن إسحاق الصيني ثنا سوار بن مصعب عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

من كتم علما ينتفع به يجاء يوم القيامة ملجما بلجام من نار ثم علم صلى الله عليه وسلم ما يكون بعده من الكذابين الذين يقصدون وضع الأحاديث عليه فأعلمهم صلى الله عليه وسلم أن موعد الكاذب عليه النار أعاذنا الله منه برحمته

(1/90)

ثنا أبو عبد الله بن محمد بن يعقوب الشيباني ثنا محمد بن نصر أبو عبد الله المروزي ثنا محمد بن عبيد بن حساب ثتا أبو عوانة عن أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار وقد شدد صلى الله عليه وسلم في ذلك وبين أن الكاذب عليه في النار تعمد الكذب أو لم يتعمد

حدثنا أبو العباس الأصم بن يوسف الأموي ثنا الحسين بن علي بن عفان ثنا محمد بن عبيد عن عبيد الله بن عمر عن أبي بكر بن سالم عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال

أن الذي يكذب علي يبنى له

(1/91)

بيت في النار وقد زاد صلى الله عليه وسلم مشددا بقوله

من قال علي ما لم أقل فإنه إذا فعل غير متعمد للكذب استوجب هذا الوعيد من المصطفى صلى الله عليه وسلم

أنبا أبو بكر أحمد بن عبد العزيز ثنا سليمان بن داود الهاشمي ثنا ابن أبي الزناد عن أبيه عن عامر بن سعد عن عثمان بن عفان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال

من قال علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار ثم بين صلى الله عليه وسلم أن الكذب عليه ليس ككذب فيما بين الناس في الإثم والعقوبة

(1/92)

حدثني أبو الحسن علي بن خشماء العدل ثنا محمد بن أيوب وزياد بن الخليل وعلي بن الحسين بن بيان أنبأ عبد الله بن محمد بن عائشة وعبد الواحد بن زياد أنبأ صدقة بن المثنى حدثني رباح بن الحارث عن سعيد ابن زيد بن عمرو بن نفيل أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول

إن كذبا علي ليس ككذب على أحد من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار هذا حديث زياد بن الخليل

ذكر وعيد ثان من رسول الله صلى الله عليه وسلم للكاذب عليه حدثني علي بن خمشاد ثنا بشر بن موسى ثنا أبو زكريا السيلحيني ثنا يحيى ابن أيوب

(1/93)

عن حرام بن عثمان عن ابني جابر عن أبيهما جابر بن عبد الله قال سمعت رسول صلى الله عليه وسلم يقول

اشتد غضب الله على من كذب علي متعمدا أو أتى البهائم

ذكر وعيد ثالث منه صلى الله عليه وسلم فيه

حدثني علي بن محمد بن شختويه أنبا يزيد بن الهيثم ثنا إبراهيم بن أبي الليث ثنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن

(1/94)

عجلان عن عبد الوهاب بن بحت عن عبد الواحد بن عبد الله النصري وعن واثلة بن الأسقع عن النبي صلى الله عليه وسلم قال

إن من أفرى الفرى من قولني ما لم أقل أو من أرى عينيه في المنام ما لم تر ذكر وعيد رابع عنه صلى الله عليه وسلم أن صحت الرواية عنه

أخبرنا أبو عمرو سعيد بن القاسم المطوعي ثنا محمد بن إسحاق بن عبد الله الخطيب بالأهواز ثنا محمد بن علي بن زيد ثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي ثنا مروان بن معاوية الفزاري عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال قال رسول

(1/95)

الله صلى الله عليه وسلم

من كذب علي متعمدا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لايقبل منه صرفا ولا عدل وقد رويت أخبار واهية يغتر بها الكذاب فيتوهم أنه محتسب في وضعه الحديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما لا يزيل حكما من أحكامه ولايوجبه

حدثني جعفر بن محمد بن صالح بن هانئ حدثنا أبو سهل القاسم بن خالد بن قطن المروزي ثنا عبد الله بن عبد الصمد بن أبي خداش الموصلي ثنا عمي عن المعافى عن محمد بن الفضل الخراساني عن الأحوص بن حكيم عن مكحول عن أبي أمامة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده بين عيني جهنم فشق ذلك عليهم حتى عرف ذلك منهم قالوا يا رسول الله قلت من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده بين عيني جهنم ولها عينان يا رسول الله فقال

أما سمعتم الله تعالى يقول {إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا} قالوا وقلت يا رسول الله من كذب علي ونحن نسمع منك الحديث فتزيد وننقص ونقدم ونؤخر فقال لم أعن ذلك ولكن قلت

من كذب علي يريد عيبي وشين الإسلام وهذا حديث باطل في رواته جماعة ممن لايحتج بهم إلا أن

(1/96)

الحمل فيه على محمد بن الفضل بن عطية فإنه ساقط وروي حديث ثان يغتر به من يبيح الكذب على ما قدمناه ذكره

قال ثنا علي بن خمشاد قال أنا علي بن عبد العزيز أن الحكم بن موسى حدثه قال ثنا محمد بن سلمة عن الفزاري عن طلحة بن مصرف عن عبد الرحمن بن عوسجة عن البراء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

من كذب علي متعمدا ليضل به الناس فليتبوأ مقعده من النار وهذا الحديث واه وقد روى الفزاري عن طلحة بن مصرف والفزاري الراوي عن طلحة بن مصرف وهو محمد بن عبيد الله العرزمي متروك الحديث بلا خلاف أعرفه بين أئمة أهل النقل فيه

(1/97)

وقد روى من وجه ثان عن طلحة بن مصرف وحدثنا أبو العباس الأصم ثنا أحمد بن عبد الجبار ثنا يونس ابن بكير وحدثني أبو بكر محمد بن عبد الله بن قريش أنا الحسن ابن سفيان قال ثنا عبد الله بن عمرو بن أبان وأبو قدامة قالا ثنا يونس بن بكير عن الأعمش عن طلحة بن مصرف عن عمرو بن شرحبيل عن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1/98)

من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار لفظا واحدا لم يذكر ليضل به

وحدثنا أبو عمرو بن السماك أنبا أبو أحمد بن عبد الجبار أنبأنا يونس بن بكير عن الأعمش عن طلحة بن مصرف عن عمرو بن شرحبيل عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ولم يذكر ليضل به الناس ويونس بن بكير واهم في إسناد هذا الحديث في موضعين أحدهما أنه أسقط بين طلحة بن مصرف وعمرو بن شرحبيل أبا عمار والآخر أنه وصل بذكر عبد الله بن مسعود وغير مستبعد من يونس بن بكير الوهم وقد روى هذا الحديث من وجه ثالث عن طلحة بن مصرف

(1/99)

أنا أبو علي الحسين بن علي بن يزيد الحافظ أنا محمد بن محمد بن سليمان ثنا زياد بن أبي يزيد القصري أنا عبد الحميد الحماني ثنا الأعمش عن طلحة بن مصرف عن أبي عمار عن عمرو بن شرحبيل عن حذيفة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار وقد روى هذا الحديث من وجه رابع عن طلحة بن مصرف قال أبو علي الحافظ لنا رواية يحيى بن طلحة اليربوعي عن أبي معاوية عن الأعمش عن طلحة بن مصرف عن أبي عمار عن عمرو بن شرحبيل عن علي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار ولم يذكر ليضل به

(1/100)

قال أبو علي رحمه الله وهذا وهم والوهم فيه من يحيى بن طلحة وسمعت أبا علي الحسين بن أبي علي الحافظ يقول هذه الأسانيد وهم والوهم فيه من العرزمي والحماني ويونس بن بكير والمحفوظ عن الأعمش عن طلحة بن مصرف عن أبي عمار عن عمرو بن شرحبيل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرسلا

فحدثني علي بن خمشاد بن محمد ثنا إسماعيل بن قتيبة وجعفر ابن محمد بن معاذ قال ثنا أحمد بن يونس أنا زهير عن الأعمش عن طلحة عن أبي عمار عن عمرو بن شرحبيل قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة مرسلا فحدثني علي بن محمد بن شختويه العدل ثنا إسماعيل بن قتيبة وجعفر بن محمد بن معاذ قال ثنا أحمد بن يونس أنا زهير عن الأعمش عن طلحة عن أبي عمار عن عمرو بن شرحبيل قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

من كذب علي متعمدا ليضل به فليتبوأ مقعده من النار وقد روي حديث ثالث يتعلق به الكاذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يعلم لجهله أنه من صنعة من هو مثله

أخبرني خلف بن محمد البخاري حدثني أبو بكر محمد بن

(1/101)

حاتم البيكندي ثنا إسحاق بن حمزة ثنا أبو خزيمة حازم بن خزيمة عن أبي حمزة اليشكري عن العرزمي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار قال فمكثنا شهرا لا نحدث عنه شيئا فجلسنا إليه يوما كأن على رؤوسنا الطير فقال ما لكم لا تحدثون قلنا يا رسول الله كيف نحدث عنك وقد سمعناك تقول الذي تقول قال فحدثوا عني ولا حرج من كذب علي متعمدا ليضل به الناس فليتبوأ مقعده من النار قلت يا رسول الله إني أسمع الشيء فأخاف أن أضعه على غير موضعه فأحب أن تأذن لي أن أكتب فقال نعم قلت يا رسول الله في الرضا والسخط قال نعم قال فإني لن أقول في الرضا والسخط إلا حقا

ثم العجب من جماعة جهلوا الآثار وأقاويل الصحابة والتابعين فتوهموا لجهلهم أن الأحاديث المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كلها صحيحة أنكروا الجرح والتعديل جملة واحدة جهلا منهم بالأخبار المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين في ذلك

(1/102)

ذكر خبر يدل على أن في رواة الحديث كذابين ويحث على معرفة المعدلين من رواة الأخبار من المجروحين

حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب وإبراهيم بن مرزوق أنا أبو داود وبشر بن عمر قالا حدثنا شعبة عن حبيب بن أبي ثابت عن ميمون بن أبي شيب عن المغيرة بن شعبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال

من روى عني حديثا يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين

(1/103)

ففي قوله صلى الله عليه وسلم يرى أنه كذب دليل واضح على إعلامه أن فيهم كذابين فاحذروا أن تكونوا كأحدهم

ذكر خبر ثان يدل على ذلك

أنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن تميم القنطري ببغداد أنا أبو قلابة ثنا أبو عاصم قال ثتا الوزاعي عن حسان بن عطية عن أبي كبشة عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال

بلغوا عني ولو آية وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج وحدثوا عني ولا تكذبوا علي فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار وفي قوله صلى الله عليه وسلم

ولا تكذبوا علي دليل واضح أنه قد علم أنه مكذوب عليه

أنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب أنا يحيى بن محمد بن يحيى

(1/104)

الشهيد أنا علي بن الجعد ثنا شعبة عن منصور سمعت ربعي بن حراش يقول سمعت عليا يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

لاتكذبوا علي فإنه من كذب علي يلج النار

ذكر خبر ثالث يدل على ذلك

حدثني علي بن خمشاد العدل ثنا محمد بن نعيم ثنا قتيبة أنا الليث عن عمرو بن الحارث عن يحيى بن ميمون الحضرمي أن أبا موسى الغافقي سمع عقبة بن عامر يحدث على المنبر عن رسول الله

(1/105)

صلى الله عليه وسلم أحاديث فقال أبو موسى إن صاحبكم هذا لحافظ أو هالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان آخر ماعهد إلينا أن قال عليكم بكتاب الله وسترجعون إلى قوم يحبون الحديث عني فمن قال عني ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار ومن حفظ شيئا فليحدث به وفي قوله صلى الله عليه وسلم

وسترجعون إلى قوم يحبون الحديث عني إخبار عن كل ما نحن فيه في زماننا هذا وإنذار لما انه كاين في أمته من الدجالين

ذكر خبر رابع يدل على ذلك

أخبرنا أبو العباس محمد بن يعقوب أنبا أبو عتبة أحمد بن الفرج حدثنا بقية بن الوليد عن أبي العلاء عن مجاهد عن ابن

(1/106)

عباس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

ألا وإن هلاك أمتي بالعصبية والقدرية والرواية عن غيره من غير ثبت وهذا الخبر وإن لم يكن إسناده من شرط أئمة النقل فإنه قد صرح بما استدللنا عليه في الأخبار الصحيحة التي قدمنا

ذكرها ذكر خبر خامس يدل على ذلك

أخبرنا أبو عبد الله الشيباني ثنا محمد بن نعيم أنا محمد ابن

(1/107)

رافع أنا علي بن حفص المدايني أنا شعبة عن حبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع

أخبرني عبد الله بن موسى بن محمد الصيدلاني أنا محمد بن أيوب بن يحيى أنا أبو عمر الحوضي أنا شعبة عن حبيب عن

(1/108)

حفص بن عاصم عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه وقد صرح هذا الخبر بالتنبيه لمعرفة الصحيح من السقيم وتجنب روايات المجروحين إذا عرف المحدث وجه الجرح فيه

ذكر خبر سادس يدل على ذلك

أخبرنا محمد بن جعفر بن أحمد بن موسى المزكي أنا محمد بن إبراهيم العبدي أنبا ابن بكير حدثني الليث بن سعد عن ابن الهاد عن عمر بن عبد الله بن عروة عن عبد الله بن عروة عن عبد الله بن الزبير أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من حدث عني كذبا فليتبوأ مقعده من النار وفي قوله صلى الله عليه وسلم من حدث وعيد للمحدث فيما يعلم أنه كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن لم يكن هو الكاذب في روايته

ذكر خبر سابع يدل على ذلك

(1/109)

أنا محمد بن يعقوب أنا هلال بن العلاء الرقي أنا أبي العلاء بن هلال ثنا أبي هلال بن عمرو أنا أبي عمرو بن هلال عن أبي غالب عن أبي أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

وكفى بالمرء من الشح أن يقول آخذ حقي حتى لا أترك منه شيئا وكفى بالمرء من الكذب أن يحدث بكل ما سمع ففي هذه الأخبار التي ذكرناها غنية لمن تدبرها وعلم ما فيها من الدلايل على أن المصطفى صلى الله عليه وسلم علم ما يكون بعدة هفي أمته من القائلين عليه ما لم يقل وأما الأخبار الواردة فيه عن الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين والى وقتنا هذا فإني أوردتها في أول كتاب العلل وذكرها في هذا الموضع يتعذر لكثرتها

وقد سمعت أبا بكر أحمد بن كامل بن خلف بن شجرة

(1/110)

القاضي يقول سمعت القاضي يقول سمعت أبا سعد يحيى ابن منصور الهروي يذكر عن أبي بكر بن خلاد قال قلت ليحيى ابن سعيد أما تخشى أن يكون هؤلاء الذين تذكر حديثهم خصماءك عند الله يوم القيامة فقال لأن يكون هؤلاء خصمائي أحب إلي من أن يكون خصمي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لم حدثت عني حديثا ترى أنه كذب

وأخبرني فقيه من فقهائنا عن أبي علي الحسين بن محمد الماسرجسي رحمنا الله وإياه أنه قال قد بلغ رواة الحديث في كتاب التاريخ لمحمد بن إسماعيل قريبا من أربعين ألف رجل وامرأة والذين يصح حديثهم من جملتهم هم الثقات الذين أخرجهم البخاري ومسلم بن الحجاج ولا يبلغ عددهم أكثر من ألفي رجل وامرأة

(1/111)

فلم يعجبني ذلك منه رحمه الله وإيانا لأن جماعة من المبتدعة والملحدة يشعتون برواة الآثار بمثل هذا القول إذا روى عن رجل من أهل الصنعة فقلت والله الموفق إن محمد بن إسماعيل البخاري ومسلم ابن الحجاج شرط كل واحد منهما لنفسه في الصحيح شرطا احتاط فيه لدينه

فأما مسلم فقد ذكر في خطبته في أول الكتاب قصيدة فيما صنفه ونحا نحوه وإنه عزم على تخريج الحديث على ثلاث طبقات من الرواة فلم يقدر له رحمه الله إلا الفراغ من الطبقة الأولى منهم

وأما محمد بن إسماعيل فإنه بالغ في الإجهاد فيما خرجه وصححه ومتى قصد الفارس من فرسان أهل الصنعة إن يزيد على شرطه من الأصول أمكنه ذلك لتركه كل ما لم يتعلق بالأبواب التي بنى كتابه الصحيح عليها فإذا كان الحال على ما وصفنا بأن للمتأمل من أهل الصنعة أن كتابيهما لا يشتملان على كل ما يصح من الحديث وإنهما لم يحكما أن من لم يخرجاه في كتابيهما مجروح أو غير صدق ومما يدلنا عليه أن محمد بن إسماعيل البخاري قد صنف أسامي المجروحين في جملة رواة الحديث في أوراق يسيرة لا يبلغ إن شاء الله عددهم إلا اقل من سبعمائة رجل فإذا أخذنا سبعمائة للجرح وألفا وخمسمائة وأكثر للتعديل في كتابه بقي على ما ذكر أبو علي نيف

(1/112)

وثلاثون ألف رجل بين الباب والدار

لا نقول هكذا بل نقول بتوفيق الله إن أئمة النقل قد فرقوا بين الحافظ والثقة والثبت والمتقن والصدوق هذا في التعديل ثم في الجرح فرقوا بين الكذاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم والكذاب في حديث الناس ثم الكذاب في لقي الشيوخ ثم كثير الوهم وسيء الحفظ والمتهم في الرواية والمتهم في الدين والصدوق إذا أكثر الرواية عن الكذابين وكثر المناكير في حديثه سمعت أبا العباس محمد بن يعقوب يقول سمعت العباس بن محمد الدوري يقول سمعت يحيى بن معين يقول قال لي يحيى بن سعيد القطان لو لم أرو إلا عن كل من أرضى لم أرو ألا عن خمسة فيحيى بن سعيد في إتقانه وكثرة شيوخه يقول مثل هذا القول ويعني بالخمسة الشيوخ الأئمة الحفاظ الثقات الإثبات

سمعت أبا علي الحافظ يقول أنا الهيثم بن خلف أنا محمود بن غيلان ثنا عبد العزيز بن رزمة ثنا ابن المبارك عن سفيان الثوري قال أدركت حفاظ الناس أربعة عاصم الأحول وإسماعيل بن أبي خالد ويحيى بن سعيد قال وأرى هشام الدستوائي منهم والثوري في تقدمه وورعه بعد روايته عن قريب من ستمائة شيخ في جماعة من التابعين يذكر أن الحفاظ منهم أربعة وليس في قوله هذا جرح لسائر شيوخه

سمعت أبا عبد الله محمد بن يعقوب يقول سمعت أبا بكر محمد ابن النضر الجارودي يقول سمعت عمرو بن علي يقول ثنا عبد

(1/113)

الرحمن بن مهدي أنا أبو خلدة فقال رجل يا أبا سعيد أن كان ثقة فقال كان خيارا وكان مسلما وكان صدوقا الثقة شعبة وسفيان فعلى هذا قلنا وإن أسامي القوم الذين لم يوجدوا في الكتابين الصحيحين ليس بجرح فيهم كما أخبر الإمام عبد الرحمن بن مهدي من الفرق بين الخيار والصدوق وبين ما يعطى اسم الثقة وأنا مبين بعون الله وتوفيقه أسامي قوم من المجروحين ممن ظهر لي جرحهم اجتهادا ومعرفة بجرحهم لا تقليدا فيه لأحد من الأئمة وأتوهم أن رواية أحاديث هؤلاء لاتحل إلا بعد بيان حالهم لقول المصطفى صلى الله عليه وسلم في حديثه

من حدث بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين فمنهم

1 - إبراهيم بن أبي حية وأبو حية اسمه اليسع بن أشعث من أهل مكة يروي عن جعفر بن محمد وهشام بن عروة المناكير روى

(1/114)

عنه أبو مسلم المستحلي المستملي

2 - إبراهيم بن زيد الأسلمي يروي عن مالك وابن لهيعة روى عنه محمد بن يزيد النيسابوري

3 - إبراهيم بن هدبة أبو هدبة يروي عن أنس بن مالك روى عنه حميد بن الربيع الخزاز والخضر بن أبان الهاشمي

4 - إبراهيم بن زكريا البزاز واسطي يروي عن مالك بن أنس وأبي بكر بن عياش روى عنه محمد بن المصفى وإبراهيم بن راشد الآدمي

(1/115)

5 - إبراهيم بن عبد الله أبن خالد المصيصي يروى عن حجاج بن محمد ووكيع روى عنه جماعة من أهل الشام أحاديث موضوعة

6 - إبراهيم بن البراء ابن النضر بن أنس بن مالك شيخ من أهل البصرة حدث بها وبالشام بأحاديث مناكير عن حماد بن سلمة والدراوردي وغيرهما

7 - إبراهيم بن عبد الله بن همام ابن أخي عبد الرزاق حدث عنه عمه بأحاديث موضوعه وقد

(1/116)

روى عنه محمد بن الحسن بن قتيبة العسقلاني أحاديث منها

8 - إسماعيل بن يحيى بن عبيد الله التيمي روى عن مالك بن أنس ومسعر بن كدام وابن أبي ذئب وغيرهم أحاديث موضوعة روى عنه إسماعيل بن عياش وهو من أقرانه ثم روى عنه لوين وغيره من طبقتنا

9 - إسماعيل بن محمد بن يوسف أبو هارون الجبريني من ناحية فلسطين روى عن حبيب كاتب

(1/117)

مالك والقاسم بن سلام وعمرو بن أبي سلمة التنيسي وغيرهم أحاديث موضوعة حدثها عن يوسف بن موسى المروزي عنه

10 - إسحاق بن نجيح الملطي

حدث ببغداد عن يحيى بن أبي كثير وابن جريج وأقرانهما من الأئمة بأحاديث موضوعة روى عنه علي بن حجر أحاديث منها

11 - إسحاق بن بشر الكاهلي أبو حذيفة البخاري حدث بالعراق وخراسان عن سفيان الثوري وابن جريج ومالك بن أنس بأحاديث موضوعة روى عنه جماعة من أهل العراق وخراسان

إسحاق بن إبراهيم الطبري سكن اليمن روى عن مالك وابن عيينة والفضيل بن عياض وعبد الله بن الوليد العدني أحاديث موضوعة وقد روى الفضل بن محمد الجزري والحسن بن علي بن زياد السدي عن أبي حمة عنه

(1/118)

13 - إسحاق بن وهب الطرمسي من أهل مصر روى عن عبد الله بن وهب أحاديث موضوعة حدثونا عن محمد بن المسيب وغيره عنه

14 - إبان بن نهشل أبو الوليد البصري روى عن الأعمش وإسماعيل بن أبي خالد أحاديث موضوعة روى عنه عيسى بن موسى غنجار

(1/119)

15 - أحمد بن عبد الله الجويباري الهروي كذاب خبيث قد وضع على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة في فضائل الأعمال وغيرها لا تحل كتبة حديثه ولا روايته بوجة

16 - أحمد بن الحسن بن قاسم الكوفي حدث عن وكيع وحفص بن غياث وغيرهما من أئمة الكوفة أحاديث موضوعة حدثونا عن الأرغياني وغيره عنه

17 - أحمد بن الحسن بن إبان المصري من أهل الأبلة كتب عنه بالبصرة يروي عن أبي عاصم وحجاج بن منهال وإبراهيم بن سيار وغيرهم أحاديث موضوعة

(1/120)

18 - أحمد بن محمد بن غالب أبو عبد الله غلام الخليل الواعظ يرحمنا الله وإياه روى عن جماعة من الثقات أحاديث موضوعة على ما ذكره لنا القاضي أبو بكر أحمد بن كامل بن خلف من زهده وورعه ونعوذ بالله من زهد يقيم صاحبه ذلك المقام

19 - أحمد بن محمد بن الصلت أبو العباس الحماني من أهل العراق روى عن القعنبي ومسدد وإسماعيل بن أبي أويس وبشر بن الوليد أحاديث وضعها وقد وضع المتون أيضا مع كذبه في لقى هؤلاء حدثونا عنه ببعضها

20 - أفلح بن سعيد القبائي من أهل قباء وعداده في جملة المدنيين يروي عن عبد الله بن

(1/121)

رافع وسهيل بت أبي صالح وغيرهما الموضوعات روى عنه عيسى بن يونس وغيره

21 - أصرم بن حوشب الهمداني

يروي عن زياد بن سعد وغيره الموضوعات وروى عنه إبراهيم بن سعيد الجوهري والناس ومشايخنا النيسابوريون قد كتبوا عنه مثل إبراهيم ابن عبد الله السعدي وأقرانه

22 - بشر بن إبراهيم الأنصاري

ويقال أبو عمرو ويقال أبو سعيد القرشي روى عن الأوزاعي أحاديث موضوعة يروي عن أهل الشام وجماعة من أهل العراق

(1/122)

23 - بشر بن الحسين الهلالي

أبو محمد الأصبهاني روى عن الزبير بن عدي عن أنس بن مالك وغيره كتابا يزيد عدده على مائة وخمسين حديثا أكثرها موضوعة روى عنه الأصبهاني

24 - بكر بن زياد الباهلي روى عنه أهل الشام أحاديثه موضوعة عن عبد الله بن المبارك

25 - بزيع بن حسان البصري أبو الخليل الخصاف روى عن هشام بن عروة ومحمد بن واسع

(1/123)

والأعمش أحاديث موضوعة يرويها عنه الثقات مثل عبد الرحمن بن المبارك وغيره

26 - بهلول بن عبيد

روى أحاديث موضوعة عن إسماعيل بن أبي خالد وسلمة بن كهيل وغيرهم يرويها عنه الثقات مثل محمد بن موسى الجرشي والحسين ابن قزعة وغيرهما من أقرانهما

27 - بختري بن عبيد الطانجي الطابخي

روى عن أبيه عن أبي هريرة أحاديث موضوعة يروي عنه هشام ابن عمار وغيره

(1/124)

28 - بركة بن محمد الحلبي يروي عن يوسف بن أسباط أحاديث موضوعة

29 - تليد بن سليمان المحاربي

وكنيته أبو إدريس رديء المذهب منكر الحديث روى عن أبي الجحاف أحاديث موضوعة كذبه جماعة من أئمتنا

30 - جعفر بن احمد بن علي ابن بيان المصري من أهل مصر شيخ متأخر حدث بمصر وبمكة

(1/125)

أيضا في المواسم عن أبي صالح كاتب الليث ويحيى بن بكير وسعيد ابن عفير وربما ارتقى إلى عبد الله بن يوسف وابن أبي مريم بأحاديث موضوعة لا تسوي الاشتغال بذكره

31 - جعفر صاحب العروس وضع الحديث على الثقات

32 - الجارود بن يزيد النيسابوري

أبو علي العامري روى عن الثوري أحاديث موضوعة سمعت مشايخنا يذكرون إن أبا بكر الجارودي رحمه الله كان إذا مر بقبره في مقبرة الحسين يقول لو لم تحدث بتلك المناكير لزرت قبرك

(1/126)

33 - الحارث بن عمير البصري

وقيل كنيته أبو عمير روى عن حميد الطويل وجعفر بن محمد الصادق أحاديث موضوعة والله اعلم

34 - الحسن بن علي الهاشمي

شيخ من أهل المدينة حدث عن أبي الزناد بأحاديث موضوعة روى عنه وكيع وغيره

35 - الحسن بن محمد البلخي قاضي مرو روى عن حميد الطويل وغيره أحاديث موضوعة وقد

(1/127)

كنت أظن أن الذنب في بعضها للفرياناني حتى وجدت بعض تلك الأحاديث عند معاذ بن أسد ووارث بن الفضل وغيرهما من الثقات فظهر أن الحمل فيها على الحسن بن محمد البلخي

36 - الحسن بن علي الأردني

أبو عبد الغني من أهل الشام يروي عن مالك الإمام أحاديث موضوعة

37 - الحسن بن علي ابن زكريا العدوي حدث عن معدان عن أبي الربيع الزهراني وغيره

(1/128)

من الثقات بأحاديث موضوعة رأيت له في نسخة واحدة ليحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة بضعة عشر حديثا يشهد القلب عليها إنها كلها موضوعة

38 - حسين بن علوان

شيخ من أهل مكة روى عن هشام بن عروة أحاديث أكثرها موضوعة

39 - حماد بن عمرو النصيبي

وقيل انه أبو إسماعيل من أهل نصيبين يروى عن جماعة من الثقات أحاديث موضوعة ساقطة بمرة

(1/129)

40 - حماد بن عيسى الجهني

يقال له الغريق دجال يروى عن ابن جريج وجعفر بن محمد الصادق وغيرهما أحاديث موضوعة روى عنه سليمان بن سيف وغيره

41 - حفص بن عمر

ابن أبي العطاف المدني روى عن أبي الزناد وعقيل ابن خالد أحاديث مناكير روى عنه ابن أبي أويس وغيره

42 - حفص بن سلم السمرقندي أبو مقاتل حدث عن عبيد الله بن عمر وأيوب السختياني ومسعر وغيره بأحاديث موضوعة كذبه وكيع بن الجراح بالكوفة

(1/130)

43 - حميد بن علي بن هارون

القيسي شيخ من المتأخرين كذاب خبيث حدث بالبصرة بعد الثلاثمائة وقيل الحسن عن عبد الواحد بن غياث وسليمان الشاذكوني وغيرهم بأحاديث موضوعة وأظن هذا الشيخ يلقب بزوج غنج

44 - حبيب بن أبي حبيب المروزي

حدث بمرو عن إبراهيم الصايغ وأبي حمزة السكري بأحاديث موضوعة

(1/131)

45 - حسان بن سياه

أبو سهل من أهل البصرة روى عن ثابت البناني أحاديث مناكير من رواية الثقات عنه لا يلزم الذنب فيه غيره

46 - حسان بن غالب من أهل مصر روى عن مالك بن انس أحاديث موضوعة

47 - حمزة النصيبي

وهو حمزة بن أبي حمزة الجعفي يروي عن نافع وعطاء بن أبي رباح وأبي الزبير أحاديث موضوعة روى عنه شبابة بن سوار الفزاري وغيره

(1/132)

48 - خالد بن عبيد العتكي حدث بمرو عن انس بن مالك بأحاديث موضوعة

49 - خالد بن الياس

القرشي ويقال العدوى روى عن محمد بن المنكدر والمقبري وهشام بن عروة أحاديث موضوعة روى عنه أبو عامر العقدي وعبد الله ابن نافع وغيرهما

(1/133)

50 - خالد بن عبد الدائم المصري روى عن نافع بن يزيد أحادث موضوعة

51 - خالد بن عبد الرحمن

أبو الهيثم الخراساني ويقال العبدي روى عن سماك بن حرب ومالك بن مغول أحاديث موضوعة حدث بها عنه عيسى العسقلاني الناس

(1/134)

