ج15.
البداية والنهاية
تأليف: عماد الدين أبي الفداء اسماعيل بن عمر
بن كثير القرشي الدمشقي (774 هـ).
كُلَّ
جُمُعَةٍ، حَتَّى أَتَاهُ رَجُلٌ مِنَ الرُّومِ فَقَالَ: إِنْ شِئْتَ جَعَلْتُ
لَكَ شَيْئًا، إِذَا قَعَدْتَ عَلَيْهِ كُنْتَ كَأَنَّكَ قَائِمٌ. قَالَ: "
نَعَمْ ". قَالَ: فَجَعَلَ لَهُ الْمِنْبَرَ، فَلَمَّا جَلَسَ عَلَيْهِ
حَنَّتِ الْخَشَبَةُ حَنِينَ النَّاقَةِ عَلَى وَلَدِهَا، حَتَّى نَزَلَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا،
فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ رَأَيْتُهَا قَدْ حُوِّلَتْ، فَقُلْنَا: مَا هَذَا ؟
قَالُوا: جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ
وَعُمَرُ الْبَارِحَةَ فَحَوَّلُوهَا. وَهَذَا غَرِيبٌ أَيْضًا.
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: رَوَاهُ الْحَافِظُ
الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ الْجَوَارِبِيِّ، عَنْ
قَبِيصَةَ، عَنْ حِبَّانَ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ صَالِحِ بْنِ حَيَّانَ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، وَفِيهِ
أَنَّهُ خَيَّرَهُ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَاخْتَارَ الْجِذْعُ
الْآخِرَةَ، وَغَارَ حَتَّى ذَهَبَ فَلَمْ يُعْرَفْ. هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ
إِسْنَادًا وَمَتْنًا.
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: رَوَى أَبُو
نُعَيْمٍ مِنْ طَرِيقِ شَرِيكٍ الْقَاضِي وَعَمْرِو بْنِ أَبِي قَيْسٍ وَمُعَلَّى
بْنِ هِلَالٍ، ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ
بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَشَبَةٌ يَسْتَنِدُ إِلَيْهَا إِذَا خَطَبَ،
فَصُنِعَ لَهُ كُرْسِيٌّ أَوْ مِنْبَرٌ، فَلَمَّا فَقَدَتْهُ خَارَتْ
كَمَا
يَخُورُ الثَّوْرُ، حَتَّى سَمِعَهَا أَهْلُ الْمَسْجِدِ، فَأَتَاهَا رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَكَنَتْ. هَذَا لَفْظُ شَرِيكٍ
وَفِي رِوَايَةِ مُعَلَّى بْنِ هِلَالٍ، أَنَّهَا كَانَتْ مِنْ دَرِمٍ. وَهَذَا
إِسْنَادٌ جَيِّدٌ وَلَمْ يُخْرِجُوهُ، وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ
وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ
أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " قَوَائِمُ مِنْبَرِي رَوَاتِبُ فِي الْجَنَّةِ " وَرَوَى
النَّسَائِيُّ أَيْضًا بِهَذَا الْإِسْنَادِ: مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي
رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ فَهَذِهِ الطُّرُقُ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ
تُفِيدُ الْقَطْعَ بِوُقُوعِ ذَلِكَ عِنْدَ أَئِمَّةِ هَذَا الْفَنِّ، وَكَذَا
مَنْ تَأَمَّلَهَا، وَأَمْعَنَ فِيهَا النَّظَرَ وَالتَّأَمُّلَ مَعَ مَعْرِفَتِهِ
بِأَحْوَالِ الرِّجَالِ، وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ.
وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ
الْحَافِظُ، أَخْبَرَنِي أَبُو أَحْمَدَ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ، ثَنَا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ الرَّازِيُّ قَالَ: قَالَ أَبِي -
يَعْنِي أَبَا حَاتِمٍ الرَّازِيَّ - قَالَ عَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ: قَالَ لِي
الشَّافِعِيُّ: مَا أَعْطَى اللَّهُ نَبِيًّا مَا أَعْطَى مُحَمَّدًا صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقُلْتُ: أَعْطَى عِيسَى إِحْيَاءَ الْمَوْتَى.
فَقَالَ: أَعْطَى مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجِذْعَ الَّذِي
كَانَ يَخْطُبُ إِلَى جَنْبِهِ حَتَّى هُيِّئَ لَهُ الْمِنْبَرُ، فَلَمَّا هُيِّئَ
لَهُ الْمِنْبَرُ حَنَّ الْجِذْعُ حَتَّى سُمِعَ صَوْتُهُ. فَهَذَا أَكْبَرُ مِنْ
ذَلِكَ.
بَابُ
تَسْبِيحِ الْحَصَى فِي كَفِّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ
بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، ثَنَا
الْكُدَيْمِيُّ، ثَنَا قُرَيْشُ بْنُ أَنَسٍ، ثَنَا صَالِحُ بْنُ أَبِي
الْأَخْضَرِ، عَنِ الْزُّهْرِيِّ، عَنْ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ: سُوِيدُ بْنُ يَزِيدَ
السُّلَمِيُّ. قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يَقُولُ:لَا أَذْكُرُ عُثْمَانَ إِلَّا
بِخَيْرٍ بَعْدَ شَيْءٍ رَأَيْتُهُ؛ كُنْتُ رَجُلًا أَتَتَبَّعُ خَلَوَاتِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَيْتُهُ يَوْمًا جَالِسًا
وَحْدَهُ، فَاغْتَنَمْتُ خَلْوَتَهُ فَجِئْتُ حَتَّى جَلَسْتُ إِلَيْهِ، فَجَاءَ
أَبُو بَكْرٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، ثُمَّ جَلَسَ عَنْ يَمِينِ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ فَسَلَّمَ وَجَلَسَ عَنْ
يَمِينِ أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ جَاءَ عُثْمَانُ فَسَلَّمَ، وَجَلَسَ عَنْ يَمِينِ
عُمَرَ، وَبَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
سَبْعُ حَصَيَاتٍ. أَوْ قَالَ: تِسْعُ حَصَيَاتٍ. فَأَخَذَهُنَّ فِي كَفِّهِ
فَسَبَّحْنَ حَتَّى سَمِعْتُ لَهُنَّ حَنِينًا كَحَنِينِ النَّحْلِ، ثُمَّ
وَضَعَهُنَّ، فَخَرِسْنَ، ثُمَّ أَخَذَهُنَّ فَوَضَعَهُنَّ فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ
فَسَبَّحْنَ حَتَّى سَمِعْتُ لَهُنَّ حَنِينًا كَحَنِينِ النَّحْلِ، ثُمَّ
وَضَعَهُنَّ فَخَرِسْنَ، ثُمَّ تَنَاوَلَهُنَّ فَوَضَعَهُنَّ فِي يَدِ عُمَرَ
فَسَبَّحْنَ حَتَّى سَمِعْتُ لَهُنَّ حَنِينًا كَحَنِينِ النَّحْلِ، ثُمَّ
وَضَعَهُنَّ فَخَرِسْنَ، ثُمَّ تَنَاوَلَهُنَّ فَوَضَعَهُنَّ فِي يَدِ عُثْمَانَ
فَسَبَّحْنَ حَتَّى سَمِعْتُ لَهُنَّ حَنِينًا كَحَنِينِ النَّحْلِ، ثُمَّ
وَضَعَهُنَّ فَخَرِسْنَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" هَذِهِ خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ ". قَالَ الْبَيْهَقِيُّ:
وَكَذَلِكَ
رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، عَنْ قُرَيْشِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ
أَبِي الْأَخْضَرِ، وَصَالِحٌ لَمْ يَكُنْ حَافِظًا، وَالْمَحْفُوظُ رِوَايَةُ
شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الْزُّهْرِيِّ، قَالَ: ذَكَرَ الْوَلِيدُ بْنُ
سُوَيْدٍ، أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ كَبِيرَ السِّنِّ كَانَ مِمَّنْ
أَدْرَكَ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ، ذَكَرَ لَهُ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي
ذَرٍّ هَكَذَا.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ فِي
" الْزُّهْرِيَّاتِ " الَّتِي جَمَعَ فِيهَا أَحَادِيثَ الْزُّهْرِيِّ:
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، ثَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الْزُّهْرِيِّ قَالَ: ذَكَرَ
الْوَلِيدُ بْنُ سُوَيْدٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ كَبِيرَ السِّنِّ
كَانَ مِمَّنْ أَدْرَكَ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ، ذَكَرَ أَنَّهُ بَيْنَمَا هُوَ
قَاعِدٌ يَوْمًا فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ، وَأَبُو ذَرٍّ فِي الْمَجْلِسِ إِذْ
ذُكِرَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ يَقُولُ السُّلَمِيُّ: فَأَنَا أَظُنُّ أَنَّ فِي
نَفْسِ أَبِي ذَرٍّ عَلَى عُثْمَانَ مَعْتَبَةً؛ لِإِنْزَالِهِ إِيَّاهُ
بِالرَّبَذَةِ. فَلَمَّا ذُكِرَ لَهُ عُثْمَانُ عَرَّضَ لَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ
بِذَلِكَ، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّ فِي نَفْسِهِ عَلَيْهِ مَعْتَبَةً، فَلَمَّا
ذَكَرَهُ قَالَ: لَا تَقُلْ فِي عُثْمَانَ إِلَّا خَيْرًا، فَإِنِّي أَشْهَدُ
لَقَدْ رَأَيْتُ مِنْهُ مَنْظَرًا، وَشَهِدْتُ مِنْهُ مَشْهَدًا لَا أَنْسَاهُ
حَتَّى أَمُوتَ؛ كُنْتُ رَجُلًا أَلْتَمِسُ خَلَوَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لِأَسْمَعَ مِنْهُ أَوْ لِآخُذَ عَنْهُ، فَهَجَّرْتُ يَوْمًا
مِنَ الْأَيَّامِ، فَإِذَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ
خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ فَسَأَلْتُ عَنْهُ الْخَادِمَ، فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ فِي
بَيْتٍ، فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ جَالِسٌ لَيْسَ عِنْدَهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ،
وَكَأَنِّي حِينَئِذٍ أَرَى أَنَّهُ فِي وَحْيٍ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ
السَّلَامَ، ثُمَّ قَالَ: " مَا جَاءَ بِكَ " فَقُلْتُ: جَاءَ بِيَ
اللَّهُ وَرَسُولُهُ. فَأَمَرَنِي
أَنْ أَجْلِسَ، فَجَلَسْتُ إِلَى جَنْبِهِ، لَا أَسْأَلُهُ عَنْ شَيْءٍ وَلَا يَذْكُرُهُ لِي، فَمَكَثْتُ غَيْرَ كَثِيرٍ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ يَمْشِي مُسْرِعًا فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَرَدَّ السَّلَامَ، ثُمَّ قَالَ: " مَا جَاءَ بِكَ ؟ " قَالَ: جَاءَ بِيَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ. فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَنِ اجْلِسْ، فَجَلَسَ إِلَى رَبْوَةٍ مُقَابِلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا الطَّرِيقُ، حَتَّى إِذَا اسْتَوَى أَبُو بَكْرٍ جَالِسًا، فَأَشَارَ بِيَدِهِ فَجَلَسَ إِلَى جَنْبِي عَنْ يَمِينِي، ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ فَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَجَلَسَ إِلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ عَلَى تِلْكَ الرَّبْوَةِ، ثُمَّ جَاءَ عُثْمَانُ فَسَلَّمَ فَرَدَّ السَّلَامَ، وَقَالَ: " مَا جَاءَ بِكَ ؟ " قَالَ: جَاءَ بِيَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ. فَأَشَارَ إِلَيْهِ بِيَدِهِ فَقَعَدَ إِلَى الرَّبْوَةِ، ثُمَّ أَشَارَ بِيَدِهِ فَقَعَدَ إِلَى جَنْبِ عُمَرَ، فَتَكَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَلِمَةٍ لَمْ أَفْقَهْ أَوَّلَهَا غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: " قَلِيلٌ مَا يَبْقَيْنَ ". ثُمَّ قَبَضَ عَلَى حَصَيَاتٍ سَبْعٍ أَوْ تِسْعٍ أَوْ قَرِيبٍ مِنْ ذَلِكَ، فَسَبَّحْنَ فِي يَدِهِ حَتَّى سُمِعَ لَهُنَّ حَنِينٌ كَحَنِينِ النَّحْلِ، فِي كَفِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ نَاوَلَهُنَّ أَبَا بَكْرٍ وَجَاوَزَنِي فَسَبَّحْنَ فِي كَفِّ أَبِي بَكْرٍ كَمَا سَبَّحْنَ فِي كَفِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَخَذَهُنَّ مِنْهُ فَوَضَعَهُنَّ فِي الْأَرْضِ فَخَرِسْنَ فَصِرْنَ حَصًا، ثُمَّ نَاوَلَهُنَّ عُمَرَ فَسَبَّحْنَ فِي كَفِّهِ كَمَا سَبَّحْنَ فِي كَفِّ أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ أَخَذَهُنَّ فَوَضَعَهُنَّ فِي الْأَرْضِ فَخَرِسْنَ، ثُمَّ نَاوَلَهُنَّ عُثْمَانَ فَسَبَّحْنَ فِي كَفِّهِ نَحْوَ مَا سَبَّحْنَ فِي كَفِّ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، ثُمَّ أَخَذَهُنَّ فَوَضَعَهُنَّ فِي الْأَرْضِ فَخَرِسْنَ. قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ: رَوَاهُ صَالِحُ بْنُ أَبِي الْأَخْضَرِ، عَنِ الْزُّهْرِيِّ، فَقَالَ: عَنْ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ: سُوِيدُ بْنُ يَزِيدَ السُّلَمِيُّ. وَقَوْلُ شُعَيْبٍ أَصَحُّ.
وَقَالَ
أَبُو نُعَيْمٍ فِي كِتَابِ " دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ ": وَقَدْ رَوَى
دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
الْجُرَشِيِّ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ مِثْلَهُ. وَرَوَاهُ
شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ. قَالَ:
وَفِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: وَلَقَدْ كُنَّا نَسْمَعُ تَسْبِيحَ الطَّعَامِ وَهُوَ
يُؤْكَلُ.
حَدِيثٌ آخَرُ فِي ذَلِكَ: رَوَى الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ:
حَدَّثَنِي أَبُو أُمِّي مَالِكُ بْنُ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ
السَّاعِدِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَبِي أُسَيْدٍ السَّاعِدِيِّ
قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْعَبَّاسِ بْنِ
عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: " يَا أَبَا الْفَضْلِ، لَا تَرِمْ مَنْزِلَكَ غَدًا
أَنْتَ وَبَنُوكَ حَتَّى آتِيَكُمْ؛ فَإِنَّ لِي فِيكُمْ حَاجَةً ".
فَانْتَظَرُوهُ حَتَّى جَاءَ بَعْدَ مَا أَضْحَى، فَدَخَلَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ:
" السَّلَامُ عَلَيْكُمْ ". قَالُوا: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ
اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ. قَالَ: " كَيْفَ أَصْبَحْتُمْ ؟ " قَالُوا:
أَصْبَحْنَا بِخَيْرٍ نَحْمَدُ اللَّهَ، فَكَيْفَ أَصْبَحْتَ بِأَبِينَا
وَأُمِّنَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: " أَصْبَحْتُ بِخَيْرٍ
أَحْمَدُ اللَّهَ ". فَقَالَ لَهُمْ: " تَقَارَبُوا، تَقَارَبُوا يَزْحَفُ
بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ ". حَتَّى إِذَا أَمْكَنُوهُ اشْتَمَلَ عَلَيْهِمْ
بِمُلَاءَتِهِ، وَقَالَ: " يَا رَبِّ، هَذَا عَمِي وَصِنْوُ أَبِي،
وَهَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي
فَاسْتُرْهُمْ
مِنَ النَّارِ كَسَتْرِي إِيَّاهُمْ بِمُلَاءَتِي هَذِهِ ". قَالَ:
فَأَمَّنَتْ أُسْكُفَّةُ الْبَابِ وَحَوَائِطُ الْبَيْتِ فَقَالَتْ: آمِينَ آمِينَ
آمِينَ. وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَاجَهْ فِي " سُنَنِهِ
" مُخْتَصَرًا، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
حَاتِمٍ الْهَرَوِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ
سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ الْوَقَّاصِيِّ الْزُّهْرِيِّ، رَوَى عَنْهُ
جَمَاعَةٌ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَا أَعْرِفُهُ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ:
يَرْوِي أَحَادِيثَ مُشَبَّهَةً.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ،
ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، حَدَّثَنِي سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ
بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
إِنِّي لَأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلِيَّ قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ
إِنِّي لَأَعْرِفُهُ الْآنَ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي
شَيْبَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي بُكَيْرٍ بِهِ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
الطَّيَالِسِيُّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ سِمَاكٍ بِهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ التِّرْمِذِيُّ: ثَنَا عَبَّادُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُوفِيُّ،
ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ أَبِي ثَوْرٍ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ أَبِي
يَزِيدَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ:كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ، فَخَرَجْنَا فِي بَعْضِ نَوَاحِيهَا، فَمَا
اسْتَقْبَلَهُ جَبَلٌ وَلَا شَجَرٌ إِلَّا
قَالَ:
السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ
غَرِيبٌ، وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ،
وَقَالُوا: عَنْ عَبَّادِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ. مِنْهُمْ فَرْوَةُ بْنُ أَبِي
الْمَغْرَاءِ.
وَرَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ حَدِيثِ زِيَادِ بْنِ خَيْثَمَةَ، عَنِ
السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي عُمَارَةَ الْخَيْوَانِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ:خَرَجْتُ
مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ لَا يَمُرُّ
عَلَى حَجَرٍ وَلَا شَجَرٍ إِلَّا سَلَّمَ عَلَيْهِ.
وَقَدَّمْنَا فِي الْمَبْعَثِ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، لَمَّا
رَجَعَ وَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْهِ، جَعَلَ لَا يَمُرُّ بِحَجَرٍ وَلَا شَجَرٍ وَلَا
مَدَرٍ وَلَا شَيْءٍ إِلَّا قَالَ لَهُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ
وَذَكَرْنَا فِي وَقْعَةِ بَدْرٍ وَوَقْعَةِ حُنَيْنٍ رَمْيَهُ عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، بِتِلْكَ الْقَبْضَةِ مِنَ التُّرَابِ، وَأَمَرَهُ
أَصْحَابُهُ أَنْ يُتْبِعُوهَا بِالْحَمْلَةِ الصَّادِقَةِ، فَيَكُونُ النَّصْرُ
وَالظَّفَرُ وَالتَّأْيِيدُ عَقِبَ ذَلِكَ سَرِيعًا، أَمَّا فِي وَقْعَةِ بَدْرٍ
فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي سِيَاقِهَا فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ: وَمَا
رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى الْآيَةَ [ الْأَنْفَالِ: 17 ].
وَأَمَّا فِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْأَحَادِيثِ
بِأَسَانِيدِهِ وَأَلْفَاظِهِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ هَاهُنَا وَلِلَّهِ
الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: وَذَكَرْنَا فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا دَخَلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، فَوَجَدَ
الْأَصْنَامَ حَوْلَ الْكَعْبَةِ، فَجَعَلَ يَطْعَنُهَا بِشَيْءٍ فِي يَدِهِ،
وَيَقُولُ: " جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ
زَهُوقًا، قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ
وَمَا
يُعِيدُ " وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّهُ جَعَلَ لَا يُشِيرُ إِلَى صَنَمٍ مِنْهَا
إِلَّا خَرَّ لِقَفَاهُ. وَفِي رِوَايَةٍ: إِلَّا سَقَطَ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ وَأَبُو بَكْرٍ
أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا: ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ
بْنُ يَعْقُوبَ، ثَنَا بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسَى اللَّخْمِيُّ،
قَالَا: ثَنَا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ، أَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ،
أَنَّهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ
الصِّدِّيقِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مُسْتَتِرَةٌ بِقِرَامٍ فِيهِ صُورَةٌ
فَهَتَكَهُ، ثُمَّ قَالَ: " إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ
الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُشَبِّهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ " قَالَ
الْأَوْزَاعِيُّ: وَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَتَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتُرْسٍ فِيهِ تِمْثَالُ عُقَابٍ، فَوَضَعَ عَلَيْهِ يَدَهُ،
فَأَذْهَبَهُ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ.
بَابُ
مَا يَتَعَلَّقُ بِالْحَيَوَانَاتِ مِنْ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ قِصَّةُ
الْبَعِيرِ النَّادِّ وَسُجُودِهِ لَهُ وَشَكْوَاهُ إِلَيْهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ
وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ، ثَنَا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ،
عَنْ حَفْصٍ، هُوَ ابْنُ عُمَرَ، عَنْ عَمِّهِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:
كَانَ أَهْلُ بَيْتٍ مِنَ الْأَنْصَارِ لَهُمْ جَمَلٌ يَسْنُونَ عَلَيْهِ،
وَأَنَّهُ اسْتَصْعَبَ عَلَيْهِمْ فَمَنَعَهُمْ ظَهْرَهُ، وَأَنَّ الْأَنْصَارَ
جَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا:
إِنَّهُ كَانَ لَنَا جَمَلٌ نَسْنِي عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ اسْتَصْعَبَ عَلَيْنَا،
وَمَنَعَنَا ظَهْرَهُ، وَقَدْ عَطِشَ الزَّرْعُ وَالنَّخْلُ. فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: " قُومُوا "
فَقَامُوا، فَدَخَلَ الْحَائِطَ وَالْجَمَلُ فِي نَاحِيَتِهِ، فَمَشَى النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ فَقَالَتِ الْأَنْصَارُ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، إِنَّهُ قَدْ صَارَ مِثْلَ الْكَلْبِ الْكَلْبِ، وَإِنَّا نَخَافُ
عَلَيْكَ
صَوْلَتَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ
عَلَيَّ مِنْهُ بَأْسٌ فَلَمَّا نَظَّرَ الْجَمَلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلُ نَحْوَهُ حَتَّى خَرَّ سَاجِدًا بَيْنَ
يَدَيْهِ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِنَاصِيَتِهِ أَذَلَّ مَا كَانَتْ قَطُّ، حَتَّى أَدْخَلَهُ فِي الْعَمَلِ،
فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذِهِ بَهِيمَةٌ لَا تَعْقِلُ
تَسْجُدُ لَكَ! فَنَحْنُ أَحَقُّ أَنْ نَسْجُدَ لَكَ. فَقَالَ لَا يَصْلُحُ
لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبِشَرٍ، وَلَوْ صَلَحَ لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ
لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا; مِنْ عِظَمِ حَقِّهِ
عَلَيْهَا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ كَانَ مِنْ قَدَمِهِ إِلَى مَفْرِقِ
رَأْسِهِ قَرْحَةٌ تَنْبَجِسُ بِالْقَيْحِ وَالصَّدِيدِ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَتْهُ
فَلَحِسَتْهُ مَا أَدَّتْ حَقَّهُ وَهَذَا إِسْنَادٌ، جَيِّدٌ وَقَدْ رَوَى
النَّسَائِيُّ بَعْضَهُ مِنْ حَدِيثِ خَلَفِ بْنِ خَلِيفَةَ بِهِ
رِوَايَةُ جَابِرُ فِي ذَلِكَ:
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بْنُ سَلَامٍ، ثَنَا الْأَجْلَحُ
عَنِ الذَّيَّالِ بْنِ حَرْمَلَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سَفَرٍ،
حَتَّى إِذَا دَفَعْنَا إِلَى حَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ بَنِي النَّجَّارِ، إِذَا
فِيهِ جَمَلٌ لَا يَدْخُلُ الْحَائِطَ أَحَدٌ إِلَّا شَدَّ عَلَيْهِ. قَالَ:
فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَ
حَتَّى أَتَى الْحَائِطَ، فَدَعَا الْبَعِيرَ، فَجَاءَ وَاضِعًا مِشْفَرَهُ إِلَى
الْأَرْضِ، حَتَّى بَرَكَ بَيْنَ يَدَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَاتُوا
خِطَامًا، فَخَطَمَهُ وَدَفَعَهُ
إِلَى
صَاحِبِهِ. قَالَ: ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى النَّاسِ فَقَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ
بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا يَعْلَمُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، إِلَّا
عَاصِيَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ تَفَرَّدَ بِهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَسَيَأْتِي
عَنْ جَابِرٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِسِيَاقٍ آخَرَ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَبِهِ
الثِّقَةُ.
رِوَايَةُ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ:
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ: ثَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى،
ثَنَا يَزِيدُ بْنُ مِهْرَانَ أَبُو خَالِدٍ الْخَبَّازُ، ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ
عَيَّاشٍ، عَنِ الْأَجْلَحِ عَنِ الذَّيَّالِ بْنِ حَرْمَلَةَ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ قَالَ:جَاءَ قَوْمٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لَنَا بَعِيرًا قَدْ نَدَّ فِي
حَائِطٍ. فَجَاءَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ: " تَعَالَ " فَجَاءَ مُطَأْطِئًا رَأْسَهُ حَتَّى خَطَمَهُ
وَأَعْطَاهُ أَصْحَابَهُ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ يَا رَسُولَ
اللَّهِ، كَأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّكَ نَبِيٌّ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا أَحَدٌ إِلَّا
يَعْلَمُ أَنِّي نَبِيُّ اللَّهِ، إِلَّا كَفَرَةُ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَهَذَا
مِنْ هَذَا الْوَجْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ غَرِيبٌ جِدًّا وَالْأَشْبَهُ رِوَايَةُ
الْإِمَامِ أَحْمَدَ عَنْ جَابِرٍ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَجْلَحُ
قَدْ رَوَاهُ عَنِ الذَّيَّالِ عَنْ جَابِرٍ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَاللَّهُ
أَعْلَمُ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ: ثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ
الْفَضْلِ الْأَسْفَاطِيُّ، ثَنَا أَبُو عَوْنٍ الزِّيَادِيُّ، ثَنَا أَبُو
عَزَّةَ الدَّبَّاغُ، عَنْ أَبِي يَزِيدٍ الْمَدِينِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ،أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ كَانَ لَهُ فَحْلَانِ
فَاغْتَلَمَا، فَأَدْخَلَهُمَا حَائِطًا، فَسَدَّ عَلَيْهِمَا الْبَابَ، ثُمَّ
جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ
لَهُ، وَالنَّبِيُّ قَاعِدٌ وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: يَا
نَبِيَّ
اللَّهِ، إِنِّي جِئْتُ فِي حَاجَةٍ، فَإِنَّ فَحْلَيْنِ لِي اغْتَلَمَا، وَإِنِّي
أَدْخَلْتُهُمَا حَائِطًا، وَسَدَّدْتُ عَلَيْهِمَا الْبَابَ، فَأُحِبُّ أَنْ
تَدْعُوَ لِي أَنْ يُسَخِّرَهُمَا اللَّهُ لِي. فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: "
قُومُوا مَعَنَا " فَذَهَبَ حَتَّى أَتَى الْبَابَ، فَقَالَ: " افْتَحْ
". فَأَشْفَقَ الرَّجُلُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " افْتَحْ ". فَفَتَحَ الْبَابَ، فَإِذَا أَحَدُّ
الْفَحْلَيْنِ قَرِيبٌ مِنَ الْبَابِ، فَلَمَّا رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ لَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ائْتِنِي بِشَيْءٍ أَشُدُّ رَأْسَهُ وَأُمَكِّنُكَ
مِنْهُ ". فَجَاءَ بِخِطَامٍ، فَشَدَّ رَأَسَهُ وَأَمْكَنَهُ مِنْهُ، ثُمَّ
مَشَى إِلَى أَقْصَى الْحَائِطِ إِلَى الْفَحْلِ الْآخَرِ، فَلَمَّا رَآهُ وَقْعَ
لَهُ سَاجِدًا، فَقَالَ لِلرَّجُلِ: " ائْتِنِي بِشَيْءٍ أَشُدُّ رَأْسَهُ
". فَشَدَّ رَأْسَهُ وَأَمْكَنَهُ مِنْهُ، فَقَالَ: " اذْهَبْ
فَإِنَّهُمَا لَا يَعْصِيَانَكَ ". فَلَمَّا رَأَى أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ قَالُوا: " يَا رَسُولَ اللَّهِ،
هَذَانَ فَحْلَانِ لَا يَعْقِلَانِ سَجَدَا لَكَ! أَفَلَا نَسْجُدُ لَكَ؟ "
قَالَ: " لَا آمُرُ أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ، وَلَوْ أَمَرْتُ أَحَدًا
أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا وَهَذَا
إِسْنَادٌ غَرِيبٌ وَمَتْنٌ غَرِيبٌ.
وَرَوَاهُ الْفَقِيهُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ فِي كِتَابِهِ
" دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ " عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَمْدَانَ السِّجْزِيِّ،
عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بُجَيْرٍ الْبُجَيْرِيِّ، عَنْ بِشْرِ بْنِ
آدَمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَوْنٍ أَبِي عَوْنٍ الزِّيَادِيِّ بِهِ. وَقَدْ
رَوَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مَكِّيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ فَائِدٍ أَبِي
الْوَرْقَاءِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِنَحْوِ مَا تَقَدَّمَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
.
رِوَايَةُ
أَبِي هُرَيْرَةَ فِي ذَلِكَ:
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ الْفَقِيهُ: أَخْبَرَنَا
أَحْمَدُ بْنُ حَمْدَانَ، أَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بُجَيْرٍ، حَدَّثَنَا
يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ،
عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:انْطَلَقْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى قُبَاءٍ، فَأَشْرَفْنَا إِلَى حَائِطٍ، فَإِذَا
نَحْنُ بِنَاضِحٍ، فَلَمَّا أَقْبَلَ النَّاضِحُ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَبَصُرَ
بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَضَعَ جِرَانَهُ عَلَى
الْأَرْضِ، فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" فَنَحْنُ أَحَقُّ أَنْ نَسْجُدَ لَكَ مِنْ هَذِهِ الْبَهِيمَةِ ".
فَقَالَ: " سُبْحَانَ اللَّهِ! أَدُوَنَ اللَّهِ؟! مَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ
أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ دُونَ اللَّهِ، وَلَوْ أَمَرْتُ أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ
لِشَيْءٍ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا
رِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ فِي ذَلِكَ:
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، ثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ،
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ، عَنْ الْحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، ( ح ) وَثَنَا بَهْزٌ وَعَفَّانُ، قَالَا: ثَنَا مَهْدِيٌ،
ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي يَعْقُوبَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ مَوْلَى
الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: أَرْدَفَنِي
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ خَلْفَهُ،
فَأَسَرَّ إِلَيَّ حَدِيثًا لَا أُخْبِرُ بِهِ أَحَدًا أَبَدًا، وَكَانَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبُّ مَا اسْتَتَرَ بِهِ فِي
حَاجَتِهِ هَدَفٌ أَوْ حَائِشُ نَخْلٍ، فَدَخَلَ يَوْمًا حَائِطًا مِنْ حِيطَانِ
الْأَنْصَارِ، فَإِذَا جَمَلٌ قَدْ أَتَاهُ فَجَرْجَرَ
وَذَرَفَتْ
عَيْنَاهُ - وَقَالَ بَهْزٌ وَعَفَّانُ: فَلَمَّا رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَنَّ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ - فَمَسَحَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرَاتَهُ وَذِفْرَاهُ، فَسَكَنَ،
فَقَالَ: " مَنْ صَاحِبُ الْجَمَلِ؟ " فَجَاءَ فَتًى مِنَ الْأَنْصَارِ
قَالَ: هُوَ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ: " أَمَا تَتَّقِي اللَّهَ فِي
هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَهَا اللَّهُ؟ إِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ
تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ مَهْدِيِّ بْنِ
مَيْمُونٍ بِهِ.
رِوَايَةُ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فِي ذَلِكَ:
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، وَعَفَّانُ، قَالَا: ثَنَا
حَمَّادٌ، هُوَ ابْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ سَعِيدٍ، هُوَ
ابْنُ الْمُسَيَّبِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي نَفَرٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، فَجَاءَ
بَعِيرٌ فَسَجَدَ لَهُ، فَقَالَ أَصْحَابُهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَسْجُدُ لَكَ
الْبَهَائِمُ وَالشَّجَرُ! فَنَحْنُ أَحَقُّ أَنْ نَسْجُدَ لَكَ. فَقَالَ: "
اعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَأَكْرِمُوا أَخَاكُمْ، وَلَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ
يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا، وَلَوْ
أَمَرَهَا أَنْ تَنْقُلَ مِنْ جَبَلٍ أَصْفَرَ إِلَى جَبَلٍ أَسْوَدَ، وَمِنْ
جَبَلٍ أَسْوَدَ إِلَى جَبَلٍ أَبْيَضَ كَانَ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تَفْعَلَهُ
وَهَذَا الْإِسْنَادُ عَلَى شَرْطِ السُّنَنِ، وَإِنَّمَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ،
عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ عَفَّانَ، عَنْ حَمَّادٍ بِهِ:
" لَوْ أَمَرْتُ أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ
تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا ". إِلَى آخِرِهِ
رِوَايَةُ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ الثَّقَفِيِّ فِي ذَلِكَ، أَوْ هِيَ قِصَّةٌ
أُخْرَى:
قَالَ الْإِمَامُ
أَحْمَدُ:
ثَنَا أَبُو سَلَمَةَ الْخُزَاعِيُّ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَاصِمِ
بْنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي جَبِيرَةَ، عَنْ يَعْلَى بْنِ سِيَابَةَ
قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسِيرٍ
لَهُ، فَأَرَادَ أَنْ يَقْضِيَ حَاجَتَهُ، فَأَمَرَ وَدِيَّتَيْنِ، فَانْضَمَّتْ
إِحْدَاهُمَا إِلَى الْأُخْرَى، ثُمَّ أَمَرَهُمَا فَرَجَعَتَا إِلَى
مَنَابِتِهِمَا، وَجَاءَ بِعِيرٌ فَضَرَبَ بِجِرَانِهِ إِلَى الْأَرْضِ، ثُمَّ
جَرْجَرَ حَتَّى ابْتَلَّ مَا حَوْلَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَتَدْرُونَ مَا يَقُولُ الْبَعِيرُ؟ إِنَّهُ يَزْعُمُ
أَنَّ صَاحِبَهُ يُرِيدُ نَحْرَهُ ". فَبَعَثَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " أَوَاهِبُهُ أَنْتَ لِي؟
" فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا لِيَ مَالٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ.
فَقَالَ: " اسْتَوْصِ بِهِ مَعْرُوفًا ". فَقَالَ لَا جَرَمَ، لَا
أُكْرِمُ مَالًا لِي كَرَامَتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: وَأَتَى عَلَى
قَبْرٍ يُعَذَّبُ صَاحِبُهُ، فَقَالَ: " إِنَّهُ يُعَذَّبُ فِي غَيْرِ
كَبِيرٍ ". فَأَمَرَ بِجَرِيدَةٍ فَوُضِعَتْ عَلَى قَبْرِهِ، وَقَالَ: "
عَسَى أَنْ يُخَفِّفَ عَنْهُ مَا دَامَتْ رَطْبَةً "
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهُ:
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ
عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ يَعْلَى بْنِ
مُرَّةَ الثَّقَفِيِّ قَالَ:ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ رَأَيْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ; بَيْنَا نَحْنُ نَسِيرُ مَعَهُ إِذْ
مَرَرْنَا بِبَعِيرٍ يُسْنَى عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَآهُ الْبَعِيرُ جَرْجَرَ
وَوَضَعَ جِرَانَهُ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَيْنَ
صَاحِبُ
هَذَا الْبَعِيرِ؟ " فَجَاءَ فَقَالَ: " بِعْنِيهِ ". فَقَالَ:
لَا، بَلْ أَهَبُهُ لَكَ. فَقَالَ: " لَا، بَلْ بِعْنِيهِ ". قَالَ:
لَا، بَلْ نَهَبُهُ لَكَ، وَهُوَ لِأَهْلِ بَيْتٍ مَا لَهُمْ مَعِيشَةٌ غَيْرُهُ.
قَالَ: " أَمَا إِذْ ذَكَرَتْ هَذَا مِنْ أَمْرِهِ فَإِنَّهُ شَكَى كَثْرَةَ
الْعَمَلِ وَقِلَّةَ الْعَلَفِ، فَأَحْسِنُوا إِلَيْهِ ". قَالَ: ثُمَّ
سِرْنَا فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا، فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَجَاءَتْ شَجَرَةٌ تَشُقُّ الْأَرْضَ حَتَّى غَشِيَتْهُ، ثُمَّ
رَجَعَتْ إِلَى مَكَانِهَا، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ ذُكِرَتْ لَهُ، فَقَالَ: "
هِيَ شَجَرَةٌ اسْتَأْذَنَتْ رَبَّهَا عَزَّ وَجَلَّ فِي أَنْ تُسَلِّمَ عَلَى
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَذِنَ لَهَا ". قَالَ:
ثُمَّ سِرْنَا فَمَرَرْنَا بِمَاءٍ، فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ بِابْنٍ لَهَا بِهِ
جِنَّةٌ، فَأَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْخَرِهِ،
فَقَالَ: " اخْرُجْ، إِنِّي مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ". قَالَ: ثُمَّ
سِرْنَا، فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ سَفَرِنَا مَرَرْنَا بِذَلِكَ الْمَاءِ،
فَأَتَتْهُ الْمَرْأَةُ بِجَزَرٍ وَلَبَنٍ، فَأَمَرَهَا أَنْ تَرُدَّ الْجَزَرَ،
وَأَمْرَ أَصْحَابَهُ فَشَرِبُوا مِنَ اللَّبَنِ، فَسَأَلَهَا عَنِ الصَّبِيِّ
فَقَالَتْ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا رَأَيْنَا مِنْهُ رَيْبًا بَعْدَكَ
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهُ:
قَالَ الْإمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ عُثْمَانَ
بْنِ حَكِيمٍ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ
يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثًا مَا رَآهَا أَحَدٌ قَبَلِي، وَلَا يَرَاهَا أَحَدٌ
بَعْدِي; لَقَدْ خَرَجْتُ مَعَهُ فِي سَفَرٍ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِبَعْضِ
الطَّرِيقِ مَرَرْنَا بِامْرَأَةٍ جَالِسَةٍ مَعَهَا صَبِيٌّ لَهَا، فَقَالَتْ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا أَصَابَهُ بَلَاءٌ وَأَصَابَنَا مِنْهُ بَلَاءٌ،
يُؤْخَذُ فِي الْيَوْمِ مَا أَدْرِي كَمْ مَرَّةً. قَالَ: " نَاوِلِينِيهِ
". فَرَفَعَتْهُ إِلَيْهِ فَجَعَلَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَاسِطَةِ الرَّحْلِ،
ثُمَّ فَغَرَ فَاهُ فَنَفَثَ فِيهِ ثَلَاثًا، وَقَالَ: " بِسْمِ اللَّهِ،
أَنَا عَبْدُ اللَّهِ، اخْسَأْ عَدُوَّ اللَّهِ ". ثُمَّ
نَاوَلَهَا إِيَّاهُ، فَقَالَ " الْقَيْنَا فِي الرَّجْعَةِ فِي هَذَا الْمَكَانِ فَأَخْبِرِينَا مَا فَعَلَ ". قَالَ: فَذَهَبْنَا وَرَجَعْنَا، فَوَجَدْنَاهَا فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ مَعَهَا شِيَاهٌ ثَلَاثٌ، فَقَالَ: " مَا فَعَلَ صَبِيُّكِ؟ " فَقَالَتْ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا حَسِسْنَا مِنْهُ شَيْئًا حَتَّى السَّاعَةِ، فَاجْتَزِرْ هَذِهِ الْغَنَمَ. قَالَ: " انْزِلْ فَخُذْ مِنْهَا وَاحِدَةً وَرُدَّ الْبَقِيَّةَ ". قَالَ: وَخَرَجْنَا ذَاتَ يَوْمٍ إِلَى الْجَبَّانَةِ حَتَّى إِذَا بَرَزْنَا قَالَ: " وَيْحَكَ، انْظُرْ هَلْ تَرَى مِنْ شَيْءٍ يُوَارِينِي؟ " قُلْتُ: مَا أَرَى شَيْئًا يُوَارِيكَ إِلَّا شَجَرَةً مَا أَرَاهَا تُوَارِيكَ. قَالَ: " فَمَا بِقُرْبِهَا؟ " قُلْتُ: شَجَرَةٌ مِثْلُهَا أَوْ قَرِيبٌ مِنْهَا. قَالَ: " فَاذْهَبْ إِلَيْهِمَا فَقُلْ لَهُمَا: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُكُمَا أَنْ تَجْتَمِعَا بِإِذْنِ اللَّهِ ". قَالَ: فَاجْتَمَعَتَا فَبَرَزَ لِحَاجَتِهِ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: " اذْهَبْ إِلَيْهِمَا فَقُلْ لَهُمَا: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُكُمَا أَنْ تَرْجِعَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا إِلَى مَكَانِهَا ". فَرَجَعَتْ. قَالَ: وَكُنْتُ مَعَهُ جَالِسًا ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ جَاءَ جَمَلٌ يَخُبُّ، حَتَّى ضَرْبَ بِجِرَانِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ ذَرَفَتْ عَيْنَاهُ، فَقَالَ: " وَيْحَكَ انْظُرْ لِمَنْ هَذَا الْجَمَلُ، إِنَّ لَهُ لَشَأْنًا ". قَالَ فَخَرَجْتُ أَلْتَمِسُ صَاحِبَهُ، فَوَجَدْتُهُ لِرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَدَعَوْتُهُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: " مَا شَأْنُ جَمَلِكَ هَذَا؟ " فَقَالَ: وَمَا شَأْنُهُ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي وَاللَّهِ مَا شَأْنُهُ، عَمِلْنَا عَلَيْهِ، وَنَضَحْنَا عَلَيْهِ، حَتَّى عَجَزَ عَنِ السِّقَايَةِ، فَائْتَمَرْنَا الْبَارِحَةَ أَنْ نَنْحَرَهُ وَنُقَسِّمَ لَحْمَهُ. قَالَ: " فَلَا تَفْعَلْ، هَبْهُ لِي أَوْ بِعْنِيهِ ". فَقَالَ: بَلْ هُوَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَوَسَمَهُ بِسِمَةِ الصَّدَقَةِ، ثُمَّ بَعَثَ بِهِ
طَرِيقٌ
أُخْرَى عَنْهُ:
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا وَكِيعٌ، ثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنِ الْمِنْهَالِ
بْنِ عَمْرٍو، عَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ الثَّقَفِيِّ، عَنْ أَبِيهِ - وَلَمْ
يَقُلْ وَكِيعٌ مَرَّةً: عَنْ أَبِيهِ -أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَعَهَا صَبِيٌّ لَهَا بِهِ لَمَمٌ،
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اخْرُجْ
عَدُوَّ اللَّهِ، أَنَا رَسُولُ اللَّهِ ". قَالَ: فَبَرَأَ. قَالَ:
فَأَهْدَتْ إِلَيْهِ كَبْشَيْنِ وَشَيْئًا مِنْ أَقِطٍ وَشَيْئًا مِنْ سَمْنٍ.
قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خُذِ
الْأَقِطَ وَالسَّمْنَ وَأَحَدَ الْكَبْشَيْنِ وَرُدَّ عَلَيْهَا الْآخَرَ ثُمَّ
ذَكَرَ قِصَّةَ الشَّجَرَتَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: ثَنَا أَسْوَدُ، ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ
حَبِيبِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ يَعْلَى
قَالَ: مَا أَظُنُّ أَنَّ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ رَأَى مِنْ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا دُونَ مَا رَأَيْتُ. فَذَكَرَ أَمْرَ
الصَّبِيِّ وَالنَّخْلَتَيْنِ وَأَمْرَ الْبَعِيرِ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: "
مَا لِبَعِيرِكَ يَشُكُّوكَ؟ زَعَمَ أَنَّكَ أَفْنَيْتَ شَبَابَهُ، حَتَّى إِذَا
كَبِرَ تُرِيدُ أَنْ تَنْحَرَهُ ". قَالَ صَدَقْتَ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ
قَدْ أَرَدْتُ ذَلِكَ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا أَفْعَلُ طَرِيقٌ
أُخْرَى عَنْهُ:
رَوَى الْبَيْهَقِيُّ، عَنِ الْحَاكِمِ وَغَيْرِهِ، عَنِ الْأَصَمِّ، ثَنَا
عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، ثَنَا حَمْدَانُ بْنُ الْأَصْبَهَانِيِّ،
ثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عُمَرَ
بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ
قَالَ:رَأَيْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةَ
أَشْيَاءَ مَا رَآهَا أَحَدٌ قَبْلِي; كُنْتُ مَعَهُ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ، فَمَرَّ
بِامْرَأَةٍ مَعَهَا ابْنٌ لَهَا بِهِ لَمَمٌ، مَا رَأَيْتُ لَمَمًا أَشَدَّ
مِنْهُ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ابْنِي هَذَا كَمَا تَرَى. فَقَالَ:
" إِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ لَهُ ". فَدَعَا لَهُ، ثُمَّ مَضَى فَمَرَّ
عَلَى بَعِيرٍ مَادٍّ جِرَانَهُ، يَرْغُو، فَقَالَ: " عَلَيَّ بِصَاحِبِ
هَذَا الْبَعِيرِ ". فَجِيءَ بِهِ، فَقَالَ: " هَذَا يَقُولُ: نُتِجْتُ
عِنْدَهُمْ فَاسْتَعْمَلُونِي، حَتَّى إِذَا كَبِرْتُ عِنْدَهُمْ أَرَادُوا أَنْ
يَنْحَرُونِي ". قَالَ: ثُمَّ مَضَى فَرَأَى شَجَرَتَيْنِ مُتَفَرِّقَتَيْنِ،
فَقَالَ لِي: " اذْهَبْ فَمُرْهُمَا فَلْيَجْتَمِعَا لِي ". قَالَ:
فَاجْتَمَعَتَا فَقَضَى حَاجَتَهُ. قَالَ: ثُمَّ مَضَى، فَلَمَّا انْصَرَفَ مَرَّ
عَلَى الصَّبِيِّ وَهُوَ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ وَقَدْ ذَهَبَ مَا بِهِ،
وَهَيَّأَتْ أُمُّهُ أَكْبُشًا، فَأَهْدَتْ لَهُ كَبْشَيْنِ، وَقَالَتْ: مَا عَادَ
إِلَيْهِ شَيْءٌ مِنَ اللَّمَمِ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " مَا مِنْ شَيْءٍ إِلَّا وَيَعْلَمُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ،
إِلَّا كَفَرَةُ - أَوْ: فَسَقَةُ - الْجِنِّ وَالْإِنْسِ
فَهَذِهِ طُرُقٌ جَيِّدَةٌ مُتَعَدِّدَةٌ تُفِيدُ غَلَبَةَ الظَّنِّ أَوِ
الْقَطْعِ عِنْدَ الْمُتَبَحِّرِ أَنَّ يَعْلَى بْنَ مُرَّةَ حَدَّثَ بِهَذِهِ
الْقِصَّةِ فِي الْجُمْلَةِ، وَقَدْ تَفَرَّدَ بِهَذَا كُلِّهِ الْإِمَامُ
أَحْمَدُ دُونَ أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ، وَلَمْ يَرْوِ أَحَدٌ مِنْهُمْ
شَيْئًا مِنْهُ سِوَى ابْنُ مَاجَهْ، فَإِنَّهُ رَوَى عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ
حُمَيْدِ بْنِ كَاسِبٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمٍ، عَنِ ابْنِ خَيْثَمٍ، عَنْ
يُونُسَ بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا ذَهَبَ إِلَى الْغَائِطِ أَبْعَدَ.
وَقَدِ
اعْتَنَى الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ بِحَدِيثِ الْبَعِيرِ فِي كِتَابِهِ "
دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ " وَطُرُقِهِ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ، ثُمَّ أَوْرَدَ
حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُرْطٍ الثُّمَالِيِّ قَالَ: جِيءَ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسِتِّ زَوْدٍ فَجَعَلْنَ يَزْدَلِفْنَ
إِلَيْهِ بِأَيَّتِهِنَّ يَبْدَأُ. وَقَدْ قَدَّمْتُ الْحَدِيثَ فِي حَجَّةِ
الْوَدَاعِ.
قُلْتُ: قَدْ أَسْلَفْنَا عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ نَحْوَ قِصَّةِ
الشَّجَرَتَيْنِ، وَذَكَرْنَا آنِفًا عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ
نَحْوًا مِنْ حَدِيثِ الْجَمَلِ، لَكِنْ بِسِيَاقٍ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ
هَذَا. فَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَسَيَأْتِي حَدِيثُ الصَّبِيِّ الَّذِي كَانَ
يُصْرَعُ وَدُعَاؤُهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، لَهُ وَبُرْؤُهُ فِي
الْحَالِ، مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى.
وَقَدْ رَوَى الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمِ
وَغَيْرِهِ، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ الْأَصَمِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ
الْجَبَّارِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ
الْمَلِكِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ:خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ الْبَرَازَ تَبَاعَدَ حَتَّى لَا
يَرَاهُ أَحَدٌ، فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا بِفَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ لَيْسَ فِيهَا
عَلَمٌ وَلَا شَجَرٌ، فَقَالَ لِي: " يَا جَابِرُ خُذِ الْإِدَاوَةَ
وَانْطَلِقْ بِنَا ". فَمَلَأْتُ الْإِدَاوَةَ مَاءً، وَانْطَلَقْنَا
فَمَشَيْنَا حَتَّى لَا نَكَادُ نُرَى، فَإِذَا شَجَرَتَانِ بَيْنَهُمَا أَذْرُعٌ،
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا جَابِرُ،
انْطَلِقْ فَقُلْ لِهَذِهِ الشَّجَرَةِ: يَقُولُ لَكِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْحَقِي بِصَاحِبَتِكِ حَتَّى أَجْلِسَ خَلْفَكُمَا
". فَفَعَلْتُ، فَرَجَعَتْ فَلَحِقَتْ بِصَاحِبَتِهَا، فَجَلَسَ خَلْفَهُمَا
حَتَّى قَضَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ رَجَعْنَا فَرَكِبْنَا رَوَاحِلَنَا، فَسِرْنَا
كَأَنَّمَا عَلَى رُءُوسِنَا الطَّيْرَ تُظِلُّنَا، وَإِذَا نَحْنُ بِامْرَأَةٍ قَدْ
عَرَضَتْ
لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، إِنَّ ابْنِي هَذَا يَأْخُذُهُ الشَّيْطَانُ كُلَّ يَوْمٍ ثَلَاثَ
مَرَّاتٍ لَا يَدَعُهُ. فَوَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَتَنَاوَلَهُ، فَجَعَلَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُقَدِّمَةِ الرَّحْلِ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اخْسَأْ
عَدُوَّ اللَّهِ، أَنَا رَسُولُ اللَّهِ ". وَأَعَادَ ذَلِكَ ثَلَاثَ
مَرَّاتٍ، ثُمَّ نَاوَلَهَا إِيَّاهُ، فَلَمَّا رَجَعْنَا فَكُّنَا بِذَلِكَ
الْمَاءِ، عَرَضَتْ لَنَا تِلْكَ الْمَرْأَةُ وَمَعَهَا كَبْشَانِ تَقُودُهُمَا
وَالصَّبِيُّ تَحْمِلُهُ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اقْبَلْ مِنِّي
هَدِيَّتِي، فَوَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنْ عَادَ إِلَيْهِ بَعْدُ. فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " خُذُوا أَحَدَهُمَا
وَرُدُّوا الْآخَرَ ". قَالَ: ثُمَّ سِرْنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَنَا، فَجَاءَ جَمَلٌ نَادٌّ، فَلَمَّا كَانَ
بَيْنَ السِّمَاطَيْنِ خَرَّ سَاجِدًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَيُّهَا النَّاسُ، مَنْ صَاحِبُ هَذَا الْجَمَلِ؟
" فَقَالَ فِتْيَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: هُوَ لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ.
قَالَ: " فَمَا شَأْنُهُ؟ " قَالُوا: سَنَوْنَا عَلَيْهِ مُنْذُ
عِشْرِينَ سَنَةً، فَلَمَّا كَبِرَتْ سِنُّهُ وَكَانَتْ عَلَيْهِ شُحَيْمَةٌ
أَرَدْنَا نَحْرَهُ لِنُقَسِّمَهُ بَيْنَ غِلْمَتِنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَبِيعُونِيهِ؟ " قَالُوا: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، هُوَ لَكَ. قَالَ: " فَأَحْسِنُوا إِلَيْهِ حَتَّى
يَأْتِيَهُ أَجْلُهُ ". فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَحْنُ أَحَقُّ أَنْ
نَسْجُدَ لَكَ مِنَ الْبَهَائِمِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا يَنْبَغِي لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ،
وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ كَانَ النِّسَاءُ لِأَزْوَاجِهِنَّ " وَهَذَا إِسْنَادٌ
جِيدٌ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ.
وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ
عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي الصَّفْرَاءِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ،
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا ذَهَبَ
الْمَذْهَبَ أَبْعَدَ.
ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَحَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنَا
أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، أَنَا
الْحُسَيْنُ
بْنُ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ، ثَنَا أَبُو حُمَةَ، ثَنَا أَبُو قُرَّةَ، عَنْ
زَمْعَةَ، عَنْ زِيَادٍ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ
سَمِعَ يُونُسَ بْنَ خَبَّابٍ الْكُوفِيَّ يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا
عُبَيْدَةَ يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ،عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ كَانَ فِي سَفَرٍ إِلَى مَكَّةَ، فَذَهَبَ
إِلَى الْغَائِطِ، وَكَانَ يُبْعِدُ حَتَّى لَا يَرَاهُ أَحَدٌ. قَالَ: فَلَمْ
يَجِدْ شَيْئًا يَتَوَارَى بِهِ، فَبَصُرَ بِشَجَرَتَيْنِ. فَذَكَرَ قِصَّةَ
الشَّجَرَتَيْنِ، وَقِصَّةَ الْجَمَلِ بِنَحْوٍ مَنْ حَدِيثِ جَابِرٍ. قَالَ
الْبَيْهَقِيُّ: وَحَدِيثُ جَابِرٍ أَصَحُّ. قَالَ: وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ
يَنْفَرِدُ بِهَا زَمْعَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ زِيَادٍ، أَظُنُّهُ ابْنَ سَعْدٍ،
عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ. قُلْتُ: وَقَدْ تَكُونُ هَذِهِ أَيْضًا مَحْفُوظَةً،
وَلَا يُنَافِي حَدِيثَ جَابِرٍ وَيَعْلَى بْنِ مُرَّةَ، بَلْ يَشْهَدُ لَهُمَا
وَيَكُونُ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ
تَدْرُسَ الْمَكِّيِّ، عَنْ جَابِرٍ، وَعَنْ يُونُسَ بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ أَبِي
عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أَبِيهِ. وَاللَّهُ
أَعْلَمُ.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ يَحْيَى الصَّدَفِيِّ،
وَهُوَ ضَعِيفٌ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أُسَامَةَ
بْنِ زَيْدٍ حَدِيثًا طَوِيلًا نَحْوَ سِيَاقِ حَدِيثِ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ
وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَفِيهِ قِصَّةُ الصَّبِيِّ الَّذِي كَانَ
يُصْرَعُ وَمَجِيءُ أُمِّهِ بِشَاةٍ مَشْوِيَّةٍ، فَقَالَ: " نَاوِلْنِي
الذِّرَاعَ ". فَنَاوَلْتُهُ، ثُمَّ قَالَ: " نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ
". فَنَاوَلْتُهُ، ثُمَّ قَالَ: " نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ ".
