كتاب الرفع والتكميل في الجرح والتعديل
لأبي الحسنات محمد عبد الحي اللكنوي الهندي
الحمد الله الذي بعث لهداية خلقه رسلا وأنبياء وخصهم بمزيد التعظيم والتبجيل وجعل من أشرفهم وساد اتهم وأكملهم ورؤسائهم سيدنا محمدا المنعوت بغاية التكريم والتفضيل وجعل شريعته من بين الشرائع السماوية موصوفة باليسر والتسهيل ونسخ بها جميع الأديان والملل وابطل بها شرك الأوثان والنحل أدماها إلى يوم التهويل فسبحانه من اله جلت قدرته وعظمت هيبته تعالى عما يصفه الظالمون به من التشبيه والتجسيم والتعطيل وتنزه عن التجانس والتشابه والتمثيل ولله المثل الأعلى في السماوات العلى والطبقات السفلى ليس كمثله شيء في الأولى والأخرى في أوصاف التكميل اشهد انه لا إله إلا الله هو وحده لا شريك له ولا ضد له ولا ند له ولا مناقض له ولا معارض له يعارضه في التدبير والتعميل احمده حمدا كثيرا على ان حفظ شريعة سيد أنبيائه من التغيير
والتبديل وبعث في أمته فضلاء ونقادا وكملاء وزهادا اهتموا بحفظ آثار نبيهم واقتدوا باخبار شفيعهم وتكلموا في مراتب الجرح والتعديل والهمهم كيفية رواية الأحاديث وحملها والبحث عن وصلها وفصلها وعن حسنها وصحتها وضعفها وقوتها وعن نقد أسانيدها بحسن التأصيل فصارت الأحاديث المصطفية والآثار الشرعية منقاة ومصفاة من كل مفسدة وتجهيل واشكره شكرا كبيرا على أن وعد على رأس كل مائة من مئات هذه الأمة بان يبعث فيها منها م يجدد لها دينها ويقيم لها طريقتها
ويحفظها من مكايد أصحاب التسويل واشهد أن سيدنا ومولانا محمد عبده ورسوله وصفيه وخليله
ونجيه وحبيبه الذي جاءنا من عند ربنا بالشريعة السهلة البيضاء وهدانا إلى الطريقة الحسنة الغراء جزاه الله عنا خير الجزاء في الابتداء والانتهاء واوصله إلى أعلى درجات التفضيل اللهم صل عليه
صلاة تامة زاكية دائمة شاملة وعلى جميع أصحابه وأتباعه صلاة
تنجينا من كل تهويل وتحفظنا من كل تنكيل وبعد فيقول الراجي عفو ربه القوي
أبو الحسنات محمد عبد الحي اللكنوي تجاوز الله عن ذنبه الجلي الخفي ابن مولانا
الحاج الحافظ محمد بن عبد الحليم ادخله الله دار النعيم هذه رسالة رشيقة وعجالة
أنيقة اسمها يخبر عن رسمها وفحواها يشعر بمعناها اعني الرفع والتكميل في الجرح
والتعديل
بعثني على تأليفها ما رأيت من علماء عصري وفضلاء دهري من
ركوبهم على متن عمياء وخبطهم كخبط العشواء تراهم في بحث التعديل والجرح من أصحاب
القرح فهم كالحبارى في الصحارى والسكارى في السحارى وما ذلك إلا لجهلهم بمسائل الجرح
والتعديل وعدم وصولهم إلى منازل الرفع والتكميل كم من فاضل قد جرح الأسانيد
الصحيحة وكم من كامل صحح الأسانيد الضعيفة يصححون الضعف ويضعفون القوي ولا يهتدون
إلى الصراط السوي تراهم قد ظنوا نقل الجرح والتعديل من كتب نقاد الرجال كتهذيب
الكمال للحافظ المزي وميزان الاعتدال للذهبي وتهذيب التهذيب وتقريب التهذيب والمغني
وكامل ابن عدي ولسان الميزان وغيرها من كتب أهل الشأن أمرا يسيرا وما
تركوا في هذا الباب قطميرا ونقيرا مع جهلهم باصطلاحات أئمة التعديل والجرح وعدم فرقهم بين الجرح المبهم والجرح الغير المبهم وبين ما هو مقبول وبين ما هو غير مقبول عند حملة ألوية الشرع وبعد مداركهم عن إدراك مراتب الأئمة من معدلي الأمة أو ما علموا أن الدخول في هذه المسالك الصعبة التي زلت فيها إقدام الكملة أمر عظيم لا يتيسر من كل حبر كريم فضلا عمن يتصف بالسالك في أودية الضلال والخابط في ظلماء الليال أو ما فهمو أن لكل مقام مقال ولكل فن رجال وان جرح من هو خال عنه في الواقع وتعديل من هو مجروح في الواقع أمر ذو خطر لا يليق بالقيام به كل بشر فأردت أن اكتب في هذا الباب رسالة شافية وعجالة كافية تشتمل على علالة فوائد المتقدمين وسلالة فرائد المتأخرين اذكر فيها مسائل متعلقة بالجرح والتعديل ومناهل مربوطة بأئمة الجرح والتعديل لتكون مفيدة وهادية إلى الطريقة النقية الصافية فدونك كتابا يروي كل غليل ويشفي كل عليل يرشدك إلى سواء
الطريق وينجيك من كل حريق ويعلمك ما لم تكن تعلم ويفهمك ما لم تكن تفهم وستقول بعد الإطلاع على ما فيه من كنوز الفوائد ودرر الفرائد هذا بحر زاخر كم ترك الأول للآخر وارجو من كل من ينتفع به أن يدعو لي بحسن الخاتمة وخير الدنيا والآخرة وأسأل الله تعالى أن يقبله مع سائر تصانيفه ويجعله لوجهه الكريم انه ذو الفضل العظيم زان يجنب اقلامي من الخطأ والخطل واقدامي من السهو والزلل وان يحفظني من التوصيف بمجدد الاغلاط ومحدد الاشطاط آمين يا رب العالمين وهذه الرسالة مرتبة على مقدمة مشتملة على الأمور المهمة ومراصد عديدة متضمنة على مقاصد سديدة
المقدمة
فيما يتعلق بحكم جرح الرواة وتعديلهم وما يجب فيه من التثبت والتحري لقولهم وفعلهم وما يحذر من المبادرة إلى الجرح بلا ضرورة وما لا يجوز من الجرح ونقله وما يجوز منه ولنذكر ذلك في إيقاظات عديدة مشتملة على إيماضات سديدة
ايقاظ
فيما ليس بغيبة ذكر النووي في رياض الصالحين والغزالي في إحياء علوم الدين
وغيرهما في غيرهما أن غيبة الرجل حيا وميتا تباح لغرض شرعي لا يمكن الوصول
إليه إلا بها وهي ستة
التظلم فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى السلطان والقاضي
وغيرهما ممن له ولاية أو قدرة على إنصافه من ظلامه فيقول فلان ظلمني كذا
الاستعانة على تغيير المنكر ورد العاصي إلى الصواب فيقول
لمن يرجو منه إزالة المنكر فلان يفعل كذا فأزجره
الاستفتاء فيقول للمفتي ظلمني أبي بكذا فما سبب الخلاص
منه
تحذير المؤمنين من الشر ونصيحتهم ومن هذا الباب المشاورة
في مصاهرة إنسان أو مشاركته أو ايداعه أو معاملته أو غير ذلك ومنه جرح الشهود عند
القاضي وجرح رواه الحديث وهو جائز بالإجماع بل واجب للحاجة ومنه ما إذا رأى متفقها
يتردد
إلى المبتدع أو فاسق يأخذ عنه العلم وخاف أن يتضرر المتفقه بذلك فنصحه
ببيان حاله بشرط أن يقصده النصح ولا يحمله على ذلك الحسد والاحتقار
أن يكون مجاهرا بفسقه أو بدعته فيجوز ذكره بما يجاهر به
دون غيره من العيوب
التعريف كأن يكون الرجل معروفا بوصف يدل على عيب كالأعمش
والأعرج والأصم والأعور والأحول وغيرها فهذه ستة أسباب ويلحق بها غيرها مما يناظها
ويشابهها ودلائلها في كتب الحديث مشهورة وفي كتب الفن مسطورة
ايقاظ في حدود الجرح الجائز
لما كان الجرح امرا صعبا فأن فيه حق الله مع حق الآدمي وربما
يورث مع قطع النظر عن الضرر في الآخرة ضررا في الدنيا من المنافرة والمقت بين الناس وانما جوز للضرورة الشرعية حكموا بأنه لا يجوز الجرح بما فوق الحاجة ولا الاكتفاء على نقل الجرح فقط فيمن وجد فيه الجرح والتعديل كلاهما من النقاد ولا جرح من لا يحتاج الى جرحه ومنعوا من جرح العلماء الذين لا يحتاج اليهم في رواية الاحاديث بلا ضرورة شرعية ولنذكر بعض عبارات العلماء الدالة على ما ذكرنا قال السخاوي في فتح المغيث بشرح الفيه الحديث لا يجوز التجريح بشيئين اذا حصل بواحد انتهى وقال الذهبي
في ميزان الاعتدال كذلك من تكلم فيه من المتأخرين لا أورد منهم في هذا الكتاب الا من تبين ضعفه واتضح امره اذ العمدة في زماننا ليس على الرواة بل على المحدثين
والمفيدين والذين عرفت عدالتهم وصدقهم في ضبط اسماء السامعين
ثم من المعلوم انه لا بد من صون الراوي وستره فالحد الفاصل
بين المتقدم والمتأخر هو رأس سنة ثلاث مئة انتهى وقال السيوطي في رسالته الدوران الفلكي على ابن الكركي عند ذكر وجوه طعنة على معاصره السخاوي الثالث انه الف تاريخا ملأه بغيبة المسلمين ورمى فيه علماء الدين باشياء اكثرها مما يكذب فيه ويمين فالفت المقامه التي سميتها الكاوي في تاريخ السخاوي نزهت فيها اعراض الناس وهدمت ما بناه في تاريخه الى الاساس انتهى وقال السيوطي ايضا في رسالته الكاوي في تاريخ السخاوي الغرض الان بيان خطئه فيما ثلب به الناس وكشط ما ضمنه في تاريخه بالقياس فقد قامت الادلة في الكتاب والسنة على تحريم احتقار المسلمين والتشديد في غيبتهم بما هو صدق وحق فضلا عما يكذب فيه الجارح ويمين فان قال لا بد من جرح الرواة والنقلة وذكر الفاسق والمجروح من الحملة فالجواب
اولا ان كثيرا ممن جرحهم لا رواية لهم فالواجب فيهم شرعا ان يسكت عن جرحهم ويهمله وثانيا ان الجرح انما جوز في الصدر حيث كان الحديث يؤخذ من صدور الاحبار لا من بطون الاسفار فاحتيج اليه ضرورة للذب عن الاثار ومعرفة المقبول والمردود من الاحاديث والاخبار واما الان فالعمدة على الكتب المدونة غاية ما في الباب انهم شؤطوا لمن يذكر الان في سلسلة الاسناد تصونه وثبوت سماعه بخط من يصلح عليه الاعتماد فاذا احتيج الان الى الكلام في ذلك اكتفي بان يقال غير مصون او مستور وبيان ان في سماعه نوعا من التهور والزور واما مثل الائمة الاعلام ومشايخ الاسلام كالبلقيني والقاياتي والقلقشندي والمناوي ومن سلك في جوادهم فاي وجه للكلام فيهم وذكر ما رماهم الشعراء اهاجيهم انتهى وقال السخاوي في فتح المغيث ولذا تعقب ابن دقيق العيد ابن السمعاني في ذكره بعض الشعراء والقدح فيه بقوله اذا لم يضطر فيه الى القدح فيه للرواية لم يجز ونحوه قول ابن المرابط قد دونت الاخبار وما بقي للتجريح فائدة بل انقظعت على رأس اربع مئة انتهى
وقال الذهبي في ميزانه في ترجمة ابان من يزيد العطار قد اورده ايضا العلامة ابن الجوزي في الضعفاء ولم يذكر فيه اقوال من وثقه وهذا من عيوب كتابه يسرد الجرح ويسكت عن التوثيق انتهى قلت هذه النصوص لعلها لم تقرع صماخ افاضل عصرنا واماثل دهرنا فان شيمتهم انهم حين قصدهم بيان ضعف رواية ينقلون من كتب الجرح والتعديل الجرح دون التعديل فيوقعون العوام في المغلطه لظنهم ان هذا الرواي عار عن تعديل الاجلة والواجب عليهم ان ينقلوا الجرح والتعديل كليهما ثم يرجحوا حسبما يلوح لهم احدهما ولعمري تلك شيمة محرمة وخصلة مخرمة ومن عاداتهم السيئة ايضا انهم كلما الفوا سفرا في تراجم الفضلاء
ملأوه بما يستنكف عنه النبلاء فذكروا فيه المعايب والمثالب ترجمة من هو عندهم من المجروحين المقبوحين وان كان جامعا للمفاخر والمناقب وهذا من اعظم المصائب تفسد به ظنون العوام وتسري به الاوهام في الاعلام ومن عاداتهم الخبيثة انهم كلموا ناظروا واحدا من الافاضل في مسالة من المسائل توجهوا الى جرحه بافعاله الذاتية وبحثوا عن اعماله العرضية وخلطوا الف كذبات بصدق واحد وفتحوا لسان الطعن عليه بحيث يتعجب منه كل ساجد وغرضهم منه اسكات مخاصمهم بالسب والشتم والنجاة من تعقب مقابلهم بالتعدي والظلم بجعل المناظرة مشاتمة والمباحثة مخاصمة وقد نبهت على قبح هذه العادات باوضح الحجج والبينات في رسالتي تذكرة الراشد برد تبصرة الناقد
ايقاظ - 3 - في شرط الجارح والمعدل
يشترط في الجارح والمعدل العلم والتقوى والورع والصدق والتجنب عن التعصب ومعرفة اسباب الجرح والتزكية ومن ليس كذلك لا يقبل منه الجرح ولا التزكية
قال التاج السبكي من لا يكون عالما باسبابهما أي الجرح والتعديل لا يقبلون منه لا باطلاق ولا بتقييد انتهى وقال البدر بن جماعه من لا يكون عالما بالاسباب لا يقبل منه جرح ولا تعديل لا بالاطلاق ولا بالتقييد انتهى وقال الحافظ ابن حجر في شرح نخبته ان صدر الجرح من غير عارف باسبابه لم يعتبر به وقال ايضا تقبل التزكية من عارف باسبابها لا من غير عارف وينبغي ان لا يقبل الجرح الا من عدل متيقظ انتهى وقال الذهبي في ترجمة ابي بكر الصديق من كتابه تذكرة الحفاظ
حق على المحدث ان يتورع فيما يؤدبه وان يسال اهل المعرفة والورع ليعينوه على ايضاح مروياته ولا سبيل الى ان يصير العارف الذي يزكي نقلة الاخبار ويجرحهم جهيذا الا بادمان الطلب والفحص عن هذا الشان وكثرة المذاكرة والسهر والتيقظ والفهم مع التقوى والدين المتين والانصاف والتردد الى العلماء والاتقان والا تفعل فدع عنك الكتابة لست منها ولو سودت وجهك بالمداد فان انست من نفسك فهما وصدقا ودينا وورعا والا فلا تفعل وان غلب عليك الهوى والعصبية لرأي ولمذهب فبالله لا تتعب وان عرفت انك مخلط مخبط مهمل لحدود الله فارحنا منك انتهى وفي فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت لا بد للمزاكي ان يكون عدلا عارفا باسباب الجرح والتعديل وان يكون منصفا ناصحا لا ان يكون متعصبا ومعجبا بنفسه فانه لا اعتداد بقول المتعصب كما
قدح الدارقطني في الامام الهمام ابي حنيفة رضي الله عنه بانه ضعيف في الحديث واي شناعة فوق هذا فانه امام ورع تقي نقي خائفا من الله وله كرامات شهيرة فبأي شيء تطرق اليه الضعيف فتارة يقولون انه كان مشتغلا بالفقه انظر بالانصاف أي قبح فيما قالوا بل الفقيه اولى بان يؤخذ الحديث منه وتارة يقولون انه لم يلاق ائمة الحديث انما اخذ ما اخذ من حماد وهذا ايضا باطل فانه روى عن كثير من الائمة كالامام محمد الباقر والاعمش وغيرهما مع ان حمادا كان وعاء للعلم فالاخذ منه اغناه عن الاخذ عن غيره وهذا ايضا آية على ورعه وكمال تقواه وعلمه فانه لم
يكثر الاساتذه لئلا تتكثر الحقوق فيخاف عجزه عن ايفائها وتارة يقولون انه كان من اصحاب القياس والرأي
وكان لا يعمل بالحديث حتى وضع ابي بكر بن ابي شيبة في كتابه بابا للرد عليه ترجمة باب الرد على ابي حنيفة
وهذا ايضا من التعصب كيف وقد قبل المراسيل
وقال ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه و سلم فبالرأس والعين وما جاء عن اصحابه فلا اتركه ولم يخصص بالقياس عام خبر الواحد فضلا عن عام الكتاب ولم يعمل بالاخالة والمصالح المرسلة والعجب انهم طعنوا في هذا الامام مع قبولهم الامام الشافعي رحمه الله وقد قال في اقوال الصحابة وكيف اتمسك بقول من لو كنت في عصره لحاججته ورد المراسيل وخصص عام الكتاب بالقياس وعمل بالاخالة وهل هذا الا بهت من هؤلاء الطاعنين والحق ان الاقوال التي صدرت عنهم في حق الامام الهمام كلها صدرت من التعصب لا تستحق ان يلتفت اليها ولا ينطفىء نور
الله بافواههم فاحفظ وتثبت انتهى وفي تنوير الصحيفه بمناقب الامام ابي حنيفة لا تغتر الخطيب فان عنده العصبية الزائدة على جماعة من العلماء كابي حنيفة واحمد وبعض اصحابه وتحامل عليهم بكل وجه وصنف فيه بعضهم السهم المصيب في كبد الخطيب واما ابن الجوزي فقد