52 - خالد بن إسماعيل

أبو الوليد المخزومي روى عن عبيد الله بن عمر أحاديث موضوعة

53 - داود بن عجلان المكي

ويقال البجلي يروى عن أبي عقال عن انس بن مالك أحاديث موضوعة روى عنه يحيى بن سليمان الطائفي وغيره

54 - داود بن المحبر بن قحذم كنيته أبو سليمان حدث ببغداد عن جماعة من الثقات بأحاديث موضوعة حدثونا عن الحارث بن أسامة عنه بكتاب العقل وأكثر ما أودع ذلك الكتاب من الحديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم كذبه أحمد بن حنبل جزاه الله عن نبيه صلى الله عليه وسلم خيرا

(1/135)

55 - داود بن عفان بن حبيب حدث بخرسان عن أنس بن مالك بأحاديث موضوعة في الإيمان والقرآن وفضائل الأعمال لا تحل الرواية عنه

56 - دينار بن عبد الله روى عن أنس بن مالك قريبا من مائة حديثا أكثرها موضوعة

(1/136)

57 - راشد بن معبد الواسطي روي عن انس بن مالك أحاديث موضوعة روي عنه زيد بن حباب

58 - روح بن مسافر البصري

روى عن الأعمش وحماد بن أبي سليمان أحاديث موضوعة روى عن حماد بن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم في اللوطيين لو اغتسلا بماء الفرات الحديث

59 - روح بن جناح أبو سعيد الشامي وهو أخو مروان بن جناح روى عن مجاهد أحاديث موضوعة روى عن الوليد بن مسلم وغيره

(1/137)

روح بن جناح ثقة

60 - رجاء بن أبي عطاء شيخ للمصريين صاحب الموضوعات يروى عن إدريس ابن يحيى الخولاني وغيره

61 - ركن بن عبيد الله من أهل الشام يروي عن مكحول أحاديث موضوعة روى عنه

(1/138)

آدم بن أبي لإياس وغيره أحاديث موضوعة روى عنه إسماعيل بن علية وعبد العزيز العمى

62 - زياد بن المنذر أبو الجارود الثقفي رديء يروي المناكير في الفضائل عن الأعمش وغيره

63 - زيد بن جبيرة ابن محمد بن جبيرة الأنصاري ويقال كنيته أبو جبيرة روى عن أبيه وداود بن الحصين وغيرهما المناكير روى عنه يحيى بن

(1/139)

أيوب المصري وسويد بن عبد العزيز الدمشقي ومحمد بن حمير الحمصي وغيرهم

64 - زكريا بن دويد الكندي أبو أحمد حدث بالشام بعد الخمسين والمائتين عن حميد الطويل عن أنس بأحاديث موضوعه لا تحل روايتها وكان يزعم أن له مائة سنة وقد رويت تلك النسخة عنه بالشام

65 - سعيد بن ميسرة البكري روى عن انس بن مالك أحاديث موضوعة وكذبه يحيى بن سعيد

66 - سعيد بن زون التغلبي روى عن انس بن مالك أحاديث موضوعة

(1/140)

67 - سعيد بن خالد ابن أبي الطويل الشامي روى عن أنس بن مالك أحاديث موضوعة روى عنه محمد بن شعيب بن شابور وغيره

68 - سعيد بن داود الزنبري أبو عثمان روى عن مالك بن أنس أحاديث مقلوبة وصحيفة أبي الزناد أيسر من غيرها فإن أحاديث أبي الزناد محفوظة كلها لأبي الزناد

(1/141)

وإن لم يكن لمالك فيها أصل وقد روى خارج تلك النسخة عن مالك أحاديث موضوعة منها حديثه عن مالك عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا كان لأحدكم ثوبان فليلبسهما إذا صلى فإن الله أحق من يجمل له

69 - سليمان بن مسلم وأظنه بصري روى عن سليمان التيمي أحاديث موضوعة روى عنه عبيد الله بن يوسف الجبيري

70 - سليمان بن عمرو أبو داود النخعي ويقال القاضي روى عن أهل المدينة وأهل الشام

(1/142)

عن الأئمة الثقات أحاديث موضوعة كذبه أحمد وغيره ولست أشك في وضعه الحديث على ما ذكر من تقشفه وكثرة عبادته

71 - سليمان بن بشار أبو أيوب الخراساني حدث بمصر والشام عن أبن عيينة وعيسى ابن يونس بأحاديث موضوعة لا يشك من رآها من أهل الصنعة في وضعها

72 - سلمة بن وردان أبو يعلى مولى لبنى ليث ويقال سلمة الجندعي وهو أخو عبد الرحمن بن

(1/143)

وردان سكن سلمة المدينة وعبد الرحمن مكة وحدث سلمة عن أنس مناكير أكثرها وقد روى عنه الثوري وابن مبارك

73 - سلام بن سليمان المدائني وهو الذي يقال له التميمي وكنيته أبو سليمان روى عن حميد الطويل وأبي عمرو بن العلاء وثور بن يزيد أحاديث موضوعة

74 - سالم بن عبد الأعلى أبو الفيض روى عن نافع أحاديث موضوعة روى عنه ابن إدريس وابن نمير

(1/144)

75 - سلم بن سالم البلخي كذبه عبد الله بن مبارك وله عن ابن جريج وعبيد الله بن عمر وسفيان الثوري أحاديث موضوعة كان يحج ويكتب عنه في الطريق وقد روى عنه جماعة من الأئمة لعلهم لم يقفوا على حاله إلا بعد الكتابة عنه

76 - سيف بن عمر الضبي اتهم بالزندقة وهو ساقط في رواية الحديث

77 - سهل بن عبد الله بن بريدة روى عن أبيه أحاديث موضوعة في فضائل مرو وغير ذلك يرويها

(1/145)

عنه أخوه أوس بن عبد الله

78 - سوار بن مصعب الهمداني ويقال سوار الأعمش روى عن الأعمش وإسماعيل بن خالد المناكير وعن عطية سعد الموضوعات وروى عن كليب بن وائل عن ابن عمر حديثا موضوعا وسوار متروك الحديث بمرة

79 - سفيان بن محمد الفزاري روى عن ابن وهب أحاديث موضوعة وكذلك عن ابن عيينة

(1/146)

وغيرهما روى عنه ابن قتيبة وأقرانه من أصحابنا

80 - سكين ابن أبي سراج روى عن عبد الله بن دينار وغيره أحاديث موضوعة

81 - شيخ بن أبي خالد النصري روى عن حماد بن سلمة أحاديث موضوعة في الصفات وغيره روى عن محمد بن أبي السري العسقلاني

82 - صخر بن محمد أبن حاجب الحاجبي من أهل مرو روى عن مالك بن أنس

(1/147)

والليث بن سعد وابن لهيعة أحاديث موضوعة حدثونا عن عبد الله بن محمود وغيره من الثقات عنه

83 - طاهر بن الفضل الحلبي روى عن ابن عيينة وحجاج بن محمد وغيرهما أحاديث مناكير موضوعة

84 - عبد الله بن محمد أبن يحيى بن عروة المدني الذي يقال له ابن زاذان حدث عن هشام بن عروة بأحاديث مناكير

(1/148)

85 - عبد الله بن محمد بن زاذان حدث عن هشام أيضا بأحاديث موضوعة

86 - عبد الله بن جعفر بن نجيح المديني والد الإمام علي بن عبد الله روى عن عبد الله بن دينار وسهيل

(1/149)

ابن أبي صالح أحاديث موضوعة تكلم فيه وحدثونا قتيبة بن سعيد قال لما دخلت بغداد واجتمع الناس وفيهم أحمد وعلي قلت حدثنا عبد الله بن جعفر فقام صبي من المجلس فقال يا أبا رجاء أبنه عليه ساخط حتى يرضى عنه قرأته بخط أبي بكر بن علي الرازي عن محمد بن نعيم عن قتيبة

87 - عبد الله بن ميمون القداحي المكي روى عن عبيد الله بن عمر وجعفر الصادق وغيرهما أحاديث موضوعة حدث عنه أبو الخطاب وغيره

88 - عبد الله بن حكيم الداهري أبو بكر روى عن إسماعيل بن أبي خالد والأعمش والثوري

(1/150)

أحاديث موضوعة روى عنه عمرو بن عون الواسطي

89 - عبد الله بن السري المدايني يروي عن أبي عمران الجوني أحاديث موضوعة

90 - عبد الله بن عمرو الغفاري يروي عن جماعة من الضعفاء أحاديث موضوعة لا يرويها عنهم

(1/151)

غيره روى عنه سلمة بن شبيب والحسن بن عرفة وغيرهما

91 - عبد الله بن علاج الموصلي يقال ابن أبي علاج روى عن مالك بن أنس ويونس بن يزيد أحاديث موضوعة

92 - عبد الله بن محمد بن ربيعة القدامى روى عن مالك أنس وإبراهيم بن سعد أحاديث موضوعة

(1/152)

93 - عبد الله بن وهب النسوي روى عن عبد الله بن وهب المصري ويزيد بن هارون وعبد الحميد بن عبد الرحمن أحاديث موضوعة

94 - عبد الله بن عيسى الفروي أبو علقمة المدني الأصم روى عن عبد الله بن نافع ومطرف بن عبد الله وغيرهما أحاديث مناكير وروى عن مطرف عن مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سافروا تصحوا وتغنموا وليس هذا من حديث مالك ومطرف ثقة وليس الحمل فيه إلا على أبي علقمة

95 - عبد الله بن الحارث أبن حفص بن الحارث وكنيته أبو محمد الصنعاني زعم أنه قرشي

(1/153)

دخل خراسان وكان يدور ببيهق واسفراين وبست وسائر رساتيق نيسابور يحدث عن عبد الرزاق بأحاديث موضوعة حدثونا عنه وأظنه مات قبل التسعين

96 - عبد الرحمن بن عبد الله ابن عمر بن حفص العمري حدث عن أبيه وعمه وسهيل بن أبي صالح وهشام بن عروة بأحاديث موضوعة

97 - عبد الرحمن بن زيد بن أسلم روى عن أبيه أحاديث موضوعة لا يخفى على من تأملها من أهل الصنعة أن الحمل فيها عليه

(1/154)

98 - عبد الرحمن بن قيس أبو معاوية الزعفراني روى عن محمد بن عمرو وحماد بن سلمة وغيرهما أحاديث منكرة منها حديثه عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن الزهري عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1/155)

من كرامة المؤمن على الله تعالى أن يغفر لمشيعيه وهذا عندي موضوع ورواه عنه أبو مسعود الأصبهاني وهو ثقة وليس الحمل فيه إلا على عبد الرحمن بن قيس

99 - عبد الرحمن بن مالك بن مغول روى عن عبد الله بن عمر والأعمش أحاديث موضوعة

100 - عبيد الله بن وليد الوصافي وهو من ولد الوصاف بن عامر العجلي روى عن محارب ابن دثار أحاديث موضوعة

(1/156)

101 - عبيد الله بن أبي حميد الهذلي روى عن عطاء وأبي المليح أحاديث مناكير يروي عنه مكي بن إبراهيم وغيره

102 - عمرو بن شمر الجعفي كثير الموضوعات عن جابر الجعفي وغيره وأن كان جابر الجعفي عند القوم مجروحا وليس راوي تلك الموضوعات الفاحشات عنه غير

(1/157)

عمرو بن شمر الجعفي فوجب أن يكون الحمل فيها عليه

103 - عمرو بن خالد الواسطي راوية زيد بن علي حدث عنه وعن حبيب بن أبي ثابت وغيرهما بأحاديث موضوعة

(1/158)

104 - عمرو بن جميع وأظنه من أهل بغداد ويروى عن هشام بن عروة وغيره أحاديث موضوعة روى عنه محمد بن الصباح الدولابي وغيره

105 - عمرو بن بكر السكسكي الرملي روى عن ابن جريج وإبراهيم بن أبي عبلة وغيرهما أحاديث مناكير يروي عن الثقات فليس الحمل فيه إلا عليه

(1/159)

106 - عمرو بن خالد الأعشى روى عن هشام بن عروة وغيره أحاديث موضوعة روى عنه يوسف بن موسى القطان وغيره

107 - عمرو بن خليف العسقلاني حدثونا عن محمد بن الحسن بن قتيبة وغيره بأحاديث حدث بها عن الثقات والأحاديث الموضوعة فوجب إسقاطه

108 - عمرو بن محمد الأعسم ساقط روى أحاديث موضوعة عن قوم لا يوجد في حديثهم منها

(1/160)

شيء وروى عن عبد الرحمن بن يحيى بن سعيد الأنصاري عن أبيه يحيى بن سعيد الأنصاري بأحاديث موضوعة ولا أعلم لعبد الرحمن راويا غيره

109 - عمر بن محمد بن صهبان المدني عن نافع وزيد بن أسلم أحاديث مناكير رواها الثقات عنه

110 - عمر بن زيد الصنعاني روى عن محارب بن دثار وأبي الزبير أحاديث موضوعة روى عنه عبد الرزاق

(1/161)

111 - عمر بن راشد اليمامي وهو عمر بن عبد الله بن أبي خثعم أبو حفص روى عن يحيى بن أبي كثير وغيره أحاديث مناكير روى عنه وكيع وزيد بن الحباب

112 - عمر بن حفص العبدي أبو حفص روى عن ثابت البناني وغيره أحاديث مناكير رواها عنه الثقات

(1/162)

113 - عمر بن صبح روى عن قتادة ومقاتل بن حيان أحاديث موضوعة عمر بن هارون البلخي روى عن ابن جريج والأوزاغي وجعفر بن محمد وشعبة أحاديث مناكير

(1/163)

115 - عمر بن أيوب المدني روى عن أبي ضمرة أنس بن عياض عن مالك حديثا موضوعا

116 - عمر بن راشد الجاري روى عن مالك بن انس أحاديث موضوعة روى عنه يعقوب بن سفيان وغيره

(1/164)

117 - عثمان بن عطاء الخراساني روي عنه أحاديث موضوعة وأبوه وان كان سكتوا عنه فليس بذلك

118 - عثمان بن فايد ينتسب إلي قريش روى عن جماعة من الثقات المعضلات

(1/165)

119 - عثمان بن خالد بن عمر ابن عبد الله بن الوليد بن عثمان بن عفان روى عن مالك وعيسى ابن يونس وغيرهما أحاديث موضوعة

120 - عثمان بن عبد الله القرشي وهو أبو عمرو الأموي من أهل المغرب ورد خراسان فحدث بها عن مالك والليث بن سعد وابن لهيعة ورشدين بن سعد وحماد بن سلمة وغيرهم أحاديث موضوعة حدثونا عن الثقات من شيوخنا بها عنه والحمل فيها عليه

(1/166)

121 - علي بن أبي علي اللهبي روى عن محمد بن المنكدر أحاديث موضوعة يرويها عن الثقات

122 - علي بن الحسن السامي المصري روى عن الثوري وابن أبي ذئب ومالك بن انس وعبد الله بن عمر أحاديث موضوعة

(1/167)

123 - علي بن عبدة بن قتيبة التميمي حدث ببغداد عن يحيى بن سعيد الأموي بحديث موضوع

124 - علي بن جميل بن يزيد الرقي حدث عن عيسى بن يونس وجرير بن عبد الحميد بأحاديث موضوعة

125 - ابن شهريار الرقى روى عن يزيد بن هارون والأنصاري

(1/168)

حدثين قد قلبهما وسرقهما

126 - عيسى بن ميمون مولى قريش مدني روى عن القاسم بن محمد بن أبي بكر أحاديث موضوعة قال عبد الرحمن بن مهدي استعديت على عيسى بن ميمون فقلت هذه الأحاديث التي تحدث بها عن القاسم فقال تبت لا أعود

(1/169)

127 - عيسى بن عبد الله بن محمد ابن عمر بن علي بن أبي طالب روى عن أبيه عن آبائه أحاديث موضوعة

128 - عاصم بن سليمان الحذاء الكوزي عداده في البصريين وهو الذي يعرف بالحذاء روى عن داود بن أبي هند وعاصم الأحول وهشام بن حسان أحاديث موضوعة

129 - عبد الملك بن هارون ابن عنترة الشيباني روى عن أبيه أحاديث موضوعة

(1/170)

130 - عبد الملك بن قدامة القرشي روى عن عبد الله بن دينار أحاديث مناكير

(1/171)

131 - عبد العزيز بن عبد الرحمن الج. زرري روى عن خصيف بن عبد الرحمن وعبد الكريم بن مالك أحاديث موضوعة

132 - عبد العزيز بن أبان القرشي أبو خالد روى عن مسعر والثوري المعضلات

(1/172)

133 - عبد الحميد بن بحر الكوفي عن مالك وشريك بن عبد الله بأحاديث مقلوبة

134 - عبد الحكم بن عبد الله القسملي روى عن أنس أحاديث موضوعة

135 - عبد الوهاب بن مجاهد ابن جبر المكي يروي عن أبيه أحاديث موضوعة

(1/173)

136 - عبد المهيمن بن عباس بن سهل ابن سعد روى عن آبائه أحاديث موضوعة

(1/174)

137 - عبد الخالق بن زيد ابن واقد الدمشقي يروي عن أبيه المعضلات

138 - عبد السلام بن عبد القدوس الشامي عن إبراهيم بن أبي عبلة عن هشام بن عروة أحاديث موضوعة روى عنه هشام بن عمار وغيره

139 - عبد السلام بن صالح ابن سليمان أبو الصلت الهروي روى عن حماد بن زيد وأبي معاوية وعباد بن العوام وغيرهم أحاديث مناكير

(1/175)

140 - عبد الواحد بن نافع الكلاعي شيخ يروي عن أئمة أهل الشام الموضوعات

141 - عبد الأعلى بن أعين روى عن يحيى بن أبي كثير الموضوعات روى عنه عبيد الله بن موسى

(1/176)

142 - عبد المنعم بن بشير الأنصاري روى عن مالك وعبد الله بن عمر الموضوعات روى عنه يعقوب بن سفيان الفسوي وأزهر بن زفر

143 - عبد الرحيم بن زيد العمي روى عن أبيه أحاديث عليه الحمل فيها لا على أبيه

(1/177)

144 - عبد الرحيم بن حبيب الفارياني روى عن ابن عيينة وبقية وغيرهما الموضوعات

145 - عباد بن كثير الرملي روي عن الثوري أحاديث موضوعة وهو صاحب حديث طلب

(1/178)

الحلال فريضة بعد الفريضة

146 - عباد بن كثير الكاهلي الثقفي شيخ قديم كان الثوري يكذبه ثم مات فلم يصل عليه

(1/179)

الثوري وروايته عن جعفر بن محمد وهشام بن عروة وعبد الله بن محمد بن عقيل والحسن البصري ونافع مولى ابن عمر حدث عنهم بالمعضلات

147 - عبيد بن القاسم روى عن هشام بن عروة أحاديث موضوعة روى عنه أبو الأشعت وغيره

(1/180)

148 - العلاء بن زيدل شيخ يروي عن انس بن مالك أحاديث موضوعة يقال إنه أبلي

149 - عيسى بن ميمون العطار أبو عبيد التيمي عداده في البصريين روى عن بكر بن عبد الله

(1/181)

المزني ويحيى بن أبي كثير ومحمد بن كعب القرظي وغيرهم المعضلات

150 - عامر بن صالح الزبيري من أهل المدينة روى عن هشام بن عروة المناكير

(1/182)

151 - العباس بن الوليد ابن بكار الضبي من أهل البصرة روى عن خالد بن عبد الله الواسطي حديثا منكرا لم يتابع عليه وحدث عن غيره بالمعضلات

152 - عمار بن سيف الضبي روى عن إسماعيل بن أبي خالد والثوري المناكير

153 - عون بن عمارة من أهل البصرة روى عن حميد الطويل وهشام بن حسان المناكير

(1/183)

154 - غياث بن إبراهيم الكوفي أبو عبد الرحمن ممن يضع الحديث لا يشك فيه

155 - فائد بن عبد الرحمن العطار أبو الورقاء كوفي يروي عن ابن أبي أوفى أحاديث موضوعة روى عنه عيسى بن يونس وغيره

(1/184)

156 - فضالة بن الحصين روى عن عبيد الله بن عمر ومحمد بن عمرو بن علقمة المناكير

(1/185)

157 - فرات بن السائب الجزري حدث عن ميمون بن مهران أحاديث موضوعة

158 - قاسم بن عبد الله ابن عمر العمري روى عن عمه وعبد الله بن دينار المناكير روى عنه أبو وهب وغيره

(1/186)

159 - قاسم بن عبد الله المكفوف من أهل الجزيرة حدث بأحاديث موضوعة عن الخواص وغيره

(1/187)

160 - كثير بن عبد الله ابن عمر ابن عوف المزني حدث عن أبيه عن جده بصحيفة أكثرها مناكير

161 - كثير بن سليم الأبلسي كنيته أبو هاشم زعم أنه سمع أنس بن مالك وروى عنه أحاديث يشهد القلب أنها موضوعة روى عنه قتيبة وغيره

(1/188)

162 - كوثر بن حكيم روى عن عطاء ونافع أحاديث مناكير روى عنه هشيم

163 - كادح بن رحمة الزاهد روى عن مسعر والثوري أحاديث موضوعة روى عنه أبو الربيع الزهراني

(1/189)

164 - موسى بن عمير العنبري روى عن الحكم بن عتيبة مناكير

(1/190)

165 - موسى ابن محمد بن إبراهيم ابن الحارث التيمي روى عن أبيه المناكير 2

(1/191)

166 - موسى بن مطير روى عن أبيه عن أبي هريرة أحاديث موضوعة

167 - موسى بن محمد البلقائي أبو طاهر روى عن مالك بن أنس والموقري أحاديث موضوعة

(1/192)

168 - موسى الطويل من أهل واسط زعم أنه لقي أنس بن مالك وسمع منه وقد روى محمد بن سلمة الواسطي وهو ثقة عنه عن أنس أحاديث موضوعة

169 - محمد بن أبي قيس الأردني من أهل الشام الذي يعرف بالمصلوب قتل في الزندقة كان يروي المعضلات عن الأثبات

(1/193)

قال دحيم كان محمد بن سعيد يقول إني لأسمع الكلمة الحسنة ولا أرى بأسا أن أنشيء لها إسنادا كان محمد بن عجلان يحدث عنه فيقول حدثني محمد بن سعيد بن حسان ابن قيس وكان سعيد بن أبي هلال يقول إذا روى عنه حدثني محمد بن سعيد الأسدي ويقال له أبو عبد الرحمن الشامي ويقال أبو عبد الرحمن الأردني ويقال محمد الطبري ينسب إلى الطبرية وهو ساقط بلا خلاف بين أئمتنا

170 - محمد بن زياد الجزري اليشكري الحنفي يروي عن ميمون بن مهران وغيره الموضوعات

(1/194)

171 - محمد بن السائب الكلبي أحاديثه عن أبي صالح موضوعة

(1/195)

172 - محمد بن عبد الرحمن أبو جابر البياضي ساقط

173 - محمد بن المنذر بن عبيد الله والله أعلم

(1/196)

174 - محمد بن عبد الرحمن البيلماني يروي عن أبيه عن ابن عمر المعضلات

175 - محمد بن عبد الله الأنصاري روى عن حميد الطويل ومالك بن دينار أحاديث موضوعة وربما

(1/197)

يتوهم بعض أصحابنا أنه محمد بن عبد الله بن المثني الأنصاري كذلك فإن ابن المثنى ثقة مأمون وهذا محمد بن عبد الله بن زياد وليس الأنصاري وكنيته أبو سلمة متروك الحديث

176 - محمد بن سعيد الطائفي روى عن ابن جريج حديثا موضوعا في أهل لا اله إلا الله يرويه عنه الثقات مثل أبي عتبة أحمد بن الفرج وغيره

(1/198)

177 - محمد بن عبد الملك الأنصاري مديني سكن الشام روى عن نافع ومحمد بن المنكدر والزهري وهشام بن عروة الموضوعات

178 - محمد بن الحسن بن زبالة المخزومي روى عن مالك بن أنس والدراوردي المعضلات

(1/199)

179 - محمد بن محصن الأسدي روى عن الأوزاعي وغيره من الأئمة أحاديث موضوعة

180 - محمد بن الفضل بن عطية البخاري روى عن زيد بن أسلم ومنصور بن المعتمر وأبي إسحاق وداود بن أبي هند أحاديث موضوعة كتب عنه بالعراق وخراسان

(1/200)

181 - محمد بن عبد الله بن علاثة القاضي وكنيته أبو اليسير روى عن الأوزاعي وخصيف الجزري والنضر بن عربي أحاديث موضوعة

(1/201)

مدار حديثه على عمرو بن الحصين العقيلي

182 - محمد بن فرات التميمي كوفي وكنيته أبو علي الجرمي روى عن محارب بن دثار وغيره

(1/202)

183 - محمد العكاشي ويقال الغنوي من ولد عكاشة بن محصن روى عن الأوزاعي والزبيدي وإبراهيم بن أبي عبلة ومكحول أحاديث موضوعة

(1/203)

184 - محمد بن مروان السدي صاحب الكلبي ساقط في أكثر رواياته

(1/204)

185 - محمد بن أبي الزعيزعة حدث بالشام عن نافع ومحمد بن المنكدر بالمعضلات

186 - محمد بن عمر الكلاعي روى عن الحسن وقتادة حديثا موضوعا يرويه عنه سويد بن سعيد

(1/205)

187 - محمد بن عمر بن الوليد اليشكري روى عن مالك بن أنس حديثا منكرا وأظنه سرقه من علي بن قتيبة الرفاعي

188 - محمد بن الحجاج اللخمي ويقال كنيته أبو إبراهيم روى عن عبد الملك بن عمير حديث الهريسة وهو موضوع

(1/206)

189 - محمد بن الحسن الأزدي من رهط المهلب بن أبي صفرة روى عن مالك أحاديث موضوعة

(1/207)

190 - محمد بن أيوب بن سويد الرملي روى عن أبيه أحاديث موضوعة

191 - محمد بن إبراهيم الشامي روى عن الوليد بن مسلم وسويد بن عبد العزيز أحاديث موضوعة حدث عنه الحسن بن سفيان

192 - محمد بن عبد الرحمن بن غزوان أبوه قراد روى عن مالك بن أنس وإبراهيم بن سعد عن أبيه أحاديث موضوعة

(1/208)

193 - محمد بن تميم الفارياني وزعم أنه متعمد كذاب خبيث

194 - محمد بن يحيى بن ضرار المازني العسكري روى عن مسلم بن إبراهيم والزهراني وطبقتهما أحاديث موضوعة

(1/209)

195 - محمد بن القاسم الطايكاني من أهل بلخ حدث بنيسابور وفي طريق مكة بأحاديث موضوعة

196 - محمد بن يحيى بن رزين المصيصي روى عن حجاج بن محمد وعثمان بن عمر أحاديث موضوعة روى عنه محمد بن المسيب وغيره

197 - مطر بن ميمون الإسكاف ويقال أبو خالد المحاربي كوفي يضع الأحاديث في الفضائل

(1/210)

فيرويها عن أنس بن مالك روى عنه عبيد الله بن موسى وغيره

198 - ميسره بن عبد ربه يروي الموضوعات عن قوم من المجهولين وهو ساقط

(1/211)

199 - معلى بن عرفان ابن أخي أبي وائل يروي عن عمه المناكير حدث عنه وكيع وجعفر بن عون وغيرهما من أهل الكوفة

200 - معلى بن هلال الطحان روى عن محمد بن سوقة ويونس بن عبيد الثقات المناكير

(1/212)

201 - مهدي بن هلال عداده في البصريين حدث عنه بالمعضلات كذبه يحيى بن سعيد

202 - مسزر بن الصلت روى عن محمد بن المنكدر كذبه أحمد بن حنبل

(1/213)

203 - مسلمة بن علي الخشني ويقال أبو سعيد الدمشقي ويقال أبو سعيد الشامي روى عن ابن جريج والزبيدي والأوزاعي المناكير بل الموضوعات

(1/214)

204 - منصور بن عبد الحميد يقال الجزري وأنه كان قاضيا بها كنيته أبو رباح حدث ببلخ أيضا روى عن أنس وأبي أمامة الباهلي أحاديث موضوعة

205 - مأمون بن أحمد السلمي من أهل هراة خبيث كذاب يروي عن الثقات مثل هشام بن عمار ودحيم بن اليتيم أحاديث موضوعة فمما حدث عن أحمد بن عبد الله

(1/215)

وهو الكذاب الجويباري عن عبد الله بن معدان الأزدي عن أنس مسندا يكون في أمتي رجل يقال له محمد بن إدريس أضر على أمتي من إبليس ويكون في أمتي رجل يقال له أبو حنيفة وهو سراج أمتي

206 - نوح بن دراج كان على القضاء بالكوفة حدث عن الثقات بالموضوعات

(1/216)

207 - نوح بن ذكوان روى عن الحسن كل معضلة منها صحيفة عن الحسن عن أنس

208 - نوح بن أبي مريم الجامع أبو عصمة القاضي المر وزي ولقد كان جامعا رزق من

(1/217)

كل شيء حظا إلا الصدق فإنه حرمه نعوذ بالله من الخذلان

209 - نهشل بن سعيد ابن وردان النيسابوري روى عن الضحاك بن مزاحم الموضوعات وقد روى عن داود بن أبي هند حديثا منكرا كذبه إسحاق الحنظلي وغيره

210 - نفيع بن الحارث أبو داود الأعمى روى عن بريدة الأسلمي وأنس بن مالك أحاديث موضوعة وقد روى عنه الأئمة مثل إسماعيل بن أبي خالد والعلاء بن المسيب وإبان تغلب وغيرهم

(1/218)

211 - نعيم بن المورع ابن توبة العنبري روى عن هشام بن عروة أحاديث موضوعة

(1/219)

212 - نجيح أبو معشر السندي عداده في المدنيين وهو مولى أم موسى أمير المؤمنين المهدي روى عن نافع ومحمد بن المنكدر وهشام بن عروة ومحمد بن عمرو وغيرهم الموضوعات

(1/220)

213 - وهب بن وهب القاضي أبو البختري ويقال له القرشي لأن أمه عبدة بنت علي بن يزيد أبن ركانة بن عبد زيد وهو أبو البختري القاضي روى عن الصادق جعفر بن محمد وهشام بن عروة وعبيد الله بن عمر ومحمد بن عجلان وغيرهم من أهل المدينة أحاديث موضوعة لا ينبغي أن يكتب حديثه

(1/221)

214 - الوليد بن سلمة الأردني شامي روى عن عبيد الله بن عمر وابن أبي ذئب أحاديث موضوعة

215 - الوليد بن الوليد العنسي روى عن عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان أحاديث موضوعة

(1/222)

216 - الوليد بن موسى الدمشقي روى عن الأوزاعي حديثا موضوعا

(1/223)