فَقُلْتُ: كَمْ لِلشَّاةِ مِنْ ذِرَاعٍ؟ فَقَالَ: " وَالَّذِي نَفْسِي
بِيَدِهِ لَوْ سَكَتَّ لَنَاوَلْتَنِي مَا دَعَوْتُ ثُمَّ ذَكَرَ قِصَّةَ
النَّخَلَاتِ وَاجْتِمَاعِهِمْ وَانْتِقَالِ الْحِجَارَةِ مَعَهُمْ، حَتَّى
صَارَتِ الْحِجَارَةُ رَجْمًا خَلْفَ النَّخَلَاتِ، وَلَيْسَ فِي
سِيَاقِهِ
قِصَّةُ الْبَعِيرِ، فَلِهَذَا لَمْ نُورِدْهُ بِلَفْظِهِ وَإِسْنَادِهِ،
وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
وَقَدْ رَوَى الْحَافِظُ بْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ غَيْلَانَ بْنِ سَلَمَةِ
الثَّقَفِيِّ، بِسَنَدِهِ إِلَى مُعَلَّى بْنِ مَنْصُورٍ الرَّازِيِّ، عَنْ
شَبِيبِ بْنِ شَيْبَةَ، عَنْ بِشْرِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ غَيْلَانَ بْنِ سَلَمَةَ
قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَرَأَيْنَا عَجَبًا، فَذَكَرَ قِصَّةَ الْأَشَاءَتَيْنِ وَاسْتِتَارِهِ بِهِمَا
عِنْدَ الْخَلَاءِ، وَقِصَّةَ الصَّبِيِّ الَّذِي كَانَ يُصْرَعُ، وَقَوْلَهُ:
بِسْمِ اللَّهِ، أَنَا رَسُولُ اللَّهِ، اخْرُجْ عَدُوَّ اللَّهِ، فَعُوفِيَ.
ثُمَّ ذَكَّرَ قِصَّةَ الْبَعِيرَيْنِ النَّادَّيْنِ، وَأَنَّهُمَا سَجَدَا لَهُ،
بِنَحْوِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْبَعِيرِ الْوَاحِدِ، فَلَعَلَّ هَذِهِ قِصَّةٌ
أُخْرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا سَلَفَ حَدِيثَ جَابِرٍ وَقِصَّةَ جَمَلِهِ الَّذِي كَانَ
قَدْ أَعْيَا، وَذَلِكَ مَرْجِعَهُمْ مِنْ تَبُوكَ وَتَأَخُّرَهُ فِي أُخْرَيَاتِ
الْقَوْمِ، فَلَحِقَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَعَا
لَهُ وَضَرَبَهُ، فَسَارَ سَيْرًا لَمْ يَسِرْ مِثْلَهُ حَتَّى جَعَلَ يَتَقَدَّمُ
أَمَامَ النَّاسِ، وَذَكَرْنَا شِرَاءَهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ،
مِنْهُ، وَفِي ثَمَنِهِ اخْتِلَافٌ كَثِيرٌ وَقَعَ مِنَ الرُّوَاةِ لَا يَضُرُّ
أَصْلَ الْقِصَّةِ كَمَا بَيَّنَاهُ. وَتَقَدَّمَ حَدِيثُ أَنَسٍ فِي رُكُوبِهِ،
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، عَلَى فَرَسِ أَبِي طَلْحَةَ حِينَ سَمِعَ
صَوْتًا بِالْمَدِينَةِ فَرَكِبِ ذَلِكَ الْفَرَسَ، وَكَانَ يُبْطِئُ، وَرَكِبَ
الْفُرْسَانُ نَحْوَ ذَلِكَ الصَّوْتِ، فَوَجَدُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ
رَجَعَ
بَعْدَ مَا كَشَفَ ذَلِكَ الْأَمْرَ فَلَمْ يَجِدْ لَهُ حَقِيقَةً، وَكَانَ قَدْ
رَكِبَهُ عُرْيًا; لَا شَيْءَ عَلَى الْفَرَسِ وَهُوَ مُتَقَلِّدٌ سَيْفًا،
فَرَجَعَ وَهُوَ يَقُولُ: " لَنْ تُرَاعُوا، لَنْ تُرَاعُوا، مَا وَجَدْنَا
مِنْ شَيْءٍ، وَإِنْ وَجَدْنَاهُ لَبَحْرًا ". أَيْ لَسَابِقًا، وَكَانَ
ذَلِكَ الْفَرَسٌ يُبْطِئُ قَبْلَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ، فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا
يُجَارَى وَلَا يُكْشَفُ لَهُ غُبَارٌ، وَذَلِكَ كُلُّهُ بِبِرْكَتِهِ، عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
حَدِيثٌ آخَرُ غَرِيبٌ فِي قِصَّةِ الْبَعِيرِ:
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ الْفَقِيهُ فِي
كِتَابِهِ " دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ "، وَهُوَ مُجَلَّدٌ كَبِيرٌ،
حَافِلٌ، كَثِيرُ الْفَوَائِدِ: أَخْبَرَنِي أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ،
حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ شَهْلَانَ الْقَوَّاسُ،
حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ الرَّاسِبِيُّ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ الْبَصَرِيُّ، حَدَّثَنَا سَلَامَةُ
بْنُ سَعِيدِ بْنِ زِيَادِ بْنِ فَائِدِ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ
الدَّارِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ حَدَّثَنَا تَمِيمُ
بْنُ أَوْسٍ، يَعْنِي الدَّارِيَّ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ أَقْبَلَ بَعِيرٌ يَعْدُو حَتَّى وَقَفَ
عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزِعًا، فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَيُّهَا الْبَعِيرُ،
اسْكُنْ، فَإِنْ تَكُ صَادِقًا فَلَكَ صِدْقُكَ، وَإِنْ تَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْكَ
كَذِبُكَ، مَعَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَمَّنَ عَائِذَنَا، وَلَا يَخَافُ
لَائِذُنَا ". قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا يَقُولُ هَذَا الْبَعِيرُ؟
قَالَ:
" هَذَا بَعِيرٌ هَمَّ أَهْلُهُ بِنَحْرِهِ، فَهَرَبَ مِنْهُمْ فَاسْتَغَاثَ بِنَبِيِّكُمْ ". فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ أَقْبَلُ أَصْحَابُهُ يَتَعَادَوْنَ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِمُ الْبَعِيرُ عَادَ إِلَى هَامَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا بَعِيرُنَا هَرَبَ مِنَّا مُنْذُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَلَمْ نَلْقَهُ إِلَّا بَيْنَ يَدَيْكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَشْكُو مُرَّ الشِّكَايَةِ ". فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا يَقُولُ؟ قَالَ: " يَقُولُ: إِنَّهُ رُبِّيَ فِي إِبِلِكُمْ حُوَارًا، وَكُنْتُمْ تَحْمِلُونَ عَلَيْهِ فِي الصَّيْفِ إِلَى مَوْضِعِ الْكَلَأِ، فَإِذَا كَانَ الشِّتَاءُ رَحَلْتُمْ إِلَى مَوْضِعِ الدَّفَأِ ". فَقَالُوا: قَدْ كَانَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ: " مَا جَزَاءُ الْعَبْدِ الصَّالِحِ مِنْ مَوَالِيهِ؟ " قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّا لَا نَبِيعُهُ وَلَا نَنْحَرُهُ. قَالَ: " فَقَدِ اسْتَغَاثَ فَلَمْ تُغِيثُوهُ، وَأَنَا أَوْلَى بِالرَّحْمَةِ مِنْكُمْ ; لَأَنَّ اللَّهَ نَزَعَ الرَّحْمَةَ مِنْ قُلُوبِ الْمُنَافِقِينَ، وَأَسْكَنَهَا فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ ". فَاشْتَرَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ قَالَ: " أَيُّهَا الْبَعِيرُ، انْطَلِقْ فَأَنْتَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ ". فَرَغَا عَلَى هَامَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " آمِينَ ". ثُمَّ رَغَا الثَّانِيَةَ، فَقَالَ: " آمِينَ "، ثُمَّ رَغَا الثَّالِثَةَ، فَقَالَ: " آمِينَ "، ثُمَّ رَغَا الرَّابِعَةَ، فَبَكَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا يَقُولُ هَذَا الْبَعِيرُ؟ قَالَ: " يَقُولُ: جَزَاكَ اللَّهُ أَيُّهَا النَّبِيُّ عَنِ الْإِسْلَامِ وَالْقُرْآنِ خَيْرًا. قُلْتُ: آمِينَ. قَالَ سَكَّنَ اللَّهُ رُعْبَ أُمَّتِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا سَكَّنْتَ رُعْبِي. قُلْتُ: آمِينَ. قَالَ: حَقَنَ اللَّهُ دِمَاءَ أُمَّتِكَ مِنْ أَعْدَائِهَا كَمَا حَقَنْتَ دَمِي. قُلْتُ: آمِينَ. قَالَ لَا جَعَلَ اللَّهُ بِأَسَهَا بَيْنَهَا. فَبَكَيْتُ وَقُلْتُ: هَذِهِ خِصَالٌ ثَلَاثٌ سَأَلْتُ رَبِّي فَأَعْطَانِيهَا وَمَنَعَنِي
وَاحِدَةً،
وَأَخْبَرَنِي جِبْرِيلُ عَنِ اللَّهِ أَنَّ فَنَاءَ أُمَّتِكَ بِالسَّيْفِ،
فَجَرَى الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ قُلْتُ: هَذَا الْحَدِيثُ غَرِيبٌ جِدًّا،
لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُصَنِّفِينَ فِي الدَّلَائِلِ أَوْرَدَهُ
سِوَى هَذَا الْمُصَنِّفِ، وَفِيهِ غَرَابَةٌ وَنَكَارَةٌ فِي إِسْنَادِهِ
وَمَتْنِهِ أَيْضًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ
حَدِيثٌ فِي سُجُودِ الْغَنَمِ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ أَيْضًا: قَالَ يَحْيَى بْنُ
صَاعِدٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ الْحِمْصِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ
بْنُ الْعَلَاءِ الزُّبَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ يُوسُفَ الْكِنْدِيُّ
أَبُو عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ
أَنَسٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَائِطًا لِلْأَنْصَارِ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمْرُ
وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَفِي الْحَائِطِ غَنَمُ فَسَجَدَتْ لَهُ، فَقَالَ
أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كُنَّا نَحْنُ أَحَقَّ بِالسُّجُودِ لَكَ مِنْ
هَذِهِ الْغَنَمِ. فَقَالَ: " إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدَ أَحَدٌ
لِأَحَدٍ، وَلَوْ كَانَ يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ
الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا غَرِيبٌ، وَفِي إِسْنَادِهِ مَنْ لَا يُعْرَفُ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قِصَّةُ الذِّئْبِ وَشَهَادَتُهُ بِالرِّسَالَةِ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، ثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ الْفَضْلِ
الْحُدَّانِيُّ، عَنْ أَبِي
نَضْرَةَ،
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ:عَدَا الذِّئْبُ عَلَى شَاةٍ فَأَخَذَهَا،
فَطَلَبَهُ الرَّاعِي، فَانْتَزَعَهَا مِنْهُ، فَأَقْعَى الذِّئْبُ عَلَى ذَنَبِهِ
فَقَالَ: أَلَّا تَتَّقِيَ اللَّهَ؟ تَنْزِعُ مِنِّي رِزْقًا سَاقَهُ اللَّهُ
إِلَيَّ؟! فَقَالَ: يَا عَجَبًا! ذِئْبٌ مُقْعٍ عَلَى ذَنَبِهِ يُكَلِّمُنِي
كَلَامَ الْإِنْسِ؟! فَقَالَ الذِّئْبُ: أَلَّا أُخْبِرَكَ بِأَعْجَبَ مِنْ
ذَلِكَ؟ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَثْرِبَ يُخْبِرُ
النَّاسَ بِأَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ. قَالَ: فَأَقْبَلَ الرَّاعِي يَسُوقُ
غَنَمَهُ حَتَّى دَخَلَ الْمَدِينَةَ، فَزَوَاهَا إِلَى زَاوِيَةٍ مِنْ
زَوَايَاهَا، ثُمَّ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَأَخْبَرَهُ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَنُودِيَ: الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ. ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ لِلرَّاعِي: "
أَخْبِرْهُمْ ". فَأَخْبَرَهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صَدَقَ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا
تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُكَلِّمَ السِّبَاعُ الْإِنْسَ، وَيُكَلِّمَ الرَّجُلَ
عَذَبَةُ سَوْطِهِ، وَشِرَاكُ نَعْلِهِ، وَيُخْبِرَهُ فَخْذُهُ بِمَا أَحْدَثَ
أَهْلُهُ بَعْدَهُ ". وَهَذَا إِسْنَادٌ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ وَقَدْ
صَحَّحَهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَلَمْ يَرِوِهِ إِلَّا التِّرْمِذِيُّ مِنْ قَوْلِهِ:
وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُكَلِّمَ السِّبَاعُ الْإِنْسَ
إِلَى آخِرِهِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ وَكِيعٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ
الْفَضْلِ. ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ، لَا نَعْرِفُهُ
إِلَّا مِنْ حَدِيثِ الْقَاسِمِ، وَهُوَ ثِقَةٌ مَأْمُونٌ عِنْدَ أَهْلِ
الْحَدِيثِ، وَثَّقَهُ يَحْيَى وَابْنُ مَهْدِيٍّ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنَا شُعَيْبٌ،
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي حُسَيْنٍ، حَدَّثَنِي شَهْرٌ، أَنَّ
أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ حَدَّثَهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بَيْنَا أَعْرَابِيٌّ فِي بَعْضِ نَوَاحِي الْمَدِينَةِ فِي غَنَمٍ لَهُ عَدَا عَلَيْهِ الذِّئْبُ، فَأَخَذَ شَاةً مِنْ غَنَمِهِ، فَأَدْرَكَهُ الْأَعْرَابِيُّ فَاسْتَنْقَذَهَا مِنْهُ وَهَجْهَجَهُ، فَعَانَدَهُ الذِّئْبُ يَمْشِي، ثُمَّ أَقْعَى مُسْتَذْفِرًا بِذَنَبِهِ يُخَاطِبُهُ، فَقَالَ: أَخَذْتَ رِزْقًا رَزَقْنِيهِ اللَّهُ! قَالَ: وَاعْجَبَا مِنْ ذِئْبٍ مُقْعٍ مُسْتَذْفِرٍ بِذَنَبِهِ يُخَاطِبُنِي! فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنَّكَ لِتَتْرُكُ أَعْجَبَ مِنْ هَذَا قَالَ: وَمَا أَعْجَبُ مِنْ هَذَا؟ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّخَلَاتِ بَيْنَ الْحَرَّتَيْنِ يُحَدِّثُ النَّاسَ عَنْ نَبَأِ مَا قَدْ سَبَقَ وَمَا يَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ. قَالَ فَنَعَقَ الْأَعْرَابِيُّ بِغَنَمِهِ حَتَّى أَلْجَأَهَا إِلَى بَعْضِ الْمَدِينَةِ، ثُمَّ مَشَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى ضَرَبَ عَلَيْهِ بَابَهُ، فَلَمَّا صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَيْنَ الْأَعْرَابِيُّ صَاحِبُ الْغَنَمِ؟ " فَقَامَ الْأَعْرَابِيُّ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حَدِّثِ النَّاسَ بِمَا سَمِعْتَ وَبِمَا رَأَيْتَ ". فَحَدَّثَ الْأَعْرَابِيُّ النَّاسَ بِمَا رَأَى مِنَ الذِّئْبِ وَمَا سَمِعَ مِنْهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ: " صَدَقَ، آيَاتٌ تَكُونُ قَبْلَ السَّاعَةِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ أَحَدُكُمْ مِنْ أَهْلِهِ فَيُخْبِرُهُ نَعْلُهُ أَوْ سَوْطُهُ أَوْ عَصَاهُ بِمَا أَحْدَثَ أَهْلُهُ بَعْدَهُ وَهَذَا عَلَى شَرْطِ أَهْلِ السُّنَنِ وَلَمْ يُخْرِجُوهُ. وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ النُّفَيْلِيِّ
قَالَ:
قَرَأْتُ عَلَى مَعْقِلِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ
أَبِي سَعِيدٍ، فَذَكَرَهُ. ثُمَّ رَوَاهُ عَنِ الْحَاكِمِ وَأَبِي سَعِيدِ بْنِ
أَبِي عَمْرٍو، عَنِ الْأَصَمِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، عَنْ
يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ بَهْرَامٍ، عَنْ شَهْرِ بْنِ
حَوْشَبٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، فَذَكَرَهُ. وَرَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ،
مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ تَمِيمٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ
عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، فَذَكَرَهُ.
حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي ذَلِكَ:
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ
أَشْعَثَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
قَالَ: جَاءَ ذِئْبٌ إِلَى رَاعِي غَنَمٍ، فَأَخَذَ مِنْهَا شَاةً، فَطَلَبَهُ
الرَّاعِي حَتَّى انْتَزَعَهَا مِنْهُ. قَالَ: فَصَعِدَ الذِّئْبُ عَلَى تَلٍّ،
فَأَقْعَى وَاسْتَذْفَرَ، وَقَالَ: عَمَدْتَ إِلَى رِزْقٍ رَزَقْنِيهِ اللَّهُ،
عَزَّ وَجَلَّ، انْتَزَعْتَهُ مِنِّي! فَقَالَ الرَّجُلُ: بِاللَّهِ إِنْ رَأَيْتُ
كَالْيَوْمِ ذِئْبًا يَتَكَلَّمُ! فَقَالَ الذِّئْبُ: أَعْجَبُ مِنْ هَذَا رَجُلٌ
فِي النَّخَلَاتِ بَيْنَ الْحَرَّتَيْنِ يُخْبِرُكُمْ بِمَا مَضَى، وَبِمَا هُوَ
كَائِنٌ بِعَدَكُمْ. وَكَانَ الرَّجُلُ يَهُودِيًّا، فَجَاءَ إِلَى النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَ، وَخَبَّرَهُ فَصَدَّقَهُ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّهَا أَمَارَةٌ مِنْ أَمَارَاتٍ
بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ، قَدْ أَوْشَكَ الرَّجُلُ أَنْ يَخْرُجَ فَلَا يَرْجِعُ
حَتَّى تُحَدِّثَهُ نَعْلَاهُ وَسَوْطُهُ مَا أَحْدَثَ أَهْلُهُ بَعْدَهُ
تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ، وَهُوَ عَلَى شَرْطِ السُّنَنِ وَلَمْ يُخْرِجُوهُ،
وَلَعَلَّ شَهْرَ بْنَ حَوْشَبٍ قَدْ سَمِعَهُ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي
هُرَيْرَةَ أَيْضًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثُ أَنَسٍ فِي ذَلِكَ:
قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي " دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ ": ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ
مُحَمَّدِ
بْنِ جَعْفَرٍ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ مَنْدَهَ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ
الْحَسَنِ بْنِ سَالِمٍ، ثَنَا الْحُسَيْنُ الرَّفَّاءُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ
بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَنَسٍ، ح وَحَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ هُوَ الطَّبَرَانِيُّ، ثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَاجِيَةَ، ثَنَا هِشَامُ بْنُ يُونُسَ
اللُّؤْلُؤِيِّ، ثَنَا حُسَيْنُ بْنُ سُلَيْمَانَ الرَّفَّاءُ، عَنْ عَبْدِ
الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فَشَدَدْتُ عَلَى
غَنَمِي، فَجَاءَ الذِّئْبُ فَأَخَذَ مِنْهَا شَاةً، فَاشْتَدَّ الرِّعَاءُ
خَلْفَهُ، فَقَالَ: طُعْمَةٌ أَطْعَمَنِيهَا اللَّهُ تَنْزِعُونَهَا مِنِّي!
قَالَ: فَبُهِتَ الْقَوْمُ، فَقَالَ: مَا تَعْجَبُونَ مِنْ كَلَامِ الذِّئْبِ
وَقَدْ نَزَلَ الْوَحْيُ عَلَى مُحَمَّدٍ، فَمِنْ مُصَدِّقٍ وَمُكَذِّبٍ ثُمَّ
قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: تَفَرَّدَ بِهِ حُسَيْنُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ عَبْدِ
الْمَلِكِ. قُلْتُ: الْحُسَيْنُ بْنُ سُلَيْمَانَ الرَّفَّاءُ هَذَا يُقَالُ لَهُ:
الطَّلْحِىُّ. كُوفِيٌّ أَوْرَدَ لَهُ ابْنُ عَدِيٍّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ
عُمَيْرٍ أَحَادِيثَ، ثُمَّ قَالَ: لَا يُتَابَعُ عَلَيْهَا.
حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِي ذَلِكَ:
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الْمَالِينِيُّ، أَنَا أَبُو
أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ
السِّجِسْتَانِيُّ، ثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ أَبِي عِيسَى، ثَنَا
جَعْفَرُ بْنُ جِسْرٍ أَخْبَرَنِي أَبِي جِسْرٍ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
حَرْمَلَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: كَانَ
رَاعٍ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَنَمٍ لَهُ، إِذْ جَاءَ الذِّئْبُ فَأَخَذَ
شَاةً، وَوَثَبَ الرَّاعِي حَتَّى انْتَزَعَهَا مِنْ فِيهِ، فَقَالَ لَهُ
الذِّئْبُ: أَمَا تَتَّقِي اللَّهَ أَنْ تَمْنَعَنِي طُعْمَةٌ أَطْعَمَنِيهَا
اللَّهُ تَنْزِعُهَا مِنِّي! فَقَالَ لَهُ الرَّاعِي: الْعَجَبُ مِنْ ذِئْبٍ
يَتَكَلَّمُ! فَقَالَ لَهُ الذِّئْبُ: أَفَلَا أَدُلُّكَ عَلَى مَا هُوَ أَعْجَبُ
مِنْ كَلَامِي؟ ذَلِكَ الرَّجُلُ فِي النَّخْلِ يُخْبِرُ النَّاسَ بِحَدِيثِ
الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ، أَعْجَبُ مِنْ كَلَامِي، فَانْطَلَقَ الرَّاعِي
حَتَّى جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ
وَأَسْلَمَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" حَدِّثْ بِهِ النَّاسَ قَالَ الْحَافِظُ بْنُ عَدِيٍّ: قَالَ لَنَا أَبُو
بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ: وَلَدُ هَذَا الرَّاعِي يُقَالُ لَهُمْ: بَنُو
مُكَلِّمِ الذِّئْبِ. وَلَهُمْ أَمْوَالٌ وَنَعَمٌ، وَهُمْ مِنْ خُزَاعَةَ،
وَاسْمُ مُكَلِّمِ الذِّئْبِ أُهْبَانُ. قَالَ: وَمُحَمَّدُ بْنُ أَشْعَثَ الْخُزَاعِيُّ
مِنْ وَلَدِهِ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: فَدَلَّ عَلَى اشْتِهَارِ ذَلِكَ، وَهَذَا
مِمَّا يُقَوِّي الْحَدِيثَ.
وَقَدْ رَوَى مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيِّ فِي "
التَّارِيخِ " حَدَّثَنِي أَبُو طَلْحَةَ، حَدَّثَنِي سُفْيَانُ بْنُ حَمْزَةَ
الْأَسْلَمِيُّ، سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرٍ الْأَسْلَمِيَّ، عَنْ
رَبِيعَةَ بْنَ أَوْسٍ، عَنْ أَنِيسِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أُهْبَانَ بْنِ أَوْسٍ
قَالَ: كُنْتُ فِي غَنَمٍ لِي، فَكَلَّمَهُ الذِّئْبُ، فَأَتَى النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَ قَالَ الْبُخَارِيُّ: إِسْنَادُهُ لَيْسَ
بِالْقَوِيِّ.
ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السِّلْمِيِّ، سَمِعِتُ
الْحُسَيْنَ بْنَ
أَحْمَدَ
الرَّازِيَّ، سَمِعْتُ أَبَا سُلَيْمَانَ الْمُقْرِئَ يَقُولُ: خَرَجْتُ فِي
بَعْضِ الْبُلْدَانِ عَلَى حِمَارٍ، فَجَعَلَ الْحِمَارُ يَحِيدُ بِي عَنِ
الطَّرِيقِ، فَضَرَبْتُ رَأْسَهُ ضَرَبَاتٍ، فَرَفَعَ رَأَسَهُ إِلَيَّ وَقَالَ:
اضْرِبْ يَا أَبَا سُلَيْمَانَ، فَإِنَّمَا عَلَى دِمَاغِكَ هُوَ ذَا تَضْرِبُ.
قَالَ: قُلْتُ لَهُ: كَلَّمَكَ كَلَامًا يُفْهَمُ؟! قَالَ: كَمَا تُكَلِّمُنِي
وَأُكَلِّمُكَ
حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الذِّئْبِ:
عَلَى وَجْهٍ آخَرَ: وَقَدْ قَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ: ثَنَا حِبَّانُ بْنُ
عَلِيٍّ، ثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي الْأَوْبَرِ الْحَارِثِيِّ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:جَاءَ الذِّئْبُ فَأَقْعَى بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعَلَ يُبَصْبِصُ بِذَنَبِهِ، فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَذَا وَافِدُ
الذِّئَابِ، جَاءَ يَسْأَلُكُمْ أَنْ تَجْعَلُوا لَهُ مِنْ أَمْوَالِكُمْ شَيْئًا
". قَالُوا: وَاللَّهِ لَا نَفْعَلُ. وَأَخَذَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ حَجَرًا
فَرَمَاهُ، فَأَدْبَرَ الذِّئْبُ وَلَهُ عُوَاءٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الذِّئْبُ وَمَا الذِّئْبُ؟ وَقَدْ رَوَاهُ
الْبَيْهَقِيُّ، عَنِ الْحَاكِمِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْأَصْبَهَانِيِّ،
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ
عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ بِهِ. وَرَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ،
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَّنَى، عَنْ غُنْدَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَبْدِ
الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
فَذَكَرَهُ.
وَعَنْ
يُوسُفَ بْنِ مُوسَى، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ
بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي الْأَوْبَرِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:صَلَّى
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا صَلَاةَ الْغَدَاةِ،
ثُمَّ قَالَ: " هَذَا الذِّئْبُ، وَمَا الذِّئْبُ؟ جَاءَكُمْ يَسْأَلُكُمْ
أَنْ تُعْطُوهُ أَوْ تُشْرِكُوهُ فِي أَمْوَالِكُمْ ". فَرَمَاهُ رَجُلٌ
بِحَجَرٍ، فَمَرَّ - أَوْ وَلَّى - وَلَهُ عُوَاءٌ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ
إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي أُسِيدٍ قَالَ: خَرَجَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جِنَازَةِ رَجُلٍ مِنَ
الْأَنْصَارِ بِالْبَقِيعِ، فَإِذَا الذِّئْبُ مُفْتَرِشًا ذِرَاعَيْهِ عَلَى
الطَّرِيقِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
هَذَا جَاءَ يَسْتَفْرِضُ فَافْرِضُوا لَهُ ". قَالُوا: نَرَى رَأْيَكَ يَا
رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: " مِنْ كُلِّ سَائِمَةٍ شَاةٌ فِي كُلِّ عَامٍ
". قَالُوا: كَثِيرٌ. قَالَ: فَأَشَارَ إِلَى الذِّئْبِ أَنَّ خَالِسْهُمْ.
فَانْطَلَقَ الذِّئْبُ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ.
وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ، عَنْ رَجُلٍ سَمَّاهُ، عَنِ الْمَطْلَبِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي الْمَدِينَةِ إِذْ أَقْبَلَ ذِئْبٌ، فَوَقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ،
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَذَا وَافِدُ
السِّبَاعِ إِلَيْكُمْ، فَإِنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ تَفْرِضُوا لَهُ شَيْئًا لَا
يَعْدُوهُ إِلَى غَيْرِهِ، وَإِنْ أَحْبَبْتُمْ تَرَكْتُمُوهُ وَاحْتَرَزْتُمْ
مِنْهُ، فَمَا أَخَذَ فَهُوَ رِزْقُهُ ". فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا
تَطِيبُ أَنْفُسُنَا لَهُ بِشَيْءٍ. فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَصَابِعِهِ الثَّلَاثِ أَنَّ خَالِسَهُمْ. قَالَ:
فَوَلَّى وَلَهُ عَسَلَانٌ
وَقَالَ
أَبُو نُعَيْمٍ: ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، ثَنَا مُعَاذُ بْنُ
الْمُثَنَّى، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، ثَنَا سُفْيَانُ، ثَنَا الْأَعْمَشُ،
عَنْ شِمْرِ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ مُزَيْنَةَ أَوْ جُهَيْنَةَ
قَالَ:أَتَتْ وُفُودُ الذِّئَابِ قَرِيبٌ مِنْ مِائَةِ ذِئْبٍ حِينَ صَلَّى
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْعَيْنَ، فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَذِهِ وُفُودُ الذِّئَابِ،
جِئْنَكُمْ يَسْأَلْنَكُمْ لِتَفْرِضُوا لَهُنَّ مِنْ قُوتِ طَعَامِكُمْ
وَتَأْمَنُوا عَلَى مَا سِوَاهُ ". فَشَكَوْا إِلَيْهِ الْحَاجَةَ، قَالَ:
" فَأَدْبِرُوهُمْ ". قَالَ: فَخَرَجْنَ وَلَهُنَّ عُوَاءٌ
وَقَدْ تَكَلَّمَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَلَى حَدِيثِ الذِّئْبِ، فَذَكَرَهُ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ، وَعَنْ أُهْبَانَ بْنِ أَوْسٍ وَأَنَّهُ كَانَ
يُقَالُ لَهُ: مُكَلِّمُ الذِّئْبِ قَالَ: وَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ أَنَّهُ
جَرَى مِثْلُ هَذَا لِأَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ
مَعَ ذِئْبٍ وَجَدَاهُ أَخَذَ ظَبْيًا، فَدَخَلَ الظَّبِيُّ الْحَرَمَ،
فَانْصَرَفَ الذِّئْبُ، فَعَجِبَا مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ الذِّئْبُ: أَعْجَبُ مِنْ
ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بِالْمَدِينَةِ يَدْعُوكُمْ إِلَى
الْجَنَّةِ، وَتَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَاللَّاتِ
وَالْعُزَّى لَئِنْ ذَكَرْتَ هَذَا بِمَكَّةَ لَتَتْرُكَنَّهَا خُلُوفًا
قِصَّةُ
الْوَحْشِ الَّذِي كَانَ فِي بَيْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَكَانَ يَحْتَرِمُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَيُوَقِّرُهُ وَيُجِلُّهُ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، ثَنَا يُونُسُ، عَنْ
مُجَاهِدٍ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: ( كَانَ لِآلِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَشٌ، فَإِذَا خَرَجَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعِبَ وَاشْتَدَّ، وَأَقْبَلَ
وَأَدْبَرَ، فَإِذَا أَحَسَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَدْ دَخَلَ، رَبَضَ فَلَمْ يَتَرَمْرَمْ مَا دَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبَيْتِ، كَرَاهِيَةَ أَنْ يُؤْذِيَهُ وَرَوَاهُ
أَحْمَدُ أَيْضًا عَنْ وَكِيعٍ، وَعَنْ أَبِي قَطَنٍ كِلَاهُمَا، عَنْ يُونُسَ،
وَهُوَ ابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ. وَهَذَا الْإِسْنَادُ عَلَى شَرْطِ
الصَّحِيحِ، وَلَمْ يُخْرِجُوهُ وَهُوَ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قِصَّةُ الْأَسَدِ
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي تَرْجَمَةِ سَفِينَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَهُ حِينَ انْكَسَرَتْ بِهِمُ السَّفِينَةُ،
فَرَكِبَ لَوْحًا مِنْهَا حَتَّى دَخَلَ جَزِيرَةً فِي الْبَحْرِ، فَوَجَدَ فِيهَا
الْأَسَدَ، فَقَالَ لَهُ سَفِينَةُ: يَا أَبَا الْحَارِثِ، إِنِّي سَفِينَةُ
مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَضَرَبَ
مَنْكَبِي وَجَعَلَ يُحَاذِينِي حَتَّى أَقَامَنِي عَلَى الطَّرِيقِ، ثُمَّ
هَمْهَمْ
سَاعَةً،
فَرَأَيْتُ أَنَّهُ يُوَدِّعُنِي.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: ثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الْجَحْشِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ الْمُنْكَدِرِ، أَنَّ سَفِينَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْطَأَ الْجَيْشَ بِأَرْضِ الرُّومِ، أَوْ أُسِرَ فِي أَرْضِ
الرُّومِ، فَانْطَلَقَ هَارِبًا يَلْتَمِسُ الْجَيْشَ، فَإِذَا هُوَ بِالْأَسَدِ،
فَقَالَ: يَا أَبَا الْحَارِثِ، إِنِّي مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ مِنْ أَمْرِي كَيْتَ وَكَيْتَ. فَأَقْبَلَ الْأَسَدُ
يُبَصْبِصُهُ حَتَّى قَامَ إِلَى جَنْبِهِ، كُلَّمَا سَمِعَ صَوْتًا أَهْوَى
إِلَيْهِ، ثُمَّ أَقْبَلُ يَمْشِي إِلَى جَنْبِهِ، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى
أَبْلَغَهُ الْجَيْشَ، ثُمَّ رَجَعَ الْأَسَدُ عَنْهُ. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ.
حَدِيثُ الْغَزَالَةِ
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ فِي
كِتَابِهِ " دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ ". حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ
أَحْمَدَ إِمْلَاءً، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَيْمُونٍ، ثَنَا عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ
هِلَالٍ الْجُعْفِيُّ، عَنْ صَالِحٍ الْمُرِّيِّ، عَنْ، ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ،
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَلَى قَوْمٍ قَدِ اصْطَادُوا ظَبْيَةً، فَشَدُّوهَا عَلَى عَمُودِ
فُسْطَاطٍ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُخِذْتُ وَلِي
خَشْفَانِ، فَاسْتَأْذِنْ لِي أُرْضِعُهُمَا وَأَعُودُ إِلَيْهِمْ. فَقَالَ: " أَيْنَ صَاحِبُ هَذِهِ؟ " فَقَالَ الْقَوْمُ: نَحْنُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خَلُّوا عَنْهَا حَتَّى تَأْتِيَ خَشْفَيْهَا تُرْضِعُهُمَا وَتَرْجِعُ إِلَيْكُمْ ". فَقَالُوا: مَنْ لَنَا بِذَلِكَ؟ قَالَ: " أَنَا ". فَأَطْلَقُوهَا فَذَهَبَتْ فَأَرْضَعَتْ، ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَيْهِمْ فَأَوْثَقُوهَا، فَمَرَّ بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " أَيْنَ صَاحِبُ هَذِهِ؟ " فَقَالُوا: هُوَ ذَا نَحْنُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ: " تَبِيعُونِيهَا؟ " فَقَالُوا: هِيَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ: " خَلُّوا عَنْهَا ". فَأَطْلَقُوهَا فَذَهَبَتْ وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْغِطْرِيفِيُّ مِنْ أَصْلِهِ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى بْنِ أَنَسِ بْنِ نَصْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيَرِينَ بِالْبَصْرَةِ، ثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى بْنِ خَلَّادٍ، ثَنَا حَبَّانُ بْنُ أَغْلَبَ بْنِ تَمِيمٍ، ثَنَا أَبِي، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ ضَبَّةَ بْنِ مِحْصَنٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَحْرَاءَ مِنَ الْأَرْضِ إِذَا هَاتِفُ يَهْتِفُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: " فَالْتَفَتُّ فَلَمْ أَرَ أَحَدًا ". قَالَ: " فَمَشَيْتُ
غَيْرَ بَعِيدٍ، فَإِذَا الْهَاتِفُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَالْتَفَتُّ فَلَمْ أَرَ أَحَدًا، وَإِذَا الْهَاتِفُ يَهْتِفُ بِي، فَاتَّبَعْتُ الصَّوْتَ، وَهَجَمْتُ عَلَى ظَبْيَةٍ مَشْدُودَةٍ فِي وَثَاقٍ، وَإِذَا أَعْرَابِيٌّ مُنْجَدِلٌ فِي شَمْلَةٍ، نَائِمٌ فِي الشَّمْسِ، فَقَالَتِ الظَّبْيَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ هَذَا الْأَعْرَابِيَّ صَادَنِي قُبَيْلُ، وَلِي خَشْفَانِ فِي هَذَا الْجَبَلِ، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُطْلِقَنِي حَتَّى أُرْضِعَهُمَا، ثُمَّ أَعُودُ إِلَى وَثَاقِي؟ قَالَ: " وَتَفْعَلِينَ؟ قَالَتْ: عَذَّبَنِي اللَّهُ عَذَابَ الْعِشَارِ إِنْ لَمْ أَفْعَلْ ". فَأَطْلَقَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَضَتْ فَأَرْضَعَتِ الْخَشْفَيْنِ وَجَاءَتْ. قَالَ: فَبَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوثِقُهَا إِذِ انْتَبَهَ الْأَعْرَابِيُّ، فَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَصَبْتُهَا قُبَيْلًا، فَلَكَ فِيهَا مِنْ حَاجَةٍ؟ قَالَ: قُلْتُ: " نَعَمْ ". قَالَ: هِيَ لَكَ، فَأَطْلَقَهَا فَخَرَجَتْ تَعْدُو فِي الصَّحْرَاءِ فَرَحًا، وَهِيَ تَضْرِبُ بِرِجْلَيْهَا فِي الْأَرْضِ وَتَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: وَقَدْ رَوَاهُ آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي خَتَنِي الصَّدُوقُ نُوحُ بْنُ الْهَيْثَمِ، عَنْ حَبَّانَ بْنِ أَغْلَبَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، وَلَمْ يُجَاوِزْهُ بِهِ. وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ الْفَقِيهُ فِي كِتَابِهِ " دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ " مِنْ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمِ بْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ حَبَّانَ بْنِ أَغْلَبَ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ
أَبِيهِ،
عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ ضَبَّةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ
بِهِ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ
اللَّهِ الْحَافِظُ إِجَازَةً، أَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ
دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ
الْغِفَارِيُّ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ قَادِمٍ، ثَنَا أَبُو الْعَلَاءِ خَالِدُ بْنُ
طَهْمَانَ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِظَبْيَةٍ مَرْبُوطَةٍ إِلَى خِبَاءٍ، فَقَالَتْ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ حُلَّنِي حَتَّى أَذْهَبَ فَأُرْضِعُ خَشْفَيَّ ثُمَّ أَرْجِعُ
فَتَرْبُطُنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" صَيْدُ قَوْمٍ وَرَبِيطَةُ قَوْمٍ ". قَالَ: فَأَخَذَ عَلَيْهَا فَحَلَفَتْ
لَهُ. قَالَ: فَحَلَّهَا، فَمَا مَكَثَتْ إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى جَاءَتْ وَقَدْ
نَفَضَتْ مَا فِي ضَرْعِهَا، فَرَبَطَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَتَى خِبَاءَ أَصْحَابِهَا، فَاسْتَوْهَبَهَا مِنْهُمْ
فَوَهَبُوهَا لَهُ فَحَلَّهَا، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَوْ تَعْلَمُ الْبَهَائِمُ مِنَ الْمَوْتِ مَا
تَعْلَمُونَ، مَا أَكَلْتُمْ مِنْهَا سَمِينًا أَبَدًا
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ضَعِيفٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو
بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَامِدُ بْنُ
مُحَمَّدٍ الْهَرَوِيُّ، ثَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى، ثَنَا
أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ، ثَنَا يَعْلَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْغَزَّالُ، ثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ جَمَّازٍ، عَنْ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ سِكَكِ الْمَدِينَةِ. قَالَ: فَمَرَرْنَا بِخِبَاءِ أَعْرَابِيٍّ، فَإِذَا بِظَبْيَةٍ مَشْدُودَةٍ إِلَى الْخِبَاءِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ هَذَا الْأَعْرَابِيَّ اصْطَادَنِي، وَإِنَّ لِي خَشْفَيْنِ فِي الْبَرِّيَّةِ، وَقَدْ تَعَقَّدَ اللَّبَنُ فِي أَخَلَافِي، فَلَا هُوَ يَذْبَحُنِي فَأَسْتَرِيحَ، وَلَا هُوَ يَدَعُنِي فَأَرْجِعَ إِلَى خَشْفَيَّ فِي الْبَرِّيَّةِ. فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنْ تَرَكْتُكِ تَرْجِعِينَ؟ " قَالَتْ: نَعَمْ وَإِلَّا عَذَّبَنِيَ اللَّهُ عَذَابَ الْعِشَارِ. قَالَ: فَأَطْلَقَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ تَلْبَثْ أَنْ جَاءَتْ تُلْمِظُ، فَشَدَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْخِبَاءِ، وَأَقْبَلَ الْأَعْرَابِيُّ وَمَعَهُ قِرْبَةٌ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَتَبِيعُنِيهَا؟ " قَالَ: هِيَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَطْلَقَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ: فَأَنَا وَاللَّهُ رَأَيْتُهَا تَسِيحُ فِي الْبَرِّيَّةِ، وَهِيَ تَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَرَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ: ثَنَا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ مِنْ لَفْظِهِ، ثَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى، فَذَكَرَهُ قُلْتُ: وَفِي بَعْضِهِ نَكَارَةٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي بَابِ تَكْثِيرِهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، اللَّبَنَ حَدِيثَ تِلْكَ الشَّاةِ الَّتِي جَاءَتْ وَهِيَ فِي الْبَرِّيَّةِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَسَنَ بْنَ
سَعْدٍ
مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَحْلُبَهَا فَحَلَبَهَا، وَأَمَرَهُ أَنْ يَحْفَظَهَا،
فَذَهَبَتْ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " ذَهَبَ بِهَا الَّذِي جَاءَ بِهَا ". وَهُوَ مَرْوِيٌّ
مِنْ طَرِيقَيْنِ عَنْ صَحَابِيَّيْنِ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثُ الضَّبِّ عَلَى مَا فِيهِ مِنَ النَّكَارَةِ وَالْغَرَابَةِ
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ
الدَّامَغَانِيُّ مِنْ سَاكِنِي قَرْيَةِ نَامِينَ مِنْ نَاحِيَةِ بَيْهَقَ -
قِرَاءَةً عَلَيْهِ مِنْ أَصْلِ كِتَابِهِ - ثَنَا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِمِائَةٍ،
ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْوَلِيدِ السُّلَمِيِّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
عَبْدِ الْأَعْلَى، ثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، ثَنَا كَهَمْسٌ، عَنْ
دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عَامِرِ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي
مَحْفَلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، إِذْ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ قَدْ
صَادَ ضَبًّا وَجَعَلَهُ فِي كُمِّهِ، لِيَذْهَبَ بِهِ إِلَى رَحْلِهِ
فَيَشْوِيَهُ وَيَأْكُلَهُ، فَلَمَّا رَأَى الْجَمَاعَةَ قَالَ: مَا هَذَا؟
قَالُوا: هَذَا الَّذِي يَذْكُرُ أَنَّهُ نَبِيٌّ. فَجَاءَ فَشَقَّ النَّاسَ،
فَقَالَ: وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى مَا اشْتَمَلَتِ النِّسَاءُ عَلَى ذِي لَهْجَةٍ
أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْكَ، وَلَا أَمْقُتُ
مِنْكَ، وَلَوْلَا أَنْ يُسَمِّيَنِي قَوْمِي عَجُولًا لَعَجِلْتُ عَلَيْكَ فَقَتَلْتُكَ فَسَرَرْتُ بِقَتْلِكَ الْأَسْوَدَ وَالْأَحْمَرَ وَالْأَبْيَضَ وَغَيْرَهُمْ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، دَعْنِي فَأَقُومَ فَأَقْتُلَهُ. قَالَ: " يَا عُمَرُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْحَلِيمَ كَادَ أَنْ يَكُونَ نَبِيًّا؟ " ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الْأَعْرَابِيِّ، وَقَالَ: " مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ قُلْتَ مَا قُلْتَ وَقُلْتَ غَيْرَ الْحَقِّ، وَلَمْ تُكْرِمْنِي فِي مَجْلِسِي؟ " فَقَالَ: وَتُكَلِّمُنِي أَيْضًا! - اسْتِخْفَافًا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى لَا آمِنْتُ بِكَ أَوْ يُؤْمِنُ بِكَ هَذَا الضَّبُّ. وَأَخْرَجَ الضَّبَّ مِنْ كُمِّهِ وَطَرَحَهُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا ضَبُّ "، فَأَجَابَهُ الضَّبُّ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ يَسْمَعُهُ الْقَوْمُ جَمِيعًا: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ يَا زَيْنُ مَنْ وَافَى الْقِيَامَةَ. قَالَ " مَنْ تَعْبُدُ يَا ضَبُّ؟ " قَالَ: الَّذِي فِي السَّمَاءِ عَرْشُهُ، وَفِي الْأَرْضِ سُلْطَانُهُ، وَفِي الْبَحْرِ سَبِيلُهُ، وَفِي الْجَنَّةِ رَحْمَتُهُ، وَفِي النَّارِ عِقَابُهُ. قَالَ: " فَمَنْ أَنَا يَا ضَبُّ؟ " فَقَالَ: رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَقَدْ أَفْلَحَ مَنْ صَدَّقَكَ، وَقَدْ خَابَ مَنْ كَذَّبَكَ، فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: وَاللَّهُ لَا أَتَّبِعُ أَثَرًا بَعْدَ عَيْنٍ، وَاللَّهِ لَقَدْ جِئْتُكَ وَمَا عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْكَ، وَإِنَّكَ الْيَوْمَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ وَلَدِي وَمِنْ عَيْنِي وَمِنِّي، وَإِنِّي لَأُحِبُّكَ بِدَاخِلِي وَخَارِجِي وَسِرِّي وَعَلَانِيَتِي، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَّاكَ بِي، إِنَّ هَذَا الدِّينَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى، وَلَا يُقْبَلُ إِلَّا بِصَلَاةٍ، وَلَا تُقْبَلُ الصَّلَاةُ إِلَّا بِقُرْآنٍ ". قَالَ: " فَعَلِّمْنِي. فَعَلَّمَهُ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ قَالَ: زِدْنِي فَمَا سَمِعْتُ فِي الْبَسِيطِ وَلَا فِي الْوَجِيزِ أَحْسَنَ مِنْ هَذَا. قَالَ " يَا أَعْرَابِيُّ إِنَّ هَذَا كَلَامُ اللَّهِ
لَيْسَ بِشِعْرٍ، إِنَّكَ إِنْ قَرَأْتَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ مَرَّةً كَانَ لَكَ كَأَجْرِ مَنْ قَرَأَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ، وَإِنْ قَرَأَتْ مَرَّتَيْنِ كَانَ لَكَ كَأَجْرِ مَنْ قَرَأَ ثُلُثَيِ الْقُرْآنِ، وَإِذَا قَرَأَتَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كَانَ لَكَ كَأَجْرِ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ ". قَالَ الْأَعْرَابِيُّ: نِعْمَ الْإِلَهُ إِلَهُنَا، يَقْبَلُ الْيَسِيرَ وَيُعْطِي الْجَزِيلَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَلَكَ مَالٌ؟ " فَقَالَ مَا فِي بَنِي سُلَيْمٍ قَاطِبَةً رَجُلٌ هُوَ أَفْقَرُ مِنِّي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: " أَعْطُوهُ ". فَأَعْطَوْهُ حَتَّى أَبْطَرُوهُ. قَالَ: فَقَامَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لَهُ عِنْدِي نَاقَةً عُشَرَاءَ دُونَ الْبُخْتِيَّةِ وَفَوْقَ الْأَعْرَى، تَلْحَقُ وَلَا تُلْحَقُ، أُهْدِيَتْ إِلَيَّ يَوْمِ تَبُوكَ، أَتَقَرَّبُ بِهَا إِلَى اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، فَأَدْفَعُهَا إِلَى الْأَعْرَابِيِّ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَدْ وَصَفْتَ نَاقَتَكَ، فَأَصِفُ مَا لَكَ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ " قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: " لَكَ نَاقَةٌ مِنْ دُرَّةٍ جَوْفَاءَ، قَوَائِمُهَا مِنْ زَبَرْجَدٍ أَخْضَرَ، وَعُنُقُهَا مِنْ زَبَرْجَدٍ أَصْفَرَ، عَلَيْهَا هَوْدَجٌ، وَعَلَى الْهَوْدَجِ السُّنْدُسُ وَالْإِسْتَبْرَقُ، وَتَمُرُّ بِكَ عَلَى الصِّرَاطِ كَالْبَرْقِ الْخَاطِفِ، يَغْبِطُكَ بِهَا كُلٌّ مَنْ رَآكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: قَدْ رَضِيتُ. فَخَرَجَ الْأَعْرَابِيُّ، فَلَقِيَهُ أَلْفُ أَعْرَابِيٍّ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ عَلَى أَلْفِ دَابَّةٍ، مَعَهُمْ أَلْفُ سَيْفٍ وَأَلْفُ رُمْحٍ، فَقَالَ لَهُمْ: أَيْنَ تُرِيدُونَ؟ قَالُوا: نَذْهَبُ إِلَى هَذَا الَّذِي سَفَّهَ آلِهَتَنَا فَنَقْتُلُهُ. قَالَ: لَا تَفْعَلُوا، أَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَحَدَّثَهُمُ الْحَدِيثَ، فَقَالُوا بِأَجْمَعِهِمْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ دَخَلُوا فَقِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ،
فَتَلَقَّاهُمْ
بِلَا رِدَاءٍ، فَنَزَلُوا عَنْ رَكْبِهِمْ يُقْبِلُونَ حَتَّى دَنَوْا مِنْهُ،
وَهُمْ يَقُولُونَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ. ثُمَّ
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مُرْنَا بِأَمْرِكَ. قَالَ: " كُونُوا تَحْتَ
رَايَةِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ ". فَلَمْ يُؤْمِنْ مِنَ الْعَرَبِ وَلَا
مِنْ غَيْرِهِمْ أَلْفٌ غَيْرُهُمْ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: قَدْ أَخْرَجَهُ
شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ فِي الْمُعْجِزَاتِ بِالْإجَازَةِ،
عَنْ أَبِي أَحْمَدِ بْنِ عَدِيٍّ الْحَافِظِ. قُلْتُ: وَرَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو
نُعَيْمٍ فِي " الدَّلَائِلِ " عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ سُلَيْمَانَ بْنِ
أَحْمَدَ الطَّبَرَانِيِّ، إِمْلَاءً وَقِرَاءَةً، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
عَلِيِّ بْنِ الْوَلِيدِ السُّلَمِيُّ الْبَصْرِيُّ قَالَ: ثَنَا أَبُو بَكْرٍ
مِنْ كِتَابِهِ. فَذَكَرَ مِثْلَهُ.
وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ
الْوَلِيدِ السُّلْمِيِّ بِهِ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَرُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ
عَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ هُوَ أَمْثَلُ الْأَسَانِيدِ
فِيهِ. وَهُوَ أَيْضًا ضَعِيفٌ، وَالْحَمْلُ فِيهِ عَلَى هَذَا السُّلَمِيِّ. وَاللَّهُ
أَعْلَمُ.
حَدِيثُ
الْحِمَارِ
وَقَدْ أَنْكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْحُفَّاظِ الْكِبَارِ، فَقَالَ
أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ
أَحْمَدُ بْنُ حَمْدَانَ السِّجْزِيُّ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
بُجَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مَزْيَدٍ إِمْلَاءً، أَنَا
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي الصَّهْبَاءِ،
حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَبِيبٍ الْهُذَلِيِّ،
عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ أَبِي مَنْظُورٍ قَالَ: لَمَّا
فَتَحَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ
أَصَابَهُ مِنْ سَهْمِهِ أَرْبَعَةُ أَزْوَاجِ نِعَالٍ وَأَرْبَعَةُ أَزْوَاجِ
خِفَافٍ، وَعَشْرُ أَوَاقِ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، وَحِمَارٌ أَسْوَدُ، وَمِكْتَلٌ.
قَالَ: فَكَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحِمَارَ،
فَكَلَّمَهُ الْحِمَارُ، فَقَالَ لَهُ: " مَا اسْمُكَ؟ " قَالَ: يَزِيدُ
بْنُ شِهَابٍ، أَخْرَجَ اللَّهُ
مِنْ
نَسْلِ جَدِّي سِتِّينَ حِمَارًا، كُلُّهُمْ لَمْ يَرْكَبْهُمْ إِلَّا نَبِيٌّ،
وَلَمْ يَبْقَ مِنْ نَسَلِ جَدِّي غَيْرِي، وَلَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ غَيْرُكَ،
وَقَدْ كُنْتُ أَتَوَقَعُكَ أَنْ تَرْكَبَنِي، قَدْ كُنْتُ قَبْلَكَ لِرَجُلٍ
يَهُودِيٍّ، وَكُنْتُ أُعْثِرُ بِهِ عَمْدًا، وَكَانَ يُجِيعُ بَطْنِي وَيَضْرِبُ
ظَهْرِي، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَدْ
سَمَّيْتُكَ يَعْفُورًا، يَا يَعْفُورُ ". قَالَ: لَبَّيْكَ. قَالَ "
أَتَشْتَهِي الْإِنَاثَ؟ " قَالَ: لَا. فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْكَبُهُ لِحَاجَتِهِ، فَإِذَا نَزَلَ عَنْهُ بَعَثَ بِهِ
إِلَى بَابِ الرَّجُلِ، فَيَأْتِي الْبَابَ فَيَقْرَعُهُ بِرَأْسِهِ، فَإِذَا
خَرَجَ إِلَيْهِ صَاحِبُ الدَّارِ أَوْمَأَ إِلَيْهِ أَنْ أَجِبْ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ إِلَى بِئْرٍ كَانَتْ لِأَبِي الْهَيْثَمِ بْنِ
التِّيهَانِ، فَتَرَدَّى فِيهَا فَصَارَتْ قَبْرَهُ; جَزَعًا مِنْهُ عَلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
حَدِيثُ الْحُمَّرَةِ، وَهِيَ طَائِرٌ مَشْهُورٌ
قَالَ أَبُو دَاوُدِ الطَّيَالِسِيُّ: ثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ
سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ قَالَ:كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
سَفَرٍ، فَدَخَلَ رَجُلٌ غَيْضَةً، فَأَخْرَجَ بَيْضَةَ حُمَّرَةٍ، فَجَاءَتِ
الْحُمَّرَةُ تَرِفُّ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ، فَقَالَ: " أَيُّكُمْ فَجَعَ هَذِهِ؟ "
فَقَالَ
رَجُلٌ
مِنَ الْقَوْمِ: أَنَا أَخَذْتُ بَيْضَتَهَا. فَقَالَ رُدَّهَا رُدَّهَا; رَحْمَةً
لَهَا "
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ، عَنِ الْحَاكِمِ وَغَيْرِهِ، عَنِ الْأَصَمِّ، عَنْ
أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ
الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ،
عَنْ أَبِيهِ قَالَ:كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَمَرَرْنَا بِشَجَرَةٍ فِيهَا فَرْخَا حُمَّرَةٍ،
فَأَخَذْنَاهُمَا. قَالَ: فَجَاءَتِ الْحُمَّرَةُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ تَعَرَّضُ، فَقَالَ: " مَنْ فَجَعَ هَذِهِ
بِفَرْخَيْهَا؟ " قَالَ: فَقُلْنَا: نَحْنُ. قَالَ: " رُدُّوهُمَا
". فَرَدَدْنَاهُمَا إِلَى مَوْضِعِهِمَا فَلَمْ تَرْجِعْ
حَدِيثٌ آخَرَ فِي ذَلِكَ وَفِيهِ غَرَابَةٌ:
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ وَمُحَمَّدُ بْنُ
الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْعَلَوِيُّ، قَالَا: ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ
مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأُمَوِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ
عُتْبَةَ الْكِنْدِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ، ثَنَا حِبَّانُ، ثَنَا
أَبُو سَعْدٍ الْبَقَّالُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا، قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا
أَرَادَ الْحَاجَةَ أَبْعَدَ. قَالَ: فَذَهَبَ يَوْمًا فَقَعَدَ تَحْتَ
سَمُرَةٍ،
وَنَزَعَ خُفَّيْهِ. قَالَ: وَلَبِسَ أَحَدَهُمَا، فَجَاءَ طَيْرٌ، فَأَخَذَ
الْخُفَّ الْآخَرَ فَحَلَّقَ بِهِ فِي السَّمَاءِ، فَانْسَلَّتْ مِنْهُ أَسْوَدُ
سَالِخٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
هَذِهِ كَرَامَةٌ أَكْرَمَنِيَ اللَّهُ بِهَا، اللَّهُمَّ إِنِّي أُعَوِّذُ بِكَ
مِنْ شَرِّ مَنْ يَمْشَى عَلَى رِجْلَيْهِ، وَمِنْ شَرِّ مَنْ يَمْشِي عَلَى
بَطْنِهِ
حَدِيثٌ آخَرُ:
قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، ثَنَا مُعَاذٌ حَدَّثَنِي
أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رَجُلَيْنِ
مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَا مِنْ عِنْدِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ
وَمَعَهُمَا مِثْلُ الْمِصْبَاحَيْنِ يُضِيئَانِ بَيْنَ أَيْدِيهِمَا، فَلَمَّا
افْتَرَقَا صَارَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَاحِدٌ حَتَّى أَتَى أَهْلَهُ
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ
أُسَيْدَ بْنَ حُضَيْرٍ الْأَنْصَارِيَّ وَرَجُلًا آخَرَ مِنَ الْأَنْصَارِ
تَحَدَّثَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَاجَةٍ
لَهُمَا حَتَّى ذَهَبَ مِنَ اللَّيْلِ سَاعَةٌ، وَهِيَ لَيْلَةٌ شَدِيدَةُ
الظُّلْمَةِ، حَتَّى خَرَجَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَنْقَلِبَانِ، وَبِيَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عُصَيَّةٌ،
فَأَضَاءَتْ عَصَا أَحَدِهِمَا لَهُمَا حَتَّى
مَشَيَا
فِي ضَوْئِهَا، حَتَّى إِذَا افْتَرَقَتْ بِهِمَا الطَّرِيقُ أَضَاءَتْ لِلْآخَرِ
عَصَاهُ، فَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي ضَوْءِ عَصَاهُ، حَتَّى بَلَغَ
أَهْلَهُ وَقَدْ عَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ فَقَالَ: وَقَالَ مَعْمَرٌ. فَذَكَرَهُ.
وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ،
عَنْ أَنْسٍ أَنَّ عَبَّادَ بْنَ بِشْرٍ وَأُسَيْدَ بْنَ حُضَيْرٍ خَرَجَا مِنْ
عِنْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ. وَقَدْ
رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ نَافِعٍ، عَنْ بِهْزِ بْنِ
أُسَيْدٍ، وَأَسْنَدَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ،
كِلَاهُمَا، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ:
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثَنَا أَبُو عَبْدِ
اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَصْبَهَانِيُّ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
مِهْرَانَ، ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، أَنَا كَامِلُ بْنُ الْعَلَاءِ
عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ، وَكَانَ يُصَلِّي فَإِذَا
سَجَدَ وَثَبَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ عَلَى ظَهْرِهِ، فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ
أَخَذَهُمَا فَوَضَعَهُمَا وَضْعًا رَفِيقًا، فَإِذَا عَادَ عَادَا، فَلَمَّا
صَلَّى جَعَلَ وَاحِدًا هَا هُنَا وَوَاحِدًا هَا هُنَا، فَجِئْتُهُ فَقُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، أَلَّا أَذْهَبُ بِهِمَا إِلَى أُمِّهِمَا؟
قَالَ:
" لَا ". فَبَرَقَتْ بِرْقَةٌ، فَقَالَ: " الْحَقَا بِأُمِّكُمَا
". فَمَا زَالَا يَمْشِيَانِ فِي ضَوْئِهَا حَتَّى دَخَلَا
حَدِيثٌ آخَرُ:
قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي " التَّارِيخِ ": حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ
الْحَجَّاجِ، ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ حَمْزَةَ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:كُنَّا
مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ،
فَتَفَرَّقَنَا فِي لَيْلَةٍ ظَلْمَاءَ دُحْمُسَةٍ، فَأَضَاءَتْ أَصَابِعِي حَتَّى
جَمَعُوا عَلَيْهَا ظَهَرَهُمْ وَمَا هَلَكَ مِنْهُمْ، وَإِنَّ أَصَابِعِي
لَتُنِيرُ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُنْذِرِ
الْحِزَامِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حَمْزَةَ بِهِ. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ
مِنْ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَمْزَةَ الزُّبَيْرِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ
حَمْزَةَ بِهِ.
حَدِيثٌ
آخَرُ:
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثَنَا أَبُو
مُحَمَّدِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيِّ، ثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، ثَنَا زَيْدُ بْنُ
الْحُبَابِ، ثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ أَبِي عَبْسٍ الْأَنْصَارِيُّ مِنْ
بَنِي حَارِثَةَ، أَخْبَرَنِي مَيْمُونُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَبِي عَبْسٍ،
أَخْبَرَنِي أَبِي أَنَّ أَبَا عَبْسٍكَانَ يُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَوَاتِ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى بَنِي حَارِثَةَ،
فَخَرَجَ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ مَطِيرَةٍ، فَنُوِّرَ لَهُ فِي عَصَاهُ حَتَّى
دَخَلَ دَارَ بَنِي حَارِثَةَ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَبُو عَبْسٍ مِمَّنْ شَهِدَ
بَدْرًا.
قُلْتُ: وَرَوَيْنَا عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ، وَهُوَ مِنَ التَّابِعِيْنِ،
أَنَّهُ كَانَ يَشْهَدُ الصَّلَاةَ بِجَامِعِ دِمَشْقَ مِنْ جِسْرِيْنِ،
فَرُبَّمَا أَضَاءَتْ لَهُ إِبْهَامُ قَدَمِهِ فِي اللَّيْلَةِ الْمُظْلِمَةِ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي قِصَّةِ إِسْلَامِ الطُّفَيْلِ بْنِ عَمْرٍو الدَّوْسِيِّ
بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آيَةً يَدْعُو قَوْمَهُ بِهَا، فَلَمَّا ذَهَبَ إِلَيْهِمْ
وَانْهَبَطَ مِنَ الثَّنِيَّةِ أَضَاءَ لَهُ نُورٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، فَقَالَ:
اللَّهُمَّ لَا يَقُولُوا: هُوَ مُثْلَةٌ. فَحَوَّلَهُ اللَّهُ إِلَى طَرَفِ
سَوْطِهِ حَتَّى جَعَلُوا يَرَوْنَهُ مِثْلَ الْقِنْدِيلِ
حَدِيثُ
آخَرٌ فِيهِ كَرَامَةٌ لِتَمِيمٍ الدَّارِيِّ
رَوَى الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَفَّانَ بْنِ مُسْلِمٍ،، عَنْ
حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ، عَنْ
مُعَاوِيَةَ بْنِ حَرْمَلٍ قَالَ: خَرَجَتْ نَارٌ بِالْحَرَّةِ، فَجَاءَ عُمَرُ
إِلَى تَمِيمٍ الدَّارِيِّ فَقَالَ: قُمْ إِلَى هَذِهِ النَّارِ. قَالَ: يَا
أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَمَنْ أَنَا؟ وَمَا أَنَا؟ قَالَ: فَلَمْ يَزَلْ بِهِ
حَتَّى قَامَ مَعَهُ. قَالَ: وَتَبِعْتُهُمَا فَانْطَلَقَا إِلَى النَّارِ،
فَجَعَلَ تَمِيمٌ يَحُوشُهَا بِيَدَيْهِ حَتَّى دَخَلَتِ الشِّعْبَ، وَدَخَلَ
تَمِيمٌ خَلْفَهَا. قَالَ: فَجَعَلَ عُمَرُ يَقُولُ: لَيْسَ مَنْ رَأَى كَمَنْ
لَمْ يَرَ. قَالَهَا ثَلَاثًا
حَدِيثٌ فِيهِ كَرَامَةٌ لِوَلِيٍّ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ
وَهِيَ مَعْدُودَةٌ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ; لَأَنَّ كُلَّ مَا يَثْبُتُ لِوَلِيٍّ
فَهُوَ مُعْجِزَةٌ لِنَبِيِّهِ.
قَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ
إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي سَبْرَةَ النَّخَعِيِّ قَالَ:
أَقْبَلُ رَجُلٌ مِنَ الْيَمَنِ، فَلَمَّا كَانَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ نَفَقَ
حِمَارَهُ، فَقَامَ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ:
اللَّهُمَّ إِنِّي جِئْتُ مِنَ الدَّثِينَةِ مُجَاهِدًا فِي سَبِيلِكَ
وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِكَ، وَأَنَا أَشْهَدُ أَنَّكَ تُحَيِّي
الْمَوْتَيْ
وَتَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ، لَا تَجْعَلْ لِأَحَدٍ عَلَيَّ الْيَوْمَ
مِنَّةً، أَطْلُبُ إِلَيْكَ الْيَوْمَ أَنْ تَبْعَثَ حِمَارِي. فَقَامَ الْحِمَارُ
يَنْفُضُ أُذُنَيْهِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ.
وَمِثْلُ هَذَا يَكُونُ كَرَامَةً لِصَاحِبِ الشَّرِيعَةِ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ:
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ وَغَيْرُهُ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ
الشَّعْبِيِّ وَكَأَنَّهُ عِنْدَ إِسْمَاعِيلَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
طَرِيقٌ أُخْرَى:
قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ " مَنْ عَاشَ بَعْدَ
الْمَوْتِ ": حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ وَأَحْمَدُ بْنُ
بُجَيْرٍ وَغَيْرُهُمَا قَالُوا: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ
بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، أَنَّ قَوْمًا أَقْبَلُوا مِنَ الْيَمَنِ
مُتَطَوِّعِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَنَفَقَ حِمَارُ رَجُلٍ مِنْهُمْ،
فَأَرَادُوهُ أَنْ يَنْطَلِقَ مَعَهُمْ فَأَبَى، فَقَامَ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى،
ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي جِئْتُ مِنَ الدَّثِينَةِ مُجَاهِدًا فِي
سَبِيلِكَ وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِكَ، وَإِنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ تُحَيِّي
الْمَوْتَى وَتَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ، فَلَا تَجْعَلْ لِأَحَدٍ عَلِيَّ
مِنَّةً، فَإِنِّي أَطْلُبُ إِلَيْكَ أَنْ تَبْعَثَ لِي حِمَارِي، ثُمَّ قَامَ
إِلَى الْحِمَارِ فَضَرَبَهُ فَقَامَ الْحِمَارُ يَنْفُضُ أُذُنَيْهِ،
فَأَسْرَجَهُ وَأَلْجَمَهُ، ثُمَّ رَكِبَهُ وَأَجْرَاهُ فَلَحِقَ بِأَصْحَابِهِ،
فَقَالُوا لَهُ: مَا شَأْنُكَ؟ قَالَ: شَأْنِي أَنَّ اللَّهَ بَعَثَ حِمَارِي
قَالَ الشَّعْبِيُّ: فَأَنَا رَأَيْتُ الْحِمَارَ بِيعَ أَوْ يُبَاعُ فِي
الْكُنَاسَةِ. يَعْنِي بِالْكُوفَةِ.
قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: وَأَخْبَرَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ
مُسْلِمِ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَرِيكٍ النَّخَعِيِّ، أَنَّ صَاحِبَ الْحِمَارِ رَجُلٌ
مِنَ النَّخَعِ، يُقَالُ لَهُ: نُبَاتَةُ بْنُ يَزِيدَ. خَرَجَ فِي زَمَنِ عُمَرَ
غَازِيًا، حَتَّى إِذَا كَانَ بِشَنِّ عَمِيرَةَ نَفَقَ حِمَارُهُ، فَذَكَرَ
الْقِصَّةَ، غَيْرَأَنَّهُ قَالَ: فَبَاعَهُ بَعْدَ الْكُنَاسَةِ، فَقِيلَ لَهُ:
تَبِيعُ حِمَارَكَ وَقَدْ أَحْيَاهُ اللَّهُ لَكَ؟! قَالَ: فَكَيْفَ أَصْنَعُ؟
وَقَدْ قَالَ رَجُلٌ مِنْ رَهْطِهِ ثَلَاثَةَ أَبْيَاتٍ فَحَفِظْتُ هَذَا
الْبَيْتَ:
وَمِنَّا الَّذِي أَحْيَا الْإِلَهُ حِمَارَهُ وَقَدْ مَاتَ مِنْهُ كُلُّ عُضْوٍ
وَمَفْصِلِ
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي بَابِ رِضَاعِهِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ مَا كَانَ مِنْ
حِمَارَةِ حَلِيمَةَ السَّعْدِيَّةِ، وَكَيْفَ كَانَتْ تَسْبِقُ الرَّكْبَ فِي
رُجُوعِهَا لَمَّا رَكِبَ مَعَهَا عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ رَضِيعٌ، وَقَدْ كَانَتْ أَذَمَّتْ بِالرَّكْبِ فِي
مَسِيرِهِمْ إِلَى مَكَّةَ وَكَذَلِكَ ظَهَرَتْ بَرَكَتُهُ عَلَيْهِمْ فِي
شَارِفِهِمْ - وَهِيَ النَّاقَةُ الَّتِي كَانُوا يَحْلُبُونَهَا - وَشِيَاهِهِمْ
وَسَمْنِهَا وَكَثْرَةِ أَلْبَانِهَا، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ.
قِصَّةٌ أُخْرَى مَعَ قِصَّةِ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ:
قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ خِدَاشِ بْنِ
عَجْلَانَ الْمُهَلَّبَيِّ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ بَسَّامٍ
قَالَا: ثَنَا صَالِحٌ الْمُرِّيُّ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ قَالَ: عُدْنَا شَابًّا
مِنَ
الْأَنْصَارِ، فَمَا كَانَ بِأَسْرَعَ مِنْ أَنْ مَاتَ فَأَغْمَضْنَاهُ،
وَمَدَدْنَا عَلَيْهِ الثَّوْبَ، وَقَالَ بَعْضُنَا لِأُمِّهِ: احْتَسِبِيهِ.
قَالَتْ: وَقَدْ مَاتَ؟! قُلْنَا: نَعَمْ. قَالَتْ: أَحَقٌّ مَا تَقُولُونَ؟
قُلْنَا: نَعَمْ. فَمَدَّتْ يَدَيْهَا إِلَى السَّمَاءِ، وَقَالَتْ: اللَّهُمَّ
إِنِّي آمَنْتُ بِكَ، وَهَاجَرْتُ إِلَى رَسُولِكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَإِذَا نَزَلَتْ بِي شِدَّةٌ دَعْوْتُكَ فَفَرَّجْتَهَا، فَأَسْأَلُكَ
اللَّهُمَّ أَلَّا تَحْمِلَ عَلَيَّ هَذِهِ الْمُصِيبَةَ. قَالَ: فَكَشَفَ
الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ، فَمَا بَرِحْنَا حَتَّى أَكَلْنَا وَأَكَلَ مَعَنَا
وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْمَالِينِيِّ، عَنْ ابْنِ
عَدِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَاهِرِ بْنِ أَبِي الدُّمَيْكِ، عَنْ عُبَيْدِ
اللَّهِ بْنِ عَائِشَةَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ بَشِيرٍ الْمُرِّيِّ، أَحَدِ زُهَّادِ
الْبَصْرَةِ وَعُبَّادِهَا مَعَ لِينٍ فِي حَدِيثِهِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ،
فَذَكَرَ الْقِصَّةَ، وَفِيهِ أَنَّ أُمَّ السَّائِبِ كَانَتْ عَجُوزًا عَمْيَاءَ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ رُوِىَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مُرْسَلٍ. يَعْنِي فِيهِ
انْقِطَاعٌ بَيْنَ ابْنِ عَوْنٍ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، ثُمَّ سَاقَهُ مِنْ
طَرِيقِ عِيسَى بْنِ يُونُسَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ، عَنْ أَنَسٍ
قَالَ: أَدْرَكْتُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ ثَلَاثًا لَوْ كَانَتْ فِي بَنِي
إِسْرَائِيلَ لَمَا تَقَاسَمَهَا الْأُمَمُ. قُلْنَا مَا هِيَ يَا أَبَا حَمْزَةَ؟
قَالَ: كُنَّا فِي الصُّفَّةِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ مُهَاجِرَةٌ وَمَعَهَا ابْنٌ لَهَا قَدْ بَلَغَ،
فَأَضَافَ الْمَرْأَةَ إِلَىالنِّسَاءِ وَأَضَافَ
ابْنَهَا
إِلَيْنَا، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ أَصَابَهُ وَبَاءُ الْمَدِينَةِ فَمَرِضَ
أَيَّامًا ثُمَّ قُبِضَ، فَغَمَّضَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَأَمَرَ بِجِهَازِهِ، فَلَمَّا أَرَدْنَا أَنْ نُغَسِّلَهُ قَالَ:
" يَا أَنَسُ، ائْتِ أُمَّهُ فَأَعْلِمْهَا ". فَأَعْلَمْتُهَا. قَالَ:
فَجَاءَتْ حَتَّى جَلَسَتْ عِنْدَ قَدَمَيْهِ فَأَخَذَتْ بِهِمَا، ثُمَّ قَالَتْ:
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْلَمْتُ لَكَ طَوْعًا، وَخَلَعْتُ الْأَوْثَانَ زُهْدًا،
وَهَاجَرْتُ لَكَ رَغْبَةً، اللَّهُمَّ لَا تُشْمِتُ بِي عَبَدَةَ الْأَوْثَانِ،
وَلَا تُحَمِّلُنِي مِنْ هَذِهِ الْمُصِيبَةِ مَا لَا طَاقَةَ لِي بِحَمْلِهَا.
قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا انْقَضَى كَلَامُهَا حَتَّى حَرَّكَ قَدَمَيْهِ، وَأَلْقَى
الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ، وَعَاشَ حَتَّى قَبَضَ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحَتَّى هَلَكَتْ أُمُّهُ. قَالَ: ثُمَّ جَهَّزَ عُمَرُ بْنُ
الْخَطَّابِ جَيْشًا، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ.
قَالَ أَنَسٌ: وَكُنْتُ فِي غَزَاتِهِ، فَأَتَيْنَا مَغَازِيَنَا، فَوَجَدْنَا
الْقَوْمَ قَدْ نَذِرُوا بِنَا فَعَفَّوا آثَارَ الْمَاءِ، وَالْحَرُّ شَدِيدٌ،
فَجَهَدَنَا الْعَطَشُ وَدَوَابَّنَا، وَذَلِكَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فَلَمَّا
مَالَتِ الشَّمْسُ لِغَرْبِهَا صَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ مَدَّ يَدَهُ
إِلَى السَّمَاءِ، وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ شَيْئًا. قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا
حَطَّ يَدَهُ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ رِيحًا وَأَنْشَأَ سَحَابًا وَأَفْرَغَتْ
حَتَّى مَلَأَتِ الْغُدُرَ وَالشِّعَابَ، فَشَرِبْنَا وَسَقَيْنَا رِكَابَنَا
وَاسْتَقَيْنَا، ثُمَّ أَتَيْنَا عَدُوَّنَا وَقَدْ جَاوَزُوا خَلِيجًا فِي
الْبَحْرِ إِلَى جَزِيرَةٍ، فَوَقَفَ عَلَى الْخَلِيجِ وَقَالَ: يَا عَلِيُّ، يَا
عَظِيمُ، يَا حَلِيمُ، يَا كَرِيمُ. ثُمَّ قَالَ: أَجِيزُوا بِسْمِ اللَّهِ.
قَالَ: فَأَجَزْنَا، مَا يَبُلُّ الْمَاءُ حَوَافِرَ دَوَابِّنَا، فَلَمْ نَلْبَثْ
إِلَّا يَسِيرًا، فَأَصَبْنَا الْعَدُوَّ غَيْلَةً، فَقَتَلْنَا وَأَسَرْنَا
وَسَبَيْنَا، ثُمَّ أَتَيْنَا الْخَلِيجَ، فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ،
فَأَجَزْنَا، مَا يَبُلُّ الْمَاءُ حَوَافِرَ دَوَابِّنَا. قَالَ: فَلَمْ
نَلْبَثْ
إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى رُمِيَ فِي جِنَازَتِهِ. قَالَ: فَحَفَرْنَا لَهُ
وَغَسَّلْنَاهُ وَدَفَنَّاهُ، فَأَتَى رَجُلٌ بَعْدَ فَرَاغِنَا مِنْ دَفْنِهِ
فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقُلْنَا: هَذَا خَيْرُ الْبَشَرِ، هَذَا ابْنُ
الْحَضْرَمِيِّ. فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ الْأَرْضَ تَلْفِظُ الْمَوْتَى، فَلَوْ
نَقَلْتُمُوهُ إِلَى مِيلٍ أَوْ مِيلَيْنِ، إِلَى أَرْضٍ تَقْبَلُ الْمَوْتَى.
فَقُلْنَا: مَا جَزَاءُ صَاحِبِنَا أَنْ نُعَرِّضَهُ لِلسِّبَاعِ تَأْكُلُهُ؟
قَالَ: فَاجْتَمَعْنَا عَلَى نَبْشِهِ، فَلَمَّا وَصَلْنَا إِلَى اللَّحْدِ إِذَا
صَاحِبُنَا لَيْسَ فِيهِ، وَإِذَا اللَّحْدُ مَدَّ الْبَصَرِ نُورٌ يَتَلَأْلَأُ.
قَالَ: فَأَعَدْنَا التُّرَابَ إِلَى اللَّحْدِ ثُمَّ ارْتَحَلْنَا قَالَ
الْبَيْهَقِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي
قِصَّةِ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ فِي اسْتِسْقَائِهِ وَمَشْيِهِمْ عَلَى
الْمَاءِ دُونَ قِصَّةِ الْمَوْتِ بِنَحْوٍ مَنْ هَذَا. وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ
فِي " التَّارِيخِ " لِهَذِهِ الْقِصَّةِ إِسْنَادًا آخَرَ.
وَقَدْ أَسْنَدَهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ فُضَيْلٍ، عَنِ الصَّلْتِ بْنِ مَطَرٍ الْعِجْلِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ
بْنِ أُخْتِ سَهْمٍ، عَنْ سَهْمِ بْنِ مِنْجَابٍ قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ الْعَلَاءِ
بْنِ الْحَضْرَمِيِّ فَذَكَرَهُ. وَقَالَ فِي الدُّعَاءِ: يَا عَلِيمُ، يَا
حَلِيمُ، يَا عَلِيُّ، يَا عَظِيمُ، إِنَّا عَبِيدُكَ، وَفِي سَبِيلِكَ نُقَاتِلُ
عَدُوَّكَ، اسْقِنَا غَيْثًا نَشْرَبُ مِنْهُ وَنَتَوَضَّأُ، فَإِذَا تَرَكْنَاهُ
فَلَا تَجْعَلْ لِأَحَدٍ فِيهِ نَصِيبًا غَيْرَنَا. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ:
اجْعَلْ لَنَا سَبِيلًا إِلَى عَدُوِّكَ. وَقَالَ فِي الْمَوْتِ: أَخْفِ جُثَّتِي
وَلَا تُطْلِعْ عَلَى عَوْرَتِي أَحَدًا. فَلَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهِ وَاللَّهُ
أَعْلَمُ.
قِصَّةٌ
أُخْرَى:
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنَا
إِسْمَاعِيلُ الصَّفَّارُ، ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ، ثَنَا
ابْنُ نُمَيْرٍ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ قَالَ: انْتَهَيْنَا
إِلَى دِجْلَةَ وَهِيَ مَادَّةٌ، وَالْأَعَاجِمُ خَلْفَهَا، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ
الْمُسْلِمِينَ: بِسْمِ اللَّهِ. ثُمَّ اقْتَحَمَ بِفَرَسِهِ، فَارْتَفَعَ عَلَى
الْمَاءِ. فَقَالَ النَّاسُ: بِسْمِ اللَّهِ. ثُمَّ اقْتَحَمُوا فَارْتَفَعُوا
عَلَى الْمَاءِ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمُ الْأَعَاجِمُ، وَقَالُوا: دِيوَانُ دِيوَانُ.
ثُمَّ ذَهَبُوا عَلَى وُجُوهِهِمْ. قَالَ: فَمَا فَقَدَ النَّاسُ إِلَّا قَدَحًا
كَانَ مُعَلِّقًا بِعَذَبَةِ سَرْجٍ، فَلَمَّا خَرَجُوا أَصَابُوا الْغَنَائِمَ،
فَاقْتَسَمُوهَا، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَقُولُ: مَنْ يُبَادِلُ صَفْرَاءَ
بِبَيْضَاءَ
قِصَّةٌ أُخْرَى:
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، أَنَا أَبُو
مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ السِّمِّذِيِّ، ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ
السَّرَّاجُ، ثَنَا الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَا:
ثَنَا أَبُو النَّضْرِ: ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، أَنَّ أَبَا
مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيَّ جَاءَ إِلَى الدِّجْلَةِ وَهِيَ تَرْمِي الْخَشَبَ مِنْ
مَدِّهَا، فَمَشَى عَلَى الْمَاءِ، وَالْتَفَتَ إِلَى أَصْحَابِهِ وَقَالَ: هَلْ
تَفْقِدُونَ مِنْ مَتَاعِكُمْ شَيْئًا فَنَدْعُوَ اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ؟ قَالَ
الْبَيْهَقِيُّ: هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ. قُلْتُ: وَسَتَأْتِي قِصَّةُ أَبِي
مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيِّ -
وَاسْمُهُ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثُوَبٍ - مَعَ الْأَسْوَدِ الْعَنْسِيِّ حِينَ أَلْقَاهُ فِي
النَّارِ، فَكَانَتْ عَلَيْهِ بَرْدًا وَسَلَامًا، كَمَا كَانَتْ عَلَى الْخَلِيلِ
إِبْرَاهِيمَ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
قِصَّةُ زَيْدِ بْنِ خَارِجَةَ، وَكَلَامُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ
وَشَهَادَتُهُ بِالرِّسَالَةِ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَبِالْخِلَافَةِ لِأَبِي بَكْرٍ الصَّدِّيقِ ثُمَّ لِعُمْرَ ثُمَّ لِعُثْمَانَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو صَالِحِ بْنُ أَبِي
طَاهِرٍ الْعَنْبَرِيُّ، أَنَا جَدِّي يَحْيَى بْنُ مَنْصُورٍ الْقَاضِي، ثَنَا
أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو كَشْمُرْدُ، أَنَا الْقُعْنَبِيُّ، أَنَا
سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيَّبِ أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَارِجَةَ الْأَنْصَارِيَّ ثُمَّ مِنْ بَنِي
الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، تُوُفِّيَ زَمَنَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَسُجِّيَ
بِثَوْبِهِ، ثُمَّ إِنَّهُمْ سَمِعُوا جَلْجَلَةً فِي صَدْرِهِ، ثُمَّ تَكَلَّمَ،
ثُمَّ قَالَ: أَحْمَدُ أَحْمَدُ فِي الْكِتَابِ الْأَوَّلِ، صَدَقَ صَدَقَ أَبُو
بَكْرٍ الصَّدِّيقُ، الضَّعِيفُ فِي نَفْسِهِ، الْقَوِيُّ فِي أَمْرِ اللَّهِ، فِي
الْكِتَابِ الْأَوَّلِ، صَدَقَ صَدَقَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الْقَوِيُّ
الْأَمِينُ، فِي الْكِتَابِ الْأَوَّلِ، صَدَقَ صَدَقَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ،
عَلَى مِنْهَاجِهِمْ، مَضَتْ أَرْبَعٌ وَبَقِيَتْ ثِنْتَانِ، أَتَتِ الْفِتَنُ،
وَأَكَلَ الشَّدِيدُ الضَّعِيفَ، وَقَامَتِ السَّاعَةُ، وَسَيَأْتِيكُمْ عَنْ
جَيْشِكُمْ خَبَرُ بِئْرِ أَرِيسَ، وَمَا بِئْرُ أَرِيسَ؟ قَالَ يَحْيَى: قَالَ
سَعِيدُ: ثُمَّ هَلَكَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي خَطْمَةَ فَسُجِّيَ بِثَوْبِهِ، فَسُمِعَ
جَلْجَلَةً فِي صَدْرِهِ، ثُمَّ تَكَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ أَخَا بَنِي الْحَارِثِ
بْنِ الْخَزْرَجِ صَدَقَ صَدَقَ ثُمَّ
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، عَنِ الْحَاكِمِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُوسَى بْنِ الْحَسَنِ، عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، فَذَكَرَهُ، وَقَالَ: هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ وَلَهُ شَوَاهِدٌ. ثُمَّ سَاقَهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ " مَنْ عَاشَ بَعْدَ الْمَوْتِ ": حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يُونُسَ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ قَالَ: جَاءَ يَزِيدُ بْنُ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ إِلَى حَلْقَةِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِكِتَابِ أَبِيهِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ - يَعْنِي إِلَى أُمِّهِ -: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنَ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ إِلَى أُمِّ عَبْدِ اللَّهِ بِنْتِ أَبِي هَاشِمٍ، سَلَامٌ عَلَيْكِ، فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكِ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، فَإِنَّكِ كَتَبْتِ إِلَيَّ لِأَكْتُبَ إِلَيْكِ بِشَأْنِ زَيْدِ بْنِ خَارِجَةَ، وَإِنَّهُ كَانَ مِنْ شَأْنِهِ أَنَّهُ أَخَذَهُ وَجَعٌ فِي حَلْقِهِ - وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مِنْ أَصَحِّ النَّاسِ أَوْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ - فَتُوُفِّيَ بَيْنَ صَلَاةِ الْأَوْلَى وَصَلَاةِ الْعَصْرِ فَأَضْجَعْنَاهُ لِظَهْرِهِ، وَغَشَّيْنَاهُ بِبَرْدَيْنِ وَكِسَاءٍ، فَأَتَانِي آتٍ فِي مَقَامِي وَأَنَا أُسَبِّحُ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، فَقَالَ: إِنَّ زَيْدًا قَدْ تَكَلَّمَ بَعْدَ وَفَاتِهِ، فَانْصَرَفْتُ إِلَيْهِ مُسْرِعًا، وَقَدْ حَضَرَهُ قَوْمٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَهُوَ يَقُولُ أَوْ يُقَالُ عَلَى لِسَانِهِ: الْأَوْسَطُ أَجْلَدُ الثَّلَاثَةِ، الَّذِي كَانَ لَا يُبَالِي فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ، كَانَ لَا يَأْمُرُ النَّاسَ أَنْ يَأْكُلَ قَوِيُّهُمْ ضَعِيفَهُمْ، عَبْدُ اللَّهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، صَدَقَ صَدَقَ، كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ الْأَوَّلِ. ثُمَّ قَالَ: عُثْمَانُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، وَهُوَ يُعَافِي النَّاسَ مِنْ ذُنُوبٍ كَثِيرَةٍ، خَلَتِ اثْنَتَانِ وَبَقِيَ أَرْبَعٌ، ثُمَّ اخْتَلَفَ النَّاسُ وَأَكَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَلَا نِظَامَ وَأُبِيحَتِ الْأَحْمَاءُ، ثُمَّ ارْعَوَى الْمُؤْمِنُونَ وَقَالُوا:
كِتَابُ اللَّهِ وَقَدَرُهُ. أَيُّهَا النَّاسُ، أَقْبِلُوا عَلَى أَمِيرِكُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، فَمَنْ تَوَلَّى فَلَا يَعْهَدَنَّ دَمًا، وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا، اللَّهُ أَكْبَرُ، هَذِهِ الْجَنَّةُ وَهَذِهِ النَّارُ، وَيَقُولُ النَّبِيُّونَ وَالصِّدِّيقُونَ: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ. يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ، هَلْ أَحْسَسْتَ لِي خَارِجَةَ - لِأَبِيهِ - وَسَعْدًا اللَّذَيْنِ قُتِلَا يَوْمَ أُحُدٍ؟ كَلَّا إِنَّهَا لَظَى نَزَّاعَةً لِلشَّوَى تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى وَجَمَعَ فَأَوْعَى. ثُمَّ خَفَتَ صَوْتُهُ، فَسَأَلْتُ الرَّهْطَ عَمَّا سَبَقَنِي مِنْ كَلَامِهِ، فَقَالُوا: سَمِعْنَاهُ يَقُولُ: أَنْصِتُوا أَنْصِتُوا. فَنَظَرَ بَعْضُنَا إِلَى بَعْضٍ، فَإِذَا الصَّوْتُ مِنْ تَحْتِ الثِّيَابِ. قَالَ: فَكَشَفْنَا عَنْ وَجْهِهِ فَقَالَ: هَذَا أَحْمَدُ رَسُولُ اللَّهِ، سَلَامٌ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ. ثُمَّ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ الصَّدِّيقُ الْأَمِينُ، خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ ضَعِيفًا فِي جِسْمِهِ، قَوِيًّا فِي أَمْرِ اللَّهِ، صَدَقَ صَدَقَ، وَكَانَ فِي الْكِتَابِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَوَاهُ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ، عَنْ أَبِي نَصْرِ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ نُجَيْدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْجُنَيْدِ، عَنِ الْمُعَافَى بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، فَذَكَرَهُ وَقَالَ: هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ سَالِمٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، وَذَكَرَ بِئْرَ أَرِيسَ، كَمَا ذَكَرْنَا فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَالْأَمْرُ فِيهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّخَذَ خَاتَمًا فَكَانَ فِي يَدِهِ، ثُمَّ كَانَ فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ مِنْ بَعْدِهِ، ثُمَّ كَانَ فِي يَدِ عُمَرَ، ثُمَّ كَانَ فِي يَدِ عُثْمَانَ حَتَّى وَقَعَ مِنْهُ فِي بِئْرِ أَرِيسَ بَعْدَ مَا مَضَى مِنْ خِلَافَتِهِ
سِتِّ
سِنِينَ، فَعِنْدَ ذَلِكَ تَغَيَّرَتْ عُمَّالُهُ، وَظَهَرَتْ أَسْبَابُ
الْفِتَنِ، كَمَا قِيلَ عَلَى لِسَانِ زَيْدِ بْنِ خَارِجَةَ. قُلْتُ: وَهِيَ
الْمُرَادَةُ مِنْ قَوْلِهِ: مَضَتِ اثْنَتَانِ وَبَقِيَ أَرْبَعٌ. أَوْ: مَضَتْ
أَرْبَعٌ وَبَقِيَ اثْنَتَانِ. عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي " التَّارِيخِ ": زَيْدُ بْنُ خَارِجَةَ
الْخَزْرَجِيُّ الْأَنْصَارِيُّ شَهِدَ بَدْرًا، تُوُفِّيَ زَمَنَ عُثْمَانَ،
وَهُوَ الَّذِي تَكَلَّمَ بَعْدَ الْمَوْتِ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ رُوِىَ
فِي التَّكَلُّمِ بَعْدَ الْمَوْتِ عَنْ جَمَاعَةٍ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: ثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ الْبَزَّارُ، ثَنَا
خَالِدٌ الطَّحَّانُ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ
أَنَّ رَجُلًا مِنْ قَتْلَى مُسَيْلِمَةَ تَكَلَّمَ فَقَالَ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَبُو بَكْرٍ الصَّدِّيقُ، عُثْمَانُ
اللِّينُ الرَّحِيمُ. قَالَ: وَلَا أَدْرِي أَيْشُ قَالَ فِي عُمَرَ كَذَا رَوَاهُ
ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِهِ.
وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو،
ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي
طَالِبٍ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، أَنَا حُصِينُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: بَيْنَمَا هُمْ يُثَوِّرُونَ
الْقَتْلَى يَوْمَ صِفِّينَ أَوْ يَوْمَ الْجَمَلِ، إِذْ تَكَلَّمَ رَجُلٌ مِنَ
الْأَنْصَارِ مِنَ الْقَتْلَى، فَقَالَ: مُحَمَّدٌ
رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَبُو بَكْرٍ الصَّدِّيقُ، عُمَرُ
الشَّهِيدُ، عُثْمَانُ الرَّحِيمُ ثُمَّ سَكَتَ.
وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ فِي كِتَابِ " الْمَبْعَثِ ":
بَابٌ فِي كَلَامِ الْأَمْوَاتِ وَعَجَائِبِهِمْ
حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ هِشَامٍ الثَّقَفِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ
بْنُ عُمَيْرٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ الْعَبْسِيِّ قَالَ: مَرِضَ أَخِي
الرَّبِيعُ بْنُ حِرَاشٍ فَمَرَّضْنَاهُ، ثُمَّ مَاتَ فَذَهَبْنَا نُجَهِّزُهُ،
فَلَمَّا جِئْنَا رَفْعَ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ ثُمَّ قَالَ: السَّلَامُ
عَلَيْكُمْ. قُلْنَا: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ، أَلَسْتَ قَدْ مِتَّ؟! قَالَ: بَلَى،
وَلَكِنْ لَقِيتُ بَعْدَكُمْ رَبِّي وَلَقِيَنِي بِرَوْحٍ وَرَيْحَانٍ وَرَبٍّ
غَيْرِ غَضْبَانَ، ثُمَّ كَسَانِي ثِيَابًا مِنْ سُنْدُسٍ خُضْرٍ، وَإِنِّي
سَأَلْتُهُ أَنْ يَأْذَنَ لِي فَأُبَشِّرُكُمْ فَأَذِنَ لِي، وَإِنَّ الْأَمْرَ،
أَيْسَرُ مِمَّا تَذْهَبُونَ إِلَيْهِ، فَسَدِّدُوا وَقَارَبُوا، فَأَبْشِرُوا
وَلَا تَغْتَرُّوا. فَلَمَّا قَالَهَا كَانَتْ كَحَصَاةٍ وَقَعَتْ فِي مَاءٍ ثُمَّ
أَوْرَدَ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً فِي هَذَا الْبَابِ، وَهِيَ آخِرُ كِتَابِهِ.
حَدِيثٌ
غَرِيبٌ جِدًّا:
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، ثَنَا
أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصِّفَّارُ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ
الْكُدَيْمِيُّ، ثَنَا شَاصُونَةُ بْنُ عُبَيْدٍ أَبُو مُحَمَّدٍ الْيَمَامِيُّ
وَانْصَرَفْنَا مِنْ عَدَنَ بِقَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا: الْحَرْدَةُ - حَدَّثَنِي
مُعْرِضُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُعْرِضِ بْنِ مُعَيْقِيبٍ الْيَمَانِيُّ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: حَجَجْتُ حَجَّةَ الْوَدَاعِ، فَدَخَلْتُ دَارًا
بِمَكَّةَ، فَرَأَيْتُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَوَجْهُهُ مِثْلُ دَارَةِ الْقَمَرِ، وَسَمِعْتُ مِنْهُ عَجَبًا، جَاءَهُ رَجُلٌ
بِغُلَامٍ يَوْمَ وُلِدَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " مَنْ أَنَا؟ " قَالَ: أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ. قَالَ:
" صَدَقْتَ، بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ قَالَ: ثُمَّ إِنَّ الْغُلَامَ لَمْ
يَتَكَلَّمْ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى شَبَّ. قَالَ أَبِي: فَكُنَّا نُسَمِّيهُ
مُبَارَكُ الْيَمَامَةِ قَالَ شَاصُونَةُ: وَقَدْ كُنْتُ أَمُرُّ عَلَى مَعْمَرٍ
فَلَا أَسْمَعُ مِنْهُ. قُلْتُ: هَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا تَكَلَّمَ النَّاسُ فِي
مُحَمَّدِ بْنِ يُونُسَ الْكُدَيْمِيِّ بِسَبَبِهِ، وَأَنْكَرُوهُ عَلَيْهِ
وَاسْتَغْرَبُوا شَيْخَهُ هَذَا، وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا يُنْكَرُ عَقْلًا بَلْ
وَلَا شَرْعًا، فَقَدْ ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحِ " فِي قِصَّةِ جُرَيْجٍ
الْعَابِدِ، أَنَّهُ اسْتَنْطَقَ ابْنَ تِلْكَ الْبَغِىِّ فَقَالَ لَهُ: يَا
بَابُوسُ ابْنُ مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: ابْنُ الرَّاعِي. فَعَلِمَ بَنُو إِسْرَائِيلَ
بَرَاءَةَ عِرْضِ جُرِيْجٍ مِمَّا كَانَ نُسِبَ إِلَيْهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ
ذَلِكَ.
عَلَى أَنَّهُ قَدْ رُوِىَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ الْكُدَيْمِيِّ،
إِلَّا أَنَّهُ بِإِسْنَادٍ غَرِيبٍ أَيْضًا، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو
سَعْدٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي عُثْمَانَ الزَّاهِدُ، أَنَا
أَبُو
الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ جُمَيْعٍ الْغَسَّانِيُّ بِثَغْرِ
صَيْدَا، ثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مَحْبُوبِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عُبَيْدٍ أَبُو
الْفَضْلِ، ثَنَا أَبِي، ثَنَا جَدِّي شَاصُونَةُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنِي
مُعْرِضُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَيْقِيبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ
قَالَ: حَجَجْتُ حَجَّةَ الْوَدَاعِ، فَدَخَلْتُ دَارًا بِمَكَّةَ، فَرَأَيْتُ
فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَجْهُهُ كَدَارَةِ
الْقَمَرِ، فَسَمِعْتُ مِنْهُ عَجَبًا; أَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَامَةِ
بِغُلَامٍ يَوْمَ وُلِدَ، وَقَدْ لَفَّهُ فِي خِرْقَةٍ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا غُلَامُ، مَنْ أَنَا؟
" قَالَ: أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ. فَقَالَ لَهُ: " بَارَكَ اللَّهُ
فِيكَ ". ثُمَّ إِنَّ الْغُلَامَ لَمْ يَتَكَلَّمْ بَعْدَهَا. قَالَ
الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ ذَكَرَهُ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، عَنْ
أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ الْعَبَّاسِ الْوَرَّاقِ، عَنْ أَبِي الْفَضْلِ
أَحْمَدَ بْنِ خَلَفِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئِ الْقَزْوِينِيِّ عَنْ أَبِي
الْفَضْلِ الْعَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شَاصُونَةِ بِهِ. قَالَ الْحَاكِمُ:
وَقَدْ أَخْبَرَنِي الثِّقَةُ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَبِي عُمَرَ الزَّاهِدِ
قَالَ: لَمَّا دَخَلْتُ الْيَمَنَ دَخَلْتُ حَرْدَةَ، فَسَأَلْتُ عَنْ هَذَا
الْحَدِيثِ، فَوَجَدْتُ فِيهَا لِشَاصُونَةَ عَقِبًا، وَحُمِلْتُ إِلَى قَبْرِهِ
فَزُرْتُهُ
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَلِهَذَا الْحَدِيثِ أَصِلٌ مِنْ حَدِيثِ الْكُوفِيِّينَ
بِإِسْنَادٍ مُرْسَلٍ يُخَالِفُهُ فِي وَقْتِ الْكَلَامِ. ثُمَّ أَوْرَدَ مِنْ
حَدِيثِ وَكِيعٍ عَنِ الْأَعْمَشِ،، عَنْ شِمْرِ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ بَعْضِ
أَشْيَاخِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى بِصَبِيٍّ
قَدْ شَبَّ لَمْ يَتَكَلَّمْ قَطُّ، قَالَ: مَنْ أَنَا؟ " قَالَ: أَنْتَ
رَسُولُ اللَّهِ. ثُمَّ رُوِيَ، عَنِ الْحَاكِمِ، عَنِ الْأَصَمِّ، عَنْ أَحْمَدَ
بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ
شِمْرِ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ بَعْضِ أَشْيَاخِهِ قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ بِابْنٍ
لَهَا قَدْ تَحَرَّكَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ ابْنِي هَذَا لَمْ
يَتَكَلَّمْ مُنْذُ وُلِدَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " أَدْنِيهِ مِنِّي ".
فَأَدْنَتْهُ
مِنْهُ. فَقَالَ: " مَنْ أَنَا؟ " فَقَالَ: أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ.
قِصَّةُ الصَّبِيِّ الَّذِي كَانَ يُصْرَعُ فَدَعَا لَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ،
فَبَرَأَ
قَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ مِنْ رِوَايَةِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَجَابِرِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ وَيَعْلَى بْنِ مُرَّةَ الثَّقَفِيِّ مَعَ قِصَّةِ الْجَمَلِ،
الْحَدِيثَ بِطُولِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ،
عَنْ فَرْقَدٍ السَّبَخِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ ابْنِ
عَبَّاسٍ،أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ بِوَلَدِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ بِهِ لَمَمًا،
وَأَنَّهُ يَأْخُذُهُ عِنْدَ طَعَامِنَا فَيُفْسِدُ عَلَيْنَا طَعَامَنَا. قَالَ:
فَمَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدْرَهُ وَدَعَا
لَهُ، فَثَعَّ ثَعَّةً، فَخَرَجَ مِنْهُ مِثْلُ الْجَرْوِ الْأَسْوَدِ يَسْعَى.
تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ. وَفَرْقَدٌ السَّبَخِيُّ رَجُلٌ صَالِحٌ وَلَكِنَّهُ
سَيْءُ الْحِفْظِ، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ شُعْبَةُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ، وَاحْتُمِلَ
حَدِيثُهُ، وَلِمَا رَوَاهُ هَا هُنَا شَاهِدٌ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ. وَاللَّهُ
أَعْلَمُ. وَقَدْ تَكُونُ هَذِهِ الْقِصَّةُ هِيَ مَا سَبَقَ إِيرَادُهَا،
وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ أُخْرَى غَيْرَهَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ فِي ذَلِكَ:
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْزُوقٍ، ثَنَا
مُسْلِمُ
بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثَنَا صَدَقَةُ، يَعْنِي ابْنَ مُوسَى، ثَنَا فَرْقَدٌ وَهُوَ
السَّبَخِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:كَانَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ، فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ
مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ هَذَا الْخَبِيثَ قَدْ
غَلَبَنِي. فَقَالَ لَهَا: " إِنْ تَصْبِرِي عَلَى مَا أَنْتَ عَلَيْهِ تَجِيئِي
يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَيْسَ عَلَيْكَ ذُنُوبٌ وَلَا حِسَابٌ ". قَالَتْ:
وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَأَصْبِرَنَّ حَتَّى أَلْقَى اللَّهَ. قَالَتْ:
إِنِّي أَخَافُ الْخَبِيثَ أَنْ يُجَرِّدَنِي. فَدَعَا لَهَا، فَكَانَتْ إِذَا
خَشِيَتْ أَنْ يَأْتِيَهَا تَأْتِي أَسْتَارَ الْكَعْبَةِ فَتَعَلَّقُ بِهَا
وَتَقُولُ لَهُ: اخْسَأْ. فَيَذْهَبُ عَنْهَا. قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُهُ
يُرْوَى بِهَذَا اللَّفْظِ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَصَدَقَةُ لَيْسَ بِهِ
بَأْسٌ، وَفَرْقَدٌ حَدَّثَ عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنْهُمْ
شُعْبَةُ وَغَيْرُهُ وَاحْتُمِلَ حَدِيثُهُ عَلَى سُوءِ حِفْظِهِ
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عِمْرَانَ أَبِي بَكْرٍ،
ثَنَا عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ: أَلَّا
أُرِيَكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: هَذِهِ
السَّوْدَاءُ أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَقَالَتْ: إِنِّي أُصْرَعُ وَأَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ لِي. قَالَ: "
إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ لَكِ
أَنْ يُعَافِيَكَ ". قَالَتْ: لَا، بَلْ أَصْبِرُ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ لَا
أَتَكَشَّفُ. أَوْ: لَا يَنْكَشِفُ عَنِّي قَالَ: فَدَعَا لَهَا وَهَكَذَا رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ عَنْ مُسَدَّدٍ، عَنْ يَحْيَى، وَهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ،
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنِ الْقَوَارِيرِيِّ، عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ وَبِشْرِ
بْنِ الْمُفَضَّلِ، كِلَاهُمَا عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مُسْلِمٍ أَبِي بَكْرٍ
الْقَصِيرِ
الْبَصْرِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَذَكَرَ
مِثْلَهُ.
ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، ثَنَا مَخْلَدٌ عَنِ ابْنِ
جُرَيْحٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنَّهُ رَأَى أُمَّ زُفَرَ تِلْكَ،
امْرَأَةٌ طَوِيلَةٌ سَوْدَاءُ، عَلَى سِتْرِ الْكَعْبَةِ. وَقَدْ ذَكَرَ
الْحَافِظُ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي " الْغَابَةِ " أَنَّ أُمَّ زُفَرَ
هَذِهِ كَانَتْ مَشَّاطَةَ خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ قَدِيمًا، وَأَنَّهَا
عُمِّرَتْ حَتَّى أَدْرَكَهَا عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ:
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَنَا
أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ، ثَنَا قُرَّةُ بْنُ
حَبِيبٍ الْقَنَوِيِّ، ثَنَا إِيَاسُ بْنُ أَبِي تَمِيمَةَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَتِ الْحُمَّى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ابْعَثْنِي إِلَى أَحَبِّ
قَوْمِكَ إِلَيْكَ - أَوْ أَحَبِّ أَصْحَابِكَ إِلَيْكَ. شَكَّ قُرَّةٌ - فَقَالَ:
" اذْهَبِي إِلَى الْأَنْصَارِ ". فَذَهَبَتْ إِلَيْهِمْ
فَصَرَعَتْهُمْ، فَجَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ أَتَتِ الْحُمَّى عَلَيْنَا،
فَادْعُ اللَّهَ لَنَا بِالشِّفَاءِ. فَدَعَا لَهُمْ، فَكُشِفَتْ عَنْهُمْ. قَالَ:
فَاتَّبَعَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ لِي فَإِنِّي
لَمِنَ الْأَنْصَارِ، فَادْعُ اللَّهَ لِي كَمَا دَعَوْتَ لَهُمْ، فَقَالَ: "
أَيُّهُمَا أَحَبُّ إِلَيْكِ; أَنْ أَدْعُوَ لَكِ فَيَكْشِفُ عَنْكِ، أَوْ
تَصْبِرِينَ وَتَجِبُ لَكِ
الْجَنَّةُ؟
" فَقَالَتْ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَلْ أَصْبِرُ - ثَلَاثًا -
وَلَا أَجْعَلُ وَاللَّهِ لِجَنَّتِهِ خَطَرًا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ
الْكُدَيْمِيُّ ضَعِيفٌ.
وَقَدْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَنَا
أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ
حَنْبَلٍ، ثَنَا أَبِي، ثَنَا هِشَامُ بْنُ لَاحِقٍ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِينَ
وَمِائَةٍ، ثَنَا عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ
سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ:اسْتَأْذَنَتِ الْحُمَّى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " مَنْ أَنْتِ؟ " قَالَتْ:
أَنَا الْحُمَّى، أَبْرِي اللَّحْمَ، وَأَمُصُّ الدَّمَ. قَالَ: " اذْهَبِي
إِلَى أَهْلِ قُبَاءٍ ". فَأَتَتْهُمْ، فَجَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدِ اصْفَرَّتْ وُجُوهُهُمْ، فَشَكَوْا
إِلَيْهِ الْحُمَّى، فَقَالَ لَهُمْ: " مَا شِئْتُمْ; إِنْ شِئْتُمْ دَعَوْتُ
اللَّهَ فَكَشْفَهَا عَنْكُمْ، وَإِنْ شِئْتُمْ تَرَكْتُمُوهَا فَأَسْقَطَتْ
ذُنُوبَكُمْ ". قَالُوا: بَلْ نَدَعُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهَذَا
الْحَدِيثُ لَيْسَ فِي " مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ " وَلَمْ
يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي
أَوَّلِ الْهِجْرَةِ دُعَاءَهُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ أَنْ
يُذْهِبَ حُمَّاهَا إِلَى الْجُحْفَةِ، فَاسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ ذَلِكَ، فَإِنَّ
الْمَدِينَةَ كَانَتْ مَنْ أَوْبَأِ أَرْضِ اللَّهِ، فَصَحَّحَهَا اللَّهُ
بِبَرَكَةِ حُلُولِهِ بِهَا، وَدُعَائِهِ لِأَهْلِهَا، صَلَوَاتُ اللَّهِ
وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ فِي ذَلِكَ:
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا رَوْحٌ، ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ
الْمَدِينِيُّ، سَمِعْتُ عِمَارَةَ بْنَ خُزَيْمَةَ بْنَ ثَابِتٍ يُحَدِّثُ عَنْ
عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّ رَجُلًا ضَرِيرًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَنِي.
فَقَالَ:
"
إِنْ شِئْتَ أَخَّرْتُ ذَلِكَ فَهُوَ أَفْضَلُ لِآخِرَتِكَ، وَإِنْ شِئْتَ
دَعَوْتُ لَكَ ". قَالَ: لَا، بَلِ ادْعُ اللَّهَ لِي. قَالَ فَأَمَرَهُ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَوَضَّأَ، وَأَنْ
يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ، وَأَنْ يَدْعُوَ بِهَذَا الدُّعَاءِ: اللَّهُمَّ إِنِّي
أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ، نَبِيِّ الرَّحْمَةِ،
يَا مُحَمَّدُ، إِنِّي أَتَوَجَّهُ بِكَ إِلَى رَبِّي فِي حَاجَتِي هَذِهِ
فَتُقْضَى وَتُشَفِّعُنِي فِيهِ وَتُشَفِّعُهُ فِيَّ. قَالَ: فَكَانَ يَقُولُ
هَذَا مِرَارًا. ثُمَّ قَالَ بَعْدُ: أَحْسَبُ أَنَّ فِيهَا: أَنْ تُشَفِّعَنِي
فِيهِ. قَالَ: فَفَعَلَ الرَّجُلُ فَبَرَأَ وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا، عَنْ
عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ، عَنْ شُعْبَةَ بِهِ. وَقَالَ: اللَّهُمَّ شَفِّعْهُ فِيَّ.
وَلَمْ يُقِلِ الْأُخْرَى، وَكَأَنَّهَا غَلَطٌ مِنَ الرَّاوِي. وَاللَّهُ
أَعْلَمُ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ غَيْلَانَ،
وَابْنِ مَاجَهْ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ سَيَّارٍ، كِلَاهُمَا عَنْ
عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ لَا
نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ أَبِي جَعْفَرٍ الْخَطْمِيِّ. ثُمَّ رَوَاهُ
أَحْمَدُ أَيْضًا عَنْ مُؤَمَّلٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي
جَعْفَرٍ الْخَطْمِيِّ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ
حُنَيْفٍ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَهَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ مَعْمَرٍ، عَنْ حِبَّانَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِهِ. ثُمَّ رَوَاهُ
النَّسَائِيُّ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنْ
مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ
بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ
عَمِّهِ
عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ بِهِ. وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تُخَالِفُ مَا تَقَدَّمَ،
وَلَعَلَّهُ عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ الْخَطْمِيِّ مِنَ الْوَجْهَيْنِ. وَاللَّهُ
أَعْلَمُ.
وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ يَعْقُوبَ بْنِ سُفْيَانَ
عَنْ أَحْمَدَ بْنِ شَبِيبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْحَبَطِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَوْحِ
بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْمَدِينِيِّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ
سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ عَمِّهِ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ: سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَاءَهُ رَجُلٌ ضَرِيرٌ،
فَشَكَا إِلَيْهِ ذَهَابَ بَصَرِهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَيْسَ لِي
قَائِدٌ، وَقَدْ شَقَّ عَلَيَّ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " ائْتِ الْمِيضَأَةَ فَتَوَضَّأْ، ثُمَّ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ،
ثُمَّ قُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ
مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، يَا مُحَمَّدُ، إِنِّي أَتَوَجَّهُ بِكَ إِلَى
رَبِّي فَتُجَلِّي بَصَرِي، اللَّهُمَّ فَشَفِّعْهُ فِيَّ وَشَفِّعْنِي فِي
نَفْسِي " قَالَ عُثْمَانُ: فَوَاللَّهِ مَا تَفَرَّقْنَا وَلَا طَالَ
الْحَدِيثُ بِنَا حَتَّى دَخَلَ الرَّجُلُ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِهِ ضُرٌّ قَطُّ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَرَوَاهُ أَيْضًا هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ، عَنْ أَبِي
جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ عَنْ عَمِّهِ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ
حَدِيثٌ آخَرُ:
قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، ثَنَا
عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلَامَانَ بْنِ
سَعْدٍ، عَنْ أُمِّهِ
أَنَّ خَالَهَا حَبِيبَ بْنَ فُوَيْكٍ حَدَّثَهَا أَنَّ أَبَاهُ خَرَجَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَيْنَاهُ مُبْيَضَّتَانِ لَا يُبْصِرُ بِهِمَا شَيْئًا أَصْلًا، فَسَأَلَهُ " مَا أَصَابَكَ؟ " فَقَالَ: كُنْتُ أَمْرِي جَمَلًا لِي، فَوَقَعَتْ رِجْلِي عَلَى بَيْضِ حَيَّةٍ فَأُصِيبَ بَصَرِي. قَالَ: فَنَفَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَيْنَيْهِ فَأَبْصَرَ، فَرَأَيْتُهُ وَإِنَّهُ لَيُدْخِلُ الْخَيْطَ فِي الْإِبْرَةِ، وَإِنَّهُ لَابْنُ ثَمَانِينَ سَنَةً، وَإِنَّ عَيْنَيْهِ لَمُبْيَضَّتَانِ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: كَذَا فِي كِتَابِهِ، وَغَيْرُهُ يَقُولُ: حَبِيبُ بْنُ مُدْرِكٍ. قَالَ وَقَدْ مَضَى فِي هَذَا الْمَعْنَى حَدِيثُ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ أَنَّهُ أُصِيبَتْ عَيْنُهُ، فَسَالَتْ حَدَقَتُهُ عَلَى وَجْنَتِهِ، فَرَدَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَوْضِعِهَا، فَكَانَ لَا يَدْرِي أَيُّهُمَا أُصِيبَتْ. قُلْتُ: وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي مَقْتَلِ أَبِي رَافِعٍ مَسْحَهُ بِيَدِهِ الْكَرِيمَةِ عَلَى رِجْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَتِيكٍ وَقَدِ انْكَسَرَ سَاقُهُ، فَبَرَأَ مِنْ سَاعَتِهِ. وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ يَدَ مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ وَقَدِ احْتَرَقَتْ يَدُهُ بِالنَّارِ، فَبَرَأَ مِنْ سَاعَتِهِ، وَأَنَّهُ، عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ، نَفَثَ فِي كَفِّ شُرَحْبِيلَ الْجُعْفِيِّ فَذَهَبَتْ مِنْ كَفِّهِ
سِلْعَةٌ كَانَتْ بِهِ.
قُلْتُ: وَتَقَدَّمَ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرٍ تَفْلُهُ فِي عَيْنَيْ عَلِيٍّ وَهُوَ
أَرْمَدُ فَبَرَأَ
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَلِيٍّ حَدِيثَهُ فِي تَعْلِيمِهِ، عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ السَّلَامُ، ذَلِكَ الدُّعَاءَ لِحِفْظِ الْقُرْآنِ، فَحَفِظَهُ.
وَفِي " الصَّحِيحِ " أَنَّهُ قَالَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ
وَجَمَاعَةٍ:مَنْ يَبْسُطُ رِدَاءَهُ الْيَوْمَ فَإِنَّهُ لَا يَنْسَى شَيْئًا
مِنْ مَقَالَتِي ". قَالَ: فَبَسَطْتُهُ فَلَمْ أَنْسَ شَيْئًا مِنْ
مَقَالَتِهِ تِلْكَ. فَقِيلَ: كَانَ ذَلِكَ حِفْظًا مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لِكُلِّ
مَا سَمِعَهُ مِنْهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ. قِيلَ: وَفِي غَيْرِهِ. فَاللَّهُ
أَعْلَمُ. وَدَعَا لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فَبَرَأَ
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَنَّهُ دَعَا لِعَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ فِي مَرْضَةٍ
مَرِضَهَا، وَطَلَبَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ
يَدْعُوَ لَهُ رَبَّهُ، فَبَرَأَ مِنْ سَاعَتِهِ. وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا
كَثِيرَةٌ جِدًّا يَطُولُ اسْتِقْصَاؤُهَا. وَقَدْ أَوْرَدَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ
هَذَا النَّوْعِ كَثِيرًا طَيِّبًا أَشَرْنَا إِلَى أَطْرَافٍ مِنْهُ، وَتَرَكْنَا
أَحَادِيثَ ضَعِيفَةَ الْإِسْنَادِ، وَاكْتَفَيْنَا بِمَا أَوْرَدْنَا عَمَّا
تَرَكْنَا، وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ
حَدِيثٌ آخَرُ:
ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي
زَائِدَةَ،
زَادَ
مُسْلِمٌ: وَالْمُغِيرَةُ. كِلَاهُمَا عَنْ عَامِرِ بْنِ شَرَاحِيلَ
الشَّعْبِيِّعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ كَانَ يَسِيرُ عَلَى
جَمَلٍ قَدْ أَعْيَا، فَأَرَادَ أَنْ يُسَيِّبَهُ. قَالَ: فَلَحِقَنِي رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَرَبَهُ وَدَعَا لِي، فَسَارَ
سَيْرًا لَمْ يَسِرْ مِثْلَهُ - وَفِي رِوَايَةٍ: فَمَا زَالَ بَيْنَ يَدَيِ
الْإِبِلِ قُدَّامَهَا حَتَّى كُنْتُ أَحْبِسُ خِطَامَهُ فَلَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ
- فَقَالَ: " كَيْفَ تَرَى جَمَلَكَ؟ " فَقُلْتُ: قَدْ أَصَابَتْهُ
بَرَكَتُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرَاهُ مِنْهُ، وَاخْتَلَفَ الرُّوَاةُ فِي
مِقْدَارِ ثَمَنِهِ عَلَى رِوَايَاتٍ كَثِيرَةٍ، وَأَنَّهُ اسْتَثْنَى حُمْلَانَهُ
إِلَى الْمَدِينَةِ، ثُمَّ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ جَاءَهُ بِالْجَمَلِ،
فَنَقَدَهُ ثَمَنَهُ وَزَادَهُ، ثُمَّ أَطْلَقَ لَهُ الْجَمَلَ أَيْضًا الْحَدِيثَ
بِطُولِهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ:
رَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ، وَهُوَ فِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ
" مِنْ حَدِيثِ حُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيِّ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ
حَازِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: فَزِعَ
النَّاسُ، فَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسًا
لِأَبِي طَلْحَةَ بَطِيئًا، ثُمَّ خَرَجَ يَرْكُضُ وَحْدَهُ، فَرَكِبَ النَّاسُ
يَرْكُضُونَ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:
" لَنْ تُرَاعُوا، إِنَّهُ لَبَحْرٌ ". قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا سُبِقَ
بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ
حَدِيثٌ آخَرُ:
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي، أَنَا حَامِدُ بْنُ
مُحَمَّدٍ الْهَرَوِيِّ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، ثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقَاشِيُّ، ثَنَا رَافِعُ بْنُ
سَلَمَةَ
بْنِ زِيَادٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جُعَيْلٍ
الْأَشْجَعِيِّ قَالَ:غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ غَزَوَاتِهِ وَأَنَا عَلَى فَرَسٍ لِي عَجْفَاءُ ضَعِيفَةٌ.
قَالَ: فَكُنْتُ فِي أُخْرَيَاتِ النَّاسِ، فَلَحِقَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: " سِرْ يَا صَاحِبَ الْفَرَسِ ".
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَجْفَاءُ ضَعِيفَةٌ. قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِخْفَقَةً مَعَهُ فَضَرَبَهَا بِهَا،
وَقَالَ: " اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُ فِيهَا ". قَالَ: فَلَقَدْ
رَأَيْتُنِي وَأَنَا أُمْسِكُ بِرَأْسِهَا أَنْ تَقْدُمَ النَّاسَ، وَلَقَدْ بِعْتُ
مِنْ بَطْنِهَا بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ رَافِعٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقَاشِيِّ، فَذَكَرَهُ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ
يَعِيشَ عَنْ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ، عَنْ رَافِعِ بْنِ سَلَمَةَ الْأَشْجَعِيِّ
فَذَكَرَهُ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي " التَّارِيخِ ": وَقَالَ
رَافِعُ بْنُ زِيَادِ بْنِ الْجَعْدِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ أَخِي سَالِمٍ، عَنْ جُعَيْلٍ، فَذَكَرَهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ
بِبَغْدَادَ، أَنَا أَبُو سَهْلِ بْنُ زِيَادٍ الْقَطَّانُ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
شَاذَانَ الْجَوْهَرِيُّ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ عَدِيٍّ، ثَنَا مَرْوَانُ
بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ
قَالَ:جَاءَ
رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي
تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً. فَقَالَ: " هَلَّا نَظَرْتُ إِلَيْهَا؟ فَإِنَّ فِي أَعْيُنِ
الْأَنْصَارِ شَيْئًا ". قَالَ: قَدْ نَظَرْتُ إِلَيْهَا. قَالَ: "
عَلَى كَمْ تَزَوَّجْتَهَا؟ " فَذَكَرَ شَيْئًا. قَالَ: " كَأَنَّهُمْ
يَنْحِتُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ مِنْ عُرْضِ هَذِهِ الْجِبَالِ! مَا عِنْدَنَا
الْيَوْمَ شَيْءٌ نُعْطِيكَهُ، وَلَكِنْ سَأَبْعَثُكَ فِي وَجْهٍ تُصِيبُ فِيهِ
". فَبَعَثَ بَعْثًا إِلَى بَنِي عَبْسٍ، وَبَعَثَ الرَّجُلَ فِيهِمْ،
فَأَتَاهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَعْيَتْنِي نَاقَتِي أَنْ تَنْبَعِثَ.
قَالَ: فَنَاوَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ
كَالْمُعْتَمِدِ عَلَيْهِ لِلْقِيَامِ، فَأَتَاهَا فَضَرَبَهَا بِرِجْلِهِ. قَالَ
أَبُو هُرَيْرَةَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ رَأَيْتُهَا تَسْبِقُ بِهِ
الْقَائِدَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي " الصَّحِيحِ " عَنْ يَحْيَى بْنِ
مَعْينٍ، عَنْ مَرْوَانَ.
حَدِيثٌ آخَرُ:
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي،
أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثَنَا أَبُو أَحْمَدَ
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، أَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، أَنَا
الْأَعْمَشُ، عَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى بَعِيرًا، فَأَتَى رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي اشْتَرَيْتُ بَعِيرًا،
فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يُبَارِكَ لِي فِيهِ. فَقَالَ: " اللَّهُمَّ بَارِكْ
لَهُ فِيهِ ". فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا يَسِيرًا أَنْ نَفَقَ، ثُمَّ اشْتَرَى
بَعِيرًا آخَرَ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي اشْتَرَيْتُ بَعِيرًا، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ
يُبَارِكَ لِي فِيهِ، فَقَالَ: " اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُ فِيهِ ".
فَلَمْ يَلْبَثْ حَتَّى نَفَقَ، ثُمَّ اشْتَرَى بَعِيرًا
آخَرَ،
فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، قَدِ اشْتَرَيْتُ بَعِيرَيْنِ، فَدَعَوْتَ اللَّهَ أَنْ يُبَارِكَ لِي
فِيهِمَا، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَحْمِلَنِي عَلَيْهِ. فَقَالَ: " اللَّهُمَّ
احْمِلْهُ عَلَيْهِ ". فَمَكَثَ عِنْدَهُ عِشْرِينَ سَنَةً قَالَ
الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذَا مُرْسَلٌ، وَدُعَاؤُهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ، صَارَ إِلَى أَمْرِ الْآخِرَةِ فِي الْمَرَّتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ.
حَدِيثٌ آخَرُ:
قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ،
أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمِيكَالِيُّ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ
سَعِيدٍ الْعَسْكَرِيُّ، ثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ
بْنِ خَلَّادٍ الْوَاسِطِيُّ، ثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنَا الْمُسْتَلِمُ
بْنُ سَعِيدٍ، ثَنَا حَبِيبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خُبَيْبِ بْنِ إِسَافٍ،
عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ خُبَيْبِ بْنِ إِسَافٍ قَالَ:أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَرَجُلٌ مِنْ قَوْمِي فِي بَعْضِ
مَغَازِيهِ فَقُلْنَا: إِنَّا نَشْتَهِي أَنْ نَشْهَدَ مَعَكَ مَشْهَدًا. قَالَ:
" أَسْلَمْتُمْ؟ " قُلْنَا: لَا. قَالَ: " فَإِنَّا لَا
نَسْتَعِينُ بِالْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ". قَالَ: فَأَسْلَمْنَا،
وَشَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَأَصَابَتْنِي ضَرْبَةٌ عَلَى عَاتِقِي فَجَافَتْنِي، فَتَعَلَّقَتْ يَدِي
فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَفَلَ فِيهَا
وَأَلْزَقَهَا، فَالْتَأَمَتْ وَبَرَأَتْ، وَقَتَلْتُ الَّذِي ضَرَبَنِي، ثُمَّ
تَزَوَّجْتُ ابْنَةَ الَّذِي قَتَلْتُهُ وَضَرَبَنِي، فَكَانَتْ تَقُولُ: لَا
عَدِمْتَ رَجُلًا وَشَّحَكَ هَذَا الْوِشَاحَ. فَأَقُولُ: لَا عَدِمْتِ رَجُلًا
أَعْجَلَ أَبَاكِ إِلَى النَّارِ وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ
أَحْمَدُ
هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ بِإِسْنَادِهِ، مِثْلَهُ، وَلَمْ
يَذْكُرْ فَتَفَلَ فِيهَا فَبَرَأَتْ.
حَدِيثٌ آخَرُ:
ثَبْتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي النَّضْرِ هَاشِمِ
بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ وَرْقَاءَ بْنِ عُمَرَ الْيَشْكُرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ
اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:أَتَى رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَلَاءَ، فَوَضَعْتُ لَهُ وَضُوءًا،
فَلَمَّا خَرَجَ قَالَ: " مَنْ وَضَعَ هَذَا؟ " قَالُوا: ابْنُ
عَبَّاسٍ. قَالَ: " اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَاكِمِ وَغَيْرِهِ، عَنِ الْأَصَمِّ، عَنْ
عَبَّاسٍ الدُّورِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُوسَى الْأَشْيَبِ، عَنْ زُهَيْرٍ،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ
جُبَيْرٍ،عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى كَتِفِي - أَوْ قَالَ: مَنْكِبِي - شَكَّ سَعِيدٌ -
ثُمَّ قَالَ: " اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ
" وَقَدِ اسْتَجَابَ اللَّهُ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
هَذِهِ الدَّعْوَةَ فِي ابْنِ عَمِّهِ، فَكَانَ إِمَامًا يُهْتَدَى بِهُدَاهُ،
وَيُقْتَدَى بِسَنَاهُ فِي عُلُومِ الشَّرِيعَةِ، وَلَا سِيَّمَا فِي عُلُومِ
التَّأْوِيلِ، وَهُوَ التَّفْسِيرُ، فَإِنَّهُ انْتَهَتْ إِلَيْهِ عُلُومُ
الصَّحَابَةِ قَبْلَهُ، وَمَا كَانَ عَقَلَهُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَمِّهِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَدْ
قَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: لَوْ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَدْرَكَ أَسْنَانَنَا مَا
عَاشَرَهُ أَحَدٌ مِنَّا. وَكَانَ يَقُولُ: نِعْمَ تُرْجُمَانُ الْقُرْآنِ ابْنُ
عَبَّاسٍ. هَذَا وَقَدْ تَأَخَّرَتْ وَفَاةُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ وَفَاةِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ بِبِضْعٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً، فَمَا ظَنُّكَ بِمَا
حَصَّلَهُ بَعْدَهُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ؟ وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ بَعْضِ
أَصْحَابِهِ أَنَّهُ قَالَ: خَطَبَ النَّاسَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي عَشِيَّةِ
عَرَفَةَ، فَفَسَّرَ لَهُمْ سُورَةَ " الْبَقَرَةِ "، أَوْ قَالَ:
سُورَةً فَفَسَّرَهَا تَفْسِيرًا لَوْ سَمِعَتْهُ الرُّومُ وَالتُّرْكُ
وَالدَّيْلَمُ لَأَسْلَمُوا. رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ
حَدِيثٌ آخَرُ:
ثَبَتُ فِي " الصَّحِيحِ " أَنَّهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ،
دَعَا لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ بِكَثْرَةِ الْمَالِ وَالْوَلَدِ، فَكَانَ كَذَلِكَ،
حَتَّى رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ غَيْلَانَ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ
الطَّيَالِسِيِّ، عَنْ أَبِي خَلْدَةَ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي الْعَالِيَةِ: سَمِعَ
أَنَسٌ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: خَدَمَهُ
عَشْرَ سِنِينَ وَدَعَا لَهُ، وَكَانَ لَهُ بُسْتَانٌ يَحْمِلُ فِي السَّنَةِ
الْفَاكِهَةَ مَرَّتَيْنِ، وَكَانَ فِيهِ رَيْحَانٌ يَجِيءُ مِنْهُ رِيحُ
الْمِسْكِ وَقَدْ رُوِّينَا فِي " الصَّحِيحِ " أَنَّهُ وُلِدَ لَهُ
لِصُلْبِهِ قَرِيبٌ مِنْ مِائَةٍ أَوْ مَا يُنَيِّفُ عَلَيْهَا. وَفِي رِوَايَةٍ:
أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " اللَّهُمَّ أَطِلْ
عُمْرَهُ ". فَعُمِّرَ مِائَةً.
وَقَدْ
دَعَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمِّ سُلَيْمٍ وَلِأَبِي طَلْحَةَ فِي
غَابِرِ لَيْلَتِهِمَا، فَوَلَدَتْ لَهُ غُلَامًا سَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ، فَجَاءَ مِنْ صُلْبِهِ تِسْعَةٌ
كُلُّهُمْ قَدْ حَفِظَ الْقُرْآنَ. ثَبَتَ ذَلِكَ فِي " الصَّحِيحِ ".
وَثَبَتَ فِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " مِنْ حَدِيثِ عِكْرِمَةَ بْنِ
عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي كَثِيرٍ الْعَنْبَرِيِّ،عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ
سَأَلَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَدْعُوَ
لِأُمِّهِ فَيَهْدِيهَا اللَّهُ، فَدَعَا لَهَا، فَذَهَبَ أَبُو هُرَيْرَةَ
فَوَجَدَ أُمَّهُ تَغْتَسِلُ خَلْفَ الْبَابِ، فَلَمَّا فَرَغَتْ قَالَتْ:
أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ
اللَّهِ. فَجَعَلَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَبْكِي مِنَ الْفَرَحِ، ثُمَّ ذَهَبَ
فَأَعْلَمَ بِذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَأَلَ
مِنْهُ أَنْ يَدْعُوَ لَهُمَا أَنْ يُحَبِّبَهُمَا اللَّهُ إِلَى عِبَادِهِ
الْمُؤْمِنِينَ. فَدَعَا لَهُمَا فَحَصَلَ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ:
فَلَيْسَ مُؤْمِنٌ وَلَا مُؤْمِنَةٌ إِلَّا وَهُوَ يُحِبُّنَا. وَقَدْ صَدَقَ
أَبُو هُرَيْرَةَ فِي ذَلِكَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ، وَمِنْ تَمَامِ
هَذِهِ الدَّعْوَةِ أَنَّ اللَّهَ شَهَرَ ذِكْرَهُ فِي أَيَّامِ الْجُمَعِ، حَيْثُ
يَذْكُرُهُ النَّاسُ بَيْنَ يَدَيْ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ، وَهَذَا مِنَ
التَّقْيِيضِ الْقَدَرِيِّ وَالتَّقْدِيرِ الْمَعْنَوِيِّ.
وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحِ " أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ،دَعَا لِسَعْدِ
بْنِ أَبِي وَقَاصٍّ وَهُوَ مَرِيضٌ فَعُوفِيَ. وَدَعَا لَهُ أَنْ يَكُونَ مُجَابَ
الدَّعْوَةِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَجِبْ دَعْوَتَهُ، وَسَدِّدْ رَمْيَتَهُ
فَكَانَ كَذَلِكَ، فَنِعْمَ أَمِيرُ السَّرَايَا وَالْجُيُوشِ كَانَ، وَقَدْ دَعَا
عَلَى أَبِي سَعْدَةَ أُسَامَةَ بْنِ قَتَادَةَ - حِينَ شَهِدَ فِيهِ بِالزُّورِ -
بِطُولِ الْعُمْرِ
وَكَثْرَةِ
الْفَقْرِ وَالتَّعَرُّضِ لِلْفِتَنِ، فَكَانَ ذَلِكَ، فَكَانَ إِذَا سُئِلَ
ذَلِكَ الرَّجُلُ يَقُولُ: شَيْخٌ كَبِيرٌ مَفْتُونٌ، أَصَابَتْنِي دَعْوَةُ
سَعْدٍ.
وَثَبَتَ فِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " وَغَيْرِهِ أَنَّهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا لِلسَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، وَمَسَحَ بِيَدِهِ
عَلَى رَأْسِهِ، فَطَالَ عُمُرُهُ، حَتَّى بَلَغَ أَرْبَعًا وَتِسْعِينَ سَنَةً
وَهُوَ تَامُّ الْقَامَةِ مُعْتَدِلٌ، وَلَمْ يَشِبْ مِنْهُ مَوْضِعُ أَصَابَتْ
يَدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمُتِّعَ بِحَوَاسِّهِ
وَقُوَاهُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: ثَنَا حَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ، ثَنَا عَزْرَةُ بْنُ ثَابِتٍ،
ثَنَا عِلْبَاءُ بْنُ أَحْمَرَ، حَدَّثَنِي أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ
قَالَ:قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ادْنُ
مِنِّي ". فَمَسَحَ بِيَدِهِ عَلَى رَأْسِي، ثُمَّ قَالَ: " اللَّهُمَّ
جَمِّلْهُ وَأَدِمْ جَمَالَهُ ". قَالَ: فَبَلَغَ بِضْعًا وَمِائَةً - يَعْنِي
سَنَةً - وَمَا فِي لِحْيَتِهِ بَيَاضٌ إِلَّا نُبَذٌ يَسِيرَةٌ، وَلَقَدْ كَانَ
مُنْبَسِطَ الْوَجْهِ لَمْ يَنْقَبِضْ وَجْهُهُ حَتَّى مَاتَ. قَالَ
الْبَيْهَقِيُّ: إِسْنَادٌ صَحِيحٌ مَوْصُولٌ. وَلَقَدْ أَوْرَدَ الْبَيْهَقِيُّ
لِهَذَا نَظَائِرَ كَثِيرَةً، وَأَسْنَدَ رِوَايَاتٍ كَثِيرَةً فِي هَذَا
الْمَعْنَى، تَشْفِي الْقُلُوبَ وَتُحَصِّلُ الْمَطْلُوبَ.
وَقَدْ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَارِمٌ، ثَنَا مُعْتَمِرٌ، وَقَالَ
يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى: ثَنَا مُعْتَمِرٌ، هُوَ ابْنُ
سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ قَالَ:كُنْتُ
عِنْدَ قَتَادَةَ بْنِ مِلْحَانَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ. قَالَ:
فَمَرَّ رَجُلٌ فِي مُؤَخَّرِ الدَّارِ. قَالَ: فَرَأَيْتُهُ فِي وَجْهِ
قَتَادَةَ. قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَدْ مَسَحَ وَجْهَهُ. قَالَ: وَكُنْتُ قَلَّ مَا رَأَيْتُهُ إِلَّا وَرَأَيْتُ
كَأَنَّ عَلَى وَجْهِهِ الدِّهَانَ.
وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " أَنَّهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ، دَعَا لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ بِالْبَرَكَةِ حِينَ رَأَى
عَلَيْهِ ذَلِكَ الرَّدْعَ مِنَ الزَّعْفَرَانِ لِأَجْلِ الْعُرْسِ، فَاسْتَجَابَ
اللَّهُ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفَتَحَ لَهُ فِي
الْمَتْجَرِ وَالْمَغَانِمِ حَتَّى حَصَلَ لَهُ مَالٌ جَزِيلٌ، بِحَيْثُ إِنَّهُ
لَمَّا مَاتَ صُولِحَتِ امْرَأَةٌ مِنْ نِسَائِهِ الْأَرْبَعِ عَنْ رُبُعِ
الثُّمُنِ، عَلَى ثَمَانِينَ أَلْفًا.
وَثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ طَرِيقِ شَبِيبِ بْنِ غَرْقَدَةَ أَنَّهُ سَمِعَ
الْحَيَّ يُخْبِرُونَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ الْبَارِقِيِّ،أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهُ دِينَارًا،
لِيَشْتَرِيَ لَهُ بِهِ شَاةً، فَاشْتَرَى بِهِ شَاتَيْنِ، وَبَاعَ إِحْدَاهُمَا
بِدِينَارٍ، وَأَتَاهُ بِشَاةٍ وَدِينَارٍ، فَدَعَا لَهُ
بِالْبَرَكَةِ
فِي الْبَيْعِ، فَكَانَ لَوِ اشْتَرَى التُّرَابَ لَرَبِحَ فِيهِ. وَفِي
رِوَايَةٍ: فَقَالَ لَهُ: " بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي صَفْقَةِ يَمِينِكَ
".
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
ثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ،عَنْ أَبِي عُقَيْلٍ، أَنَّهُ كَانَ يَخْرُجُ بِهِ
جَدُّهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هِشَامٍ إِلَى السُّوقِ فَيَشْتَرِي الطَّعَامَ،
فَيَلْقَاهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَابْنُ عُمَرَ فَيَقُولَانِ: أَشْرِكْنَا فِي
بَيْعِكَ; فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ دَعَا
لَكَ بِالْبَرَكَةِ. فَيُشْرِكُهُمْ، فَرُبَّمَا أَصَابَ الرَّاحِلَةَ كَمَا هِيَ
فَيَبْعَثُ بِهَا إِلَى الْمَنْزِلِ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو سَعْدٍ الْمَالِينِيُّ، أَنَا ابْنُ عَدِيٍّ،
ثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْحَلَبِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ يَزِيدَ الْمُسْتَمْلِي، ثَنَا شَبَابَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، ثَنَا
أَيُّوبُ بْنُ سَيَّارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ
أَبِي بَكْرٍ،عَنْ بِلَالٍ قَالَ: أَذَّنْتُ فِي غَدَاةٍ بَارِدَةٍ، فَخَرَجَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَرَ فِي الْمَسْجِدِ
أَحَدًا، فَقَالَ: " أَيْنَ النَّاسُ يَا بِلَالُ؟ " فَقُلْتُ:
مَنَعَهُمُ الْبَرْدُ. فَقَالَ: " اللَّهُمَّ أَذْهِبِ عَنْهُمُ الْبَرْدَ
" فَرَأَيْتُهُمْ يَتَرَوَّحُونَ. ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: تَفَرَّدَ
بِهِ أَيُّوبُ بْنُ سَيَّارٍ، وَنَظِيرُهُ قَدْ مَضَى فِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ
عَنْ حُذَيْفَةَ فِي قِصَّةِ الْخَنْدَقِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَصْبَهَانِيُّ إِمْلَاءً، أَنَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأُوَيْسِيُّ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي عَلِيٍّ اللَّهَبِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مَعَهُ، فَعَرَضَتِ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي امْرَأَةٌ مُسْلِمَةٌ مُحْرِمَةٌ، وَمَعِي زَوْجٌ لِي فِي بَيْتِي مِثْلُ الْمَرْأَةِ. فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ادْعِي لِي زَوْجَكِ ". فَدَعَتْهُ وَكَانَ خَرَّازًا، فَقَالَ لَهُ: " مَا تَقُولُ فِي امْرَأَتِكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ؟ " فَقَالَ الرَّجُلُ: وَالَّذِي أَكْرَمَكَ مَا جَفَّ رَأْسِي مِنْهَا. فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: مَا مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ فِي الشَّهْرِ؟! فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَتُبْغِضِينَهُ؟ " قَالَتْ: نَعَمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَدْنِيَا رُءُوسَكُمَا ". فَوَضَعَ جَبْهَتَهَا عَلَى جَبْهَةِ زَوْجِهَا ثُمَّ قَالَ: " اللَّهُمَّ أَلِّفْ بَيْنَهُمَا، وَحَبَّبَ أَحَدَهُمَا إِلَى صَاحِبِهِ " ثُمَّ مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسُوقِ النَّمَطِ وَمَعَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَطَلَعَتِ الْمَرْأَةُ تَحْمِلُ أَدَمًا عَلَى رَأْسِهَا، فَلَمَّا رَأَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَرَحَتْهُ وَأَقْبَلَتْ، فَقَبَّلَتْ رِجْلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كَيْفَ أَنْتِ وَزَوْجُكِ؟ " فَقَالَتْ: وَالَّذِي أَكْرَمَكَ مَا طَارِفٌ وَلَا تَالِدٌ وَلَا وَالِدٌ
أَحَبَّ
إِلَيَّ مِنْهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" أَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ ". فَقَالَ عُمَرُ: وَأَنَا أَشْهَدُ
أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: تَفَرَّدَ بِهِ عَلِيُّ بْنُ
عَلِيٍّ اللَّهَبِيُّ، وَهُوَ كَثِيرُ الرِّوَايَةِ لِلْمَنَاكِيرِ. قَالَ
الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ رَوَى يُوسُفُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مَعْنَى هَذِهِ الْقِصَّةِ; إِلَّا
أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ.
حَدِيثٌ آخَرُ:
قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ: ثَنَا كَامِلُ بْنُ طَلْحَةَ، ثَنَا
حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ،عَنْ أَبِي
الطُّفَيْلِ، أَنَّ رَجُلًا وُلِدَ لَهُ غُلَامٌ فَأَتَى بِهِ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ، وَأَخَذَ
بِجَبْهَتِهِ، فَنَبَتَتْ شَعْرَةٌ فِي جَبْهَتِهِ كَأَنَّهَا هُلْبَةُ فَرَسٍ،
فَشَبَّ الْغُلَامُ، فَلَمَّا كَانَ زَمَنُ الْخَوَارِجِ أَجَابَهُمْ، فَسَقَطَتِ
الشَّعْرَةُ عَنْ جَبْهَتِهِ، فَأَخْذَهُ أَبُوهُ فَقَيَّدَهُ وَحَبَسَهُ،
مَخَافَةَ أَنْ يَلْحَقَ بِهِمْ. قَالَ: فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ فَوَعَظْنَاهُ
وَقُلْنَا لَهُ: أَلَمْ تَرَ إِلَى بَرَكَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَعَتْ؟ فَلَمْ نَزَلْ بِهِ حَتَّى رَجَعَ عَنْ رَأْيِهِمْ.
قَالَ: فَرَدَّ اللَّهُ تِلْكَ الشَّعْرَةَ إِلَى جَبْهَتِهِ إِذْ تَابَ
وَقَدْ رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ، عَنِ الْحَاكِمِ
وَغَيْرِهِ، عَنِ الْأَصَمِّ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ الْكَلْبِيِّ، عَنْ شُرَيْحِ
بْنِ مَسْلَمَةَ، عَنْ أَبِي يَحْيَى إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ
التَّيْمِيِّ، حَدَّثَنِي سَيْفُ بْنُ وَهْبٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، أَنَّ
رَجُلًا مِنْ بَنِي لَيْثٍ يُقَالُ لَهُ:
فِرَاسُ
بْنُ عَمْرٍو. أَصَابَهُ صُدَاعٌ شَدِيدٌ، فَذَهَبَ بِهِ أَبُوهُ إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَجْلَسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ،
وَأَخَذَ بِجِلْدَةٍ بَيْنَ عَيْنَيْهِ فَجَذَبَهَا حَتَّى تَنَقَّضَتْ،
فَنَبَتَتْ فِي مَوْضِعِ أَصَابِعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ شَعْرَةٌ، وَذَهَبٌ عَنْهُ الصُّدَاعُ فَلَمْ يُصَدَّعْ. وَذَكَرَ
بَقِيَّةَ الْقِصَّةِ فِي الشَّعْرَةِ كَنَحْوِ مَا تَقَدَّمَ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا هَاشِمُ
بْنُ الْقَاسِمِ الْحَرَّانِيُّ، ثَنَا يَعْلَى بْنُ الْأَشْدَقِ، سَمِعْتُ عَبْدَ
اللَّهِ بْنَ جَرَادٍ الْعُقَيْلِيَّ، حَدَّثَنِي النَّابِغَةُ، يَعْنِي
الْجَعْدِيَّ، قَالَ:أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَأَنْشَدْتُهُ مِنْ قَوْلِي:
عَلَوْنَا الْعَبَادَ عِفَّةً وَتَكَرُّمًا وَإِنَّا لَنَرْجُو فَوْقَ ذَلِكَ
مَظْهَرَا
قَالَ: " أَيْنَ الْمَظْهَرُ يَا أَبَا لَيْلَى؟ " قَالَ: قُلْتُ: إِلَى
الْجَنَّةِ. قَالَ: " أَجَلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ". ثُمَّ قَالَ: "
أَنْشَدَنِي " فَأَنْشَدْتُهُ مِنْ قَوْلِي:
وَلَا خَيْرَ فِي حِلْمٍ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ بَوَادِرُ تَحْمِي صَفْوَهُ أَنْ
يُكَدَّرَا
وَلَا خَيْرَ فِي جَهْلٍ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ حَلِيمٌ إِذَا مَا أَوْرَدَ
الْأَمْرَ أَصْدَرَا
قَالَ: " أَحْسَنْتَ، لَا يَفْضُضِ اللَّهُ فَاكَ ". هَكَذَا رَوَاهُ
الْبَزَّارُ إِسْنَادًا وَمَتْنًا.
وَقَدْ
رَوَاهُ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى فَقَالَ: أَخْبَرَنَا
أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدَانَ، أَنَا
أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُؤَمَّلُ، ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
سَوَّارٍ، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ السُّكَّرِيُّ
الرَّقِّيُّ، حَدَّثَنِي يَعْلَى بْنُ الْأَشْدَقِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّابِغَةَ
نَابِغَةَ بَنِي جَعْدَةَ يَقُولُ:أَنْشَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الشِّعْرَ فَأَعْجَبَهُ:
بَلَغْنَا السَّمَاءَ مَجْدُنَا وَثَرَاؤُنَا وَإِنَّا لَنَرْجُو فَوْقَ ذَلِكَ
مَظْهَرَا
فَقَالَ: " أَيْنَ الْمَظْهَرُ يَا أَبَا لَيْلَى؟ " قُلْتُ: إِلَى
الْجَنَّةِ. قَالَ: " كَذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ".
وَلَا خَيْرَ فِي حِلْمٍ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ بَوَادِرُ تَحْمِي صَفْوَهُ أَنْ
يُكَدَّرَا
وَلَا خَيْرَ فِي جَهْلٍ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ حَلِيمٌ إِذَا مَا أَوْرَدَ
الْأَمْرَ أَصْدَرَا
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَجَدْتَ، لَا
يُفْضَضُ فُوكَ ". قَالَ يَعْلَى: فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ وَلَقَدْ أَتَى
عَلَيْهِ نَيِّفٌ وَمِائَةُ سَنَةٍ وَمَا ذَهَبَ لَهُ سِنٌّ. قَالَ
الْبَيْهَقِيُّ: وَرَوَى ذَلِكَ عَنْ مُجَاهِدِ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ جَرَادٍ سَمِعْتُ نَابِغَةَ يَقُولُ:سَمِعَنِي رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أُنْشِدُ مِنْ قَوْلِي:
بَلَغْنَا السَّمَاءَ عِفَّةً وَتَكَرَّمًا وَإِنَّا لَنَرْجُو فَوْقَ ذَلِكَ
مَظْهَرَا
ثُمَّ
ذَكَرَ الْبَاقِي بِمَعْنَاهُ. قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ سِنَّهُ كَأَنَّهَا
الْبَرَدُ الْمُنْهَلُّ، مَا سَقَطَ لَهُ سَنٌّ وَلَا انْفَلَتَ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي
وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، قَالَا: ثَنَا الْأَصَمُّ، ثَنَا عَبَّاسٌ
الدُّورِيُّ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ بَحْرٍ الْقَطَّانُ، ثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ،
ثَنَا مَعْمَرٌ، ثَنَا ثَابِتٌ وَسُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَظَرَ قِبَلَ الْعِرَاقِ
وَالشَّامِ وَالْيَمَنِ - لَا أَدْرِي بِأَيَّتِهِنَّ بَدَأَ - ثُمَّ قَالَ:
" اللَّهُمَّ أَقْبِلْ بِقُلُوبِهِمْ إِلَى طَاعَتِكَ وَحُطَّ مِنْ
وَرَائِهِمْ ثُمَّ رَوَاهُ عَنِ الْحَاكِمِ عَنِ الْأَصَمِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
إِسْحَاقَ الصَّاغَانِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ بَحْرِ بْنِ بَرِّيٍّ، فَذَكَرَهُ
بِمَعْنَاهُ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: ثَنَا عِمْرَانُ الْقَطَّانُ، عَنْ
قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: نَظَرَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ الْيَمَنِ فَقَالَ:
" اللَّهُمَّ أَقْبِلْ بِقُلُوبِهِمْ ". ثُمَّ نَظَرَ قِبَلَ الشَّامِ
فَقَالَ: " اللَّهُمَّ أَقْبِلْ بِقُلُوبِهِمْ ". ثُمَّ نَظَرَ قِبَلَ
الْعِرَاقِ فَقَالَ: " اللَّهُمَّ أَقْبِلْ بِقُلُوبِهِمْ، وَبَارَكَ لَنَا
فِي صَاعِنَا وَمُدِّنَا ". وَهَكَذَا وَقَعَ الْأَمْرُ، أَسْلَمَ أَهْلُ
الْيَمَنِ قَبْلَ أَهْلِ الشَّامِ، ثُمَّ كَانَ الْخَيْرُ وَالْبَرَكَةُ قِبَلَ
الْعِرَاقِ، وَوَعَدَ أَهْلَ الشَّامِ بِالدَّوَامِ عَلَى الْهِدَايَةِ
وَالْقِيَامِ بِنُصْرَةِ الدِّينِ إِلَى آخِرِ الْأَمْرِ وَرَوَى أَحْمَدُ فِي
"
مُسْنَدِهِ ": لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَحَوَّلَ خِيَارُ أَهْلِ
الْعِرَاقِ إِلَى الشَّامِ، وَيَتَحَوَّلُ شِرَارُ أَهْلِ الشَّامِ إِلَى الْعِرَاقِ.
فَصْلٌ دُعَاؤُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ
وَرَوَى مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ
الْحُبَابِ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، حَدَّثَنِي إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ
بْنِ الْأَكْوَعِ، أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّ رَجُلًا أَكَلَ عِنْدَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشِمَالِهِ، فَقَالَ لَهُ: "
كُلْ بِيَمِينِكَ ". قَالَ: لَا أسْتَطِيعُ. قَالَ: " لَا اسْتَطَعْتَ،
مَا مَنَعَهُ إِلَّا الْكِبَرُ ". قَالَ فَمَا رَفَعَهَا إِلَى فِيهِ وَقَدْ
رَوَاهُ أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ إِيَاسٍ، عَنْ
أَبِيهِ قَالَ: أَبْصَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بُسْرَ بْنَ رَاعِي الْعِيرِ وَهُوَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ، فَقَالَ: " كُلْ
بِيَمِينِكَ ". قَالَ: لَا أَسْتَطِيعُ. قَالَ: " لَا اسْتَطَعْتَ
" قَالَ: فَمَا وَصَلَتْ يَدُهُ إِلَى فِيهِ بَعْدُ
وَثَبَتَ فِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي
حَمْزَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:كُنْتُ أَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، فَجَاءَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاخْتَبَأْتُ مِنْهُ،
فَجَاءَنِي فَحَطَأَنِي حَطْأَةً أَوْ حَطْأَتَيْنِ، وَأَرْسَلَنِي إِلَى
مُعَاوِيَةَ فِي حَاجَةٍ
فَأَتَيْتُهُ،
وَهُوَ يَأْكُلُ، فَقُلْتُ: أَتَيْتُهُ وَهُوَ يَأْكُلُ، فَأَرْسَلَنِي
الثَّانِيَةَ، فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ يَأْكُلُ، فَقُلْتُ: أَتَيْتُهُ وَهُوَ
يَأْكُلُ. فَقَالَ: " لَا أَشْبَعَ اللَّهُ بَطْنَهُ "
وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَاكِمِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَمْشَاذَ، عَنْ
هِشَامِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنِي أَبُو عَوَانَةَ،
عَنْ أَبِي حَمْزَةَ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ:كُنْتُ أَلْعَبُ مَعَ
الْغِلْمَانِ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ
جَاءَ، فَقُلْتُ: مَا جَاءَ إِلَّا إِلَيَّ. فَذَهَبْتُ فَاخْتَبَأْتُ عَلَى
بَابٍ، فَجَاءَ فَحَطَأَنِي حَطْأَةً وَقَالَ: " اذْهَبْ فَادْعُ لِي
مُعَاوِيَةَ ". وَكَانَ يَكْتُبُ الْوَحْيَ. قَالَ: فَذَهَبْتُ فَدَعَوْتُهُ
لَهُ، فَقِيلَ إِنَّهُ يَأْكُلُ. فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: إِنَّهُ يَأْكُلُ. فَقَالَ: " اذْهَبْ فَادْعُهُ
لِي ". فَأَتَيْتُهُ الثَّانِيَةَ، فَقِيلَ: إِنَّهُ يَأْكُلُ. فَأَتَيْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ فِي
الثَّالِثَةِ: " لَا أَشْبَعَ اللَّهُ بَطْنَهُ ". قَالَ: فَمَا شَبِعَ
بَعْدَهَا
قُلْتُ وَقَدْ كَانَ مُعَاوِيَةُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لَا يَشْبَعُ بَعْدَهَا،
وَوَافَقَتْهُ هَذِهِ الدَّعْوَةُ فِي أَيَّامِ إِمَارَتِهِ، فَيُقَالُ: إِنَّهُ
كَانَ يَأْكُلُ فِي الْيَوْمِ سَبْعَ مَرَّاتٍ طَعَامًا بِلَحْمٍ، وَكَانَ
يَقُولُ: وَاللَّهِ لَا أَشْبَعُ وَإِنَّمَا أَعْيَى.
وَقَدَّمْنَا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ أَنَّهُ مَرَّ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَهُمْ
يُصَلُّونَ غُلَامٌ فَدَعَا عَلَيْهِ، فَأُقْعِدَ فَلَمْ يَقُمْ بَعْدَهَا.
وَجَاءَ مِنْ طُرُقٍ أَوْرَدَهَا الْبَيْهَقِيُّأَنَّ رَجُلًا حَاكَى النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كَلَامٍ وَاخْتَلَجَ بِوَجْهِهِ، فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كُنْ كَذَلِكَ ".
فَلَمْ
يَزَلْ
يَخْتَلِجُ وَيَرْتَعِشُ مُدَّةَ عُمُرِهِ حَتَّى مَاتَ وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ
الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ الْحَكَمُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ أَبُو مَرْوَانَ بْنِ
الْحَكَمِ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
قَالَ:خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
غَزْوَةِ بَنِي أَنْمَارٍ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي الرَّجُلِ الَّذِي عَلَيْهِ
ثَوْبَانِ قَدْ خَلِقَا، وَلَهُ ثَوْبَانِ فِي الْعَيْبَةِ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَبِسَهُمَا ثُمَّ وَلَّى، فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا لَهُ ضَرَبَ
اللَّهُ عُنُقَهُ؟! ". فَقَالَ الرَّجُلُ: فِي سَبِيلِ اللَّهِ. فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فِي سَبِيلِ اللَّهِ
". فَقُتِلَ الرَّجُلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَقَدْ وَرَدَ مِنْ هَذَا
النَّوْعِ كَثِيرٌ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ بِطُرُقٍ
مُتَعَدِّدَةٍ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ تُفِيدُ الْقَطْعَ، كَمَا
سَنُورِدُهَا قَرِيبًا فِي بَابِ فَضَائِلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
أَنَّهُ قَالَ: " اللَّهُمَّ مَنْ سَبَبْتُهُ أَوْ جَلَدْتُهُ أَوْ لَعَنْتُهُ
وَلَيْسَ لِذَلِكَ أَهْلًا فَاجْعَلْ ذَلِكَ قُرْبَةً لَهُ تُقَرِّبُهُ بِهَا
عِنْدَكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ".
وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ الْبَعْثَةِ حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي دُعَائِهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُولَئِكَ النَّفَرِ السَّبْعَةِ
الَّذِينَ أَحَدُهُمْ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ وَأَصْحَابُهُ، حِينَ طَرَحُوا
عَلَى ظَهْرِهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، سَلَا الْجَزُورِ،
وَأَلْقَتْهُ عَنْهُ ابْنَتُهُ فَاطِمَةُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: "
اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأَبِي جَهْلِ بْنِ
هِشَامٍ، وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدِ
بْنِ عُتْبَةَ ". ثُمَّ سَمَّى بَقِيَّةَ السَّبْعَةِ. قَالَ ابْنُ
مَسْعُودٍ: فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لَقَدْ رَأَيْتُهُمْ صَرْعَى فِي
الْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ. الْحَدِيثَ. وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
حَدِيثٌ
آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا هَاشِمٌ، ثَنَا سُلَيْمَانُ، يَعْنِي
ابْنَ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ مِنَّا
رَجُلٌ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ قَدْ قَرَأَ " الْبَقَرَةَ " وَ "
آلَ عِمْرَانَ "، وَكَانَ يَكْتُبُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَانْطَلَقَ هَارِبًا حَتَّى لَحِقَ بِأَهْلِ الْكِتَابِ.
قَالَ: فَرَفَعُوهُ وَقَالُوا: هَذَا كَانَ يَكْتُبُ لِمُحَمَّدٍ. وَأُعْجِبُوا
بِهِ، فَمَا لَبِثَ أَنْ قَصَمَ اللَّهُ عُنُقَهُ فِيهِمْ، فَحَفَرُوا لَهُ
فَوَارَوْهُ، فَأَصْبَحَتِ الْأَرْضُ قَدْ نَبَذَتْهُ عَلَى وَجْهِهَا، ثُمَّ
عَادُوا فَحَفَرُوا لَهُ وَوَارَوْهُ، فَأَصْبَحَتِ الْأَرْضُ قَدْ نَبَذَتْهُ
عَلَى وَجْهِهَا، فَتَرَكُوهُ مَنْبُوذًا وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
رَافِعٍ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ هَاشِمِ بْنِ الْقَاسِمِ بِهِ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَنَسٍ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ
هَارُونَ، ثَنَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ،أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَكْتُبُ لِلنَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ كَانَ قَرَأَ " الْبَقَرَةَ
" وَ " آلَ عِمْرَانَ "، وَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا قَرَأَ "
الْبَقَرَةَ " وَ " آلَ عِمْرَانَ " عَزَّ فِينَا، يَعْنِي عَظُمَ،
فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُمْلِي عَلَيْهِ:
غَفُورًا رَحِيمًا. فَيَكْتُبُ: عَلِيمًا حَكِيمًا، فَيَقُولُ لَهُ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اكْتُبْ كَذَا وَكَذَا، اكْتُبْ كَيْفَ
شِئْتَ ". وَيُمْلِي عَلَيْهِ: عَلِيمًا حَكِيمًا. فَيَقُولُ: أَكْتُبُ:
سَمِيعًا بَصِيرًا؟
فَيَقُولُ:
" اكْتُبْ كَيْفَ شِئْتَ ". قَالَ: فَارْتَدَّ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَنِ
الْإِسْلَامِ، فَلَحِقَ بِالْمُشْرِكِينَ، وَقَالَ: أَنَا أَعْلَمُكُمْ
بِمُحَمَّدٍ، وَإِنْ كُنْتُ لَأَكْتُبُ إِلَّا مَا شِئْتُ. فَمَاتَ ذَلِكَ
الرَّجُلُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ
الْأَرْضَ لَا تَقْبَلُهُ ". قَالَ أَنَسٌ: فَحَدَّثَنِي أَبُو طَلْحَةَ
أَنَّهُ أَتَى الْأَرْضَ الَّتِي مَاتَ فِيهَا ذَلِكَ الرَّجُلُ، فَوَجَدَهُ
مَنْبُوذًا، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: مَا شَأْنُ هَذَا الرَّجُلِ؟ قَالُوا: قَدْ
دَفَنَاهُ مِرَارًا فَلَمْ تَقْبَلْهُ الْأَرْضُ وَهَذَا عَلَى شَرْطِ
الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجُوهُ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَنَسٍ: قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، ثَنَا
عَبْدُ الرَّزَّاقِ، ثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسِ
بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ نَصْرَانِيٌّ فَأَسْلَمَ، وَقَرَأَ "
الْبَقَرَةَ " وَ " آلَ عِمْرَانَ "، وَكَانَ يَكْتُبُ لِلنَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَادَ نَصْرَانِيًّا، وَكَانَ يَقُولُ: مَا
يَدْرِي مُحَمَّدٌ إِلَّا مَا كَتَبْتُ لَهُ. فَأَمَاتَهُ اللَّهُ فَدَفَنُوهُ،
فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفِظَتْهُ الْأَرْضُ، فَقَالُوا: هَذَا فِعْلُ مُحَمَّدٍ
وَأَصْحَابِهِ لَمَّا هَرَبَ مِنْهُمْ; نَبَشُوا عَنْ صَاحِبِنَا فَأَلْقَوْهُ.
فَحَفَرُوا لَهُ وَأَعْمَقُوا، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الْأَرْضُ،
فَقَالُوا: هَذَا فِعْلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ; نَبَشُوا عَنْ صَاحِبِنَا
فَأَلْقَوْهُ. فَحَفَرُوا لَهُ وَأَعْمَقُوا لَهُ فِي الْأَرْضِ مَا اسْتَطَاعُوا،
فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الْأَرْضُ، فَعَلِمُوا أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ
فَأَلْقُوهُ
بَابُ
الْمَسَائِلِ الَّتِي سُئِلَ عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَأَجَابَ فِيهَا بِمَا يُطَابِقُ الْحَقَّ الْمُوَافِقَ لِمَا تَشْهَدُ
بِهِ الْكُتُبُ الْمُتَقَدِّمَةُ الْمَوْرُوثَةُ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ
قَدْ ذَكَرْنَا فِي أَوَّلِ الْبِعْثَةِ مَا تَعَنَّتَتْ بِهِ قُرَيْشٌ،
وَبَعَثَتْ إِلَى يَهُودِ الْمَدِينَةِ يَسْأَلُونَهُمْ عَنْ أَشْيَاءَ
يَسْأَلُونَ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَقَالُوا: سَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ، وَعَنْ أَقْوَامٍ ذَهَبُوا فِي الدَّهْرِ فَلَا
يُدْرَى مَا صَنَعُوا، وَعَنْ رَجُلٍ طَوَّافٍ فِي الْأَرْضِ بَلَغَ الْمَشَارِقَ
وَالْمَغَارِبَ. فَلَمَّا رَجَعُوا سَأَلُوا عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، قَوْلَهُ
تَعَالَى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا
أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [ سُورَةُ الْإِسْرَاءِ ] وَقَرَأَ
الْأَعْمَشُ: " وَمَا أُوتُوا مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ".
وَأَنْزَلَ سُورَةَ " الْكَهْفِ " يَشْرَحُ فِيهَا خَبَرَ الْفِتْيَةِ
الَّذِينَ فَارَقُوا دِينَ قَوْمِهِمْ وَآمَنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ،
وَأَفْرَدُوهُ بِالْعِبَادَةِ، وَاعْتَزَلُوا قَوْمَهُمْ، وَنَزَلُوا غَارًا
وَهُوَ الْكَهْفُ، فَنَامُوا فِيهِ، ثُمَّ أَيْقَظَهُمُ اللَّهُ بَعْدَ
ثَلَاثِمِائَةِ سَنَهٍ وَتِسْعِ سِنِينَ، وَكَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ مَا قَصَّ
اللَّهُ عَلَيْنَا فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ، ثُمَّ قَصَّ خَبَرَ الرَّجُلَيْنِ
الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ، وَمَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِمَا، ثُمَّ ذَكَرَ خَبَرَ
مُوسَى وَالْخَضِرِ وَمَا جَرَى لَهُمَا مِنَ الْحِكَمِ وَالْمَوَاعِظِ، ثُمَّ
قَالَ: وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ
ذِكْرًا
إِنَّا مَكَّنَّا [ سُورَةُ الْكَهْفِ ]. ثُمَّ شَرَحَ خَبَرَهُ وَمَا وَصَلَ
إِلَيْهِ مِنَ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ، وَمَا عَمِلَ مِنَ الْمَصَالِحِ فِي
الْعَالَمِ، وَهَذَا الْإِخْبَارُ هُوَ الْوَاقِعُ، وَإِنَّمَا يُوَافِقُهُ مِنَ
الْكُتُبِ الَّتِي بِأَيْدِي أَهْلِ الْكِتَابِ مَا كَانَ مِنْهَا حَقًّا،
وَأَمَّا مَا كَانَ مُحَرَّفًا مُبَدَّلًا فَذَاكَ مَرْدُودٌ، فَإِنَّ اللَّهَ
بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ، وَأَنْزَلَ
عَلَيْهِ الْكِتَابَ; لِيُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ
الْأَخْبَارِ وَالْأَحْكَامِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ ذِكْرِهِ
التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ
مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ [
سُورَةُ الْمَائِدَةِ ]. وَذَكَرْنَا فِي أَوَّلِ الْهِجْرَةِ قِصَّةَ إِسْلَامِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، وَأَنَّهُ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ انْجَفَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ،
فَكُنْتُ فِيمَنِ انْجَفَلَ، فَلَمَّا رَأَيْتُ وَجْهَهُ عَلِمْتُ أَنَّ وَجْهَهُ
لَيْسَ بِوَجْهٍ كَذَّابٍ، فَكَانَ أَوَّلَ مَا سَمِعْتُهُ يَقُولُ:أَيُّهَا
النَّاسُ، أَفْشُوا السَّلَامَ وَصِلُوا الْأَرْحَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ،
وَصَلَّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ
"
وَثَبَتَ فِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ
إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ وَغَيْرِهِ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، قِصَّةُ
سُؤَالِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ثَلَاثٍ لَا
يَعْلَمُهُنَّ
إِلَّا نَبِيٌّ; مَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ؟ وَمَا أَوَّلُ طَعَامٍ
يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ؟ وَمَا يَنْزِعُ الْوَلَدُ إِلَى أَبِيهِ وَإِلَى
أُمِّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
أَخْبَرَنِي بِهِنَّ جِبْرِيلُ آنِفًا ". ثُمَّ قَالَ: " أَمَّا أَوَّلُ
أَشْرَاطِ السَّاعَةِ فَنَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى
الْمَغْرِبِ، وَأَمَّا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَزِيَادَةُ
كَبِدِ الْحُوتِ، وَأَمَّا الْوَلَدُ فَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ
الْمَرْأَةِ نَزَعَ الْوَلَدُ إِلَى أَبِيهِ وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الْمَرْأَةِ
مَاءَ الرَّجُلِ نَزَعَ الْوَلَدُ إِلَى أُمِّهِ وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ
عَنِ الْحَاكِمِ، عَنِ الْأَصَمِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، عَنْ
يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ،
فَذَكَرَ مُسَاءَلَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ:
فَسَأَلَهُ عَنِ السَّوَادِ الَّذِي فِي الْقَمَرِ. بَدَلَ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ.