تابع الخطيب وقد عجب سبطه منه حيث قال في مرآة الزمان وليس العجيب من الخطيب فان طعن في جماعة من العلماء وانما العجب من الجد كيف سلك اسلوبه وجاء بما هو اعظم انتهى قلت الحاصل انه اذا علم بالقرائن المقالية او الحالية ان الجارح طعن على احد بسبب تعصب منه عليه لا يقبل منه ذلك الجرح وان علم انه ذو تعصب على جمع من الاكابر ارتفع الامان عن جرحه وعد من اصحاب القرح وسيأتي لهذا مزيد بسط في المرصد الرابع ان شاء الله فانتظره مفتشا
المرصد الاول
فيما يقبل من الجرح والتعديل وما لا يقبل منهما وتفصيل المفسر والمبهم
فيهما
اعلم ان التعديل وكذا الجرح قد يكون مفسرا وقد يكون
مبهما فالأول ما يذكر فيه المعدل أو الجارح السبب والثاني ما لا يبين السبب فيه
واختلفوا بعدما اتفقوا على قبول الجرح والتعديل المفسرين
بشروطهما المذكورة في موضعه وقد مر ذكر بعضها وسيأتي ذكر بعضها في قبول الجرح المبهم
والتعديل المبهم على أقوال
انه يقبل التعديل من غير ذكر سببه لأن أسبابه كثيرة
فيثقل ذكرها فان ذلك حوج المعدل إلى أن يقول ليس يفعل كذا ولا كذا ويعد ما يجب
تركه ويفعل كذا وكذا فيعد ما يجب عليه فعله واما الجرح
فانه لا يقبل إلا مفسرا مبين سبب الجرح لأن الجرح يحصل بأمر واحد فلا يشق ذكره ولأن الناس مختلفون في أسباب الجرح فيطلق أحدهم الجرح بناء على ما اعتقده جرحا وليس الجرح فينفس الأمر فلا بد من بيان سببه ليظهر اهو فادح أم لا وامثلته كثيرة ذكرها الخطيب البغدادي في الكفاية فمنها انه قيل لشعبه لم تركت حديث فلان قال رأيته يركض على برذون فتركته ومن المعلوم ان هذا ليس بجرح موجب لتركته ومنها انه أتى شعبة المنهال بن عمرو فسمع صوتا أي صوت
الطنبور من بيته أو صوت القراءة بألحان فتركه ومنها انه انه سئل الحكم بن عتيبة لم لم ترو عن زاذان قال كان كثير الكلام ومنها انه رأى جرير سماك بن حرب يبول قائما فتركته ومنها ان القائلين بكون العمل جزءا من الإيمان كانوا يطلقون على من أنكر ذلك وهم أهل الكوفة غالبا الارجاء ويتركون الرواية
عنهم وكانوا لا يقبلون شهادتهم وهذا ليس بجرح بموجب لتركهم
ومنها أن كثير منهم يطلق على أبي حنيفة وغيرهم من أهل الكوفة أصحاب الرأي ولا يلتفتون إلى رواياتهم وهو أمر باطل عند
غيرهم ونظائره كثيرة
القول الثاني عكس القول الأول وهو انه يجب بيان سبب العدالة
ولا يجب بيان أسباب الجرح لأن أسباب العدالة يكثر التصنع فيها ويجب بيانها
بخلاف أسباب الجرح
القول الثالث انه لا بد من ذكر سبب الجرح والعدالة
كليهما
القول الرابع عكسه وهو انه لا يجب بيان سبب كل منهما إذا
كان الجارح والمعدل عارفا بصيرا بأسبابهما
وقد اكتفى ابن الصلاح في مقدمته على القول الأول من هذه
الأقوال وقال
ذكر الخطيب الحافظ انه مذهب الأئمة من حفاظ الحديث ونقاده مثل البخاري
ومسلم ولذلك احتج البخاري بجماعة سبق من غيره الجرح فيها كعكرمة مولى ابن عباس
وكإسماعيل بن أبي اويس وعاصم بن علي وعمرو بن مرزوق وغيرهم واحتج مسلم سويد بن
سعيد وجماعة اشتهر الطعن فيهم وهكذا فعل أبو داود السجستاني وذلك دال على انهم
ذهبوا إلى ان الجرح لا يثبت إلا إذا فسر سببه
وقال الزين العراقي في شرح ألفيته
في القول الأول انه الصحيح المشهور انتهى
وفي القول الثاني حكاه صاحب المحصول وغيره ونقله إمام
الحرمين في البرهان والغزالي في المنخول تبعا له عن القاضي أبي بكر والظاهر
انه وهم منهما والمعروف عنه انه لا يجب ذكر أسبابهما انتهى
وفي القول الثالث حكاه الخطيب والأصوليون انتهى
وفي القول الرابع هو اختيار القاضي أبي بكر ونقله عن
الجمهور فقال قال الجمهور من أهل العلم إذا جرح من لا يعرف الجرح يجب الكشف عن ذلك
ولم يوجبوا ذلك على أهل العلم بهذا الشأن قال والذي يقول عندنا ترك الكشف عن ذلك
إذا كان الجارح عالما كما لا يجب استفسار المعدل عما به عنده المزكي عدلا إلى أخر
كلامه
وممن حكاه عن القاضي أبي بكر الغزالي في المستصفى خلاف
ما حكاه عنه في المنخول وما ذكر عنه في المستصفى هو الذي حكاه صاحب المحصول
والامدي وهو
المعروف عن القاضي كما رواه الخطيب في الكفاية انتهى
واكتفى النووي أيضا في التقريب على الأول وقال هو الصحيح
انتهى
وقال السيوطي في شرحه التدريب ومقابل الصحيح أقوال ثم
ذكر الأقوال السابقة
وقال في القول الثاني نقله إمام الحرمين والغزالي
والرازي في المحصول انتهى
وفي القول الثالث حكاه الخطيب ولاصوليون انتهى
وفي القول الرابع هذا اختيار القاضي أبي بكر ونقله عن
الجمهور واختاره الغزالي والرازي والخطيب وصححه أبو الفضل العراقي والبلقيني في
محاسن الاصطلاح انتهى
وقال البدر بن جماعة في مختصره عند ذكر القول الأول هذا هو الصحيح المختار
فيهما وبه قال الشافعي انتهى
وقال الطيبي في خلاصته في حق القول الأول على الصحيح
المشهور انتهى
وفي إمعان النظر بشرح شرح نخبة الفكر اكثر الحفاظ على قبول التعديل بلا سبب
وعدم قبول الجرح إلا بذكر السبب انتهى
وفي شرح شرح النخبة لعلي القارئ التجريح لا يقبل ما لم
يبين وجهه بخلاف التعديل فانه يكفي فيه أن يقول عدل أو ثقة مثلا انتهى
وفي شرح الإلمام بأحاديث الأحكام لابن دقيق
العيد بعد ان يوثق الرواي من جهة المزكين قد يكون الجرح مبهما
فيه غير مفسر ومقتضى قواعد الاصول عند اهله انه لايقبل الجرح الا مفسرا
انتهى
وفي شرح صحيح مسلم للنووي لا يقبل الجرح الا مفسرا مبين
السبب انتهى
وفي كشف الاسرار شرح اصول البزدي اما الطعن من ائمة
الحديث فلا يقبل مجملا أي مبهما بان يقول هذا الحديث غير ثابت او منكر او فلان
متروك الحديث او ذاهب الحديث او مجروح او ليس بعدل من غير ان يذكر سبب الطعن وهو
مذهب عامة الفقهاء والمحدثين انتهى
وفي تحرير الاصول لابن همام اكثر الفقهاء ومنهم الحنفية والمحدثين على انه
لايقبل الجرح الا مبينا لا التعديل وقيل بقلبه وقيل فيهما انتهى
وفي المنار وشرحه فتح الغفار الطعن المبهم من ائمة
الحديث بان يقول هذا الحديث غير ثابت او منكر او مجروح او راوية متروك الحديث او
غير العدل لايجرح الراوي فلا يقبل الا اذا وقع مفسرا بما هو الجرح متفق عليه انتهى
وفي شرح مختصر المنار لابن قطلوبغا لا يسمع الجرح في
الراوي الا مفسرا بما هو قادح انتهى
وفي شرح المنار لابن الملك قال بعض العلماء الطعن المبهم
يكون جرحا لان التعديل المطلق مقبول فكذا الجرح قلنا اسباب التعديل غير منضبطة
والجرح ليس كذلك انتهى
وفي الامتاع باحكام السماع من ذلك قولهم فلان ضعيف
ولا يبنون وجه الضعف فهو جرح مطلق وفيه فلاف وتفصيل ذكرناه في الاصول
والاولى الا يقبل من متأخري المحدثين لانهم يجرحون بما لا يكون جرحا ومن ذلك قولهم
فلان سيء الحفظ وليس بالحافظ لا يكون جرحا مطلقا بل ينظر الى حال المدث والحديث
انتهى
وفي التحقيق شرح المنتخب الحسامي ان طعن طعنا مبهما لا
يقبل كما لا يقبل في الشهادة وكذا اذا كان مفسرا بامر مجتهد فيه وكذا اذا كان
مفسرا بما يوجب الجرح بالاتفاق ولكن الطاعن معروف بالتعصب او متهم فيه انتهى
وفي التبين شرح المنتخب الحسامي ان كان الانكار من ائمة
الحديث فلا يخلو اما ان يكون الانكار والطعن مبهما بان قال مطعون او مجروح
او مفسرا فان كان مبهما فلا يمون مقبولا انتهى
وفي التوضيح شرح التنقيح فان كان الطعن مجملا لا يقبل
واذا كان مفسرا بما هو جرح شرعا متفق عليه والطاعن من أهل النصيحة لا من أهل
العداوة والعصبية يكون جرحا وإلا فلا انتهى
وفي البناية شرح الهداية في بحث شعر الميته الجرح المبهم
غير القبول عند الحذاق من الاصولين انتهى وفيه ايضا في بحث سؤر الكلب نقلا عن
تجريد القدوري الجرح المبهم غير معتبر انتهى
وفي مرآة شرح مرقاة الوصول ان كان الطاعن من اهل
وقال السخاوي في فتح المغيث قال ابن دقيق العيد في شرح الالمام قولهم روى مناكير لا يقتضي بمجرده ترك روايته حتى تكثر المناكير في روايته وينتهي الى ان يقال فيه منكر الحديث لان منكر الحديث وصف في الرجل يستحق به الترك لحديثه والعبارة الاحرى لا تقتضي الديمومة كيف وقد قال احمد بن حنبل في محمد بن ابراهيم التيمي يروي احاديث منكرة وهو ممن اتفق عليه الشيخان واليه المرجع في حديث انما الاعمال بالنيات انتهى
الحديث فمجمله نحو ان الحديث غير ثابت او مجروح او متروك اوراوية غير عدل لا
يقبل ومسره بما اتفق على كونه جرحا والطاعن ناصح جرح وإلا فلا انتهى
وفي فتح الباقي بشرح ألفية العراقي عند ذكر الأول من
الأقوال الأربعة قال ابن الصلاح إنه ظاهر مقرر في الفقه واصوله وقال الخطيب إنه
الصواب عندنا
وعند القول الرابع اختاره القاضي أبو بكر الباقلاني
ونقله عن الجمهور ولما كان هذا مخالفا لما اختاره ابن الصلاح م كون الجرح المبهم
لا يقبل قال جماعة منهم التاج السبكي ليس هذا قولا مستقبلا بل تحرير لمحل النزاع
اذ من لا يكون عالما باسبابهما لا يقبلان منه لا بإطلاق ولا بتقييد لان الحكم على
الشيء فرع تصوره أي فالنزاع في اطلاق العالم دون اطلاق غيره
وفي فتح المغيث عند ذكر القةل الرابع اختاره القاضي أبو
بكر الباقلاني ونقله عن الجمهور واختاره الخطيب ايضا وذلك بعد تقرير القول الاول
الذي صوبه وبالجملة فهذا خلاف ما اختاره ابن الصلاح
في كون الجرح المبهم لا يقبل ولكن قد قال ابن جماعة انه ليس قولا مستقبلا
بل هو تحقيق لمحل النزاع وتحرير له اذ من لا يكون عالما بالاسباب لا يقبل منه جرح
ولا تعديل لا بالاطلاق ولا بالتقييد انتهى
ومثل هذه العبارات في كتب اصول الفقه واصول الحديث وكتب
الفقه كثيرة لا تخفى على مهرة الشريعة وكلها شاهدة على ان عدم قبول الجرح المبهم
هو الصحيح الجيح وهو مذهب الحنفية واكثر المحدثين منهم الشيخان واصحاب السنن الاربعة
وانه مذهب الجمهور وهو القول المنصور
ومن الناس من ظن ان الجرح المبهم يقبل من العارف البصير
ونسبة الى الجماهير وانه الصحيح عند المحدثين والاصوليين وقد عرفت أنه قول أبي بكر
الباقلاني وجمع من الأصوليين وهو ليس قولا مستقلا عند المحققين وعلى تقدير كونه
قولا مستقلا لا عبرة به بحذاء مذهب نقاد المحدثين منهم البخاري ومسلم وغيرهما من
ائمة المسلمين
فائدة
قال ابن الصلاح في مقدمته بعد أن صحح عدم قبول الجرح
المبهم بإطلاقه
لقائل أن يقول إنما يعتمد الناس في جرح الرواة ورد
حديثهم على الكتب التي صنفها ائمة الحديث في الجرح أو في الجرح والتعديل وقلما
يتعرضون فيها لبيان السبب بل يقتصرون على مجرد قولهم فلان ضعيف وفلان ليس بشيء
ونحو ذلك أو هذا حديث ضعيف أو حديث غير ثابت ونحو ذلك فاشتراط بيان السبب يفضي إلى
تعطيل ذلك وسد باب الجرح في الاغلب الاكثر
وجوابه أن ذلك وإن لم نعتمده في إثبات الجرح والحكم به
فقد اعتمدناه في أن توقفنا عن قبول حديث من قالوا فيه مثل ذلك بناء على أن لك أوقع
عندنا فيه ريبة قوية يوجب مثلها التوقف ثم من انزاحت عن الريبة بالبحث عن حاله
قبلنا حديثه ولم نتوقف كالذين احتج بهم صاحبا الصحيحين وغيرهما ممن مسهم مثل هذا الجرح
من غيرهم فافهم ذلك فانه مخلص حسن انتهى
قلت فاحفظ هذه الفائدة الغريبة على المذهب الصحيح في باب الجرح المبهم من المذاهب الشهيرة ولا تبادر تقليدا بمن لا يفهم الحديث واصوله ولا يعرف فروعه إلى تضعيف الحديث وتوهينه
بمجرد الاقوال المبهمة والجروح الغير المفسرة الصادرة من نقاد الائمة من شأن راويه وإلى الله المشتكى من طريقة أهل عصرنا المخالفين لشريعة الأئمة الذين مضوا قبلنا يبادرون إلى تضعيف القوي وتوهين السوي من غير تأمل وتفكر وتعمل وتبصر
0
تذنيب مفيد لكل لبيب
اختار الحافظ ابن حجر في نخبته وشرحه ان التجريح المجمل المبهم يقبل في حق من
خلا عن التعديل لانه لما خلى عن التعديل صار في حيز المجهول وإعمال قول المجرح
أولى من إهماله في حق هذا المجهول واما في حق من وثق وعدل فلا يقبل الجرح المجمل
وهذا وان كان مخالفا لما حققه ابن الصلاح وغيره م عدم
قبول الجرح المبهم باطلاقه لكنه تحقيق مستحسن وتدقيق حسن ومن هاهنا علم ان المسالة
مخمسة فيها اقوال خمسة ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات وسارعوا الى الحسنات
المرصد الثاني
في تقديم الجرح على التعديل وغير ذلك من المسائل المفيدة لمن يطالع كتب
الجرح والتعديل
مسالة
ذكر العراقي وغيره من شراح الالفية انهم اختلفوا في الاكتفاء بتعديل الواحد
وجرحه في باب الشهادة والرواية على اقوال
الاول انه لايقبل في التزكية الا قول رجلين في الشهادة
والرواية وكليهما وهو الذي حكاه القاضي أبو بكر الباقلاني عن اكثر الفقهاء من اهل
المدينة وغيرهم
الثاني الاكتفاء بواحد في الشهادة والرواية معا وهو
اختيار القاضي ابي بكر لان التزكية بمثابة الخبر
الثالث التفرقة بين الشهادة والرواية فيكتفى الواحد في
الرواية دون الشهادة ورجحه الامام فخر الدين والسيف الامدي ونقله عن
الاكثرين ونقله أبو عمر و بن الحاجب ايضا عن الاكثرين قال ابن الصلاح والصحيح الذي اختاره الخطيب وغيره انه يثبت في الرواية بواحد لان العدد لم يشترط في قبول الخبر لم يشترط في جرح رواية وتعديله بخلاف الشهادة
مسألة
تقبل تزكية كل عدل وجرحه ذكرا كان أو أنثى حرا كان أو عبدا صرح به العراقي في شرح ألفيته
مسألة
إذا تعارض الجرح والتعديل في راو واحد فجرحه بعضهم وعدله
بعضم ففيه ثلاثة أقوال
احدها ان الجرح مقدما مطلقا ولو كان المعدلون اكثر نقله الخطيب عن جمهور
العلماء وصححه ابن الصلاح والامام فخر الدين الرازي والامدي وغيرهما من الاصوليين
لان مع الجارح زيادة علم لم يطلع عليها المعدل ولان الجارح مصدق لمعدل فيما اخبر
به عن ظاهر حاله الا انه يخبر عن امر باطن خفي عن المعدل
وثانيها ان كان عدد المعدلين اكثر قدم التعديل حكاه
الخطيب
في الكفاية وصاحب المحصول فان كثرة المعدلين تقوي حالهم وقلة الجارحين تضعف
خبرهم قال الخطيب وهذا خطأ ممن توهمه لان المعدلين وان كثروا ليسوا يخبرون عن عدم
ما اخبر به الجارحون ولو اخبروا بذلك لكانت شهادة باطلة على نفي
وثالثهما انه يتعارض الجرح والتعديل فلا يترجح أحدهما
إلا بمرجح حكاه ابن الحاجب كذا فصله العراقي في شرح ألفيته والسيوطي في التدريب
وغيرهما
قلت قد زلت قدم كثير من عصرنا بما تحقق عند المحققين أن
الجرح مقدم على التعديل لغفلتهم عن التقييد والتفصيل توهما منهم أن الجرح مطلقا أي