217 - الوليد بن الفضل العنزي روى عن أهل الكوفة الموضوعات

218 - وازع بن نافع العقيلي روى عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسالم أحاديث موضوعة مدارها على رواية ابن ثابت عنه والله أعلم

(1/224)

219 - الهيثم بن عدي الطائي حدث عن جماعة من الثقات أحاديث منكرة يزيد بن عبد الملك النوفلي روى عن سهيل بن أبي صالح والمقبري ويزيد بن خصيفة المناكير

(1/225)

221 - يزيد بن سنان الجزري أبو فروة الرهاوي روى عن الزهري ويحيى بن أبي كثير وهشام

(1/226)

ابن عروة المناكير الكثيرة وابنه محمد بن يزيد وابن ابنه يزيد بن محمد صدوقان

222 - يزيد بن سفيان أبو المهزم روى عن أبي هريرة المناكير روى عنه حماد بن سلمة وقال شعبة رأيت أبا المهزم مطروحا في هذا المسجد ولو أعطاه إنسان درهما لوضع له سبعين حديثا

(1/227)

223 - يحيى بن سابق المديني أبو زكريا حدث عن محمد بن المنكدر وأبي حازم وموسى بن عقبة بأحاديث موضوعة

224 - يحيى بن عبيد الله بن موهب القرشي التيمي روى عن أبيه عن أبي هريرة بنسخة أكثرها مناكير ويقال إن يحيى كان من العباد رحمنا الله وإياه

(1/228)

225 - يحيى بن عنبسة روى عن مالك بن أنس وأبي حنيفة وداود بن أبي هند وابن عيينة أحاديث موضوعة

226 - يحيى بن هاشم السمسار بغدادي وهو أبو زكريا روى عن الأعمش ومسعر وهشام بن عروة أحاديث منكرة

(1/229)

227 - يحيى بن شبيب اليماني روى عن الثوري أحاديث موضوعة يوسف بن خالد بن عمر السمتي روى عن زياد بن سعد وغيره من الثقات المناكير

(1/230)

229 - يوسف بن السفر أبو الفيض روى عن الأوزاعي أحاديث موضوعة يوسف بن عطية الصفار أبو سهل البصري السعدي روى عن ثابت البناني أحاديث مناكير

(1/231)

231 - يعقوب بن الوليد المدني روى عن هشام بن عروة ومالك بن أنس وموسى بن عقبة وغيرهم من المدنيين مناكير

232 - يونس بن عطاء ابن عثمان بن ربيعة الصدائي روى عن حميد الطويل أحاديث موضوعة

(1/232)

233 - ياسين بن معاذ الزيات روى عن عمرو بن دينار وأبي الزبير وغيرهما من الثقات الموضوعات

=========

( فهرس المحتويات )

المنظومة البيقونية

الكتاب: المنظومة البيقونية

المؤلف: عمر (أوطه) بن محمد بن فتوح البيقوني الدمشقي الشافعي (المتوفى: نحو 1080هـ)

الناشر: دار المغني للنشر و التوزيع

الطبعة: الطبعة الأولى 1420هـ - 1999م

عدد الأجزاء: 1

[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي]

بسم الله الرحمن الرحيم

المنظومة البيقونية

1 - أبدأ بالحمد مصليا على ... محمد خير نبي أرسلا

2 - وذي من أقسام الحديث عده ... وكل واحد أتى وحده

3 - أولها الصحيح وهو ما اتصل ... إسناده ولم يشذ أو يعل

4 - يرويه عدل ضابط عن مثله ... معتمد في ضبطه ونقله

(1/7)

5 - والحسن المعروف طرقا وغدت ... رجاله لا كالصحيح اشتهرت

6 - وكل ما عن رتبة الحسن قصر ... فهو الضعيف وهو أقساما كثر

7 - وما أضيف للنبي المرفوع ... وما لتابع هو المقطوع

8 - والمسند المتصل الإسناد من ... راويه حتى المصطفى ولم يبن

9 - وما بسمع كل راو يتصل ... إسناده للمصطفى فالمتصل

10 -مسلسل قل ما على وصف أتى ... مثل أما والله أنبأني الفتى

11 - كذاك قد حدثنيه قائما ... أو بعد أن حدثني تبسما

(1/8)

12 - عزيز مروي اثنين أو ثلاثه ... مشهور مروي فوق ما ثلاثه

13 - معنعن كعن سعيد عن كرم ... ومبهم ما فيه راو لم يسم

14 - وكل ما قلت رجاله علا ... وضده ذاك الذي قد نزلا

15 - وما أضفته إلى الأصحاب من ... قول وفعل فهو موقوف زكن

16 - ومرسل منه الصحابي سقط ... وقل غريب ما روى راو فقط

17 - وكل ما لم يتصل بحال ... إسناده منقطع الأوصال

18 - والمعضل الساقط منه اثنان ... وما أتى مدلسا نوعان

(1/9)

19 - الأول: الاسقاط للشيخ وأن ... ينقل عمن فوقه بعن وأن

20 - والثان: لا يسقطه لكن يصف ... أوصافه بما به لا ينعرف

21 - وما يخلف ثقة به الملأ ... فالشاذ والمقلوب قسمان تلا

22 - إبدال راو ما براو قسم ... وقلب إسناد لمتن قسم

23 - والفرد ما قيدته بثقة ... أو جمع أو قصر على رواية

24 - وما بعلة غموض أو خفا ... معلل عندهم قد عرفا

25 - وذو اختلاف سند أو متن ... مضطرب عند أهيل الفن

(1/10)

26 - والمدرجات في الحديث ما أتت ... من بعض ألفاظ الرواة اتصلت

27 - وما روى كل قرين عن أخه ... مدبج فأعرفه حقا وانتخه

28 - متفق لفظا وخطا متفق ... وضده فيما ذكرنا المفترق

29 - مؤتلف متقق الخط فقط ... وضده مختلف فاخش الغلط

30 - والمنكر الفرد به راو غدا ... تعديله لا يحمل التفردا

31 - متروكه ما واحد به انفرد ... وأجمعوا لضعفه فهو كرد

32 - والكذب المختلق المصنوع ... على النبي فذلك الموضوع

(1/11)

33 - وقد أتت كالجوهر المكنون ... سميتها منظومة البيقوني

34 - فوق الثلاثين بأربع أتت ... أقسامها تمت بخير ختمت

(1/12)

========

( فهرس المحتويات )

الموقظة في علم مصطلح الحديث

الكتاب: الموقظة في علم مصطلح الحديث

المؤلف: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي (المتوفى: 748هـ)

اعتنى به: عبد الفتاح أبو غُدّة

الناشر: مكتبة المطبوعات الإسلامية بحلب

الطبعة: الثانية، 1412 هـ

عدد الأجزاء: 1

[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]

قال معد النسخة الإلكترونية:

غرضي من هذا التدقيق الإلكتروني

قراءة النص الأصلي للكتاب قراءة صحيحة دقيقة، ومطابقة هذه النسخة بترقيم الكتاب المطبوع، والتنبيه إلى أخطاء النسخة الإلكترونية الموجودة على الشاملة.

عملي في هذا التدقيق الإلكتروني

1- اقتصرت على متن الكتاب.

2- حذفت تعليقات المحقق إلا ما اقتضته الضرورة، ورمزت لها بـ (ق) .

3- أما التعليقات التي تخلو من هذا الرمز، وهي الأكثر، فهي للعبد الفقير.

4- راجعت النص على إحدى المخطوطتين اللتين اعتمد عليهما المحقق (وهي مخطوطة المكتبة الظاهرية، رقم 1027عام، 88) ، وهي بخط الإمام البقاعي، ورمزت لها برمز (ظ) .

5- أعدت تنسيق النسخة الإلكترونية وتدقيقها، بارك الله في كاتبها، ونبهت في الهامش إلى أخطائها، ورمزت لها برمز (ش) .

والكمال لله وحده وعليه التكلان

صورة للصفحة الأولى من الكتاب

(من مخطوطة المكتبة الظاهرية بدمشق)

(/)

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على محمد وآله وصحبه (1)

رب زدني علما، ووفق يا كريم

أما بعد (2)

قال الشيخ الإمام العالم العلامة، الرحلة المحقق (3) ، بحر الفوائد، ومعدن الفرائد، عمدة الحفاظ والمحدثين، وعدة الأئمة المحققين (4) ، وآخر المجتهدين: شمس الدين محمد بن أحمد (5) بن عثمان الذهبي الدمشقي، رحمه الله ونفعنا بعلومه وجميع المسلمين:

__________

(1) - ليست في (ظ) .

(2) - ليست في (ظ) .

(3) - في (ش) : "المحقق" بفتح القاف، وصوابها بالكسر.

(4) - في (ش) : "المحققين" بفتح القاف، وصوابها بالكسر.

(5) - ليست في (ظ) .

(1/23)

(1) الحديث الصحيح:

هو ما دار على: عدل (1) ، متقن، واتصل سنده. فإن كان مرسلا، ففي الاحتجاج به اختلاف. وزاد أهل الحديث: سلامته من الشذوذ، والعلة. وفيه نظر على مقتضى نظر الفقهاء، فإن كثيرا من العلل يأبونها.

فالمجمع على صحته إذا: المتصل، السالم من الشذوذ، والعلة. وأن يكون رواته: ذوي ضبط، وعدالة، وعدم تدليس.

فأعلى مراتب المجمع عليه:

- مالك، عن نافع، عن ابن عمر. أو:

- منصور، عن (2) إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله.

__________

(1) - في (ش) : "عدل" مع التنوين بالفتح، وصوابها بالكسر.

(2) - سقطت من (ش) .

(1/24)

أو: - الزهري، عن سالم، عن (1) أبيه. أو:

- أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة.

ثم بعده:

- معمر، عن همام، عن أبي هريرة. أو:

- ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس. أو:

- ابن جريج، عن عطاء، عن جابر، وأمثاله.

ثم بعده في المرتبة:

- الليث وزهير، عن أبي الزبير، عن جابر. أو:

- سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس.

__________

(1) - سقطت من (ش) .

(1/25)

أو: - أبو بكر بن عياش، عن أبي إسحاق، عن البراء. أو:

- العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة.

ونحو ذلك من أفراد البخاري أو مسلم.

(2) الحسن:

وفي تحرير معناه اضطراب. فقال الخطابي رحمه الله: "هو ما عرف مخرجه واشتهر رجاله، وعليه مدار أكثر الحديث. وهو الذي يقبله أكثر العلماء، ويستعمله عامة الفقهاء". وهذه عبارة ليست على صناعة الحدود والتعريفات، إذ الصحيح ينطبق ذلك عليه أيضا! لكن مراده: مما لم يبلغ درجة الصحيح.

فأقول: الحسن ما ارتقى عن درجة الضعيف، ولم يبلغ درجة الصحة.

(1/26)

وإن شئت قلت: "الحسن ما سلم من ضعف الرواة"، فهو حينئذ داخل في قسم الصحيح. وحينئذ يكون الصحيح مراتب كما قدمناه، والحسن ذا رتبة دون تلك المراتب، فجاء الحسن مثلا في آخر مراتب الصحيح.

وأما الترمذي، فهو أول من خص هذا النوع باسم (الحسن) . وذكر أنه يريد به: أن يسلم راويه من أن يكون متهما، وأن يسلم من الشذوذ، وأن يروى نحوه من غير وجه. وهذا مشكل أيضا على ما يقول فيه: (حسن، غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه) .

وقيل: الحسن ما ضعفه محتمل، ويسوغ العمل به. وهذا أيضا ليس مضبوطا بضابط يتميز به الضعف المحتمل.

(1/27)

وقال ابن الصلاح رحمه الله: "إن الحسن قسمان (1) :

أحدهما: ما لا يخلو سنده من مستور لم تتحقق أهليته، لكنه غير مغفل، ولا خطاء، ولا متهم. ويكون المتن مع ذلك عرف مثله أو نحوه من وجه آخر اعتضد به.

وثانيهما: أن يكون راويه مشهورا بالصدق والأمانة، لكنه لم يبلغ درجة رجال الصحيح، لقصوره عنهم في الحفظ والإتقان. وهو مع ذلك يرتفع عن حال من يعد تفرده منكرا، مع عدم الشذوذ والعلة".

فهذا عليه مؤاخذات. وقد قلت لك: إن الحسن ما قصر سنده قليلا عن رتبة الصحيح، وسيظهر لك بأمثلة.

ثم لا تطمع بأن للحسن (2) قاعدة تندرج كل الأحاديث الحسان فيها، فأنا على إياس من ذلك! فكم من حديث تردد فيه الحفاظ: هل هو حسن؟ أو ضعيف؟ أو صحيح؟ بل الحافظ الواحد يتغير اجتهاده

__________

(1) - في (ش) : "قسمان" بفتح القاف، والصحيح بكسرها.

(2) - في (ش) : "للحسن" بفتح النون، والصواب بكسرها.

(1/28)

في الحديث الواحد: فيوما يصفه بالصحة، ويوما يصفه بالحسن، ولربما استضعفه!

وهذا حق، فإن الحديث الحسن يستضعفه الحافظ عن أن يرقيه إلى رتبة (1) الصحيح. فبهذا الاعتبار فيه ضعف ما، إذ الحسن لا ينفك عن ضعف ما. ولو انفك عن ذلك، لصح باتفاق.

وقول الترمذي: (هذا حديث حسن، صحيح) عليه إشكال: بأن الحسن قاصر عن الصحيح، ففي الجمع بين السمتين لحديث واحد مجاذبة! وأجيب عن هذا بشيء لا ينهض أبدا، وهو أن ذلك راجع إلى الإسناد: فيكون قد روي بإسناد حسن، وبإسناد صحيح. وحينئذ لو قيل: (حسن، صحيح، لا نعرفه إلا من هذا الوجه) ، لبطل هذا الجواب!

وحقيقة ذلك - أن لو كان كذلك - أن يقال: (حديث حسن وصحيح) . فكيف العمل في حديث يقول فيه: (حسن، صحيح،

__________

(1) - في (ش) : "مرتبة" بزيادة ميم، وهو مخالف للأصل.

(1/29)

لا نعرفه إلا من هذا الوجه) ؟ فهذا يبطل قول من قال: أن يكون ذلك بإسنادين.

ويسوغ أن يكون مراده بالحسن: المعنى اللغوي لا الاصطلاحي، وهو إقبال النفوس وإصغاء الأسماع إلى حسن متنه، وجزالة لفظه، وما فيه من الثواب والخير. فكثير من المتون النبوية بهذه المثابة.

قال شيخنا ابن وهب: فعلى هذا، يلزم إطلاق الحسن على

(1/30)

بعض الموضوعات! ولا قائل بهذا. ثم قال: "فأقول: لا يشترط في الحسن قيد القصور عن الصحيح، وإنما جاء القصور إذا اقتصر على: (حديث حسن) . فالقصور يأتيه من قيد الاقتصار، لا من حيث حقيقته وذاته". ثم قال: "فللرواة صفات تقتضي قبول الرواية، ولتلك الصفات درجات بعضها فوق بعض، كالتيقظ والحفظ والإتقان. فوجود الدرجة الدنيا، كالصدق مثلا وعدم التهمة، لا ينافيه

(1/31)

وجود ما هو أعلى منه من الإتقان والحفظ. فإذا وجدت الدرجة العليا، لم يناف ذلك وجود الدنيا كالحفظ مع الصدق. فصح أن يقال: (حسن) باعتبار الدنيا، (صحيح) باعتبار العليا. ويلزم على ذلك أن يكون كل صحيح حسنا، فيلتزم ذلك. وعليه عبارات المتقدمين، فإنهم يقولون فيما صح: (هذا حديث حسن) ".

قلت: فأعلى مراتب الحسن:

- بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده. و:

- عمرو (1) بن شعيب، عن أبيه، عن جده. و:

- محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة. و:

__________

(1) - ابتداء من هنا، هناك سقط في (ظ) لفقدان ورقة من المخطوطة بوجهيها.

(1/32)

- ابن إسحاق، عن محمد بن إبراهيم التيمي. وأمثال ذلك.

وهو قسم متجاذب بين الصحة والحسن. فإن عدة من الحفاظ يصححون هذه الطرق، وينعتونها بأنها من أدنى مراتب الصحيح.

ثم بعد ذلك، أمثلة كثيرة يتنازع فيها: بعضهم يحسنونها، وآخرون يضعفونها. كحديث الحارث بن عبد الله، وعاصم بن ضمرة، وحجاج بن أرطاة، وخصيف، ودراج أبي السمح، وخلق سواهم.

(3) الضعيف:

ما نقص عن درجة الحسن قليلا. ومن ثم، تردد في حديث أناس: هل بلغ حديثهم إلى درجة الحسن أم لا؟ وبلا ريب، فخلق كثير من المتوسطين في الرواية بهذه المثابة. فآخر مراتب الحسن هي أول مراتب الضعيف، أعني الضعيف الذي في "السنن" وفي كتب الفقهاء، ورواته

(1/33)

ليسوا بالمتروكين: كابن لهيعة، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وأبي بكر بن أبي مريم الحمصي، وفرج بن فضالة، ورشدين، وخلق كثير.

(4) المطروح:

ما انحط عن رتبة الضعيف.

(1/34)

ويروى في: بعض المسانيد الطوال، وفي الأجزاء، بل (1) وفي "سنن ابن ماجه" و "جامع أبي عيسى". مثل:

- عمرو بن شمر، عن جابر الجعفي، عن الحارث، عن علي. وكـ:

- صدقة الدقيقي، عن فرقد السبخي، عن مرة الطيب، عن أبي بكر. و:

- جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس. و:

- حفص بن عمر العدني، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة.

وأشباه ذلك من المتروكين والهلكى، وبعضهم أفضل من بعض.

__________

(1) - سقطت من (ش) .

(1/35)

(5) الموضوع:

ما كان متنه مخالفا للقواعد، وراويه كذابا، كـ: "الأربعين الودعانية"، وكـ: "نسخة علي الرضا" المكذوبة عليه. وهو مراتب، منه:

- ما اتفقوا على أنه كذب. ويعرف ذلك بإقرار واضعه، وبتجربة الكذب منه، ونحو ذلك. ومنه:

- ما الأكثرون على أنه موضوع. والآخرون يقولون: هو حديث ساقط مطروح، ولا نجسر أن نسميه موضوعا. ومنه:

- ما الجمهور على وهنه وسقوطه، والبعض على أنه كذب.

ولهم في نقد ذلك طرق متعددة، وإدراك قوي تضيق عنه

(1/36)

عباراتهم. من جنس ما يؤتاه الصيرفي الجهبذ في نقد الذهب والفضة، أو الجوهري لنقد الجواهر والفصوص لتقويمها.

فلكثرة ممارستهم للألفاظ النبوية، إذا جاءهم لفظ ركيك - أعني مخالفا للقواعد - أو فيه المجازفة في الترغيب والترهيب، أو الفضائل، وكان بإسناد مظلم، أو إسناد مضيء كالشمس في أثنائه رجل كذاب أو وضاع: فيحكمون بأن هذا مختلق، ما قاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتتواطأ أقوالهم فيه على شيء واحد.

وقال شيخنا ابن دقيق العيد: "إقرار الراوي بالوضع في رده، ليس بقاطع في كونه موضوعا، لجواز أن يكذب في الإقرار".

قلت: هذا فيه بعض ما فيه، ونحن لو فتحنا باب التجويز والاحتمال البعيد، لوقعنا في الوسوسة والسفسطة!

(1/37)

نعم، كثير من الأحاديث التي وسمت بالوضع لا دليل على وضعها، كما أن كثيرا من الموضوعات لا نرتاب في كونها موضوعة.

(6) المرسل:

علم على ما سقط ذكر الصحابي من إسناده، فيقول التابعي: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ويقع في المراسيل الأنواع الخمسة الماضية. فمن صحاح المراسيل:

(1/38)

- مرسل سعيد بن المسيب. و:

- مرسل مسروق. و:

- مرسل الصنابحي. و:

- مرسل قيس بن (1) أبي حازم. ونحو ذلك.

فإن المرسل إذا صح إلى تابعي كبير، فهو حجة عند خلق من الفقهاء. فإن كان في الرواة ضعيف إلى مثل ابن المسيب، ضعف الحديث من قبل ذلك الرجل. وإن كان متروكا أو ساقطا، وهن الحديث وطرح.

ويوجد في المراسيل موضوعات. نعم، وإن صح الإسناد إلى تابعي متوسط الطبقة، كمراسيل:

__________

(1) - هنا انتهى السقط من (ظ) ، واستؤنف الكلام.

(1/39)

مجاهد، وإبراهيم، والشعبي. فهو مرسل جيد لا بأس به، يقبله قوم ويرده آخرون.

ومن أوهى المراسيل عندهم: مراسيل الحسن. وأوهى من ذلك: مراسيل الزهري، وقتادة، وحميد الطويل، من صغار التابعين. وغالب المحققين يعدون مراسيل هؤلاء معضلات ومنقطعات، فإن غالب روايات هؤلاء عن تابعي كبير، عن صحابي. فالظن بمرسله (1) أنه أسقط من إسناده اثنين.

(7) المعضل:

هو ما سقط من إسناده اثنان فصاعدا. وكذلك:

(8) المنقطع:

فهذا النوع قل من احتج به.

__________

(1) - في (ش) : "بممرسله" بزيادة ميم، وهو خطأ.

(1/40)

وأجود ذلك ما قال فيه مالك: "بلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: كذا وكذا". فإن مالكا متثبت، فلعل بلاغاته أقوى من مراسيل مثل: حميد، وقتادة.

(9) الموقوف:

هو ما أسند إلى صحابي من قوله أو فعله. ومقابله:

(10) المرفوع:

وهو ما نسب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من قوله أو فعله.

(1/41)

(11) المتصل (1) :

ما اتصل سنده، وسلم من الانقطاع. ويصدق ذلك على المرفوع، والموقوف.

(12) المسند:

هو ما اتصل سنده بذكر النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقيل: يدخل في المسند كل ما ذكر فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - وإن كان في أثناء سنده انقطاع.

(13) الشاذ:

هو ما خالف راويه الثقات، أو ما انفرد به من لا يحتمل حاله قبول تفرده.

(14) المنكر:

وهو ما انفرد الراوي الضعيف به. وقد يعد مفرد الصدوق منكرا.

__________

(1) - في (ظ) : "الموصول".

(1/42)

(15) الغريب:

ضد المشهور. فتارة ترجع غرابته إلى المتن، وتارة إلى السند. ... والغريب صادق على ما صح، وعلى ما لم يصح. والتفرد يكون لما انفرد به الراوي إسنادا أو متنا، ويكون لما تفرد به عن شيخ معين. كما يقال: "لم يروه عن سفيان إلا ابن مهدي"، و: "لم يروه عن ابن جريج إلا ابن المبارك".

(16) المسلسل:

ما كان سنده على صفة واحدة في طبقاته، كما سلسل بـ "سمعت"، أو كما سلسل بالأولية إلى سفيان.

(1/43)

وعامة المسلسلات واهية، وأكثرها باطلة، لكذب رواتها. وأقواها:

- المسلسل بقراءة سورة الصف، و:

- المسلسل بالدمشقيين، و:

- المسلسل بالمصريين، و:

- المسلسل بالمحمدين إلى ابن شهاب.

(17) المعنعن:

ما إسناده فلان عن فلان. فمن الناس من قال: لا يثبت حتى يصح لقاء الراوي بشيخه يوما ما. ومنهم من اكتفى بمجرد إمكان اللقي، وهو مذهب مسلم، وقد بالغ في الرد (1) على مخالفه.

__________

(1) - في (ش) : "الرد" بفتح الدال، وصوابها بالكسر.

(1/44)

ثم بتقدير تيقن اللقاء، يشترط أن لا يكون الراوي عن شيخه مدلسا. فإن لم يكن، حملناه على الاتصال. فإن كان مدلسا، فالأظهر (1) أنه لا يحمل على السماع.

ثم إن كان المدلس عن شيخه ذا تدليس عن الثقات، فلا بأس. وإن كان ذا تدليس عن الضعفاء، فمردود.

__________

(1) - في (ش) : "فالأظهر" بكسر الهاء، وصوابها بالفتح.

(1/45)

فإذا قال الوليد أو بقية: "عن الأوزاعي"، فواه، فإنهما يدلسان كثيرا عن الهلكى. ولهذا يتقي أصحاب "الصحاح" حديث الوليد. فما جاء إسناده بصيغة: "عن ابن جريج"، أو: "عن الأوزاعي"، تجنبوه.

وهذا في زماننا يعسر نقده على المحدث، فإن أولئك الأئمة - كالبخاري وأبي حاتم وأبي داود - عاينوا الأصول، وعرفوا عللها. وأما نحن، فطالت علينا الأسانيد، وفقدت العبارات المتيقنة. وبمثل هذا ونحوه، دخل الدخل على الحاكم في تصرفه في "المستدرك".

(1/46)

(18) المدلس (1) :

ما رواه الرجل عن آخر، ولم يسمعه منه، أو لم يدركه. فإن صرح بالاتصال (2) وقال: "حدثنا"، فهذا كذاب. وإن قال: "عن"، احتمل ذلك، ونظر في طبقته: هل يدرك من هو فوقه؟ فإن كان لقيه، فقد قررناه. وإن لم يكن لقيه، فأمكن أن يكون معاصره، فهو محل تردد. وإن لم يمكن، فمنقطع. كـ: قتادة عن أبي هريرة.

وحكم: "قال"، حكم: "عن". ولهم في ذلك أغراض:

- فإن كان لو صرح بمن حدثه عن المسمى، لعرف ضعفه: فهذا غرض مذموم، وجناية على السنة. ومن يعاني ذلك، جرح به، فإن الدين النصيحة.

__________

(1) - في (ظ) : "التدليس".

(2) - ليست في (ظ) .

(1/47)

- وإن فعله طلبا للعلو فقط، أو إيهاما بتكثير الشيوخ، بأن يسمي الشيخ مرة ويكنيه أخرى، وينسبه إلى صنعة أو بلد لا يكاد يعرف به، وأمثال ذلك - كما تقول: "حدثنا البخاري"، وتقصد به من يبخر الناس، أو: "حدثنا علي بما وراء النهر"، وتعني به نهرا، أو: "حدثنا بزبيد (1) "، وتريد موضعا

__________

(1) - اسم مدينة مشهورة باليمن. (ق)

(1/48)

بقوص (1) ، أو: "حدثنا بحران"، وتريد قرية المرج - فهذا محتمل، والورع تركه.

ومن أمثلة التدليس: الحسن عن أبي هريرة. وجمهورهم على أنه منقطع، لم يلقه (2) . وقد روي عن الحسن قال: "حدثنا أبو هريرة". فقيل: عنى بـ "حدثنا": أهل بلده.

__________

(1) - مدينة كبيرة، وهي أعظم مدن صعيد مصر. (ق)

(2) - ليست في (ظ) .

(1/49)

وقد يؤدي تدليس الأسماء إلى جهالة الراوي الثقة، فيرد خبره الصحيح! فهذه مفسدة، ولكنها في غير "جامع البخاري" ونحوه، الذي تقرر أن موضوعه للصحاح. فإن الرجل قد قال في جامعه: "حدثنا عبد الله"، وأراد به: ابن صالح المصري. وقال: "حدثنا

(1/50)

يعقوب"، وأراد به: ابن كاسب. وفيهما لين. وبكل حال: التدليس مناف للإخلاص، لما فيه من التزين.

(19) المضطرب والمعلل (1) :

ما روي على أوجه مختلفة، فيعتل الحديث.

__________

(1) - ليست في (ظ) .

(1/51)

فإن كانت العلة غير مؤثرة، بأن يرويه الثبت على وجه، ويخالفه واه: فليس بمعلول. وقد ساق الدارقطني كثيرا من هذا النمط في كتاب "العلل" فلم يصب، لأن الحكم للثبت. فإن كان الثبت أرسله مثلا والواهي وصله، فلا عبرة بوصله لأمرين: لضعف راويه، ولأنه معلول بإرسال الثبت له.

ثم اعلم أن أكثر المتكلم فيهم ما ضعفهم الحفاظ إلا لمخالفتهم للأثبات. وإن كان الحديث قد رواه الثبت بإسناد، أو وقفه، أو أرسله، ورفقاؤه الأثبات يخالفونه: فالعبرة بما اجتمع عليه الثقات، فإن الواحد قد يغلط. وهنا قد ترجح (1) ظهور غلطه، فلا تعليل، والعبرة بالجماعة.

وإن تساوى العدد، واختلف الحافظان، ولم يترجح الحكم لأحدهما على الآخر: فهذا الضرب يسوق البخاري ومسلم الوجهين [منه] (2) في كتابيهما. وبالأولى سوقهما لما اختلفا في لفظه إذا أمكن جمع معناه.

__________

(1) - في (ش) : "ترجع" بالعين، وصوابه بالحاء.

(2) - لفظ: [منه] زيادة مني على الأصلين. (ق)

(1/52)

ومن أمثلة اختلاف الحافظين: أن يسمي أحدهما في الإسناد ثقة، ويبدله الآخر بثقة آخر. أو يقول أحدهما: "عن رجل"، ويقول الآخر: "عن فلان" فيسمي ذلك المبهم. فهذا لا يضر في الصحة.

فأما إذا اختلف جماعة فيه، وأتوا به على أقوال عدة: فهذا يوهن الحديث، ويدل على أن راويه لم يتقنه. نعم، لو حدث به على ثلاثة أوجه ترجع إلى وجه واحد، فهذا ليس بمعتل. كأن يقول مالك: "عن الزهري، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة". ويقول عقيل: "عن الزهري، عن أبي سلمة". ويرويه ابن عيينة: "عن الزهري، عن سعيد و+ أبي سلمة" معا.

(20) المدرج:

هي ألفاظ تقع من بعض الرواة متصلة بالمتن، لا يبين للسامع إلا أنها من صلب الحديث. ويدل دليل على أنها من لفظ

(1/53)

راو، بأن يأتي الحديث من بعض الطرق بعبارة تفصل هذا من هذا. وهذا طريق ظني. فإن ضعف، توقفنا، أو رجحنا أنها من المتن. ويبعد الإدراج في وسط المتن، كما لو قال: "من مس أنثييه وذكره فليتوضأ". وقد صنف فيه الخطيب تصنيفا، وكثير منه غير مسلم له إدراجه.

(1/54)

(21) ألفاظ الأداء:

فـ "حدثنا" و "سمعت" لما سمع من لفظ الشيخ. واصطلح

(1/55)

على أن "حدثني" لما سمعت منه وحدك، و "حدثنا" لما سمعته مع غيرك. وبعضهم سوغ "حدثنا" فيما قرأه (1) هو على الشيخ.

وأما "أخبرنا"، فصادقة على ما سمع من لفظ الشيخ، أو قرأه هو، أو قرأه آخر على الشيخ وهو يسمع. فلفظ الإخبار أعم من التحديث. و "أخبرني" للمنفرد. وسوى المحققون – كمالك والبخاري – بين "حدثنا" و "أخبرنا" و "سمعت" (2) ، والأمر في ذلك واسع.