فَذَكَرَ الْحَدِيثَ إِلَى أَنْ قَالَ: وَأَمَّا السَّوَادُ الَّذِي فِي
الْقَمَرِ، فَإِنَّهُمَا كَانَا شَمْسَيْنِ فَقَالَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ:
وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ [
الْإِسْرَاءِ: 12 ]. فَالسَّوَادُ الَّذِي رَأَيْتَ هُوَ الْمَحْوُ، فَقَالَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ
مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ
حَدِيثٌ آخَرُ فِي مَعْنَاهُ: قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو
زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمُزَكِّي، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ
أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدُوسٍ، ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، أَنَا
الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ أَبُو تَوْبَةَ، ثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَامٍ عَنْ
زَيْدِ بْنِ سَلَامٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلَامٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنِي أَبُو
أَسْمَاءَ الرَّحْبِيُّ أَنَّ ثَوْبَانَ حَدَّثَهُ قَالَ:كُنْتُ قَائِمًا عِنْدَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَهُ حَبْرٌ مِنْ
أَحْبَارِ الْيَهُودِ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا
مُحَمَّدُ. فَدَفَعْتُهُ دَفْعَةً كَادَ يُصْرَعُ مِنْهَا. قَالَ: لِمَ تَدْفَعُنِي؟ قَالَ: قُلْتُ: أَلَا تَقُولُ يَا رَسُولُ اللَّهِ؟! قَالَ: إِنَّمَا سَمَّيْتُهُ بِاسْمِهِ الَّذِي سَمَّاهُ بِهِ أَهْلُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اسْمِيَ الَّذِي سَمَّانِي بِهِ أَهْلِي مُحَمَّدٌ ". فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: جِئْتُ أَسْأَلُكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَنْفَعُكَ شَيْءٌ إِنْ حَدَّثْتُكَ؟ " قَالَ: أَسْمَعُ بِأُذُنِي. فَنَكَتَ بِعُودٍ مَعَهُ، فَقَالَ لَهُ " سَلْ ". فَقَالَ لَهُ الْيَهُودِيُّ: أَيْنَ النَّاسُ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فِي الظُّلْمَةِ دُونَ الْجِسْرِ ". قَالَ: فَمَنْ أَوَّلُ النَّاسِ إِجَازَةً؟ قَالَ: " فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ ". قَالَ الْيَهُودِيُّ: فَمَا تُحْفَتُهُمْ حِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ؟ قَالَ: " زِيَادَةُ كَبِدِ نُونٍ ". قَالَ: وَمَا غِذَاؤُهُمْ عَلَى إِثْرِهِ؟ قَالَ: " يُنْحَرُ لَهُمْ ثَوْرُ الْجَنَّةِ الَّذِي كَانَ يَأْكُلُ مِنْ أَطْرَافِهَا ". قَالَ: فَمَا شَرَابُهُمْ عَلَيْهِ؟ قَالَ: " مِنْ عَيْنٍ فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا ". قَالَ: صَدَقْتَ. قَالَ: وَجِئْتُ أَسْأَلُكَ عَنْ شَيْءٍ لَا يَعْلَمُهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ رَجُلٌ أَوْ رَجُلَانِ. قَالَ " يَنْفَعُكَ إِنْ حَدَّثَتْكَ؟ " قَالَ: أَسْمَعُ بِأُذُنِي. قَالَ: جِئْتُ أَسْأَلُكَ عَنِ الْوَلَدِ. قَالَ: " مَاءُ الرَّجُلِ أَبْيَضُ وَمَاءُ الْمَرْأَةِ أَصْفَرُ، فَإِذَا اجْتَمَعَا فَعَلَا مَنِيُّ الرَّجُلِ مَنِيَّ الْمَرْأَةِ أَذْكَرَا بِإِذْنِ اللَّهِ. وَإِذَا عَلَا مَنِيُّ الْمَرْأَةِ مَنِيَّ الرَّجُلِ أَنَّثَا بِإِذْنِ اللَّهِ ". فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: صَدَقْتَ وَإِنَّكَ لِنَبِيٌّ. ثُمَّ انْصَرَفَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّهُ سَأَلَنِي هَذَا الَّذِي سَأَلَنِي عَنْهُ وَمَا أَعْلَمُ شَيْئًا مِنْهُ حَتَّى أَتَانِي اللَّهُ بِهِ " وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيِّ، عَنْ أَبِي تَوْبَةَ الرَّبِيعِ بْنِ نَافِعٍ بِهِ. وَهَذَا الرَّجُلُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ
يَكُونَ
غَيْرَهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْحَمِيدِ بْنُ بَهْرَامٍ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ
قَالَ:حَضَرَتْ عِصَابَةٌ مِنَ الْيَهُودِ يَوْمًا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، حَدِّثْنَا عَنْ خِلَالٍ
نَسْأَلُكَ عَنْهَا لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا نَبِيٌّ. قَالَ: " سَلُونِي
عَمَّا شِئْتُمْ، وَلَكِنِ اجْعَلُوا لِي ذِمَّةَ اللَّهِ وَمَا أَخَذَ يَعْقُوبُ
عَلَى بَنِيهِ إِنْ أَنَا حَدَّثَتْكُمْ بِشَيْءٍ تَعْرِفُونَهُ صِدْقًا
لَتُبَايِعُنِّي عَلَى الْإِسْلَامِ ". قَالُوا: لَكَ ذَلِكَ. قَالَ: "
سَلُوا عَمَّا شِئْتُمْ ". قَالُوا: أَخْبِرْنَا عَنْ أَرْبَعِ خِلَالٍ
نَسْأَلُكَ عَنْهَا; أَخْبِرْنَا عَنِ الطَّعَامِ الَّذِي حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ
عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ، وَأَخْبِرْنَا عَنْ
مَاءِ الرَّجُلِ كَيْفَ يَكُونُ الذَّكَرُ مِنْهُ حَتَّى يَكُونَ ذَكَرًا،
وَكَيْفَ تَكُونُ الْأُنْثَى حَتَّى تَكُونَ أُنْثَى، وَأَخْبِرْنَا كَيْفَ هَذَا
النَّبِيُّ فِي النَّوْمِ، وَمَنْ وَلِيُّكَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ. قَالَ: "
فَعَلَيْكُمْ عَهْدُ اللَّهِ لَئِنْ أَنَا حَدَّثْتُكُمْ لَتُبَايِعُنِّي ".
فَأَعْطَوْهُ مَا شَاءَ مِنْ عَهْدِ وَمِيثَاقٍ. قَالَ: " أَنْشُدُكُمْ
بِاللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ
إِسْرَائِيلَ - يَعْقُوبَ - مَرِضَ مَرَضًا شَدِيدًا وَطَالَ سَقَمُهُ فِيهِ،
فَنَذَرَ لِلَّهِ نَذْرًا لَئِنْ شَفَاهُ اللَّهُ مِنْ سَقَمِهِ لَيُحَرِّمَنَّ
أَحَبَّ الشَّرَابِ إِلَيْهِ وَأَحَبَّ الطَّعَامِ إِلَيْهِ، وَكَانَ أَحَبُّ
الشَّرَابِ إِلَيْهِ أَلْبَانَ الْإِبِلِ، وَأَحَبُّ الطَّعَامِ إِلَيْهِ
لُحْمَانَ الْإِبِلِ؟ " قَالُوا اللَّهُمَّ نَعَمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللَّهُمَّ اشْهَدْ عَلَيْهِمْ ".
قَالَ:
"
فَأَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، الَّذِي أَنْزَلَ
التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ مَاءَ الرَّجُلِ غَلِيظٌ
أَبْيَضُ، وَأَنَّ مَاءَ الْمَرْأَةِ رَقِيقٌ أَصْفَرُ، فَأَيُّهُمَا عَلَا كَانَ
لَهُ الْوَلَدُ وَالشَّبَهُ بِإِذْنِ اللَّهِ، وَإِنَّ عَلَا مَاءُ الرَّجُلِ
مَاءَ الْمَرْأَةِ كَانَ ذَكَرًا بِإِذْنِ اللَّهِ، وَإِنَّ عَلَا مَاءُ
الْمَرْأَةِ مَاءَ الرَّجُلِ كَانَ أُنْثَى بِإِذْنِ اللَّهِ؟ " قَالُوا:
اللَّهُمَّ نَعَمْ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" اللَّهُمَّ اشْهَدْ عَلَيْهِمْ ". قَالَ: " وَأَنْشُدُكُمْ
بِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى
مُوسَى، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ هَذَا النَّبِيَّ تَنَامُ عَيْنَاهُ وَلَا يَنَامُ
قَلْبُهُ؟ " قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ. قَالَ: " اللَّهُمَّ اشْهَدْ
عَلَيْهِمْ ". قَالُوا: أَنْتَ الْآنَ حَدِّثْنَا عَنْ وَلِيِّكَ مِنَ
الْمَلَائِكَةِ؟ فَعِنْدَهَا نُجَامِعُكَ أَوْ نُفَارِقُكَ. قَالَ: "
وَلِيِّي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَلَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ نَبِيًّا قَطُّ
إِلَّا وَهُوَ وَلِيُّهُ ". قَالُوا: فَعِنْدَهَا نُفَارِقُكَ، لَوْ كَانَ
وَلِيُّكَ غَيْرَهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ لَتَابَعْنَاكَ وَصَدَّقْنَاكَ. قَالَ:
" فَمَا يَمْنَعُكُمْ أَنْ تُصَدِّقُوهُ؟ " قَالُوا: إِنَّهُ عَدُوُّنَا
مِنَ الْمَلَائِكَةِ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا
لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ الْآيَةَ [
الْبَقَرَةِ: 97 ]. وَنَزَلَتْ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ الْآيَةَ [
الْبَقَرَةِ: 90 ]
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا يَزِيدُ، ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ
عَمْرِو بْنُ مُرَّةَ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَمَةَ يُحَدِّثُ، عَنْ
صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ الْمُرَادِيِّ قَالَ: قَالَ يَهُودِيٌّ لِصَاحِبِهِ:
اذْهَبْ بِنَا إِلَى هَذَا النَّبِيِّ حَتَّى نَسْأَلَهُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ:
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ [ الْإِسْرَاءِ: 101 ].
فَقَالَ: لَا تَقُلْ لَهُ: نَبِيٌّ. فَإِنَّهُ
لَوْ سَمِعَكَ لَصَارَتْ لَهُ أَرْبَعُ أَعْيُنٍ. فَسَأَلَاهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلَا تَسْرِقُوا وَلَا تَزْنُوا، وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَلَا تَسْحَرُوا، وَلَا تَأْكُلُوا الرِّبَا، وَلَا تَمْشُوا بِبَرِئٍ إِلَى ذِي سُلْطَانٍ لِيَقْتُلَهُ، وَلَا تَقْذِفُوا مُحْصَنَةً أَوْ قَالَ: لَا تَفِرُّوا مِنَ الزَّحْفِ. شُعْبَةُ الشَّاكُّ - وَأَنْتُمْ يَا مَعْشَرَ يَهُودَ عَلَيْكُمْ خَاصَّةً أَنَّ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ ". قَالَ: فَقَبَّلَا يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَقَالَا: نَشْهَدُ أَنَّكَ نَبِيٌّ. قَالَ: " فَمَا يَمْنَعُكُمَا أَنْ تَتَّبِعَانِي؟ " قَالَا: إِنَّ دَاوُدَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، دَعَا أَنْ لَا يَزَالَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ نَبِيٌّ، وَإِنَّا نَخْشَى إِنْ أَسْلَمْنَا أَنْ تَقْتُلَنَا يَهُودُ وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَ ابْنُ جَرِيرٍ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ شُعْبَةَ بِهِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. قُلْتُ: وَفِي رِجَالِهِ مَنْ تُكُلِّمَ فِيهِ، وَكَأَنَّهُ اشْتَبَهَ عَلَى الرَّاوِي التِّسْعُ الْآيَاتِ بِالْعَشَرِ الْكَلِمَاتِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْوَصَايَا الَّتِي أَوْحَاهَا اللَّهُ إِلَى مُوسَى وَكَلَّمَهُ بِهَا لَيْلَةَ الطُّورِ بَعْدَمَا خَرَجُوا مِنْ دِيَارِ مِصْرَ وَشَعْبُ بَنِي إِسْرَائِيلَ حَوْلَ الطُّورِ حُضُورٌ، وَهَارُونُ وَمِنْ مَعَهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ وُقُوفٌ عَلَى الطُّورُ أَيْضًا، وَحِينَئِذٍ كَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى آمِرًا لَهُ بِهَذِهِ الْعَشْرِ كَلِمَاتٍ، وَقَدْ فُسِّرَتْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَأَمَّا التِّسْعُ الْآيَاتِ فَتِلْكَ دَلَائِلُ، وَخَوَارِقُ عَادَاتٍ أُيِّدَ بِهَا مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَأَظْهَرَهَا اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ بِدِيَارِ مِصْرَ، وَهِيَ الْعَصَا وَالْيَدُ وَالطُّوفَانُ وَالْجَرَادُ وَالْقَمْلُ وَالضَّفَادِعُ وَالدَّمُ وَالْجَدْبُ وَنَقْصُ الثَّمَرَاتِ، وَقَدْ بَسَطْنَا
الْقَوْلَ
عَلَى ذَلِكَ فِي " التَّفْسِيرِ " بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ. وَاللَّهُ
أَعْلَمُ.
فَصْلٌ دَعْوَةُ النَّصَارَى إِلَى الْمُبَاهَلَةِ
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي " التَّفْسِيرِ " عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي
سُورَةِ " الْبَقَرَةِ ": قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ
عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ
كُنْتُمْ صَادِقِينَ وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ
وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ [ الْبَقَرَةِ: 94، 95 ]. وَمِثْلُهَا فِي
سُورَةِ " الْجُمُعَةِ "، وَهِيَ قَوْلُهُ: قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا
الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا
قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ [ الْجُمُعَةِ 6، 7 ].
وَذَكَرَنَا أَقْوَالَ الْمُفَسِّرِينَ فِي ذَلِكَ، وَأَنَّ الصَّوَابَ أَنَّهُ
دَعَاهُمْ إِلَى الْمُبَاهَلَةِ; أَنْ يَدْعُوَ بِالْمَوْتِ عَلَى الْمُبْطِلِ
مِنْهُمْ أَوِ الْمُسْلِمِينَ، فَنَكَلُوا عَنْ ذَلِكَ لِعِلْمِهِمْ بِظُلْمِ
أَنْفُسِهِمْ، وَأَنَّ الدَّعْوَةَ تَنْقَلِبُ عَلَيْهِمْ، وَيَعُودُ وَبَالُهَا
إِلَيْهِمْ، وَهَكَذَا دَعَا النَّصَارَى مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ حِينَ حَاجُّوهُ
فِي عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ، فَأَمْرَهُ اللَّهُ أَنْ يَدْعُوَهُمْ إِلَى
الْمُبَاهَلَةِ فِي قَوْلِهِ: فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ
الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا
وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ
اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ [ آلِ عِمْرَانَ: 61 ]. وَهَكَذَا دَعَا عَلَى
الْمُشْرِكِينَ
عَلَى وَجْهِ الْمُبَاهَلَةِ فِي قَوْلِهِ: قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ
فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا [ مَرْيَمَ: 75 ]. وَقَدْ بَسَطْنَا
الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ عِنْدَ هَذِهِ الْآيَاتِ فِي كِتَابِنَا " التَّفْسِيرِ
" بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ. وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
حَدِيثٌ آخَرُ يَتَضَمَّنُ اعْتِرَافَ الْيَهُودِ بِأَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَتَضَمَّنُ تَحَاكُمَهُمْ إِلَيْهِ وَرُجُوعَهُمْ
إِلَى مَا يَحْكُمُ بِهِ وَلَكِنْ بِقَصْدٍ مِنْهُمْ مَذْمُومٍ
وَذَلِكَ أَنَّهُمُ ائْتَمَرُوا بَيْنَهُمْ أَنَّهُ إِنْ حَكَمَ بِمَا يُوَافِقُ
هَوَاهُمْ فَاتَّبَعُوهُ، وَإِلَّا فَاحْذَرُوا ذَلِكَ وَقَدْ ذَمَّهُمُ اللَّهُ
فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ عَلَى هَذَا الْقَصْدِ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
الْمُبَارَكِ: ثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ
سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَعِنْدَ سَعِيدٍ رَجُلٌ وَهُوَ يُوَقِّرُهُ، وَإِذَا
هُوَ رَجُلٌ مِنْ مُزَيْنَةَ، كَانَ أَبُوهُ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ، وَكَانَ مِنْ
أَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: كُنْتُ جَالِسًا
عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَ نَفَرٌ مِنَ
الْيَهُودِ، وَقَدْ زَنَا رَجُلٌ مِنْهُمْ وَامْرَأَةٌ فَقَالَ بَعْضُهُمْ
لِبَعْضٍ: اذْهَبُوا بِنَا إِلَى هَذَا النَّبِيِّ فَإِنَّهُ نَبِيٌّ بُعِثَ
بِالتَّخْفِيفِ، فَإِنْ أَفْتَانَا حَدًّا دُونَ الرَّجْمِ فَعَلْنَاهُ،
وَاحْتَجَجْنَا عِنْدَ اللَّهِ حِينَ نَلْقَاهُ بِتَصْدِيقِ نَبِيٍّ مِنْ
أَنْبِيَائِهِ - قَالَ مُرَّةُ عَنِ الزُّهْرِيِّ: وَإِنْ أَمَرَنَا بِالرَّجْمِ
عَصَيْنَاهُ، فَقَدْ عَصَيْنَا اللَّهَ فِيمَا كَتَبَ عَلَيْنَا مِنَ الرَّجْمِ
فِي التَّوْرَاةِ فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ فِي أَصْحَابِهِ، فَقَالُوا:
يَا أَبَا الْقَاسِمِ، مَا تَرَى فِي رَجُلٍ مِنَّا زَنَا بَعْدَ مَا أُحَصِنَ؟ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيْهِمْ شَيْئًا، وَقَامَ مَعَهُ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، حَتَّى أَتَوْا بَيْتَ مِدْرَاسِ الْيَهُودِ، فَوَجَدُوهُمْ يَتَدَارَسُونَ التَّوْرَاةَ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا مَعْشَرَ، الْيَهُودِ أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ مِنَ الْعُقُوبَةِ عَلَى مَنْ زَنَا إِذَا أُحْصِنَ؟ " قَالُوا: نُجَبِّيهِ وَالتَّجْبِيَةُ أَنْ يَحْمِلُوا اثْنَيْنِ عَلَى حِمَارٍ فَيُوَلُّوا ظَهْرَ أَحَدِهِمَا ظَهْرَ الْآخَرِ - قَالَ: وَسَكَتَ حَبْرُهُمْ، وَهُوَ فَتًى شَابٌّ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَامِتًا أَلَظَّ بِهِ النِّشْدَةَ، فَقَالَ حَبْرُهُمْ: أَمَا إِذْ نَشَدْتَهُمْ فَإِنَّا نَجِدَ فِي التَّوْرَاةِ الرَّجْمَ عَلَى مَنْ أُحْصِنَ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَمَا أَوَّلُ مَا تَرَخَّصْتُمْ أَمْرَ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ؟ " فَقَالَ: زَنَى رَجُلٌ مِنَّا ذُو قُرَابَةٍ بِمَلِكٍ مِنْ مُلُوكِنَا، فَأَخَّرَ عَنْهُ الرَّجْمَ فَزَنَا بَعْدَهُ آخَرُ فِي أُسْرَةٍ مِنَ النَّاسِ، فَأَرَادَ ذَلِكَ الْمَلِكُ أَنْ يَرْجُمَهُ، فَقَامَ قَوْمُهُ دُونَهُ فَقَالُوا: لَا وَاللَّهِ لَا نَرْجُمُهُ حَتَّى يَرْجُمَ فُلَانًا ابْنَ عَمِّهِ، فَاصْطَلَحُوا بَيْنَهُمْ عَلَى هَذِهِ الْعُقُوبَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَإِنِّي أَحْكُمُ بِمَا فِي التَّوْرَاةِ ". فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِمَا فَرُجِمَا قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَبَلَغَنَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِمْ: إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا [ الْمَائِدَةِ: 44 ]. وَلَهُ شَاهِدٌ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قُلْتُ: وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا وَرَدَ فِي هَذَا السِّيَاقِ مِنَ الْأَحَادِيثِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى:
يَا
أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ
الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ
الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ
يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ
أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ [ الْمَائِدَةِ: 41 - 43 ]. يَعْنِي الْجَلْدَ
وَالتَّحْمِيمَ الَّذِي اصْطَلَحُوا عَلَيْهِ، وَابْتَدَعُوهُ مِنْ عِنْدِ
أَنْفُسِهِمْ، يَعْنِي إِنْ حَكَمَ لَكُمْ مُحَمَّدٌ بِهَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ
لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا. يَعْنِي وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ لَكُمْ بِذَلِكَ
فَاحْذَرُوا قَبُولَهُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ
فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ
اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي
الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ إِلَى أَنْ قَالَ وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ
وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ
ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ فَذَمَّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى سُوءِ
قَصْدِهِمْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى اعْتِقَادِهِمْ فِي كِتَابِهِمْ، وَإِنَّ فِيهِ
حُكْمَ اللَّهِ بِالرَّجْمِ، وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ يَعْلَمُونَ صِحَّتَهُ، ثُمَّ
يَعْدِلُونَ عَنْهُ إِلَى مَا ابْتَدَعُوهُ مِنَ الْجَلْدِ وَالتَّحْمِيمِ
وَالتَّجْبِيَةِ.
وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ:
سَمِعْتُ رَجُلًا مِنْ مُزَيْنَةَ يُحَدِّثُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ أَنَّ
أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُمْ فَذَكَرَهُ. وَعِنْدَهُ:فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِابْنِ صُورِيَا: " أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ
وَأُذَكِّرُكَ أَيَّامَهُ عِنْدَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ
حَكَمَ فِيمَنْ زَنَا بَعْدَ إِحْصَانِهِ بِالرَّجْمِ فِي التَّوْرَاةِ؟ "
فَقَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ، أَمَا وَاللَّهِ يَا أَبَا الْقَاسِمِ إِنَّهُمْ
يَعْرِفُونَ أَنَّكَ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، وَلَكِنَّهُمْ يَحْسُدُونَكَ، فَخَرَجَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ بِهِمَا، فَرُجِمَا
عِنْدَ بَابِ مَسْجِدِهِ فِي
بَنِي
غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ قَالَ: ثُمَّ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ ابْنُ
صُورِيَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ
يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ الْآيَاتِ. وَقَدْ وَرَدَ ذِكْرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
صُورِيَا الْأَعْوَرِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَيْرٍ وَغَيْرِهِ بِرِوَايَاتٍ صَحِيحَةٍ
قَدْ بَيَّنَّاهَا فِي " التَّفْسِيرِ ".
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ: ثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍأَنَّ
غُلَامًا يَهُودِيًّا كَانَ يَخْدِمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَعُودُهُ، فَوَجَدَ أَبَاهُ عِنْدَ رَأْسِهِ يَقْرَأُ التَّوْرَاةَ، فَقَالَ لَهُ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا يَهُودِيُّ أَنْشُدُكَ
بِاللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، هَلْ تَجِدُونَ فِي
التَّوْرَاةِ نَعْتِي وَصِفَتِي وَمَخْرَجِي؟ " فَقَالَ: لَا. فَقَالَ
الْفَتَى: بَلَى وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا نَجِدُكَ فِي
التَّوْرَاةِ; نَعْتَكَ وَصِفَتَكَ وَمَخْرَجَكَ، وَإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا
إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: " أَقِيمُوا هَذَا عِنْدَ
رَأْسِهِ، وَغَسِّلُوا أَخَاكُمْ " وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ هَذَا
الْوَجْهِ بِهَذَا اللَّفْظِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا عَفَّانُ،
حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي
عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:إِنَّ اللَّهَ
ابْتَعَثَ
نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِدْخَالِ رَجُلٍ الْجَنَّةَ;
فَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَنِيسَةً، فَإِذَا هُوَ
بِيَهُودَ، وَإِذَا يَهُودِيٌّ يَقْرَأُ التَّوْرَاةَ، فَلَمَّا أَتَى عَلَى
صِفَتِهِ أَمْسَكَ. قَالَ: وَفِي نَاحِيَتِهَا رَجُلٌ مَرِيضٌ، فَقَالَ:
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا لَكُمْ أَمْسَكْتُمْ؟
" فَقَالَ الْمَرِيضُ: إِنَّهُمْ أَتَوْا عَلَى صِفَةِ نَبِيٍّ فَأَمْسَكُوا.
ثُمَّ جَاءَ الْمَرِيضُ يَحْبُو حَتَّى أَخَذَ التَّوْرَاةَ وَقَالَ: ارْفَعْ
يَدَكَ. فَقَرَأَ حَتَّى أَتَى عَلَى صِفَتِهِ، فَقَالَ هَذِهِ صِفَتُكَ وَصِفَةُ
أُمَّتِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا
رَسُولُ اللَّهِ. ثُمَّ مَاتَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " غَسِّلُوا أَخَاكُمْ "
حَدِيثٌ آخَرُ:أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ عَلَى
مِدْرَاسِ الْيَهُودِ فَقَالَ: " يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، أَسْلِمُوا،
فَوَالَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ
اللَّهِ إِلَيْكُمْ. فَقَالُوا: قَدْ بَلَّغْتَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ فَقَالَ:
" ذَلِكَ أُرِيدُ "
فَصْلُ اشْتِمَالِ الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَى بِشَارَةِ النَّبِيِّ
فَالَّذِي يَقْطَعُ بِهِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ بَشَّرَتْ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ قَبْلَهُ،
وَأَتْبَاعُ الْأَنْبِيَاءِ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ
يَكْتُمُونَ ذَلِكَ وَيُخْفُونَهُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: بِآيَاتِنَا
يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ
النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [ الْأَعْرَافِ: 157، 158 ]. وَقَالَ تَعَالَى: وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ [ الْأَنْعَامِ: 114 ]. وَقَالَ تَعَالَى: الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [ الْبَقَرَةِ: 146 ]. وَقَالَ تَعَالَى: وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ [ آلِ عِمْرَانَ: 20 ]. وَقَالَ تَعَالَى: هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ [ إِبْرَاهِيمَ: 52 ]. وَقَالَ تَعَالَى: لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ [ الْأَنْعَامِ: 19 ]. وَقَالَ تَعَالَى: وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ [ هُودٍ: 17 ]. وَقَالَ تَعَالَى: لِيُنْذَرَ مَنْ كَانَ حَيًّا
وَيَحِقَّ
الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ [ يس: 70 ]
فَذَكَرَ تَعَالَى عُمُومَ بِعْثَتِهِ إِلَى الْأُمِّيِّينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ
وَسَائِرِ الْخَلْقِ مِنْ عَرِبِهِمْ وَعَجَمِهِمْ، فَكُلُّ مَنْ بَلَغَهُ
الْقُرْآنُ فَهُوَ نَذِيرٌ لَهُ. قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ
يَهُودِيٍّ وَلَا نَصْرَانِيٍّ وَلَا يُؤْمِنُ بِي إِلَّا دَخَلَ النَّارَ رَوَاهُ
مُسْلِمٌ
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ:: أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنَ
الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي; نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَأُحِلَّتْ لِيَ
الْغَنَائِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ
مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ
إِلَى قَوْمِهِ وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً وَفِيهِمَا: " بُعِثْتُ إِلَى
الْأَسْوَدِ وَالْأَحْمَرِ ". قِيلَ: إِلَى الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ. وَقِيلَ:
إِلَى الْإِنْسِ وَالْجِنِّ. وَالصَّحِيحُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الْبِشَارَاتِ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مَوْجُودَةٌ فِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ الْمَوْرُوثَةِ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ
قَبْلَهُ، حَتَّى تَنَاهَتِ النُّبُوَّةُ إِلَى آخَرِ أَنْبِيَاءِ بَنِي
إِسْرَائِيلَ، وَهُوَ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ
عَلَيْهِ، وَقَدْ قَامَ بِهَذِهِ الْبِشَارَةِ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَقَصَّ
اللَّهُ خَبَرَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ تَعَالَى وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ
مَرْيَمَ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا
لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ
بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ [ الصَّفِّ: 6 ]. فَإِخْبَارُ مُحَمَّدٍ، صَلَوَاتُ
اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، بِأَنَّ
ذِكْرَهُ مَوْجُودٌ فِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ، فِيمَا جَاءَ بِهِ مِنَ الْقُرْآنِ، وَفِيمَا وَرَدَ عَنْهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ مِنْ أَعْقَلِ الْخَلْقِ بِاتِّفَاقِ الْمُوَافِقِ وَالْمُفَارِقِ، يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ فِي ذَلِكَ قَطْعًا، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ وَاثِقًا بِمَا أَخْبَرَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ، لَكَانَ ذَلِكَ مِنْ أَشَدِّ الْمُنَفِّرَاتِ عَنْهُ، وَلَا يُقْدِمُ عَلَى ذَلِكَ عَاقِلٌ، وَالْغَرَضُ أَنَّهُ مِنْ أَعْقَلِ الْخَلْقِ حَتَّى عِنْدَ مَنْ يُخَالِفُهُ، بَلْ هُوَ أَعْقَلُهُمْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ثُمَّ إِنَّهُ قَدِ انْتَشَرَتْ دَعْوَتُهُ فِي الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ، وَعَمَّتَ دَوْلَةُ أُمَّتِهِ فِي أَقْطَارِ الْآفَاقِ عُمُومًا لَمْ يَحْصُلْ لِأُمَّةٍ مِنَ الْأُمَمِ قَبْلَهَا، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيًّا، لَكَانَ ضَرَرُهُ أَعْظَمَ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَحَذَّرَ عَنْهُ الْأَنْبِيَاءُ أَشَدَّ التَّحْذِيرِ، وَلَنَفَّرُوا أُمَمَهُمْ مِنْهُ أَشَدَّ التَّنْفِيرِ، فَإِنَّهُمْ جَمِيعَهُمْ قَدْ حَذَّرُوا مِنْ دُعَاةِ الضَّلَالَةِ فِي كُتُبِهِمْ، وَنَهَوْا أُمَمَهُمْ عَنِ اتِّبَاعِهِمْ، وَالِاقْتِدَاءِ بِهِمْ، وَنَصُّوا عَلَى الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ الْأَعْوَرِ الْكَذَّابِ، حَتَّى قَدْ أَنْذَرَ نُوحٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ أَوَّلُ الرُّسُلِ - قَوْمَهُ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يَنُصَّ نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى التَّحْذِيرِ مَنْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا التَّنْفِيرِ عَنْهُ، وَلَا الْإِخْبَارِ عَنْهُ بِشَيْءٍ خِلَافَ مَدْحِهِ، وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، وَالْبِشَارَةِ بِوُجُودِهِ، وَالْأَمْرِ بِاتِّبَاعِهِ، وَالنَّهْيِ عَنْ مُخَالَفَتِهِ، وَالْخُرُوجِ مِنْ طَاعَتِهِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [ آلِ عِمْرَانَ: 81، 82 ]. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا أَخَذَ عَلَيْهِ الْمِيثَاقَ; لَئِنْ بُعِثَ مُحَمَّدٌ وَهُوَ حَيٌّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ
وَلَيَنْصُرَنَّهُ،
وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى أُمَّتِهِ الْمِيثَاقَ لَئِنْ بُعِثَ مُحَمَّدٌ
وَهْمُ أَحْيَاءٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَيَتَّبِعُنَّهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَقَدْ وُجِدَتِ الْبِشَارَاتِ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَهِيَ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ تُذْكَرَ، وَأَكْثَرُ مِنْ
أَنْ تَحْصُرَ، وَقَدْ قَدَّمْنَا قَبْلَ مَوْلِدِهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ، طَرَفًا صَالِحًا مِنْ ذَلِكَ، وَقَرَّرْنَا فِي كِتَابِ "
التَّفْسِيرِ " عِنْدَ الْآيَاتِ الْمُقْتَضِيَةِ لِذَلِكَ آثَارًا
كَثِيرَةً، وَنَحْنُ نُورِدُ هَا هُنَا شَيْئًا مِمَّا وُجِدَ فِي كُتُبِهِمُ
الَّتِي يَعْتَرِفُونَ بِصِحَّتِهَا، وَيَتَدَيَّنُونَ بِتِلَاوَتِهَا، مِمَّا
جَمَعَهُ الْعُلَمَاءُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا مِمَّنْ آمَنَ مِنْهُمْ، وَاطَّلَعَ
عَلَى ذَلِكَ مِنْ كُتُبِهِمُ الَّتِي بِأَيْدِيهِمْ; فَفِي السِّفْرِ الْأَوَّلِ
مِنَ التَّوْرَاةِ الَّتِي بِأَيْدِيهِمْ فِي قِصَّةِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ،
عَلَيْهِ السَّلَامُ، مَا مَضْمُونُهُ وَتَعْرِيبُهُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْحَى
إِلَى إِبْرَاهِيمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، بَعْدَ مَا سَلَّمَهُ مِنْ نَارِ
النَّمْرُودِ أَنْ قُمْ فَاسْلُكِ الْأَرْضَ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا
لِوَلَدِكَ، فَلَمَّا قَصَّ ذَلِكَ عَلَى سَارَّةَ طَمِعَتْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ
لِوَلَدِهَا مِنْهُ، وَحَرَصَتْ عَلَى إِبْعَادِ هَاجَرَ وَوَلَدِهَا، حَتَّى
ذَهَبَ بِهِمَا الْخَلِيلُ إِلَى بَرِّيَّةِ الْحِجَازِ وَجِبَالِ فَارَانَ،
وَظَنَّ إِبْرَاهِيمُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَنَّ هَذِهِ الْبِشَارَةَ تَكُونُ
لِوَلَدِهِ إِسْحَاقَ، حَتَّى أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ مَا مَضْمُونُهُ: أَمَّا
وَلَدُكَ إِسْحَاقُ فَإِنَّهُ يُرْزَقُ ذُرِّيَّةً عَظِيمَةً، وَأَمَّا وَلَدُكَ
إِسْمَاعِيلُ فَإِنِّي بَارَكْتُهُ وَعَظَّمْتُهُ، وَكَثَّرْتُ ذُرِّيَّتَهُ،
وَجَعَلْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ مَاذَ مَاذَ - يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَعَلْتُ فِي ذُرِّيَّتِهِ اثْنَيْ عَشَرَ إِمَامًا،
وَتَكُونُ لَهُ أُمَّةٌ عَظِيمَةٌ، وَكَذَلِكَ بُشِّرَتْ هَاجَرُ حِينَ وَضْعَهَا
الْخَلِيلُ عِنْدَ الْبَيْتِ، فَعَطِشَتْ وَحَزِنَتْ عَلَى وَلَدِهَا، وَجَاءَ
الْمَلِكُ فَأَنْبَعَ لَهَا زَمْزَمَ، وَأَمَرَهَا بِالِاحْتِفَاظِ بِهَذَا
الْوَلَدِ، فَإِنَّهُ سَيُولَدُ لَهُ مِنْهُ عَظِيمٌ، لَهُ ذُرِّيَّةٌ عَدَدُ
نُجُومِ السَّمَاءِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يُولَدْ مِنْ ذُرِّيَّةِ
إِسْمَاعِيلَ، بَلْ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ
أَعْظَمُ
قَدْرًا وَلَا أَوْسَعُ جَاهًا، وَلَا أَعْلَى مَنْزِلَةً، وَلَا أَجَلُّ
مَنْصِبًا مِنْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ الَّذِي
اسْتَوْلَتْ دَوْلَةُ أُمَّتِهِ عَلَى الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ، وَحَكَمُوا
عَلَى سَائِرِ الْأُمَمِ.
وَهَكَذَا فِي قِصَّةِ إِسْمَاعِيلَ مِنَ السِّفْرِ الْأَوَّلِ: أَنَّ وَلَدَ
إِسْمَاعِيلَ تَكُونُ يَدُهُ عَلَى كُلِّ الْأُمَمِ، وَكُلُّ الْأُمَمِ تَحْتَ
يَدِهِ وَبِجَمِيعِ مَسَاكِنِ إِخْوَتِهِ يَسْكُنُ، وَهَذَا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ
يَصْدُقُ عَلَى الطَّائِفَةِ إِلَّا لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ.
وَأَيْضًا فِي السِّفْرِ الرَّابِعِ فِي قِصَّةِ مُوسَى، أَنَّ اللَّهَ أَوْحَى
إِلَى مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَنْ قُلْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: سَأُقِيمُ
لَهُمْ نَبِيًّا مِنْ أَقَارِبِهِمْ مِثْلَكَ يَا مُوسَى، وَأَجْعَلُ وَحْيِي بِفِيهِ
وَإِيَّاهُ يَسْمَعُونَ.
وَفِي السِّفْرِ الْخَامِسِ، وَهُوَ سَفَرُ الْمِيعَادِ، أَنَّ مُوسَى، عَلَيْهِ
السَّلَامُ، خَطَبَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ، وَذَلِكَ فِي
السَّنَةِ التَّاسِعَةِ وَالثَّلَاثِينَ مِنْ سِنِي التِّيهِ، وَذَكَّرَهُمْ بِأَيَّامِ
اللَّهِ وَأَيَادِيهِ عَلَيْهِمْ، وَإِحْسَانِهِ إِلَيْهِمْ، وَقَالَ لَهُمْ
فِيمَا قَالَ: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَيَبْعَثُ لَكُمْ نَبِيًّا مَنْ
أَقَارِبِكُمْ مِثْلَ مَا أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ، يَأْمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ،
وَيَنْهَاكُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَيُحِلُّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتِ، وَيَحْرِمُ
عَلَيْكُمُ الْخَبَائِثَ، فَمَنْ عَصَاهُ فَلَهُ الْخِزْيُ فِي الدُّنْيَا،
وَالْعَذَابُ فِي الْآخِرَةِ.
وَأَيْضًا فِي آخِرِ السِّفْرِ الْخَامِسِ، وَهُوَ آخِرُ التَّوْرَاةِ الَّتِي
بِأَيْدِيهِمْ: جَاءَ اللَّهُ مَنْ طُورِ سَيْنَاءَ، وَأَشْرَقَ مِنْ سَاعِيرَ،
وَاسْتَعْلَنَ مِنْ جِبَالِ فَارانَ، وَظَهَرَ مِنْ رَبَوَاتِ
قُدْسِهِ، عَنْ يَمِينِهِ نُورٌ، وَعَنْ شِمَالِهِ نَارٌ، عَلَيْهِ تَجْتَمِعُ الْأُمَمُ وَعَلَيْهِ تَجْتَمِعُ الشُّعُوبُ. أَيْ جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَشَرْعُهُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ، وَهُوَ الْجَبَلُ الَّذِي كَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، عِنْدَهُ، وَأَشْرَقَ مِنْ سَاعِيرَ، وَهِيَ جِبَالُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، الْمَحِلَّةُ الَّتِي كَانَ بِهَا عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَاسْتَعْلَنَ أَيْ ظَهَرَ وَعَلَا أَمْرُهُ مِنْ جِبَالِ فَارَانَ، وَهِيَ جِبَالُ الْحِجَازِ بِلَا خِلَافٍ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إِلَّا عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ; فَذَكَرَ تَعَالَى هَذِهِ الْأَمَاكِنَ الثَّلَاثَةَ عَلَى التَّرْتِيبِ الْوُقُوعِيَّ; ذَكَرَ مَحِلَّةَ مُوسَى، ثُمَّ عِيسَى، ثُمَّ بَلَدَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمَّا أَقْسَمَ تَعَالَى بِهَذِهِ الْأَمَاكِنِ الثَّلَاثَةِ ذَكَرَ الْفَاضِلَ أَوَّلًا، ثُمَّ الْأَفْضَلَ مِنْهُ، ثُمَّ الْأَفْضَلَ مِنْهُ، عَلَى قَاعِدَةِ الْقَسَمِ، فَقَالَ تَعَالَى: وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ [ التِّينِ: 1 ]. وَالْمُرَادُ بِهَا مَحِلَّةُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ حَيْثُ كَانَ عِيسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَطُورِ سِينِينَ [ التِّينِ: 2 ]. وَهُوَ الْجَبَلُ الَّذِي كَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ مُوسَى وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ التِّينِ: 3 ]. وَهُوَ الْبَلَدُ الَّذِي ابْتَعَثَ اللَّهُ مِنْهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَاتِ الْكَرِيمَاتِ. وَفِي زَبُورِ دَاوُدَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، صِفَةُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِالْجِهَادِ وَالْعِبَادَةِ، وَفِيهِ مَثَلٌ ضَرْبَهُ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ خِتَامُ الْقُبَّةِ الْمَبْنِيَّةِ، كَمَا وَرَدَ بِهِ الْحَدِيثُ فِي " الصَّحِيحَيْنِ: " مَثَلِي وَمَثَلُ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى دَارًا فَأَكْمَلَهَا إِلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ يُطِيفُونَ بِهَا وَيَقُولُونَ: هَلَّا وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ وَمِصْدَاقُ ذَلِكَ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ
[
الْأَحْزَابِ: 40 ]. وَفِي الزَّبُورِ صِفَةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ سَتَنْبَسِطُ نُبُوَّتُهُ وَدَعْوَتُهُ وَتَنْفُذُ كَلِمَتُهُ
مِنَ الْبَحْرِ إِلَى الْبَحْرِ، وَتَأْتِيهِ الْمُلُوكُ مِنْ سَائِرِ
الْأَقْطَارِ طَائِعِينَ بِالْقَرَابِينِ وَالْهَدَايَا، وَأَنَّهُ يُخَلِّصُ
الْمُضْطَرَّ، وَيَكْشِفُ الضُّرَّ عَنِ الْأُمَمِ، وَيُنْقِذُ الضَّعِيفَ الَّذِي
لَا نَاصِرَ لَهُ، وَيُصَلِّي عَلَيْهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَيُبَارِكُ اللَّهُ
عَلَيْهِ فِي كُلِّ يَوْمَ، وَيَدُومُ ذِكْرُهُ إِلَى الْأَبَدِ. وَهَذَا إِنَّمَا
يَنْطَبِقُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَفِي صُحُفِ شَعِيَا فِي كَلَامٍ طَوِيلٍ فِيهِ مُعَاتَبَةٌ لِبَنِي
إِسْرَائِيلَ، وَفِيهِ: فَإِنِّي أَبْعَثُ إِلَيْكُمْ وَإِلَى الْأُمَمِ نَبِيًّا
أُمِّيًّا، لَيْسَ بِفَظٍّ، وَلَا غَلِيظِ الْقَلْبِ، وَلَا سِخَابٍ فِي
الْأَسْوَاقِ، أُسَدِّدُهُ لِكُلِّ جَمِيلٍ، وَأَهَبَ لَهُ كُلَّ خُلُقٍ كَرِيمٍ،
ثُمَّ أَجْعَلُ السَّكِينَةَ لِبَاسَهُ، وَالْبَرَّ شِعَارَهُ، وَالتَّقْوَى فِي
ضَمِيرِهِ، وَالْحِكْمَةَ مَعْقُولَهُ، وَالْوَفَاءَ طَبِيعَتَهُ، وَالْعَدْلَ
سِيرَتَهُ، وَالْحَقَّ شَرِيعَتَهُ، وَالْهُدَى مِلَّتَهُ، وَالْإِسْلَامَ
دِينَهُ، وَالْقُرْآنَ كِتَابَهُ، أَحْمَدُ اسْمُهُ، أَهْدِي بِهِ مِنَ
الضَّلَالَةِ، وَأَرْفَعُ بِهِ بَعْدَ الْخَمَالَةِ، وَأَجْمَعُ بِهِ بَعْدَ
الْفُرْقَةِ، وَأُؤَلِّفُ بِهِ بَيْنَ الْقُلُوبِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَأَجْعَلُ
أُمَّتَهُ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، قَرَابِينُهُمْ دِمَاؤُهُمْ،
أَنَاجِيلُهُمْ فِي صُدُورِهِمْ، رُهْبَانًا بِاللَّيْلِ، لُيُوثًا بِالنَّهَارِ،
ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ، وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ
الْعَظِيمِ.
وَفِي الْفَصْلِ الْعَاشِرِ مِنْ كَلَامِ شَعْيَا: يَدُوسُ الْأُمَمَ كَدَوْسِ
الْبَيَادِرِ، وَيُنْزِلُ الْبَلَاءَ بِمُشْرِكِي الْعَرَبِ، وَيَنْهَزِمُونَ
قُدَّامَهُ.
وَفِي الْفَصْلِ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْهُ: لِيُفْرِحَ أَرْضَ
الْبَادِيَةِ الْعَطْشَى، وَيُعْطَى أَحْمَدُ مَحَاسِنَ لُبْنَانَ، وَيَرَوْنَ
جَلَالَ اللَّهِ بِمُهْجَتِهِ.
وَفِي
صُحُفِ إِلْيَاسَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ جَمَاعَةٍ مِنْ
أَصْحَابِهِ سَائِحًا، فَلَمَّا رَأَى الْعَرَبَ بِأَرْضِ الْحِجَازِ قَالَ لِمَنْ
مَعَهُ: انْظُرُوا إِلَى هَؤُلَاءِ فَإِنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ يَمْلِكُونَ
حُصُونَكُمُ الْعَظِيمَةَ. فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَمَا الَّذِي يَكُونُ
مَعْبُودَهُمْ؟ فَقَالَ: يُعَظِّمُونَ رَبَّ الْعِزَّةِ فَوْقَ كُلِّ رَابِيَةٍ
عَالِيَةٍ.
وَمِنْ صُحُفٍ حِزْقِيلَ: إِنَّ عَبْدَيْ خِيرَتِي أُنْزِلُ عَلَيْهِ وَحْيِي،
يُظْهِرُ فِي الْأُمَمِ عَدْلِي، اخْتَرْتُهُ وَاصْطَفَيْتُهُ لِنَفْسِي،
وَأَرْسَلْتُهُ إِلَى الْأُمَمِ بِأَحْكَامٍ صَادِقَةٍ.
وَمِنْ كِتَابِ النُّبُوَّاتِ أَنَّ نَبِيًّا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مَرَّ
بِالْمَدِينَةِ فَأَضَافَهُ بَنُو قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ، فَلَمَّا رَآهُمْ
بَكَى، فَقَالُوا لَهُ: مَا الَّذِي يُبْكِيكَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ فَقَالَ:
نَبِيٌّ يَبْعَثُهُ اللَّهُ مِنَ الْحَرَّةِ، يُخَرِّبُ دِيَارَكُمْ وَيَسْبِي
حَرِيمَكُمْ. قَالَ: فَأَرَادَ الْيَهُودُ قَتْلَهُ فَهَرَبَ مِنْهُمْ. وَمِنْ
كَلَامِ حِزْقِيلَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، يَقُولُ اللَّهُ: مِنْ قَبْلِ أَنْ
صَوَّرْتُكَ فِي الْأَحْشَاءِ قَدَّسْتُكَ وَجَعَلْتُكَ نَبِيًّا، وَأَرْسَلْتُكَ
إِلَى سَائِرِ الْأُمَمِ.
فِي صُحُفِ شَعْيَا أَيْضًا مَثْلٌ مَضْرُوبٌ لِمَكَّةَ شَرَّفَهَا اللَّهُ:
افْرَحِي يَا عَاقِرُ بِهَذَا الْوَلَدِ الَّذِي يَهَبُهُ لَكِ رَبُّكِ، فَإِنَّ
بِبَرَكَتِهِ تَتَّسِعُ لَكِ الْأَمَاكِنُ، وَتَثْبُتُ أَوْتَادُكِ فِي الْأَرْضِ
وَتَعْلُو أَبْوَابُ مَسَاكِنِكَ، وَيَأْتِيكِ مُلُوكُ الْأَرْضِ عَنْ يَمِينِكِ
وَشِمَالِكِ بِالْهَدَايَا وَالتَّقَادُمِ، وَوَلَدُكُ هَذَا يَرِثُ جَمِيعَ
الْأُمَمِ، وَيَمْلِكُ سَائِرَ الْمُدُنِ وَالْأَقَالِيمِ، وَلَا تَخَافِي وَلَا
تَحْزَنِي، فَمَا بَقِيَ يَلْحَقُكِ ضَيْمٌ مِنْ عَدْوٍ أَبَدًا، وَجَمِيعُ
أَيَّامِ تَرَمُّلِكِ تَنْسِيهَا. وَهَذَا كُلُّهُ إِنَّمَا حَصَلَ عَلَى يَدَيْ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهَذِهِ
الْعَاقِرِ مَكَّةُ، ثُمَّ صَارَتْ كَمَا ذَكَرَ فِي هَذَا الْكَلَامِ لَا
مَحَالَةَ. وَمَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنْ يَصْرِفَ هَذَا
وَيَتَأَوَّلَهُ عَلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَهَذَا لَا يُنَاسِبُهُ مِنْ كُلِّ
وَجْهٍ.
وَاللَّهُ
أَعْلَمُ
وَفِي صُحُفِ أَرْمِيَا: كَوْكَبٌ ظَهَرَ مِنَ الْجَنُوبِ أَشِعَّتُهُ صَوَاعِقُ،
سِهَامُهُ خَوَارِقُ، دُكَّتْ لَهُ الْجِبَالُ. وَهَذَا الْمُرَادُ بِهِ مُحَمَّدٌ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَفِي الْإِنْجِيلِ يَقُولُ عِيسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ: إِنِّي مُرْتَقٍ إِلَى
جَنَّاتِ الْعُلَى، وَمُرْسِلٌ إِلَيْكُمُ الْفَارَقْلِيطَ رُوحَ الْحَقِّ
يَعْلَمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ، وَلَمْ يَقِلْ شَيْئًا مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ.
وَالْمُرَادُ بِالْفَارَقْلِيطِ مُحَمَّدٌ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ
عَلَيْهِ، وَهَذَا كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ عِيسَى أَنَّهُ قَالَ: وَمُبَشِّرًا
بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ [ الصَّفِّ: 6 ]. وَهَذَا بَابٌ
مُتَّسِعٌ، وَلَوْ تَقَصَّيْنَا جَمِيعَ مَا ذَكَرَهُ النَّاسُ لَطَالَ هَذَا
الْفَصْلُ جَدًّا، وَقَدْ أَشَرْنَا إِلَى نُبَذٍ مِنْ ذَلِكَ يَهْتَدِي بِهَا
مَنْ نَوَّرِ اللَّهِ بَصِيرَتَهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطِهِ الْمُسْتَقِيمِ،
وَأَكْثَرُ هَذِهِ النُّصُوصِ يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنْ عُلَمَائِهِمْ
وَأَحْبَارِهِمْ، وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ يَتَكَاتَمُونَهَا وَيُخْفُونَهَا.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ
الْحَافِظُ وَمُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ، قَالَا: ثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ
بْنِ أَبِي دَاوُدَ الْمُنَادِي، ثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُؤَدِّبُ،
ثَنَا صَالِحُ بْنُ عُمَرَ، ثَنَا عَاصِمُ بْنُ كُلَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ
الْفَلَتَانِ بْنِ عَاصِمٍ قَالَ:كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ شَخَصَ بِبَصَرِهِ إِلَى رَجُلٍ، فَدَعَاهُ
فَأَقْبَلَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ، مُجْتَمَعٌ عَلَيْهِ قَمِيصٌ وَسَرَاوِيلُ
وَنَعْلَانِ، فَجَعَلَ يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ:
" أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ " فَجَعَلَ لَا يَقُولُ شَيْئًا
إِلَّا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَيَقُولُ: " أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ
اللَّهِ؟ " فَيَأْبَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " أَتَقْرَأُ التَّوْرَاةَ؟ " قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: "
وَالْإِنْجِيلَ؟ " قَالَ: نَعَمْ، وَالْفُرْقَانَ وَرَبِّ مُحَمَّدٍ لَوْ
شِئْتَ لَقَرَأْتُهُ. قَالَ: " فَأَنْشُدُكَ بِالَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ
وَالْإِنْجِيلَ وَأَشْيَاءَ حَلَّفَهُ بِهَا - تَجِدُنِي فِيهِمَا؟ " قَالَ:
نَجِدُ مِثْلَ نَعْتِكَ يَخْرُجُ مِنْ مَخْرَجِكَ، كُنَّا نَرْجُو أَنْ يَكُونَ
فِينَا، فَلَمَّا خَرَجْتَ رَأَيْنَا أَنَّكَ هُوَ، فَلَمَّا نَظَّرْنَا إِذَا
أَنْتَ لَسْتَ بِهِ. قَالَ: " مِنْ أَيْنَ؟ " قَالَ نَجْدُ مِنْ
أُمَّتِكَ سَبْعِينَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَإِنَّمَا
أَنْتُمْ قَلِيلٌ. قَالَ: فَهَلَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَكَبَّرَ، وَهَلَّلَ وَكَبَّرَ، ثُمَّ قَالَ: " وَالَّذِي نَفْسُ
مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّنِي لَأَنَا هُوَ، وَإِنَّ مِنْ أُمَّتِي لَأَكْثَرُ مِنْ
سَبْعِينَ أَلْفًا وَسَبْعِينَ وَسَبْعِينَ "
حَدِيثٌ فِي جَوَابِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ سَأَلَ عَمَّا
سَأَلَ قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ،
أَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ مِكْرَزٍ، وَلَمْ يَسْمَعْهُ مِنْهُ، قَالَ: حَدَّثَنِي
جُلَسَاؤُهُ، وَقَدْ رَأَيْتُهُ عَنْ وَابِصَةَ الْأَسَدِيِّ، وَقَالَ عَفَّانُ: ثَنَا غَيْرَ مَرَّةٍ، وَلَمْ يَقِلْ: حَدَّثَنِي جُلَسَاؤُهُ. قَالَ:أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ لَا أَدَعَ شَيْئًا مِنَ الْبِرِّ وَالَإِثِمِ إِلَّا سَأَلْتُهُ عَنْهُ، وَحَوْلَهُ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَسْتَفْتُونَهُ، فَجَعَلْتُ أَتَخَطَّاهُمْ، فَقَالُوا: إِلَيْكَ يَا وَابِصَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقُلْتُ: دَعُونِي فَأَدْنُوَ مِنْهُ فَإِنَّهُ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ أَنْ أَدْنُوَ مِنْهُ. قَالَ: " دَعُوا وَابِصَةَ ادْنُ يَا وَابِصَةُ ". مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا. قَالَ: فَدَنَوْتُ مِنْهُ حَتَّى قَعَدْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: " يَا وَابِصَةُ أُخْبِرُكَ أَمْ تَسْأَلُنِي؟ " فَقُلْتُ: لَا بَلْ أَخْبِرْنِي. فَقَالَ: " جِئْتَ تَسْأَلُ عَنِ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ ". فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَجَمَعَ أَنَامِلَهُ، فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِهِنَّ فِي صَدْرِي وَيَقُولُ: " يَا وَابِصَةُ اسْتَفْتِ قَلْبَكَ وَاسْتَفْتِ نَفْسَكَ - ثَلَاثَ مَرَّاتٍ - الْبَرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي النَّفْسِ وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ، وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ "
بَابُ
مَا أَخْبَرَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْكَائِنَاتِ
الْمُسْتَقْبَلَةِ فِي حَيَّاتِهِ وَبَعْدَهُ، فَوَقَعَتْ طِبْقَ مَا أَخْبَرَ
بِهِ سَوَاءً بِسَوَاءٍ
وَهَذَا بَابٌ عَظِيمٌ لَا يُمْكِنُ اسْتِقْصَاءُ جَمِيعِ مَا فِيهِ
لِكَثْرَتِهَا، وَلَكِنْ نَحْنُ نُشِيرُ إِلَى طَرَفٍ مِنْهُ، وَبِاللَّهِ
الْمُسْتَعَانُ، وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا
بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ، وَذَلِكَ مُنْتَزَعٌ مِنَ الْقُرْآنِ وَمِنَ
الْأَحَادِيثِ.