جرح كان من أي جارح كان في شأن أي راو كان مقدم على التعديل مطلقا أي تعديل كان من
أي معدل كان في شأن أي راو كان وليس الأمر كما ظنوا بل المسألة أي تقدم الجرح على
التعديل مقيدة بان يكون الجرح مفسرا فان الجرح المبهم غير مقبول مطلقا على المذهب
الصحيح فلا يمكن أن يعارض التعديل وان كان مبهما
ويدل عليه أن الاصوليين يذكرون مسألة الجرح المبهم ويرجحون عدم قبول المبهم
ويذكرون بعيدها او قبيلها مسألة تعارض الجرح والتعديل وتقدم الجرح على التعديل فدل
ذلك على أن مرادهم في هذا البحث هو الجرح المفسر دون غير المفسر فان لامعنى لتعارض
غير المقبول ذوي العقول
ويشهد له
قول السيوطي في تدريب الراوي اذا اجتمع فيه أي في الراوي
جرح مفسر وتعديل فالجرح مقدم ولو زاد عدد المعدل هذا هو الاصح عند الفقهاء
والاصولين
وقول الحافظ ابن حجر في نخبة الفكر وشرحه نزهة النظر
الجرح مقدم من التعديل واطلق ذلك جماعة لكن محله التفصيل وهو انه صدر مبينا من
عارف باسبابه لانه ان كان غير مفسر لم يقدح فيمن ثبتت عدالته وان صدر من غير عارف
بالاسباب لم يعتبر به ايضا فان خلا عن التعديل قبل مجملا غير مبين السبب الخ
وقول السندي في شرح شرح نخبة الفكر المسمى امعان النظر
هاهنا مسالتان الاولى اذا اختلف الجرح والتعديل قدم الجرح وقيل ان كان المعدلون
اكثر قدم التعديل وقيل لايرجح
احدهما الا بمرجح الثانية اكثر الحفاظ على قبول التعديل بلا ذكر السبب وعدم
قبول الجرح الا بذكر السبب وقيل بعكسه وقيل لا بد من بيان سببهما واختار المصنف في
كل من المسألتين القول الاول وركب المسألتين فحصل منه تقيد تقديم الجرح على
التعديل اذا كان مفسرا فعلم من كلامه ان الجرح اذا لم يكن مفسرا قدم التعديل انتهى
وقول السخاوي في شرح الالفية ينبغي تقييد الحكم بتقديم الجرح على التعديل بما اذا
فسر اما اذا تعارضا من غير تفسير فانه يقدم التعديل قاله المزي وغيره انتهى
وقول النووي في شرح صحيح مسلم عاب عائبون مسلما بروايته
في صحيحه عن جماعة من الضعفاء ولا عيب عليه في ذلك وجوابه من اوجه ذكرها ابن
الصلاح احدهما ان يكون ذلك في ضعيف عند غيره ثقة عنده ولا يقال الجرح مقدم على
التعديل لان ذلك فيما اذا كان الجرح ثابتا مفسر السبب والا فلا يقبل الجرح اذا لم يكن
كذا انتهى
وقول الحافظ ابن حجر في ديباجة لسان الميزان اذا اختلف
العلماء في جرح رجل وتعديله فالصواب التفصيل فان كان الجرح والحالة هذه مفسرا قبل
والا عمل بالتعديل فاما من جهل ولم يعلم
فيه سوى قول امام من ائمة الحديث انه ضعيف او متروك ونحو ذلك فان القول
قوله ولا نطالبه بتفسير ذلك فوجه قولهم ان الجرح لا يقبل الا مفسرا هو فيمن اختلف
في توثيقه وتجريحه انتهى
فالحاصل ان الذي دلت عليه كلمات الثقاب وشهدت به جمل
الاثبات هو انه ان وجد في شان راو تعديل وجرح مبهمان قدم التعديل وكذا ان وجد
الجرح مبهما والتعديل مفسرا قدم التعديل وتقديم الجرح انما هو اذا كان مفسرا سواء
كان التعديل مبهما او مفسرا فاحفظ هذا فانه ينجيك من المزلة والخطل ويحفظك عن المذلة
والجدل
فائدة
قد يقدم التعديل على الجرح المفسر أيضا لوجوه عارضة تقتضي ذلك كما سيأتي ذكرها
مفصلة في المرصد الرابع إن شاء الله تعالى
ولهذا لم يقبل جرح بعضهم في الإمام ابي حنيفة وشيخه حماد
بن
أبي سليمان وصاحبيه محمد وأبي يوسف وغيرهم من أهل الكوفة بأنهم كانوا من
المرجئة
ولم يقبل جرح النسائي في أبي حنيفة وهو ممن له تعنت
وتشدد في جرح الرجال المذكور في ميزان الاعتدال ضعفه النسائي من قبل حفظه
ولم يقبل جرح الخطيب البغدادي فيه وفي متبعيه بعد قول ابن حجر في الخيرات الحسان نقلا عن ابن عبد البر راس علماء الشأن الذين رووا عن ابي حنيفة وثقوه وأثنوا عليه أكثر من الذين تكلموا فيه والذين تكلموا فيه من أهل الحديث أكثر ما عابوا عليه الإغراق في الرأي والقياس أي وقد مر أن ذلك ليس بعيب وقال الإمام علي بن المديني أبو حنيفة روى عنه الثوري وابن المبارك وحماد بن زيد وهشام ووكيع وعباد بن العوام وجعفر بن عون وهو ثقة لا بأس به وكان شعبة حسن الرأي فيه وقال
يحيى بن معين أصحابنا يفرطن في ابي حنيفة وأصحابه قيل له أكان يكذب قال لا
انتهى
وقد دفعت أكثر ما طعنوا به عليه واجبت عن كثير من
الإيرادات الواردة عليه في مقدمة التعليق الممجد المتعلق بموطأ محمد فعليك
بمطالعته بنظر الإنصاعف لا ببصر الاعتساف
المرصد الثالث
في ذكر الفاظ الجرح والتعديل ومراتبهما ودرجات الفاظهما
قال الذهبي في ديباجة ميزان الاعتدال ولم اتعرض لذكر من
قيل فيه محله الصدق ولا من قيل فيه لا باس به ولا من قيل هو صالح الحديث او يكتب حديثه او هو شيخ فان هذا وشبهه يدل على عدم الضعف المطلق
فاعلى العبارات في الرواة المقبولين
ثبت حجة وثبت حافظ وثقة متقن وثقة ثقة
ثقة
ثم ثقة ثم صدوق ولا باس به وليس به باس
ثم محله الصدق وجيد الحديث وصالح الحديث وشيخ
وسط وشيخ حسن الحديث وصدوق ان شاء الله وصويلح ونحو ذلك
واردأ عبارات الجرح
1 - دجال كذاب او وضاع يضع الحديث
2 - ثم متهم بالكذب ومتفق على تركه
3 - ثم متروك وليس بثقة
وسكتوا عنه وذاهب الحديث وفيه نظر وهالك وساقط
ثم واه بمرة وليس بشيء وضعيف جدا وضعفوه وضعيف وواه ونحو ذلك
وضعيف وواه ونحو ذلك
5 - ثم يضعف وفيه ضعف وقد ضعف ليس بالقوي ليس بحجة ليس
بذاك يعرف وينكر فيه مقال تكلم فيه لين سيء
الحفظ لا يحتج به اختلف فيه صدوق لكنه مبتدع ونحو ذلك
من العبارات التي تدل على اطراح الراوي بالاصالة او على ضعفه او على التوقف فيه او على عدم جواز ان يحتج به انتهى
وفي شرح الالفية للعراقي
مراتب التعديل على اربع او خمس طبقات
فالمرتبة الاولى العليا من الفاظ التعديل ولم يذكرها ابن
ابي حاتم ولا ابن الصلاح هي اذا كرر لفظ التوثيق اما مع تباين اللفظين كقولهم ثبت
حجة او ثبت حافظ او ثقة ثبت او ثقة متقن او نحو ذلك واما مع اعادة اللفظ الاول كقولهم
ثقة ثقة ونحوها
المرتبة الثانية هي التي جعلها ابن ابي حاتم وتبعه ابن الصلاح المرتبة الاولى قال ابن ابي حاتم وجدت الالفاظ في الجرح والتعديل عل مراتب شتى فادا قيل للواحد انه ثقه او متقن فهو ممن يحتج بحديثه قال ابن الصلاح وكذا اذا قيل في العدل انه ضابط او حافظ وقال الخطيب ارفع العبارات ان
يقال حجة او ثقة
المرتبة الثالثة قولهم ليس به بأس اولا باس به او صدوق
او مامون وجعل ابن ابي حاتم وابن الصلاح هذه ثانية وادخلا فيها قولهم محله الصدق
المرتبة الرابعة قولهم محله الصدق او رووا عنه او الى
الصدق ما هو او شيخ وسط او وسط او شيخ او صالح الحديث او
مقارب الحديث بفتح الراء وكسرها او جيد الحديث او حسن الحديث او صويلح ان
شاء الله او ارجو انه ليس به بأس
واقتصر ابن ابي حاتم في الثالثة على قولهم شيخ وقال هو
بالمنزلة التي قبلها يكتب حديثه وينظر فيه الا انه دونها واقتصر
في الرابعة على قولهم صالح الحديث
ثم ذكر ابن الصلاح من الفاظهم على غير ترتيب قولهم فلان
روى عنه الناس فلان وسط فلان مقارب الحديث فلان ما اعلم به بأسا قال وهو دون قولهم
لا بأس به انتهى
وفيها ايضا
مراتب الفاظ التجريح على خمس مراتب وجعلها ابن ابي حاتم
وتبعه ابن الصلاح اربع مراتب
المرتبة الاولى وهي اسوؤها ان يقال فلان كذاب او يكذب او
يضع الحديث او وضاع او وضع حديثا او دجال
وادخل ابن حاتم والخطيب بعض الفاظ المرتبة الثانية في هذه قال ابن أي حاتم
اذا قالوا متروك الحديث او ذاهب الحديث او كذاب فهو ساقط لا يكتب حديثه
المرتبة الثانية فلان متهم بالكذب او الوضع وفلان ساقط
وفلان هالك وفلان ذاهب او ذاهب الحديث او متروك او متروك الحديث
او تركوه او فيه نظر او سكتوا عنه فلان لا يعتبر به او لا يعتبر بحديثه او
ليس بالثقة او ليس بثقة ولا مأمون ونحو ذلك
المرتبة الثالثة فلان رد حديثه او ردوه حديثه او مردود
الحديث وفلان ضعيف جدا وواه بمرة وطرحوا حديثه او مطرح او مطرح الحديث وفلان ارم
به وليس بشئ او لا شئ وفلان لا يساوي شيئا ونحو ذلك
وكل من قيل فيه ذلك من هذه المراتب الثلاث لا يحتج به
ولا يستشهد به ولا يعتبر به
المرتبة الرابعة فلان ضعيف منكر الحديث او حديثه منكر او مظطرب الحديث
وفلان واه وضعفوه وفلان لا يحتج به
المرتبة الخامسة فلان فيه مقال فلان ضعيف او فيه ضعف او
في حديثه ضعف وفلان يعرف وينكر وليس بذاك او بذاك القوي وليس بالمتين وليس بالقوي
وليس بحجة وليس بعمدة وليس بالمرضي وفلان للضعف ما هو وفيه خلف وطعنوا فيه ومطعون
وسيء الحفظ ولين او لين الحديث او فيه لين وتكلموا فيه وكل من ذكر من بعدقولي لا
يساوي شيئا فانه يخرج حديثه للاعتبار انتهى
العدول فان الامان من جرحه بهذا مرتفع عندهم ما فكثيرا ما ردوه عليه بانه
جهل من هو معروف عندهم فقد قال الحافظ ابن حجر في مقدمة فتح الباري الحكم بن
عبدالله البصري قال ابن ابي حاتم عن ابيه مجهول قلت ليس بمجهول من روى عنه اربع
ثقات ووثقه الذهلي انتهى
وقال ايضا عباس القنطري قال ابن ابي حاتم عن ابيه مجهول
قلت ان اراد العين فقد روى عنه البخاري وموسى بن هلال والحسن بن علي المعمري وان
اراد الحال فقد وثقه عبدالله ابن احمد بن حنبل قال سألت ابي فذكره بخير انتهى
وقال السيوطي في تدريب الراوي جهل جماعة من الحفاظ قوما
من الرواة لعدم علمهم بهم وهم قوم معروفون بالعدالة عند غيرهم وانا اسرد ما في
الصحيحين من ذلك
وذكر السخاوي في شرح الالفية والسندي في شرح النخبة في هذا المقام تفصيلا
حسنا وجعلا لكل من الفاظ الجرح والتزكية ست مراتب وبيناها بيانا مستحسنا ومحصله ان
الفاظ التعديل على ست مراتب
1 - ارفععها عند المحدثين الوصف بما دل على المبالغة او
عبر عنه بأفعل كأوثق الناس واضبط الناس واليه المنتهى في التثبيت ويلحق به لا اعرف
له نظيرا في الدنيا
2 - ثم ما يليه كقولهم فلان لا يسأل عنه
3 - ثم ما تأكد بصفة من الصفات الدالة على التوثيق كثقة
ثقة وثبت ثبت واكثر ما وجد فيه قول ابن عيينة حدثنا عمرو بن دينار
وكان ثقة ثقة الى ان قاله تسع مرات ومن هذه المرتبة قول ابن سعد في شعبة ثقة مأمون ثبت حجة صاحب حديث
ثم ما انفرد فيه بصيغة دالة على التوثيق كثقة او ثبت او كأنه مصحف
او حجة او امام او ضابط او حافظ والحجة اقوى من الثقة
والحجة أقوى ن الثقة
ثم قولهم ليس به بأس او لا بأس به عند غير ابن معين على
ما سياتي ذكر اصطلاحه او صدوق او مأمون او خيار الخلق
6 - ثم ما اشعر بالقرب من التجريح وهو ادنى المراتب
كقولهم ليس ببعيد من الصواب او شيخ او يروي حديثه او يعتبر به او
او صالح الحديث او يكتب
حديثه او مقارب الحديث او صويلح او صدوق ان شاء الله وارجو ان لا بأس به ونحو ذلك هذه مراتب التعديل
واما مراتب الجرح فست
الاولى منها ما يدل على المبالغة كأكذب الناس او اليه
المنتهى في الكذب او هو ركن الكذب او منبعه او معدنه ونحو ذلك
الثانية ما هو دون ذلك كالدجال والكذاب والوضاع فانها وان اشتملت على المبالغة لكنها دون الاولى وكذا يضع او يكذب
الثالثة ما يليها كوقولهم فلان يسرق الحديث وفلان متهم بالكذب او الوضع او ساقط او متروك او هالك او ذاهب الحديث او تركوه او لا يعتبر به او بحديثه او ليس بالثقة او غير ثقة
الرابعة ما يليها كقولهم فلان رد حديثه او مردود الحديث او ضعيف جدا او واه
بمرة او طرحوه او مطروح الحديث او مطروح او لا يكتب حديثه او لا تحل كتابة حديثه
او لا تحل الرواية عنه وليس بشئ او لا شيء خلافا لابن معين
ما دونها وهي فلان لا يحتج به او ضعفوه او مظطرب
الحديث او له ما ينكر او له مناكير او منكر الحديث او ضعيف
السادسة وهي اسهلها قولهم فيه مقال او ادنى مقال او ضعف
او ينكر مرة ويعرف اخرى او ليس بذاك او ليس بالقوي
او ليس بالمتين او ليس بحجة او ليس بعمدة او ليس بمأمون او ليس بثقة او ليس بالمرضي او ليس يحمدونه او ليس بالحافظ او غيره اوثق منه او فيه شئ او فيه جهالة او لا ادري ما هو او
ضعفوه او فيه ضعف او سئ الحفظ او لين الحديث او فيه لين عند غير الدارقطني فانه قال اذا قلت لين لا يكون ساقطا متروك
الاعتبار ولكن مجروحا بشئ لا يسقط به عن العدالة
ومنه قولهم تكلموا فيه نظر عند غير البخاري فانه سيجيء
اصطلاحه
هذا وليطلب تفصيل احكام هذه المراتب وما وما يتعلق بها من الكتب المبسوطة في اصول الحديث
المرصد الرابع
في فوائد متفرقة متعلقة بالمباحث المتقدمة مفيدة لمن يستفيد من كتب اسماء
الرجال ويريد تنقيد الاسانيد بدرك مراتب الرجال وجمعها من خواص هذا الكتاب فلينتفع بها اولوا الالباب
ايقاظ 4
من المفارقة بين قولهم حديث صحيح الاسناد او حسن الاسناد وقولهم حديث صحيح او
حسن
قولهم هذا حديث صحيح الإسناد أو حسن الإسناد دون قولهم
هذا حديث صحيح او حسن لانه قد يقال هذا حديث صحيح الاسناد ولا يصح الحديث لكونه
شاذ او
معلالا
غير ان المصنف المعتمد منهم اذا اقتصر على قوله صحيح
الاسناد ولم يذكر له علة قدحة وام يقدح فيه فالظاهر مه الحكم بانه صحيح في نفسه
لان عدم العلة والقادح هو الاصل والظاهر كذا ذكره ابن الصلاح في مقدمته
وقال الزين العراقي في شرح الفيته وكذلك ان اقتصر من قوله حسن الاسناد ولم يعقبه بضعف فهو ايضا محكوم له بالحسن
ايقاظ 5
في مدى الحكم على الحديث بالصحة او الحسن او الضعف
حيث قال اهل الحديث هذا حديث صحيح او حسن فمرداهم فيما ظهر لنا عملا بظاهر الاسناد
لا انه مقطوع بصحته في نفس الامر لجواز الخطأ والنسيان على الثقة
وكذا قولهم هذا حديث ضعيف فمرداهم انه لم تظهر لنا فيه
شروط الصحة لا انه كذب في نفس الامر لجواز صدق الكاذب واصابة من هو كثير الخطأ هذا
هو القول الصحيح الذي عليه اكثر
اهل العلم كذا في شرح الالفية للعراقي وغيره
ايقاظ 6
في ان نفي الصحة والثبوت لا يلزم منه الحكم بالضعف او الوضع
كثيرا ما يقولون لا يصح ولا يثبت هذا الحديث ويظن منه من لا علم له انه موضوع او ضعيف وهو مبني على جهلة بمصطلحاتهم وعدم وقوفه على مصرحاتهم فقد قال علي القاري في تذكرة الموضوعات لا يلزم من عدم الثبوت وجود الوضع انتهى وقال في موضع اخر لا يلزم من عدم صحته وضعه انتهى