فأما "أنبأنا" و "أنا"، فكذلك، لكنها غلبت في عرف المتأخرين على الإجازة. وقوله تعالى: {قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير} دال على التساوي. فالحديث والخبر والنبأ مترادفات. وأما المغاربة فيطلقون: "أخبرنا"، على ما هو إجازة، حتى إن بعضهم يطلق في الإجازة: "حدثنا"! وهذا تدليس. ومن الناس من عد "قال لنا" إجازة ومناولة.

ومن التدليس أن يقول المحدث عن الشيخ الذي سمعه، في أماكن لم يسمعها: "قرئ على فلان: أخبرك فلان". فربما فعل ذلك

__________

(1) - في (ظ) : "يقرؤه".

(2) - ليست في (ظ) .

(1/56)

الدارقطني، يقول: "قرئ على أبي القاسم البغوي: أخبرك فلان". وقال أبو نعيم: "قرئ على عبد الله بن جعفر بن فارس: حدثنا هارون بن سليمان". ومن ذلك: "أخبرنا فلان من كتابه"، ورأيت ابن مسيب يفعله! وهذا لا ينبغي، فإنه تدليس، والصواب قولك: "في كتابه". (1)

__________

(1) - في (ش) : " (يراجع هل هنا قطع) " وهي من كاتبها، وليست في الأصل، فانتبه.

(1/57)

ومن التدليس أن يكون قد حضر طفلا (1) على شيخ وهو ابن سنتين أو ثلاث، فيقول: "أنبأنا فلان"، ولم يقل: "وأنا حاضر". فهذا الحضور العري عن إذن المسمع لا يفيد اتصالا، بل هو دون الإجازة، فإن الإجازة نوع اتصال عند (2) أئمة (3) .

وحضور ابن (4) عام أو عامين إذا لم يقترن بإجازة كلا شيء، إلا أن يكون حضوره على شيخ حافظ أو محدث وهو يفهم ما يحدثه (5) . فيكون إقراره بكتابة اسم الطفل بمنزلة الإذن منه له في الرواية.

ومن صور الأداء: "حدثنا حجاج (6) بن محمد قال: قال ابن جريج". فصيغة "قال" لا تدل على اتصال.

__________

(1) - في (ظ) : "جزءا". وهو الصواب، إذ بدهي أن ابن سنتين أو ثلاث طفل.

(2) - في (ش) : "عن" بسقوط الدال.

(3) - عبارة: "عند أئمة" ليست في (ظ) . والمحقق رحمه الله نبه إلى أنها ساقطة من مخطوطة باريس، فمن أين أتى بها! فالأشبه أنه قصد مخطوطة دمشق، فذكر المخطوطة الأخرى سهوا، والله أعلم.

(4) - سقطت من (ظ) .

(5) - في (ظ) : "يفهم". والعبارة التي أثبتها المحقق في معناها نظر. ويشبه أن يكون في الجملة هنا سقط، كما نبه المحقق إلى ذلك نقلا عن حاشية مخطوطة باريس.

(6) - في (ش) : "حجاج" بفتح الجيم، والصواب بضمها.

(1/58)

وقد اغتفرت في الصحابة، كقول الصحابي: "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ". فحكمها الاتصال، إذا كان ممن تيقن سماعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فإن كان لم يكن له إلا مجرد رؤية، فقوله: "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " محمول على الإرسال. كـ: محمود بن الربيع، وأبي أمامة بن سهل، وأبي الطفيل، ومروان.

وكذلك "قال" من التابعي المعروف بلقاء ذلك الصحابي، كقول عروة: "قالت عائشة"، وكقول ابن سيرين: "قال أبو هريرة". فحكمه الاتصال.

وأرفع من لفظة "قال": لفظة "عن". وأرفع من "عن": "أخبرنا"، و "ذكر لنا"، و "أنبأنا". وأرفع من ذلك: "حدثنا"، و "سمعت". وأما في اصطلاح المتأخرين، فـ "أنبأنا"، و "عن"، و "كتب إلينا": واحد.

(1/59)

(22) المقلوب:

هو ما رواه الشيخ بإسناد لم يكن كذلك، فينقلب عليه وينط من إسناد حديث إلى متن آخر بعده. أو: أن ينقلب عليه اسم راو، مثل مرة بن كعب بـ كعب بن مرة، وسعد بن سنان بـ سنان بن سعد. فمن فعل (1) ذلك خطأ، فقريب. ومن تعمد ذلك وركب متنا على إسناد ليس له، فهو سارق الحديث، وهو الذي يقال في حقه: "فلان يسرق الحديث".

ومن ذلك: أن يسرق حديثا ما سمعه، فيدعي سماعه من رجل. وإن سرق، فأتى بإسناد ضعيف لمتن لم يثبت سنده، فهو أخف جرما ممن سرق حديثا لم يصح متنه، وركب له إسنادا صحيحا، فإن هذا نوع من الوضع والافتراء. فإن كان ذلك في متون الحلال والحرام، فهو أعظم إثما، وقد تبوأ بيتا في جهنم!

وأما سرقة (2) السماع وادعاء ما لم يسمع من الكتب والأجزاء، فهذا كذب مجرد، ليس من الكذب على الرسول - صلى الله عليه وسلم -، بل من الكذب على الشيوخ. ولن يفلح من تعاناه، وقل من ستر الله عليه منهم! فمنهم من يفتضح في حياته، ومنهم من يفتضح بعد وفاته. فنسأل الله الستر والعفو.

__________

(1) - في (ظ) : "يعد". والتصحيح من المحقق كما نبه بنفسه.

(2) - في (ش) : "سرقه" بالهاء، وصوابها بالتاء المربوطة.

(1/60)

فصل

لا تشترط العدالة حالة التحمل، بل حالة الأداء. فيصح سماعه كافرا، وفاجرا، وصبيا. فقد روى جبير بن مطعم - رضي الله عنه - أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - (1) يقرأ في المغرب بـ "الطور"، فسمع ذلك حال شركه، ورواه مؤمنا.

واصطلح المحدثون (2) على جعلهم سماع ابن خمس سنين: سماعا، وما دونها: حضورا. واستأنسوا بأن محمودا (3) عقل مجة (4) ، ولا دليل فيه. والمعتبر فيه إنما هو أهلية الفهم والتمييز.

__________

(1) - سقطت من (ش) .

(2) - في (ش) : "المحدثون" بفتح الدال، وصوابها بالكسر.

(3) - محمود بن الربيع الأنصاري، الصحابي الجليل الذي كان عمره عند وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - خمس سنين. (ق)

(4) - هي زرق الماء من الفم بقوة. (ق)

(1/61)

(1) مسألة:

يسوغ التصرف في الإسناد بالمعنى إلى صاحب الكتاب أو الجزء. وكره بعضهم أن يزيد في ألقاب الرواة في ذلك، وأن يزيد تاريخ سماعهم، وبقراءة من سمعوا، لأنه قدر زائد على المعنى.

ولا يسوغ، إذا وصلت إلى الكتاب أو الجزء، أن تتصرف في تغيير أسانيده ومتونه. ولهذا قال شيخنا ابن وهب: "ينبغي أن ينظر فيه: هل يجب؟ أو هو مستحسن؟ وقوى بعضهم الوجوب، مع تجويزهم (1) الرواية بالمعنى، وقالوا: ما له أن يغير التصنيف. وهذا كلام فيه ضعف.

__________

(1) - في (ش) : "تحويزهم" بالحاء، وصوابها بالجيم.

(1/62)

أما إذا نقلنا من "الجزء" شيئا إلى تصانيفنا وتخاريجنا، فإنه ليس في ذلك تغيير (1) للتصنيف الأول". قلت: ولا يسوغ تغيير ذلك إلا في تقطيع حديث، أو في جمع أحاديث مفرقة إسنادها واحد. فيقال فيه: "وبه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ".

(2) مسألة:

تسمح بعضهم أن يقول: "سمعت فلانا" فيما قرأه عليه، أو يقرؤه عليه الغير. وهذا خلاف الاصطلاح، أو من باب الرواية بالمعنى. ومنه قول المؤرخين (2) : "سمع فلانا وفلانا".

(3) مسألة:

إذا أفرد حديثا من مثل "نسخة همام"، أو "نسخة أبي مسهر": فإن حافظ على العبارة، جاز وفاقا، كما يقول مسلم:

__________

(1) - في (ش) : "تغير" بياء واحدة، وصوابها بياءين.

(2) - في (ش) : "المؤرخين" بفتح الراء، وصوابها بالكسر.

(1/63)

"فذكر أحاديث، منها: وقال رسول - صلى الله عليه وسلم - ". وإلا فالمحققون على الترخيص في التصريف السائغ.

(4) مسألة:

اختصار الحديث وتقطيعه جائز إذا لم يخل معنى. ومن الترخيص تقديم متن سمعه على الإسناد، وبالعكس. كأن يقول: "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (الندم توبة) . أخبرنا به: فلان، عن فلان".

(5) مسألة:

إذا ساق حديثا بإسناد، ثم أتبعه بإسناد آخر وقال: "مثله"، فهذا يجوز للحافظ المميز للألفاظ. فإن اختلف اللفظ، قال: "نحوه"، أو قال: "بمعناه"، أو "بنحو منه".

(6) مسألة:

إذا قال: "حدثنا فلان مذاكرة"، دل على وهن ما، إذ المذاكرة يتسمح فيها. ومن التساهل السماع من غير مقابلة: فإن كان كثير الغلط، لم يجز. وإن جوزنا ذلك، فيصح فيما صح من الغلط دون المغلوط. وإن ندر الغلط، فمحتمل. لكن لا يجوز له فيما بعد أن يحدث من أصل شيخه.

(1/64)

(23) آداب المحدث:

تصحيح النية من طالب العلم متعين. فمن طلب الحديث للمكاثرة، أو المفاخرة، أو ليروي، أو ليتناول الوظائف، أو ليثنى عليه وعلى معرفته: فقد خسر. وإن طلبه لله، وللعمل به، وللقربة بكثرة الصلاة على نبيه - صلى الله عليه وسلم -، ولنفع الناس: فقد فاز. وإن كانت النية ممزوجة (1) بالأمرين: فالحكم للغالب.

وإن كان طلبه لفرط المحبة فيه، مع قطع النظر عن الأجر، وعن بني آدم: فهذا كثيرا ما يعتري (2) طلبة العلوم، فلعل النية أن يرزقها الله بعد. وأيضا فمن طلب العلم للآخرة: كساه العلم خشية لله (3) ، واستكان وتواضع. ومن طلبه للدنيا: تكبر به وتكثر (4) وتجبر، وازدرى بالمسلمين العامة، وكان عاقبة أمره إلى سفال وحقارة.

فليحتسب المحدث بحديثه، رجاء الدخول في قوله - صلى الله عليه وسلم -: (نضر الله امرءا سمع مقالتي فوعاها، ثم أداها إلى من لم يسمعها) .

__________

(1) - في (ش) : "ممزوجة" بضم التاء المربوطة، وصوابها بالتنوين بالفتح.

(2) - في (ش) : "يعتبري" بزيادة باء، وهو خطأ.

(3) - في (ظ) : "كسره العلم وخشع لله". وقد نبه المحقق إليها، لكنه تصرف في العبارة بحسب ما استساغه رحمه الله! ولو أجيز مثل هذا الصنيع، لفسدت المتون تباعا. فالأولى بالصواب إثبات الأصل في المتن، وتعديله في الهامش - على افتراض خطئه - والله أعلم.

(4) - سقطت من (ش) .

(1/65)

وليبذل نفسه للطلبة الأخيار، لا سيما إذا تفرد. وليمتنع مع الهرم وتغير الذهن. وليعهد إلى أهله وإخوانه حال صحته: أنكم متى رأيتموني تغيرت، فامنعوني من الرواية.

فمن تغير بسوء حفظ، وله أحاديث معدودة قد أتقن روايتها (1) : فلا بأس بتحديثه بها زمن تغيره. ولا بأس بأن يجيز مروياته حال تغيره، فإن أصوله مضبوطة ما تغيرت، وهو فقد وعى (2) ما أجاز. فإن اختلط وخرف، امتنع من أخذ الإجازة منه.

ومن الأدب أن لا يحدث مع وجود من هو أولى منه، لسنه (3) وإتقانه. وأن لا يحدث بشيء يرويه غيره أعلى منه. وأن لا يغش المبتدئين (4) ، بل يدلهم على المهم، فالدين النصيحة. فإن دلهم على معمر عامي، وعلم قصورهم في إقامة مرويات العامي، نصحهم ودلهم على عارف يسمعون بقراءته، أو حضر مع العامي وروى بنزول، جمعا بين الفوائد.

وروي أن مالكا رحمه الله كان يغتسل للتحديث، ويتبخر،

__________

(1) - في (ظ) : "أدمن في دربتها". وقد نبه المحقق إليها، لكنه تصرف فيها.

(2) - في المطبوعة: "فقد وعي" بفتح الدال وسكون العين، وهو غلط فاحش من المحقق ومعناه لا يستقيم! والصواب بسكون الدال وفتح العين، لا سيما وفي (ظ) فتحة ظاهرة على العين.

(3) - في (ظ) : "لدينه". وقد تركها المحقق، وأثبت ما أثبته من (الاقتراح) كما نبه. قال رحمه الله: "وأرجح أنها محرفة عن (لسنه) ، فلذا أثبتها" (ق) . اهـ

(4) - سقط من (ش) . وهو سقط فاحش، أخل بضبط المعنى.

(1/66)

ويتطيب، ويلبس ثيابه الحسنة، ويلزم الوقار والسكينة، ويزبر (1) من يرفع صوته، ويرتل الحديث.

وقد تسمح الناس في هذه الأعصار بالإسراع المذموم، الذي يخفى معه بعض الألفاظ. والسماع هكذا لا ميزة له على الإجازة، بل الإجازة صدق. وقولك: "سمعت – أو قرأت – هذا الجزء كله" مع التمتمة ودمج بعض الكلمات: كذب.

وقد قال النسائي في عدة أماكن من صحيحه: "وذكر كلمة معناها: كذا وكذا". وكان الحفاظ يعقدون مجالس للإملاء، وهذا قد عدم اليوم. والسماع بالإملاء يكون محققا ببيان الألفاظ للمسمع والسامع.

وليجتنب رواية المشكلات، مما لا تحمله قلوب العامة. فإن روى ذلك، فليكن في مجالس خاصة. ويحرم عليه رواية الموضوع، ورواية المطروح، إلا أن يبينه للناس ليحذروه.

الثقة:

تشترط العدالة في الراوي، كالشاهد. ويمتاز الثقة بالضبط

__________

(1) - أي: ينهاه ويزجره. (ق)

(1/67)

والإتقان. فإن انضاف إلى ذلك المعرفة والإكثار، فهو حافظ.

والحفاظ طبقات:

(1/68)

1- في ذروتها: أبو هريرة - رضي الله عنه -.

2- وفي التابعين كـ: ابن المسيب.

3- وفي صغارهم كـ: الزهري.

4- وفي أتباعهم كـ: سفيان، وشعبة، ومالك. ثم:

(1/69)

5- ابن المبارك، ويحيى بن سعيد، ووكيع، وابن مهدي. ثم:

6- كأصحاب هؤلاء، كـ: ابن المديني، وابن معين، وأحمد، وإسحاق، وخلق. ثم:

7- البخاري، وأبي زرعة، وأبي

(1/70)

حاتم، وأبي داود، ومسلم. ثم:

8- النسائي، وموسى بن هارون، وصالح جزرة، وابن خزيمة. ثم:

9- ابن الشرقي. وممن يوصف بالحفظ والإتقان، جماعة من الصحابة والتابعين.

(1/71)

ثم:

10- عبيد الله بن عمر، وابن عون، ومسعر. ثم:

11- زائدة، والليث، وحماد بن زيد. ثم:

12- يزيد بن هارون، وأبو أسامة، وابن وهب. ثم:

(1/72)

13- أبو خيثمة، وأبو بكر بن أبي شيبة، وابن نمير، وأحمد بن صالح. ثم:

14- عباس الدوري، وابن واره، والترمذي، وأحمد بن أبي خيثمة، وعبد الله بن أحمد. ثم:

(1/73)

15- ابن صاعد، وابن زياد النيسابوري، وابن جوصا، وابن الأخرم. ثم:

16- أبو بكر الإسماعيلي، وابن عدي، وأبو أحمد الحاكم. ثم:

(1/74)

17- ابن منده، ونحوه. ثم:

18- البرقاني، وأبو حازم العبدوي. ثم:

19- البيهقي، وابن عبد البر. ثم:

20- الحميدي، وابن طاهر. ثم:

21- السلفي، وابن السمعاني. ثم:

(1/75)

22- عبد القادر، والحازمي. ثم:

23- الحافظ الضياء، وابن سيد الناس خطيب تونس. ثم:

24- حفيده حافظ وقته أبو الفتح.

وممن تقدم (1) من الحفاظ في الطبقة الثالثة: عدد من الصحابة وخلق من التابعين وتابعيهم، وهلم جرا إلى اليوم. فمثل يحيى القطان يقال فيه:

1- إمام، وحجة، وثبت، وجهبذ، وثقة ثقة. ثم:

2- ثقة، حافظ. ثم:

__________

(1) - في (ظ) : "وممن تعدى". واشتبهت على المحقق، فقرأها بميم واحدة، ولذلك تصرف فيها! قال رحمه الله: "وقع في الأصل: (ومن تعدي من الحفاظ) ". (ق) اهـ فانظر.

(1/76)

3- ثقة، متقن. ثم:

4- ثقة عارف، وحافظ صدوق، ونحو ذلك.

فهؤلاء الحفاظ الثقات: إذا انفرد الرجل منهم من التابعين، فحديثه: (صحيح) . وإن كان من الأتباع، قيل: (صحيح، غريب) . وإن كان من أصحاب الأتباع، قيل: (غريب، فرد) . ويندر تفردهم، فتجد الإمام منهم عنده مئتا ألف حديث، لا يكاد ينفرد بحديثين ثلاثة! ومن كان بعدهم: فأين ما ينفرد به؟ ما علمته، وقد يوجد.

ثم ننتقل إلى:

5- اليقظ، الثقة، المتوسط المعرفة والطلب (1) .

فهو الذي يطلق عليه أنه: "ثقة"، وهم جمهور رجال "الصحيحين". فتابعيهم إذا انفرد بالمتن، خرج حديثه ذلك في الصحاح. وقد يتوقف كثير من النقاد في إطلاق "الغرابة" مع "الصحة" في حديث أتباع الثقات. وقد يوجد بعض ذلك في الصحاح دون بعض (2) .

وقد يسمي جماعة من الحفاظ الحديث الذي ينفرد به مثل هشيم وحفص بن غياث: (منكرا) . فإن كان المنفرد من طبقة مشيخة الأئمة، أطلقوا النكارة على

__________

(1) - ترقيم هذه المرتبة مني على مقتضى المراتب، وليست من ترقيم المحقق.

(2) - في (ظ) : "بعضه". وقد تصرف فيها المحقق، فحذف الهاء، ونبه إليها!

(1/77)

ما انفرد به (1) مثل عثمان بن أبي شيبة، وأبي سلمة التبوذكي، وقالوا: (هذا منكر) .

فإن روى أحاديث من الأفراد المنكرة، غمزوه ولينوا حديثه، وتوقفوا في توثيقه. فإن رجع عنها، وامتنع من روايتها، وجوز على نفسه الوهم: فهو خير له، وأرجح لعدالته. وليس من حد الثقة أنه لا يغلط ولا يخطئ، فمن الذي يسلم من ذلك غير المعصوم الذي لا يقر على خطأ!

فصل

الثقة: من وثقه كثير، ولم يضعف. ودونه: من لم يوثق ولا ضعف. فإن خرج (2) حديث هذا في "الصحيحين"، فهو موثق بذلك. وإن صحح له مثل الترمذي وابن خزيمة، فجيد أيضا. وإن صحح له كالدارقطني والحاكم، فأقل أحواله: حسن حديثه.

وقد اشتهر عند طوائف من المتأخرين إطلاق اسم "الثقة" على: من لم يجرح، مع ارتفاع الجهالة عنه. وهذا يسمى: "مستورا"، ويسمى: "محله الصدق"، ويقال فيه: "شيخ".

__________

(1) - سقطت من (ش) .

(2) - في (ش) : "حرج" بالحاء، وصوابها بالخاء.

(1/78)

وقولهم: "مجهول"، لا يلزم منه جهالة عينه. فإن جهل عينه وحاله، فأولى أن لا يحتجوا به. وإن كان المنفرد عنه من كبار الأثبات، فأقوى لحاله، ويحتج بمثله جماعة كالنسائي وابن حبان.

وينبوع معرفة الثقات: تاريخ البخاري، وابن أبي حاتم، وابن حبان، وكتاب "تهذيب الكمال".

فصل

من أخرج له الشيخان على قسمين:

- أحدهما: ما احتجا به في الأصول.

- وثانيهما: من خرجا له متابعة وشهادة واعتبارا.

فمن احتجا به - أو أحدهما - ولم يوثق، ولا غمز: فهو ثقة، حديثه قوي.

ومن احتجا به - أو أحدهما - (1) وتكلم فيه:

__________

(1) - ليست في (ظ) ، وأثبتها المحقق من (الحاوي للفتاوى) للسيوطي.

(1/79)

فتارة يكون الكلام فيه تعنتا، والجمهور على توثيقه، فهذا حديثه قوي أيضا (1) . وتارة يكون الكلام في تليينه وحفظه، له اعتبار، فهذا حديثه لا ينحط عن مرتبة (الحسن) التي قد نسميها: (من أدنى درجات الصحيح) . فما في "الكتابين" بحمد الله رجل احتج به البخاري أو مسلم في الأصول ورواياته ضعيفة، بل حسنة أو صحيحة.

ومن خرج له البخاري أو مسلم في الشواهد والمتابعات، ففيهم من في حفظه شيء، وفي توثيقه تردد. فكل من خرج له في "الصحيحين"، فقد قفز القنطرة. فلا معدل عنه، إلا ببرهان بين.

__________

(1) - ليست في (ظ) .

(1/80)

نعم، الصحيح مراتب، والثقات طبقات: فليس من وثق مطلقا كمن تكلم فيه، وليس من تكلم في سوء حفظه واجتهاده في الطلب كمن ضعفوه، ولا من ضعفوه ورووا له كمن تركوه، ولا من تركوه كمن اتهموه وكذبوه. فالترجيح يدخل عند تعارض الروايات. وحصر الثقات في مصنف كالمتعذر، وضبط عدد المجهولين مستحيل!

فأما من ضعف، أو قيل فيه أدنى شيء: فهذا قد ألفت فيه مختصرا سميته بـ "المغني"، وبسطت فيه مؤلفا سميته بـ "الميزان".

فصل

ومن الثقات الذين لم يخرج لهم في "الصحيحين" خلق، منهم:

- من صحح لهم الترمذي، وابن خزيمة. ثم:

- من روى لهم النسائي، وابن حبان، وغيرهما. ثم:

- من لم يضعفهم أحد، واحتج هؤلاء المصنفون بروايتهم.

وقد قيل في بعضهم: "فلان ثقة"، "فلان صدوق"، "فلان لا بأس به"، "فلان ليس به بأس"، "فلان محله الصدق"، "فلان شيخ"، "فلان مستور"، "فلان روى عنه شعبة، أو مالك، أو يحيى". وأمثال

(1/81)

ذلك، كـ: "فلان حسن الحديث"، "فلان صالح الحديث"، "فلان صدوق إن شاء الله".

فهذه العبارات كلها جيدة، ليست مضعفة لحال الشيخ. نعم، ولا مرقية لحديثه إلى درجة الصحة الكاملة المتفق عليها، لكن كثير ممن ذكرنا متجاذب بين الاحتجاج به وعدمه.

وقد قيل في جماعات: "ليس بالقوي، واحتج به". وهذا النسائي قد قال في عدة: "ليس بالقوي"، ويخرج لهم في كتابه. قال: "قولنا: (ليس بالقوي) ليس بجرح مفسد".

والكلام في الرواة يحتاج إلى ورع تام، وبراءة من الهوى والميل، وخبرة كاملة بالحديث، وعلله، ورجاله. ثم نحن نفتقر إلى تحرير عبارات التعديل والجرح، وما بين ذلك من العبارات المتجاذبة. ثم أهم من ذلك، أن نعلم بالاستقراء التام عرف ذلك الإمام الجهبذ، واصطلاحه، ومقاصده، بعباراته الكثيرة.

(1/82)

أما قول البخاري: "سكتوا عنه"، فظاهرها أنهم ما تعرضوا له بجرح ولا تعديل. وعلمنا مقصده بها بالاستقراء، أنها بمعنى: "تركوه". وكذا عادته إذا قال: "فيه نظر"، بمعنى أنه: "متهم"، أو: "ليس بثقة". فهو عنده أسوأ حالا من: "الضعيف". وبالاستقراء، إذا قال أبو حاتم: "ليس بالقوي"، يريد بها: أن هذا الشيخ لم يبلغ درجة القوي الثبت. والبخاري قد يطلق على الشيخ: "ليس بالقوي"، ويريد أنه: "ضعيف".

ومن ثم، قيل تجب (1) حكاية الجرح والتعديل: "فمنهم من نفسه حاد في الجرح، ومنهم من هو معتدل، ومنهم من هو متساهل". فالحاد فيهم: يحيى بن سعيد، وابن معين، وأبو حاتم، وابن خراش، وغيرهم. والمعتدل فيهم: أحمد بن حنبل، والبخاري، وأبو زرعة. والمتساهل كـ: الترمذي، والحاكم، والدارقطني في بعض الأوقات.

__________

(1) - في (ظ) : "في". والمحقق لم يستسغها، فاستعاض عنها في المتن بـ "تجب"! وليس لها معنى! ومن يتأمل كلام الذهبي، يجده يحكي أقوال أهل هذا الفن. فالصواب إثبات "في" كما وردت.

(1/83)

وقد يكون نفس الإمام – فيما وافق مذهبه، أو في حال شيخه – ألطف منه فيما كان بخلاف ذلك. والعصمة للأنبياء والصديقين وحكام القسط.

ولكن هذا الدين مؤيد محفوظ من الله تعالى، لم يجتمع علماؤه على ضلالة، لا عمدا ولا خطأ. فلا يجتمع اثنان على توثيق ضعيف، ولا على تضعيف ثقة. وإنما يقع اختلافهم في مراتب القوة أو مراتب الضعف. والحاكم منهم يتكلم بحسب اجتهاده، وقوة معارفه. فإن قدر (1) خطؤه في نقده، فله أجر واحد، والله الموفق.

__________

(1) - في (ظ) : "بدر". واستشكلت على المحقق، فاستعاض عنها بـ "قدر" ولا معنى لها! قال: "وقعت العبارة في الأصل: (فإن بدر خطؤه) وهي تحريف عما أثبته". (ق) اهـ قلت: رحمك الله وألحقنا بك، هذا استخدام عربي معروف!

(1/84)

وهذا فيما إذا تكلموا في نقد شيخ، ورد شيء (1) في حفظه وغلطه. فإن كان كلامهم فيه من جهة معتقده، فهو على مراتب: فمنهم:

- من بدعته غليظة. ومنهم:

- من بدعته دون ذلك. ... ومنهم:

- الداعي إلى بدعته. ومنهم:

- الكاف، وما بين ذلك.

فمتى جمع الغلظ والدعوة، تجنب الأخذ عنه. ومتى جمع الخفة والكف، أخذوا عنه وقبلوه. فالغلظ كـ: غلاة الخوارج، والجهمية، والرافضة. والخفة كـ: التشيع، والإرجاء. وأما من استحل الكذب نصرا لرأيه كالخطابية، فبالأولى رد حديثه.

قال شيخنا ابن وهب: العقائد أوجبت تكفير البعض للبعض، أو التبديع، وأوجبت العصبية. ونشأ من ذلك الطعن بالتكفير والتبديع، وهو كثير في الطبقة المتوسطة من المتقدمين. والذي تقرر عندنا: أنه لا تعتبر المذاهب في الرواية، ولا نكفر (2)

__________

(1) - في (ظ) : "به". وقرأها المحقق بالياء، فاستعاض عنها بـ "شيء". قال: "وقع في الأصل: (في نقد شيخ ورديه في حفظه وغلطه) ، فصححته كما ترى". (ق) اهـ

(2) - في (ظ) : "تكفير".

(1/85)

أهل القبلة، إلا بإنكار متواتر من الشريعة. فإذا اعتبرنا (1)

__________

(1) - في (ظ) : "اعتقدنا".

(1/86)

ذلك، وانضم إليه الورع والضبط والتقوى: فقد حصل معتمد الرواية. وهذا مذهب الشافعي - رضي الله عنه -، حيث يقول: "أقبل شهادة أهل الأهواء، إلا الخطابية من الروافض".

قال شيخنا: وهل تقبل رواية المبتدع فيما يؤيد به مذهبه؟ فمن رأى رد الشهادة بالتهمة، لم يقبل. ومن كان داعية متجاهرا ببدعته، فليترك إهانة له، وإخمادا لمذهبه. اللهم إلا أن يكون عنده أثر تفرد به، فنقدم سماعه منه.

(1/87)

ينبغي أن

تتفقد حال الجارح مع من تكلم فيه باعتبار الأهواء: فإن لاح لك انحراف الجارح، ووجدت توثيق المجروح من جهة أخرى، فلا تحفل بالمنحرف وبغمزه المبهم. وإن لم تجد توثيق المغموز، فتأن وترفق.

قال شيخنا ابن وهب رحمه الله:

ومن ذلك: الاختلاف الواقع بين المتصوفة وأهل العلم الظاهر، فقد وقع بينهم تنافر أوجب كلام بعضهم في بعض. وهذه غمرة (1) لا يخلص منها إلا العالم الوافي بشواهد الشريعة. ولا أحصر ذلك في العلم بالفروع، فإن كثيرا من أحوال المحقين (2) من الصوفية لا يفي بتمييز حقه من باطله علم الفروع. بل لا بد من

__________

(1) - في (ظ) : "غمزة" بالزاي.

(2) - في (ظ) : "المحققين" بقافين. وما أثبته المحقق هو الصواب، وستأتي "محق" بصيغة المفرد.

(1/88)

معرفة القواعد الأصولية، والتمييز بين الواجب والجائز، والمستحيل عقلا، والمستحيل عادة.

وهو مقام خطر، إذ القادح في محق الصوفية داخل في حديث: (من عادى لي وليا، فقد بارزني بالمحاربة) . والتارك لإنكار الباطل

(1/89)

مما سمعه من بعضهم تارك للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

(1/90)

ومن ذلك: الكلام بسبب الجهل بمراتب العلوم، فيحتاج إليه في المتأخرين أكثر. فقد انتشرت علوم للأوائل وفيها حق: كالحساب والهندسة والطب، وباطل: كالقول في الطبيعيات وكثير من الإلهيات وأحكام النجوم. فيحتاج القادح أن يكون مميزا بين الحق والباطل، فلا يكفر من ليس بكافر، أو يقبل رواية الكافر.