أَمَّا الْقُرْآنُ فَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ " الْمُزَّمِّلِ "
وَهِيَ مَنْ أَوَائِلِ مَا نَزَلْ بِمَكَّةَ: عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ
مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ
وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [ الْمُزَّمِّلِ: 20 ]. وَمَعْلُومٌ
أَنَّ الْجِهَادَ لَمْ يُشْرَعْ إِلَّا بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ.
وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ " اقْتَرَبَتْ "، وَهِيَ مَكِّيَّةٌ أَمَ
يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ
الدُّبُرَ [ الْقَمَرِ: 45، 44 ]. وَوَقَعَ هَذَا يَوْمَ بَدْرٍ، وَقَدْ تَلَاهَا
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ خَارِجٌ مِنَ
الْعَرِيشِ، وَرَمَاهُمْ بِقَبْضَةٍ مِنَ الْحَصْبَاءِ، فَكَانَ النَّصْرُ
وَالظَّفَرُ، وَهَذَا مِصْدَاقُ ذَاكَ.
وَقَالَ تَعَالَى: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ
وَمَا كَسَبَ سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ
فِي
جِيدِهَا
حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ قُلْ هُوَ [ سُورَةُ الْمَسَدِ ]. فَأَخْبَرَ أَنَّ عَمَّهُ
عَبْدَ الْعُزَّى بْنَ عَبْدِ الْمَطْلَبِ الْمُلَقَّبَ بِأَبِي لَهَبٍ سَيَدْخُلُ
النَّارَ هُوَ وَامْرَأَتُهُ، فَقَدَّرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، أَنَّهُمَا مَاتَا
عَلَى شِرْكِهِمَا لَمْ يُسْلِمَا، حَتَّى وَلَا ظَاهِرًا، وَهَذَا مِنْ دَلَائِلَ
النُّبُوَّةِ الْبَاهِرَةِ.
وَقَالَ تَعَالَى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ
يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ
بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [ الْإِسْرَاءِ: 88 ]. وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ
الْبَقَرَةِ: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا
فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ
إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا الْآيَةَ [
الْبَقَرَةِ: 23، 24 ]. فَأَخْبَرَ أَنَّ جَمِيعَ الْخَلِيقَةِ لَوِ اجْتَمَعُوا
وَتَعَاضَدُوا وَتَنَاصَرُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا
الْقُرْآنِ فِي فَصَاحَتِهِ، وَبَلَاغَتِهِ، وَحَلَاوَتِهِ، وَإِحْكَامِ
أَحْكَامِهِ، وَبَيَانِ حَلَالِهِ وَحَرَامِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ
إِعْجَازِهِ، لَمَا اسْتَطَاعُوا ذَلِكَ، وَلَمَا قَدَرُوا عَلَيْهِ، وَلَا عَلَى
عَشْرِ سُوَرٍ مِنْهُ، بَلْ وَلَا سُورَةٍ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ لَنْ يَفْعَلُوا
ذَلِكَ أَبَدًا، وَ " لَنْ " لِنَفْيِ التَّأْبِيدِ فِي
الْمُسْتَقْبَلِ، وَمِثْلُ هَذَا التَّحَدِّي، وَهَذَا الْقَطْعِ، وَهَذَا
الْإِخْبَارِ الْجَازِمِ، لَا يَصْدُرُ إِلَّا عَنْ وَاثِقٍ بِمَا يُخْبِرُ بِهِ،
عَالِمٍ بِمَا يَقُولُهُ، قَاطِعٍ بِأَنَّ أَحَدًا لَا يُمْكِنُهُ أَنْ
يُعَارِضَهُ، وَلَا يَأْتِيَ بِمِثْلِ مَا جَاءَ بِهِ عَنْ رَبِّهِ، عَزَّ
وَجَلَّ.
وَقَالَ تَعَالَى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ
مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ
وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا الْآيَةَ [ النُّورِ: 55 ].
وَهَكَذَا وَقَعَ سَوَاءً بِسَوَاءٍ; مَكَّنَ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ وَأَظْهَرَهُ
وَأَعْلَاهُ وَنَشَرَهُ فِي سَائِرِ الْآفَاقِ، وَأَنْفَذَهُ
وَأَمْضَاهُ،
وَقَدْ فَسَّرَ كَثِيرٌ مِنَ السَّلَفِ هَذِهِ الْآيَةَ بِخِلَافَةِ الصِّدِّيقِ،
وَلَا شَكَّ فِي دُخُولِهِ فِيهَا، وَلَكِنْ لَا تَخْتَصُّ بِهِ، بَلْ تَعُمُّهُ
كَمَا تَعُمُّ غَيْرَهُ، كَمَا ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحِ ":إِذَا هَلَكَ
قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى
بَعْدَهُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُنْفِقُنَّ كُنُوزَهُمَا فِي سَبِيلِ
اللَّهِ وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ فِي زَمَنِ الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ أَبِي بَكْرٍ
وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ.
وَقَالَ تَعَالَى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ
لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [ التَّوْبَةِ:
33 ]. وَهَكَذَا وَقَعَ، وَعَمَّ هَذَا الدِّينُ، وَغَلَبَ وَعَلَا عَلَى سَائِرِ
الْأَدْيَانِ، فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا، وَعَلَتْ كَلِمَتُهُ فِي
زَمَنِ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعَدَهُمْ، وَذَلَّتْ لَهُمْ سَائِرُ الْبِلَادِ،
وَدَانَ لَهُمْ جَمِيعُ أَهْلِهَا عَلَى اخْتِلَافِ أَصْنَافِهِمْ، وَصَارَ
النَّاسُ إِمَّا مُؤْمِنًا دَاخِلًا فِي الدِّينِ، وَإِمَّا مُهَادِنًا بَاذِلًا
الطَّاعَةَ وَالْمَالَ، وَإِمَّا مُحَارِبًا خَائِفًا وَجِلًا مِنْ سَطْوَةِ
الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ: " إِنَّ اللَّهَ
زَوَى لِيَ الْأَرْضَ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَسَيَبْلُغُ مُلْكَ أُمَّتِي
مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا
وَقَالَ تَعَالَى: قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى
قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ الْآيَةَ [
الْفَتْحِ: 16 ]. وَسَوَاءٌ كَانَ هَؤُلَاءِ هُمْ هَوَازِنَ، أَوْ أَصْحَابَ
مُسَيْلِمَةَ، أَوِ الرُّومَ، فَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ.
وَقَالَ
تَعَالَى: وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ
لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً
لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا
عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِ شَيْءٍ قَدِيرًا
[ الْفَتْحِ: 20، 21 ]. وَسَوَاءٌ كَانَتْ هَذِهِ الْأُخْرَى خَيْبَرَ أَوْ
مَكَّةَ فَقَدْ فُتِحَتْ وَأُخِذَتْ كَمَا وَقَعَ بِهِ الْوَعْدُ سَوَاءً
بِسَوَاءٍ.
وَقَالَ تَعَالَى: لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ
لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ
رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ
مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا [ الْفَتْحِ: 27 ]. فَكَانَ هَذَا الْوَعْدُ
فِي سَنَةِ الْحُدَيْبِيَةِ عَامَ سِتٍّ، وَوَقَعَ إِنْجَازُهُ فِي سَنَةِ سَبْعٍ،
عَامَ عُمْرَةِ الْقَضَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَذَكَرْنَا هُنَاكَ الْحَدِيثَ
بِطُولِهِ، وَفِيهِ أَنَّ عُمَرَ قَالَ:يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَمْ تَكُنْ
تُخْبِرُنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ وَنَطُوفُ بِهِ؟ قَالَ: " بَلَى،
أَفَأَخْبَرْتُكَ أَنَّكَ تَأْتِيهِ عَامَكَ هَذَا؟ " قَالَ: لَا. قَالَ:
" فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَوِّفٌ بِهِ
وَقَالَ تَعَالَى: وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا
لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ [
الْأَنْفَالِ: 7 ]. وَهَذَا الْوَعْدُ كَانَ فِي وَقْعَةِ بَدْرٍ لَمَّا خَرَجَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَدِينَةِ لِيَأْخُذَ
عِيرَ قُرَيْشٍ، فَبَلَغَ قُرَيْشًا خُرُوجَهُ إِلَى عِيرِهِمْ، فَنَفَرُوا فِي
قَرِيبٍ مِنْ أَلْفِ مُقَاتِلٍ، فَلَمَّا تَحَقَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ قُدُومَهُمْ وَعْدَهُ اللَّهُ إِحْدَى
الطَّائِفَتَيْنِ أَنْ سَيُظْفِرُهُ بِهَا، إِمَّا الْعِيرُ وَإِمَّا النَّفِيرُ،
فَوَدَّ كَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ أَنْ يَكُونَ الْوَعْدُ
لِلْعِيرِ; لِمَا فِيهِ مِنْ
الْأَمْوَالِ
وَقِلَّةِ الرِّجَالِ، وَكَرِهُوا لِقَاءَ النَّفِيرِ; لِمَا فِيهِ مِنَ الْعَدَدِ
وَالْعُدَدِ فَخَارَ اللَّهُ لَهُمْ وَأَنْجَزَ لَهُمْ وَعْدَهُ فِي النَّفِيرِ،
فَأَوْقَعَ بِهِمْ بَأْسَهُ الَّذِي لَا يُرَدُّ، فَقُتِلَ مِنْ سَرَاتِهِمْ
سَبْعُونَ، وَأُسِرَ سَبْعُونَ، وَفَادَوْا أَنْفُسَهُمْ بِأَمْوَالٍ جَزِيلَةٍ،
فَجَمَعَ لَهُمْ بَيْنَ خَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَلِهَذَا قَالَ
تَعَالَى: وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ
دَابِرَ الْكَافِرِينَ [ الْأَنْفَالِ: 7 ]. وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذَا فِي
غَزْوَةِ بَدْرٍ.
وَقَالَ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ
الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا
مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [
الْأَنْفَالِ: 70 ]. وَهَكَذَا وَقَعَ; فَإِنَّ اللَّهَ عَوَّضَ مَنْ أَسْلَمَ
مِنْهُمْ بِخَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
وَمِنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ،أَنَّ الْعَبَّاسَ جَاءَ إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
أَعْطِنِي، فَإِنِّي فَادَيْتُ نَفْسِي، وَفَادَيْتُ عَقِيلًا فَقَالَ لَهُ:
" خُذْ ". فَأَخَذَ فِي ثَوْبٍ مِقْدَارًا لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ
يُقِلَّهُ، ثُمَّ وَضَعَ مِنْهُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ حَتَّى أَمْكَنَهُ أَنْ
يَحْتَمِلَهُ عَلَى كَاهِلِهِ، وَانْطَلَقَ بِهِ، كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي
مَوْضِعِهِ مَبْسُوطًا، وَهَذَا مِنْ تَصْدِيقِ هَذِهِ الْأَيَّةِ الْكَرِيمَةِ.
وَقَالَ تَعَالَى: وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ
فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ الْآيَةَ [ التَّوْبَةِ: 28 ]. وَهَكَذَا وَقَعَ; عَوَّضَهُمُ
اللَّهُ عَمَّا كَانَ يَفِدُ إِلَيْهِمْ مَعَ حُجَّاجِ الْمُشْرِكِينَ، بِمَا
شَرَعَهُ لَهُمْ; مِنْ قِتَالِ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَضَرْبِ الْجِزْيَةِ
عَلَيْهِمْ،
وَسَلْبِ أَمْوَالِ مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ عَلَى كُفْرِهِ، كَمَا وَقَعَ بِكُفَّارِ
أَهْلِ الشَّامِ مِنَ الرُّومِ وَمَجُوسِ الْفُرْسِ بِالْعِرَاقِ وَغَيْرِهَا مِنَ
الْبُلْدَانِ الَّتِي انْتَشَرَ الْإِسْلَامُ عَلَى أَرْجَائِهَا، وَحَكَمَ عَلَى
مَدَائِنِهَا وَفَيْفَائِهَا. قَالَ تَعَالَى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ
بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ
الْمُشْرِكُونَ
وَقَالَ تَعَالَى: سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ
لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ الْآيَةَ [
التَّوْبَةِ: 95 ]. وَهَكَذَا وَقَعَ; لَمَّا رَجَعَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ كَانَ قَدْ تَخَلَّفَ عَنْهُ طَائِفَةٌ مِنَ
الْمُنَافِقِينَ، فَجَعَلُوا يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَقَدْ كَانُوا مَعْذُورِينَ
فِي تَخَلُّفِهِمْ، وَهُمْ فِي ذَلِكَ كَاذِبُونَ، فَأَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ
أَنْ يُجْرِيَ أَحْوَالَهُمْ عَلَى ظَاهِرِهَا، وَلَا يَفْضَحَهُمْ عِنْدَ
النَّاسِ، وَقَدْ أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَى أَعْيَانِ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ
أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، كَمَا قَدَّمْنَاهُ لَكَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ،
فَكَانَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ مِمَّنْ يَعْرِفُهُمْ بِتَعْرِيفِهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُ.
وَقَالَ تَعَالَى: وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ
لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا ]
الْإِسْرَاءِ: 76 ]. وَهَكَذَا وَقَعَ; لَمَّا اشْتَوَرُوا عَلَيْهِ لِيُثْبِتُوهُ
أَوْ يَقْتُلُوهُ أَوْ يُخْرِجُوهُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ، ثُمَّ وَقَعَ
الرَّأْيُ عَلَى الْقَتْلِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ أَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْخُرُوجِ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ، فَخَرَجَ هُوَ
وَصَدِيقُهُأَبُو بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَكَمِنَا فِي غَارِ ثَوْرٍ
ثَلَاثًا، ثُمَّ ارْتَحَلَا بَعْدَهَا، كَمَا قَدَّمْنَا، وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ
بِقَوْلِهِ: شَيْءٍ قَدِيرٌ إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ
أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا
ثَانِيَ
اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ
اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ
لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ
اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [ التَّوْبَةِ: 40 ]. وَهُوَ
الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ
أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ
خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [ الْأَنْفَالِ: 40 ]. وَلِهَذَا قَالَ: ( وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ
خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا ). وَقَدْ وَقَعَ كَمَا أَخْبَرَ; فَإِنَّ الْمَلَأَ
الَّذِينَ اشْتَوَرُوا عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَلْبَثُوا بِمَكَّةَ بَعْدَ هِجْرَتِهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا رَيْثَمَا اسْتَقَرَّ رِكَابُهُ
الشَّرِيفُ بِالْمَدِينَةِ وَتَابَعَهُ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ، ثُمَّ
كَانَتْ وَقْعَةُ بَدْرٍ فَقُتِلَتْ تِلْكَ النُّفُوسُ، وَكُسِرَتْ تِلْكَ
الرُّءُوسُ، وَقَدْ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْلَمُ ذَلِكَ
قَبْلَ كَوْنِهِ; مِنْ إِخْبَارِ اللَّهِ لَهُ بِذَلِكَ، وَلِهَذَا قَالَ سَعْدُ
بْنُ مُعَاذٍ لِأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ: أَمَا إِنِّي سَمِعْتُ مُحَمَّدًا صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ أَنَّهُ قَاتِلُكَ. فَقَالَ: أَنْتَ
سَمِعْتَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنَّهُ وَاللَّهِ لَا يَكْذِبُ. وَسَيَأْتِي
الْحَدِيثُ فِي بَابِهِ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ جَعَلَ يُشِيرُ
لِأَصْحَابِهِ قَبْلَ الْوَقْعَةِ إِلَى مَصَارِعِ الْقَتْلَى، فَمَا تَعَدَّى
أَحَدٌ مِنْهُمْ مَوْضِعَهُ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ
وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ.
وَقَالَ تَعَالَى: الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ
مِنْ
بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ
قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ
يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ
اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ [ الرُّومِ: 1 - 6
]. وَهَذَا الْوَعْدُ وَقَعَ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ; وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا
غَلَبَتْ فَارِسُ الرُّومَ فَرِحَ الْمُشْرِكُونَ، وَاغْتَمَّ بِذَلِكَ
الْمُؤْمِنُونَ; لِأَنَّ النَّصَارَى أَقْرَبُ إِلَى الْإِسْلَامِ مِنَ
الْمَجُوسِ، فَأَخْبَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِأَنَّ الرُّومَ سَتَغْلِبُ الْفُرْسَ بَعْدَ هَذِهِ الْمُدَّةِ بِبِضْعِ
سِنِينَ، وَكَانَ مِنْ أَمْرِ مُرَاهِنَةِ الصِّدِّيقِ رُءُوسَ الْمُشْرِكِينَ
عَلَى أَنَّ ذَلِكَ سَيَقَعُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ، مَا هُوَ مَشْهُورٌ كَمَا
قَرَّرْنَا فِي كِتَابِنَا " التَّفْسِيرِ "، فَوَقَعَ الْأَمْرُ كَمَا
أَخْبَرَ بِهِ الْقُرْآنُ; غَلَبَتِ الرُّومُ فَارِسَ بَعْدَ غَلَبَهِمْ غَلَبًا
عَظِيمًا جِدًّا، وَقِصَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ مِمَّا يَطُولُ بَسْطُهَا، وَقَدْ
شَرَحْنَاهَا فِي " التَّفْسِيرِ " بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ، وَلِلَّهِ
الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
وَقَالَ تَعَالَى: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى
يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى
كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [ فُصِّلَتْ: 53 ]. وَكَذَلِكَ وَقَعَ; أَظْهَرَ اللَّهُ
مِنْ آيَاتِهِ وَدَلَائِلِهِ فِي أَنْفُسِ الْبَشَرِ وَفِي الْآفَاقِ; بِمَا
أَوْقَعَهُ مِنَ النَّاسِ بِأَعْدَاءِ النُّبُوَّةِ وَمُخَالِفِي الشَّرْعِ;
مِمَّنْ كَذَّبَ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ وَالْمَجُوسِ وَالْمُشْرِكِينَ
مَا دَلَّ ذَوِي الْبَصَائِرِ وَالنُّهَى عَلَى أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ
حَقًّا، وَأَنَّ مَا جَاءَ بِهِ مِنَ الْوَحْيِ عَنِ اللَّهِ صِدْقٌ، وَقَدْ
أَوْقَعَ اللَّهُ لَهُ فِي صُدُورِ أَعْدَائِهِ وَقُلُوبِهِمْ رُعْبًا وَمَهَابَةً
وَخَوْفًا، كَمَا ثَبَتَ عَنْهُ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " أَنَّهُ قَالَ:
نُصِرْتُ
بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ وَهَذَا مِنَ التَّأْيِيدِ وَالنَّصْرِ الَّذِي
آتَاهُ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ; وَكَانَ عَدُوُّهُ يَخَافُهُ وَبَيْنَهُ
وَبَيْنَهُ مَسِيرَةَ شَهْرٍ وَقِيلَ: كَانَ إِذَا عَزَمَ عَلَى غَزْوِ قَوْمٍ
أُرْعِبُوا قَبْلَ مَجِيئِهِ إِلَيْهِمْ وَوُرُودِهِ عَلَيْهِمْ بِشَهْرٍ،
صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ دَائِمًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ
فَصْلٌ ذِكْرُ الْأَخْبَارِ الْمُسْتَقْبَلَةِ
وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الدَّالَّةُ عَلَى إِخْبَارِهِ بِمَا وَقَعَ كَمَا
أَخْبَرَ; فَمِنْ ذَلِكَ مَا أَسْلَفْنَاهُ فِي قِصَّةِ الصَّحِيفَةِ الَّتِي
تَعَاقَدَتْ فِيهَا بُطُونُ قُرَيْشٍ، وَتَمَالَئُوا عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي
الْمَطْلَبِ أَنْ لَا يُؤْوُوهُمْ، وَلَا يُنَاكِحُوهُمْ، وَلَا يُبَايِعُوهُمْ،
حَتَّى يُسَلِّمُوا إِلَيْهِمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَدَخَلَتْ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ; بِمُسْلِمِهِمْ
وَكَافِرِهِمْ شِعْبَ أَبِي طَالِبٍ أَنِفِينَ لِذَلِكَ، مُمْتَنِعِينَ مِنْهُ
أَبَدًا مَا بَقُوا، دَائِمًا مَا تَنَاسَلُوا وَتَعَاقَبُوا، وَفِي ذَلِكَ عَمِلَ
أَبُو طَالِبٍ قَصِيدَتَهُ اللَّامِيَّةَ الَّتِي يَقُولُ فِيهَا:
كَذَبْتُمْ وَبَيْتِ اللَّهِ نُبْزَي مُحَمَّدًا وَلَمَّا نُقَاتِلْ دُونَهُ
وَنُنَاضِلِ وَنُسْلِمُهُ حَتَّى نُصَرَّعَ حَوْلَهُ
وَنَذْهَلَ عَنْ أَبْنَائِنَا وَالْحَلَائِلِ وَمَا تَرْكُ قَوْمٍ لَا أَبَا لَكَ
سَيِّدًا
يَحُوطُ الذِّمَارَ غَيْرَ ذَرْبٍ مُوَاكِلِ وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ
بِوَجْهِهِ
ثِمَالَ الْيَتَامَى عِصْمَةً لِلْأَرَامَلِ يَلُوذُ بِهِ الْهُلَّاكُ مِنْ آلِ
هَاشِمِ
فَهُمْ عِنْدَهُ فِي نِعْمَةٍ وَفَوَاضِلِ
وَكَانَتْ قُرَيْشٌ قَدْ عَلَّقَتْ صَحِيفَةَ التَّعَاقُدِ فِي سَقْفِ
الْكَعْبَةِ، فَسَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهَا الْأَرَضَةَ فَأَكَلَتْ مَا فِيهَا مِنْ
أَسْمَاءِ اللَّهِ، لِئَلَّا يَجْتَمِعَ بِمَا فِيهَا مِنَ الظُّلْمِ
وَالْفُجُورِ،
وَقِيلَ: إِنَّهَا أَكَلَتْ مَا فِيهَا إِلَّا أَسْمَاءَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ،
فَأَخْبَرَ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّهُ
أَبَا طَالِبٍ، فَجَاءَ أَبُو طَالِبٍ إِلَى قُرَيْشٍ فَقَالَ: إِنَّ ابْنَ أَخِي
قَدْ أَخْبَرَنِي بِخَبَرٍ عَنْ صَحِيفَتِكُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ سَلَّطَ
عَلَيْهَا الْأَرَضَةَ فَأَكَلَتْهَا إِلَّا مَا فِيهَا مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ -
أَوْ كَمَا قَالَ - فَأَحْضَرُوهَا، فَإِنْ كَانَ كَمَا قَالَ، وَإِلَّا
أَسْلَمْتُهُ إِلَيْكُمْ، فَأَنْزَلُوهَا فَفَتَحُوهَا، فَإِذَا الْأَمْرُ كَمَا
أَخْبَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعِنْدَ
ذَلِكَ نَقَضُوا حُكْمَهَا، وَدَخَلَتْ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمَطْلَبِ
مَكَّةَ، وَرَجَعُوا إِلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ، كَمَا أَسْلَفْنَا
ذِكْرَهُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
وَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ. حِينَ جَاءَ هُوَ وَأَمْثَالُهُ
مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ يَسْتَنْصِرُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ رِدَاءَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ فَيَدْعُو لَهُمْ،
لِمَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْإِهَانَةِ، فَجَلَسَ مُحْمَرًّا وَجْهُهُ،
وَقَالَ: إِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانَ أَحَدُهُمْ يُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ مَا
يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيُتِمَنَّ اللَّهُ هَذَا الْأَمْرَ
وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ "
وَمِنْ ذَلِكَ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
الْعَلَاءِ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ جَدِّهِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، أَرَاهُ
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ
أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ فِيهَا نَخْلٌ، فَذَهَبَ وَهْلِي
إِلَى أَنَّهَا الْيَمَامَةُ أَوْ هَجَرُ فَإِذَا هِيَ الْمَدِينَةُ يَثْرِبُ،
وَرَأَيْتُ فِي رُؤْيَايَ هَذِهِ أَنِّي هَزَزْتُ سَيْفًا فَانْقَطَعَ صَدْرُهُ،
فَإِذَا هُوَ مَا أُصِيبَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
يَوْمَ
أُحُدٍ، ثُمَّ هَزَزْتُهُ أُخْرَى فَعَادَ أَحْسَنَ مَا كَانَ، فَإِذَا هُوَ مَا
جَاءَ بِهِ مِنَ الْفَتْحِ وَاجْتِمَاعِ الْمُؤْمِنِينَ، وَرَأَيْتُ فِيهَا
بَقَرًا، وَاللَّهُ خَيْرٌ، فَإِذَا هُمُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَإِذَا
الْخَيْرُ مَا جَاءَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْخَيْرِ وَثَوَابِ الصِّدْقِ الَّذِي
أَتَانَا بَعْدَ يَوْمِ بَدْرٍ "
وَمِنْ ذَلِكَ قِصَّةُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ مَعَ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ حِينَ
قَدِمَ عَلَيْهِ مَكَّةَ. قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ،
ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، ثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ،
عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ انْطَلَقَ
سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ مُعْتَمِرًا، فَنَزَلَ عَلَى أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ أَبِي
صَفْوَانَ، وَكَانَ أُمَيَّةُ إِذَا انْطَلَقَ إِلَى الشَّامِ فَمَرَّ بِالْمَدِينَةِ
نَزَلَ عَلَى سَعْدٍ، فَقَالَ أُمَيَّةُ لِسَعْدٍ: انْتَظِرْ حَتَّى إِذَا
انْتَصَفَ النَّهَارُ وَغَفَلَ النَّاسُ انْطَلَقْتُ فَطُفْتُ. فَبَيْنَا سَعْدٌ
يَطُوفُ إِذَا أَبُو جَهْلٍ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا الَّذِي يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ؟
فَقَالَ سَعْدٌ: أَنَا سَعْدٌ. فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ تَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ
آمِنًا، وَقَدْ آوَيْتُمْ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ؟! فَقَالَ: نَعَمْ
فَتَلَاحَيَا بَيْنَهُمَا، فَقَالَ أُمَيَّةُ لِسَعْدٍ: لَا تَرْفَعْ صَوْتَكَ
عَلَى أَبِي الْحَكَمِ، فَإِنَّهُ سَيِّدُ أَهْلِ الْوَادِي. ثُمَّ قَالَ سَعْدٌ:
وَاللَّهِ لَئِنْ مَنَعْتَنِي أَنْ أَطُوفَ بِالْبَيْتِ لَأَقْطَعَنَّ مَتْجَرَكَ
بِالشَّامِ. قَالَ: فَجَعَلَ أُمَيَّةُ يَقُولُ لِسَعْدٍ: لَا تَرْفَعْ صَوْتَكَ.
وَجَعَلَ يُمْسِكُهُ، فَغَضِبَ سَعْدٌ فَقَالَ: دَعْنَا عَنْكَ فَإِنِّي سَمِعْتُ
مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزْعُمُ أَنَّهُ قَاتِلُكَ. قَالَ:
إِيَّايَ؟! قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: وَاللَّهِ
مَا
يَكْذِبُ مُحَمَّدٌ إِذَا حَدَّثَ. فَرَجَعَ إِلَى امْرَأَتِهِ فَقَالَ: أَمَا
تَعْلَمِينَ مَا قَالَ لِي أَخِي الْيَثْرِبِيُّ قَالَتْ: وَمَا قَالَ؟ قَالَ:
زَعَمَ أَنَّهُ سَمِعَ مُحَمَّدًا يَزْعُمُ أَنَّهُ قَاتِلِي. قَالَتْ:
فَوَاللَّهِ مَا يَكْذِبُ مُحَمَّدٌ. قَالَ فَلَمَّا خَرَجُوا إِلَى بَدْرٍ
وَجَاءَ الصَّرِيخُ، قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: مَا ذَكَرْتَ مَا قَالَ لَكَ
أَخُوكَ الْيَثْرِبِيُّ؟ قَالَ: فَأَرَادَ أَنْ لَا يَخْرُجَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو
جَهْلٍ: إِنَّكَ مِنْ أَشْرَافِ الْوَادِي، فَسِرْ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ،
فَسَارَ مَعَهُمْ فَقَتَلَهُ اللَّهُ. وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَفْرَادِ
الْبُخَارِيِّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بِأَبْسَطِ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ.
وَمِنْ ذَلِكَ قِصَّةُ أُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ الَّذِي كَانَ يَعْلِفُ حِصَانًا لَهُ،
فَإِذَا مَرَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
إِنِّي سَأَقْتُلُكَ عَلَيْهِ، فَيَقُولُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَلْ أَنَا أَقْتُلُكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَقَتْلَهُ يَوْمَ
أُحُدٍ كَمَا قَدَّمْنَا بَسْطَهُ.
وَمِنْ ذَلِكَ إِخْبَارُهُ عَنْ مَصَارِعِ الْقَتْلَى يَوْمَ بَدْرٍ، كَمَا
تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ جَعَلَ يُشِيرُ قَبْلَ الْوَقْعَةِ إِلَى
مَحَلِّهَا وَيَقُولُ: " هَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ،
وَهَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ ". قَالَ: فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ مَا
رَامَ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنْ مَكَانِهِ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ لِذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي كَانَ لَا يَتْرُكُ
لِلْمُشْرِكِينَ شَاذَّةً وَلَا فَاذَّةً إِلَّا اتَّبَعَهَا فَفَرَاهَا
بِسَيْفِهِ، وَذَلِكَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَقِيلَ: خَيْبَرَ. وَهُوَ الصَّحِيحُ.
وَقِيلَ:
فِي
يَوْمِ حُنَيْنٍ فَقَالَ النَّاسُ: مَا أَغْنَى أَحَدٌ الْيَوْمَ مَا أَغْنَى
فُلَانٌ. يُقَالُ: إِنَّهُ قُزْمَانِ. فَقَالَ: " إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ
النَّارِ " فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: أَنَا صَاحِبُهُ. فَاتَّبَعَهُ فَجُرِحَ
فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ، فَوَضَعَ ذُبَابَ سَيْفِهِ فِي صَدْرِهِ، ثُمَّ
تَحَامَلَ عَلَيْهِ حَتَّى أَنْفَذَهُ، فَرَجَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ، فَقَالَ:
أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ. فَقَالَ
" وَمَا ذَاكَ " فَقَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ الَّذِي ذَكَرْتَ آنِفًا
كَانَ مِنْ أَمْرِهِ كَيْتَ وَكَيْتَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَمِنْ ذَلِكَ إِخْبَارُهُ عَنْ فَتْحِ مَدَائِنِ كِسْرَى وَقُصُورِ الشَّامِ
وَغَيْرِهَا مِنَ الْبِلَادِ يَوْمَ حَفْرِ الْخَنْدَقِ، لَمَّا ضَرَبَ بِيَدِهِ
الْكَرِيمَةِ تِلْكَ الصَّخْرَةَ فَبَرِقَتْ مِنْ ضَرْبِهِ، ثُمَّ أُخْرَى، ثُمَّ
أُخْرَى كَمَا قَدَّمْنَا.
وَمِنْ ذَلِكَ إِخْبَارُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ
الذِّرَاعِ أَنَّهُ مَسْمُومٌ، فَكَانَ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ، اعْتَرَفَ الْيَهُودُ
بِذَلِكَ، وَمَاتَ مِنْ أَكْلِهِ مَعَهُ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ.
وَمِنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ،أَنَّهُ بَلَّغَهُ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ:
" اللَّهُمَّ أَنْجِ أَصْحَابَ السَّفِينَةِ ". ثُمَّ مَكَثَ سَاعَةً،
ثُمَّ قَالَ: " قَدِ اسْتَمَرَّتْ. وَالْحَدِيثُ بِتَمَامِهِ فِي "
دَلَائِلَ النُّبُوَّةِ " لِلْبَيْهَقِيِّ، وَكَانَتْ تِلْكَ السَّفِينَةُ
قَدْ أَشْرَفَتْ عَلَى الْغَرَقِ، وَفِيهَا الْأَشْعَرِيُّونَ الَّذِينَ قَدِمُوا
عَلَيْهِ وَهُوَ بِخَيْبَرَ.
وَمِنْ ذَلِكَ إِخْبَارُهُ عَنْ قَبْرِ أَبِي رِغَالٍ حِينَ مَرِّ عَلَيْهِ وَهُوَ
ذَاهِبٌ إِلَى الطَّائِفِ،
وَأَنَّ
مَعَهُ غُصْنًا مِنْ ذَهَبٍ، فَحَفَرُوهُ فَوَجَدُوهُ كَمَا أَخْبَرَ صَلَوَاتُ
اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي
إِسْحَاقَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ بُجَيْرِ بْنِ أَبِي بُجَيْرٍ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بِهِ.
وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، لِلْأَنْصَارِ لَمَّا خَطَبَهُمْ
تِلْكَ الْخُطْبَةَ مُسَلِّيًا لَهُمْ عَمَّا كَانَ وَقَعَ فِي نُفُوسِ
بَعْضِهِمْ; مِنَ الْإِيثَارِ عَلَيْهِمْ فِي الْقِسْمَةِ لَمَّا تَأَلَّفَ
قُلُوبَ مَنْ تَأَلَّفَ مِنْ سَادَاتِ الْعَرَبِ، وَرُءُوسِ قُرَيْشٍ
وَغَيْرِهِمْ، فَقَالَ:أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ
وَالْبَعِيرِ، وَتَذْهَبُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ تَحُوزُونَهُ إِلَى رِحَالِكُمْ؟
وَقَالَ:إِنَّكُمْ سَتَجِدُونَ بَعْدِي أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلَقَّوْنِي
عَلَى الْحَوْضِ " وَقَالَ:إِنَّ النَّاسَ يَكْثُرُونَ وَتَقِلُّ
الْأَنْصَارُ " وَقَالَ لَهُمْ فِي الْخُطْبَةِ قَبْلَ هَذِهِ عَلَى
الصَّفَا:بَلِ الْمَحْيَا مَحْيَاكُمْ وَالْمَمَاتُ مَمَاتُكُمْ وَقَدْ وَقَعَ
جَمِيعُ ذَلِكَ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ سَوَاءً بِسَوَاءٍ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، ثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ
يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: وَأَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ
قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ،
وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَتُنْفِقُنَّ كُنُوزَهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ " وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَرْمَلَةَ، عَنْ أَبِي وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ بِهِ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا قَبِيصَةُ، ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَفْعَهُ: " إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ " وَقَالَ: " لَتُنْفِقُنَّ كُنُوزَهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ " وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جَرِيرٍ، وَزَادَ الْبُخَارِيُّ وَأَبِي عَوَانَةَ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ بِهِ، وَقَدْ وَقَعَ مِصْدَاقُ ذَلِكَ بَعْدَهُ فِي أَيَّامِ الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، اسْتَوْثَقَتْ هَذِهِ الْمَمَالِكُ فَتْحًا عَلَى أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ، وَأَنْفَقَتْ أَمْوَالَ كُنُوزِ قَيْصَرَ مَلِكِ الرُّومِ، وَكِسْرَى مَلِكِ الْفُرْسِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ بَعْدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ بِشَارَةٌ عَظِيمَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ أَنَّ مُلْكَ فَارِسَ قَدِ انْقَطَعَ فَلَا عَوْدَةَ لَهُ، وَمُلْكَ الرُّومِ لِلشَّامِ قَدْ زَالَ عَنْهَا، فَلَا يَمْلِكُونَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى صِحَّةِ خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ وَالشَّهَادَةِ لَهُمْ بِالْعَدْلِ، حَيْثُ أُنْفِقَتِ الْأَمْوَالُ الْمَغْنُومَةُ فِي زَمَانِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، عَلَى الْوَجْهِ الْمَرْضِيِّ الْمَمْدُوحِ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ، ثَنَا النَّضْرُ، ثَنَا إِسْرَائِيلُ، ثَنَا سَعْدٌ الطَّائِيُّ، أَنَا مَحَلُّ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: بَيْنَا أَنَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَشَكَى إِلَيْهِ الْفَاقَةَ، ثُمَّ أَتَاهُ آخَرُ فَشَكَى إِلَيْهِ قَطْعَ السَّبِيلِ، فَقَالَ: " يَا عَدِيُّ هَلْ رَأَيْتَ الْحِيرَةَ ؟ ". قُلْتُ لَمْ أَرَهَا، وَقَدْ أُنْبِئْتُ عَنْهَا. قَالَ: " فَإِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ مَا تَخَافُ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ - قُلْتُ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِي: فَأَيْنَ دُعَّارُ طَيِّئٍ الَّذِينَ قَدْ سَعَّرُوا الْبِلَادَ؟ - وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتُفْتَحَنَّ كُنُوزُ كِسْرَى ". قُلْتُ: كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ؟ قَالَ: " كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ، وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الرَّجُلَ يُخْرِجُ مَلْءَ كَفِّهِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ يَطْلُبُ مَنْ يَقْبَلُهُ مِنْهُ، فَلَا يَجِدُ أَحَدًا يَقْبَلُهُ مِنْهُ، وَلَيَلْقَيَنَّ اللَّهَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ يَلْقَاهُ وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ يُتَرْجِمُ لَهُ فَلَيَقُولَنَّ لَهُ: أَلَمْ أَبْعَثْ إِلَيْكَ رَسُولًا فَيُبَلِّغَكَ؟ فَيَقُولُ: بَلَى. فَيَقُولُ: أَلَمْ أُعْطِكَ مَالًا وَوَلَدًا وَأُفْضِلْ عَلَيْكَ؟ فَيَقُولُ: بَلَى. فَيَنْظُرُ عَنْ يَمِينِهِ فَلَا يَرَى إِلَّا جَهَنَّمَ، وَيَنْظُرُ عَنْ يَسَارِهِ فَلَا يَرَى إِلَّا جَهَنَّمَ ". قَالَ عَدِيٌّ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ قَالَ عَدِيٌّ: فَرَأَيْتُ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ فَلَا تَخَافُ إِلَّا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَكُنْتُ فِيمَنِ افْتَتَحَ كُنُوزَ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزٍ، وَلَئِنْ طَالَتْ بِكُمْ حَيَاةٌ لَتَرَوُنِ مَا قَالَ النَّبِيُّ أَبُو الْقَاسِمِ
صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ
ثُمَّ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، هُوَ أَبُو
بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي عَاصِمٍ النَّبِيلِ، عَنْ سَعْدَانَ بْنِ
بِشْرٍ، عَنْ أَبِي مُجَاهِدٍ سَعْدٍ الطَّائِيِّ، عَنْ مُحِلٍّ، عَنْهُ بِهِ.
وَقَدْ تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ مِنْ هَذَيْنَ الْوَجْهَيْنِ، وَرَوَاهُ
النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، عَنْ مُحِلٍّ عَنْهُ: " اتَّقُوا
النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ
شُعْبَةَ، وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ زُهَيْرٍ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ، عَنْ عَدِيٍّ مَرْفُوعًا:اتَّقُوا النَّارَ
وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ " وَكَذَلِكَ أَخْرَجَاهُ فِي " الصَّحِيحَيْنِ
" مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ
عَدِيٍّ وَفِيهَا مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ
خَيْثَمَةَ، عَنْ عَدِيٍّ بِهِ. وَهَذِهِ كُلُّهَا شَوَاهِدُ لِأَصْلِ هَذَا
الْحَدِيثِ الَّذِي أَوْرَدْنَاهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ
الْإِخْبَارُ بِفَتْحِ مَدَائِنِ كِسْرَى وَقُصُورِهِ وَقُصُورِ الشَّامِ وَغَيْرِ
ذَلِكَ مِنَ الْبِلَادِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، ثَنَا
إِسْمَاعِيلُ، عَنْ قَيْسٍ،
عَنْ
خَبَّابٍ قَالَ: أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَهُوَ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ مُتَوَسِّدًا بُرْدَةً لَهُ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ لَنَا وَاسْتَنْصِرْهُ. قَالَ: فَاحْمَرَّ لَوْنُهُ أَوْ
تَغَيَّرَ، فَقَالَ: " لَقَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ
الْحُفْرَةُ وَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيَشُقُّ، مَا
يَصْرِفُهُ عَنْ دِينِهِ، وَيُمَشَّطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونُ عَظْمٍ
أَوْ لَحْمٍ أَوْ عَصَبٍ، مَا يَصْرِفُهُ عَنْ دِينِهِ، وَلَيُتِمَّنَّ اللَّهُ
هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مَا بَيْنَ صَنْعَاءَ إِلَى
حَضْرَمَوْتَ مَا يَخْشَى إِلَّا اللَّهَ وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ،
وَلَكِنَّكُمْ تَعْجَلُونَ وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ مُسَدَّدٍ
وَمُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ
أَبِي خَالِدٍ بِهِ.
ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ: حَدَّثَنَا
سَعِيدُ بْنُ شُرَحْبِيلَ، ثَنَا لَيْثٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ
أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَّهُ خَرَجَ يَوْمًا فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلَاتَهُ عَلَى
الْمَيِّتِ ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: أَنَا فَرَطُكُمْ، وَأَنَا
شَهِيدٌ عَلَيْكُمْ إِنِّي وَاللَّهِ لَأَنْظُرُ إِلَى حَوْضِيَ الْآنَ، وَإِنِّي
قَدْ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الْأَرْضِ، وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أَخَافُ
بَعْدِي أَنْ تُشْرِكُوا، وَلَكِنِّي أَخَافُ أَنْ تَنَافَسُوا فِيهَا وَقَدْ
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ، وَمُسْلِمٍ
مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، كِلَاهُمَا عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ
كَرِوَايَةِ
اللَّيْثِ
عَنْهُ. فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِمَّا نَحْنُ بِصَدَدِهِ أَشْيَاءُ، مِنْهَا:
أَنَّهُ أَخْبَرَ الْحَاضِرِينَ أَنَّهُ فَرَطُهُمْ، أَيِ الْمُتَقَدِّمُ
عَلَيْهِمْ فِي الْمَوْتِ، وَهَكَذَا وَقَعَ، فَإِنَّ هَذَا كَانَ فِي مَرَضِ
مَوْتِهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ شَهِيدٌ
عَلَيْهِمْ وَإِنْ تَقَدَّمَ وَفَاتُهُ عَلَيْهِمْ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ أُعْطِيَ
مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الْأَرْضِ أَيْ فُتِحَتْ لَهُ الْبِلَادُ، كَمَا جَاءَ فِي
حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَقَدِّمِ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَذَهَبَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنْتُمْ تَفْتَحُونَهَا
كَفْرًا كَفْرًا. أَيْ بَلَدًا بَلَدًا وَأَخْبَرَ أَنَّ أَصْحَابَهُ لَا
يُشْرِكُونَ بَعْدَهُ. وَهَكَذَا وَقَعَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ،
وَلَكِنْ خَافَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُنَافِسُوا فِي الدُّنْيَا، وَقَدْ وَقَعَ هَذَا
فِي زَمَانِ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، ثُمَّ مَنْ
بَعْدَهُمَا، وَهَلُمَّ جَرًّا إِلَى زَمَانِنَا هَذَا.
ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَا أَزْهَرُ
بْنُ سَعْدٍ، أَنَا ابْنُ عَوْنٍ أَنْبَأَنِي مُوسَى بْنُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،
عَنْ أَنَسٍ،أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ افْتَقَدَ
ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَعْلَمُ لَكَ
عِلْمَهُ فَأَتَاهُ فَوَجَدَهُ جَالِسًا فِي بَيْتِهِ مُنَكِّسًا رَأْسَهُ، فَقَالَ
مَا شَأْنُكَ؟ فَقَالَ: شَرٌّ. كَانَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ
النَّارِ. فَأَتَى الرَّجُلُ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَالَ كَذَا وَكَذَا. قَالَ
مُوسَى: فَرَجَعَ الْمَرَّةَ الْآخِرَةَ بِبِشَارَةٍ عَظِيمَةٍ، فَقَالَ: "
اذْهَبْ إِلَيْهِ فَقُلْ لَهُ: إِنَّكَ لَسْتَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَلَكِنْ
مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ". تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ، وَقَدْ قُتِلَ
ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ شَهِيدًا يَوْمَ الْيَمَامَةِ، كَمَا سَيَأْتِي
تَفْصِيلُهُ. وَهَكَذَا ثَبَتَ
فِي
الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْبِشَارَةُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ أَنَّهُ
يَمُوتُ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَيَكُونُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَقَدْ مَاتَ،
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَلَى أَكْمَلِ أَحْوَالِهِ وَأَجْمَلِهَا، وَكَانَ
النَّاسُ يَشْهَدُونَ لَهُ بِالْجَنَّةِ فِي حَيَاتِهِ; لِإِخْبَارِ الصَّادِقِ
عَنْهُ بِأَنَّهُ يَمُوتُ عَلَى الْإِسْلَامِ. وَكَذَلِكَ وَقَعَ.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ الْإِخْبَارُ عَنِ الْعَشَرَةِ بِأَنَّهُمْ مِنْ
أَهْلِ الْجَنَّةِ، بَلْ ثَبَتَ أَيْضًا الْإِخْبَارُ عَنْهُ، صَلَوَاتُ اللَّهِ
وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، بِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ بَايَعَ تَحْتَ
الشَّجَرَةِ، وَكَانُوا أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ. وَقِيلَ وَخَمْسَمِائَةٍ.
وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّ أَحَدًا مِنْ هَؤُلَاءِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَاشَ
إِلَّا حَمِيدًا، وَلَا مَاتَ إِلَّا عَلَى السَّدَادِ وَالِاسْتِقَامَةِ
وَالتَّوْفِيقِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. وَهَذَا مِنْ أَعْلَامِ
النُّبُوَّاتِ، وَدَلَالَاتِ الرِّسَالَةِ
فَصْلٌ فِي الْإِخْبَارِ بِغُيُوبِ مَاضِيَةٍ وَمُسْتَقْبَلَةٍ
رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ إِسْرَائِيلَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ
سَمُرَةَ قَالَ:جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ فُلَانًا مَاتَ.
فَقَالَ: " لَمْ يَمُتْ ". فَعَادَ الثَّانِيَةَ
فَقَالَ:
إِنَّ فُلَانًا مَاتَ. فَقَالَ: " لَمْ يَمُتْ ". فَعَادَ الثَّالِثَةَ
فَقَالَ: إِنَّ فُلَانًا نَحَرَ نَفْسَهُ بِمِشْقَصٍ عِنْدَهُ. فَلَمْ يُصَلِّ
عَلَيْهِ. ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: تَابَعَهُ زُهَيْرٌ عَنْ سِمَاكٍ. وَمِنْ
ذَلِكَ الْوَجْهِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مُخْتَصَرًا فِي الصَّلَاةِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، ثَنَا هُرَيْمُ بْنُ
سُفْيَانَ، عَنْ بَيَانِ بْنِ بِشْرٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي
شَهْمٍ قَالَ:مَرَّتْ بِي جَارِيَةٌ بِالْمَدِينَةِ فَأَخَذْتُ بِكَشْحِهَا.
قَالَ: وَأَصْبَحَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَايِعُ
النَّاسَ. قَالَ: فَأَتَيْتُهُ فَلَمْ يُبَايِعْنِي، فَقَالَ: " صَاحِبُ
الْجُبَيْذَةِ؟ " قَالَ: قُلْتُ: وَاللَّهِ لَا أَعُودُ. قَالَ فَبَايَعَنِي.
وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُخَرِّمِيِّ
عَنْ أَسْوَدِ بْنِ عَامِرٍ بِهِ. ثُمَّ رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ سُرَيْجٍ عَنْ
يَزِيدَ بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ بَيَانِ بْنِ بِشْرٍ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي شَهْمٍ
فَذَكَرَهُ.
وَفِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ "، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، عَنْ سُفْيَانَ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ:كُنَّا
نَتَّقِي الْكَلَامَ وَالِانْبِسَاطَ إِلَى نِسَائِنَا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ; خَشْيَةَ أَنْ يَنْزِلَ فِينَا شَيْءٌ،
فَلَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكَلَّمْنَا
وَانْبَسَطْنَا.
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ
أَبِي هِلَالٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّهُ
قَالَ:وَاللَّهِ لَقَدْ كَانَ أَحَدُنَا يَكُفُّ عَنِ الشَّيْءِ مَعَ امْرَأَتِهِ،
وَهُوَ وَإِيَّاهَا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ; تَخَوُّفًا أَنْ يَنْزِلَ فِيهِ شَيْءٌ
مِنَ الْقُرْآنِ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، ثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ،
ثَنَا عَاصِمُ بْنُ كُلَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ قَالَ:
خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جِنَازَةٍ،
فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى
الْقَبْرِ يُوصِي الْحَافِرَ: " أَوْسِعْ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْهِ، أَوْسِعْ
مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ ". فَلَمَّا رَجَعَ اسْتَقْبَلَهُ دَاعِي امْرَأَةٍ
فَجَاءَ، وَجِيءَ بِالطَّعَامِ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِيهِ وَوَضَعَ الْقَوْمُ
أَيْدِيهِمْ فَأَكَلُوا، فَنَظَرَ آبَاؤُنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلُوكُ لُقْمَةً فِي فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: " أَجِدُ
لَحْمَ شَاةٍ أُخِذَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ أَهْلِهَا ". قَالَ: فَأَرْسَلَتِ
الْمَرْأَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَرْسَلْتُ إِلَى الْبَقِيعِ يُشْتَرَى
لِي شَاةٌ فَلَمْ تُوجَدْ، فَأَرْسَلْتُ إِلَى جَارٍ لِي قَدِ اشْتَرَى شَاةً أَنْ
أَرْسِلْ بِهَا إِلَيَّ بِثَمَنِهَا، فَلَمْ يُوجَدْ فَأَرْسَلْتُ إِلَى
امْرَأَتِهِ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيَّ بِهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَطْعِمِيهِ الْأُسَارَى
فَصْلٌ
فِي تَرْتِيبِ الْإِخْبَارِ بِالْغُيُوبِ الْمُسْتَقْبِلَةِ بَعْدَهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ، عَنْ
أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ قَالَ:قَامَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِينَا مَقَامًا مَا تَرَكَ فِيهِ شَيْئًا
إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ إِلَّا ذَكَرَهُ، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ وَجَهِلَهُ
مَنْ جَهِلَهُ، وَقَدْ كُنْتُ أَرَى الشَّيْءَ قَدْ كُنْتُ نَسِيتُهُ فَأَعْرِفُهُ
كَمَا يَعْرِفُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ إِذَا غَابَ عَنْهُ فَرَآهُ فَعَرَفَهُ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ،
حَدَّثَنِي ابْنُ جَابِرٍ، حَدَّثَنِي بُسْرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ
الْحَضْرَمِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ
حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ يَقُولُ: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ
الشَّرِّ; مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِيَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا
كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ، فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ، فَهَلْ
بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: " نَعَمْ ". قُلْتُ: وَهَلْ
بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: " نَعَمْ. وَفِيهِ دَخَنٌ
". قُلْتُ وَمَا دَخَنُهُ؟ فَقَالَ: " قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ
هَدْيِي، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ ". قُلْتُ: فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ
الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: " نَعَمْ، دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ،
مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا ". قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ،
صِفْهُمْ لَنَا قَالَ: " هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا
". قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: "
تَلْزَمُ
جَمَاعَةَ
الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ ". قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ
جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ. قَالَ: " فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا
وَلَوْ أَنَّ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ
عَلَى ذَلِكَ " وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا وَمُسْلِمٌ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ بِهِ.
ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، ثَنَا يَحْيَى بْنُ
سَعِيدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: تَعَلَّمَ
أَصْحَابِي الْخَيْرَ وَتَعَلَّمْتُ الشَّرَّ. تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ.
وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ
ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ:لَقَدْ
حَدَّثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا يَكُونُ
حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَسْأَلْهُ: مَا يُخْرِجُ أَهْلَ
الْمَدِينَةِ مِنْهَا؟.
وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " مِنْ حَدِيثِ عِلْبَاءَ بْنِ أَحْمَرَ، عَنْ
أَبِي يَزِيدَ عَمْرِو بْنِ أَخْطَبَ قَالَ: أَخْبَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا كَانَ وَبِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ
الْقِيَامَةِ، فَأَعْلَمُنَا أَحَفَظُنَا. وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ حَتَّى
دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ وَقَدْ
تَقَدَّمَ حَدِيثُ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ: " وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ
اللَّهُ هَذَا الْأَمْرَ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ ".
وَكَذَا
حَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لِيُظْهِرَهُ
عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ [ التَّوْبَةِ: 33 ]. وَقَالَ تَعَالَى: وَعَدَ اللَّهُ
الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي
الْأَرْضِ الْآيَةَ [ النُّورِ: 55 ].
وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي
سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا
فَنَاظِرٌ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ;
فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ ".
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً هِيَ أَضَرُّ عَلَى
الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ
الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمِسْوَرِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ،
فَذَكَرَ قِصَّةَ بَعْثِ أَبِي عُبَيْدَةَ إِلَى الْبَحْرَيْنِ، وَفِيهِ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَبْشِرُوا
وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ، فَوَاللَّهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ،
وَلَكِنِّي أَخْشَى أَنْ تَنْبَسِطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى
مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، فَتُهْلِكَكُمْ كَمَا
أَهْلَكَتْهُمْ "
فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ،
عَنْ
جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:: "
هَلْ لَكَمَ مِنْ أَنْمَاطٍ؟ " قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَنَّى
يَكُونُ لَنَا أَنْمَاطٌ؟ فَقَالَ: " أَمَّا إِنَّهَا سَتَكُونُ لَكُمْ
أَنْمَاطٌ ". قَالَ: فَأَنَا أَقُولُ لِامْرَأَتِي نَحِّي عَنِّي
أَنْمَاطَكِ. فَتَقُولُ: أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللَّهِ: " أَنَّهَا
سَتَكُونُ لَكُمْ أَنْمَاطٌ " ؟ فَأَتْرُكُهَا
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " وَ " الْمَسَانِيدِ " وَ "
السُّنَنِ " وَغَيْرِهَا مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تُفْتَحُ
الْيَمَنُ، فَيَأْتِي قَوْمٌ يَبِسُّونَ، فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ
أَطَاعَهُمْ، وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، وَتُفْتَحُ
الشَّامُ فَيَأْتِي قَوْمٌ يَبِسُّونَ، فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ
أَطَاعَهُمْ، وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، وَتُفْتَحُ
الْعِرَاقُ فَيَأْتِي قَوْمٌ يَبِسُّونَ، فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ
أَطَاعَهُمْ، وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ".
كَذَلِكَ رَوَاهُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ جَمَاعَةٌ كَثِيرُونَ، وَقَدْ
أَسْنَدَهُ الْحَافِظُ بْنُ عَسَاكِرَ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ، وَسُفْيَانَ بْنِ
عُيَيْنَةَ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ، وَمَالِكِ بْنِ سُعَيْرِ بْنِ
الْخِمْسِ، وَأَبِي ضَمْرَةَ أَنَسِ بْنِ عِيَاضٍ، وَ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ
أَبِي حَازِمٍ، وَسَلَمَةَ بْنِ دِينَارٍ، وَجَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ. وَرَوَاهُ
أَحْمَدُ، عَنْ يُونُسَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ
وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ
جُرَيْجٍ،
عَنْ هِشَامٍ. وَمِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامٍ بِهِ بِنَحْوِهِ.