وقال الحافظ ابن حجر في تخريج احاديث الاذكار المسمى بنتائج الافكار ثبت عن احمد بن حنبل انه قال لا اعلم في التسمية أي في الوضوء حديثا ثابتا قلت لا يلزم من النفي العلم ثبوت العدم وعلى التنزل لا يلزم من نفي الثبوت ثبوت الضعف لاحتمال ان يراد بالثبوت
الصحة فلا ينتفي الحسن وعلى التنزل لا يلزم من نفي الثبوت عن كل فرد نفيه
عن المجموع انتهى
وقال نور الدين السمهوديفي في جواهر العقدين في فضل
الشرفين قلت لا يلزم من قول احمد في حديث التوسعة على العيال يوم عاشوراء لا يصح
ان يكون باطلا فقد يكون غير صحيح وهو صالح للاحتجاج به اذ الحسن رتبه بين الصحيح
والضعيف انتهى
وقال الزركشي في نكته على ابن صلاح بين قولنا موضوع وبين
قولنا لا يصح بون كثير فان الاول اثبات الكذب والاختلاق
والثاني اخبار عن عدم الثبوت ولا يلزم منه اثبات العدم وهذا يجيء في كل
حديث قال فيه قال فيه ابن الجوزي لا يصح ونحوه انتهى وقال ايضا لا يلزم منه ان
يكون موضوعا فان الثابت يشمل الصحيح والضعيف دونه
وقال الجاحظ ابن حجر في اقول المسدد في الذب عن مسند
احمد في بحث حديث عموم مغفرة الحجاج لا يلزم من كون الحديث لم يصح ان يكون موضوعا
انتهى
وقال على القاري في تذكرة الموضوعات تحت حديث من طاف
بهذا البيت اسبوعا مع ان قول السخاوي لا يصح لا ينافي الضعف والحسن انتهى
وقال محمد بن عبد الباقي الزرقاني في شرح المواهب اللدنية للقسطلاني عند
ذكر حديث يطلع الله ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه الا لمشترك او مشاحن
ونقل القسطلاني عن ابن رجب ان ابن حبن صححه فيه رد على قول ابن دحية لم يصح في
ليلة نصف شعبان شيء الا ان يريد نفي الصحة الاصطلاحية فان حديث معاذ هذا حسن لا
صحيح انتهى
وفي المقام ابحاث ذكرناها في تعليقات رسالتنا تحفة
الطلبة في مسح الرقبة المسماة بتحفة الكملة على حواشي تحفة الطلبة فعليك بمطالعتها
فانها مفيدة للطلبة
ايقاظ - 7
-
في الفرق بين قولهم حديث منكر ومنكر الحديث ويروي المناكير
بين قولهم هذا حديث منكر وبين قولهم هذا اراوي منكر
الحديث وبين قولهم يروي المناكير فرق ومن يطلع عليه زل واضل وابتلى بالغرق
ولا تظنن من قولهم هذا حديث منكر ان راوية غير ثقة
فكثيرا ما يطلقون النكارة على مجرد التفرد وان اصطلح المتأخرون على ان النكر هو
الحديث الذي رواه ضعيف مخالفا لثقة واما اذا خالف الثقة غيره من الثقات فهو شاذ
وكذا لا تظنن من قولهم فلان روى المناكير او حديثه هذا
منكر
ونحو ذلك انه ضعيف
قال الزين العراقي في تخريج احاديث احياء العلوم كثيرا
ما يطلقون المنكر على الراوي لكونه روى حديثا واحدا انتهى
وقال السخاوي في فتح المغيث وقد يطلق ذلك على الثقة اذا
روى المناكير عن الضعفاء قال الحاكم قلت للدارقطني فسليمان ابن بنت شرحبيل قال ثقة
قلت اليس عنده مناكير قال يحدث بها عن قوم ضعفاء اما هو فثقة انتهى
وقال الذهبي في ميزان الاعتدال في ترجمة عبدالله بن
معاوية الزبيري قولهم منكر الحديث لا يعنون به ان كل ما رواه منكر بل اذا روى
الرجل جملة وبعض ذلك مناكير فهو منكر الحديث وقال ايضا في ترجمة احمد بن عتاب
المروزي قال احمد ابن سعيد بن معدان شيخ صالح روى الفضائل والمناكير قلت ما كل من
روى المناكير يضعف انتهى
وقال الحافظ ابن حجر في مقدمة فتح الباري عند ذكر محمد
بن
ابراهيم التيمي وتوثيقه مع قول احمد فيه يروي احاديث مناكير قلت المنكر اطلقه احمد بن حنبل وجماعة على الحديث الفرد الذي لا متابع له فيحمل هذا على ذلك وقد احتج به الجماعة انتهى وقال أيضا عند ذكر ترجمة بريد بن عبد الله احمد وغيره يطلقون المناكير على الأفراد المطلقة انتهى
وقال أبو المحاسن الشيخ قائم بن صالح السندي ثم المدني في رسالته فوز
الكرام بما تبث في وضع اليدين تحت السرة او فوقها تحت الصدر عن الشفيع المظلل
بالغمام بعد ذكر تعريف الشاذ والمنكر فاذا احطت علما بهذا علمت ان قول من قال في
احد هم منكر الحدبث جرح مجرد اذ حاصله انه ضعيف خالف الثقات ولا ريب ان قولهم هذا
ضعيف جرح مجرد فيمكن ان يكون ضعفه عند الجارح بما لا يراه المجتهدالعامل بروايته
جرحا
فان قيل ان الانكار جرح مفسر كما صرح به الحفاظ اجيب بان
معنى منكر الحديث كما سمعت ضعيف خالف الثقة والاسباب الحاملة للائمة على الجرح
متفاوتة منها ما يقدح ومنها لا يقدح فربما ضعف بشيء لا يراه الاخر جرحا ومع قطع
النظر عن هذا
التحقيق لا تضر النكارة الا عند كثرة المخالفة للثقات انتهى
وقال ايضا من ضعفه يعني عبدالرحمن بن الواسطي رواه حديث
وضع اليد تحت السرة المخرج في سشن لبو داود انما ضعفه لانه خالف في بعض المواضع
الثقات وتفرد في بعضها بالروايات وهو لا يضر وانما تضر كثرة المناكير وكثرة مخالفة
الثقات ولم تثبت انتهى
وقال الحافظ ابن حجر في مقدمة فتح الباري في ترجمة ثابت
بن عجلان الانصاري قال العقيلي لا يتابع على حديثه وتعقب ذلك أبو الحسن ابن القطان
بان ذلك لا يضره الا اذا كثرت منه رواية المناكير ومخالفة الثقاب وهو كما قال انتهى
وقال السيوطي في تدريب الراوي شرح تقريب النواوي وقع في
عبارتهم انكر ما رواه فلان كذا وان لم يكن ذلك الحديث ضعيفا قال ابن عدي انكر ما
روى بريد بن عبدالله بن ابي بردة اذا اراد الله بامة خيرا قبض نبيها قبلها قال
وهذا طريق حسن رولته
ثقات وقد ادخله قوم في صحاحهم انتهى
وقال ايضا قال الذهبي انكر ما للوليد مسلم من الاحاديث حديث حفظ القران وهو عند الترمذي وحسنه وصححه الحاكم على شرط الشيخين انتهى
وقال الذهبي في ميزانه عند ترجمة ابان بن جبلة الكوفي وترجمة سليمان بن داود اليمامي ان البخاري قال كل من قلت فيه منكر الحديث فلا تحل الرواية عنه انتهى
قلت فعليك يا من ينتفع من ميزان الاعتدال وغيره من كتب اسماء الرجال الا
تغتر بلفظ الانكار الذي تجده منقولا من اهل النقد في الاسفار بل يجب عليك
ان تثبت وتفهم ان المنكر اذا اطلقه البخاري على الراوي
فهو ممن لا تحل الرواية عنه واما اذا اطلقه احمد ومن يحذو حذوه فلا يلزم ان يكون
الراوي ممن لا يحتج به
وان تفرق بين روى المناكير او يروي المناكير او في حديثه
نكارة ونحو ذلك وبين قولهم منكر الحديث ونحو ذلك بان العبارات الاولى لا تقدح
الراوي قدحا يعتد به والاخرى تجرحه جرحا معتدا به
والا تبادر بحكم ضعف الراوي بوجود انكر ما روى في حق روايته في الكامل
والميزان ونحوهما فانهم يطلقون هذا اللفظ على الحديث الحسن والصحيح ايضا بمجرد
تفرد راويتها
وان تفرق بين قول القدماء هذا حديث منكر وبين قول
المتأخرين هذا حديث منكر فان القدماء كثيرا ما يطلقونه على مجرد ما تفرد به راويه
وان كان من الاثبات والمتاخرين يطلقونه على رواية راو ضعيف خالف الثقات
وقد زل قدم من احتج على ضعف حديث من زار قبري وجبت له
شفاعتي بقول الذهبي في ميزانه في ترجمة موسى بن هلال احد راوته وانكر ما عنده
حديثه عن عبدالله بن عمر عن نافع عن ابن عمر من زار قبري وجبت له شفاعتي رواه ابن خزيمة
عن محمد بن اسماعيل الاحمسي عنه انتهى
وان شئت زيادة التفصيل في هذا البحث الجليل فارجع الى
رسائلي في بحث زيادة القبر اتلنبوي احداها الكلام المبرم في نقض القول المحقق
المحكم وثانيتها الكلام المبرور في رد القول
المنصور وثالثتها السعي المشكور في رد المذهب المأثور الفتها ردا على رسائل من حج ولم يزر قبر النبي العربي صلى الله عليه و سلم في كل بكرة وعشي
ايقاظ 8
في بيان مراد ابن معين من قوله في الراوي ليس بشيء
كثيرا ما تجد في ميزان الاعتدال وغيره في حق الرواة نقلا عن يحيى بن معين انه ليس بشيء فلا تغتر به ولا تظنن ان ذلك الراوي مجروح بجرح قوي فقد قال الحافظ ابن حجر في مقدمة فتح الباري في ترجمة عبدالعزيز بن المختار البصري ذكر ابن القطان الفاسي ان مراد ابن معين من قوله ليس بشيء يعني ان احاديثه قليلة انتهى
وقال السخاوي في فتح المغيث قال ابن القطان ان ابن المعين اذا قال في الراوي ليس بشيء انه يريد انه لم يرو حديثا كثيرا
ايقاظ 9
في بيان مراد بن معين من قوله في الراوي لا باس به او ليس به باس
كثيرا ما تجد في الميزان وغيره نقلا عن ابن معين في حق الرواة لا باس به فلعلك
تظن منه انه ادون من ثقة كما هو مقرر عند المتاخرين وليس كذلك فانه عنده كثقة قال
البدر بن جماعة في مختصره قال ابن معين اذا قلت لا باس فهو ثقة وهذا خبر عن نفسه
انتهى
وفي مقدمة ابن الصلاح قال ابن ابي خيثمة قلت ليحيى بن
معيني انك تقول فلان ليس به باس وفلان ضعيف قال اذا قلت لك ليس به باس فثقة
واذا قلت لك ضعيف فهو ليس بثقة لا تكتب حديثه
وفي مقدمة فتح الباري يونس البصري قال ابن الجنيد عن ابن
معين ليس به باس وهذا توثيق من ابن معين انتهى
وفي فتح المغيث ونحوه قول ابي زرعة الدمشقي قلت لعبدالرحمن بن ابراهيم دحيم يعني الذي كان في اهل الشام كأبي حاتم في اهل المشرق ما تقول في علي بن حوشب الفزاري قال قال لا باس به قال فقلت ولم لا تقول انه ثقة ولا تعلم الا خيرا قال قد قلت لك انه ثقة انتهى
ايقاظ 10
في بيان مراد احمد من قوله في الراوي هو كذا وكذا
قال الذهبي في ميزانه في ترجمة يونس بن ابي اسحاق عمرو
السبيعي قال عبدالله بن احمد سألت ابي عن يونس بن ابي اسحاق قال كذا وكذا قلت هذه العبارة يستعملها عبدالله بن احمد كثيرا فيما يجيبه به والده وهي بالاستقراء كناية عمن فيه لين انتهى
ايقاظ 11
في بيان مراد ابن معين من قوله في الراوي يكتب حديثه
معنى قول ابن معين في حق الرواة يكتب حديثه انه من جملة الضعفاء كذا ذكره
الذهبي نقلا عن ابن عدي في ترجمة ابراهيم بن هارون الصنعاني
ايقاظ 12
في بيان خطة الذهبي في الميزان اذ يقول في الراوي مجهول
قال الذهبي في ترجمة ابان بن حاتم الاملوكي في ميزانه
اعلم ان كل من اقول فيه مجهول ولا اسنده الى قائله فان ذلك هو قول ابي حاتم وسيأتي
من ذلك شيء كثير فاعلمه
فان عزوته الى قائله كأبن المديني وابن معين فذلك بين ظاهر
وان قلت فيه جهالة او نكره او يجهل او لا يعرف وامثال ذلك ولم اعزه الى
قائل فهو من قبلي وكما وكما اذا قلت ثقة او صدوق او صالح او لين او نحوه ولم اضفه
الى قائل فهو من قولي واجتهادي انتهى
وقال ايضا في ترجمة اسحاق بن سعد بن عبادة لا اذكر في
كتابي هذا كل ما يعرف بل ذكرت منه خلقا واستوعبت من قال فيه أبو حاتم مجهول انتهى
ايقاظ 13
في بيان الفرق بين قول اكثر المحدثين وقول ابي حاتم في الراوي مجهول
فرق بين قول اكثر المحدثين في حق الراوي انه مجهول وبين قول ابي حاتم انه مجهول فانهم يريدون به غالبا جهالة العين بالا يروي عنه الا واحد وأبو حاتم يريد به جهالة الوصف فافهمه
واحفظه لئلا نحكم على كل من وجدت في الميزان اطلاق المجهول عليه انه مجهول العين
ثم ان جهالة العين ترتفع برواية اثنين عنه دون جهالة الوصف هذا عند الاكثر وعند الدارقطني جهالة الوصف ايضا ترتفع بها ومن ثم لم يقبل قول ابي حاتم في حق موسى بن هلال العبدي احد رواة
حديث من زار قبري وجبت له شفاعتي انه مجهول لثبوت روايات الثقات عنه قال الخطيب البغدادي في الكفاية المجهول عند اهل الحديث هو كل من لم يشتهر بطلب العلم في نفسه ولا عرفه العلماء
به ومن لم يعرف حديثه الا من جهة راو واحد مثل عمروذي مر وجبار الطائي
وعبدالله بن اعز الهمداني وسعيد بن ذي حدان وهؤلاء كلهم لم يرو عنهم غير أي اسحاق
السبيعي وروينا عن محمد بن يحيى الدهلي قال اذا روى عن المحدث رجلان ارتفع عنه اسم
الجهالة انتهى
وقال ايضا اقل ما ترتفع به الجهالة ان يروي عنه اثنان
فصاعدا من اتلمشهوبرين بالعلم الا انه لا يثبت له حكم العدالة بروايتهما عنه انتهى
وقال السخاوي في فتح المغيث قال الدارقطنثي من روى عنه
ثقتان فقد ارتفعت جهالته وثبتت عدالته انتهى
وقال ابن عبدالبر في الاستذكار شرح الموطأ في باب ترك الوضوء مما مسته
النار من روى عنه ثلاثة وقيل اثنان وليس بمجهول انتهى
وقال تقي الدين السبكي في شفاء السقام في زيارة خير
الانام اما قول ابي حاتم الرازي فيه أي في موسى بن هلال انه مجهول فلا يضره
فانه اما ان يريد به جهالة الوصف
فان اراد جهالة العين وهو غالب اصطلاح اهل الشأن في هذا
الاطلاق فذلك مرتفع عنه لانه روى عنه احمد بن حنبل ومحمد ابن جابر المحاربي ومحمد
بن اسماعيل الاحمسي وأبو امية محمد بن ابراهيم الطرسوسي وعبيد بن محمد الوراق والفضل
بن سهل وجعفر بن محمد البزوري وبرواية اثنين تنتفي جهالة العين فكيف برواية سبعة
وان اراد جهالة الوصف فرواية احمد عمه ترتفع من شأنه لا
سيما مع ما قال ابن عدي فيه
وفي فتح المغيث على ان قول ابي حاتم في الرجل انه مجهول لا يريد به انه لم يروي عنه سوى واحد بدليل انه قال في داود ابن يزيد الثقفي انه مجهول مع انه قد روى عنه جماعة ولذا قال الذهبي عقبه هذا القول يوضح لك ان الرجل قد يكون مجهولا عند ابي حاتم ولو روى عنه جمتعة ثقات يعني انه مجهول الحال انتهى
ايقاظ 14
في مدى قبول قول ابي حاتم في الراوي مجهول
لا تغترر بقول أبي حاتم في كثير من الرواة على ما يجده من يطالع الميزان وغيره انه مجهول ما لم يوافقه غيره من النقاد
احمد بن عاصم البلخي جهله أبو حاتم ووثقه ابن حيان وقال روى عنه اهل بلده
ابراهيم بن عبدالرحمن المخزومي جهله ابن القطان وعرفه
غيره فوثقه ابن حبان
اسامة بن حفص المديني جهله أبو القاسم اللالكائي وقال
الذهبي ليس بمجهول روى عنه اربعة
اسباط أبو اليسع جهله أبو حاتم وعرفه البخاري
بيان بن عمرو جهله أبو حاتم ووثقه ابن المديني وابن حبان
وابن عدي وروى عنه البخاري وأبو زرعة وغبيد الله بن واصل
الحسين بن الحسن بن يسار جهله أبو حلتم ووثقه احمد وغيره
الحكم بن عبدالله البصري جهله أبو حاتم ووثقه الذهلي
وروى عنه اربع ثقات
عباس القنطري جهله أبو حاتم ووثقه احمد وابنه
محمد بن الحكم المروزي جهله أبو حاتم ووثقه ابن حيان
ايقاظ 15
في بيان مدلول قول ابن القطان في الراوي لا يعرف له حال او لم تثبت
عدالته
كثيرا ما تطلع في ميزان الاعتدال نقلا عن ابن القطان في
حق
بعض الرواة لا يعرف له حال او لم تثبت عدالته والمراد به أبو الحسن علي بن
محمد بن عبدالملك الفاسي والمشهور بابن القطان المتوفى سنة ثمان وعشرين وست مئة
مؤلف كتاب الوهم والايهام
فلعلك تظن منه ان ذلك الراوي مشغول او غير ثقة وليس كذلك