ومنه: الخلل الواقع بسبب عدم الورع، والأخذ بالتوهم، والقرائن التي قد تتخلف (1) . قال - صلى الله عليه وسلم -: (الظن أكذب الحديث) . فلا بد من العلم والتقوى في الجرح. فلصعوبة

__________

(1) - في (ظ) : "تختلف".

(1/91)

اجتماع هذه الشرائط في (1) المزكين، عظم خطر الجرح والتعديل.

(24) المؤتلف والمختلف (2) :

فن واسع مهم، وأهمه ما تكرر وكثر. وقد يندر كـ: أجمد بن عجيان، وآبي اللحم، وابن أتش الصنعاني، ومحمد بن عبادة الواسطي العجلي، ومحمد بن حبان الباهلي، وشعيث بن محرر. والله أعلم.

__________

(1) - سقطت من (ش) .

(2) - في (ظ) : "المختلف والمؤتلف" بالتقديم والتأخير. وصوبها المحقق جريا على المعهود لدى أهل الاصطلاح.

(1/92)

تمت المقدمة الموقظة

طابقها ودققها ونسقها الفقير إلى مولاه:

أبو حميد أحمد بن الشيخ إسماعيل الأقطش المصري عفا الله عنه وعن أبيه

في ليلة الجمعة ثالث أيام التشريق سنة تسع وعشرين وأربعمائة وألف

وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد

وعلى آله الطيبين الطاهرين

وصحبه أجمعين

( فهرس المحتويات )

النبذة العثيمينية في مصطلح الحديث

الكتاب: النبذة العثيمينية في مصطلح الحديث - سِلْسِلَةُ مُتُونِ الكُتُبِ وَمُخْتَصَرَاتِهَا (2)

المؤلف: حازم خنفر

عدد الأجزاء: 1

[ترقيم الكتاب موافق للأصل]

سلسلة متون الكتب ومختصراتها (2)

النبذة العثيمينية

في

مصطلح الحديث

إعداد

حازم خنفر

(1/1)

حقوق الطبع مبذولة لكل مسلم

(1/2)

تمهيد

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه.

أما بعد:

فهذا المتن الثاني من سلسلتي التي سميتها: (سلسلة متون الكتب ومختصراتها)، وأردت بها: صياغة متون ومختصرات للعلوم المختلفة، وذلك استنادا إلى كتب بعض أهل العلم ممن تميزت مؤلفاتهم في فن من الفنون بتقريب المسائل وسهولة العبارة، أو ممن حظي علمهم بثقة طلاب العلم، فأستخرج منها ما يصلح أن يكون متنا أو مختصرا للكتاب المنتقى؛ ليكون عونا للطالب لفهم أصل مادة الكتاب وحفظها.

وثنيت هذه السلسلة بكتاب التعلامة محمد بن صالح العثيمين: (مصطلح الحديث)، فاستخرجت من مسائله متنا يكون عمدة لطالب هذا الفن.

فأسأل الله أن ينفع به، وأن يجعل له القبول، وأن لا يحرمنا أجر إعداده، إنه سميع مجيب.

حازم خنفر

3/ 2/2016 م

24/ 4/1437 هـ

(1/3)

تعريفات في مصطلح الحديث

علم مصطلح الحديث: يعرف به حال الراوي والمروي من حيث القبول والرد.

والحديث: ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول، أو فعل، أو تقرير، أو وصف.

والخبر: بمعنى الحديث.

والأثر: ما أضيف إلى الصحابي أو التابعي.

والحديث القدسي: ما رواه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه - تعالى -.

الخبر باعتبار النقل

وينقسم الخبر باعتبار طرق نقله إلينا إلى قسمين: متواتر وآحاد.

أما المتواتر: فهو ما رواه جماعة يستحيل في العادة أن يتواطؤوا على الكذب، وأسندوه إلى شيء محسوس.

ومنه: 1 - متواتر لفظا ومعنى، 2 - ومتواتر معنى فقط.

1 - فالمتواتر لفظا ومعنى: ما اتفق الرواة فيه على لفظه ومعناه.

2 - والمتواتر معنى: ما اتفق فيه الرواة على معنى كلي، وانفرد كل حديث بلفظه الخاص.

والمتواتر - بقسميه - يفيد: العلم، والعمل.

وأما الآحاد: فهو ما سوى المتواتر.

وتنقسم الآحاد باعتبار الطرق إلى ثلاثة أقسام: مشهور، وعزيز، وغريب.

1 - فالمشهور: ما رواه ثلاثة فأكثر، ولم يبلغ حد التواتر.

2 - والعزيز: ما رواه اثنان فقط.

3 - والغريب: ما رواه واحد فقط.

وتنقسم الآحاد باعتبار الرتبة إلى خمسة أقسام: صحيح لذاته، ولغيره، وحسن

(1/5)

لذاته، ولغيره، وضعيف.

1 - فالصحيح لذاته: ما رواه عدل تام الضبط بسند متصل وسلم من الشذوذ والعلة القادحة.

2 - والصحيح لغيره: الحسن لذاته إذا تعددت طرقه.

3 - والحسن لذاته: ما رواه عدل خفيف الضبط بسند متصل وسلم من الشذوذ والعلة القادحة.

4 - والحسن لغيره: الضعيف إذا تعددت طرقه على وجه يجبر بعضها بعضا؛ بحيث لا يكون فيها كذاب، ولا متهم بالكذب.

5 - والضعيف: ما خلا عن شروط الصحيح والحسن.

وتفيد أخبار الآحاد - سوى الضعيف -: الظن، والعمل.

أما الضعيف فلا يفيد الظن ولا العمل.

فصل

وإذا وصف حديث بأنه صحيح حسن:

1 - فإن كان للحديث طريقان: فمعنى ذلك أن أحد الطريقين صحيح، والثاني حسن.

2 - وإن كان للحديث طريق واحد فمعناه التردد.

الحديث منقطع السند

وينقسم الحديث منقطع السند إلى: مرسل، ومعلق، ومعضل، ومنقطع.

1 - فالمرسل: ما رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم: صحابي لم يسمع منه، أو تابعي.

2 - والمعلق: ما حذف أول إسناده - وقد يراد به: ما حذف جميع إسناده -.

3 - والمعضل: ما حذف من أثناء سنده راويان فأكثر، على التوالي.

4 - والمنقطع: ما حذف من أثناء سنده راو واحد أو راويان فأكثر، لا على التوالي.

وقد يراد بالمنقطع: كل ما لم يتصل سنده، فيشمل الأقسام الأربعة كلها.

ومنقطع السند بجميع أقسامه: مردود؛ سوى:

(1/6)

- مرسل الصحابي.

- ومرسل كبار التابعين إذا عضده: مرسل آخر، أو عمل صحابي، أو قياس.

- والمعلق إذا كان بصيغة الجزم في كتاب التزمت صحته.

4 - وما جاء متصلا من طريق آخر، وتمت فيه شروط القبول.

التدليس

والتدليس: سياق الحديث بسند يوهم أنه أعلى مما كان عليه في الواقع.

وينقسم إلى: تدليس إسناد، وتدليس شيوخ.

1 - فتدليس الإسناد: أن يروي عمن لقيه ما لم يسمعه من قوله أو يره من فعله، بلفظ يوهم أنه سمعه أو رآه.

2 - وتدليس الشيوخ: أن يسمي الراوي شيخه، أو يصفه بغير ما اشتهر به، فيوهم أنه غيره.

وحديث المدلس غير مقبول؛ إلا أن يكون ثقة، ويصرح بأخذه مباشرة عمن روى عنه.

المضطرب

والمضطرب: ما اختلف الرواة في سنده أو متنه، وتعذر الجمع والترجيح.

فإن أمكن الجمع: وجب، وانتفى الاضطراب.

وإن أمكن الترجيح: عمل بالراجح، وانتفى الاضطراب.

والمضطرب: ضعيف، لا يحتج به، إلا إذا كان الاضطراب لا يرجع إلى أصل الحديث.

وكذلك لا يوجب الاضطراب: ما يقع من الاختلاف في اسم الراوي أو كنيته - أو نحو ذلك - مع الاتفاق على عينه.

الإدراج في المتن

والإدراج في المتن: أن يدخل أحد الرواة في الحديث كلاما من عنده بدون بيان؛ إما: تفسيرا لكلمة، أو استنباطا لحكم، أو بيانا لحكمة.

(1/7)

ويكون في: أول الحديث، ووسطه، وآخره.

ولا يحكم به إلا بدليل؛ إما من كلام الراوي، أو من كلام أحد الأئمة المعتبرين، أو من الكلام المدرج بحيث يستحيل أن يقوله النبي صلى الله عليه وسلم.

الزيادة في الحديث

والزيادة في الحديث: أن يضيف أحد الرواة إلى الحديث ما ليس منه.

وتنقسم إلى قسمين:

1 - أن تكون من قبيل الإدراج.

2 - وأن يأتي بها بعض الرواة على أنها من الحديث نفسه.

فإن كانت من غير ثقة: لم تقبل.

وإن كانت من ثقة: فإن كانت منافية لرواية غيره ممن هو أكثر منه أو أوثق: لم تقبل، وإن كانت غير منافية لرواية غيره: قبلت.

اختصار الحديث

واختصار الحديث: أن يحذف راويه أو ناقله شيئا منه.

ولا يجوز إلا بشروط خمسة:

الأول: أن لا يخل بمعنى الحديث.

والثاني: أن لا يحذف ما جاء الحديث من أجله.

والثالث: أن لا يكون واردا لبيان صفة عبادة - قولية أو فعلية -.

والرابع: أن يكون من عالم بمدلولات الألفاظ.

والخامس: أن لا يكون الراوي محلا للتهمة.

رواية الحديث بالمعنى

ورواية الحديث بالمعنى: نقله بلفظ غير لفظ المروي عنه.

ولا تجوز إلا بشروط ثلاثة:

1 - أن تكون من عارف بمعناه؛ من حيث اللغة، ومن حيث مراد المروي عنه.

2 - وأن تدعو الضرورة إليها.

(1/8)

3 - وأن لا يكون اللفظ متعبدا به.

الموضوع

والموضوع: الحديث المكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم.

وهو مردود، ولا يجوز ذكره إلا مقرونا ببيان وضعه.

ويعرف بأمور؛ منها:

1 - إقرار الواضع به.

2 - ومخالفة الحديث للعقل.

3 - ومخالفته للمعلوم بالضرورة من الدين.

الجرح

والجرح: هو أن يذكر الراوي بما يوجب رد روايته من: إثبات صفة رد، أو نفي صفة قبول.

وينقسم إلى قسمين: مطلق، ومقيد.

1 - فالمطلق: أن يذكر الراوي بالجرح بدون تقييد، فيكون قادحا فيه بكل

حال.

2 - والمقيد: أن يذكر الراوي بالجرح بالنسبة لشيء معين؛ من شيخ أو طائفة - أو نحو ذلك -، فيكون قادحا فيه بالنسبة إلى ذلك الشيء المعين دون غيره.

وللجرح مراتب:

- أعلاها: ما دل على بلوغ الغاية فيه؛ مثل: (أكذب الناس) أو (ركن الكذب).

- ثم ما دل على المبالغة؛ مثل: (كذاب)، و (وضاع)، و (دجال).

- وأسهلها: (لين)، أو (سيئ الحفظ)، أو (فيه مقال).

وبين ذلك مراتب معلومة.

ويشترط لقبول الجرح شروط خمسة:

1 - أن يكون من عدل.

2 - وأن يكون من متيقظ.

(1/9)

3 - وأن يكون من عارف بأسبابه.

4 - وأن يبين سبب الجرح.

5 - وأن لا يكون واقعا على من تواترت عدالته، واشتهرت إمامته.

التعديل

والتعديل: أن يذكر الراوي بما يوجب قبول روايته؛ من: إثبات صفة قبول، أو نفي صفة رد.

وينقسم إلى قسمين: مطلق، ومقيد.

1 - فالمطلق: أن يذكر الراوي بالتعديل بدون تقييد؛ فيكون توثيقا له بكل

حال.

2 - والمقيد: أن يذكر الراوي بالتعديل بالنسبة لشيء معين؛ من شيخ أو طائفة - أو نحو ذلك -؛ فيكون توثيقا له بالنسبة إلى ذلك الشيء المعين دون غيره.

وللتعديل مراتب:

- أعلاها: ما دل على بلوغ الغاية فيه؛ مثل: (أوثق الناس)، أو (إليه المنتهى في التثبت).

- ثم ما تأكد بصفة أو صفتين؛ مثل: (ثقة ثقة)، أو (ثقة ثبت) - أو نحو ذلك -.

- وأدناها: ما أشعر بالقرب من أسهل الجرح؛ مثل: (صالح)، أو (مقارب)، أو (يروى حديثه) - أو نحو ذلك -.

وبين هذا مراتب معلومة.

ويشترط لقبول التعديل شروط أربعة:

1 - أن يكون من عدل.

2 - وأن يكون من متيقظ.

3 - وأن يكون من عارف بأسبابه.

4 - وأن لا يكون واقعا على من اشتهر بما يوجب رد روايته؛ من كذب أو فسق ظاهر - أو غيرهما -.

(1/10)

تعارض الجرح والتعديل

وقد يتعارض الجرح والتعديل، وهو: أن يذكر الراوي بما يوجب رد روايته، وبما يوجب قبولها.

وله أحوال أربع:

الأولى: أن يكونا مبهمين.

فإن قلنا بعدم قبول الجرح المبهم: أخذ بالتعديل.

وإن قلنا بقبوله - وهو الراجح -: حصل التعارض، فيؤخذ بالأرجح منهما؛ إما في عدالة قائله، أو في معرفته بحال الشخص، أو بأسباب الجرح والتعديل، أو في كثرة العدد.

والثانية: أن يكونا مفسرين: فيؤخذ بالجرح.

والثالثة: أن يكون التعديل مبهما والجرح مفسرا: فيؤخذ بالجرح.

والرابعة: أن يكون الجرح مبهما والتعديل مفسرا: فيؤخذ بالتعديل.

أقسام الخبر باعتبار الإضافة

وينقسم الخبر باعتبار من يضاف إليه إلى: مرفوع، وموقوف، ومقطوع.

1 - فالمرفوع: ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

وينقسم إلى: مرفوع صريحا، ومرفوع حكما.

فالمرفوع صريحا: ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم نفسه من: قول، أو فعل، أو تقرير، أو وصف في خلقه أو خلقته.

والمرفوع حكما: ما كان له حكم المضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أنواع:

الأول: قول الصحابي إذا لم يمكن أن يكون من قبيل الرأي ولم يكن تفسيرا، ولا معروفا قائله بالأخذ عن الإسرائيليات.

والثاني: فعل الصحابي إذا لم يمكن أن يكون من قبيل الرأي.

والثالث: أن يضيف الصحابي شيئا إلى عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر أنه علم به.

والرابع: أن يقول الصحابي عن شيء بأنه من السنة.

(1/11)

فإن قاله تابعي فقيل: مرفوع، وقيل: موقوف.

والخامس: قول الصحابي: (أمرنا)، أو (نهينا)، أو (أمر الناس) ونحوه.

والسادس: أن يحكم الصحابي على شيء بأنه معصية، وكذا لو حكم الصحابي على شيء بأنه طاعة.

والسابع: قولهم عن الصحابي: (رفع الحديث) أو (رواية).

وكذلك لو قالوا عن الصحابي: (يأثر الحديث)، أو (ينميه)، أو (يبلغ به) ونحوه.

2 - والموقوف: ما أضيف إلى الصحابي، ولم يثبت له حكم الرفع.

3 - والمقطوع: ما أضيف إلى التابعي فمن بعده.

الصحابي

والصحابي: من اجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم أو رآه، مؤمنا به، ومات على ذلك.

وكل الصحابة ثقات ذوو عدل، تقبل رواية الواحد منهم وإن كان مجهولا.

وآخرهم موتا: عامر بن واثلة الليثي، مات بمكة، سنة (110) من الهجرة.

ولم يبق منهم أحد بعد سنة عشر ومئة.

وفائدة معرفة آخر الصحابة موتا: أمران:

الأول: أن من تأخر موته عن هذه الغاية: لم تقبل منه دعوى الصحبة.

والثاني: أن من لم يدرك التمييز قبل هذه الغاية: فحديثه عن الصحابة منقطع.

المخضرم

والمخضرم: من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم في حياته، ولم يجتمع به.

وهم طبقة مستقلة بين الصحابة والتابعين، وقيل: بل هم من كبار التابعين.

وحديث المخضرم من قبيل مرسل التابعي؛ فهو منقطع، وفي قبوله ما في قبول مرسل التابعي من الخلاف.

التابعي

والتابعي: من اجتمع بالصحابي، مؤمنا بالنبي صلى الله عليه وسلم، ومات على ذلك.

(1/12)

الإسناد

والإسناد: رواة الحديث الذين نقلوه إلينا.

وينقسم إلى: عال ونازل.

فالعالي: ما كان أقرب إلى الصحة، والنازل عكسه.

والعلو نوعان: علو صفة، وعلو عدد.

1 - فعلو الصفة: أن يكون الرواة أقوى في الضبط أو العدالة من الرواة في إسناد آخر.

2 - وعلو العدد: أن يقل عدد الرواة في إسناد بالنسبة إلى إسناد آخر.

والنزول يقابل العلو، فيكون نوعين: نزول صفة، ونزول عدد.

1 - فنزول الصفة: أن يكون الرواة أضعف في الضبط أو العدالة من الرواة في إسناد آخر.

2 - ونزول العدد: أن يكثر عدد الرواة في إسناد بالنسبة إلى إسناد آخر.

وقد يجتمع النوعان - علو الصفة وعلو العدد - في إسناد واحد، فيكون عاليا من حيث الصفة، ومن حيث العدد.

وقد يوجد أحدهما دون الآخر، فيكون الإسناد عاليا من حيث الصفة، نازلا من حيث العدد، أو بالعكس.

وفائدة معرفة العلو والنزول: الحكم بالترجيح للعالي عند التعارض.

المسلسل

والمسلسل: ما اتفق الرواة فيه على شيء واحد، فيما يتعلق بالراوي أو الرواية.

وفائدته: بيان ضبط الرواة في أخذ بعضهم من بعض، وعناية كل واحد باتباع من قبله.

تحمل الحديث

وتحمل الحديث: أخذه عمن حدث به عنه.

وشروطه ثلاثة: التمييز، والعقل، والسلامة من الموانع.

(1/13)

وأنواعه كثيرة؛ فمنها:

1 - السماع من لفظ الشيخ، وأرفعه: ما يقع إملاء.

2 - والقراءة على الشيخ، ويسمى: (العرض).

3 - والإجازة، وهي: أن يأذن الشيخ بالرواية عنه؛ سواء أذن له لفظا أو كتابة.

ويشترط لصحتها ثلاثة شروط:

الأول: أن يكون المجاز به معلوما؛ إما بالتعيين أو التعميم.

فإن كان المجاز به مبهما: لم تصح الرواية بها.

والثاني: أن يكون المجاز له موجودا.

والثالث: أن يكون المجاز له معينا بشخصه أو بوصفه.

فإن كان عاما: لم تصح الإجازة.

وقيل: تصح للمعدوم، وغير المعين - والله أعلم -.

أداء الحديث

وأداء الحديث: إبلاغه إلى الغير.

ولقبول الأداء شروط؛ منها: العقل، والبلوغ، والإسلام، والعدالة، والسلامة من الموانع.

وصيغ الأداء: ما يؤدى بها الحديث.

ولها مراتب:

الأولى: (سمعت)، و (حدثني): إذا سمع وحده من الشيخ، فإن كان معه غيره؛ قال: (سمعنا)، و (حدثنا).

والثانية: (قرأت عليه)، و (أخبرني قراءة عليه)، و (أخبرني): إذا قرأ على الشيخ.

والثالثة: (قرئ عليه وأنا أسمع)، و (قرأنا عليه)، و (أخبرنا): إذا قرئ على الشيخ وهو يسمع.

والرابعة: (أخبرني إجازة)، و (حدثني إجازة)، و (أنبأني)، و (عن فلان): إذا روى عنه بالإجازة.

(1/14)

وهذا عند المتأخرين، أما المتقدمون فيرون أن (حدثني) و (أخبرني) و (أنبأني) بمعنى واحد، يؤدي بها من سمع من الشيخ.

وبقي صيغ أخرى تركناها؛ حيث لم نتعرض لأنواع التحمل بها.

آداب العالم والمتعلم

ولكل من العالم والمتعلم آداب ينبغي مراعاتها؛ منها ما هو مشترك بينهما، ومنها ما هو مختص بأحدهما.

فمن الآداب المشتركة:

1 - إخلاص النية لله.

2 - والعمل بما علم.

3 - والتخلق بالأخلاق الفاضلة.

4 - واجتناب الأخلاق السافلة.

ومن الآداب المختصة بالمعلم:

1 - الحرص على نشر العلم بجميع الوسائل.

2 - والصبر على أذى المتعلمين وسوء معاملتهم له.

3 - وأن يمثل أمام الطلبة بما ينبغي أن يكون عليه من دين وخلق.

4 - وأن يسلك أقرب الطرق في إيصال العلم إلى تلاميذه، ومنع ما يحول دون ذلك.

ومن الآداب المختصة بالمتعلم:

1 - بذل الجهد في إدراك العلم.

2 - والبدء بالأهم فالأهم فيما يحتاج إليه من العلم في أمور دينه ودنياه.

3 - والتواضع في طلب العلم.

4 - وتوقير المعلم، واحترامه بما يليق به.

5 - والحرص على المذاكرة.

( فهرس المحتويات )

ثمرات النظر في علم الأثر

الكتاب: ثمرات النظر في علم الأثر

المؤلف: محمد بن إسماعيل بن صلاح بن محمد الحسني، الكحلاني ثم الصنعاني، أبو إبراهيم، عز الدين، المعروف كأسلافه بالأمير (المتوفى: 1182هـ)

المحقق: رائد بن صبري بن أبي علفة

الناشر: دار العاصمة للنشر والتوزيع - الرياض - السعودية

الطبعة: الأولى، 1417هـ - 1996م

عدد الأجزاء: 1

[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]

مقدمة المصنف

بسم الله الرحمن الرحيم

حمدا لك يا واهب كل كمال وشكرا لك يا مانح الجزيل من النوال ويا فاتح الأقفال عن أبواب كل إشكال

وصلاتك وسلامك على من ختمت ببعثه سلسلة الإرسال وعلى آله أئمة المعارف والعوارف خير آل

وبعد فإنه لما من الله بمذاكرة مع بعض الأعلام في شرح نخبة الفكر للحافظ الإمام العلامة الشهاب أحمد بن علي بن حجر أفاض الله عليه شآبيب الإنعام وأنزله بفضله بحبوحة دار السلام

(1/23)

وانتهت إلى بحث الجرح والتعديل عرضت عند المذاكرة فروع ناشئة عن ذلك التأصيل فرغب ذلك القلم إلى تحريرها في الأوراق تحريرا للفظها وحفظا لمعناها وإبانة للحق النافع يوم يعنو كل نفس ما عناها فأخذت في رقم ما وقع ثم اتصل به ما هو أرفع قدرا وأنفع والله أسأله أن يخلص لوجهه الأعمال ويعيذنا من موبقات الأفعال والأقوال وسميته ثمرات النظر في علم الأثر

رواية صاحب البدعة المكفرة والمفسقة

فأقول قسم الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى البدعة في النخبة إلى قسمين إلى ما يكون بمكفر أو بمفسق واختار

(1/24)

في شرحها أن الأول لا يكون قادحا في الراوي إلا إذا كان ردا لأمر معلوم من الدين ضرورة أو عكسه أي إثباتا لأمر معلوم بالضرورة أنه ليس منه

وإنما فسرنا العكس بهذا لأن ذكر الاعتقاد لا دخل له في كون الفعل بدعة فلا بد من حمله على إثبات أمر ليقابل إنكار أمر فيكون إلماما بالأمرين اللذين هما مرجع البدعة ومنشؤها وهما

(1/25)

النقص في الدين والزيادة فيه كما صرح بذلك صاحب الإيثار فالأول إشارة إلى الثاني والثاني إشارة إلى الأول

أو هما إلا إذا كان ردا لأمر معلوم

ولقد وهم من فسر العكس بإنكار أمر واعتقاد خلافه وزحلق العبارة عما تفيده إذ لا بد من حمل الاعتقاد على إثبات أمر مجازا من باب إطلاق السبب على المسبب وكان حق العبارة أن يقول أو إثبات غيره أي إثباتا لأمر في الدين معلوم بالضرورة أنه ليس منه قلت إلا أنه لا يخفى أنه من كان بهذه الصفة فهو كافر لرده ما علم من الدين ضرورة وإثباته ما ليس منه ضرورة وكلا الأمرين كفر وإنه تكذيب للشارع وتكذيبه في أي أمر علم من الدين ضرورة إثباته أو نفيه كفر فهذا ليس من محل النزاع إذ النزاع في مجرد الابتداع لا في الكافر الكفر الصريح فلا نزاع

(1/26)

فيه

وإذا كان من هو بهذه الصفة فقد جاوز رتبة الابتداع إلى أشر منه وأنه لا يرد من أهل ذلك القسم إلا هذا عرفت أنه لا يرد أحد من أهل هذا القسم وأن كل مبتدع مقبول

وأما ما يكون ابتداعه بمفسق فقد اختاره لنفسه ونقله عن الجماهير أنه يقبل ما لم يكن داعية وحينئذ فرده لأجل كونه داعية إلى بدعته لا لأجل بدعته فتحصل من هذا أن كل مبتدع مقبول سواء كان بمكفر أو بمفسق واستثناؤه لمن رد ما علم فاثبت من الدين ضرورة أو زاد فيه ما ليس بضرورة ليس لأجل بدعته بل لرده وإثباته ما ليس من الدين ضرورة وكذا رد الداعية لأجل دعوته لا لأجل بدعته والكل ليس من محل النزاع

(1/27)

ثم لا يخفى أن الحافظ وأهل مذهبه لا يرون التكفير بالتأويل

(1/28)

فكأنه قسم البدعة على رأي غيره إذ لا يرى كفر أحد من أهل القبلة والآتي بما يكفره به من يرى كفر التأويل مبتدع واضح البدعة كما قال ابن الحاجب ومن لم يكفر فهو عنده واضح البدعة انتهى

مسألة قبول كافر التأويل وفاسقه

وهذه هي مسألة قبول كافر التأويل وفاسقه وقد نقل صاحب العواصم إجماع الصحابة على قبول فساق التأويل من عشر طرق في كتبه الأربعة ونقل أدلة غير الإجماع واسعة إذا عرفت هذا فحق عبارة النخبة أن يقال ونقبل المبتدع مطلقا إلا الداعية

وقال الذهبي في الميزان في ترجمة أبان بن تغلب ما لفظه

(1/29)

البدعة على ضربين فبدعة صغرى كغلو التشيع أو كان التشيع بلا غلو ولا تحرق فهذا كثير في التابعين وتابعيهم مع الدين والورع والصدق فلو ذهب حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبوية وهذه مفسدة بينة

ثم بدعة كبرى كالرفض الكامل والغلو فيه والحط على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما والدعاء إلى ذلك فهذه النوع لا يحتج بهم ولا كرامة انتهى

قلت هذا المثيل لأحد أنواع الابتداع وإلا فمن الابتداع النصب بل هو شر من التشيع لأنه التدين ببغض علي رضي الله عنه كما في القاموس فالأمران بدعة إذ الواجب والسنة محبة كل مؤمن بلا غلو في المحبة

أما وجوب محبة أهل الإيمان فأدلته طافحة كما في صحيح مسلم مرفوعا (لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا) الحديث

بل حصر صلى الله عليه وسلم الإيمان في الحب

(1/30)

في الله كما في حديث (وهل الإيمان إلا الحب في الله)

الغلو في الدين

وأما تحريم الغلو في كل أمر من أمور الدين فثابت كتابا وسنة {لا تغلوا في دينكم} (إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين) أخرجه أحمد والنسائي وابن

(1/31)

ماجه والحاكم

إلا أنه لا يتحقق الغلو إلا بإطلاق ما لا يحل إطلاقه في المحبوب المغلو في حبه أو فعل ما لا يحل فعله أو ذكر الغير بما لا يحل لأجله

وأما زيادة صحبة الشخص لبعض أهل الإيمان مع محبته لهم جميعا فهذا لا إثم فيه ولا قدح به وإن سمي غلوا وقد كان بعض المؤمنين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إليه من بعض واشتهر أن أسامة ابن زيد رضي الله عنه حب رسول الله وكانت عائشة رضي الله عنها أحب نسائه إليه

إذا عرفت هذا فالشيعي المطلق قد أتى بالواجب من محبة هذا البعض من المؤمنين فإن كان غاليا فقد ابتدع بالغلو وأثم إن أفضى

(1/32)

به إلى ما لا يحل

وأما مجرد زيادة المحبة والميل فهو إذا صح أنه غلو فلا إثم فيه

أقسام التشيع

وقد اتضح لك أن الحافظ الذهبي قسم التشيع ثلاثة أقسام

الأول تشيع بلا غلو وهذا لا كلام فيه كما أفاده قوله أو كان التشيع بلا غلو ولا تحرق

ولا يخفى أنه صفة لازمة لكل مؤمن وإلا فما تم إيمانه إذ منه موالاة المؤمنين سيما رأسهم وسابقهم إليه فكيف يقول فول ذهب حديث هؤلاء يريد الذين والوا عليا رضي الله عنه بلا غلو وما الذي يذهبه بعد وصفه لهم بالدين والصدق والورع ليت شعري أيذهبه فعلهم لما وجب من موالاة أمير المؤمنين الذي لو أخلوا به لأخلوا بواجب وكان قادحا فيهم ولله

(1/33)

در كثير من التابعين وتابعيهم فقد أتوا بالواجب ودخلوا تحت قوله تعالى {والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا} وتحت قوله تعالى {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان}

ومن ها هنا تعلم أن القول بأن مطلق التشيع بدعة ليس بصحيح والقدح به باطل ولا قدح به حتى يضاف إليه الرفض الكامل وسب الشيخين رضي الله عنهما وحينئذ فالقدح فيه بسب الصحابي لا بمجرد التشيع

والقسم الثاني من غلا في التشيع وأسلفنا لك أنه أتى بواجب وابتدع فيه إن سلم أن مجرد الغلو بدعة إلا أنها بدعة لم

(1/34)

تفض بصاحبها إلى كفر ولا فسق فهو غير مردود اتفاقا إذ قد قيل عند الجماهير من أفضت به بدعته إلى أحدهما كما سلف آنفا

الثالث من أقسام التشيع من غلا وحط على الشيخين فهذا قد أفضى به غلوه إلى محرم قطعا وهو سباب المسلم وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أن سباب المؤمن فسوق فهذا فاعل المحرم قطعا خارج عن حد العدالة فاسق تصريحا فاعل لكبيرة كما يأتي وتارك أيضا لواجب وحينئذ فرده والقدح فيه ليس لأجل مطلق تشيعه وهو موالاته لعلي رضي الله عنه بل لسبه المسلم وفعله المحرم فعرفت أن التشيع المطلق ليس بصفة قدح وجرح من

(1/35)

حيث هو بل هو صفة تزكية لأنه لا بد للمؤمن من موالاة أهل الإيمان فإذا عرف بها صارت تزكية فإذا وقع في عباراتهم القدح بقولهم فلان شيعي فهو من القدح المبهم لا يقبل حتى يتبين أنه من النوع القادح وهو غلو الرفض

تعريف النصب

وأما النصب فعرفت من رسمه عن القاموس أنه التدين ببغض علي رضي الله عنه فالمتصف به مبتدع شر ابتداع أيضا فاعل لمحرم تارك لواجب فإن محبة علي رضي الله عنه مأمور بها عموما وخصوصا

أما الأول فلأنه داخل في أدلته إيجاب محبة أهل الإيمان

وأما الخاصة فأحاديث لا يأتي عليها العد آمرة بحبه ومخبرة بأنه لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق وقد أودعنا الروضة الندية شرح

(1/36)

التحفة العلوية من ذلك شطرا من الأحاديث بحمد الله معزوة إلى محله مصححة ومحسنة فالناصبي أتى بمحرم قطعا ولم يأت بالواجب الآخر من موالاة سائر أهل الإيمان كالصحابة إذ ليس من لازمه محبة بقية الصحابة وهب أنه من لازمه فلا يخرجه عن الإخلال بواجب محبة علي رضي الله عنه وفعله لمحرم من بغضه

فالشيعي المطلق في رتبة علية أتى بالواجب وترك المحرم والناصبي في أدنى رتبة وأخفضها فاعل للمحرم وتارك للواجب فإن انتهى نصبه إلى إطلاق لسانه بسب الوصي رضي الله عنه فقد انتهت به بدعته إلى الفسق الصريح كما انتهت بالشيعي الساب بدعة غلوه إلى ذلك وخير التشيع تشيع من قال

(أنا شيعي لآل المصطفى ... غير أني لا أرى سب السلف)

(أقصد الإجماع في الدين ومن ... قصد الإجماع لم يخش التلف)

(لي بنفسي شغل عن كل من ... للهوى قرض قوما أو قذف)

والشيعي إن انضاف إلى حبه لعلي رضي الله عنه بغض أحد من السلف فقد ساوى مطلق الناصبي في بغضه لبعض أهل

(1/37)

الإيمان فإن قلت هل يقدح في دينه ببغضه لبعض المؤمنين قلت البغض أمر قلبي لا يطلع عليه فإن اطلع عليه كما هو المفروض هنا كان قدحا إذ الكلام في الناصبي ولا يعرف أنه ناصبي إلا بالاطلاع على بغضه لرأس أهل الإيمان

فمن عرف بمثل هذه المعاصي ردت روايته لأنه ليس بعدل على تعريف ابن حجر للعدالة إذ قد حد في رسمها اللغوي عدم الابتداع ولا يتم إلا بخلو القلب عن بغض أهل الإيمان كيف وقد ثبت أن بغضه رضي الله عنه علامة النفاق

(1/38)

وبهذا عرفت أن الناصبي المطلق خارج عن العدالة فإن انضاف إلى نصبه إطلاق لسانه فيمن يبغضه فقد ازداد عنها بعدا والشيعي المطلق محقق العدالة وإن أبغض وسب فارق العدالة وحينئذ يتبين لك أنه كل التمثيل ببدعة النصب للابتداع الخارم للعدالة أولى إذ هو على كل حال بدعة قادحة بخلاف التشيع فالمطلق منه ليس ببدعة بل فعله واجب

وقال الحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح

التشيع محبة علي عليه السلام وتقديمه على الصحابة فمن قدمه على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فهو غال في التشيع ويطلق عليه رافضي وإلا فشيعي فإن انضاف إلى ذلك السب والتصريح بالبغض فغال في الرفض انتهى كلامه

فقسم التشيع أيضا ثلاثة أقسام رفض وغلو في الرفض وتشيع

فالأول انضاف إلى محبته لعلي رضي الله عنه تقديمه على الشيخين والثاني انضاف إليها بغض الشيخين والسب لهما

(1/39)

والثالث المحب فقط وهذا التقسيم وقع في ذكره لبدعة التشيع

وأقول أما محبته مطلقا وهو القسم الثالث فإنه شرط في إيمان كل مؤمن وليس من البدعة في دبير ولا قبيل

وهل الإيمان إلا الحب في الله وحينئذ عرفت أن كل مؤمن شيعي

وأما الساب فسب المؤمن فسوق صحابيا كان أو غيره إلا أن سباب الصحابة أعظم جرما لسوء أدبه مع مصحوبه صلى الله عليه وسلم ولسابقتهم في الإسلام

وقد عدوا سب الصحابة من الكبائر كما يأتي عن الفريقين الزيدية ومن يخالف مذهبهم

وقد عرفت أنه دل كلام الذهبي وكلام الحافظ ابن حجر على أن التشيع بكل أقسامه بدعة ولا يخفى أن مطلق التشيع

(1/40)

الذي هو موالاة علي واجب وفاعل الواجب لا يكون مبتدعا

فإن قلت هذا كله مبني على أن قول الحافظ وتقديمه على الصحابة ليس من جملة رسم التشيع وأي مانع عن جعله قيدا فيقيد أن التشيع محبة علي رضي الله عنه مع تقديمه على الصحابة فلا يتم أن مجرد محبته تشيع قلت يمنع عنه أنه إن حمل لفظ الصحابة في كلامه في الرسم على من عدا الشيخين لزم أن من قدمه على أي صحابي ولو من الطلقاء أو ممن ثبت له مجرد اللقاء يكون شيعيا لأن لفظ الصحابة للجنس فهو في قوة من قدمه على أي صحابي وهذا لا يقوله أحد فإنه من السابقين الأولين من العشرة المشهود لهم بالجنة وهم مقدمون على غيرهم بالنصوص

ولأنه بالاتفاق ليس يسمى الشيعي من قدم عليا على أي فرد من أفراد الصحابة أو حمل على الشيخين فقط فيكون التشيع محبة علي رضي الله عنه وتقديمه على الشيخين فهذا بعينه هو الذي أفاده

(1/41)

بقوله فمن قدمه على أبي بكر وعمر فهو غال فحينئذ تداخل الأقسام ولا يشمل كلامه وضابطه رسم التشيع المطلق أو حمل على المشايخ الثلاثة فهذا الإشكال باق إذ من قدمه على الثلاثة فقد قدمه على الشيخين مع الخلل الذي عرفته أيضا

وإنما بلغت عبارته إلى هذا الخلل على التقادير الأربعة بسبب جعل قوله تقديمه على الصحابة قيدا تعين حملها على ما تصح به وتفيد وأن قوله وتقديمه استئنافية والواو للاستئناف قدمها إرهاصا لقوله فمن قدمه على أبي بكر وعمر وأن المراد من الصحابة الشيخان ذكرهما ألا إجمالا ثم ثانيا تفصيلا وأن قوله

(1/42)

محبة علي فقط هو رسم مطلق التشيع وأيد هذا قوله وإلا فشيعي فإن مراده وألا يقدمه على الشيخين لدي بل يحبه فقط وهذا هو المطلق

وأيده أيضا بما عرفناه من تصرفاتهم في كتب الرجال وتسمع من كلامنا الآتي كثيرا من عباراتهم في ذلك وأيده قول الحافظ الذهبي في ضابطه أو كان التشيع بلا غلو

فهذان الحافظان يوافقان أن التشيع أقسام ثلاثة تشيع مطلق هو محبته رضي الله عنه فقط

ومحبته مع تقديمه على الشيخين ومحبته مع التقديم والسب الأول شيعي والثاني غال في التشيع ويطلق عليه رافضي الثالث غال في الرفض

هذا مفاد كلام الحافظين وهما إماما الفن

(1/43)

وعلى كلامهما وقع البحث في هذه الرسالة

حقيقة البدعة

ثم اعلم أن البدعة وحقيقتها الفعلية المخالفة للسنة ولها تعاريف حاصلها ما لم يكن على عهده صلى الله عليه وسلم

وتنقسم إلى ثلاثة أنواع لا يقتضي كفرا ولا فسقا وهي التي قال فيها عمر رضي الله عنه في جماعة التراويح نعمت

(1/44)

البدعة قال المناوي في كتابه في التعاريف قد يكون من

(1/45)

البدعة ما ليس بمكروه فتسمى بدعة مباحة وهو ما يشهد لحسنه أصل الشرع واقتضته مصلحة تندفع بها مفسدة

والنوعان الآخران ما يؤول إلى أحد الأمرين كما عرفت

فالأولى لا قدح بها اتفاقا ولا تخل بالعدالة وإن دخلت في مسمى البدعة وشملها اشتراط فقدها في حصول العدالة وذلك لأنه لا يخلو عنها طائفة بل يكاد أنه لا يخلو عنها فرد إلا في عصمة الله وإن كانت عباراتهم في رسم العدالة عامة والأحاديث الآتية دالة على أنه لا فرق بين أنواعها إلا أنهم كما عرفت قسموها هذا التقسيم وقسموها أيضا إلى مستحسنة وغير مستحسنة وما أظن هذا التقسيم إلا من جملة الابتداع وها هنا أبحاث تتعلق بكلامهم

اشتراط العدالة في رسم الصحيح والحسن

الأول أنهم أخذوا في رسم الصحيح والحسن عدالة الراوي كما سبق للحافظ في النخبة ومثله في كتب صاحب العواصم وفي جميع كتب أصول الحديث وفسر الحافظ العدالة بأنها ملكة

(1/46)

تحمل على ملازمة التقوى والمروءة

وفسر التقوى بأنها اجتناب الأعمال السيئة من شرك أو فسق أو بدعة فأفاد أن العدالة شرط للراوي

وقد عرفت أن ترك البدعة من ماهية العدالة فالعدل لا يكون عدلا إلا باجتناب البدعة بأنواعها

ولا يخفى أن هذا يناقض ما قرره الحافظ من القول بقبول المبتدع مناقضة ظاهرة على أن في رسم الحافظ للتقوى قصورا فإنها اجتناب المحرمات والإتيان بالواجبات وقد اقتصر على الفصل الأول من فصلي رسمها

ومنهم من فسرها بالاحتراز عما يذم شرعا وهو صحيح شامل للأمرين

إن قلت أخذهم الفسق في رسم العدالة فيه أيضا إخلال فبأنهم قبلوا فاسق التأويل وقد أخذوا العدالة له شرطا في الراوي وأخذوا عدم الفسق في رسمها فالفاسق غير عدل قلت يتعين حمل الفسق في الرسم على الفسق الصريح لأنه المتبادر عند

(1/47)

الإطلاق وليندفع التناقض

ذم المبتدعة

المبحث الثاني لا يخفى ما ورد في السنة من الأحاديث الواسعة في ذم المبتدعة والوعيد الشديد لهم أخرج مسلم وابن ماجه وغيرهما من حديث جابر قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدى هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة

وأخرج الطبراني من حديث أنس مرفوعا إن الله حجب التوبة عن كل صاحب بدعة حتى يدع بدعته قال الحافظ المنذري إسناده حسن ورواه ابن ماجه أيضا وابن أبي حاتم في كتاب السنة عن ابن عباس رضي الله عنه لفظه أبى الله تعالى أن

(1/48)

يقبل عمل صاحب بدعة حتى يدع بدعته ورواه ابن ماجه أيضا من حديث حذيفة مرفوعا ولفظه لا يقبل الله تعالى لصاحب بدعة صوما ولا حجا ولا عمرة ولا جهادا ولا صرفا ولا عدلا ويخرج من الإسلام كما تخرج الشعرة من العجين

(1/49)

وفي الزواجر لابن حجر الأخير أنه صح لعن من أحدث حدثا

وأخرج الطبراني ما من أمة ابتدعت بعد نبيها بدعة إلا أضاعت مثلها من السنة وقد صح حديث ستة لعنهم الله وكل نبي مجاب الدعوة

(1/50)

وقد عد منهم تارك السنة

قال في الزواجر وقد عد شيخ الإسلام الصلاح العلائي في قواعده والجلال البلقيني وغيرهما البدعة من الكبائر ولفظ الجلال البلقيني في تعداد الكبائر السادسة عشرة البدعة وهي المراد بترك السنة

إذا عرفت هذا فلا يخلو إما أن يقول قائل المبتدع عدل وإن ابتداعه لا يخل بعدالته فهذا رجوع عن رسم العدالة بما ذكره فهذه الأحاديث وأقوال العلماء منادية على أن الابتداع من الكبائر وقد رسموا الكبيرة بما توعد عليه بخصوصه وهو صادق على البدعة

ومن هنا ينقدح لك أن من حذف البدعة من رسم

(1/52)

العدالة فلدخولها في لفظ الكبائر المذكورة في الرسم

أو يقول إنها تخل بالعدالة فهذا يعود على شرطية العدالة في الراوي بالنقض

تفسير العدالة

المبحث الثالث تفسير العدالة بما ذكره الحافظ تطابقت عليه كتب الأصول وإن حذف البعض قيد الابتداع إلا أنهم الكل اتفقوا أنها ملكة إلى آخره وهذا ليس معناها لغة ففي القاموس العدل ضد الجور وهو إن كان كلامه في هذه الألفاظ قليل الإفادة لأنه يقول والجور نقيض العدل فيدور

وفي النهاية العدل الذي لا يميل به الهوى

وهو وإن كان تفسيرا للعادل فقد أفاد المراد في غيرها العدل الاستقامة

وللمفسرين في قوله تعالى {إن الله يأمر بالعدل والإحسان}

(1/53)

أقوال في تفسيره قال الرازي بعد سرده للأقوال إنه عبارة عن الأمر المتوسط بين طرفي الإفراط والتفريط وهو قريب من تفسيره بالاستقامة

وقد فسر الاستقامة الصحابة وهم أهل اللغة بعدم الرجوع إلى عبادة الأوثان وأنكر أبو بكر رضي الله عنه على من فسرها بعدم الإتيان بذنب وقال حملتم الأمر على أشده وفسرها الوصي كرم الله وجهه بالإتيان بالفرائض

(1/54)

نقد العدالة بالملكة المذكورة

والحاصل أن تفسير العدالة بالملكة المذكورة ليس معناها لغة ولا أتى عن الشارع حرف واحد بما يفيدها والله تعالى قال في الشهود {وأشهدوا ذوي عدل} {ممن ترضون من الشهداء} وهو كالتفسير للعدل والمرضي من تسكن النفس إلى خبره ويرضى به القلب ولا يضطرب من من خبره ويرتاب ومنه {تجارة عن تراض}

وفي كلام الوصي رضي الله عنه حدثني رجال مرضيون وأرضاهم عمر وقال صلى الله عليه وسلم (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه)

(1/55)

فالعدل من اطمأن القلب إلى خبره وسكنت النفس إلى ما رواه

(1/56)

وأما القول بأنه من لو هذه الملكة التي هي كيفية راسخة تصدر عنها الأفعال بسهولة يمتنع بها عن اقتراف كل فرد من أفراد الكبائر وصغائر الخسة كسرقة لقمة والتطفيف بحبة تمرة والرذائل الجائزة كالبول في الطرقات وأكل غير السوقي فيه فهذا تشديد في العدالة

(1/57)

لا يتم إلا في حق المعصومين وأفراد من خلص المؤمنين بل قد جاء في الأحاديث أن كل بني آدم خطاؤون وخير الخطائين التوابون) وأنه ما من نبي إلا عصى أو هم بمعصية فما ظنك عمن سواهم وحصول هذه الملكة في كل راو من رواة الحديث عزيز الحصول لا يكاد يقع

ومن طالع تراجم الرواة علم ذلك وأنه ليس العدل إلا من قارب وسدد وغلب خيره شره وفي الحديث (المؤمن واه) أي واه لدينه

(1/58)

بالذنوب راقع له بالتوبة فالسعيد من مات على رقعه أخرجه البزار وإن كان فيه ضعف فهو منجبر بحديث (لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم) وهو حديث

(1/59)

صحيح فالمؤمن المرضي العدل لا بد مقارفته لشيء من الذنوب لكن غالب حاله السلامة ويأتي عن الشافعي رضي الله عنه قول حسن في العدالة

وهذا بحث لغوي لا يقلد فيه أهل الأصول وإن تطابقوا عليه فهو مما يقوله الأول ثم يتابعه عليه الآخر من غير نظر

إذا عرفت ما أسلفناه وقد عرفت نقل الإجماع عن الصحابة رضي الله عنهم في قبول خبر المبتدع كما قال الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة رضي الله عنه إن من تصفح آثارهم واقتص أخبارهم عرف أنهم لما صاروا أحزابا وتفرقوا فرقا وانتهى الأمر بينهم إلى القتل والقتال كان بعضهم يروي عن بعض من غير مناكرة بينهم في ذلك بل اعتماد أحدهم على رواية من يخالفه

(1/60)

كاعتماده على رواية من يوافقهم

ومثله قال الشيخ أحمد الرصاص في كتاب الجوهرة إن الفتنة لما وقعت بينهم كان بعضهم يحدث عن بعض من غير مناكرة ويسند الرجل إلى من يخالفه كما يسند إلى من يوافقه

علمت أن ذلك يستلزم الإجماع على أن مدار قبول الرواية ظن صدق الراوي لا عدالته المفسرة بحد الحافظ وغيره

قال ابن الصلاح كتب الأئمة طافحة بالرواية عن المبتدعة غير الدعاة

قلت ما ذاك إلا لكون الابتداع غير مخل بالعدالة قطعا بل هو مخل بها لكنه دار القبول على ظن الصدق وذلك لأدلة

الأول أن خبر المبتدع يفيد الظن والعمل بالظن حسن

(1/61)

عقلا

الثاني أن في مخالفتهم مضرة مطنونة ودفع الضرر المظنون عن النفس واجب

الثالث إما أن يحصل بخبرهم الرجحان أو لا إن حصل فإما أن يعمل به أو بالمرجوح أو يساوي بينهما وقد علمت أن ترجيح المرجوح على الراجح أو المساواة بينهما في الترجيح قبيح عقلا فوجب العمل بالراجح إذا عرفت أنه يفيد الظن وأنه يجب العمل بالظن عقلا

(1/62)

الأدلة على وجوب العمل به شرعا كثيرة

الآية الأولى قوله تعالى {فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف} وهو عام في كل ما جاء عن الله تعالى سواء كان من كلامه أو كلام رسوله صلى الله عليه وسلم وسواء كان معلوما أو مظنونا فكل خبر عن الله تعالى أو عن رسوله حصل الظن به فقد صدق عليه أنه جاءنا عن الله تعالى

الثانية قوله تعالى {خذوا ما آتيناكم بقوة} فهذا عام فيما أتانا عن الله تعالى والآية وإن كانت خطابا لأهل الكتاب فهي في حقنا كذلك وتقرير الحجة بها كما سلف

الثالثة قوله {وما آتاكم الرسول فخذوه} الآية

وتقريرها كما سلف والخبر المظنون عن الرسول قد أتانا عنه فيجب العمل به والأدلة من هذا النوع واسعة جدا أو ناهضة على المدعي وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما

(1/63)

استطعتم) فيجب في تعرف ما أتانا الله تعالى وأمرنا بأخذه بذل الوسع في ذلك بحسب الطاقة كما قال تعالى {فاتقوا الله ما استطعتم} وهنا رتب ثلاث

الأولى أن يعلم اللفظ الوارد عن الشارع والمعنى وهذا يكون كثيرا في القرآن والسنة المتواترة

الثانية أن يعلم اللفظ ويظن المعنى وذلك أيضا يكون في القرآن كثيرا والمتواتر من السنة

الثالثة أن يظن اللفظ والمعنى أو يعلم المعنى ويظن اللفظ وكلاهما في السنة

(1/64)

فإن قلت يلزم على هذا قبول خبر الكافر والفاسق الصريح أيضا إذا حصل الظن لوجود العلة

قلت منع منه الإجماع فخصص العلة

قبول فاسق التأويل

واعلم أنه قد استدل في العواصم على قبول خبر فاسق التأويل بحديث أنه قبل الأعرابي الذي شهد برؤية هلال رمضان فقال له (أتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله قال نعم قال يا بلال أذن في الناس أن يصوموا غدا) أو بنحوه من الأدلة إلا أن في استدلاله بذلك بحثا لأنه

(1/65)

بناه على أن عدالة أهل ذلك العصر كانت غير منوطة بإسلامهم وهو قائل بخلافه لذهابه إلى أن أهل ذلك العصر كانت العدالة منهم منوطة بالإسلام والقيام بأركانه واجتناب معاصي الخوارج كما نقله عن أبي طالب واختاره فهذا لا يتم به الاستدلال على قبول قول المبتدعين إذ قد بني على عدالة أهل ذلك العصر

(1/67)

النبوي إلا من ظهر منه ما يخرج به

الكلام الآن معه على من تحقق جرح عدالته وأنه إنما قبل لحصول الظن بخبره

وكذلك استدلاله بخبر الأمة السوداء التي سألها صلى الله عليه وسلم (هل هي مؤمنة فأشارت أن الله ربها فقال صلى الله عليه وسلم هي مؤمنة)

(1/68)

وكذلك ذكره الحديث (إن ابني هذا سيد ويصلح الله به بين طائفتين عظيمتين من المسلمين)

قال في الأول هذا دليل على قبول كل من آمن بالله ورسوله من أهل الإسلام ما لم يثبت فيه فعل ما يجرح به وقال في الثاني فسماهم مسلمين والمسلم مقبول ما لم يظهر جرحه فإنه يقال هذا يقتضي أنك تريد أن من أسلم وآمن من أهل ذلك العصر

(1/69)

فإنه عدل وهو الظاهر من كلامه وهذا غير محل النزاع إذ الكلام مع من يرد فساق التأويل والمبتدعة

لا يقال لعل صاحب العواصم يختار في رسم العدالة غير ما يختاره الجمهور وأنه من ثبت إسلامه ثبتت عدالته من أهل ذلك العصر وغيره لأنا نقول هذا مسلم في أنه اختاره لكن في حق الصحابة وأهل العصر النبوي إذ الظاهر فيهم العدالة كما سبق نقل اختياره له وبه قال المحدثون وأهل الأثر وأما في حق غيرهم فغير مسلم

وجعله ظن الصدق علة في قبول الرواية دليل على أنه لا يرى ذلك وإلا لما افتقر إلى إقامة الأدلة على ذلك ولكان أحوج على إقامة الدليل على هذا الأصل الكبير ولأنه صرح أن ظاهر العلماء العدالة ما لم يظهر ما يجرحهم وينفي العلم بالظاهر وجعل هذا القول المختار القوي حيث قال المختار القوي ما ذهب إليه

(1/70)

أبو عمر بن عبد البر وأبو عبد الله بن المواق وهو أن كل حامل علم معروف بالعدالة فإنه مقبول في علمه محمول أبدا على السلامة حتى يظهر ما يجرحه وذكر أدلة هذا القول وهذا ظاهر في أنه يرى رأي الجمهور في أن الأصل الفسق ولذا عين هذه الطائفة بالعدالة وسرد أدلة ذلك هنالك إلا أنه يختار في الصحابة وأهل العصر النبوي أن الظاهر فيهم العدالة ما نقله هو عن الشافعي رضي الله عنه فإنه قال متى سلم أن العدالة هي ترك جميع الذنوب والمعاصي عز وجودها في جميع المواضع التي يشترط فيها كعقد النكاح والطلاق على السنة وعقد البيوع والعقود والحدود وقد دل الشرع على ما تبين أن العدالة مرتبة دون هذه المرتبة

وقد حسن ابن كثير حديث أبي هريرة مرفوعا (من طلب قضاء المسلمين حتى يناله ثم غلب عدله جوره فله الجنة ومن غلب جوره عدله فله النار) ومن ذلك ما ورد في الحديث

(1/71)

وأجمعت الأمة عليه من أنه لا يقبل من بينه وبين أخيه إحنة مع أنه مقبول على من ليس بينه وبين أخيه إحنة فلم يخرج المسلم الثقة بالإحنة التي بينه وبين أخيه ما لم يسرف في العداوة إلى حد لا يتجاوز إليه أهل الدين

كلام مستحسن للشافعي في العدالة

قال وقد قال الشافعي في العدالة قولا استحسنه كثير من العقلاء من بعده قال لو كان العدل من لم يذنب لم نجد عدلا ولو كان كل ذنب لا يمنع من العدالة لم نجد مجروحا ولكن من ترك

(1/72)

الكبائر وكانت محاسنه أكثر من مساوئه فهو عدل انتهى

قلت وهذا قوله حسن ويؤيده أن أهل اللغة فسروا العدل بنقيض الجور وليس الجور عبارة عن ملكة راسخة توجب إتيان كل معصية ولا الجائر لغة كل من يأتي معصية بل من غلب جوره على عدله وفي الحديث (بعثت في زمن الملك العادل) يعني كسرى وإن كان الحديث ضعيفا

ومعلوم أنه يأتي من الجور

(1/73)

جانبا لو لم يكن إلا كفره بالله ورسله هذا

وأما القول بأن الأصل الفسق كما قال العضد في شرح مختصر المنتهى وتابعه عليه الآخذون من كتابه وغيرهم واستدل بأن العدالة طارئة ولأنه أكثر ففيه تأمل لأن الفسق أيضا طارىء فإن الأصل أن كل مكلف يبلغ من سن تكليفه على الفطرة فهو عدل فإن بقي عليها من غير مخالفته لم يفسق ويأتي بما يجب فهو على عدالته مقبول الرواية وإن لابس المفسقات فله حكم ما لابسه

ثم رأيت السعد في شرح الشرح قد أشار إلى هذا وتعقبه صاحب الجواهر بما ليس بجيد

وأما الاستدلال بأن الأصل هو الغالب والفسق في المسلمين أغلب فقد قيد هذا بعض المحققين بأن الأغلبية إنما هي في زمن تبع تبع التابعين لا في زمن الصحابة والتابعين وتابعيهم لحديث (خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يفشو الكذب) قلت وقوله صلى الله عليه وسلم (ثم يفشو

(1/74)

الكذب) يشعر بأن الخيرية بالنظر إلى صدق الأقوال

وأما استدلال من استدل على أغلبية الفسق بقوله تعالى {وقليل ما هم} {وقليل من عبادي الشكور}

(1/75)

{وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين} فغير جيد إذ المراد أن المؤمنين قليل بالنسبة إلى الكفار كما يدل عليه سياق الآيات إلا أن أهل العدالة قليل بالنسبة إلى المسلمين الذين ليسوا بعدول

ثم قال فيحمل الفرد المجهول على الأعم الأغلب فهذا بعد تسليم أن الأغلب الفسق ليس لنا أن نحمل المسلم المجهول العدالة على الأعم الأغلب وهو فسقه لأنه إضرار به وتفسيق لا بنص ولا قياس ولا شيء من الأدلة مع أنه قد تقرر أنه لا تفسيق إلا بقاطع

ثم نعود إلى الاستدلال على أن المعتد في قبول الأخبار حصول ظن الصدق وأن مجهول العدالة مقبول خبره لما ثبت عن علي رضي الله عنه أنه كان يستحلف الراوي ومعلوم أنه لا يحلف معروف العدالة إذ العدالة مانعة من الكذب ومحصلة للظن بصدق خبره

ولا يحلف المعروف بالفجور وعدم العدالة إذ يمينه لا ترفع الريبة عن خبره فالمحلف من يجهل حاله فيجوز أن تكون يمينه

(1/76)

رافعة للريبة محصلة للظن ولذا قال وحدثني أبو بكر وصدق فإنه لما عرف عدالته لم يستحلفه كما هو ظاهر كلامه ولفظه كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا ينفعني الله به ما شاء أن ينفعني وإن حدثني غيره استحلفته وحدثني أبو بكر وصدق ذكره الحافظ الذهبي في تذكرته وقال هو حديث حسن وساق طريقه

ففيه دليل أن مناط القبول ظن الصدق وطلب الظن الأقوى مهما أمكن من وظيفة من يتقي الله حق تقاته وقد أمكن ها هنا تحصيله بيمين الراوي

(1/77)

ويدل لذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان يقبل خبر من يخبره ومعلوم أنه لظنه بالصدق حتى يبين الله له بالوحي عدم صدق المخبر مثل خبر زيد ابن أرقم حين أخبره بمقالة عبد الله بن أبي ثم لما جاء ابن أبي وعاتبه صلى الله عليه وسلم على ما قاله وبلغه وأقسم بالله ما قال شيئا وإن زيدا كاذب فعذره وصدقه صلى الله عليه وسلم وقال لزيد عمه ما أردت إلى أن كذبك رسول الله صلى الله عليه وسلم

وفشت الملامة لزيد في الأنصار وكذبوه حتى أنزل الله تعالى سورة المنافقين بتصديق زيد رضي الله عنه وتكذيب ابن أبي فقد قبل صلى الله عليه وسلم خبر زيد أولا ورتب عليه عتاب ابن أبي ثم قبل حديث ابن أبي ورتب عليه الناس تكذيب زيد

فإن قلت ابن أبي منافق والمنافق كافر فيلزم قبول خبر الكافر قلت قد ثبت بالإجماع بأن المنافقين لهم في الدنيا أحكام

(1/78)

المؤمنين ومنها قبول أخبار من يظن صدقه منهم وهذا الحديث من أدلته في الباب وغيره من الأدلة فإنه صلى الله عليه وسلم قبل خبره مع علمه بنفاقه حتى أكذبه الله

وكذلك قصة بني أبيرق وقوله صلى الله عليه وسلم (هم أهل بيت يذكر عنهم إسلام وصلاح) لما أخبره مخبر أنهم كذلك ثم أخبره تعالى

(1/79)

بحقيقة حالهم وأنزل فيهم الآيات في سورة النساء

فقد كان صلى الله عليه وسلم يقبل خبر من يخبره عن هؤلاء ويرتب عليه أحكاما ومعلوم أنه لا يعمل إلا بظن أو بعلم لا سبيل إلى الثاني هنا فهو يعمل استنادا في حصول الظن بخبرهم أو إحسان الظن بهم فإنهم لا يكذبون فإنه قد كان يتنزه عن الكذب الكفار لقبحه عندهم