فان لابن القطان في اطلاق هذه الالفاظ اصطلاحا لم يوافقه غيره فقد قال الذهبي في
ميزانه في ترجمة حفص بن بغيل قال ابن القطان لا يعرف له حال
قلت لم اذكر هذا النوع في كتابي هذا لان ابن القطان يتكلم في كل من لم يقل
فيه امام عاصر ذلك الرجل او اخذ عمن عاصره ما يدل على عدالته وفي الصحيحين من هذا
النمط كثيرون ما ضعفهم احد ولا هم بمجاهيل انتهى
وقال ايضا في ترجمة مالك المصري قال ابن القطان هو ممن
لم تثبت عدالته يريد انه ما نص على احد على انه ثقة وفي رواة الصحيحين عدد كثير ما
علمنا ان احدا وثقهم والجمهور على
ان من كان من المشايخ قد روى عنه جماعة ولم يأتي بما ينكر علبه ان حديثه صحيح انتهى
ايقاظ 16
في مدلول قولهم في الراوي تركه يحيى القطان
ذكر في الميزان وتهذيب التهذيب وغيرهما م كتب اسماء الرجال في حق كثير من الرواة
تركه يحيى القطان فاعرف ان مجرد تركه لا يخرج الراوي من حيز الاحتجاج به مطلقا
والذي يدل على عليه قول الترمذي في كتاب العلل من اخر
كتابه الجامع قال علي بن المديني لم يرو يحيى عن شريك ولا عن
ابي بكر بن عياش ولا عن الربيع بن صبيح ولا عن المبارك بن فضالة
قال أبو عيسى أي الترمذي ولن كان يحيى ترك الرواية عن
هؤلاء فلم يترك فلم يترك الرواية عنهم لانه اتهمهم بالكذب ولكنه تركهم لحال حفظهم
وذكر عن يحيى بن سعيد القطان انه كان اذا رأى اتلرجل يحدث عن حفظه مرة هكذا ومرة هكذا
ولا يثبت على رواية واحدة تركه انتهى
ايقاظ 17
في مدلول قولهم في الراوي ليس مثل فلان
كثيرا ما يقول ائمة الجرح والتعديل في حق راو انه ليس مثل فلان كقول احمد في
عبدالله بن عمر العمري انه ليس مثل اخيه أي عبيدالله بن عمر العمري او ان غيره احب
الي ونحو ذلك وهذا كله ليس بجرح
قال الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب في ترجمة ازهر بن
سعد السمان حكى العقيلي في الضعفاء ان الامام احمد
قال ان ابي عدي احب الي من ازهر قلت هذا ليس بجرح يوجب ادخاله في الضعفاء انتهى
ايقاظ 18
في توجيه صدور الجرح والتعديل من الناقد الواحد في الراوي نفسه
كثيرا ما تجد الاختلاف عن ابن معين وغيره من ائمة النقد في حق راو وهو قد يكون
لتغير الاجتهاد وقد يكون لاختلاف كيفية السؤال
قال الحافظ ابن حجر في بذل الماعون في فضل الطاعون وقد
وثقه أي ابا بلج يحيى بن معين والنسائي ومحمد بن سعد
والدارقطني ونقل ابن الجوزي عن ابن معين انه ضعفه فان ثبت ذلك يكون سئل عنه
وعمن فوقه فضعفه بالنسبة اليه وهذه قاعدة جليلة فيمن اختلف النقل عن ابن معين فيه
نبه عليها أبو الوليد الباجي في كتابه رجال البخاري انتهى
وقال تلميذه السخاوي في فتح المغيث مما ينبه عليه انه
ينبغي ان تتامل اقوال المزكين ومخارجها فيقولون فلان ثقة او ضعيف ولا يريدون به
انه ممن يحتج بحديثه ولا ممن يرد وانما ذلك بالنسبة لمن قرن معه على وفق ما وجه الى
القائل من الؤال وامثلة ذلك كثيرة لا نطيل بها
منها ما قال عثمان الدرامي سالت ابن معين عن العلاء بن عبد الرحمن عن عن
ابيه كيف حديثهما فقال ليس به بأس فقلت هو احب اليك او سعيد المقبري قال سعيد اوثق
والعلاء ضعيف
فهذا لم يرد به ابن معين ان العلاء ضعيف مطلقا بدليل انه
قال لا باس به وانما اراد انه ضعيف بالنسبة لسعيد المقبري
وعلى هذا يحمل اكثر ما ورد من الاختلاف في كلام ائمة
الجرح والتعديل ممن وثق رجلا في وقت وجرحه في وقت فينبغي لهذا حكاية اقوال اهل الجرح
والتعديل ليتبين ما لعله خفي على كثير من الناس وقد يكون الاختلاف للتغير في الاجتهاد
انتهى
ايقاظ 19
في لزوم التروي والنظر في قبول جرحهم للراوي
يجب عليك ان لاتبادر الى الحكم بجرح الراوي بوجود حكمه من بعض اهل الجرح والتعديل بل يلزم عليك ان تنقحالامر فيه فان
الامر ذو خطر وتهويل ولا يحل لك ان تاخذ بقول كل جارح في أي راو كان وان كان ذلك الجارح من الائمة او من مشهوري علماء الامة فكثيرا ما يوجد امر يكون مانعا من قبول جرحه وحينئذ يحكم برد جرحه وله صور كثيرة لا تخفى على مهرة كتب الشريعة
فمنها ان يكون الجارح في نفسه مجروحا فحينئذ لا يبادر الى قبول جرحه وكذا تعديله ما لم يوافقه غيره
وهذا كما قال الذهبي
في ميزانه في ترجمة ابان بن اسحاق المدني بعد ما نقل عن ابي الفتح الازدي متروك قلت لا يترك فقد وثقه احمد العجلي وأبو الففتح يسرف في الجرح وله مصنف كبير الى الغاية في المجروحين جمع فأوعى وجرح خلقا بنفسه لم يسبقه احد الى
التكلم فيهم وهو متكلم فيه وساذكره في المحمدين
ثم ذكر في باب الميم محمد بن الحسين أبو الفتح ابن يزيد
الازدي الموصلي الحافظ حدث عن ابي يعلى الموصلي والباغندي وطبقتهما وجمع وصنف وله
كتاب كبير في الجرح والضعفاء عليه مؤخذات حدث عنه أبو اسحاق البرمكي وجماعة ضعفه
البرقاني وقال أبو النجيب عبدالغفار الارموي رايت اهل الموصل يوهنون ابا الفتح ولا
بعدونه شيئا وقال الخطيب في حديثه مناكير وكان حافظا الف في علوم الحديث قلت مات
سنة اربع وسبعين وثلثمائة انتهى
وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب في ترجمة احمد بن شبيب
الحبطي البصري بعدما نقل عن الازدي فيه غير مرضي قلت لم يلتفت احد الى هذا القول بل الازدي غير مرضي انتهى
ومنها ان يكون الجارح من المتعنتين المشددين فان هناك جمعا من ائمة الجرح والتعديل لهم تشدد في هذا الباب فيجرحون الراوي بادنى جرح ويطلقون عليه ما لا ينبغي اطلاقه عند اولي الالباب فمثل
هذا الجارح توثيقه معتبر وجرحه لا يعتبر الا اذا وافقه غيره ممن ينصف
ويعتبر
فمنهم أبو حاتم والنسائي وابن معين وابن القطان ويحيى
القطان وابن حبان وغيرهم فانهم معروفون بالاسراف في الجرح والتعنت فيه فليثبت
العاقل في الرواة الذين تفردوا بجرحهم وليتفكر فيه
قال الذهبي في ميزانه في ترجمة سفيان بن عيينه يحيى بن
سعيد القطان متعنت في الرجال وقال ايضا في ترجمة سيف ابن سليمان المكي حدث يحيى
القطان مع تعنته عن سيف انتهى
وقال ايضا في ترجمة سويد بن عمرو الكلبي بعد نقل توثيقه
عن ابن معين وغيرهم اما ابن حبان فاسرف واجترأ فقال كان يقلب الاسانيد ويضع على الاسانيد
الصحيحة المتون الواهية انتهى
وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب في ترجمة الحارث بن عبدالله الهمداني الاعور
حديث الحارث في السنن الاربعة والنسائي مع تعنته في الرجال فقد احتج به وقوى امره
انتهى
وقال الذهبي في ميزانه في ترجمة عثمان بن عبدالرحمن
الطرائفي وام ابن حبان فانه تقعقع كعادته فقال فيه يروي عن الضعفاء اشياء ويدلسها
عن الثقات حتى اذا سمعها المستمع لم يشك في وضعها فلما كثر ذلك في اخباره الزقت به
تلك الموضعات وحمل الناسعليه في الجرح فلا يجوز عندي
الاحتجاج برواياته بحال انتهى
وقال ابن حجر في القول المسدد في الذب عن مسند احمد ابن
حبان ربما جرح الثقة حتى كأنه لا يدري ما خرج من راسه ونحوه قال الذهبي في ترجمة
افلح بن سعيد المدني
وقال التقي السبكي في شفاء السقام واما قول ابن حبان في
النعمان انه يأتي عن الثقات بالطامات فهو مثل قول الدارقطني
الا انه يبالغ في الانكار انتهى
وقال الذهبي في ميزانه في ترجمة محمد بن الفضل السدوسي
عارم شيخ البخاري بعد ذكر توثيقه نقلا عن الدارقطني قلت فهذا قول حافظ العصر الذي
لم يأت بعد النسائي مثله فاين هذا القول من قول ابن حبان الخساف المتهور في عارم فقال
اختلط
في اخر عمره وتغير حتى لا يكان لا يدري ما يحدث به فوقع في حديثه المناكير
الكثيرة فيجب التنكب عن حديثه فيما رواه المتاخرون فاذا لم يعرف هذا من هذا ترك
الكل ولا يحتج بشيء منها قلت ولم يقدر ابن حبان ان يسوق له حديثا منكرا فاين ما
زعم انتهى
وقال ابن حجر في بذل الماعون في فضل الطاعون يكفي في
تقويته أي ابي بلج يحيى الكوفي توثيق النسائي وابن حاتم مع تشددهما وقال أيضا في
مقدمة فتح الباري في ترجمة
محمد بن ابي عدي البصري أبو حاتم عنده انتهى عنت
وقال الذهبي في تذكرة الحافظ في ترجمة ابن القطان الذي
اكثر عنه النقل في ميزانه وهو أبو الحسن علي بن محمد بعد ما حكى مدحه قلت طالعت
كتابه المسمى بالوهم والايهام الذي وضعه على الاحكام الكبرى لعبد الحق يدل على
حفظه وقوة فهمه لكنه تعنت في احوال الرجال فما انصف بحيث انه اخذ يلين هشام ابن عروة
ونحوه انتهى
وقال الذهبي في ميزانه في ترجمة هشام بن عروة بعد ذكر
توثيقه لا عبرة بما قاله أبو الحسن ابن القطان من انه وسهيل بن ابي صالح اختلطا
وتغيرا نعم الرجال تغير قليلا ولم يبق حفظه كهو في حال
الشباب فنسي بعض محفوظه او وهم فكان ماذا اهو معصوم من النسيان
ولما قدم العراق في اخر عمره حدث بجملة كثيرة من العلم
في غضون ذلك يسير احاديث لم يجودها ومثل هذا يقع لمالك ولشعبة ولوكيع والكبار
الثقات فدع عنك الخبط وذر خلط الائمة الاثبات بالضعفاء والمخلطين فهو شيخ الاسلام ولكن
احسن الله عزاءنا فيك يا ابن القطان انتهى
وقال السخاوي في فتح المغيث قسم الذهبي من كلم في الرجال اقساما
فقسم تكلموا في سائر الرواة كابن معين وابي حاتم
وقسم تكلموا في كثير من الرواة كمالك وشعبة
وقسم تكلموا في الرجل بعد الرجل كابن عيينه والشافعي قال
والكل على ثلاثة اقسام ايضا
قسم منهم متعنت في الجرح متثبت في التعديل يغمز الراوي
بالغلطتين والثلاث فهذا اذا وثق شخصيا فعض على قوله بنواجذك وتمسك بتوثيقه واذا
ضعف رجلا فانظر هل وافقه غيره على تضعيفه فان وافقه ولم يوثق ذلك الرجل احد من الحذاق
فهو ضعيف
وان وثقه احد فهذا هو الذي قالوا فيه لا يقبل فيه الجرح الا مفسرا يعني لا
يكفي فيه قول ابن معين مثلا ضعيف ولم يبين سبب ضعفه ثم يجيء البخاري وغيره يوثقه
ومثل هذا يختلف في تصحيح حديثه وتضعيفه ومن ثم قال
الذهبي وهو من اهل الاستقراء التام في نقد الرجال لم يجتمع اثنان من
علماء هذا الشان قط على توثيق ضعيف ولا على تضعيف ثقة
ولهذا كان مذهب النسائي الا ان يترك حديث الرجل حتى يجتمع الجميع على تركه
وقسم منهم متسمح كالترمذي والحاكم
قلت وكابن حزم فانه قال في كل من
وقال ايضا في ترجمة البخاري في كتابه سير النبلاء قال
ابي عيسى الترمذي وابي القاسم البغوي
واسماعيل بن محمد الصفار وابي العباس الاصم
وغيرهم من المشهورين انه مجهول
وقسم معتدل كاحمد والدارقطني وابن عدي وقال السيوطي في زهر الربى على
المجتبي قال ابن الصلاح حكى أبو عبدالله ابن منده انه سمع محمد بن سعد الباوردي
بمصر يقول كان مذهب النسائي ان يخرج عن كل من لم يجمع على تركه قال الحافظ أبو
الفضل العراقي هذا مذهب متسع
قال الجاحظ ابن حجر في نكتة على ابن الصلاح ما حكاه عن
الباوردي اراد بذلك اجماعا خاصا
وذلك ان كل طبقة من نقاد الرجال لا تخلو من متشدد ومتوسط
فمن الاولى شعبة وسفيان الثوري وشعبة اشد منه
ومن الثانية يحيى القطان وعبدالرحمن بن مهدي ويحيى اشد
منه
ومن الثالثة يحيى بن معين واحمد بن حنبل ويحيى اشد من احمد
ومن الرابعه أبو حاتم والبخاري وأبو حاتم اشد من البخاري
فقال النسائي لا يترك الرجل عندي حتى يجتمع الجميع على تركه فاما اذا وثقه ابن
مهدي وضعفه يحيى القطان مثلا فلا يترك لما عرف من تشديد يحيى ومن هو مثله في النقد
قال الحافظ واذا تقرر ذلك ظهر ان الذي يتبادر الى الذهن
من ان مذهب النسائي متسع ليس كذلك فكم من رجل اخرج له أبو داود والترمذي وتجنب النسائي
اخراج حدجيثه بل تجنب اخراج حديث جماعة من رجال الصحيحين انتهى
واعلم ان من النقاد من له تعنت في جرح اهل بعض البلاد او بعض المذاهب لا في
جرح الكل فحينئذ ينقح الامر في ذلك الجرح
فمن ذلك قول ابن حجر في تهذيب الجوزجاني لا
عبرة بحطه على الكوفيين انتهى كلامه في ترجمة ابان بن تغلب
الربعي الكوفي ومن ذلك جرح الذهبي في ميزانه وسير النبلاء وغيرهما من تاليفاته في كثير من الصوفية واولياء الامة فلا تعتبر به ما لم تجد غيره من متوسطي الاجلة ومنصفي الائمة موافقا له وذلك لما علم من عادة الذهبي بسبب تقشفه وغاية ورعه واحتياطه وتجرده عن اشعة
انوار التصوف والعلم الوهبي الطعن على اكابر الصوفيه الصافية وضيق العطن في مدح هذه الطائفة الناجية كما لا يخفى على احد من طالع كتبه
وقد صرح بهذا المؤرخ عبدالله بن اسعد اليافعي اليمني في مرآة الجنان في كثير من مواضعه كما بسطته مع ذكر عباراته في السعي
المشكور في رد المذهب المأثور وفي تذكرة الراشد برد تبصرة الناقد
ويوافقه قول عبدالوهاب الشعراني في اليواقيت والجواهر في بيان عقائد
الاكابر مع ان الحافظ الذهبي كان من اشد المنكرين على الشيخ أي محيي الدين بن العرابي
وعلى طائفة الصوفية هو وابن تيمية انتهى
وقول التاج السبكي في طبقات الشافعية هذا شيخنا الذهبي
له علم وديانة وعنده على اهل السنة تحامل مفرط فلا يجوز ان يعتمد عليه وهو شيخنا
ومعلمنا غير ان الحق احق بالاتباع وقد وصل من التعصب المفرط الى حد يستحيى منه وانا
اخشى عليه من غالب علماء المسلمين وائمتهم الذين حملوا الشؤيعة النبوية فان غالبهم
اشاعرة
وهو اذا وقع باشعري لا يبقي ولا يذر والذي اعتقده انهم خصماؤه يوم القيامة
انتهى
وقول السيوطي في قمع المعارض بنصرة ابن الفارض ان غرك
دندنة الذهبي فقد دندن على الامام فخر الدين بن الخطيب ذي الخطوب وعلى اكبر من
الامام وهو أبو طالب المكي صاحب قوت القلوب وعلى اكبر من ابي طالب وهو الشيخ أبو الحسن
الاشعري الذي ذكره يجول في الافاق ويجوب وكتبه مشحونة بذلك الميزان
والتاريخ وسير النبلاء افقابل انت كلامه في هؤلاء كلا والله لا يقبل كلامه
فيهم بل نوصلهم حقهم ونوفيهم انتهى
واعلم ان هناك جمعا من المحدثين لهم تعنت في جرح
الاحاديث بجرح رواتها فيبادرون الى الحكم بوضع الحديث او ضعفه بوجود قدح ولو يسيرا
في رواية او لمخالفته لحديث اخر
منهم ابن الجوزي مؤلف كتاب الموضعات والعلل المتناهية في الاحاديث الواهية
وعمر بن بدر الموصلي مؤلف رسالة في الموضعات ملخصه من موضعات ابن الجوزي
والرضي الضغاني اللغوي له رسالتان في
الموضعات
والجوزقاني مؤلف كتاب الاباطيل
والشيخ ابن تيمية الحراني مؤلف منهاج السنة
والمجد اللغوي مؤلف القاموس وسفر السعادة وغيرهما
وغيرهم فكم من حديث قوي حكموا عليه بالضعف او الوضع وكم
من حديث ضعيف بضعف يسير حكموا عليه بقوة الجرح فالواجب على العالم الا يبادر الى