بل أبلغ من هذا أنه صلى الله عليه وسلم أمر بغزو بني المصطلق لما أخبره الوليد بن عقبة أنهم تجمعوا لرد رسوله حتى أنزل الله تعالى {إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا} الآية

إن قلت لعله صلى الله عليه وسلم ماكان يعمل بأخبار أهل ذلك العصر إلا لعدالتهم لا بمجرد حصول الظن بأخبارهم قلت الإنصاف أن أهل

(1/80)

ذلك العصر كغيرهم فيهم العصاة وأهل التقوى ففيهم من ارتكب فاحشة الزنى وفيهم من شرب المسكر وحد عليه ومنهم من قذف المحصنات وفيهم من قتل النفس التي حرم الله وفيهم من غل من المغنم وفيهم من سرق وقطعت يده هذا في حياته صلى الله عليه وسلم

وفيهم المنافقون لا يعلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى {وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين} وفيهم المرجفون {لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة} وإذ كان لا يعلمهم صلى الله عليه وسلم ولا يعرف نفاقهم فيكف يميز العدل عن غيره وأما المنافقون المعروفون بالنفاق كابن أبي فسلف آنفا قبول أخبارهم ومعاملتهم معاملة من يظن صدقه صلى الله عليه وسلم من المؤمنين ما

(1/81)

لم يكذبهم الله نعم من صحب المصطفى صلى الله عليه وسلم واتبعه حق الإتباع أمم من أهل ذلك العصر متقون رضي الله عنه ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا إلا أنه لا يقتضي الحكم على أهل كل عصر بالعدالة

إن قلت قوله صلى الله عليه وسلم (خير القرون قرني) الحديث

تزكية منه صلى الله عليه وسلم لأهل عصره ومن بعدهم ممن ذكرهم

قلت تقدمت الإشارة إلى أنه إخبار عن خيريتهم بالنظر إلى الصدق والعدالة أخص منه وكذلك الصدق شعار الأغلب منهم ولذا قال ثم يفشو الكذب فإنه يشعر أن ثم كذبا في تلك الأعصار المخبرة إلا أنه لا فشو غلبة

فإن قلت الممادح جملة الواردة كتابا وسنة أدلة على عدالة أهل ذلك العصر

قلت قد وردت الممادح في جملة الأمة ولا تقتضي تزكية

(1/82)

الأفراد اتفاقا فكذلك هنا لأن الثناء على الجملة لا يقتضي الثناء على كل فرد فرد

فإن قلت قبوله صلى الله عليه وسلم لأخبار أهل ذلك العصر دليل على عدالتهم ولا يقدح فيه أنه أتاه الوحي أن فيهم كذابين وأن ممن أخبره فاسقا قلت ومتى سلمنا أن العدالة التي رسموها شرط في قبول الرواية وأين دليلها ولا يتم الاستدلال بأن قبوله صلى الله عليه وسلم دليل لها حتى يتم أنها شرط وإلا فهو دور

فإن قلت قد دار قبوله صلى الله عليه وسلم لأخبارهم على أحد الأمرين إما حصول الظن أو عدالة الراوي فحمله على أحد الأمرين دون الآخر تحكم

قلت عدالة الراوي ما قام الدليل على شرطيتها وظن الصدق أمر لا بد منه إذ لا عمل إلا عن علم أو ظن فحملناه على المتيقن

ونحن في مقام النفي لشرطية العدالة المخصوصة فالدليل

(1/83)

المثبت على أنه قد قام الإجماع على قبول غير العدل على رسمهم العدالة والعمل بروايتهم من كل الأمة كما سنحققه الآن في سرد من رووا عنه في الأمهات التي هي عمدة أهل الإسلام من غير العدول على رسمهم العدالة

قف على هذه النكتة

ثقة المبتدع

وقد قال الحافظ ابن حجر في مقدمة فتح الباري إنه لا أثر للتضعيف مع الصدق والضبط انتهى

وهما مظنتا حصول الظن بصدق الراوي ورووا عن الخوارج وهم أشد الناس بدعة

لأنهم يكفرون من يكذب فقبولهم لحصول الظن بخبرهم

قال أبو داود ليس في أهل الأهواء أصح حديثا من الخوارج

(1/84)

وفي البخاري من المبتدعة أمم لا يحصون وفي غيره من الأمهات وناهيك أنه أخرج لعمران بن حطان الخارجي المادح لقاتل علي رضي الله عنه بالأبيات المشهورة السائرة

(1/85)

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى قال المبرد وكان عمران بن حطان رأس القعد من الصفرية وخطيبهم

(1/86)

وشاعرهم انتهى

والقعد قوم يقولون بقول الخوارج ولا يرون الخروج بل يزينونه وكان عمران داعية إلى مذهبه أخرج له البخاري في المتابعات

وأخرج البخاري وأبو داود والترمذي لعمران بن مسلم القصير قال يحيى القطان كان يرى القدر وهو مستقيم الحديث وأخرج الستة للفضل بن دكين وهو شيعي وأخرج الستة لأبي معاوية الضرير قال الحاكم احتجا به وقد اشتهر عنه الغلو

قال الذهبي غلو التشيع وقد وثقه العجلي

(1/87)

وأخرجوا أيضا لعدي بن ثابت وقد قال فيه ابن معين شيعي مفرط وقال الدارقطني رافضي غال

وأخرج البخاري لإبراهيم بن طهمان وقد رموه بالإرجاء وأخرج البخاري لإسماعيل بن أبان وهو أحد شيوخه قال الجوزجاني كان مائلا عن الحق ولم يكن يكذب في الحديث قال ابن عدي يعني ما عليه الكوفيون من التشيع

قال الحافظ ابن حجر الجوزجاني كان ناصبيا منحرفا عن علي فهو ضد الشيعي المنحرف عن عثمان والصواب موالاتهم جميعا ولا ينبغي لنا تسمع قول مبتدع في مبتدع انتهى

وأخرج الشيخان لأيوب بن عايذ بن مدلج وثقة ابن معين وأبو حاتم والنسائي والعجلي وأبو داود وزاد أبو داود وكان مرجئا وقال البخاري وكان يرى الإرجاء إلا أنه صدوق

(1/88)

وأخرج الجماعة لثور بن يزيد الديلمي شيخ مالك وثقة ابن معين وأبو زرعة والنسائي وغيرهم وقال ابن عبد البر صدوق لم يتهمه أحد وكان ينسب إلى رأي الخوارج والقول بالقدر ولم يكن يدعو إلى شيء من ذلك وقال ابن عبد البر فيه سئل مالك كيف رويت عن داود بن الحصين وثور بن يزيد وذكر غيرهما وكانوا يرون القدر فقال كانوا لئن يخروا من السماء إلى الأرض أسهل عليهم من أن يكذبوا

وأخرج البخاري لثور بن يزيد الحمصي واتفقوا على تثبته في الحديث مع قوله بالقدر وكان يرمى بالنصب قال يحيى بن معين وكان يجالس قوما ينالون من علي رضي الله عنه لكنه كان لا يسب قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى احتج به الجماعة

وأخرج البخاري وأصحاب السنن لحريز بن عثمان الحمصي

(1/89)

ووثقه أحمد وابن معين والأئمة وقال الفلاس كان يبغض عليا رضي الله عنه وقال أبو حاتم لا أعلم بالشام أثبت منه ولم يصح عندي ما يقال فيه من النصب قال الحافظ ابن حجر جاء عنه ذلك من غير وجه وجاء عنه خلاف ذلك وروي عنه أنه تاب من ذلك

وأخرج البخاري عن شيخه خالد القطواني قال ابن سعد كان متشيعا مفرطا وقال صالح جزرة ثقة إلا أنه يتشيع

وأخرج البخاري وأصحاب السنن لحصين بن نمير الواسطي أبو محصن الضرير ووثقه أبو زرعة وغيره وقال أبو خيثمة كان يحمل على علي رضي الله عنه فلم أعد إليه

وأخرج البخاري وغيره لهشام بن عبد الله الدستوائي أحد الأثبات مجمع على ثقته وإتقانه قال محمد بن سعيد كان

(1/90)

حجة ثقة إلا أنه كان يرى القدر

وأخرج البخاري والترمذي والنسائي ليحيى بن صالح أبو حائطي الحمصي وثقه ابن معين وأبو اليمان قال إسحاق بن منصور كان مرجئا

إذا عرفت هذا فهؤلاء جماعة بين مرجىء وقدري وشيعي وناصبي غال وخارجي أخرجت أحاديثهم في الصحيحين وغيرهما ووثقوا كما سمعت وهم قطرة من رجال الكتب الستة الذين لهم هذه البدع وحكموا بصحة أحاديثهم مع الابتداع الذي ليس وراءه وراء وهل وراء بدعة الخوارج من شيء

فهو دليل ناهض على إجماعهم على أن عمدة قبول الرواية وعلتها حصول الظن بصدق الراوي وعدم تلوثه بالكذب ألا ترى قول مالك في جماعة لا عدالة لهم كانوا لئن يخروا من السماء إلى الأرض أسهل عليهم من أن يكذبوا فما لاحظ إلا ظنه بصدقهم وقول من قال في إسماعيل بن أبان كان مائلا عن الحق إلا أنه كان

(1/91)

لا يكذب في الحديث

مناقشة غريبة

وكذا توثيقهم لجميع من سمعت مع ذكرهم لعظائم بدعهم ما ذاك إلا لأن المدار على ظن الصدق لا غير

وكفاك بقول الحافظ ابن حجر إنه لا أثر للتضعيف مع ظن الصدق والضبط

وإذا عرفت هذا اتضح لك ما في رسم الصحيح والحسن من الاختلال حيث أخذوا عدالة الراوي شرطا فيهما وفسروا العدالة بما لا بدعة معه ووصلوا إلى محل التصحيح والتحسين فحكموا على أحاديث المبتدعة بهما

وقد أطبقت على تلك الشريطة كتب أصول الحديث وكتب أصول الفقه حتى إنه لم يستدل ابن الحاجب في مختصر المنتهى ولا من تابعه كمؤلف نهاية السؤل وشرحها على شرطية العدالة في الراوي وإنما اشتغلا بتفسيرها

(1/92)

كأن شرطيتها أمر قد علم من الدين ضرورة

أقسام الرواة

إنما قسموا الرواة ثلاثة أقسام معروف العدالة ومعروف الفسق ومجهول الحال لا يعرف فسقه ولا عدالته واستدلوا على عدم قبول الآخرين وأشار ابن الحاجب إلى دليل قبول العدل بالإجماع ولكن قبوله على غير شرطيته إذ معناه العدل مقبول ومعناها لا يقبل إلا العدل

وكأنهم يقولون إذا تم الدليل على عدم قبول الآخرين علم أنه لا بد من شرطية العدالة إلا أن ما سمعته من أحوال رواة الصحيح والحسن يقلع هذا الاشتراط لهذه العدالة المعروفة عندهم كما عرفت بالكلية مع أنه إنما يلزم العلم بذلك لو كانت القسمة حاضرة وهي ليست كذلك لإمكان واقع وهو مفترق متغاير

(1/93)

الحسنة

الفرق بين الشهادة والرواية

إن قلت لعلهم يقولون دليل شرطية عدالة الراوي القياس على عدالة الشهود الثابتة بالنص قلت اختلافهما في الشروط يمنع عن الإلحاق فإنه شرط في الشهادة العدد والذكورة وعدم القرابة للمشهود له وعدم العداوة للمشهود عليه ولم يشترط في الرواية ذلك فلا سبيل إلى الإلحاق

(1/94)

مع أنهم قد صرحوا أنه لا يلزم في الرواية ما يلزم في الشهادة لأن باب الشهادة أضيق ولإلحاق الأخف على الأغلظ

وبعد هذا يظهر لك أنه لا اعتماد إلا على ظن الصدق وكون الراوي مصونا عن الكذب كما عرفت من نصوص أئمة الحديث

نعم الإشكال عليهم في قبول رواية الرافضي الساب للصحابة والناصبي الساب لعلي رضي الله عنه مع عدهم السب للصحابة من الكبائر كما صرح به في جمع الجوامع وفي الفصول فإذا

(1/95)

قبلوا فاعل الكبيرة وليس إلا لظن صدقه مع أن مرتكب الكبيرة فاسق تصريح لا تأويل

وقد سبق في تفسير العدالة أنه لا بد من السلامة منه وقد نقل الإجماع على عدم قبول قول فاسق التصريح كما في الفصول وغيره واستدل له صاحب الفصول بقوله تعالى {إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا} الآية

وأصاب في الاستدلال بها على ذلك لأنها نزلت في الوليد ابن عقبة كما تطابق عليه أئمة التفسير وهو فاسق تصريح بشربه الخمر كما في صحيح مسلم وذكره بشرب الخمر ابن عبد البر والذهبي وإن كان نزول الآية لسبب قضيته مع بني المصطلق وكذبه عليهم كما هو معروف

ولم يصب ابن الحاجب وصاحب الغاية في الاستدلال

(1/96)

بها على رد فاسق التأويل لما سمعت من أنها نزلت في فاسق التصريح ولا يقال لا يقصر العام على سببه بناء على أن الفعل في سياق الشرط يفيد العموم كما ذكره شارح جمع الجوامع ونسبه إلى ابن الحاجب لأنه بعد تسليم ذلك

فسق التأويل

ففسق التأويل اصطلاح عرفي ليس له في اللغة ذكر والآية لا تحمل على المعاني العرفية الحادثة والاصطلاح الجديد اتفاقا فعلى تسليم العموم شمل كل فاسق تصريح

على أن في الاستدلال بها على عدم قبول خبره أبحاث ذكرها في العواصم تشير إلى شيء من ذلك وهو أنه تعالى قال {فتبينوا} أي فتوثقوا فيه وتطلبوا بيان الأمر وانكشاف الحقيقة ولا يعتمد قول الفاسق لأن من لا يتحامى عن جنس

(1/97)

الفسوق لا يتحامى الكذب الذي هو نوع منه

هذا كلامه ولا يخفى أنه قد مر غير مرة في هذه الرسالة التصريح بعدم لزوم الكذب للفسق بل للكفر وأنه تتنزه عنه الكفار فضلا عن الفساق وسيأتي تصريحه بتنزه الفساق عنه فيما سننقله من تنقيحه

وقرأ ابن مسعود رضي الله عنه فتثبتوا والتثبت والتبين متقاربان وهما طلب الثبات والبيان والتعرف وفي تفسير البيان أوجب الله تعالى على المؤمنين التبين والتثبت عند إخبار الفاسق وشهادته

قلت فالآية أمرت بالتبين كما في قوله تعالى {إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا} الآية وليس أمرا بالرد كما في قوله

(1/98)

تعالى عند الأمر بالقذف {ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا} وفي غيرهم {ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم} وفي الآية الأخرى {لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين}

فإن قلت الأمر بالتبين لخبره في معنى الأمر برده قلت لا بل رتب الله تعالى واجبا على خبره هو التبين فقد ثبت بخبره حكم بخلاف الرد فإنه لم يثبت بالمردود حكما أصلا إنما بقي شيئا معه على الأصل وهو براءة الذمة عدم الحكم بشيء فوجوده وعدمه سواء

وقد عد صاحب العواصم في الاستدلال على عدم دلالة الآية على رد خبر فاسق التأويل كما صنع ابن الحاجب وصاحب الغاية ما ينيف على خمسة

(1/99)

عشر إشكالا

(1/100)

وإذا تتبعت ما سلف علمت أن الآية دلت على أنه يتوقف في خبر الفاسق تصريحا لا يرد بل يقتضي البحث عما أخبر به لا رد خبره

فإن قلت قد وقع الإجماع على عدم قبول خبره ورده فيكف نافى الإجماع الآية قلت لا نسلم الإجماع كيف وهؤلاء أئمة الحديث رووا عن فساق التصريح الذين يسبون الشيخين ويسبون عليا وغيرهم وحينئذ فلا بد من تخصيص الكبائر في رسم العدالة بما عدا سب المسلم

ومن هنا تزداد بصيرة في أن رسم العدالة بذلك الرسم لا يتم في حق الرواة وأن المرجع ليس إلا في ظن الصدق

فإن قلت قد أبطل الله تعالى شهادة القاذف فقال {ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا} والقذف كبيرة فيلحق به سائر الكبائر في عدم القبول لأخبار مرتكبها

(1/101)

قلت أما أولا فإنه قياس فاسد الوضع لمصادمته آية التبين

وثانيا إنه لا قياس لكبيرة على كبيرة لعدم معرفة الوجه الجامع وإلا لزم إيجاب حد القذف في كل كبيرة بالقياس عليه

فالحق أن القذف لعظم حرمة المؤمنات وهتك حجاب عفتهن كانت عقوبة القاذف شديدة في الدنيا بأمرين جلده ثمانين جلدة ثم إسقاطه عن قبول الشهادة ولو في حبة خردل فلا يحلق به غيره

فإن قلت وكيف يعرف أن المخبر يفيد خبره الظن فإنه إنما يعرف ذلك من خالط المخبر قلت ما يعرف به عدالة المخبرين الذين لم يلقهم المخبر له يعرف صدق المخبرين فإن معرفة أحوال الرواة من تراجمهم يفيد ذلك

(1/102)

المبتدع الداعية إلى بدعت

تنبيه

سبقت الإشارة إلى أنهم قد استثنوا من المبتدعة الداعية فقالوا ولا يقبل خبره قال في التنقيح فإن قلت ما الفرق بين الداعية وغيره عندهم قلت ما أعلم أنهم ذكروا فيه شيئا ولكن نظرت فلم أجد غير وجهين

أحدهما أن الداعية شديد الرغبة في استمالة قلوب الناس إلى ما يدعوهم إليه فربما حمله عظيم ذلك على تدليس أو تأويل

الوجه الثاني أن الرواية عن الداعية تشتمل على مفسدة وهي إظهار أهليته للرواية وأنه من أهل الصدق والأمانة وذلك تغرير لمخالطته وفي مخالطة من هو كذلك للعامة مفسدة كبيرة

قلت وهذا الوجه الآخر قد أشار إليه أبو الفتح القشيري نقله عنه الحافظ ابن حجر ثم قال في التنقيح والجواب عن الأول أنها تهمة ضعيفة لا تساوي الورع أي المانع الشرعي الذي يمنع ذلك المبتدع المتدين من الفسوق في الدين وارتكاب دناءة الكذب

(1/103)

الذي يتنزه عنه كثير من الفسقة المتمردين

كيف والكاذب لا يخفى تزويره وعما قليل ينكشف تدليسه وتغريره ويفهمه النقاد وتتناوله ألسنة أهل الأحقاد وأهل المناصب الرفيعة يأنفون من ذلك فكيف إذا كانوا من أهل الجمع بين الصيانة والديانة

وقد احتجوا بقتادة لما قويت عندهم عدالة أمانته وهو داعية على أصولهم إلى بدعة الاعتزال

قال الذهبي في التذكرة كان يرى القدر ولم يكن يقنع حتى كان يصيح به صياحا

ثم قال صاحب التنقيح والجواب عن الثاني أنا نقول إما أن يقوم الدليل الشرعي على قبولهم أو لا إن لم يدل على

(1/104)

وجوب قبولهم لم نقبلهم دعاة كانوا أو غير دعاة وإن دل على وجوب القبول لم يصلح ما أورده مانعا من امتثال الأمر ولا مسقطا انتهى

فعلمت من هذا كله قبول من لم يتهم بالكذب وعدم شرطية العدالة بالمعنى الذي أرادوه وهو أنه لا يرد من المبتدعة إلا من أجاز الكذب لنصرة مذهبه كالخطابية

جلالة الصحابة

واعلم أنها سبقت إشارة إلى شأن الصحابة رضي الله عنهم عند ذكرنا أهل العصر النبوي فهو أعم من أصحابه وأما الصحابة رضي الله عنهم فلهم شأن جليل وشأو نبيل ومقام رفيع وحجاب منيع فارقوا في دين الله أهلهم وأوطانهم وعشائرهم وإخوانهم وأنصارهم وأعوانهم وهم الذين أثنى الله جل جلاله عليهم في كتابه وأودع ثناءهم شريف كلامه وخطابه

(1/105)

وفيهم الممادح النبوية والأخبار الرسولية بأنه لا يبلغ أحد مد أحدهم ولا نصيفه ولو أنفق مثل أحد ذهبا

إلا أن تفسير الصحابي بمن لقيه صلى الله عليه وسلم أبو بمن رآه وتنزيل تلك الممادح عليه فيه بعد يأباه الإنصاف ولا يقال لرعية الملك أصحاب الملك وإن رأوه ورآهم ولقوه ولقيهم بل أصحابه من لهم به اختصاص وهم طبقات في ذلك متفاوتة نعم هذا

(1/106)

اللفظ الذي هو لفظ الصاحب فيه توسع في اللغة كثير يطلق على من لابس أي شيء ولو من الجمادات {يا صاحبي السجن} {أصحاب الجنة} و {أصحاب النار} وعلى من ليس على ملة من أضيف إليه {قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت} وبالجملة فاللفظ متسع نطاق إطلاقه غير مقيد بشيء يخصه

(1/107)

إلا أن الفرد الكامل عند إطلاقه على الملازم لمن أضيف إليه وإن أطلق على من رآه أو لقيه فإنه أقل من الأول قطعا استعمالا وتبادرا حال الإطلاق وليس كل من رأى من أضيف إليه يصلح إطلاقه عليه فإن أهل الجنة يرون النار وأهلها {وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار} {فرآه في سواء الجحيم} ولا يقال لهم أصحاب النار

ولم يدر الإطلاق على الرؤية كما دار على الملازمة فإنه يطلق على من لم يره المصاحب ولا لاقاه كما يقال قتل من أصحاب الملك في المعركة الفلانية كذا ومن أصحاب عدوه كذا ولعل فيمن قتل من لم يلق الملك ولا رآه بل يقال لمن في مصر مثلا أصحاب السلطان وما رآهم ولا رأوه لما كانوا ينتسبون إليه في أي أمر

وإذا تقرر هذا فهو وإن صح الإطلاق على من لاقاه صلى الله عليه وسلم ولو لحظة من ليل أو نهار إلا أن الممادح القرآنية والأحاديث النبوية والصفات الشريفة العلية التي كانت هي الدليل على عدالتهم وعلو

(1/108)

منزلتهم ورفعة مكانهم تخص الذين صحبوه صحبة محققة ولازموه ملازمة ظاهرة الذين قال الله تعالى فيهم {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود}

فهذه الصفات إما كاشفة أو مقيدة وعلى كل تقدير فليس كل من رآه له هذه الصفات ضرورة وكذلك الصفات التي بعدها في قوله تعالى {ومثلهم في الإنجيل}

نعم لمن رآه مؤمنا به ولاقاه واكتحل بأنوار محياه شرف لا يجهل وقد قال صلى الله عليه وسلم (طوبى لمن رآني ولمن رأى من رآني طوبى لهم وحسن مآب) أخرجه الطبراني وفيه بقية إلا أنه صرح

(1/109)

بالسماع فزال ما يخاف من تدليسه كما قاله الهيثمي

إلا أنه قال لا يبلغ إلى محل من لاقاه ولازمه في صباحه ومساه ولازمه في حله وأرحاله وتابعه في جميع أفعاله وأقواله واستمر على طريقته التي كان عليها بعد وفاته فهؤلاء هم أعيان الصحابة وهم أعني

هؤلاء أمم لا يحصون أهل بدر وأحد والحديبية وبيعة الرضوان

(1/110)

والمحدثون وإن أطلقوا أن كل الصحابة عدول فقد ذكروا قبائح لجماعة لهم رؤية تخرجهم عن عموم دعوى العدالة كما قال الحافظ الذهبي في النبلاء في مروان بن الحكم لعنه الله ما لفظه بعد سياق طرف من أحواله وحضر الوقعة يوم الجمل وقتل طلحة ونجا وليته ما نجا انتهى

وفي الميزان مروان بن الحكم له أعمال موبقة نسأل الله السلامة رمى طلحة بسهم وفعل وفعل

فهذا تصريح بفسقه وقال في ترجمة طلحة من النبلاء إن مروان بن الحكم قاتل طلحة ثم قال قاتل طلحة في الوزر كقاتل علي رضي الله عنه

وقال ابن حزم في أسماء الخلفاء والأئمة أن مروان

(1/111)

ابن الحكم أول من شق عصا المسلمين بلا شبهة ولا تأويل وذكر أنه قتل النعمان بن بشير أول مولود في الإسلام للأنصار صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر أنه خرج على ابن الزبير بعد أن بايعه على الطاعة

وقال ابن حبان في صحيحه عائذا بالله أن يحتج بمروان وذويه في شيء من كتبنا وكل من أئمة الحديث تكلم بما هو وقع منه

والعجب من الحافظ ابن حجر حيث قال مروان بن الحكم يقال له رؤية فإن ثبتت فلا يعرج على من تكلم فيه ثم قال فأما قتل طلحة فكان فيه متأولا كما قرره الإسماعيلي وغيره

ثم قال إنما حمل عنه من روى عنه البخاري عن مروان أنه قبل خروجه على ابن الزبير ثم قال وقد اعتمد مالك على حديثه ورأيه والباقون سوى مسلم انتهى

فقوله إن ثبتت له رؤية فلا يعرج على من تكلم فيه

هو محل

(1/112)

التعجب كادت الرؤية تجاوز حد العصمة وأن لا يخرج من ثبتت له بقتل نفس معصومة ولا غيرها من الموبقات وكلام الذهبي فيه هو الإنصاف دون كلام الحافظ ولو اقتصر في العذر لرواية البخاري وغيره عنه بما نقله عن عروة بن الزبير أن مروان باغ كان لا يتهم في الحديث لكان أقرب وأن العمدة تحري الصدق

وأما اعتذاره بأنه قتل طلحة متأولا فعذر لا يبقى معه لعاص معصية بل يدعي له التأويل وهو كتأويل من تأول لمعاوية في فواقره أنه مجتهد أخطأ في اجتهاده مع أنه قد نقل العلامة العامري الإجماع على أنه باغ والباغي غير مجتهد في بغيه وإلا لما سمي باغيا

وفي العواصم وقد اعترف أهل الحديث بأجمعهم بأن المحاربين لعلي رضي الله عنه معاوية ومن تبعه بغاة عليه وأنه صاحب الحق انتهى

وأما قبول روايتهم عن البغاة فلما عرفت من الإجماع على

(1/113)

قبولهم وأنه ليس مدار الرواية إلا على ظن الصدق وأحسن من قال

(قالوا النواصب قد أخطأ معاوية ... في الاجتهاد وأخطأ فيه صاحبه)

(والعفو في ذاك مرجو لفاعله ... وفي أعالي جنات الخلد راكبه)

(قلنا كذبتم فلم قال النبي لنا ... في النار قاتل عمار وسالبه) ثم قوله فلا يعرج على من تكلم فيه إن ثبتت له الرؤية مراده إلا إذا لم يثبت فيقبل فيه القدح وقد نقضه آخر لما قال إنما روى عنه من روى قبل خروجه على ابن الزبير انتهى

إلا أن يقال مراده أنه لم يصح ثبوتها له ولو سلمنا أنه سمع فيه القدح فيجاب عنه بأنه لا يضر ذلك في الرواية عنه قبل وقوع ما جرح به فلا يخدش ذاك في هذا وقد خالف المحدثون ابن

(1/114)

حجر فإنهم صرحوا بفسق من له رؤية كبسر بن أرطاة

قال الدارقطني كانت له صحبة ولم تكن له استقامة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ابن عبد البر كان ابن معين يقول إنه رجل سوء قال ابن عبد البر وذلك لعظائم ارتكبها في الإسلام

وكذلك الوليد بن عقبة قال الذهبي في النبلاء في ترجمته كان يشرب الخمر وحد على شربها وروي شعره في شربها قال وهو الذي صلى بأصحابه الفجر أربعا وهو سكران ثم التفت إليهم وقال أزيدكم وقد ذكر المحدثون في كتب معرفة الصحابة من ارتد وكفر من الصحابة بعد إسلامه والكفر أعظم الكبائر

(1/115)

والقصد من هذا بيان أن أقوال الحافظ إن ثبتت رؤية لمروان فلا يعرج على من تكلم فيه في أنه جعل الرؤية كالعصمة وكلامه خلاف ما عليه أئمة الحديث

ولا يقال من ارتد فقد استثنوه من اسم الصحبة لأنا نقول ليس مرادنا إلا أن الرؤية ليست بمانعة من ارتكاب المعاصي ولا يقال فيها إن ثبتت فلا يعرج على كلام من تكلم في صاحبها فإن هذا أصل لم يوافق قائله عليه ولا يطابق ما عرف من كلام أئمة الحديث

نتائج البحث

وإذا أحطت علما بما أسلفناه فها هنا فوائد هي كالنتائج والفروع لما قدمناه

الأولى أن التوثيق ليس عبارة عن التعديل في اصطلاحهم بل عن أن الموثق اسم مفعول صادق لا يكذب مقبول الرواية كما سمعته من توثيقهم من ليس بعدل

فالعدالة في اصطلاحهم أخص من التوثيق ووجود الأعم

(1/116)

لا يستلزم وجود الأخص

الثانية التعديل بأنه أخرجه له الشيخان كما يقولونه كثيرا أو أحدهما أو احتجا به أو أحدهما ليس تعديلا بل هو توثيق أيضا

فقول الشيخ أبي الحسن المقدسي في الرجل الذي يخرج عنه في الصحيح هذا جاز القنطرة حتى لا يلتفت إلى ما قيل فيه كأنه يريد كثير منهم جازها وإلا فكيف يجوزها النواصب وغلاة الشيعة وأهل الإرجاء والمبتدعة ممن هم في الصحيح

الثالثة قدح المبتدع في المبتدع لا يقبل على أصلهم كما قال الحافظ في الرد على الجوزجاني في قدحه على إسماعيل بن أبان بالتشيع وهذه فائدة جليلة تؤخذ من غضون الأبحاث وقد صرح بها الأصوليون حيث قالوا لا يقبلان أي الجرح والتعديل إلا من عدل

(1/117)

ولكنه لا يتم إلا لمن عد ترك البدعة من ماهية العدالة كما فعله الحافظ وابن الحاجب لا كما نقله صاحب غاية السؤل فإنه حذف قيد الابتداع ولم يبين في شرحه وجه حذفه كأنه لما قاله السعد في شرح الشرح إن في كون البدعة مخلة بالعدالة نظر انتهى ولم يبين وجه النظر إلا يكون أن الغزالي لم يذكرها في رسم العدالة ولم يتكلم صاحب جواهر التحقيق على هذا

وقد عرفت مما أسلفناه أن الأولى ترك قيد الابتداع إلا أن يدرج في الكبائر لما عرفت من نهوض الأدلة على أنها منها وقد عده صاحب الزواجر منها وهو صادق عليه حدها بأنها ما توعد عليه بعينه كما في الفصول وجمع الجوامع فما نظره السعد غير صحيح إلا أن يريد أنها قد دخلت في قيد من قيود حد العدالة وإلا صح أن هذا مراده فإنه جعل محل النظر إخلالها بالعدالة

وإذا عرفت أنه لا يقبل مبتدع في مبتدع فقد قل من خلا عن الابتداع من الجارحين لغيرهم فلا ينبغي على ما قالوا إنه يقبل قول

(1/118)

جارح حتى يعلم خلوه من البدعة بجميع أنواعها لإطلاقهم إياها في الرسم

الرابعة من يقبل فساق التأويل وينقل الإجماع على قبولهم كالأمير الحسين صاحب الشفاء فإنه قال في كتابه شفاء الأورام في كتاب الوصايا وأما الفاسق التأويل فإنا لا نبطل كفاءته في النكاح كما تقدم ونقبل خبره الذي نجعله أصلا للأحكام الشرعية لإجماع الصحابة على قبول أخبار البغاة على أمير المؤمنين عليه السلام وإجماعهم حجة انتهى

فلا يعاب عليه روايته عن المغيرة بن شعبة أول حديث في كتابه وغيره يعاب عليه قدحه في جرير بن عبد الله ورده لخبره بعد ما جعل غيره مقبولا معه وهو البغي

الخامسة قول الأصوليين من طرق التعديل رواية من لا يروي إلا عن عدل طريقة عزيزة الوجود بل عديمة فإن هذين

(1/119)

الشيخين صاحبي الصحيح هما أحسن الناس رجالا وكذلك النسائي قال الذهبي وابن حجر يتعنت في الرجال وقد سمعت ما في كتبهم ممن ليس بعدل أو غيرهم أبعد وأبعد عن ذلك الالتزام

وبه يعلم أن قول الحافظ ابن حجر إن شرط الصحيح أن يكون رواية معروفا بالعدالة فمن زعم أن أحدا منهم أي ممن في الصحيحين مجهول العدالة فكأنه نازع المصنف أيضا في دعواه أنه معروف ولا شك أن المدعي لمعرفته مقدم على من يدعي عدم معرفته لما مع المثبت من زيادة العلم انتهى

هذا مسلم في هذا النوع لكن كيف يتم فيمن عرف بعدم العدالة كعمران بن حطان من رجال البخاري ومروان من رجالهما لما عرفت من اعتماد مالك على مروان واعتماد الشيخين على مالك وقولهم ليس لمروان في مسلم سلم لكن مالك من

(1/120)

رجال مسلم وربما كان فيه من حديث مروان من طريقه وقد تقرر أن الجارح أولى من المعدل لأن عنده زيادة علم ولأن قبوله عمل بالجارح والمعدل والإعمال أولى من الإهمال

إن قلت ما روى ملتزم الرواية عن العدول إلا عن عدل في ظنه ولعله لم يطلع على ما فيه من قدح أو كان يرى إنما قدح به ليس بجارح عنده لاختلاف أنظار النظار إلى ذلك

قلت معلوم أن هذا مراد الملتزم وعذره إلا أنا نقول بعد تتبع النقاد لرواية ذلك الملتزم ووجودهم في رواية المجروحين وغير العدول شكك ذلك على الناظر في عدالة من روى عنه هؤلاء الملتزمون لعدالة الرواة لتجويز أنه ليس بعدل ودليل التجويز ظهور غير العدل في روايتهم وحينئذ فلا يبقى مجرد روايات من لا يروي إلا عن عدل تعديلا وهذا أوضح ويأتي هذا في الفائدة العاشرة

(1/121)

السادسة من البعد عن الإنصاف قول ابن القطان إن في رجال الصحيحين من لا يعلم إسلامه فضلا عن عدالته وكم بين هذا وبين قول الحافظ السابق آنفا وكلام ابن القطان وإن تلقاه بعض محققي المتأخرين بالقبول فليس بمقبول إذ من المعلوم أنه لا يروي أحد من أهل العلم كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم عن غير مسلم فلا بالإفراط ولا بالتفريط وكلا طرفي قسط الأمور ذميم

السابعة قول الذهبي إن أهل البدعة الكبرى الحاطين على الشيخين الدعاة إلى ذلك لا يقبلون ولا كرامة غير صحيح فقد

(1/122)

خرجوا الجماعة من أهل هذا القبيل كعدي بن ثابت وتقدم لك أنه قال الدارقطني رافضي غال

وأخرج الستة لأبي معاوية الضرير قال الذهبي إنه غال في التشيع ووثقه العجلي ولا يخفى من وثقوه من أهل هذه الصفة

ولا تراهم يعولون إلا على الصدق كما قال البخاري في أيوب ابن عائذ بن مدلج كان يرى الإرجاء إلا أنه صدوق وقد وثقه من سلف

والعجب من قول غلاة الشيعة ورد مثل الحارث الأعور والقدح فيه بالتشيع حتى تكلف مسلم في مقدمة صحيحه بذكر أشياء عن الحارث لا تعد قدحا ولا جرحا كقوله إنه قال تعلمت الوحي في سنتين أو في ثلاث سنين وفي الرواية الأخرى القرآن هين الوحي شديد

(1/123)

قال في شرح مسلم للنووي ذكر مسلم هذا في جملة ما أنكر على الحارث الأعور وجرح به وأخذ عليه من قبيح مذهبه وغلوه في التشيع وكذبه انتهى

قلت العجب من القدح بهذه العبارات التي ما يكاد يتبين المراد بها مع صحة حملها على ما لا ضير فيه كما تسمعه عن الخطابي وأعجب من ذلك قول شارح مسلم إنها من قبيح مذهبه وغلوه في التشيع وأي مآس لهذه الألفاظ بالتشيع ما هذا بإنصاف

ولقد أحسن القاضي عياض حيث قال أرجو أن هذا يعني الكلام الذي نقله مسلم عن الحارث من أخف أحواله لاحتماله الصواب فقد فسره بعضهم بأن الوحي هنا الكتابة ومعرفة الخط قال الخطابي يقال أوحى ووحي إذا كتب

وعلى هذا ليس على الحارث في هذا درك انتهى

إن قلت قد قدحوا فيه بالكذب قلت تعجبنا من

(1/124)

قدحهم فيه بالتشيع ومن إثباتهم كلاما ليس فيه شيء من قدح ولا تشيع

الثامنة أهل الحديث اتفق لهم في مخالفة فروعهم لأصولهم مثلما اتفق لأهل سائر الفنون أصلوا أنه لا يقبل الداعية وسمعت قبولهم له وأصلوا أنه لا يقبل غلاة الروافض وسمعت قبولهم لهم وأصلوا أنه لا يقبل غلاة أهل الإرجاء ونراهم يقبلونهم وأصلوا أنه لا يقبل أهل القدر ونراهم يقبلون من اتصف به وهذا كله يرشدك إلى صحة ما قررناه من أنه لا يلاحظ إلا ظن الصدق وأنه مدار الرواية

ولقد كرر في العواصم أن المعتبر في الراوي ظن الصدق

التاسعة كلام الأقران والمتضادين في المذاهب والعقائد لا ينبغي قبوله فقد فتح باب التمذهب عداوات وتعصبات قل من سلم منها إلا من عصمة الله قال الحافظ الذهبي في ترجمة أحمد

(1/125)

ابن عبد الله بن أبي نعيم ما لفظه كلام الأقران بعضهم في بعض لا يعبأ به لا سيما إذا لاح لك أنه لعداوة أو لمذهب أو لحسد لا ينجو منه إلا من عصمه الله وما علمت أن عصرا من الأعصار سلم أهله من ذلك سوى النبيين والصديقين فلو شئت لسردت لك من ذلك كراريس انتهى

(1/126)

وهذا كلام الذهبي ونصه وقد عيب عليه ما عابه عليه غيره قال ابن السبكي في الطبقات نقلا عن الحافظ صلاح الدين العلائي ما لفظه الشيخ شمس الدين الذهبي لا شك في دينه وورعه وتحريه فيما يقول ولكنه غلب عليه منافرة التأويل والغفلة عن التنزيه حتى أثر ذلك في طبعه انحرافا شديدا عن أهل التنزيه وميلا قويا إلى أهل الإثبات فإذا ترجم لأحد منهم أطنب في محاسنه وتغافل عن غلطاته وإذا ذكر أحدا من أهل الطرف الآخر كالغزالي وإمامه الجويني لا يبالغ في وصفه ويكثر من أقوال من طعن فيه وإذا ظفر لأحدهم بغلطة ذكرها

وكذا في أهل عصرنا إذا لم يقدر على التصريح يقول في ترجمته والله يصلحه ونحو ذلك

وسببه المخالفة في العقيدة

انتهى

(1/127)

قال ابن السبكي وقد وصل يريد الذهبي من التعصب وهو شيخنا إلى حد يسخر منه وأنا أخشى عليه يوم القيامة من غالب علماء المسلمين والذي أفتي به أنه لا يجوز الاعتماد على شيخنا الذهبي في ذم أشعري ولا مدح حنبلي

وأقول الصلاح العلائي وابن السبكي شافعيان إمامان كبيران والذهبي إمام كبير الشأن حنبلي المذهب وبين هاتين الطائفتين في العقائد وفي الصفات وغيرها تنافر كلي فلا يقبلان عليه تعين ما قالاه

وقال ابن السبكي قد عقد ابن عبد البر بابا في حكم قول العلماء بعضهم في بعض بدأ فيه بحديث الزبير دب إليكم داء الأمم قبلكم الحسد والبغضاء

قال ابن السبكي وقد

(1/128)

عيب على ابن معين كلامه في الشافعي وتكلمه في مالك بن أبي ذئب وغيره

قلت إذا كان الأمر كما سمعت فكيف حال الناظر في كتب الجرح والتعديل وقد غلب التمذهب والمخالفة في العقائد حتى إنه يوصف الرجل بأنه حجة أو يوصف بأنه دجال باعتبار اختلاف حال الاعتقادات والأهواء

فمن هنا كان أصعب شيء في علوم الحديث الجرح والتعديل فلم يبق للباحث طمأنينة إلى قول أحد ثم ما بعد قول ابن السبكي إنه لا يقبل قول الذهبي في مدح حنبلي ولا ذم أشعري

(1/129)

وقد صار الناس عالة على الذهبي وكتبه ولكن الحق أنه لا يقبل على الذهبي بما ذكره هو وبما ذكره الذهبي أنهم لا يقبلون الأقران بعضهم على بعض

ثم إن كان مرادهم بالأقران المتعاصرون في قرن واحد والمتساوون في العلوم فهو مشكل لأنه لا يعرف حال الرجل إلا من عاصره ولا يعرف حاله من بعده إلا بأخبار من قارنه

إن أريد الأول وإن أريد الثاني فأهل العلم هم الذين يعرفون أمثالهم ولا يعرف أولي الفضل إلا ذوو الفضل فالأولى إناطة ذلك لمن يعلم أن بينهما تنافسا أو تحاسدا أو شيئا يكون سببا لعدم الثقة لقبول بعضهم في بعض لا لكونه من الأقران فإنه لا يعرف عدالته ولا جرحه إلا من أقرانه وأعظم ما فرق بين الناس هذه العقائد والاختلاف فيها فليحذر عن قبول المختلفين فيها بعضهم في بعض قبل البحث عن سبب القدح والتثبت في صحة نسبته إليه وأعون شيء على معرفة ذلك في هذه الأعصار البحث في كتب الرجال المتعددة المختلف مؤلفوها وسنقرر آخرا ما يكشف هذه الغمة

العاشرة وجود الحديث في الصحيحين أو أحدهما لا

(1/130)

يقضي بصحته بالمعنى الذي سبق لوجود الرواية فيهما عمن عرفت أنه غير عدل فقول الحافظ ابن حجر أن رواتهما قد حصل الاتفاق على تعديلهم بطرق اللزوم محل نظر لقوله إن الأمة تلقت الصحيحين بالقبول هو قول سبقه إليه ابن الصلاح وأبو طاهر المقدسي وأبو عبد الرحيم عبد الخالق وإن اختلف هؤلاء في إفادة هذا التلقي العلم أو الظن

وبسط السيد محمد بن إبراهيم الأمير رحمه الله سبب الخلاف في كتبه وأنه جواز الخطأ على المعصوم في ظنه أو عدمه وطول الكلام في ذلك أيضا

ولنا عليه أنظار وأودعناها رسالتنا المسماة حل العقال وصحته في حيز المنع

بيان ذلك أنا نورد عليه سؤال الاستفسار عن طرفي هذه

(1/131)

الدعوى فنقول في الأول هل المراد أن كل الأمة من خاصة وعامة تلقتها بالقبول أو المراد علماء الأمة المجتهدون ومن البين أن الأول غير مراد وأن الثاني دعوى على كل فرد من أفراد الأمة المجتهدين أنه تلقى الكتابين بالقبول فلا بد من البرهان عليها وإقامته على هذه الدعوى من المتعذرات عادة كإقامة البينة على دعوى الإجماع الذي جزم به أحمد بن حنبل وغيره أن من ادعاه فهو كاذب

وإن كان هذا في عصره قبل عصر تأليف الصحيحين فكيف من بعده والإسلام لا يزال منتشرا وتباعد أطراف أقطاره والذي يغلب به الظن أن من العلماء المجتهدين من لا يعرف الصحيحين إذ معرفتهما بخصوصهما ليست شرطا في الاجتهاد وبالجملة فنحن نمنع هذه الدعوى ونطالب بدليلها

(1/132)

السؤال الثاني على تقدير تسليم الدعوى الأولى فهل المراد بالتلقي بالقبول تلقي أصل الكتابين وجملتهما وأنهما لهذين الإمامين الجليلين الحافظين فهذا لا يفيد إلا الحكم بصحة نسبتهما إلى مؤلفيهما

ولا يفيد المطلوب أو المراد بالتلقي بالقبول لكل فرد من أفراد أحاديثهما وهذا هو المفيد المطلوب إذ هو الذي رتب عليه الاتفاق على تعديل رواتهما فإن المتلقي بالقبول هو ما حكم المعصوم بصحته ظنا كما رسمه بذلك السيد محمد بن إبراهيم رحمه الله وهو يلاقي قول الأصوليين إنه الذي يكون الأمة بين عامل به ومتأول له إذ لا يكون ذلك إلا فيما صح لهم

ويحتمل أنه يدخل في الحسن فلا يلاقي رسمه رسمهم إلا أنه لا يخفى عدم صحة هذه الدعوى وبرهان ذلك ما سمعته مما نقلناه من كلام العلماء من عدم عدالة كل من فيهما بل بالغ ابن

(1/133)

القطان فقال فيهما من لا يعلم إسلامه وهذا تفريط وقد تلقاه بعض محققي المتأخرين كما أسلفناه

وإنما قلنا إنه تفريط لما علم من أنه لا يروي أحد من أئمة المسلمين عن غير مسلم أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أن دعوى عدالة كل من فيهما إفراط وإذا كان كذلك فمن أين يتلقى بالقبول إلا أنه قد استثنى ابن الصلاح من التلقي بالقبول لأحاديثهما ما انتقاه الحفاظ كالدارقطني وابن مسعود الدمشقي وأبي علي الغساني قال الحافظ ابن حجر وهو احتراز حسن

(1/134)

وقال وعده ما اجتمع لنا من ذلك مما في كتاب البخاري وشاركه مسلم في بعضها مئة وعشرة أحاديث وتتبعها الحافظ في مقدمة الفتح وأجاب عن العلل التي قدح بها وبسط الأجوبة

وقال آخر ليست كلها واضحة بل أكثرها الجواب عنه ظاهر والقدح فيه مندفع وبعضها الجواب عنه محتمل واليسير منه في الجواب عنها تعسف انتهى معنى كلامه

وأقول فيه أن المدعي تلقي الأمة بالقبول وهو أخص من الصحة وقد ذهب الأكثر ومنهم ابن حجر إلى إفادته العلم بخلاف ما حكم له لمجرد الصحة فغاية ما يفيد الظن ما لم ينضم إليه غير ذلك فيفيده وهذه الأحاديث مخرجة عن الصحيحين لا عن التلقي بالقبول فإن كان ما لم يصح غير متلقي فالصواب في العبارة أن يقال غير صحيحة لا غير متلقاه بالقبول لإيهامه أنها صحيحة إذ ليس عنها إلا التلقي بالقبول وهو أخص من الصحة ونفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم والحال أنها ليست

(1/135)

بصحيحة

وأما قول السيد محمد بن إبراهيم الأمير رحمه الله إن الأمة تلقتها بالقبول وإن صاحب الكشاف والأمير الحسين ذكرا الصحيحين بلفظ الصحيح ونقل منهما ذلك

ففي الاستدلال بهذا الإطلاق توقف عندي لأن لفظ صحيح البخاري وصحيح مسلم صارا لقبين للكتابين فإطلاق ذلك عليهما من إطلاق الألقاب على مسمياتها ولا يلزم منه الإقرار بالمعنى الأصلي الإضافي

نعم لا شك أن الصحيحين أشرف كتب الحديث قدرا وأعظمها ذكرا وأن أحاديثهما أرفع الأحاديث درجة في القبول من غيرها لخصائص اختصا بها منها جلالة مؤلفيها وإمامتهما في هذا الشأن وبلوغهما غاية في الديانة والإتقان

ثم ما رزق هذان الكتابان من الحظ والقبول عند أئمة هذا الشأن

(1/136)

وفرسان ذلك الميدان فبحثوا عن رجالهما وتكلموا على كل ذرة فيهما مما لهما وعليهما فغالب أئمة الإسلام وأعلام الأعلام ما بين خادم لهما بالكلام عليهما على رجالهما أو معانيهما أو على لغتهما أو على إعرابهما أو مختصر فيهما أو مخرج عليهما

فهما أجل كتب الحديث وأحاديثهما السالمة عن التكلم فيهما أقرب الأحاديث تحصيلا للظن المطلوب ونفس العالم أسكن إلى ما فيهما منها إلى ما في غيرهما هذا شيء يجده الناظر من نفسه إن أنصف وكان من أهل العلم إنما لا ندعي لهما زيادة على ما يستحقانه ولا يهضم منهما ما هو أهل له

وأما قول البخاري لم أخرج في هذا الكتاب إلا صحيحا وما تركت من الصحيح أكثر

وقوله ما أدخلت في كتابي الجامع إلا ما صح فهو كلام صحيح إخبار عن نفسه أنه تحري الصحيح في نظره

وقد قال زين الدين إن قول المحدثين هذا حديث صحيح

(1/137)

مرادهم فيما ظهر لنا عملا بظاهر الإسناد لأنه مقطوع بصحته في نفس الأمر لجواز الخطأ والنسيان على الثقة انتهى

قلت فيجوز الخطأ والنسيان على البخاري نفسه فيما حكم بصحته وإن كان تجويزا مرجوحا لأنه بعد تتبع الحفاظ لما في كتابه فإظهار ما خالف هذا القول المنقول عنه فيه من الشرطية ما ينهض التجويز ويقود العالم الفطن النظار إلى زيادة الاختبار وهذا ما وعدنا به في آخر الفائدة الخامسة

على أن البخاري ومسلما لم يذكرا شرطا للصحيح وإنما استخرج الأئمة لهما شروطا بالتتبع لطرق رواتهما ولم يتفق المتتبعون على شرط معروف بل اختلفوا في ذلك اختلافا كثيرا

يعرف ذلك من مارس كتب أصول الحديث

والأقرب أنهما لا يعتمدان إلا على الصدق والضبط كما اخترناه

وقد صرح به الحافظ ابن حجر فيما أسلفناه عنه أنه لا أثر للتضعيف مع الصدق والضبط وأنهما لا يريدان العدل إلا ذلك إن ثبت عنهما أنهما شرطا أن لا تكون الرواية إلا عن عدل وسلمنا ثبوت اشتراطهما العدالة في الراوي فمن أين علم أن معناها

(1/138)

عندهما ما فسرتموها به مما أسلفناه في رسمهما

قال ابن طاهر شرط البخاري ومسلم أن يخرجا الحديث المجمع عليه ثقة نقله إلى الصحابي المشهور قال زين الدين ليس ما قاله بجيد لأن النسائي ضعف جماعة أخرج لهما الشيخان أو أحدهما

قال السيد محمد بن إبراهيم رحمه الله ليس هذا مما اختص به النسائي بل قد شاركه غير واحد في ذلك من أئمة الجرح والتعديل كما هو معروف في كتب هذا الشأن ولكنه تضعيف مطلق غير مبين السبب وهو غير مقبول على الصحيح انتهى

قلت ليس ما أطلقه السيد محمد رحمه الله بصحيح فكم من جرح في رجالهما مبين السبب كما سمعته فيما سلف ولئن سلم فأقل أحوال الجرح المطلق أن يوجب توقفا في الراوي وحثا على البحث عن تفصيل أحواله وما قيل فيه

ولا شك أن هذا يفت في عضد القطع بالصحة

وهذه فائدة مستقلة أعني تأثير القدح المطلق توقفا في المجروح يوجب عدم العمل بروايته حتى يفتش عما قيل وإلا لزم العمل والقطع بالحكم مع الشك والاحتمال وذلك ينافي القطع قطعا

(1/139)

ولا نغتر بقولهم الجرح المطلق لا يعتبر به ففيه ما سمعت

فإن قلت إذا كان الحال ما ذكرت من أنه لا يقبل الأقران بعضهم في بعض ولا التمذهب في غير أهل مذهبهم فقد ضاق نطاق معرفة الجرح والتعديل ولا بد منهما للناظر لنفسه وأهل المذاهب في هذه الأزمة كل حزب بما لديهم فرحون وكل فريق في غيرهم يقدحون

قلت إن شددت يديك على ما أسلفناه لك من الأدلة أنه ليس الشرط في قبول الرواية إلا صدق الراوي وضبطه هان عليك هذا الخطب الجليل وحصل لك في أصل الرواية أصل أصيل وذلك أن غالب الجرح والتضعيف بمثل القول بالقدر والرؤية وبالإرجاء وبغلو التشيع وغيرها مما يعود إلى العقائد والمذاهب كخلق القرآن ومسألة الأفعال

وليست عندنا هذه قوادح في الراوي من حيث الرواية وإن كان

(1/140)

بعضها قادحا من حيث الديانة فباب الرواية غير باب الديانة وإذا كان قد تحقق الإجماع عل قبول رواية من سفك دم أهل الإسلام كسفك دماء عبدة الأوثان وأقدم عليهم بالسيف والسنان وأخاف إخوانه من أعيان أهل الإيمان لظن صدقه في الرواية وتأويله في الجنان وإن كان تأويله ترده العقول ولا تقبله الفحول كتأويل معاوية أن قاتل عمار رضي الله عنه هو علي عليه السلام لأنه الذي جاء به إلى رماحهم وألقاه بين سيوفهم وكفاحهم وقد ألزمه عبد الله بن عمر بأن قال حمزة رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفحمه

(1/141)

فالأولى قبول من يرى الإرجاء والقدر ونحوهما فإنه لم يعتقد ذلك ويدعو إليه إلا لاعتقاده أنه دين الله تعالى الذي قامت عليه الأدلة فلم يبق القدح عندنا إلا بالكذب أو سوء الحفظ أو الوضع وما لاقاه في معناه مع أن الكذب عنه رادع طبيعي في الجبلة ولذا قيل يطبع المؤمن على كل خلق ليس الخيانة والكذب وليس بحديث كما قد توهم

وقد كان يتنزه عنه أشر خلق الله كالتسعة الرهط الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون فإنهم قالوا {لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون} فإنه كما قال جار الله رحمه الله وفي هذا دليل قاطع على أن الكذب قبيح عند الكفرة الذين لا يعرفون الشرع ونواهيه ولا يخطر ببالهم

ألا ترى أنهم قصدوا قتل نبي الله ولم يرضوا لأنفسهم أن يكونوا كاذبين حتى سووا للصدق في خبرهم حيلة يتصونون بها عن الكذب انتهى

وفي خبر أبي سفيان مع هرقل الذي ساقه البخاري أوائل

(1/142)

صحيحه أنه ترك الكذب لئلا يؤثر عنه هذا فكيف لا يتنزه عنه المسلمون بل أعيانهم وهم رواة كلامه صلى الله عليه وسلم فإن الراوي قد يلابس بعض ما ينكر عليه ولا يصدر عنه الكذب في روايته

وهذا الزهري كان يخالط خلفاء الأموية ويلبس زي الأجناد ويفعل ما عابه عليه نظراؤه من أهل العلم في عصره وعدوه قبيحا عليه ولما ذكر له بعض خلفائهم كلاما في قوله تعالى {والذي تولى كبره منهم} الآية وكذب الزهري لما ذكر له الحق قال ما معناه والله لو كان إباحة الكذب بين دفتي المصحف أو نادى مناد من السماء بإباحته لما فعلته انتهى

فتحرز عن الكذب وبالغ في التنزه عنه مع غشيانه لما عيب عليه

وأما حديث ثم يفشو الكذب فلا ينافي أن تكون طائفة من الأمة متحرزة عنه فقد ثبت أنها لا تزال طائفة من الأمة على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم وأي طائفة أعظم من

(1/143)

رواة حديثه صلى الله عليه وسلم ويؤيد ذلك حديث (إنه يحمل هذا العلم عن كل خلف عدوله) صححه ابن عبد البر وروي عن أحمد بن حنبل أنه

(1/144)

حديث صحيح

واعلم أنه ليس مرادنا من هذا نفي وقوع الكذب من الرواة بل قد تحقق وقوعه بلا ريب بل مرادنا أنه لا يقبل القدح بالكذب والوضع إلا فيمن علم خلاعته وتساهله في الدين وارتكابه للعظائم فإنه لا يقدم على الكذب عليه صلى الله عليه وسلم إلا من كان لا ديانة له محققة

(1/146)

فلا يقال يعارض ما ذكرت من الورع عنه الداعي إليه وهو ما في النفوس من محبة الرئاسة بالتسمي بالمحدث والترفع والدعوى الباطلة بأنه حافظ للأحاديث راولها صاحب الروايات حافظ العصر ونحو ذلك من الألقاب القاطعة للأعناق الحاملة على تحلي الإنسان بغير ما هو أهله

لأنا نقول هذا لا يكون إلا لمن له إلمام بمخافة الله وتقواه السامع للوعيد فيمن تقول عليه صلى الله عليه وسلم ما لم يقله ولا يصدر هذا إلا عن خليع تفضحه خلاعته وتنفر عنه وعن الرواية عنه وعن قبوله

ولا يخفى على ناقد حقيقة حاله ومثل هذا لا يكون بحمد الله مقبولا عن أحد من طوائف الرواة ولا يقبل ترويجه بل هو أقرب شيء إلى الافتضاح فهو مأمون دخوله في الرواة الذين قبلهم أساطين الحفاظ المفتشين عن كل ذرة والمتتبعين كل لفظة

ولا يكون الكذب إلا لخليع لا يبالي بالهتك كما قال بعض الخلفاء وقد عوتب على الكذب لو غرغرت به لهواتك ما فارقته

(1/147)

كما قيل لكذاب هل صدقت قط فقال لولا أني صادق في قول لا لقلتها

وأمثال هؤلاء قد صان الله أحاديث رسول صلى الله عليه وسلم أن يكونوا من رواتها وقد جعل الله لكلامه صلى الله عليه وسلم رونقا وطلاوة وحلاوة يكاد يعرف الممارسين لأحاديثه كلامه صلى الله عليه وسلم من كلام غيره فإنه قد أوتي صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم وأتاه الله من البلاغة ما لم يؤت أحدا من العالمين ولمعاني كلامه ومقاصده ما يعرف به كلامه من كلام غيره في الأغلب

وقد أخرج أحمد وأبو يعلى عن أبي أسيد وأبي حميد مرفوعا إذا سمعتم الحديث عني تعرفه قلوبكم وتلين له أشعاركم وأبشاركم وترون أنه منكم قريب فأنا أولاكم به وإذا سمعتم الحديث عني تنكره قلوبكم وتنفر منه أشعاركم وأبشاركم وترون أنه بعيد عنكم فأنا أبعدكم منه وإن كان قد

(1/148)

ضعف فمعناه حسن فإن قلت إذا كانت أئمة الجرح والتعديل قد قيل فيهم ما قيل فكيف يأمن الناظر لديه أن يقولوا فيمن خالف مذهبهم كاذب أو وضاع وليس كذلك فكيف الثقة بهم قلت قد عرفنا من تتبع أحوالهم الإنصاف فيما يقولونه ألا تراهم يقولون ثقة إلا أنه كان يتشيع كان حجة إلا أنه كان يرى القدر كان ثقة إلا أنه كان مرجئا كان مائلا عن الحق ولم يكذب في الحديث كان يرى القدر وهو مستقيم الحديث فهذا دليل أن القوم كانوا يذكرون في الشخص ما هو عليه

(1/149)

واتصف به من خير وشر ولا يتقولون عليه إذ لو كانوا يتقولون لرموا من خالفهم في المذاهب بالكذب ولما وثقوا شيعيا ولا قدريا ولا مرجئا

وهب أنهم يتفق لهم شيء من ذلك فلا تأخذ بأول قول يطرق سمعك من إمام جرح وتعديل بل تتبع ما قاله فيه غيره واستقراء القرائن فلا بد وأن يحصل لك ظن تعمل به أو تقف على العمل به

وصدق من درج من قبلنا وحسن حاله أو قبحه لا يعرف إلا بقرائن تؤخذ مما يسرده عنه الرواة والمؤرخون وأهل المعرفة بأحوال الناس وأيامهم وهذه قرائن دلت على إنصاف أئمة هذا الشأن وإن كانت لهم هفوات فإنه لم يثبت إلا عصمة الأنبياء من نوع الإنسان

فإن قلت ما أردت من جمع هذه الكلمات قلت فوائد جمة وأمور مهمة يعرف قدرها من هو في هذا الشأن من الأئمة فقد اشتملت على نفائس الأنظار وعلى عيون مسائل يظمأ إلى معينها حملة الآثار وبيت قصيدها وعمدة مقصودها بيان أنه لا يشترط في قبول الرواة إلا ظن صدق الراوي وضبطه ولا يرد إلا بكذبه وسوء

(1/150)

حفظه ونحوهما وأن هذا شرط متفق عليه بين كل طائفة

والخلاف في القدح وما عداه قد أقمنا الأدلة على أنه لا قدح به في الرواية والله سبحانه ولي كل توفيق وهداية

نسأله أن يرزقنا معرفة الحق واتباعه ويجعلنا أهله وأتباعه وصلى الله على من نرجو بجاهه الشفاعة في يوم الحشر والنشر وقيام الساعة وعلى آله وأزواجه أصحاب المؤمنين والحمد لله رب العالمين انتهى بحمد الله

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

معايير الأحكام في قضية الطلاق؟

  معايير الأحكام في قضية الطلاق؟     أحكام الطلاق من القرآن والسنة الصحيحة   1 الطلاق للعدة الشرعة الباقية إلي يوم القيامة :   1. ما هي...