قبول اقوالهم بدون تنقيح احكامهم ومن قلدهم من دون الانتقاد ضل واوقع العوام في الافساد
وقد بسطت الكلام في كشف احوالهم في رسالتي الاجوبة الفاضلة للاسئلة العشرة الكاملة فلتطالع فانها لتحقيق الحق في مباحث اصول الحديث كافلة
ايقاظ - 20
-
في بيان خطة ابن حبان في كتابه الثقات
كثيرا ما تراهم يعتمدون على ثقات ابن حبان وقد التزم الحافظ
ابن حجر في تهذيب التهذيب في جميع الرواة الذين لهم ذكر في ثقاته بذكر انه
ذكره ابن حبان في الثقات
وكتابه هذا مرتب على ثلاثة اقسام قسم في الصحابة وقسم في
التابعين وقسم في تبع التابعين
وقال هو في اول كتاب التابعين خير الناس قرانا بعد
الصحابة من اصحاب النبي صلى الله عليه و سلم وحفظ عنهم الدين والسنن وانما نملي
اسماءهم وما نعرف من انبائهم من الشرق الى الغرب على حروف المعجم اذ هو ادعى
للمتعلم الى حفظه وانشط للمبتدي في وعيه ولست اعرج في ذلك على تقدم السن ولا تاخره
ولا جلالة الانسان ولا قدره بل اقصد في ذلك اللقي دون الجلالة والسن الى اخره
وقال في اخره كل شيخ ذكرته في هذا الكتاب فهو صدوق يجوز
الاحتجاج بروايته اذا تعرى خبره عن خمس خصال فاذا وجد خبر
منكر عن شيخ من هؤلاء الشيوخ الذين ذكرت اسماءهم فيه كان ذلك الخبر لا ينفك
عن احدى خصال خمس
اما ان يكون فوق الشيخ الذي ذكرته في هذا الكتاب شيخ
ضعيف سوى اصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فان الله نزه اقدارهم عن الزاق
الضعيف بهم
او دونه شيخ واه ولا يجوز الاحتجاج بخبره
او الخبر يكون مرسلا لا تلزمنا به الحجه
او يكون منقطعا لا تقوم بمثله الحجة
او يكون في الاسناد شيخ مدلس لم يبين سماع خبره عمن سمع
منه
فاذا وجد الخبر متعريا عن هذه الخصال الخمس فانه لا يجوز
التنكب عن الاحتجاج به انتهى
وقال في اول كتاب تبع التابعين انما نملي اسماء الثقات
منهم
وانسابهم وما يعرف من الوقوف على انبائهم في هذا الكتاب على الشرط الذي
ذكرناه فكل خبر وجد من رواية شيخ ممن اذكره في هذا الكتاب فهو خبر صحيح اذا تعرى
عن الخصال الخمس التي ذكرناها انتهى
وقد نسب بعضهم التساهل الى ابن حبان وقالوا هو واسع
الخطو في باب التوثيق يوثق كثيرا ممن يستحق الجرح وهو قول ضعيف فانك قد عرفت سابقا
ان ابن حبان معدود ممن له تعنت واسراف في جرح الرجال ومن هذا حاله لا يمكن ان يكون
متساهلا في تعديل الرجال وانما يقع التعارض كثيرا بين توثيقه وبين جرح غيره لكفاية
ما لا يكفي في التوثيق عند غيره عنده
@ 337 @
حاله ولاجل هذا ربما اعترض عليه في جعلهم ثقات من لا يعرف حاله ولا اعتراض
عليه فانه لا مشاحة في ذلك وهذا دون شرط الحاكم حيث شرط ان يخرج عن رواة خرج
لمثلهم الشيخان في الصحيح فالحاصل ان ابن حبان وفي التزام شروطه ولم يوف الحاكم
انتهى
وفي فتح المغيث مع ان شيخنا أي الحافظ ابن حجر قد نازع
في نسبته الى التساهل الا من هذه الحيثية أي ادراج الحسن في الصحيح وعبارته ان
كانت باعتبار وجدان الحسن في كتابه فهو مشاحة في الاصطلاح لانه يسميه صحيحا وان كانت
باعتبار خفة شروطه فانه يخرج في الصحيح ما كان رواية ثقة غير مدلس سمع ممن فوقه
وسمع منه الاخذ عنه ولا يكون هناك ارسال ولا انقطاع واذا لم يكن في الراوي المجهول
الحال جرح ولا تعديل وكان كل من شيخه والراوي عنه ثقة ولم يأت بحديث منكر فهو ثقة
عنده وفي كتاب الثقات له كثير ممن هذا حاله ولاجل هذا ربما اعترض عليه
في جعلهم ثقات من لم يعرف اصطلاحه ولا اعتراض عليه فانه لا يشاح في ذلك
قلت ويتأيد بقول الحازمي ابن حبان امكن في الحديث من
الحاكم وكذا قال العماد بن كثير قد التزم ابن خزيمة وابن حبان الصحة وهما خير من
المستدرك بكثير وانظف اسانيد ومتونا انتهى
ايقاظ - 21
... في بيان خطة ابن عدي في كتابه الكامل
قد اكثر علماء عصرنا من نقل جروح الرواة من ميزان
الاعتدال مع عدم اطلاعهم على انه ملخص من كامل ابن عدي وعدم وقوفهم
على شروطهما فيه في ذكر احوال الرجال فوقعو به في الزلل واوقعوا الناس في
الجدل فان كثيرا ممن ذكر فيه الفاظ الجرح معدود في الثقات سالم من الجرح فليتبصر
العاقل وليتنبه الغافل وليتجنب عن المبادرة الى جرح الرواةبمجرد وجود الفاظ الجرح
في حقه في الميزان فانه خسران أي خسران
قال الذهبي في ديباجة ميزانه وفيه من تكلم فيه مع ثقته
وجلاله بادنى لين وباقل تجريح فلولا ان ابن عدي او غيره من مؤلفي كتب الجرح ذكروا
ذلك الشخص لما ذكرته لثقته ولم ارمن
الراى ان احذف اسم واحد ممن له ذكر بتليين ما في كتب الائمة المذكورين خوفا
من ان يتعقب علي لا اني ذكرته لضعف فيه عندي انتهى
وقال في اخر ميزانه فاصله وموضوعه في الضعفاء وفيه خلق
من الثقات ذكرتهم للذب عنهم او لان الكلام غير مؤثر فيهم ضعفا
وقال في ميزانه في ترجمة جعفر بن اياس الواسطي احد الثقات اورد ابن عدي في
كامله فأساء انتهى
وقال في ترجمة حماد بن ابي سليمان الكوفي شيخ الامام ابي
حنيفة سمع من انس وتفقه بابراهيم النخعي روى عنه سفيان وشعبة وابي حنيفة وخلق تكلم
فيه للارتجاء ولولا ذكر ابن عدي له ما انتهى
وقال في ترجمة حميد بن هلال احد الاجلة وهو في كامل ابن
عدي مذكور فلهذا ذكرته والا فالرجل حجة انتهى
وقال في ترجمة ثابت البناني قلت ثابت ثابت كاسمه ولولا
ذكر ابن عدي له ما ذكرته انتهى وقال في ترجمة احمد بن صالح المصري قال ابن عدي
لولا
اني شرطت في كتابي ان اذكر كل من تكلم فيه لكنت اجل احمد بن صالح ان اذكره
انتهى
وقال في ترجمة اشعث بن عبدالملك الحمراني قلت انما
اوردته لذكر ابن عدي له في كاملة ثم انه ما ذكر في حقه شيئا يدل على تلبية بوجه
وما ذكره احد في الضعفاء نعم ما اخرجا له في الصحيحين فكان ماذا انتهى
وقال في ترجمة أويس القرني قال البخاري يماني مرادي في
اسناده نظر فيما يرويه وقال البخاري ايضا في
الضعفاء في اسناده نظر قلت هذه عبارته يريد ان الحديث الذي روى عن أويس نظر ولولا ان البخاري ذكر أويسا في الضعفاء لما ذكرته اصلا فإنه من اولياء الله الصالحين انتهى
وقال في ترجمة احمد بن سعيد بن عقدة ثم قوى ابن عدي امره وقال لولا اني
شرطت ان اذكر كل من تكلم فيه لم للفضل الذي كان فيه انتهى
وقال الذهبي في تذكرة الحفاظ في ترجمة ابي القاسم
عبدالله البغوي اخذ ابن عدي يضفه ثم في الاخر قواه وقال لولا اني شرطت ان كل من
تكلم فيه متكلم ذكرته والا كنت لا اذكره وقال في ترجمة ابي عبدالله بن ابي
السجستاني قال ابن عدي لولا انا شرطنا ان كل من تكلم فيه ذكرناه لما ذكرت ابن ابي
داود انتهى
وقال الزين العراقي في شرح الفيته فيه أي معرفة الثقات
فيه أي معرفة الثقات والضعفاء لإئمة الحديث تصانيف منها ما أفرد في الضعفاء وصنف
فيه البخاري والنسائي والعقيلي والساجي وابن حبان والدارقطني والأزدي وابن عدي ولكنه
ذكر في كتابه الكامل كل
من تكلم فيه وان كان ثقة وتبعه على ذلك الذهبي في الميزان الا انه يذكر
احدا من الصحابة وألأئمة المتبوعين وفاته جماعة ذيلت عليه ذيلا في مجلد انتهى
وقال السخاوي في فتح المغيث في كل منهما تصانيف ففي
الضعفاء ليحيى بم معين وابي زرعة الرازي وللبخاري في كبير وصغير والنسائي وابي حفص
الفلاس ولابي احمد بن عدي في كامله وهو اكمل الكتب المصنفة قبله واجلها ولكنه توسع
لذكره كل من تكلم فيه وان كان ثقة وفيه ايضا وجمع الذهبي معظمها في ميزانه فجاء
كتابا نفيسا عليه معول من جاء بعده مع انه تبع ابن عدي في ايراد كل من تكلم فيه
ولو كان ثقة انتهى
وفي مقدمة فتح الباري في ترجمة عكرمة من عادته أي ابن
عدي ان يخرج الاحاديث التي انكرت على الثقة انتهى
فائدة
قال ابن حجر في ديباجة نهذيب التهذيب وفائدة إيراد كل ما قيل في الرجل من جرح وتوثيق تظهر عند المعارضة انتهى
ايقاظ 22
في بيان معنى الارجاء السني والارجاء البدعي
قد يظن من لا علم له حين يرى في ميزان الاعتدال وتهذيب الكمال وتهذيب التهذيب وتقريب التهذيب وغيرها من كتب الفن في حق كثير من الرواة الطعن بالارجاء عن ائمة النقد الاثبات حيث حيث يقولون رمي بالارجاء او كان مرجئا او نحو ذلك من عباراتهم كونهم خارجين من اهل السنة والجماعة داخلين في فرق الضلالة مجروحين بالبدعة الاعتقادية معدودين من الفرق المرجئة الضالة ومن هاهنا طعن كثيرا منهم على الامام ابي حنيفة وصاحبيه وشيوخه لوجود اطلاق الارجاء عليهم في كتب من يعتمد على نقلهم ومنشأ ظنهم غفلتهم عن احد قسمي الارجاء وسرعة انتقال ذهنهم الى ارجاء الذي هو ضلال عند العلماء
فقد قال محمد بن عبد الكريم الشهرستاني في كتاب الملل والنحل عند ذكر فرق
الضلالة ومن ذلك المرجئة والارجاء على معنيين
احدهما التأخير كما في قوله تعالى ( قالوا ارجه واخاه )
أي امهله
والثاني اعطاء الرجاء
اما اطلاق اسم المرجئة على الجماعة بالمعنى الاول فصحيح
لانهم كانوا يؤخرون العمل عن النيو والاعتقاد
واما بالمعنى الثاني فظاهر فانهم كانوا يقولون لا يضر مع
الايمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة
وقيل الارجاء تأخير حكم صاحب الكبيرة الى يوم القيامة فلا يقضى عليه بحكم
ما في الدنيا من كونه من اهل الجنة او النار فعلى هذا المرجئة والوعيدية فرقتان
متقابلتان
وقيل الارجاء تأخير علي رضي الله عنه عن الدرجة الاولى
الى الرابعة فعلى هذا المرجئة والشيعة متقابلتين
والمرجئة اصنلف اربعة مرجئة الخوارج ومرجئة القدرية
ومرجئة الجبرية والمرجئة الخالصة انتهى
ثم ذكر الشهرستاني فرق المرجئة الخالصة مع ذكر معتقداتهم
ومزخرفاتهم
كالثوابية اصحاب ابي ثوبان المرجئ الذي زعموا ان الايمان
هو المعرفة والاقرار بالله تعالى وبرسله وبكل ما يجوز في العقل ان يفعله
والتومنية اصحاب ابي معاذ التومني الذي يزعم ان الايمان
هو ما عصم من الكفر وهو اسم لخصال اذ1تركها التارك كفر وهي
المعرفة والتصديق والمحبة والاخلاص والاقرار بما جاء به الرسول والصالحية
اصاب صالح بن عمرو القائلين بان الايمان هو المعرفة بالله على الاطلاق والقول
بثالث ثلاثة ليس بكفر مع جحد الرسول والصلاة وغيرها ليست بعبادة انما العبادة
معرفة الله
واليونسية القائلين بان الايمان هو معرفة الله وترك
الاستكبار عليه والخضوع له والمحبة بالقلب ولا يضر ترك ما سوى المعرفة من الطاعات
الايمان ولا يعذب على ذلك وقال رئيسهم يونس النميري ان ابليس لعنة الله كان عارفا بالله
وحده غير انه ابى واستكبر فكفر باستكباره
والعبيدية اصحاب عبيد المكتب القائل بان ما دون الشرك
مغفور لا محالة
والغسانية اصحاب غسان بن ابان الكوفي الزاعم ان الايمان
هو
المعرفة بالله ورسوله والاقرار بما انزل الله وبما جاء به الرسول وانه لو
قال قائل اعلم ان الله فرض الحج الى الكعبة غير اني لا ادري اين الكعبة ولعلها في
الهند كان مؤمنا
فهذه فرق المرجئة وضلالتهم وليطلب تفصيل ذلك من كتب علم
الكلام المشتملة على ذكر مقالاتهم
وجملة التفرقة بين اعتقاد اهل السنة وبين اعتقاد المرجئة
ان المرجئة يكتفون في الايمان بمعرفة الله ونحوه ويجعلون
ما سوى الايمان من الطاعات وما سوى الكفر من المعاصي غير مضرة ولا نافعة ويتشبثون
بظاهر حديث من قال لا اله الا الله دخل الجنة
واهل السنة يقولون لا تكفي في الايمان المعرفة بل لا بد
من التصديق الاختياري مع الاقرار اللساني وان الطاعات مفيدة والمعاصي مضرة مع
الايمان توصل صاحبها الى دار الخسران
والذي يجب علمه على العالم المشتغل بكتب التواريخ واسماء
الرجال ان الارجاء يطلق على قسمين
احدهما الارجاء الذي هو ضلال وهو الذي مر ذكره انفا
وثانيهما الارجاء الذي ليس بضلال ولا يكون صاحبه عن اهل
السنة والجماعة خارجا ولهذا ذكروا ان المرجئة فرقتان مرجئة الضلالة ومرجئة
اهل السنة وأبو حنيفة وتلامذاته وشيوخه وغيرهم من الرواه الاثبات انما عدوا من
مرجئه اهل السنة لا من مرجئه الضلالة
قال الشهرستاني عند ذكر الغساسنية ومن العجب ان غسان كان
يحكي عن ابي حنيفة مثل مذهبه ويعده من المرجئة ولعله كذب عليه ولعمري كان يقال
لابي حنيفة واصحابه مرجئة السنة ولعل السبب فيه انه لماكان يقول الايمان هو الدصديق
بالقلب وهو لا يزيد ولا ينقص نسب اليه انه يؤخر العمل عن الايمان والرجل مع تبحره
بالعلم كيف يفتي بترك العمل
وله سبب اخر وهو انه كان يخالف القدريه والمعتزلة الذين
ظهروا في الصدر الاول والمعتزلة كانوا يلقبون كل من خالفهم في القدر
مرجئا وكذلك الوعيدية من الخوارج فلا يبعد ان اللقب انما لزمه من فريقي
المعتزلة والخوارج انتهى
وفي الطريقة المحمدية اما المرجئة فان ضربا منهم يقولون
نرجيء امر المؤمنين والكافرين الى الله فيقولون الامر فيهم موكول الى الله يغفر
لمن يشاء من المؤمنين والكافرين ويعذب من يشاء فهؤلاء ضرب من المرجئة وهم كفار
وكذلك الضرب الاخر منهم الذين يقولون حسناتنا متقبلة
قطعا وسئتنا مغفورة والاعمال ليست بفرائض ولا يقرون بفرائض الصلاة والزكاة والصيام
وسائر الفرائض ويقولون هذه كلها
فضائل فهؤلاء ايضا كفار
واماالمرجئة الذين يقولون لا نتولى المؤمنين المذنبين
ولانتبرا منهم فهؤلاء المبتدعة ولاتخرجهم بدعتهم من الايمان الى الكفر
واما المرجئة الذين يقولون نرجيء امر المؤمنين ولو فساقا
الى الله فلا ننزلهم جنة ولا نار ولا نتبرأ منهم ونتولاهم في الدين فهم على السنة
فالزم قولهم وخذ به انتهى
وفي شرح المقاصد للتفتازاني اشتهر من مذهب المعتزلة
ان صاحب الكبيرة بدون التوبة مخلد في النار وان عاش على الايمان والطاعة
مئة سنة ولم يفرقوا بين ان تكون الكبيرة واحدة او كثيرة واقعة قبل الطاعات او
بعدها او بينها وجعلوا عدم القطع بالعقاب وتفويض الامر الى يغفر ان شاء ويعذب ان
شاء على ما هو مذهب اهل الحق ارجاء بمعنى انه تأخير للامر وعدم جزم بالعقاب
والثواب وبهذا الاعتبار جعل أبو حنيفة وغيره من المرجئة انتهى
وفي شرح الفقه الاكبر المسمى بالمنهج الاظهر لعلي القارئ
المكي ثم اعلم ان القونوي ذكر ان ابا حنيفة كان يسمى مرجئا لتأخير امر صاحب
الكبيرة الى مشيئة الله والارجاء التأخير انتهى
وفي التمهيد لأبي شكور السالمي ثم المرجئة على نوعين
مرجئة مرحومة وهم اصحاب النبي صلى الله عليه و سلم
ومرجئة ملعونة وهم الذين يقولون بأن المعصية لا تضر
والعاصي لا يعاقب
وروي عن عثمان البتي انه كتب الى ابي حنيفة وقال انتم مرجئة فأجابه بأن
المرجئة على ضربين
مرجئة ملعونة وانا برئ منهم ومرجئة مرحومة وانا منهم
وكتب فيهم ان الانبياء كانوا كذلك الا ترى الى قول عيسى قال
ان تعذبهم فانهم عبادك وان تغفر لهم فانك انت العزيز الحكيم انتهى
وقال ابن حجر المكي في الفصل السابع والثلاثين من كتابه
الخيرات الحسان في مناقب النعمان قد عد جماعة الامام ابا حنيفة من المرجئة وليس
هذا الكلام على حقيقته
اما أولا فقال شارح المواقف كان غسان المرجيء ينقل
الارجاء عن ابي حنيفة وبعده من المرجئة وهو افتراء عليه قصد به غسان ترويج مذهبه
بنسبته الى هذا الامام الجليل
واما ثانيا فقد قال الآمدي ان المعتزلة كانوا في الصدر
الاول يلقبون من خالفهم في القدر مرجئا او لأنه لما قال الايمان لا يزيد او ينقص
ظن به الارجاء بتأخير العمل عن الايمان انتهى
وخلاصة المرام في هذا المقام ان الارجاء
قد يطلق على اهل السنة والجماعة من مخالفيهم المعتزلة
الزاعمين بالخلود الناري لصاحب الكبيرة
وقد يطلق على الائمة القائلين بان الاعمال ليست بداخلة
في الايمان وبعدم الزيادة فيه والنقصان وهو مذهب ابي حنيفة وزاتباعه من جانب
المحدثين القائلين بالزيادة والتقصان وبدخول الاعمال في الايمان
وهذا النزاع وان كان لفظيا كما حققه المحققون من الاولين
والآخرين لكنه لما طال وآل الامر الى بسط كلام الفريقين من
المتقدمين والمتأخرين ادى ذلك الى ان اطلقوا الارجاء على مخالفيهم وشنعوا
بذلك عليهم وهو ليس بطعن في الحقيقة على ما لا يخفى على مهرة الشريعة
واذا انتقش هذا كله على صحيفة خاطرك فاعرف انه لا تنبغي
المبادرة نظرا الى قول احد من ائمة النقد وان كان من اجله المحدثين في حق احد
الراوين انه من المرجئين باطلاق القول بكونه من فرق الضلالة وجرحه بالبدعة
الاعتقادية بل الواجب التنقيح والحكم بالوجه الرجيح
نعم ان دلت قرينة حالية او مقالية ان مراد الجارح
بالارجاء ما هو
ضلالة فلا بأس بالحكم بكونه ذا ضلالة والا فيحتمل ان يكون اطلاق ذلك الراوي
من معتزلي ومنه اخذ ذلك الجارح واعتمد على اشتهاره من دون وقوف على الواضع ويحتمل
ان يكون الراوي مما لا يقول بزيادة الايمان ونقصانه ولا بدخول العمل في حقيقتة
فأطلق عليه الجارح المحدث الارجاء تبعا لاهل طريقته
ويشهد لما ذكرنا ما في لسان الميزان لابن حجر العسقلاني
في ترجمة ابن الحسن تلميذ ابي حنيفة نقل ابن عدي عن اسحاق بن راهويه سمعت يحيى بن
ادم يقول كان شريك لا يجيز شهادة المرجئة فشهد عنده محمد بن الحسن فرد شهادته فقيل
له في ذلك فقال انا لا اجيز شهادة من يقول الصلاة ليست من الايمان انتهى
فان هذا صريح في انه انما اطلق على محمد الارجاء لكونه
لا يرى الصلاة جزءا من حقيقة الايمان ومن المعلوم ان هذا ليس بضلال وطغيان
وكذا قول الذهبي في ميزانه في ترجمة مسعر بن كدام بعد
ذكر وثاقته ولا عبرة بقول السليماني كان من المرجئة مسعر
وحماد بن ابي سليمان والنعمان وعمرو بن مرة وعبدالعزيز بن ابي رواد وأبو
معاوية وعمر بن ذر وسرد جماعة
قلت الارجاء مذهب لعدة من اجلة العلماء ولا ينبغي
التحامل على قائله
وكذا قول الشهرستاني في الملل والنحل في اخر بحث المرجئة رجال المرجئة
الحسن بن محمد بن علي بن ابي طالب وسعيد بن جبير وطلق بن حبيب وعمرو بن مرة ومحارب
بن دثار ومقاتل بن سليمان وذر وعمربن ذر وحماد بن ابي سليمان وأبو حنيفة وأبو يوسف
ومحمد بن الحسن وقديد بن جعفر
وهؤلاء كلهم ائمة الحديث لم يكفروا اصحاب الكبائر
بالكبيرة ولم يحكموا بتخليدهم في النار خلافا للخوارج والقدرية انتهى
فائدة
قد تشبث بعض الشيعة كصاحب الاستقصاء وغيره بقول
السليماني المذكور في الميزان في أن أبا حنيفة من المرجئة ولم يعلم أنه قول
مردود أو مؤول عند جهابذة أهل السنة وقد عد السليماني في موضع آخر أبا حنيفة من
الشيع فلم لم يستند بها القول المردود ليدخل أبو حنيفة في مذهبه المطرود
قال الذهبي في ترجمة عبد الرحمن بن ابي حاتم من ميزانه
ما ذكرته لولا ذكر أبي الفضل السليماني فبئس ما صنع فإنه قال
ذكر أسامي الشيعة من المحدثين الذين يقدمون عليا على عثمان الأعمش والنعمن
بن ثابت وشعبة بن الحجاج وعبد الرزاق وعبيد الله بن موسى وعبد الرحمن بن أبي حاتم
انتهى
وبالجملة فكما أن قول السليماني هذا غقير مقبول فإن ابا
حنيفة ليس من الشيعة باتفاق الفريقين فكذا قوله السابق غير مقبول عند أماثل
الثقلين
تذنيب نبيه
نافع لكل وجيه
اعلم انه ذكر قطب الاقطاب وغوث الانجاب رئيس الصوفية الصافية رأس السلسلة القادرية مولانا السيد محيي الدين عبدالقادر الجيلاني دام من دخل في سلسلته مغبوطا بالفضل الرحماني في فصل من فصول كتابه غنية الطالبين عند ذكر فرق هذه الامة
فأصل ثلاث وسبعين فرقة عشرة اهل السنة والجماعة والخوارج والشيعة والمعتزلة
والمرجئة والمشبهة والجهمية والضرارية والنجارية والكلابية الى اخره
ثم ذكر حال كل فرقة وفروعها واختلاف مقالاتها وقال عند
ذكر المرجئة اما المرجئة اما المرجئة ففرقها اثنتا عشرة فرقة الجهمية والصالحية
والشمرية واليونسية والثوبانية والنجارية والغيلانية والشبيبية والحنفية والمعاذية
والمريسية والكرامية انتهى
ثم ذكر حال كل فرقة ومن نسبت اليه الى ان قال واما
الحنفية فهم اصحاب ابي حنيفة النعمان بن ثابت زعموا ان الايمان هو المعرفة
والاقرار بالله ورسوله وبا جاء من عنده جملة على ما ذكره البرهوتي
في كتاب الشجرة انتهى
فهذا يدل على ان الحنفية اتباع الملة الحنيفية من
المرجئة الضالة المبتدعة وقد استند بهذه العبارة جمع من اتلشيعة فطعنوا به الزاما
على اتباع ابي حنيفة وزعموا انه من المرجئة الضالة واقتدى بهم في هذا الطعن كثير
من اهل السنة ممن لهم تعصب وافر وتعنت ظاهر بابي حنيفة ومقلديه فاوردوا هذه العبارة
في معرض معايبة ومثالبة ايذاء لمقلديه
ولا عجب من الشيعة فانهم من اعداء اهل اتلسنة يسبون
اكابر الصحابة ويطعنون على سلف اصحاب الهداية فما بالك بابي حنيفة وطريقته المرضية
انما العجب من هؤلاء الذين هم من اهل السنة ويدعون انهم من متبعي الكتاب والسنة
ومع ذلك يطعنون على اول هذه الامة وصدر الائمة من دون بصيرة وبصارة
وقد طال البحث قديما وحديثا بين علماء المذاهب الاربعة
في عبارة الغنية واستشكلوا وقوعها من مثل هذا الشيخ الجليل والصوفي النبيل وذلك
لوجهين
الاول ان كتب الامام ابي حنيفة كالفقه الاكبر وكتاب
الوصية تنادي باعلى النداء على انه ليس مذهبه في باب الايمان
وفروعه ما ذهبت اليه المرجئة اصحاب الاغواء وكذلك كتب الحنفية تشهد ببطلان
مذهب المرجئة وان وان الحنفية وامامهم ليسوا منهم فهذه النسبة الواقعة فرية بلا
مرية وصدورها من مثل هذا الشيخ الذي هو سيد الطائفة الرضية بلية اية بلية
والثاني ان غوث الثقلين بنفسه ذكر غنيته ابا حنيفة بلفظ
الامام واورد قوله عند ذكر خلاف الائمة الاعلام
فمن ذلك قوله في بيان وقت الفجر وبعد ذكر مذهب امامه
احمد بن حنبل من ان التغليس افضل وقال الامام أبو حنيفة الاسفار افضل
ومن ذلك قوله في فضل الصلاة عند ذكر حكم تارك الصلاة
وقال الامام أبو حنيفة لا يقتل ولكن يحبس حتى يصلي فيتوب او يموت في الحبس وقال
الامام الشافعي يقتل بالسيف حدا ولا يكفر انتهى
فلو كان عنده ان ابا حنيفة من المرجئة الضالة لما ذكر
قوله في الامةر الشرعية مع اقوال الائمة الرضية
وقد تفرقوا في دفع هذين الاشكالين على مسالك اكثرها لا
تعجب طالب احسن المسالك
فمنهم من قال انا لا نفهم كلام الشيخ الجيلاني بل نقطع بقوله حقا مع القطع
بكون الحنفية ناجية حقا
ولا يخفي على الذكي لن هذا لا يغني ولا يشفي
ومنهم من قال ان غوث الثقلين لما ادخل الحنفية في الفرق
الغير الناجية لزم من انتسب الى ارادته وسلسلته ان يخلع ربقة التحنف عن رقبته
وانت تعلم ما في الفساد لا يتفوه به الا ذو غباوة وعناد
فان مجرد اطلاق المرجئة من الحنفية من سيد السلسلة القادرية مع مخالفة كتب امام
الحنفية وزبر الحنفية لا يجوز هذا الامر الذي ذكره هذا المجيب الغير المصيب كيف فان
مخالفة الواحد ولو كان من اعظم المشاهير اهون من مخالفة الجماهير واي مضايقة في
عدم اعتداد قول غوث الثقلين في هذا الباب لكونه مخالفا لجميع اولي الالباب لا سيما
اذا وجد منه بنفسه ما يعارضه ويخالفه فان كل احد يؤخذ من قوله ويترك الا الرسول
صلى الله عليه و سلم وليس كل قول كل معتمد بمسلم فان العصمة عن الخطأ مطلقا من
خواص الانبياء ولا توجد في الصحابة فضلا عن الاولياء
ونظيره قول الشيخ محيي الدين بن العربي في الفصوص بايمان
فرعون اللعين فانه لكونه مخالفا للقران والسنة واقوال الائمة ومخالفا لما
صرح هو به في الفتوحات المكية لم يقبله جمع من فضلاء الدين كما بسطه علي القاري
المكي في رسالته فر العون من مدعي ايمان فرعون وابن حجر المكي في كتاب الزواجر عن
اقتراف الكبائر وغيرها في غيرها
ومنهم من قال ان الشيخ لم يذكر ذلك من عند نفسه بل نقله
عن غيره والناقل ليس عليه الا تصحيح النقل وانما العهدة على من منه النقل
وفيه سخافة ظاهرة عند اهل الفضل فان العالم المتبحر وان
الصوفي المتبصر لا يعذر في نقل مثل هذا الباطل بل لا يحل نقله الا للرد عليه
والقدح فيه على الوجه الكافل وان شئت تفصيل هذا فارجع الى رسالتي تذكرة الراشد برد
تبصرة الناقد
ومنهم من قال ان الغنية ليست من تصانيف الشيخ محيي الدين
فلا قدح عليه في ذلك عند علماء الدين ويشهد له قول
الشيخ عبد الحق الدهلولي في عنوان ترجمة الغنية بالفرسية هركز ثابت نشده كه
اين از تصنيف انجناب است اكرجه انتساب آن بنحضرت شهرت دارد ونظر برين كه شايددران
حرف از انجناب بود ترجمة كردم جنانحة علامه مير حسين ميبذي در ديباجه ديوان كه نزد
عوام منسوب بجضرة امير المؤمنين علي رضي الله عنه ست يرهمين اسلوب معذرت كرده
انتهى
وحاصله انه لم يثبت ان الغنية من تصانيفه وان اشتهر
انتسابها اليه
وغير خفي على كل نقي ما في هذا الجواب من التبات
اما اولا فلأن نسبتها اليه مذكورة في كتب ابن حجر وغيره
من الاكابر فانكار كونها من تصانيفه غير مقبول عند الاواخر
واما ثانيا فلان من طالع الغنية من اولها الى اخرها حرفا
حرفا علم كونها من تصانيفه قطعا
واما ثالثا فلانه على تقدير تسليم انه ليس من تصانيفه بل
من تصانيف غيره لا يشكك من يطالعها ان مؤلفها فاضل رباني وكامل
حقاني وان كان غير الشيخ الجيلاني فلزوم كون الحنفية مرجئة بتصريح من هو من
الطائفة المتقنة باق الى الان كما كان وان اندفع الطعن عن الشيخ الجيلاني قطب
الزمان
ومنهم من قال ان هذه العبارة التي فيها ذكر الحنفية من
المرجئة ليست من الشيخ عبد القادر وانما ادرجها احد ممن له بغض وتعصب ظاهر
وهذا مما اختاره عبدالغني النابلسي في كتابه الرد
المتبين على منتقص العارف محيي الدين حيث قال الاولى في الجواب ان يقال تلك
العبارة مدسوسة مكذوبة على الشيخ وينبغي ان يحفظ هذا الاصل في جميع ما وجد في كتب
العلماء الصالحين من بعض العبارات الفاسد معناها القبيح مرداها كما قال القاضي أبو
بكر الباقلاني في كتابه الانتصار ما معناه ان وجود مسألة في كتاب او في الف كتاب
منسوبة الى امام لا يدل على انه قالها حتى ينقل ذلك نقلا متواترا يستوي فيه
الطرفان والواسطة وهذا عزيز الوجود وكذا قال الفاضل السيالكوتي في ترجمة الغنية
بدانكه ذكر
حنيفة در فرق مرجئة وكفتن كه ايمان نزدشان معرفت است واقرار خلاف مذهب اين
طائفة است كه در كتب مقررست وشايداين رابعض مبتدعان داخل كرده اند در كلام شيخ
انتهى
وايده بعضهم بان ادراج جملة او كلام في كلام العلملء من
بعض الجهلاء غير بعيد عند العالمين بل هو واقع في كلام الاولين والاخرين قال
الشعراني في اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الاكابر
قد دس الزنادقة تحت وسادة الامام احمد بن حنبل عقائد
زائفة ولولا ان اصحابه يعلمون منه صحة الاعتقاد لافتتنوا لما وجدوا
وكذلك دسوا على شيخ الاسلام مجد الدين الفيروز ابادي
صاحب القاموس كتابا في الرد على ابي حنيفة وتكفيره ودفعوه الى ابن الخياط اليمني
فارسل يلوم الشيخ مجد الدين على ذلك فكتب اليه ان كان هذا الكتاب بكفك فاحرقه فانه
افتراء من الاعداء وانا من اعظم المعتقدين في الامام ابي حنيفة وذكرت مناقبه في
مجلد
وكذلك دسوا على الامام الغزالي في الاحياء عدة مسائل وظفر القاضي عياض
بنسخة من تلك النسخ فامر باحرقها
وكذلك دسوا على الشيخ محي الدين عدة مسائل في الفتوحات
وقفت عليها وتوقفت فذكرت ذلك للشيخ ابي الطاهر المغربي نزيل مكة المشرفة فارج لي
نسخة من الفتوحات التي قابلها على نسخة الشيخ التي بخطه في مدينة قونية فلم ارى فيها
شيئل مما كنت توقفت فيه وحذفته خين اختصرت الفتوحات
وكذلك دسوا علي لنا في كتابي المسمى بالبحر المورود جملة
من العقائد الزائغة واشاعوها في مصر ومكة ثلاث سنين وانا برئ منها انتهى
ولا يذهب على اهل الفطانة ما في هذا الجواب من السخافة فان مجرد احتمال كون
تلك العبارة مدسوسة لا يكفي لدفع الخدشة الا اذا تأيد ذلك بوجود نسخ الغنية
الصحيحة خالية عن هذه البلية واذ ليس فليس
ومنهم من قال ان ان ابي حنيفة كنية لغير امامنا ايضا
فمراد الشيخ من ابي حنيفة الذي جعل اتباعه مرجئة غيره
وفيه ضعف ظاهر لوجوده
الاول انه مجرد احتمال فلا يسمع
الثاني ان ذكر نعمان بن ثابت بعد ذكر ابي حنيفة شاهد عدل
على ان المراد من هو معدود من الائمة الاربعة
الثالث ان ابي حنيفة الذي هو غير امامنا لم يشتهر مذهبه
ولا شاعت طريقته ولا سمي اتباعه حنفية فلفظ الحنفية في عبارة الشيخ آب عن هذه
القضية الحملية
ومنهم من قال ان الارجاء على قسمين ارجاء البدعة وارجاء
السنة كما مر تفصيله ومر ايضا ان كثير من اهل السنة سماهم مخالفوهم مرجئة فكلام
الشيخ محمول على الارجاء السني لا على
الارجاء البدعي وهذا مما اختاره علي القاري
وفيه ايضل خدشة واضحة من حيث ان الشيخ بصدد بيان فرق
الضلالة وذكر منها المرجئة ثم منها الحنفية فلا مجال هناك لهذا الاحتمال وان كان
مستقيما في عبارات غيره من اهل الاكمال كما مر فيما مر
ومنهم من قال ان مراد الشيخ من الحنفية فرقة منهم وهم
المرجئة
وتوضيحه ان الحنفية عبارة عن فرقة تقلد الامام ابا حنيفة
في المسائل الفرعية وتسلك مسلكه في الاعمال الشرعية سواء وافقته في اصول العقائد
ام خالفته فان وافقته يقال له الحنفية الكاملة وان لو توافقه يقال لها الحنفية مع
قيد يوضح مسلكه في العقائد الكلامية فكم من حنفي حنفي في الفروع معتزلي عقيدة
كالزمخشري جار الله مؤلف الكشاف وغيره وكمؤلف القنية والحاوي والمجتبي شرح مختصر
القدوري نجم الدجين الزاهدي وقد ترجمتهما في الفوائد البهية في تراجم الحنفية
وكعبدالجبار وابي هاشم والجبائي وغيرهم وكم من حنفي حنفي فرعا مرجئ او زيدي اصلا
وبالجملة فالحنفية لها فروع باعتبار اختلاف العقيدة فمنهم الشيعة ومنهم
المعتزلة ومنهم المرجئة فالمراد بالحنفية هاهنا هم الحنفية المرجئة الذين يتبعون
ابا حنيفة في الفروع ويخالفونه في العقيدة بل يوافقون فيها المرجئة الخالصة
وهذا الجواب وان كان احسن من الاجوبة السابقة لكن لا
يخلو عن سخافة قادحة وذلك لان عبارة الغنية تحكم بان المرجئة اصل ومن فروعه
الحنفية ومقتضى الجواب ان الحنفية اصل ومن فروعه المرجئة
ومنهم من ذكر ان لفظ الحنفية عند ذكر فروع المرجئة وقع
تصنيفا سهوا او عمدا من كتاب الغنية موضع الغسانية فان اصحاب المقالات ذكروا
الغسانية من فروع المرجئة ولم يذكروا الحنفية والغنية خالية من ذكر الغسانية
وفيه ايضا سخافة ظاهرة فان مجرد احتمال التصحيف من الكاتب
من غير حجة غير مسموع عند ارباب النصوح مع ان تتفسير الحنفية الواقع في الغنية
يأبى عن هذا الاحتمال الا ان يلتزم ان ذلك ايضا تصحيف وقع من الكاتب النقال وهو احتمال
على احتمال فلا يصغي اليه رب الكمال
ومنهم من قال ان المراد هاهنا بالحنفية الحنفية القائلون
بان
الايمان هو المعرفة بالله وحده ونحو ذلك من خرافات المرجئة الخالصة وتوضيحه
على ما في الرسالة الفخرية ان النسبة بين اهل السنة سواء كان حنفبا او شافعيا او
حنبليا او مالكيا وبين المرجئة الضالة نسبة التباين الكلي والنسبة بين الحنفية
بمعنى المتابعين له اصلا وفرعا وبين اهل السنة عموم وخصوص مطلقا فكل حنفي من اهل
السنة وليس ان كل اهل السنة حنفي والنسبة بين الحنفية بمعنى مقلدية في الفروع فقط
وهذا المعنى اعم من غالاول وبين اهل السنة عموم وخصوص من وجه فمادة الافتراق من
يكون حنفيا ولا يكون من اهل السنة كالمرجئة الحنفية والمعتزلة الحنفية ومن يكون من
اهل السنة ويكون شافعيا مثلا ومادة الاجتماع من يكون موافقا لابي حنيفة في الفروع
والعقيدة
اذا عرفت هذا فنقول مفاد عبارة الغنية ان الحنفية الذين
هم فرع من فروع المرجئة الضالة اصحاب ابي حنيفة الذين يقولون ان الايمان هو
المعرفة والاقرار بالله ورسوله وهذا لا ينطبق الا على الغسانية فيكون هو المراد من
الحنفية لما عرفت سابقا ان غسان الكوفي كان يحكي مذهبه الخبيث عن ابي حنيفة ويعده
كنفسه من المرجئة
فظهر ان الطعن على الحنفية او ابي حنيفة باستناد عبارة
الغنية لا
يصدر الا من ذوي غباوة ظاهرة وعصبية وافرة وهم نظراء من قال الله بحقهم تسجيلا لغاية الشقاوة ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى ابصارهم غشاوة فلا عبرة بطعنهم وقدحهم فالطاعن على ابي حنيفة بمثل هذا مردود واللاعن على اصحابه مطرود فاحفظ هذا التفصيل فانه من خواص هذا السفر الجليل والكلام وان افضى الى التطويل لكنه لم يخل عن تحصيل
ايقاظ 23
في بيان مراد البخاري من قوله في الراوي فيه نظر او سكتوا عنه
قوا البخاري في حق احد من الرواة فيه نظر يدل على انه متهم عنده ولا كذلك عند
غيره
قال الذهبي في ميزانه في ترجمة عبدالله بن داود الواسطي
قال البخاري فيه نظر ولا يقول هذا الا فيمن يتهمه غالبا
بكر بن منير سمعت ابا عبدالله البخاري يقول ارجو ان القى الله ولا يحاسبني اني اغتبت احدا
قلت صدق رحمه الله ومن نظر في كلامه في الجرح والتعديل علم ورعه في الكلام في الناس وانصافه فيما يضعفه فانه اكثر ما يقول منكر الحديث سكتوا عنه فيه نظر ونحو هذا وقل غان يقول فلان كذاب او كان يضع الحديث
حتى انه قال اذا قلت فلان
في حديثه نظر فهو متهم واه وهذا معنى قوله لا يحاسبني الله الني اغتبت احدا
وهذا هم والله غاية الورع
وقال العراقي في شرح الفيته فلان فيه نظر وفلان سكتوا
عنه هاتان العبارتان يقولهما البخاري فيمن تركوا حديثه
ايقاظ 24
في بيان تنطع العقيلي في جرحه الراوة
كثيرا ما تجد في الميزان وغيره من كتب اهل الشأن في
الجرح المنقول عن العقيلي بانه لا يتابع عليهوقد رد عليه العلماء في كثير
من المواضع على جرحه بقوله لا يتابع عليه ولا تجاسره في الكلام في الثقات
الاثبات
والذهبي وان اكثر عنه النقل في كتبه لكنه شد النكير عليه
في ترجمة
علي بن المديني من ميزانه حيث قال هذا أبو عبدالله البخاري وناهيك به قد
شحن صحيحه بحديث علي بن المديني وقال ما استصغرت نفسي بين يدي احد من العلماء الا
بين يدي ابن المديني
ولو ترك حديث علي وصاحبه محمد وشيخه عبد الرزاق وعثمان
بن ابي شيبة وابراهيم بن سعد وعفان وابان العطار واسرائيل وازهر السمان وبهز بن
اسد وثابت البناني وجرير بن عبد الحميد
لغلقنا الباب وانقطع الخطاب ولماتت الاثار واستولت الزنادقة ولخرج الدجالون
افمالك عقل يل عقيلي اتدري فيمن تتكلم وانما تبعناك في
ذكر هذا النمط لنذب عنهم ولنزيف ما قيل فيهم كأنك لا تدري ان كل واحد من هؤلاء
اوثق منك بطبقات بل واوثق من ثقات كثيرين لم توردهم في كتابك
فهذا مما لا يرتاب فيه محدث وانما اشتهي ان تعرفني من هو
الثقة الثبت الذي ما غلط ولا انفرد بما لا يتابع عليه بل الثقة الحافظ اذا انفرد
باحاديث كان ارفع له واكمل لرتبته وادل على اعتنائه بعلم الاثر وضبطه دون اقرانه لأشياء
ما عرفوها اللهم الا ان يتبين غلطة ووهمه في الشيء فيعرف ذلك
فانظر الى اصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم الكبار
والصغار ما فيهم احد الا وقد انفرد بسنة افيقال له هذا الحديث لا يتابع عليه وكذلك
التابعون كل واحد عنده ما ليس عند الاخر من العلم
وما الغرض هذا فان هذا مقرر في علم الحديث على ما ينبغي
وان تفرد الثقة المتقن يعدى صحيحا غريبا وان تفرد الصدوق ومن دونه يعد منكرا وان
اكثار الراوي من الاحاديث التي لا يوافق عليه الفاظا او اسنادا
ثم ما كل من فيه بدعة اوله هفوة او ذنوب يقدح فيه بما يوهن حديثه ولا من شرط الثقة ان يكون معصوما من الخطايا والخطأ ولكن فائدة ذكرنا كثيرا من الثقات الذين فيهم ادنى بدعة اولهم اوهام يسيرة في سعة علمهم ان يعرف ان غيرهم ارجح منهم واوثق اذا عارضهم او خالفهم فزن الاشياء بالعدل والورع
ايقاظ 25
في بيان حكم غير البريء
الجرح غير اذا صدر من تعصب او عداوة ام منافرة او نحو ذلك فهو جرح مردود ولا يؤمن به الا المطرود
ولهذا لم يقبل قول
الامام مالك في محمد بن اسحاق صاحب المغازي انه دجال من الدجاجلة لما علم انه صدر من منافرة باهرة بل حققوا انه من حسن الحديث واحتجت به ائمة الحديث وقد بسطت الكلام فيه في رسالتي امام الكلام فيما يتعلق بالقراءة خلف الامام
ولم يقبل قدح النسائي في احمد بن صالح المصري وقدح الثوري في ابي حنيفة الكوفي
وقدح ابن معين في الشافعي وقدح احمد في الحادث المحاسبي وقدح ابن منده في ابي نعيم الاصبهاني
ونظائر كثيرة في كتب الفن شهيرة
ومن ثم قالوا لا يقبل جرح المعاصر على المعاصر أي اذا
كان بلا حجة لان المعاصرة تفضي غالبا الى المنافرة
ولنذكر نبذ من عبارات النقاد تضييقا لطعن اصحاب الفساد
فان كثيرا منهم افسدوا في الدين واهلكوا وهلكوا بجرح ائمة الدين وضلوا واضلوا بقدح
اكابر السلف واعاظم الخلف لغفلتهم عن القواعد المؤسسة والفوائد المرصصة في كتب الدين
وقد ابتلي في هذه البلية جمع كثير من علماء عصرنا
المشهورين بالفضائل العلية وقلدهم في ذلك اكثر العوام الذين هم كالانعام بل زادوا
نغمة في الطنبور وزادوا ظلمة في الديجور فانهم لما وفقهم الله
بمطالعة كتب التاريخ واسماء الرجال ولم يوفقهم للغوص والخوض والاطلاع على
ما مهده نقاد الرجال تجاسروا وبادروا وتجاهلوا وتخاصموا واطلقوا لسان الطعن على
الائمة الثقات والاجلة الاثبلت مسندين لما صدر في حقهم من معاصريهم ومنافريهم او
اعاديهم ومحقريهم او ممن له تعنت وتعصب بهم
فليحذر العاقل بان يكون هذا التجاسر مغبونا ومفتونا ومن
ان يكون من الاخسرين اعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم
يحسنون صنعا قال الذهبي في سير اعلام النبلاء في ترجمة السمين المفسر ابي عبدالله محمد
بن حاتم البغدادي المتوفى في اخر سنة خمس وثلاثين ومئتين وثقة ابن عدي والدارقطني
وذكره أبو حفص الفلاس فقال
ليس بشئ قلت هذا من كلام الاقران الذي لا يسمع فان الرجل ثبت حجة قال الذهبي في ترجمة ابي بكر بن ابي داود السجستاني المتوفي سنة ست عشرة وثلاث مئة من كتابه تذكرة الحفاظ بعد ما ذكر توثيقه عن جمع من الثقات وعن ابن صاعد وغيره تضعيفه قلت لا ينبغي سماع قول ابن صاعد فيه كما لم يقدح تكذيبه لابن صاعد وكذا لا يسمع كلام ابن جرير فيه فان هءلاء بينهم عداوة بينه فقف في كلام الاقران بعضهم في بعض وقال الذهبي في ترجمة عفان الصفار من ميزانه كلام
النظراء والاقران ينبغي ان يتأمل ويتأنى فيه انتهى
وقال في ترجمة ابي الزناد عبدالله بن ذكوان قال ربيعة
فيه ليس بثقة ولا رضا قلت لا يسمع قول ربيعة فيه فانه كان بينهما عداوة ظاهرة
انتهى
وقال في ترجمة محمد بن اسحاق بن يحيى ابي عبدالله
المعروف بابن منده الاصبهاني اقذع الحافظ أبو نعيم في جرحه لما بينهما من الوحشة
ونال منه واتهمه فلم يلفت اليه لما بينهما من اعظائم نسأل الله العفو فلقد نال ابن
منده ايضا من ابي نعيم واسرف وقال في ترجمة الحافظ ابي نعيم احمد بن عبدالله
الاصفهاني كلام ابن منده في ابي نعيم فظيع لا احب حكايته ولا اقبل قول كل منهما في الاخر بل هما عندي مقبولان لا اعلم لهما ذنبا اكبر من روايتهما الموضوعات ساكتين عنه
قرأت بخط يوسف بن احمد الشيرازي الحافظ رأيت بخط ابن طاهر المقدسي يقول اسخن الله عين ابي نعيم يتكلم في ابي عبدالله ابن منده وقد اجمع الناس على امامته قلت كلام الاقران بعضهم في بعض لا يعبأ به لا سيما اذا لاح لك انه لعداوة او لمذهب او
لحسد وما ينجو منه الا من عصمه الله وما علمت ان عصرا من الاعصار سلم سلم اهله من ذلك سوى الانبياء والصديقين ولو شئت لسردت من ذلك كراريس
وفي فتح المغيث لكن قد عقد ابن عبد البر في جامعة بابا
لكلام الاقران المتعاصرين بعضهم في بعض وراى ان اهل العلم لا يقبل الجرح فيهم الا ببيان واضح فان انضم الى ذلك عداوة فهو اولى بعدم القبول وفي طبقات الشافعية للتاج السبكي ينبغي لك ايها المسترشد ان تسلك سبيل الادب مع الائمة الماضيون وان لا تنظر الى كلام بعضهم في بعض الا اذا اتى ببرهان واضح ثم ان قدرت على التاويل وتحسين الظن فدونك والا فلضرب صفحا عما جرى بينهم فانك لم تخلق لهذا فاشتغل بما يعنيك ودع ما لا يعنيك ولا يزال طالب العلم نبيلا حتى يخوض فيما جرى بين الماضين واياك ثم اياك ان تصغي الى ما اتفق بين ابي حنيفة وسفيان الثوري او بين مالك وابن ابي ذئب
او بين احمد بن صالح
والنسائي او بين احمد بن حنبل والحارث المحاسبي وهلم جرا الى زمان العز بن عبدالسلام والتقي بن الصلاح فانك اذا اشتغلت في ذلك خفت عليك الهلاك فالقوم ائمة اعلام ولاقوالهم محامل وربما لم نفهم بعضها فليس لنا إلا الترضي عنهم والسكوت
عما جرى بينهم كما يفعل فيما جرى بين الصحابة رضي الله عنهم انتهى
وفيه ايضا الحذر كل الحذر ان تفهم ان قاعدتهم الجرح مقدم
على التعديل على اطلاقها بل الصواب ان ثبتت امامته وعدالته وكثر مادخوه وندر
جارحوه وكانت هناك قرينة دالة على سبب جرحه من تعصب مذهبي او غيره لم يلتفت الى
جرحه انتهى
وفيه ايضا قد عرفناك ان الجارح لا يقبل منه الجرح وان
فسره في حق من غلبت طاعته على معاصيه ومادحوه على ذاميه ومزكوه على جارحيه اذا
كانت هناك قرينة يشهد العقل ان مثلها حامل على الواقعية
في الذي جرحه من تعصب مذهبي او منافسة دنيوية كما يكون بين النظراء او غير
ذلك
وحين اذ فلا يلتفت لكلام الثوري وغيره في ابي حنيفة وابن
ابي ذئب وغيره في ماله وابن معين في الشافعي والنسائي في احمد بن صالح ونحوه ولو
اطلقنا تقديم الجرح لما سلم لنا احد من الائمة اذا ما من امام الا وقد طعن فيه طاعنون
وهلك فيه هالكون انتهى
وفي الخيرات الحسان في مناقب النعمان لابن حجر المكي
الفصل التاسع والثلاثون في رد ما نقله الخطيب تارخه عن القادحين فيه اعلم انه لم
يقصد في ذلك الا جمع ما قيل في الرجل على عادة المؤرخين ولم يقصد بذلك انتقاصه ولا
حط مرتبته بدليل
انه قدم كلام المادحين واكثر منه ومن نقل مآثيره ثم عقبه بذكر كلام
القادحين فيه ومما يدل على ذلك ايضا ان الاسانيد التي ذكرها للقدح لا يخلو غالبه
من متكلم فيه او مجهول ولا يجوز اجماعه عرض المسلم بمثل ذلك فكيف بامام من ائمة
المسلمين
وبفرض صحة ما ذكره الخطيب من القدح عن قائله لا يعتد به
فانه اذ كان من غير اقران الامام فهو مقلد لما قاله او كتبه اعدائه او من اقرانه
فكذلك لما مر ان القول الاقران بعضهم في بعض غير مقبول وقد صرح الحافظان الذهبي وابن
حجر بذلك انتهى
فائدة
قد صرحوا بأن كلمات المعاصر في حق المعاصر غير مقبولة وهو كما أشرنا إليه مقيد بما إذا كانت بغير برهان وحجة وكانت مبنية على التعصب والمنافرة فإن لم يكن هذا ولا هذا فهي مقبولة بلا شبهة فاحفظه فإنه مما ينفعك في الاولى والآخرة
ولما بلغ الكلام الى هذا المقام فانمسك عنان القلم ونختم الرقم فان خير
الكلام ما قل ودل لا ما طال وامل والمرجو من علماء العصر وطلباء الدهر الا يبادرو
الى الوقوع في مضايق الجرح والتعديل الا بعد محافظة ما اوردته في هذا السفر الجليل
والله اسأل ان ينفع عباده بهذا التأليف وسائر تأليفاته
ويجعلها نافعة في دنياي واخرتي
وكان الاختتام ليلة يوم الاحد الثاني من اول الاشهر
الحرم المتوالية ذي القعدة العالية من السنة الحادية بعد الف وثلاث مائة من هجرة
ليلاه لما دارت الكواكب الدائرة صلى الله عليه و سلم وعلى اله وصحبه ومن تبعهم الى
يوم يحشر الناس في الساهرة