ثُمَّ رَوَى أَحْمَدُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ الْهَاشِمِيِّ، عَنْ
إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ خُصَيْفَةَ أَنَّ بُسْرَ
بْنِ سَعِيدٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ فِي مَجْلِسِ اللَّيْثِيِّينَ يَذْكُرُونَ
أَنَّ سُفْيَانَ أَخْبَرَهُمْ، فَذَكَرَ قِصَّةً، وَفِيهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: وَيُوشِكُ الشَّامُ أَنَّ
يَفْتَتِحَ فَيَأْتِيَهُ رِجَالٌ مِنْ هَذَا الْبَلَدِ - يَعْنِي الْمَدِينَةَ -
فَيُعْجِبُهُمْ رِيفُهُ وَرَخَاؤُهُ، وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا
يَعْلَمُونَ، ثُمَّ يُفْتَحُ الْعِرَاقُ فَيَأْتِي قَوْمٌ يَبِسُّونَ
فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ، وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ
لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ وَأَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ
إِسْمَاعِيلَ. وَرَوَاهُ الْحَافِظُ بْنُ عَسَاكِرَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ، وَكَذَا حَدِيثُ ابْنِ
حَوَالَةَ.
وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ: مَنَعَتِ الشَّامُ مُدْيَهَا وَدِينَارَهَا، وَمَنَعَتِ
الْعِرَاقُ دِرْهَمَهَا وَقَفِيزَهَا، وَمَنَعَتِ مِصْرُ إِرْدَبَّهَا
وَدِينَارَهَا، وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ " وَهُوَ فِي
"
الصَّحِيحِ " وَكَذَا حَدِيثُ الْمَوَاقِيتِ لِأَهْلِ الشَّامِ وَالْيَمَنِ،
وَهُوَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ "، وَعِنْدَ مُسْلِمٍ مِيقَاتُ أَهْلِ
الْعِرَاقِ وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ أَيْضًا حَدِيثُ: " إِذَا هَلَكَ كِسْرَى
فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ،
وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُنْفِقُنَّ كُنُوزَهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ،
عَزَّ وَجَلَّ "
وَفِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي إِدْرِيسَ
الْخَوْلَانِيِّ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّهُ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ: " اعْدُدْ سِتًّا
بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ " فَذَكَرُ مَوْتَهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ، ثُمَّ فَتْحَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، ثُمَّ مُوتَانًا - وَهُوَ الْوَبَاءُ
- ثُمَّ كَثْرَةَ الْمَالِ، ثُمَّ فِتْنَةً، ثُمَّ هُدْنَةً بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ
وَالرُّومِ. وَسَيَأْتِي الْحَدِيثُ فِيمَا بَعْدُ.
وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
شُمَاسَةَ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:: " إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ أَرْضًا يُذْكَرُ فِيهَا
الْقِيرَاطُ فَاسْتَوْصُوا بِأَهْلِهَا خَيْرًا ; فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً
وَرَحِمًا، فَإِذَا رَأَيْتُ رَجُلَيْنِ يَخْتَصِمَانِ فِي مَوْضِعِ لَبِنَةٍ
فَاخْرُجْ مِنْهَا " قَالَ: فَمَرَّ بِرَبِيعَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ
ابْنَيْ شُرَحْبِيلَ بْنِ حَسَنَةَ يَخْتَصِمَانِ فِي مَوْضِعِ لَبِنَةٍ، فَخَرَجَ
مِنْهَا. يَعْنِي دِيَارَ مِصْرَ عَلَى يَدَيْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فِي سَنَةِ
عِشْرِينَ، كَمَا سَيَأْتِي.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ
ابْنٍ لِكَعْبِ
بْنِ
مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:إِذَا
افْتَتَحْتُمْ مِصْرَ فَاسْتَوْصُوا بِالْقِبْطِ خَيْرًا; فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً
وَرَحِمًا " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ إِسْحَقَ بْنِ رَاشِدٍ،
عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ
أَبِيهِ. وَحَكَى أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ،
أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ " ذِمَّةً وَرَحِمًا ". فَقَالَ: مِنَ
النَّاسِ مَنْ قَالَ: إِنَّ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ هَاجَرَ كَانَتْ قِبْطِيَّةً.
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ: أُمُّ إِبْرَاهِيمَ. قُلْتُ: الصَّحِيحُ الَّذِي لَا
شَكَّ فِيهِ أَنَّهُمَا قِبْطِيَّتَانِ، كَمَا قَدَّمْنَا ذِكْرَ ذَلِكَ وَمَعْنَى
قَوْلِهِ: " ذِمَّةً ". يَعْنِي بِذَلِكَ هَدِيَّةَالْمُقَوْقِسِ
إِلَيْهِ وَقَبُولَهُ ذَلِكَ مِنْهُ، وَذَلِكَ نَوْعٌ ذِمَامٍ وَمُهَادَنَةٍ.
وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَتَقَدَّمَ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ مَحَلِّ بْنِ خَلِيفَةَ، عَنْ
عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ فِي فَتْحِ كُنُوزِ كِسْرَى وَانْتِشَارِ الْأَمْنِ
وَفَيَضَانِ الْمَالِ حَتَّى لَا يَتَقَبَّلَهُ أَحَدٌ، وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ
عَدِيًّا شَهِدَ الْفَتْحَ، وَرَأَى الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الْحِيرَةِ
إِلَى مَكَّةَ لَا تَخَافُ إِلَّا اللَّهَ، قَالَ: وَلَئِنْ طَالَتْ بِكُمْ
حَيَاةٌ لَتَرَوُنَّ مَا قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مِنْ كَثْرَةِ الْمَالِ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ. قَالَ
الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ.
قُلْتُ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُتَأَخِّرًا إِلَى زَمَنِ
الْمَهْدِيِّ، كَمَا جَاءَ فِي صِفَتِهِ، أَوْ إِلَى زَمَنِ نُزُولِ عِيسَى بْنِ
مَرْيَمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، بَعْدَ قَتْلِهِ الدَّجَّالَ، فَإِنَّهُ
قَدْ
وَرَدَ فِي " الصَّحِيحِ " أَنَّهُ يَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ، وَيَكْسِرُ
الصَّلِيبَ، وَيَفِيضُ الْمَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ. وَاللَّهُ تَعَالَى
أَعْلَمُ.
وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ
مُهَاجِرِ بْنِ مِسْمَارٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ
قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
" لَا يَزَالُ هَذَا الدِّينُ قَائِمًا مَا كَانَ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً
كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ، ثُمَّ يُخْرِجُ كَذَّابُونَ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ،
وَلَيَفْتَحَنَّ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَنْزَ الْقَصْرِ الْأَبْيَضِ
قَصْرَ كِسْرَى، وَأَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ " الْحَدِيثُ
بِمَعْنَاهُ.
وَتَقَدَّمَ حَدِيثُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَر ٍ، عَنْ هَمَّامٍ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " إِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ
بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ، وَالَّذِي نَفْسِي
بِيَدِهِ لَتُنْفِقُنَّ كُنُوزَهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ "
أَخْرَجَاهُ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: الْمُرَادُ زَوَالُ مُلْكِ قَيْصَرَ عَنِ
الشَّامِ، وَلَا يَبْقَى كَبَقَاءِ مُلْكِهِ عَلَى الرُّومِ; لِقَوْلِهِ، عَلَيْهِ
السَّلَامُ، لَمَّا عَظَّمَ كِتَابُهُ: " ثُبِّتَ مُلْكُهُ ". وَأَمَّا
مُلْكُ فَارِسَ فَبَادٍ بِالْكُلِّيَّةِ لِقَوْلِهِ لَهُ: " مَزَّقَ اللَّهُ
مُلْكَهُ ".
وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ
يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - وَرَوَيْنَا فِي
طَرِيقٍ أُخْرَى، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا
جِيءَ بِفَرْوَةِ كِسْرَى وَسَيْفِهِ وَمِنْطَقَتِهِ وَتَاجِهِ
وَسِوَارَيْهِ،
أَلْبَسَ ذَلِكَ كُلَّهُ لِسُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ وَقَالَ: قُلِ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَلْبَسَ ثِيَابَ كِسْرَى لِرَجُلٍ أَعْرَابِيٍّ مِنَ
الْبَادِيَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنَّمَا أَلْبَسَهُ ذَلِكَ; لِأَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِسُرَاقَةَ وَنَظَرَ إِلَى
ذِرَاعَيْهِ: " كَأَنِّي بِكَ قَدْ لَبِسْتَ سِوَارَيْ كِسْرَى ".
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ
قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:مُثِّلَتْ لِيَ الْحِيرَةُ كَأَنْيَابِ
الْكِلَابِ، وَإِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَهَا ". فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، هَبْ لِيَ ابْنَةَ بُقَيْلَةَ. قَالَ " هِيَ لَكَ ".
فَأَعْطَوْهُ إِيَّاهَا. فَجَاءَ أَبُوهَا فَقَالَ: أَتَبِيعَهَا؟ قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: فَبِكَمْ؟ احْكُمْ مَا شِئْتَ. قَالَ أَلْفُ دِرْهَمٍ. قَالَ: قَدْ
أَخَذْتُهَا. فَقَالُوا لَهُ: لَوْ قُلْتَ ثَلَاثِينَ أَلْفًا لَأَخَذَهَا.
فَقَالَ: وَهَلْ عَدَدٌ أَكْثَرُ مِنْ أَلْفٍ؟.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ،
ثَنَا مُعَاوِيَةُ، عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ حَبِيبٍ، أَنَّ ابْنَ زُغْبٍ الْإِيَادِيَّ
حَدَّثَهُ قَالَ: نَزَلَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوَالَةَ الْأَزْدِيِّ
فَقَالَ لِي: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَوْلَ
الْمَدِينَةِ عَلَى أَقْدَامِنَا لِنَغْنَمَ، فَرَجَعَنَا وَلَمْ نَغْنَمْ
شَيْئًا، وَعَرَفَ الْجَهْدَ فِي وُجُوهِنَا، فَقَامَ فِينَا فَقَالَ: "
اللَّهُمَّ لَا تَكِلْهُمْ إِلَيَّ فَأَضْعُفَ، وَلَا تَكِلْهُمْ إِلَى
أَنْفُسِهِمْ فَيَعْجِزُوا عَنْهَا، وَلَا تَكِلْهُمْ إِلَى النَّاسِ
فَيَسْتَأْثِرُوا عَلَيْهِمْ ". ثُمَّ قَالَ: " لَتُفْتَحَنَّ لَكُمُ
الشَّامُ وَالرُّومُ وَفَارِسُ - أَوِ: الرُّومُ وَفَارِسُ - وَحَتَّى يَكُونَ
لِأَحَدِكُمْ مِنَ الْإِبِلِ كَذَا وَكَذَا، وَمِنَ الْبَقَرِ كَذَا وَكَذَا،
وَمِنَ الْغَنَمِ كَذَا
وَكَذَا،
وَحَتَّى يُعْطَى أَحَدُكُمْ مِائَةَ دِينَارٍ فَيَسْخَطَهَا ". ثُمَّ وَضَعَ
يَدَهُ عَلَى رَأْسِي أَوْ عَلَى هَامَتِي فَقَالَ: " يَا ابْنَ حَوَالَةَ،
إِذَا رَأَيْتَ الْخِلَافَةَ قَدْ نَزَلَتِ الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ فَقَدْ
دَنَتِ الزَّلَازِلُ وَالْبَلَابِلُ وَالْأُمُورُ الْعِظَامُ وَالسَّاعَةُ
يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ إِلَى النَّاسِ مِنْ يَدِي هَذِهِ مِنْ رَأْسِكَ "
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ.
وَقَالَ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ وَيَزِيدُ بْنُ عَبْدِ
رَبِّهِ، قَالَا: ثَنَا بَقِيَّةُ حَدَّثَنِي بُجَيْرُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ خَالِدِ
بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ أَبِي قُتَيْلَةَ، عَنِ ابْنِ حَوَالَةَ، أَنَّهُ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سَيَصِيرُ
الْأَمْرُ إِلَى أَنْ تَكُونَ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ; جُنْدٌ بِالشَّامِ، وَجُنْدٌ
بِالْيَمَنِ، وَجُنْدٌ بِالْعِرَاقِ ". فَقَالَ ابْنُ حَوَالَةَ: خِرْ لِي
يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ. فَقَالَ " عَلَيْكَ بِالشَّامِ;
فَإِنَّهُ خِيرَةُ اللَّهِ مَنْ أَرْضِهِ يَجْتَبِي إِلَيْهِ خِيرَتَهُ مِنْ
عِبَادِهِ، فَإِنْ أَبَيْتُمْ فَعَلَيْكُمْ بِيَمَنِكُمْ وَاسْقُوا مِنْ غُدُرِهِ;
فَإِنَّ اللَّهَ تَكَفَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ " وَهَكَذَا رَوَاهُ
أَبُو دَاوُدَ، عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ بِهِ. وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ
أَيْضًا، عَنْ عِصَامِ بْنِ خَالِدٍ وَعَلِيِّ بْنِ عَيَّاشٍ، كِلَاهُمَا عَنْ
حَرِيزِ
بْنِ
عُثْمَانَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ شُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوَالَةَ،
فَذَكَرَ نَحْوَهُ. وَرَوَاهُ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ الدِّمَشْقِيُّ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ مَكْحُولٍ وَرَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ
أَبِي إِدْرِيسَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوَالَةَ بِهِ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ،
أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، ثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، ثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنِي أَبُو
عَلْقَمَةَ نَصْرُ بْنُ عَلْقَمَةَ، يَرُدُّ الْحَدِيثَ إِلَى جُبَيْرِ بْنِ
نُفَيْرٍ قَالَ:قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَوَالَةَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ الْعُرْيَ
وَالْفَقْرَ وَقِلَّةَ الشَّيْءِ، فَقَالَ: " أَبْشِرُوا، فَوَاللَّهِ
لَأَنَا بِكَثْرَةِ الشَّيْءِ أَخْوَفُنِي عَلَيْكُمْ مِنْ قِلَّتِهِ، وَاللَّهِ
لَا يَزَالُ هَذَا الْأَمْرُ فِيكُمْ حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ أَرْضَ
الشَّامِ - أَوْ قَالَ: أَرْضَ فَارِسَ - وَأَرْضَ الرُّومِ وَأَرْضَ حِمْيَرَ،
وَحَتَّى تَكُونُوا أَجْنَادًا ثَلَاثَةً; جُنْدًا بِالشَّامِ، وَجُنْدًا
بِالْعِرَاقِ، وَجُنْدًا بِالْيَمَنِ، وَحَتَّى يُعْطَى الرِّجْلُ الْمِائَةَ
فَيَسْخَطَهَا ". قَالَ ابْنُ حَوَالَةَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
وَمَنْ يَسْتَطِيعُ الشَّامَ وَبِهِ الرُّومُ ذَوَاتُ الْقُرُونِ؟! قَالَ: "
وَاللَّهِ لَيَفْتَحَنَّهَا اللَّهُ عَلَيْكُمْ، وَلَيَسْتَخْلِفَنَّكُمْ فِيهَا،
حَتَّى تَظَلَّ الْعِصَابَةُ الْبَيْضُ مِنْهُمْ قُمُصُهُمْ، الْمُلْحِمَةُ
أَقْفَاؤُهُمْ قِيَامًا عَلَى الرُّوَيْجِلِ الْأَسْوَدِ مِنْكُمُ الْمَحْلُوقِ،
مَا أَمَرَهُمْ مِنْ شَيْءٍ فَعَلُوهُ " وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، قَالَ أَبُو
عَلْقَمَةَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ جُبَيْرٍ
يَقُولُ:
فَعَرَفَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعْتَ
هَذَا الْحَدِيثِ فِي جَزْءِ بْنِ سُهَيْلٍ السُّلَمِيِّ، وَكَانَ عَلَى
الْأَعَاجِمِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، فَكَانُوا إِذَا رَجَعُوا إِلَى الْمَسْجِدِ
نَظَرُوا إِلَيْهِ وَإِلَيْهِمْ قِيَامًا حَوْلَهُ، فَيَتَعَجَّبُونَ لِنَعْتِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ وَفِيهِمْ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، ثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي
يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ لَقِيطٍ التُّجِيبِيِّ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوَالَةَ الْأَزْدِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ نَجَا مِنْ ثَلَاثٍ فَقَدْ نَجَا
". قَالُوا: مَاذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " مَوْتِي، وَمِنْ قَتْلِ
خَلِيفَةٍ مُصْطَبِرٍ بِالْحَقِّ يُعْطِيهِ، وَالدَّجَّالِ "
وَقَالَ أَحْمَدُ: ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثَنَا الْجُرَيْرِيُّ،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوَالَةَ قَالَ:
أَتَيْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ جَالِسٌ
فِي ظِلِّ دَوْمَةٍ، وَعِنْدَهُ كَاتِبٌ لَهُ يُمْلِي عَلَيْهِ، فَقَالَ:أَلَّا
نَكْتُبُكَ يَا ابْنَ حَوَالَةَ؟ " قُلْتُ: لَا أَدْرِي مَا خَارَ اللَّهُ
لِي وَرَسُولُهُ. فَأَعْرَضُ عَنِّي وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ مَرَّةً فِي الْأُولَى:
" نَكْتُبُكَ يَا ابْنَ حَوَالَةَ؟ " قُلْتُ: فِيمَ يَا رَسُولَ
اللَّهِ؟
فَأَعْرَضَ
عَنِّي - وَأَكَبَّ عَلَى كَاتِبِهِ يُمْلِي عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: " أَلَّا
نَكْتُبُكَ يَا ابْنَ حَوَالَةَ؟ " قُلْتُ: لَا أَدْرِي مَا خَارَ اللَّهُ
لِي وَرَسُولُهُ. فَأَعْرَضَ عَنِّي وَأَكَبَّ عَلَى كَاتِبِهِ يُمْلِي عَلَيْهِ.
قَالَ: فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِي الْكِتَابِ عُمَرُ، فَقُلْتُ: إِنَّ عُمَرَ لَا
يَكْتُبُ إِلَّا فِي خَيْرٍ. ثُمَّ قَالَ: " أَنَكْتُبُكَ يَا ابْنَ
حَوَالَةَ؟ " قُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ: " يَا ابْنَ حَوَالَةَ، كَيْفَ
تَفْعَلُ فِي فِتْنَةٍ تَخْرُجُ فِي أَطْرَافِ الْأَرْضِ كَأَنَّهَا صَيَاصِي
بَقَرٍ؟ " قُلْتُ: لَا أَدْرِي مَا خَارَ اللَّهُ لِي وَرَسُولُهُ. قَالَ:
" فَكَيْفَ تَفْعَلُ فِي أُخْرَى تَخْرُجُ بَعْدَهَا كَأَنَّ الْأُولَى
مِنْهَا انْتِفَاجَةُ أَرْنَبٍ؟ " قُلْتُ: لَا أَدْرِي مَا خَارَ اللَّهُ لِي
وَرَسُولُهُ. قَالَ: " اتَّبِعُوا هَذَا ". قَالَ: وَرَجُلٌ مُقَفٍّ
حِينَئِذٍ. قَالَ: فَانْطَلَقْتُ فَسَعَيْتُ وَأَخَذْتُ بِمَنْكِبِهِ،
فَأَقْبَلْتُ بِوَجْهِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقُلْتُ: هَذَا؟ قَالَ: " نَعَمْ ". قَالَ فَإِذَا هُوَ عُثْمَانُ بْنُ
عَفَّانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
وَثَبَتَ فِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ آدَمَ،
عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ سَهْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" مَنَعَتِ الْعِرَاقُ دِرْهَمَهَا وَقَفِيزَهَا، وَمَنَعَتِ الشَّامُ
مُدْيَهَا وَدِينَارَهَا، وَمَنَعَتْ مِصْرُ إِرْدَبَّهَا وَدِينَارَهَا،
وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ، وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ،
وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ شَهِدَ عَلَى ذَلِكَ لَحْمُ أَبِي هُرَيْرَةَ
وَدَمُهُ. قَالَ يَحْيَى بْنُ آدَمَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ
الْعِلْمِ:
هَذَا مِنْ دَلَائِلَ النُّبُوَّةِ; حَيْثُ أَخْبَرَ عَمَّا ضَرَبَهُ عُمَرُ عَلَى
أَرْضِ الْعِرَاقِ مِنَ الدَّرَاهِمِ وَالْقُفْزَانِ، وَعَمَّا ضَرَبَ مِنَ
الْخَرَاجِ بِالشَّامِ وَمِصْرَ، قَبْلَ وُجُودِ ذَلِكَ، صَلَوَاتُ اللَّهِ
وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ. وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ، عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: " مَنَعَتِ الْعِرَاقُ ". إِلَى آخِرِهِ،
فَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ يُسْلِمُونَ فَيَسْقُطُ عَنْهُمُ الْخَرَاجُ.
وَرَجَّحَهُ الْبَيْهَقِيُّ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ يَرْجِعُونَ عَنِ
الطَّاعَةِ وَلَا يُؤَدُّونَ الْخَرَاجَ الْمَضْرُوبَ عَلَيْهِمْ، وَلِهَذَا
قَالَ: " وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ ". أَيْ رَجَعْتُمْ إِلَى
مَا كُنْتُمْ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ، كَمَا ثَبَتَ فِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ:
" إِنَّ الْإِسْلَامَ بَدَأَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا، فَطُوبَى
لِلْغُرَبَاءِ "
وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْقَوْلَ مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا
إِسْمَاعِيلُ عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ
جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ: يُوشِكُ أَهْلُ الْعِرَاقِ أَنْ لَا يَجِيءَ
إِلَيْهِمْ قَفِيزٌ وَلَا دِرْهَمٌ. قُلْنَا: مَنْ أَيْنَ ذَاكَ؟ قَالَ: مِنْ قِبَلِ
الْعَجَمِ، يَمْنَعُونَ ذَلِكَ. ثُمَّ قَالَ: يُوشِكُ أَهْلُ الشَّامِ أَنْ لَا
يَجِيءَ إِلَيْهِمْ دِينَارٌ وَلَا مُدْيٌ. قُلْنَا: مِنْ أَيْنَ ذَاكَ؟ قَالَ:
مِنْ قِبَلِ الرُّومِ، يَمْنَعُونَ ذَاكَ. قَالَ: ثُمَّ سَكَتَ هُنَيْهَةً. ثُمَّ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَكُونُ
فِي آخِرِ أُمَّتِي خَلِيفَةٌ يَحْثِي الْمَالَ حَثْيًا، لَا يَعُدُّهُ عَدًّا
". قَالَ الْجُرَيْرِيُّ: فَقُلْتُ لِأَبِي نَضْرَةَ وَأَبِي الْعَلَاءِ:
أَتَرَيَانِهِ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ؟ فَقَالَا: لَا. وَقَدْ رَوَاهُ
مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُلَيَّةَ
وَعَبْدِ
الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ، كِلَاهُمَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ إِيَاسٍ الْجُرَيْرِيُّ،
عَنْ أَبِي نَضْرَةَ الْمُنْذِرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ قِطْعَةَ الْعَبْدِيِّ، عَنْ
جَابِرٍ كَمَا تَقَدَّمَ. وَالْعَجَبُ أَنَّ الْحَافِظَ أَبَا بَكْرٍ
الْبَيْهَقِيَّ احْتَجَّ بِهِ عَلَى مَا رَجَّحَهُ مِنْ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ
الْمُتَقَدِّمَيْنِ. وَفِيمَا سَلَكَهُ نَظَرٌ، وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ.
وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا
الْحُلَيْفَةِ، وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ، وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ
يَلَمْلَمَ. وَفِي " صَحِيحِ " مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ: وَلِأَهْلِ
الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ. فَهَذَا مِنْ دَلَائِلَ النُّبُوَّةِ، حَيْثُ أَخْبَرَ
عَمَّا وَقَعَ مِنْ حَجِّ أَهْلِ الشَّامِ وَالْيَمَنِ وَالْعِرَاقِ، صَلَوَاتُ
اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ.
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ
عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَيَأْتِينَّ عَلَى النَّاسِ
زَمَانٌ يَغْزُو فِيهِ فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَيُقَالُ لَهُمْ: هَلْ فِيكُمْ
مَنْ صَحِبَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَيُقَالُ:
نَعَمْ. فَيُفْتَحُ لَهُمْ، ثُمَّ يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَغْزُو فِيهِ
فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَيُقَالُ لَهُمْ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ صَحِبَ أَصْحَابَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَيُقَالُ: نَعَمْ.
فَيُفْتَحُ لَهُمْ، ثُمَّ يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَغْزُو فِيهِ فِئَامٌ
مِنَ النَّاسِ، فَيُقَالُ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ صَحِبَ مَنْ صَاحَبَهُمْ؟ فَيُقَالُ:
نَعَمْ. فَيُفْتَحُ لَهُمْ "
وَثَبَتَ
فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي
الْغَيْثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ "
الْجُمُعَةِ " وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ [ الْجُمُعَةِ:
3 ]. فَقَالَ رَجُلٌ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَوَضْعُ يَدِهِ عَلَى
سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ وَقَالَ: " لَوْ كَانَ الْإِيمَانُ عِنْدَ
الثُّرَيَّا لَنَالَهُ رِجَالٌ مِنْ هَؤُلَاءِ " وَهَكَذَا وَقَعَ كَمَا
أَخْبَرَ بِهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
وَرَوَى الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ عِرْقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ
لَتُفْتَحَنَّ عَلَيْكُمْ فَارِسُ وَالرُّومُ حَتَّى يَكْثُرَ الطَّعَامُ فَلَا يُذْكَرُ
عَلَيْهِ اسْمُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ "
وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ عَدِيٍّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ،
مِنْ حَدِيثِ أَوْسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَخِيهِ سَهْلٍ،
عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ بُرَيْدَةَ بْنِ
الْحُصَيْبِ مَرْفُوعًا: سَتُبْعَثُ بُعُوثٌ فَكُنْ فِي بَعْثِ خُرَاسَانَ، ثُمَّ
اسْكُنْ مَدِينَةَ مَرْوٍ; فَإِنَّهُ بَنَاهَا ذُو الْقَرْنَيْنِ، وَدَعَا لَهَا
بِالْبَرَكَةِ، وَقَالَ: لَا يُصِيبُ أَهْلَهَا سُوءٌ " وَهَذَا الْحَدِيثُ يُعَدُّ
مِنْ غَرَائِبِ " الْمُسْنَدِ "، وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهُ
مَوْضُوعًا. فَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ
جَمِيعِ طُرُقِهِ فِي قِتَالِ التُّرْكِ، وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ كَمَا أَخْبَرَ
بِهِ سَوَاءً بِسَوَاءٍ، وَسَيَقَعُ أَيْضًا.
وَفِي
" صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، عَنْ فُرَاتٍ
الْقَزَّازِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ
تَسُوسُهُمُ الْأَنْبِيَاءُ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ
لَا نَبِيَّ بَعْدِي، وَإِنَّهُ سَيَكُونُ خُلَفَاءُ فَيُكْثُرُونَ ".
قَالُوا فَمَا تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ " فُوا بِبَيْعَةَ
الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ، وَأَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ
عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ
وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " مَا كَانَ نَبِيٌّ إِلَّا كَانَ لَهُ حَوَارِيُّونَ يَهْدُونَ
بِهَدْيهِ، وَيَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِهِ، ثُمَّ يَكُونُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ
يَقُولُونَ مَالَا يَفْعَلُونَ، وَيَعْمَلُونَ مَا يُنْكِرُونَ "
وَرَوَى الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ
بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ الْجُمَحِيِّ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ،
عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَكُونُ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ خُلَفَاءُ يَعْمَلُونَ
بِكِتَابِ اللَّهِ، وَيَعْدِلُونَ فِي عِبَادِ اللَّهِ، ثُمَّ يَكُونُ مِنْ بَعْدِ
الْخُلَفَاءِ مُلُوكٌ يَأْخُذُونَ بِالثَّأْرِ، وَيَقْتُلُونَ الرِّجَالَ،
وَيَصْطَفُونَ الْأَمْوَالَ، فَمُغَيِّرٌ بِيَدِهِ وَمُغَيِّرٌ بِلِسَانِهِ،
وَمُغَيِّرٌ بِقَلْبِهِ وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الْإِيمَانِ شَيْءٌ
وَقَالَ
أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: ثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ، عَنْ أَبِي
عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:إِنَّ اللَّهَ بَدَأَ هَذَا الْأَمْرَ نُبُوَّةً
وَرَحْمَةً، وَكَائِنًا خِلَافَةً وَرَحْمَةً، وَكَائِنًا مُلْكًا عَضُوضًا،
وَكَائِنًا عِزَّةً وَجَبْرِيَّةً وَفَسَادًا فِي الْأُمَّةِ، يَسْتَحِلُّونَ
الْفُرُوجَ وَالْخُمُورَ وَالْحَرِيرَ، وَيُنْصَرُونَ عَلَى ذَلِكَ، وَيُرْزَقُونَ
أَبَدًا حَتَّى يَلْقَوُا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ " وَهَذَا كُلُّهُ وَاقِعٌ.
وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ
وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ
جُمْهَانَ، عَنْ سَفِينَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
" الْخِلَافَةُ بَعْدِي ثَلَاثُونَ سَنَةً، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا "
وَفِي رِوَايَةٍ: " ثُمَّ يُؤْتِي اللَّهُ مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ "
وَهَكَذَا وَقَعَ سَوَاءً; فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَانَتْ
خِلَافَتُهُ سَنَتَيْنِ وَأَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ إِلَّا عَشْرَ لَيَالٍ، وَكَانَتْ
خِلَافَةُ عُمَرَ عَشْرَ سِنِينَ وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ وَأَرْبَعَةَ أَيَّامٍ،
وَخِلَافَةُ عُثْمَانَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً إِلَّا اثْنَتَيْ عَشَرَ
يَوْمًا، وَكَانَتْ خِلَافَةُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ خَمْسَ سِنِينَ إِلَّا
شَهْرَيْنِ. قُلْتُ: وَتَكْمِيلُ الثَّلَاثِينَ بِخِلَافَةِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ
نَحْوًا مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، حَتَّى نَزَلَ عَنْهَا لِمُعَاوِيَةَ عَامَ
أَرْبَعِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَتَفْصِيلُهُ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، ثَنَا
مُؤَمَّلٌ، ثَنَا حَمَّادُ
بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " خِلَافَةُ نُبُوَّةٍ ثَلَاثُونَ عَامًا ثُمَّ يُؤْتِي اللَّهُ الْمُلْكَ مَنْ يَشَاءُ " فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: رَضِينَا بِالْمُلْكِ. وَهَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ رَدٌّ صَرِيحٌ عَلَى الرَّوَافِضِ الْمُنْكِرِينَ لِخِلَافَةِ الثَّلَاثَةِ، وَعَلَى النَّوَاصِبِ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ فِي إِنْكَارِ خِلَافَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَإِنْ قِيلَ: فَمَا وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ حَدِيثِ سَفِينَةَ هَذَا وَبَيْنَ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ الْمُتَقَدِّمِ فِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ ": " لَا يَزَالُ هَذَا الدِّينُ قَائِمًا مَا كَانَ فِي النَّاسِ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ؟ فَالْجَوَابُ: إِنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ: إِنَّ الدِّينَ لَمْ يَزَلْ قَائِمًا حَتَّى وَلِيَ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً، ثُمَّ وَقَعَ تَخْبِيطٌ بَعْدَهُمْ فِي زَمَانِ بَنِي أُمَيَّةَ، وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ بِشَارَةٌ بِوُجُودِ اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً عَادِلًا مِنْ قُرَيْشٍ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدُوا عَلَى الْوَلَاءِ، وَإِنَّمَا اتَّفَقَ وُقُوعُ الْخِلَافَةِ الْمُتَتَابِعَةِ بَعْدَ النُّبُوَّةِ فِي ثَلَاثِينَ سَنَةً، ثُمَّ كَانَتْ بَعْدَ ذَلِكَ خُلَفَاءُ رَاشِدُونَ، فَمِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ الْأُمَوِيُّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَقَدْ نَصَّ عَلَى خِلَافَتِهِ وَعَدْلِهِ وَكَوْنِهِ مِنَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ، حَتَّى قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَيْسَ قَوْلُ أَحَدٍ مِنَ التَّابِعَيْنِ حُجَّةً إِلَّا قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَمِنْهُمْ مَنْ ذَكَرَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُهْتَدِيَ بِأَمْرِ اللَّهِ الْعَبَّاسِيَّ، وَالْمَهْدِيَّ الْمُبَشَّرَ بِوُجُودِهِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ مِنْهُمْ أَيْضًا، بِالنَّصِّ
عَلَى
كَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ، وَاسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،
وَلَيْسَ بِالْمُنْتَظَرِ فِي سِرْدَابِ سَامَرَّاءَ ; فَإِنَّ ذَاكَ لَيْسَ
بِمَوْجُودٍ بِالْكُلِّيَّةِ، وَإِنَّمَا يَنْتَظِرُهُ الْجَهَلَةُ مِنَ
الرَّوَافِضِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ
الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَدْعُوَ أَبَاكِ
وَأَخَاكِ وَأَكْتُبَ كِتَابًا; لِئَلَّا يَقُولَ قَائِلٌ أَوْ يَتَمَنَّى
مُتَمَنٍّ " ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ:: يَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ "
وَهَكَذَا وَقَعَ، فَإِنَّ اللَّهَ وَلَّاهُ، وَبَايَعَهُ الْمُؤْمِنُونَ قَاطِبَةً،
كَمَا تَقَدَّمَ.
وَفِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ جِئْتُ فَلَمْ أَجِدْكَ؟ - كَأَنَّهَا تُعَرِّضُ
بِالْمَوْتِ - فَقَالَ: " إِنْ لَمْ تَجِدِينِي فَأْتِيأَبَا بَكْرٍ ".
وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي
هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي عَلَى قَلِيبٍ، فَنَزَعْتُ مِنْهَا مَا شَاءَ
اللَّهُ، ثُمَّ أَخَذَهَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ فَنَزَعَ مِنْهَا ذَنُوبًا أَوْ
ذَنُوبِينَ، وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ، ثُمَّ أَخَذَهَا
ابْنُ الْخَطَّابِ فَاسْتَحَالَتْ غَرْبًا، فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا مِنَ
النَّاسِ يَفْرِي فَرِيَّهُ، حَتَّى ضَرْبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ " قَالَ
الشَّافِعِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ: رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ، وَقَوْلُهُ:
" وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ ". قِصَرُ مُدَّتِهِ، وَعَجَلَةُ مَوْتِهِ،
وَاشْتِغَالُهُ بِحَرْبِ أَهْلِ الرِّدَّةِ عَنِ الْفَتْحِ الَّذِي نَالَهُ عُمَرُ
بْنُ الْخَطَّابِ فِي طُولِ مُدَّتِهِ. قُلْتُ: وَهَذَا فِيهِ الْبِشَارَةُ
بِوِلَايَتِهِمَا
عَلَى النَّاسِ، فَوَقَعَ كَمَا أَخْبَرَ سَوَاءً، وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ
الْآخَرِ الَّذِي رَوَاهُ أَحَمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ
حِبَّانَ، مِنْ حَدِيثِ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ،
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: اقْتَدُوا
بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي; أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا،
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ. وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ
مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَتَقَدَّمَ مِنْ
طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ حَدِيثُ تَسْبِيحِ الْحَصَا
فِي يَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ يَدِ أَبِي
بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرَ، ثُمَّ عُثْمَانَ. وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ: " هَذِهِ خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ.
وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَائِطًا فَدَلَّى رِجْلَيْهِ فِي الْقُفِّ، فَقُلْتُ:
لَأَكُونَنَّ الْيَوْمَ بَوَّابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَجَلَسْتُ خَلْفَ الْبَابِ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: افْتَحْ.
فَقُلْتُ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ. فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " افْتَحْ لَهُ وَبَشَّرَهُ بِالْجَنَّةِ
". ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ فَقَالَ كَذَلِكَ، ثُمَّ جَاءَ عُثْمَانُ فَقَالَ:
" ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تُصِيبُهُ ".
فَدَخَلَ وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُ الْمُسْتَعَانُ
وَثَبَتَ فِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ
أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُحُدًا وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ
وَعُثْمَانُ،
فَرَجَفَ
بِهِمُ الْجَبَلُ، فَضَرَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِرِجْلِهِ وَقَالَ: " اثْبُتْ أُحُدُ، فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ
وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ "
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ
بْنِ سَعْدٍ، أَنْ حِرَاءَ ارْتَجَّ وَعَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ، فَقَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اثْبُتْ، مَا عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ
وَصِدِّيقُ وَشَهِيدَانِ وَقَالَ مَعْمَرٌ: قَدْ سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ.
وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنِ الدَّارَوَرْدِيِّ عَنْ، سُهَيْلٍ،
عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَلَى حِرَاءَ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ
وَعَلِيٌّ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ، فَتَحَرَّكَتِ الصَّخْرَةُ، فَقَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اهْدَأْ، فَمَا عَلَيْكَ
إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ ". وَهَذَا مِنْ دَلَائِلِ
النُّبُوَّةِ; فَإِنَّ هَؤُلَاءِ كُلَّهُمْ أَصَابُوا الشَّهَادَةَ، وَاخْتُصَّ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَعْلَى مَرَاتِبِ
الرِّسَالَةِ وَالنُّبُوَّةِ، وَاخْتُصَّ أَبُو بَكْرٍ بِأَعْلَى مَقَامَاتِ
الصِّدِّيقِيَّةِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ الشَّهَادَةُ لِلْعَشَرَةِ
بِالْجَنَّةِ بَلْ لِجَمِيعِ مَنْ شَهِدَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ عَامَ
الْحُدَيْبِيَةِ. وَكَانُوا أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ، وَقِيلَ:
وَثَلَاثَمِائَةٍ. وَقِيلَ: خَمْسَمِائَةٍ. فَكُلُّهُمُ اسْتَمَرَّ عَلَى
السَّدَادِ وَالِاسْتِقَامَةِ حَتَّى مَاتَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ.
وَثَبَتَ فِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " الْبِشَارَةُ
لِعُكَّاشَةَ
بِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَقُتِلَ شَهِيدًا يَوْمَ الْيَمَامَةِ.
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ،
عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ أَمْتَى سَبْعُونَ
أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ، تُضِيءُ وُجُوهُهُمْ إِضَاءَةَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ
الْبَدْرِ ". فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ الْأَسَدِيُّ يَجُرُّ نَمِرَةً
عَلَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي
مِنْهُمْ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ ". ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. فَقَالَ:
" سَبَقَكَ بِهَاعُكَّاشَةُ. وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ
مُتَعَدِّدَةٍ تُفِيدُ الْقَطْعَ، وَسَنُورِدُهُ فِي بَابِ صِفَةِ الْجَنَّةِ،
وَسَنَذْكُرُ فِي قِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ أَنَّ طُلَيْحَةَ الْأَسَدِيَّ قَتَلَ
عُكَّاشَةَ بْنَ مِحْصَنٍ شَهِيدًا، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، ثُمَّ رَجَعَ
طُلَيْحَةُ الْأَسَدِيُّ عَمَّا كَانَ يَدَّعِيهِ مِنَ النُّبُوَّةِ وَتَابَ إِلَى
اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَدِمَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ، وَاعْتَمَرَ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ،
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " بَيْنَا
أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ كَأَنَّهُ وُضِعَ فِي يَدَيَّ سِوَارَانِ فَفَظِعْتُهُمَا
فَأُوحِيَ إِلَيَّ فِي الْمَنَامِ أَنِ انْفُخْهُمَا، فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا،
فَأَوَّلْتُهُمَا كَذَّابَيْنِ يَخْرُجَانِ; صَاحِبُ صَنْعَاءَ، وَصَاحِبُ
الْيَمَامَةِ " وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْوُفُودِأَنَّهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ،
قَالَ لِمُسَيْلِمَةَ حِينَ قَدِمَ مَعَ قَوْمِهِ وَجَعَلَ يَقُولُ: إِنْ جَعَلَ
لِي مُحَمَّدٌ الْأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ اتَّبَعْتُهُ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ لَهُ: " وَاللَّهِ لَوْ
سَأَلْتَنِي هَذَا الْعَسِيبَ مَا أَعْطَيْتُكَهُ، وَلَئِنْ أَدْبَرْتَ
لَيَعْقِرَنَّكَ اللَّهُ، وَإِنِّي لَأَرَاكَ الَّذِي أُرِيتُ فِيهِ مَا أُرِيتُ
". وَهَكَذَا وَقَعَ; عَقَرَهُ اللَّهُ وَأَهَانَهُ وَكَسَرَهُ وَغَلَبَهُ
يَوْمَ الْيَمَامَةِ، كَمَا قَتَلَ الْأَسْوَدَ الْعَنْسِيَّ بِصَنْعَاءَ، عَلَى
مَا سَنُورِدُهُ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ،
عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَقِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مُسَيْلِمَةَ، فَقَالَ لَهُ مُسَيْلِمَةُ: أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ فَقَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " آمَنْتُ بِاللَّهِ
وَبِرُسُلِهِ ". ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ أُخِّرَ لِهَلَكَةِ قَوْمِهِ "
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِأَنَّ مُسَيْلِمَةَ كَتَبَ بَعْدَ ذَلِكَ
إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ; مِنْ مُسَيْلِمَةِ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ،
سَلَامٌ عَلَيْكَ; أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي قَدْ أُشْرِكْتُ فِي الْأَمْرِ مَعَكَ;
فَلَكَ الْمَدَرُ وَلِيَ الْوَبَرُ، وَلَكِنَّ قُرَيْشًا قَوْمٌ يَعْتَدُونَ.
فَكَتَبَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى
مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ، سَلَامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى; أَمَّا بَعْدُ
فَإِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ،
وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ
وَقَدْ
جَعَلَ اللَّهُ الْعَاقِبَةَ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَأَصْحَابِهِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ; لِأَنَّهُمْ هُمُ الْمُتَّقُونَ، وَهُمُ
الْعَادِلُونَ الْمُؤْمِنُونَ، لَا مَنْ عَدَاهُمْ. وَقَدْ وَرَدَتِ الْأَحَادِيثُ
الْمَرْوِيَّةُ مِنْ طَرْقٍ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
الْإِخْبَارِ عَنِ الرِّدَّةِ الَّتِي وَقَعَتْ فِي زَمَنِ الصِّدِّيقِ،
فَقَاتَلَهُمُ الصِّدِّيقُ بِالْجُنُودِ الْمُحَمَّدِيَّةُ حَتَّى رَجَعُوا إِلَى
دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا، وَعَذُبَ مَاءُ الْإِيمَانِ كَمَا كَانَ، بَعْدَ مَا
صَارَ أُجَاجًا، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ
يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ
وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ
الْآيَةَ. [ الْمَائِدَةِ: 54 ].
قَالَ الْمُفَسِّرُونَ هُمْ أَبُو بَكْرٍ وَأَصْحَابُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ،
عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ مُسَارَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَتَهُ فَاطِمَةَ وَإِخْبَارِهِ إِيَّاهَا بِأَنَّ
جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُهُ بِالْقُرْآنِ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً، "
وَأَنَّهُ عَارَضَنِي الْعَامَ مَرَّتَيْنِ، وَمَا أَرَى ذَلِكَ إِلَّا
لِاقْتِرَابِ أَجَلِي فَبَكَتْ، ثُمَّ سَارَّهَا فَأَخْبَرَهَا بِأَنَّهَا
سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَأَنَّهَا أَوَّلُ أَهْلِهِ لُحُوقًا بِهِ،
فَكَانَ كَمَا أَخْبَرَ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَاخْتَلَفُوا فِي مُكْثِ
فَاطِمَةَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقِيلَ:
شَهْرَانِ. وَقِيلَ: ثَلَاثَةٌ. وَقِيلَ: سِتَّةٌ. وَقِيلَ: ثَمَانِيَةٌ. قَالَ:
وَأَصَحُّ الرِّوَايَاتِ رِوَايَةُ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ
قَالَتْ: مَكَثَتْ فَاطِمَةُ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ. أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ.
وَمِنْ
كِتَابِ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ فِي بَابِ إِخْبَارِهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ، عَنِ الْغُيُوبِ الْمُسْتَقْبَلَةِ
فَمِنْ ذَلِكَ مَا ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ
إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ
قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
إِنَّهُ قَدْ كَانَ فِي الْأُمَمِ مُحَدَّثُونَ، فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي
فَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ "
وَقَدْ قَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى،
أَنَا أَبُو إِسْرَائِيلَ، كُوفِيٌّ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ الْعَيْزَارِ، عَنْ
عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: مَا كُنَّا
نُنْكِرُ وَنَحْنُ مُتَوَافِرُونَ - أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أَنَّ السِّكِّينَةَ تَنْطِقُ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ. قَالَ
الْبَيْهَقِيُّ: تَابَعَهُ زِرُّ بْنُ حُبَيْشٍ وَالشَّعْبِيُّ عَنْ عَلِيٍّ.
قَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: ثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثَنَا
شُعْبَةُ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: كُنَّا
نَتَحَدَّثُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَنْطِقُ عَلَى لِسَانِ مَلَكٍ، وَقَدْ
ذَكَرْنَا فِي " سِيرَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ "، رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ، أَشْيَاءَ كَثِيرَةً، مِنْ مُكَاشَفَاتِهِ وَمَا كَانَ يُخْبِرُ بِهِ مِنَ
الْمُغَيَّبَاتِ، كَقِصَّةِ سَارِيَةَ بْنِ زُنَيْمٍ،
وَمَا
شَاكَلَهَا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
وَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ فِرَاسٍ، عَنِ
الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ
نِسَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْتَمَعْنَ عِنْدَهُ،
فَقُلْنَ يَوْمًا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّنَا أَسْرَعُ بِكَ لُحُوقًا؟
فَقَالَ: " أَطْوَلُكُنَّ يَدًا ". وَكَانَتْ سَوْدَةُ أَطْوَلَنَا
ذِرَاعًا، فَكَانَتْ أَسْرَعَنَا بِهِ لُحُوقًا. هَكَذَا وَقَعَ فِي "
الصَّحِيحِ " عِنْدَ الْبُخَارِيِّ أَنَّهَا سَوْدَةُ، وَقَدْ رَوَاهُ
يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ،
فَذَكَرَ الْحَدِيثَ مُرْسَلًا، وَقَالَ: فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ زَيْنَبُ عَلِمْنَ
أَنَّهَا كَانَتْ أَطْوَلَهُنَّ يَدًا فِي الْخَيْرِ وَالصَّدَقَةِ. وَالَّذِي
رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ غَيْلَانَ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ مُوسَى،
عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ، عَنْ
عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَذَكَرَتِ الْحَدِيثَ،
وَفِيهِ: فَكَانَتْ زَيْنَبُ أَطْوَلَنَا يَدًا; لِأَنَّهَا كَانَتْ تَعْمَلُ
بِيَدِهَا وَتَصَدَّقُ. وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ عُلَمَاءِ التَّارِيخِ
أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ كَانَتْ أَوَّلَ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَاةً. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: تُوُفِّيَتْ سَنَةَ
عِشْرِينَ، وَصَلَّى عَلَيْهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. قُلْتُ: وَأَمَّا
سَوْدَةُ فَإِنَّهَا تُوُفِّيَتْ فِي آخِرِ إِمَارَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ
أَيْضًا. قَالَهُ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ.
وَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أُسَيْرِ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ
عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي قِصَّةِ أُوَيْسٍ الْقَرَنِيِّ، وَإِخْبَارِهِ،
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، عَنْهُ بِأَنَّهُ خَيْرُ التَّابِعِينَ
وَأَنَّهُ
كَانَ بِهِ بَرَصٌ، فَدَعَا اللَّهَ فَأَذْهَبَهُ عَنْهُ، إِلَّا مَوْضِعًا قَدْرَ
الدِّرْهَمِ مِنْ جَسَدِهِ، وَأَنَّهُ بَارٌّ بِأُمِّهِ، وَأَمْرُهُ لِعُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ أَنَّ يَسْتَغْفِرَ لَهُ، وَقَدْ وُجِدَ هَذَا الرَّجُلُ فِي زَمَانِ
عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَلَى الصِّفَةِ وَالنَّعْتِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي
الْحَدِيثِ سَوَاءً، وَقَدْ ذَكَرْتُ طُرُقَ هَذَا الْحَدِيثِ وَأَلْفَاظَهُ
وَالْكَلَامَ عَلَيْهِ مُطَوَّلًا فِي الَّذِي جَمَعْتُهُ مِنْ " مُسْنَدِ
عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ "، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدِ
وَالْمِنَّةُ.
وَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي
شَيْبَةَ، ثَنَا وَكِيعٌ، ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُمَيْعٍ،
حَدَّثَتْنِي جَدَّتِي وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَلَّادٍ الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ
أُمِّ وَرَقَةَ بِنْتِ نَوْفَلٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لَمَّا غَزَا بَدْرًا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ائْذَنْ لِي فِي الْغَزْوِ
مَعَكَ أُمَرِّضُ مَرْضَاكُمْ، لَعَلَّ اللَّهَ يَرْزُقُنِي الشَّهَادَةَ. فَقَالَ
لَهَا: " قِرِّي فِي بَيْتِكِ فَإِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُكِ الشَّهَادَةَ
" فَكَانَتْ تُسَمَّى الشَّهِيدَةُ، وَكَانَتْ قَدْ قَرَأَتِ الْقُرْآنَ،
فَاسْتَأْذَنَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَتَّخِذَ فِي
بَيْتِهَا مُؤَذِّنًا، فَأَذِنَ لَهَا، وَكَانَتْ دَبَّرَتْ غُلَامًا لَهَا
وَجَارِيَةً، فَقَامَا إِلَيْهَا بِاللَّيْلِ، فَغَمَّاهَا فِي قَطِيفَةٍ لَهَا
حَتَّى مَاتَتْ وَذَهَبَا، فَأَصْبَحَ عُمَرُ، فَقَامَ فِي النَّاسِ، وَقَالَ:
مَنْ عِنْدَهُ مِنْ هَذَيْنَ عِلْمٌ أَوْ مَنْ رَآهُمَا فَلْيَجِيءْ بِهِمَا -
يَعْنِي فَجِيءَ بِهِمَا -
فَأَمَرَ
بِهِمَا فَصُلِبَا، وَكَانَا أَوَّلَ مَصْلُوبَيْنِ بِالْمَدِينَةِ. وَقَدْ
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي نُعَيْمٍ، ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ
جُمَيْعٍ، حَدَّثَتْنِي جَدَّتِي، عَنْ أُمِّ وَرَقَةَ بِنْتِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
الْحَارِثِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزُورُهَا
وَيُسَمِّيهَا الشَّهِيدَةَ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِي آخِرِهِ: فَقَالَ عُمَرُ:
صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: "
انْطَلَقُوا بِنَا نَزُورُ الشَّهِيدَةَ
وَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي إِدْرِيسَ
الْخَوْلَانِيِّ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ فِي حَدِيثِهِ، عَنْهُ فِي الْآيَاتِ
السِّتِّ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَفِيهِ: " ثُمَّ مُوتَانٌ يَأْخُذُكُمْ كَقُعَاصِ
الْغَنَمِ وَهَذَا قَدْ وَقَعَ فِي أَيَّامِ عُمَرَ، وَهُوَ طَاعُونُ عَمَوَاسَ
سَنَةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ، وَمَاتَ بِسَبَبِهِ جَمَاعَاتٌ مِنْ سَادَاتِ
الصَّحَابَةِ، مِنْهُمْ، مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ، وَيَزِيدُ بْنُ
أَبِي سُفْيَانَ، وَشُرَحْبِيلُ بْنُ حَسَنَةَ، وَأَبُو جَنْدَلٍ سَهْلُ بْنُ
عُمَرَ، وَأَبُوهُ، وَالْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمَطْلَبِ، رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ.
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، ثَنَا النَّهَّاسُ بْنُ
قَهْمٍ، ثَنَا شَدَّادُ أَبُو
عَمَّارٍ،
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " سِتٌّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ; مَوْتِي، وَفَتْحُ بَيْتِ
الْمَقْدِسِ، وَمَوْتٌ يَأْخُذُ فِي النَّاسِ كَقُعَاصٍ الْغَنَمِ، وَفِتْنَةٌ
يَدْخُلُ حَرْبُهَا بَيْتَ كُلِّ مُسْلِمٍ، وَأَنْ يُعْطَى الرَّجُلُ أَلْفَ
دِينَارٍ فَيَسْخَطَهَا، وَأَنْ يَغْدُرَ الرُّومُ فَيَسِيرُونَ إِلَيْكُمْ
بِثَمَانِينَ بَنْدًا، تَحْتَ كُلِّ بَنْدٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا "
وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي
إِسْحَاقَ، ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثَنَا بَحْرُ بْنُ
نَصْرٍ، ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ حَيَّانَ، أَنَّهُ سَمِعَ سُلَيْمَانَ بْنَ مُوسَى يَذْكُرُ أَنَّ
الطَّاعُونَ وَقَعَ بِالنَّاسِ يَوْمَ جِسْرِ عَمُوسَةَ، فَقَامَ عَمْرُو بْنُ
الْعَاصِ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا هَذَا الْوَجَعُ رِجْسٌ
فَتَنَحُّوا عَنْهُ. فَقَامَ شُرَحْبِيلُ بْنُ حَسَنَةَ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا
النَّاسُ، إِنِّي قَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ صَاحِبِكُمْ، وَإِنِّي وَاللَّهِ لَقَدْ
أَسْلَمْتُ وَصَلَّيْتُ وَإِنَّ عَمْرًا لَأَضَلُّ مِنْ بَعِيرِ أَهْلِهِ،
وَإِنَّمَا هُوَ بَلَاءٌ أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَاصْبِرُوا. فَقَامَ
مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي قَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ
صَاحِبَيْكُمْ هَذَيْنَ، وَإِنَّ هَذَا الطَّاعُونَ رَحْمَةٌ بِكُمْ، وَدَعْوَةُ
نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنِّي قَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّكُمْ
سَتَقْدَمُونَ الشَّامَ فَتَنْزِلُونَ أَرْضًا يُقَالُ لَهَا: أَرْضُ عَمُوسَةَ.
فَيَخْرُجُ بِكُمْ فِيهَا خُرْجَانٌ لَهُ ذُبَابٌ كَذُبَابِ الدُّمَّلِ،
يَسْتَشْهِدُ اللَّهُ بِهِ أَنْفُسَكُمْ وَذَرَارِيَّكُمْ، وَيُزَكِّي بِهِ
أَمْوَالَكُمْ
". اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي قَدْ سَمِعْتُ هَذَا مِنْ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَارْزُقْ مُعَاذًا وَآلَ مُعَاذٍ
مِنْهُ الْحَظَّ الْأَوْفَى، وَلَا تُعَافِهِ مِنْهُ. قَالَ: فَطُعِنَ فِي
السَّبَّابَةِ فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ بَارِكْ فِيهَا،
فَإِنَّكَ إِذَا بَارَكْتَ فِي الصَّغِيرِ كَانَ كَبِيرًا. ثُمَّ طُعِنَ ابْنُهُ
فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ: الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ
الْمُمْتَرِينَ [ يُونُسَ: 94 ]. فَقَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ
الصَّابِرِينَ [ الصَّافَّاتِ: 102 ].
وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ وَجَامِعِ
بْنِ أَبِي رَاشِدٍ، عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: كُنَّا
جُلُوسًا عِنْدَ عُمَرَ فَقَالَ: أَيُّكُمْ يَحْفَظُ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْفِتْنَةِ؟ قُلْتُ: أَنَا. قَالَ: هَاتِ
إِنَّكَ لِجَرِيءٌ. فَقُلْتُ: فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ
وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ، يُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْأَمْرُ
بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ، فَقَالَ لَيْسَ هَذَا أَعْنِي،
إِنَّمَا أَعْنِي الَّتِي تَمُوجُ مَوْجَ الْبَحْرِ. فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا. قَالَ: وَيْحَكَ،
أَيُفْتَحُ الْبَابُ أَمْ يُكْسَرُ؟ قُلْتُ بَلْ يُكْسَرُ. قَالَ: إِذًا لَا
يُغْلَقُ أَبَدًا. قُلْتُ: أَجَلْ. فَقُلْنَا لِحُذَيْفَةَ: فَكَانَ عُمَرُ
يَعْلَمُ مَنِ الْبَابُ؟ قَالَ نَعَمْ، إِنِّي حَدَّثْتُهُ حَدِيثًا لَيْسَ
بِالْأَغَالِيطِ. قَالَ: فَهِبْنَا أَنْ نَسْأَلَ حُذَيْفَةَ مَنِ الْبَابُ،
فَقُلْنَا لِمَسْرُوقٍ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: عُمَرُ. وَهَكَذَا وَقَعَ مِنْ بَعْدِ
مَقْتَلِ عُمَرَ وَقَعَتِ الْفِتَنُ فِي النَّاسِ وَتَأَكَّدَ ظُهُورُهَا بِمَقْتَلِ
عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
وَقَدْ قَالَ يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ
عَزْرَةَ بْنِ قَيْسٍ
قَالَ:
خَطَبَنَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَقَالَ: إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ
بَعَثَنِي إِلَى الشَّامِ، فَحِينَ أَلْقَى بَوَانِيَهُ بَثْنِيَّةً وَعَسَلًا
أَرَادَ أَنْ يُؤْثِرَ بِهَا غَيْرِي وَيَبْعَثَنِي إِلَى الْهِنْدِ. فَقَالَ
رَجُلٌ مِنْ تَحْتِهِ: اصْبِرْ أَيُّهَا الْأَمِيرُ، فَإِنَّ الْفِتَنَ قَدْ
ظَهَرَتْ. فَقَالَ خَالِدٌ: أَمَّا وَابْنُ الْخَطَّابِ حَيٌّ فَلَا، وَإِنَّمَا
ذَاكَ بَعْدَهُ.
وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ،
عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَبْصَرَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عُمَرَ ثَوْبًا فَقَالَ: "
أَجَدِيدٌ ثَوْبُكُ أَمْ غَسِيلٌ؟ " قَالَ: بَلْ غَسِيلٌ. قَالَ "
الْبَسْ جَدِيدًا، وَعِشْ حَمِيدًا، وَمُتْ شَهِيدًا " وَأَظُنُّهُ قَالَ:
" وَيَرْزُقُكَ اللَّهُ قُرَّةَ عَيْنٍ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ".
وَهَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ
بِهِ، ثُمَّ قَالَ النَّسَائِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، أَنْكَرَهُ يَحْيَى
الْقَطَّانُ عَلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الزُّهْرِيِّ مِنْ
وَجْهٍ آخَرَ مُرْسَلًا. قَالَ حَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِنَانِيُّ الْحَافِظُ:
لَا أَعْلَمُ أَحَدًا رَوَاهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ غَيْرَ مَعْمَرٍ، وَمَا
أَحْسَبُهُ بِالصَّحِيحِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قُلْتُ رِجَالُ إِسْنَادِهِ
وَاتِّصَالِهِ عَلَى شَرْطِ " الصَّحِيحَيْنِ "، وَقَدْ قَبِلَ
الشَّيْخَانُ تَفَرُّدَ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي غَيْرِمَا حَدِيثٍ، ثُمَّ
قَدْ رَوَى الْبَزَّارُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ جَابِرِ الْجُعْفِيِّ،
وَهُوَ ضَعِيفٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ،
مَرْفُوعًا
مِثْلَهُ سَوَاءً، وَقَدْ وَقَعَ مَا أَخْبَرَ بِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ;
فَإِنَّهُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قُتِلَ شَهِيدًا وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي
الْفَجْرَ فِي مِحْرَابِهِ مِنَ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ، عَلَى صَاحِبِهِ
أَفْضَلُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ فِي تَسْبِيحِ
الْحَصَا فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرَ، ثُمَّ عُثْمَانَ، وَقَوْلُهُ،
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: " هَذِهِ خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ "
وَقَالَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، أَنَا
حَشْرَجُ بْنُ نُبَاتَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُمْهَانَ، عَنْ سَفِينَةَ قَالَ:
لَمَّا بَنَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسْجِدَ
الْمَدِينَةِ جَاءَ أَبُو بَكْرٍ بِحَجَرٍ فَوَضَعَهُ، ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ
بِحَجَرٍ فَوَضَعَهُ، ثُمَّ جَاءَ عُثْمَانُ بِحَجَرٍ فَوَضَعَهُ، فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَؤُلَاءِ يَكُونُونَ
الْخُلَفَاءَ بَعْدِي وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوَالَةَ
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ثَلَاثٌ مَنْ نَجَا مِنْهُنَّ فَقَدْ
نَجَا; مَوْتِي، وَقَتْلُ خَلِيفَةٍ مُصْطَبِرٍ، وَالدَّجَّالُ " وَفِي
حَدِيثِهِ الْآخَرِ الْأَمْرُ بِاتِّبَاعِ عُثْمَانَ عِنْدَ وُقُوعِ الْفِتْنَةِ.
وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ
بِلَالٍ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ أَبِي نُمَيْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ
أَبِي مُوسَى قَالَ:تَوَضَّأْتُ فِي بَيْتِي، ثُمَّ خَرَجْتُ فَقُلْتُ:
لَأَكُونُنَّ الْيَوْمَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَجِئْتُ الْمَسْجِدَ فَسَأَلْتُ عَنْهُ فَقَالُوا: خَرَجَ وَتَوَجَّهَ هَاهُنَا.
فَخَرَجْتُ فِي أَثَرِهِ حَتَّى جِئْتُ بِئْرَ أَرِيسَ،
وَبَابُهَا مِنْ جَرِيدٍ، فَمَكَثْتُ عِنْدَ بَابِهَا حَتَّى عَلِمْتُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَضَى حَاجَتَهُ وَجَلَسَ، فَجِئْتُهُ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ قَدْ جَلَسَ عَلَى قُفِّ بِئْرِ أَرِيسَ فَتَوَسَّطَهُ، ثُمَّ دَلَّى رِجْلَيْهِ فِي الْبِئْرِ وَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ، فَرَجَعْتُ إِلَى الْبَابِ وَقُلْتُ: لَأَكُونَنَّ بَوَّابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ دَقَّ الْبَابُ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ. قُلْتُ: عَلَى رِسْلِكَ. وَذَهَبْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ. فَقَالَ: " ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ ". قَالَ: فَخَرَجْتُ مُسْرِعًا حَتَّى قُلْتُ لِأَبِي بَكْرٍ: ادْخُلْ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَشِّرُكَ بِالْجَنَّةِ. قَالَ: فَدَخَلَ حَتَّى جَلَسَ إِلَى جَنْبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقُفِّ عَلَى يَمِينِهِ، وَدَلَّى رِجْلَيْهِ وَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ كَمَا صَنَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: ثُمَّ رَجَعْتُ وَقَدْ كُنْتُ تَرَكْتُ أَخِي يَتَوَضَّأُ، وَقَدْ كَانَ قَالَ لِي: أَنَا عَلَى إِثْرِكَ. فَقُلْتُ: إِنْ يُرِدِ اللَّهُ بِفُلَانٍ خَيْرًا يَأْتِ بِهِ. قَالَ: فَسَمِعْتُ تَحْرِيكَ الْبَابِ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: عُمَرُ. قُلْتُ: عَلَى رِسْلِكَ قَالَ: وَجِئْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: " ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ ". قَالَ: فَجِئْتُ وَأَذِنْتُ لَهُ، وَقُلْتُ لَهُ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَشِّرُكَ بِالْجَنَّةِ. قَالَ: فَدَخَلَ حَتَّى جَلَسَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى يَسَارِهِ، وَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ وَدَلَّى رِجْلَيْهِ فِي الْبِئْرِ كَمَا صَنَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو بَكْرٍ. قَالَ: ثُمَّ رَجَعْتُ فَقُلْتُ: إِنْ يُرِدِ اللَّهُ بِفُلَانٍ خَيْرًا يَأْتِ بِهِ - يُرِيدُ أَخَاهُ - فَإِذَا تَحْرِيكُ الْبَابِ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ. قُلْتُ: عَلَى رِسْلِكَ. وَذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ فَقُلْتُ: هَذَا عُثْمَانُ يَسْتَأْذِنُ. فَقَالَ: " ائْذَنْ
لَهُ
وَبَشَّرَهُ بِالْجَنَّةِ مَعَ بَلْوَى أَوْ بَلَاءٍ يُصِيبُهُ ". قَالَ:
فَجِئْتُ فَقُلْتُ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْذَنُ
لَكَ وَيُبَشِّرُكَ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى أَوْ بَلَاءٍ يُصِيبُكَ. فَدَخَلَ
وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُ الْمُسْتَعَانُ. فَلَمْ يَجِدْ فِي الْقُفِّ مَجْلِسًا
فَجَلَسَ وُجَاهَهُمْ مِنْ شِقِّ الْبِئْرِ، وَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ
وَدَلَّاهُمَا فِي الْبِئْرِ كَمَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ
سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ فَأَوَّلْتُهَا قُبُورَهُمُ اجْتَمَعَتْ وَانْفَرَدَ
عُثْمَانُ.
وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ أَبِي
الْمُسَاوِرِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ، عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ بُجَيْرٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ:بَعَثَنِي رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " انْطَلِقْ حَتَّى
تَأْتِيَ أَبَا بَكْرٍ فَتَجِدَهُ فِي دَارِهِ جَالِسًا مُحْتَبِيًا فَقُلْ: إِنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ
وَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالْجَنَّةِ. ثُمَّ انْطَلِقْ حَتَّى تَأْتِيَ الثَّنِيَّةَ،
فَتَلْقَى عُمَرَ رَاكِبًا عَلَى حِمَارٍ تَلُوحُ صَلْعَتُهُ، فَقُلْ: إِنَّ
رَسُولَ اللَّهِ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ وَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالْجَنَّةِ.
ثُمَّ انْصَرِفْ حَتَّى تَأْتِيَ عُثْمَانَ فَتَجِدَهُ فِي السُّوقِ يَبِيعُ
وَيَبْتَاعُ، فَقُلْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ وَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالْجَنَّةِ بَعْدَ بَلَاءٍ
شَدِيدٍ ". فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي ذَهَابِهِ إِلَيْهِمْ، فَوَجَدَ كُلًّا
مِنْهُمْ كَمَا ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَكُلًّا مِنْهُمْ يَقُولُ: أَيْنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ؟ فَيَقُولُ: فِي مَكَانِ كَذَا وَكَذَا. فَيَذْهَبُ إِلَيْهِ، وَأَنَّ
عُثْمَانَ لَمَّا رَجَعَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَيُّ بَلَاءٍ يُصِيبُنِي؟
وَالَّذِي
بَعْثَكَ
بِالْحَقِّ مَا تَغَيَّبْتُ وَلَا تَمَنَّيْتُ وَلَا مَسِسْتُ ذَكَرِي بِيَمِينِي
مُنْذُ بَايَعَتُكَ، فَأَيُّ بَلَاءٍ يُصِيبُنِي؟ فَقَالَ: " هُوَ ذَاكَ
" ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: عَبْدُ الْأَعْلَى ضَعِيفٌ، فَإِنْ كَانَ
حَفِظَ هَذَا الْحَدِيثَ فَيَحْتَمِلُ أَنْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ إِلَيْهِمْ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ، فَجَاءُوا وَأَبُو
مُوسَى جَالِسٌ عَلَى الْبَابِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَهَذَا الْبَلَاءُ الَّذِي
أَصَابَهُ هُوَ مَا اتَّفَقَ وُقُوعُهُ عَلَى يَدَيْ مَنْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ مِنْ
رِعَاعِ أَهْلِ الْأَمْصَارِ بِلَا عِلْمٍ، فَوَقَعَ مَا سَنَذْكُرُهُ فِي
دَوْلَتِهِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ حَصْرِهِمْ إِيَّاهُ فِي دَارِهِ حَتَّى آلَ
الْحَالُ بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ إِلَى اضْطِهَادِهِ وَقَتْلِهِ وَإِلْقَائِهِ عَلَى
الطَّرِيقِ أَيَّامًا لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ، حَتَّى
غُسِّلَ بَعْدَ ذَلِكَ وَصَلِّيَ عَلَيْهِ وَدُفِنَ بِحَشِّ كَوْكَبٍ - بُسْتَانٍ
فِي طَرَفِ الْبَقِيعِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ، وَجَعَلَ جَنَّاتِ
الْفِرْدَوْسِ مُتَقَلَّبَهُ وَمَثْوَاهُ.
كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ
قَيْسٍ، عَنْ أَبِي سَهْلَةَ مَوْلَى عُثْمَانَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ادْعُوا لِي بَعْضَ
أَصْحَابِي ". قُلْتُ: أَبُو بَكْرٍ؟ قَالَ " لَا ". قُلْتُ
عُمَرُ؟ قَالَ: " لَا ". قُلْتُ ابْنُ عَمِّكَ عَلِيٌّ؟ قَالَ: "
لَا ". قُلْتُ: عُثْمَانُ؟ قَالَ: " نَعَمْ ". فَلَمَّا جَاءَ
عُثْمَانُ قَالَ: " تَنَحَّى ". فَجَعَلَ يُسَارُّهُ وَلَوْنُ عُثْمَانَ
يَتَغَيَّرُ. قَالَ أَبُو سَهْلَةَ: فَلَمَّا كَانَ يَوْمَ الدَّارِ وَحُصِرَ
فِيهَا، قُلْنَا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَلَّا تُقَاتِلُ؟ قَالَ: لَا،
إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهِدَ إِلَيَّ عَهْدًا،
وَإِنِّي صَابِرٌ نَفْسِي عَلَيْهِ تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ، ثُمَّ قَدْ رَوَاهُ
أَحْمَدُ عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ عَائِشَةَ، فَذَكَرَ
مِثْلَهُ،
وَأَخْرَجَهُ
ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ وَكِيعٍ.
وَقَالَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ فِي كِتَابِهِ " الْفِتَنِ وَالْمَلَاحِمِ
": حَدَّثَنَا عَتَّابُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ
عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ:دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعُثْمَانُ بَيْنَ يَدَيْهِ يُنَاجِيهِ،
فَلَمْ أُدْرِكْ مِنْ مَقَالَتِهِ شَيْئًا إِلَّا قَوْلَ عُثْمَانَ: أَظُلْمًا
وَعُدْوَانًا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟! فَمَا دَرَيْتُ مَا هُوَ حَتَّى قُتِلَ
عُثْمَانُ، فَعَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إِنَّمَا عَنَى قَتْلَهُ. قَالَتْ عَائِشَةُ: وَمَا أَحْبَبْتُ أَنْ يَصِلَ إِلَى
عُثْمَانَ شَيْءٌ إِلَّا وَصَلَ إِلَيَّ مِثْلُهُ، غَيْرَ أَنَّ اللَّهَ عَلِمَ
أَنِّي لَمْ أُحِبَّ قَتْلَهُ، وَلَوْ أَحْبَبْتُ قَتْلَهُ لَقُتِلْتُ. وَذَلِكَ
لَمَّا رُمِيَ هَوْدَجُهَا مِنَ النَّبْلِ حَتَّى صَارَ مِثْلَ الْقُنْفُذِ
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ
عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، مَوْلَى الْمُطَّلِبِ، عَنِ الْمُطَّلِبِ، عَنْ
حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتُلُوا إِمَامَكُمْ، وَتَجْتَلِدُوا
بِأَسْيَافِكُمْ، وَيَرِثُ دُنْيَاكُمْ شِرَارُكُمْ "
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنَا عَلِيُّ
بْنُ مُحَمَّدٍ الْمِصْرِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ السُّلَمِيُّ،
ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي خَالِدُ
بْنُ يَزِيدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ سَيْفٍ،
أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ جَلَسَ
يَوْمًا
مَعَ شُفَيٍّ الْأَصْبَحِيِّ، فَقَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ
يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
سَيَكُونُ فِيكُمُ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً; أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، لَا
يَلْبَثُ خَلْفِي إِلَّا قَلِيلًا، وَصَاحِبُ دَارَةِ رَحَى الْعَرَبِ يَعِيشُ
حَمِيدًا وَيَمُوتُ شَهِيدًا ". فَقَالَ رَجُلٌ: وَمَنْ هُوَ يَا رَسُولَ
اللَّهِ؟ قَالَ: " عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ". ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى
عُثْمَانَ فَقَالَ: " وَأَنْتَ يَسْأَلُكَ النَّاسُ أَنْ تَخْلَعَ قَمِيصًا
كَسَاكَهُ اللَّهُ، وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ لَئِنْ خَلَعْتَهُ لَا
تَدْخُلِ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ "
ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ: حَدَّثَنِي جَدِّي
أَبُو أُمِّي أَبُو حَبِيبَةَ أَنَّهُ دَخَلَ الدَّارَ وَعُثْمَانُ مَحْصُورٌ
فِيهَا، وَأَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَسْتَأْذِنُ عُثْمَانَ فِي الْكَلَامِ
فَأَذِنَ لَهُ، فَقَامَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: إِنِّي
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "
إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي فِتْنَةً وَاخْتِلَافًا ". فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ
مِنَ النَّاسِ: فَمَنْ لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ أَوْ: مَا تَأْمُرُنَا؟
فَقَالَ: " عَلَيْكُمْ بِالْأَمِينِ وَأَصْحَابِهِ ". وَهُوَ يُشِيرُ
إِلَى عُثْمَانَ بِذَلِكَ وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَفَّانَ، عَنْ
وُهَيْبٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ بِهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ حَوَالَةَ شَاهِدَانِ لَهُ بِالصِّحَّةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ،
عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ
رِبْعِيٍّ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ نَاجِيَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " تَدُورُ رَحَى الْإِسْلَامِ لِخَمْسٍ وَثَلَاثِينَ، أَوْ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ، أَوْ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ، فَإِنْ يَهْلِكُوا فَسَبِيلُ مِنْ قَدْ هَلَكَ، وَإِنْ يَقُمْ لَهُمْ دِينُهُمْ يَقُمْ لَهُمْ سَبْعِينَ عَامًا ". قَالَ: قُلْتُ: أَبِمَا مَضَى أَوْ بِمَا بَقِيَ؟ قَالَ: وَبِمَا " بَقِيَ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْأَنْبَارِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ بِهِ، ثُمَّ رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ إِسْحَاقَ وَحَجَّاجٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ نَاجِيَةَ الْكَاهِلِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ رَحَى الْإِسْلَامِ سَتَزُولُ بِخَمْسٍ وَثَلَاثِينَ، أَوْ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ، أَوْ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ، فَإِنْ تَهْلِكْ فَسَبِيلُ مَا هَلَكَ، وَإِنْ يُقَمْ لَهُمْ دِينُهُمْ يَقُمْ لَهُمْ سَبْعِينَ عَامًا ". قَالَ: قَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَبِمَا مَضَى أَوْ بِمَا بَقِيَ؟ قَالَ: " بَلْ بِمَا بَقِيَ " وَهَكَذَا رَوَاهُ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ مَنْصُورٍ بِهِ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ، فَذَكَرَهُ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ تَابَعَ إِسْرَائِيلَ الْأَعْمَشُ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ مَنْصُورٍ. قَالَ: وَبَلَغَنِي أَنَّ فِي هَذَا إِشَارَةً إِلَى الْفِتْنَةِ الَّتِي كَانَ فِيهَا قَتْلُ عُثْمَانَ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ، ثُمَّ إِلَى الْفِتَنِ الَّتِي كَانَتْ فِي أَيَّامِ عَلِيٍّ، وَأَرَادَ بِالسَّبْعِينَ مُلْكَ بَنِي أُمَيَّةَ، فَإِنَّهُ بَقِيَ بَيْنَ مَا بَيْنَ أَنِ اسْتَقَرَّ لَهُمُ الْمَلِكُ إِلَى أَنْ ظَهَرَتِ الدُّعَاةُ
بِخُرَاسَانَ
وَضَعُفَ أَمْرُ بَنِي أُمَيَّةَ وَدَخَلَ الْوَهْنُ فِيهِ، نَحْوًا مِنْ
سَبْعِينَ سَنَةً.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى،
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ
مُجَاهِدٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْأَشْتَرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُمِّ ذَرٍّ
قَالَتْ: لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا ذَرٍّ الْوَفَاةُ بَكَيْتُ، فَقَالَ: مَا يُبْكِيكِ؟
فَقُلْتُ: وَمَالِي لَا أَبْكِي وَأَنْتَ تَمُوتُ بِفَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا
يَدَ لِي بِدَفْنِكَ، وَلَيْسَ عِنْدِي ثَوْبٌ يَسَعُكَ فَأُكَفِّنَكَ فِيهِ.
قَالَ: فَلَا تَبْكِي وَأَبْشِرِي، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لَيَمُوتَنَّ رَجُلٌ مِنْكُمْ
بِفَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ يَشْهَدُهُ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ".
وَلَيْسَ مِنْ أُولَئِكَ النَّفَرِ أَحَدٌ إِلَّا وَقَدْ مَاتَ فِي قَرْيَةٍ أَوْ
جَمَاعَةٍ، وَإِنِّي أَنَا الَّذِي أَمُوتُ بِالْفَلَاةِ، وَاللَّهِ مَا كَذَبْتُ
وَلَا كُذِبْتُ تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَدْ رَوَاهُ
الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ
سُلَيْمٍ الطَّائِفِيِّ بِهِ مُطَوَّلًا وَالْحَدِيثُ مَشْهُورٌ فِي مَوْتِهِ،
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بِالرَّبَذَةِ سَنَةَ ثِنْتَيْنِ وَثَلَاثِينَ، فِي
خِلَافَةِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وَكَانَ فِي النَّفَرِ الَّذِينَ قَدِمُوا
عَلَيْهِ وَهُوَ فِي السِّيَاقِ عَبْدُ اللَّهُ بْنُ مَسْعُودٍ، وَهُوَ الَّذِي
صَلَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَأَقَامَ بِهَا عَشْرَ لَيَالٍ،
وَمَاتَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا الْحَاكِمُ، أَنَا الْأَصَمُّ، ثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّنْعَانِيُّ، ثَنَا عُمَرُ بْنُ سَعِيدٍ
الدِّمَشْقِيُّ، ثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ
بْنِ
عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْأَشْعَرِيِّ، عَنْ أَبِي
الدَّرْدَاءِ قَالَ:قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَلَغَنِي أَنَّكَ تَقُولُ:
" لَيَرْتَدَّنَ أَقْوَامٌ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ". قَالَ: "
أَجَلْ، وَلَسْتَ مِنْهُمْ ". قَالَ: فَتُوُفِّيَأَبُو الدَّرْدَاءِ قَبْلَ
أَنْ يُقْتَلَ عُثْمَانُ
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: ثَنَا صَفْوَانُ، ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ
مُسْلِمٍ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَوْ عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ شَيْخٍ مِنَ السَّلَفِ
قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ،
أَنْتَظِرُ مَنْ يَرُدُّ عَلَيَّ مِنْكُمْ، فَلَا أُلْفَيَنَّ أُنَازِعُ أَحَدَكُمْ
فَأَقُولُ: إِنَّهُ مِنْ أُمَّتِي. فَيُقَالُ: هَلْ تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا
بَعْدَكَ؟ " قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: فَتَخَوَّفْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْهُمْ،
فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ
لَهُ. فَقَالَ: " إِنَّكَ لَسْتَ مِنْهُمْ ". قَالَ: فَتُوُفِّيَ أَبُو
الدَّرْدَاءِ قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ عُثْمَانُ، وَقَبْلَ أَنْ تَقَعَ الْفِتَنُ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: تَابَعَهُ يَزِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ أَبِي عُبَيْدِ
اللَّهِ مُسْلِمِ بْنِ مِشْكَمٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ إِلَى قَوْلِهِ: "
لَسْتَ مِنْهُمْ ". قُلْتُ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: تُوُفِّيَ
أَبُو الدَّرْدَاءِ لِسَنَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ خِلَافَةِ عُثْمَانَ وَقَالَ
الْوَاقِدِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: تُوَفِّي سَنَةَ ثِنْتَيْنِ
وَثَلَاثِينَ. رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
ذِكْرُ
إِخْبَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْفِتَنِ الْوَاقِعَةِ فِي
آخِرِ أَيَّامِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وَفِي خِلَافَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي
طَالِبٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ،
عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ،أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْرَفَ عَلَى أُطُمٍ مِنْ آطَامِ
الْمَدِينَةِ، فَقَالَ: " هَلْ تَرَوْنَ مَا أَرَى؟ إِنِّي لَأَرَى مَوَاقِعَ
الْفِتَنِ خِلَالَ بُيُوتِكُمْ كَمَوَاقِعِ الْقَطْرِ "
وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ، مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي
إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ:سَمِعْتُ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ يَقُولُ:
وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ النَّاسِ بِكُلِّ فِتْنَةٍ هِيَ كَائِنَةٌ فِيمَا
بَيْنِي وَبَيْنَ السَّاعَةِ، وَمَا ذَاكَ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنِي مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا أَسَرَّهُ إِلَيَّ
لَمْ يَكُنْ حَدَّثَ بِهِ غَيْرِي، وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ، وَهُوَ يُحَدِّثُ مَجْلِسًا أَنَا فِيهِ، سُئِلَ عَنِ
الْفِتَنِ، وَهُوَ يَعُدُّ الْفِتَنَ: " فِيهِنَّ ثَلَاثٌ لَا يَذَرْنَ
شَيْئًا; مِنْهُنَّ كَرِيَاحِ الصَّيْفِ، مِنْهَا صِغَارٌ وَمِنْهَا كِبَارٌ
". قَالَ حُذَيْفَةُ: فَذَهَبَ أُولَئِكَ الرَّهْطُ كُلُّهُمْ غَيْرِي.
وَهَذَا لَفْظُ أَحْمَدَ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: مَاتَ حُذَيْفَةُ بَعْدَ
الْفِتْنَةِ
الْأَوْلَى بِقَتْلِ عُثْمَانَ، وَقَبْلَ الْفِتْنَتَيْنِ الْآخِرَتَيْنِ فِي
أَيَّامِ عَلِيٍّ. قُلْتُ: قَالَ الْعِجْلِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَاءِ
التَّارِيخِ: كَانَتْ وَفَاةُ حُذَيْفَةَ بَعْدَ مَقْتَلِ عُثْمَانَ بِأَرْبَعِينَ
يَوْمًا. وَهُوَ الَّذِي قَالَ: لَوْ كَانَ قَتْلُ عُثْمَانَ هُدًى لَاحْتَلَبَتْ
بِهِ الْأُمَّةُ لَبَنًا، وَلَكِنَّهُ كَانَ ضَلَالَةً، فَاحْتَلَبَتْ بِهِ الْأُمَّةُ
دَمًا. وَقَالَ: لَوْ أَنَّ أَحَدًا ارْتَقَصَ لِمَا صَنَعْتُمْ بِعُثْمَانَ
لَكَانَ جَدِيرًا أَنْ يَرْقُصَ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ حَبِيبَةَ
بِنْتِ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ أُمِّهَا أُمِّ حَبِيبَةَ،
عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- قَالَ سُفْيَانُ: أَرْبَعُ نِسْوَةٍ -قَالَتْ: اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ نَوْمِهِ وَهُوَ مُحْمَرُّ الْوَجْهِ، وَهُوَ
يَقُولُ: " لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ
اقْتَرَبَ، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مَثَلُ هَذِهِ
". وَحَلَّقَ بِأُصْبُعِهِ الْإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا. قُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟! قَالَ: نَعَمْ، إِذَا
كَثُرَ الْخَبَثُ " هَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ سُفْيَانَ
بْنِ عُيَيْنَةَ بِهِ. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي
شَيْبَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو الْأَشَعَثِيِّ وَزُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ وَابْنِ
أَبِي عُمَرَ، كُلُّهُمْ عَنْ
سُفْيَانَ
بْنِ عُيَيْنَةَ بِهِ سَوَاءً. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَخْزُومِيِّ وَغَيْرِ وَاحِدٍ، كُلِّهِمْ عَنْ سُفْيَانَ
بْنِ عُيَيْنَةَ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَالَ
التِّرْمِذِيُّ: قَالَ الْحُمَيْدِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ: حَفِظْتُ مِنَ
الزُّهْرِيِّ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ.
قُلْتُ: وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ،
وَمُسْلِمٌ عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ زَيْنَبَ، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ، عَنْ زَيْنَبَ
بِنْتِ جَحْشٍ، فَلَمْ يَذْكُرَا حَبِيبَةَ فِي الْإِسْنَادِ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ
عَنِ الزُّهْرِيِّ شُعَيْبٌ، وَصَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، وَعَقِيلٌ، وَمُحَمَّدُ
بْنُ إِسْحَاقَ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَتِيقٍ، وَيُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، فَلَمْ
يَذْكُرُوا عَنْهُ فِي الْإِسْنَادِ حَبِيبَةَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. فَعَلَى مَا
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمَنْ تَابَعَهُ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، يَكُونُ قَدِ
اجْتَمَعَ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ تَابِعِيَّانِ، وَهَمَا الزُّهْرِيُّ وَعُرْوَةُ
بْنُ الزُّبَيْرِ، وَأَرْبَعُ صَحَابِيَّاتٍ; رَبِيبَتَانِ وَزَوْجَتَانِ، وَهَذَا
عَزِيزٌ جِدًّا.
ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ بَعْدَ رِوَايَتِهِ الْحَدِيثَ الْمُتَقَدِّمَ، عَنْ
أَبِي الْيَمَانِ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، فَذَكَرَهُ إِلَى آخِرِهِ،
ثُمَّ قَالَ: وَعَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَتْنِي هِنْدُ بِنْتُ
الْحَارِثِ
أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ قَالَتِ: اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " سُبْحَانَ اللَّهُ مَاذَا أُنْزِلَ مِنِ
الْخَزَائِنِ؟! وَمَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الْفِتَنِ؟! وَقَدْ أَسْنَدَهُ
الْبُخَارِيُّ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ مِنْ طُرُقٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهِ.
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَقَالَ:
حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: ثَنَا الصَّلْتُ بْنُ دِينَارٍ، ثَنَا
عُقْبَةُ بْنُ صَهْبَانَ وَأَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ، قَالَا: سَمِعْنَا
الزُّبَيْرَ وَهُوَ يَتْلُو هَذِهِ الْآيَةَ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ
الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً [ الْأَنْفَالِ: 25 ]. قَالَ: لَقَدْ
تَلَوْتُ هَذِهِ الْآيَةَ زَمَانًا وَمَا أَرَانِي مِنْ أَهْلِهَا، فَأَصْبَحْنَا
مِنْ أَهْلِهَا. وَهَذَا الْإِسْنَادُ ضَعِيفٌ، وَلَكِنْ رُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ،
فَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، ثَنَا جَرِيرٌ
قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ قَالَ: قَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ: نَزَلَتْ
هَذِهِ الْآيَةُ وَنَحْنُ مُتَوَافِرُونَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ
خَاصَّةً فَجَعَلْنَا نَقُولُ: مَا هَذِهِ الْفِتْنَةُ وَمَا نَشْعُرُ أَنَّهَا
تَقَعُ حَيْثُ وَقَعَتْ. وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ
إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مَهْدِيٍّ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ بِهِ، وَقَدْ قُتِلَ
الزُّبَيْرُ
بِوَادِي السِّبَاعِ مَرْجِعَهُ مِنْ قِتَالِ يَوْمِ الْجَمَلِ، عَلَى مَا
سَنُورِدُهُ فِي مَوْضِعِهِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ فِي " سُنَنِهِ ": ثَنَا
مُسَدَّدٌ، ثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ سَلَّامُ ابْنُ سَلِيمٍ، عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ
هِلَالِ بْنِ يِسَافَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ فِتْنَةً فَعَظُمَ أَمْرُهَا
فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَئِنْ أَدْرَكَتْنَا هَذِهِ لَتُهْلِكَنَّا.
فَقَالَ: " كَلَّا إِنَّ بِحَسْبِكُمُ الْقَتْلَ " قَالَ سَعِيدٌ:
فَرَأَيْتُ إِخْوَانِي قُتِلُوا. تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ،
ثَنَا يَزِيدُ، أَنَا هِشَامٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: قَالَ حُذَيْفَةُ: مَا
أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ تُدْرِكُهُ الْفِتْنَةُ إِلَّا أَنَا أَخَافُهَا عَلَيْهِ
إِلَّا مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لَا تَضُرُّكَ الْفِتْنَةُ "
وَهَذَا مُنْقَطِعٌ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي
الشَّعْثَاءِ، سَمِعْتُ أَبَا بُرْدَةَ يُحَدِّثُ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ
ضُبَيْعَةَ، سَمِعْتُ حُذَيْفَةَ يَقُولُ: إِنِّي لَأَعْرِفَ رَجُلًا لَا
تَضُرُّهُ الْفِتْنَةُ. فَأَتَيْنَا الْمَدِينَةَ، فَإِذَا فُسْطَاطٌ مَضْرُوبٌ،
وَإِذَا مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ الْأَنْصَارِيُّ، فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: لَا
أَسْتَقِرُّ بِمِصْرٍ مِنْ أَمْصَارِهِمْ حَتَّى تَنْجَلِيَ هَذِهِ
الْفِتْنَةُ
عَنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ،
يَعْنِي السِّجِسْتَانِيَّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَرْزُوقٍ، عَنْ شُعْبَةَ بِهِ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: ثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَشْعَثَ
بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ ضُبَيْعَةَ بْنِ حُصَيْنٍ
التَّغْلِبِيِّ، عَنْ حُذَيْفَةَ بِمَعْنَاهُ. قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي "
التَّارِيخِ ": هَذَا عِنْدِي أَوْلَى.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ،
عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: مَرَرْتُ بِالرَّبَذَةِ
فَإِذَا فُسْطَاطٌ، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا؟ فَقِيلَ: لِمُحَمَّدِ بْنِ
مَسْلَمَةَ. فَاسْتَأْذَنْتُ عَلَيْهِ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ: رَحِمَكَ
اللَّهُ، إِنَّكَ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ بِمَكَانٍ، فَلَوْ خَرَجْتَ إِلَى النَّاسِ
فَأَمَرْتَ وَنَهَيْتَ. فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: " سَتَكُونُ فِتْنَةٌ وَفُرْقَةٌ وَاخْتِلَافٌ، فَإِذَا
كَانَ ذَلِكَ فَأْتِ بِسَيْفِكَ أُحُدًا فَاضْرِبْ بِهِ عُرْضَهُ، وَكَسِّرْ
نَبْلَكَ، وَاقْطَعْ وَتَرَكَ، وَاجْلِسْ فِي بَيْتِكَ حَتَّى تَأْتِيَكَ يَدٌ
خَاطِئَةٌ أَوْ يُعَافِيَكَ اللَّهُ ". فَقَدْ كَانَ مَا قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفَعَلْتُ مَا أَمَرَنِي بِهِ. ثُمَّ
اسْتَنْزَلَ سَيْفًا كَانَ مُعَلِّقًا بِعَمُودِ الْفُسْطَاطِ وَاخْتَرَطَهُ، فَإِذَا
سَيْفٌ مِنْ خَشَبٍ، فَقَالَ: قَدْ فَعَلْتُ مَا أَمَرَنِي بِهِ، وَاتَّخَذْتُ
هَذَا أُرْهِبُ بِهِ النَّاسَ تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.
وَقَالَ
الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا الْحَاكِمُ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ عِيسَى الْحِيرِيُّ، أَنَا
أَحْمَدُ بْنُ نَجْدَةَ الْقُرَشِيُّ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ،
أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، ثَنَا سَالِمُ بْنُ صَالِحِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ
بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ،
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ أَنَّهُ قَالَ:يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ
أَصْنَعُ إِذَا اخْتَلَفَ الْمُصَلُّونَ؟ قَالَ: " اخْرُجْ بِسَيْفِكَ إِلَى
الْحَرَّةِ فَتَضْرِبُهَا بِهِ، ثُمَّ تَدْخُلُ بَيْتَكَ حَتَّى تَأْتِيَكَ
مَنِيَّةٌ قَاضِيَةٌ أَوْ يَدٌ خَاطِئَةٌ
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، ثَنَا زِيَادُ بْنُ
مُسْلِمٍ أَبُو عُمَرَ، ثَنَا أَبُو الْأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيُّ، قَالَ:
بَعَثَنَا يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَلَمَّا قَدِمْتُ
الْمَدِينَةَ دَخَلْتُ عَلَى فُلَانٍ - نَسِيَ زِيَادٌ اسْمَهُ - فَقَالَ: إِنَّ
النَّاسَ قَدْ صَنَعُوا مَا صَنَعُوا فَمَا تَرَى؟ قَالَ أَوْصَانِي خَلِيلِي
أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنْ أَدْرَكْتُ
شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْفِتَنِ فَاعْمَدْ إِلَى أُحُدٍ فَاكْسِرْ بِهِ حَدَّ
سَيْفِكَ، ثُمَّ اقْعُدْ فِي بَيْتِكَ، فَإِنْ دَخَلَ عَلَيْكَ أَحَدٌ الْبَيْتَ،
فَقُمْ إِلَى الْمَخْدَعِ، فَإِنْ دَخَلَ عَلَيْكَ الْمَخْدَعَ، فَاجْثُ عَلَى
رُكْبَتَيْكَ
وَقُلْ:
بُؤْ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ، وَذَلِكَ جَزَاءُ
الظَّالِمِينَ ". فَقَدْ كَسَرْتُ سَيْفِي وَقَعَدْتُ فِي بَيْتِي هَكَذَا
وَقَعَ إِيرَادُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي مُسْنَدِ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ عِنْدَ
الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَلَكِنْ وَقَعَ إِبْهَامُ اسْمِهِ، وَلَيْسَ هُوَ
لِمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ بَلْ صَحَابِيٍّ آخَرَ، فَإِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ
مَسْلَمَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لَا خِلَافَ عِنْدِ أَهْلِ التَّارِيخِ
أَنَّهُ تُوُفِّيَ فِيمَا بَيْنَ الْأَرْبَعِينَ إِلَى الْخَمْسِينَ، فَقِيلَ:
سَنَةَ ثِنْتَيْنِ. وَقِيلَ: ثَلَاثٍ. وَقِيلَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِينَ. وَلَمْ
يُدْرِكْ أَيَّامَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ
بِلَا خِلَافٍ، فَتَعَيَّنَ أَنَّهُ صَحَابِيٌّ آخَرُ، خَبَرُهُ كَخَبَرِ
مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ.
وَقَالَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ فِي " الْفِتَنِ وَالْمَلَاحِمِ ":
حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ
سَلَمَةَ،، ثَنَا أَبُو عَمْرٍو الْقَسْلَمِيُّ، عَنْ بِنْتِ أُهْبَانَ
الْغِفَارِيِّ، أَنَّعَلِيًّا أَتَى أُهْبَانَ فَقَالَ: مَا يَمْنَعُكَ أَنْ
تَتَّبِعَنَا؟ فَقَالَ: أَوْصَانِي خَلِيلِي وَابْنُ عَمِّكَ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ: " سَتَكُونُ فُرْقَةٌ وَفِتْنَةٌ وَاخْتِلَافٌ،
فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَاكْسِرْ سَيْفَكَ، وَاقْعُدْ فِي بَيْتِكَ، وَاتَّخِذْ
سَيْفًا مِنْ خَشَبٍ " وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ عَفَّانَ وَأَسْوَدَ
بْنِ عَامِرٍ وَمُؤَمَّلٍ، ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِهِ.
وَزَادَ مُؤَمَّلٌ فِي رِوَايَتِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَاتَّخِذْ سَيْفًا مِنْ
خَشَبٍ ". " وَاقْعُدْ فِي بَيْتِكَ حَتَّى تَأْتِيَكَ يَدٌ خَاطِئَةٌ
أَوْ مَنِيَّةٌ قَاضِيَةٌ ". وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا
وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ
عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عُبَيْدٍ الدِّيلِيِّ، عَنْ عُدَيْسَةَ بِنْتِ أُهْبَانَ بْنِ
صَيْفِيٍّ، عَنْ أَبِيهَا بِهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا
نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدٍ. كَذَا قَالَ،
وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِهِ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ الْأُوَيْسِيُّ، ثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا
هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سَتَكُونُ فِتَنٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ
الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا
خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا تَسْتَشْرِفُهُ، وَمَنْ وَجَدَ
مَلْجَأً أَوْ مُعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ " وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ: حَدَّثَنِي
أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ مُطِيعِ بْنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ نَوْفَلِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، مِثْلَ حَدِيثِ
أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا، وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ
طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَكَذَلِكَ
حَدِيثُ نَوْفَلِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بِإِسْنَادِ الْبُخَارِيِّ وَلَفْظُهُ، ثُمَّ
قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنِي سُفْيَانُ عَنِ
الْأَعْمَشِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " سَتَكُونُ أَثَرَةٌ وَأُمُورٌ
تُنْكِرُونَهَا ". فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَا تَأْمُرُنَا؟
قَالَ: " تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ، وَتَسْأَلُونَ
اللَّهَ
الَّذِي لَكُمْ " وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ بِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ، ثَنَا عُثْمَانُ الشَّحَّامُ،
ثَنَا مُسْلِمُ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: " إِنَّهَا سَتَكُونُ
فِتَنٌ ثُمَّ تَكُونُ فِتَنٌ، أَلَا فَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي
إِلَيْهَا، وَالْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ فِيهَا، أَلَا
وَالْمُضْطَجَعُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَاعِدِ، أَلَا فَإِذَا نَزَلَتْ فَمَنْ
كَانَ لَهُ غَنَمٌ فَلْيَلْحَقْ بِغَنَمِهِ، أَلَا وَمَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ
فَلْيَلْحَقْ بِأَرْضِهِ، أَلَا وَمَنْ كَانَتْ لَهُ إِبِلٌ فَلْيَلْحَقْ
بِإِبِلِهِ ". فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ،
جَعَلَنِي اللَّهُ فَدَاكَ، أَرَأَيْتَ مَنْ لَيْسَتْ لَهُ غَنَمٌ وَلَا أَرْضٌ
وَلَا إِبِلٌ كَيْفَ يَصْنَعُ؟ قَالَ: " لِيَأْخُذْ سَيْفَهُ، ثُمَّ
لْيَعْمِدْ بِهِ إِلَى صَخْرَةِ، ثُمَّ لْيَدُقَّ عَلَى حَدِّهِ بِحَجَرٍ، ثُمَّ
لْيَنْجُ إِنِ اسْتَطَاعَ النِّجَاءَ، اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ ". فَقَالَ
رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فَدَاكَ، أَرَأَيْتَ إِنْ أُخِذَ
بِيَدِي مُكْرَهًا حَتَّى يُنْطَلَقَ بِي إِلَى أَحَدِ الصَّفَّيْنِ أَوْ إِحْدَى
الْفِئَتَيْنِ - شَكَّ عُثْمَانُ - فَيَحْذِفُنِي رَجُلٌ بِسَيْفِهِ
فَيَقْتُلُنِي، مَاذَا يَكُونُ مِنْ شَأْنِي؟ قَالَ: " يَبُوءُ بِإِثْمِكَ
وَإِثْمِهِ وَيَكُونُ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ " وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ
مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ الشَّحَّامِ بِنَحْوِهِ، وَهَذَا إِخْبَارٌ عَنْ إِقْبَالِ
الْفِتَنِ، وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي مَعْنَى هَذَا.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا قَيْسٌ
قَالَ: لَمَّا أَقْبَلَتْ
عَائِشَةُ
- يَعْنِي فِي مَسِيرِهَا إِلَى وَقْعَةِ الْجَمَلِ - وَبَلَغَتْ مِيَاهَ بَنِي
عَامِرٍ لَيْلًا نَبَحَتِ الْكِلَابُ فَقَالَتْ: أَيُّ مَاءٍ هَذَا؟ قَالُوا:
مَاءُ الْحَوْأَبِ. فَقَالَتْ: مَا أَظُنُّنِي إِلَّا رَاجِعَةً. فَقَالَ بَعْضُ
مَنْ كَانَ مَعَهَا: بَلْ تَقْدَمِينَ فَيَرَاكِ الْمُسْلِمُونَ فَيُصْلِحُ اللَّهُ
ذَاتَ بَيْنِهِمْ. قَالَتْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ لَنَا ذَاتَ يَوْمٍ: كَيْفَ بِإِحْدَاكُنَّ تَنْبَحُ عَلَيْهَا
كِلَابُ الْحَوْأَبِ؟ وَرَوَاهُ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ فِي " الْمَلَاحِمِ
"، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، عَنْ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي
حَازِمٍ بِهِ.
ثُمَّ رَوَاهُ أَحْمَدُ، عَنْ غُنْدُرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ
أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، أَنَّ عَائِشَةَ لَمَّا أَتَتْ
عَلَى الْحَوْأَبِ فَسَمِعَتْ نُبَاحَ الْكِلَابِ، فَقَالَتْ: مَا أَظُنُّنِي
إِلَّا رَاجِعَةً; إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
لَنَا:أَيَّتُكُنَّ يَنْبَحُ عَلَيْهَا كِلَابُ الْحَوْأَبِ؟ فَقَالَ لَهَا
الزُّبَيْرُ: تَرْجِعِينَ؟! عَسَى اللَّهُ أَنْ يُصْلِحَ بِكِ بَيْنَ النَّاسِ.
وَهَذَا إِسْنَادٌ عَلَى شَرْطِ " الصَّحِيحَيْنِ " وَلَمْ يُخْرِجُوهُ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ
بْنِ كَرَامَةَ، ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ عِصَامِ بْنِ قُدَامَةَ
الْبَجَلِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:لَيْتَ شِعْرِي أَيَّتُكُنَّ صَاحِبَةُ
الْجَمَلِ الْأَدْبَبِ، تَسِيرُ حَتَّى
تُنْبِحَهَا
كِلَابُ الْحُوْأَبِ، يُقْتَلُ عَنْ يَمِينِهَا وَعَنْ يَسَارِهَا قَتْلَى كَثِيرٌ
" ثُمَّ قَالَ: لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِلَّا بِهَذَا
الْإِسْنَادِ.
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَائِلَةَ الْأَصْبَهَانِيُّ،
ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَمْرٍو الْبَجَلِيُّ، ثَنَا نُوحُ بْنُ دَرَّاجٍ، عَنِ
الْأَجْلَحِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ
بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا بَلَغَ أَصْحَابَ عَلِيٍّ،
حِينَ سَارُوا إِلَى الْبَصْرَةِ، أَنَّ أَهْلَ الْبَصْرَةِ قَدِ اجْتَمَعُوا
لِطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ، شَقَّ عَلَيْهِمْ، وَوَقَعَ فِي قُلُوبِهِمْ، فَقَالَ
عَلِيٌّ: وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ لَيُظْهَرَنَّ عَلَى أَهْلِ الْبَصْرَةِ،
وَلَيُقْتَلَنَّ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ، وَلَيَخْرُجَنَّ إِلَيْكُمْ مِنَ
الْكُوفَةِ سِتَّةُ آلَافِ وَخَمْسُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ رَجُلًا، أَوْ خَمْسَةُ
آلَافٍ وَخَمْسُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ رَجُلًا - شَكَّ الْأَجْلَحُ - قَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ: فَوَقَعَ ذَلِكَ فِي نَفْسِي، فَلَمَّا أَتَى الْكُوفَةَ خَرَجْتُ
فَقُلْتُ: لَأَنْظُرَنَّ، فَإِنْ كَانَ كَمَا يَقُولُ فَهُوَ أَمْرٌ سَمِعَهُ،
وَإِلَّا فَهُوَ خَدِيعَةُ الْحَرْبِ، فَلَقِيتُ رَجُلًا مِنَ الْجَيْشِ
فَسَأَلَتْهُ، فَوَاللَّهِ مَا عَتَّمَ أَنْ قَالَ مَا قَالَ عَلِيٌّ. قَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ: وَهُوَ مِمَّا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يُخْبِرُهُ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثَنَا أَبُو بَكْرٍ
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
الْحَفِيدُ،
ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ نَصْرٍ، ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ، ثَنَا عَبْدُ
الْجَبَّارِ بْنُ الْوَرْدِ، عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي
الْجَعْدِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: ذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُرُوجَ بَعْضِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، فَضَحِكَتْ
عَائِشَةُ، فَقَالَ لَهَا: " انْظُرِي يَا حُمَيْرَاءُ أَنْ لَا تَكُونِي
أَنْتِ ". ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى عَلِيٍّ، وَقَالَ: " يَا عَلِيُّ، إِنْ
وَلِيتَ مِنْ أَمْرِهَا شَيْئًا فَارْفُقْ بِهَا ". وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ
جِدًّا.
وَأَغْرَبُ مِنْهُ مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا، عَنِ الْحَاكِمِ، عَنِ
الْأَصَمِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيِّ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ،
عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ الْعَبَّاسِ الشِّبَامِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ
السَّائِبِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْهَجَنَّعِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: قِيلَ
لَهُ: مَا يَمْنَعُكَ أَنْ لَا تَكُونَ قَاتَلْتَ عَلَى بَصِيرَتِكَ يَوْمَ
الْجَمَلِ؟ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ: يَخْرُجُ قَوْمٌ هَلْكَى لَا يُفْلِحُونَ، قَائِدُهُمُ امْرَأَةٌ،
قَائِدُهُمْ فِي الْجَنَّةِ ". وَهَذَا مُنْكَرٌ جِدًّا.
وَالْمَحْفُوظُ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ،
عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: نَفَعَنِي اللَّهُ بِكَلِمَةٍ سَمِعْتُهَا مِنْ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَلَغَهُ أَنَّ فَارِسَ
مَلَّكُوا عَلَيْهِمُ امْرَأَةَ كِسْرَى، فَقَالَ: لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا
أَمْرَهُمُ امْرَأَةً
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، ثَنَا
شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ،
سَمِعْتُ
أَبَا وَائِلٍ قَالَ: لَمَّا بَعَثَ عَلِيٌّ عَمَّارًا وَالْحَسَنَ إِلَى
الْكُوفَةِ يَسْتَنْفِرُهُمْ، خَطَبَ عَمَّارٌ فَقَالَ: إِنِّي لَأَعْلَمُ
أَنَّهَا زَوْجَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، لَكِنَّ اللَّهَ ابْتَلَاكُمْ
لِتَتَّبِعُوهُ أَوْ إِيَّاهَا. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ بُنْدَارٍ، عَنْ
غُنْدُرٍ، وَهَذَا كُلُّهُ وَقَعَ فِي أَيَّامِ الْجَمَلِ، وَقَدْ نَدِمَتْ
عَائِشَةُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، عَلَى مَا كَانَ مِنْ خُرُوجِهَا، عَلَى مَا
سَنُورِدُهُ فِي مَوْضِعِهِ، وَكَذَلِكَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ أَيْضًا
تَذَكَّرَ وَهُوَ وَاقِفٌ فِي الْمَعْرَكَةِ أَنَّ قِتَالَهُ فِي هَذَا
الْمَوْطِنِ لَيْسَ بِصَوَابٍ، فَرَجَعَ عَنْ ذَلِكَ.
قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: لَمَّا وَلَّى
الزُّبَيْرُ يَوْمَ الْجَمَلِ بَلَغَ عَلِيًّا، فَقَالَ: لَوْ كَانَ ابْنُ
صَفِيَّةَ يَعْلَمُ أَنَّهُ عَلَى حَقٍّ مَا وَلَّى، وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَهُمَا فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ،
فَقَالَ:أَتُحِبُّهُ يَا زُبَيْرُ؟ " فَقَالَ: وَمَا يَمْنَعُنِي؟ قَالَ:
" فَكَيْفَ بِكَ إِذَا قَاتَلْتَهُ وَأَنْتَ ظَالِمٌ لَهُ؟ " قَالَ:
فَيَرَوْنَ أَنَّهُ إِنَّمَا وَلَّى لِذَلِكَ وَهَذَا مُرْسَلٌ مِنْ هَذَا
الْوَجْهِ. وَقَدْ أَسْنَدَهُ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ
فَقَالَ: أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، ثَنَا أَبُو
عَمْرِو بْنُ مَطَرٍ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
سَوَّارٍ الْهَاشِمِيُّ الْكُوفِيُّ، ثَنَا مِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ، ثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْأَجْلَحِ، ثَنَا أَبِي، عَنْ يَزِيدَ الْفَقِيرِ، عَنْ
أَبِيهِ، قَالَ: وَسَمِعْتُ فَضْلَ بْنَ فَضَالَةَ يُحَدِّثُ أَبِي، عَنْ أَبِي
حَرْبِ بْنِ أَبِي الْأَسْوَدِ الدِّيلِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، دَخَلَ حَدِيثَ
أَحَدِهِمَا فِي حَدِيثِ صَاحِبِهِ، قَالَ: لَمَّا دَنَا عَلِيٌّ وَأَصْحَابُهُ
مِنْ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ، وَدَنَتِ الصُّفُوفُ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، خَرَجَ
عَلِيٌّ وَهُوَ عَلَى بَغْلَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ،
فَنَادَى:
ادْعُوا لِيَ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ، فَإِنِّي عَلِيٌّ. فَدُعِيَ لَهُ
الزُّبَيْرُ فَأَقْبَلَ حَتَّى اخْتَلَفَتْ أَعْنَاقُ دَوَابِّهِمَا، فَقَالَ
عَلِيٌّ: يَا زُبَيْرُ، نَاشَدْتُكَ بِاللَّهِأَتَذْكُرُ يَوْمَ مَرَّ بِكَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا
فَقَالَ: " يَا زُبَيْرُ، تُحِبُّ عَلِيًّا؟ " فَقُلْتَ: أَلَا أُحِبُّ
ابْنَ خَالِي وَابْنَ عَمِّي وَعَلَى دِينِي؟ فَقَالَ: " يَا عَلِيٌّ،
أَتَحِبُّهُ؟ " فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا أُحِبُّ ابْنَ عَمَّتِي
وَعَلَى دِينِي؟ فَقَالَ: " يَا زُبَيْرُ أَمَا وَاللَّهِ لَتُقَاتِلَنَّهُ
وَأَنْتَ ظَالِمٌ لَهُ " فَقَالَ الزُّبَيْرُ: بَلَى. وَاللَّهِ لَقَدْ
نَسِيتُهُ مُنْذُ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ثُمَّ ذَكَرْتُهُ الْآنَ، وَاللَّهِ لَا أُقَاتِلُكَ. فَرَجَعَ
الزُّبَيْرُ عَلَى دَابَّتِهِ يَشُقُّ الصُّفُوفَ، فَعَرَضَ لَهُ ابْنُهُ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ فَقَالَ: مَالَكَ؟ فَقَالَ: ذَكَّرَنِي عَلِيٌّ حَدِيثًا
سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَمِعْتُهُ
وَهُوَ يَقُولُ: " لَتُقَاتِلَنَّهُ وَأَنْتَ ظَالِمٌ لَهُ ". فَلَا
أُقَاتِلُهُ. فَقَالَ: وَلِلْقِتَالِ جِئْتَ؟! إِنَّمَا جِئْتَ تُصْلِحُ بَيْنَ
النَّاسِ، وَيُصْلِحُ اللَّهُ هَذَا الْأَمْرَ. قَالَ: قَدْ حَلَفْتُ أَنْ لَا
أُقَاتِلَهُ. قَالَ: فَأَعْتِقَ غُلَامَكَ جِرْجِسَ، وَقِفْ حَتَّى تُصْلِحَ
بَيْنَ النَّاسِ. فَأَعْتَقَ غُلَامَهُ وَوَقَفَ، فَلَمَّا اخْتَلَفَ أَمْرُ
النَّاسِ ذَهَبَ عَلَى فَرَسِهِ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنَا
الْإِمَامُ أَبُو الْوَلِيدِ، ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، ثَنَا قُطْنُ بْنُ
نُسَيْرٍ، ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ
الرَّقَاشِيُّ، ثَنَا جَدِّي وَهُوَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي
جَرْوَةَ الْمَازِنِيِّ قَالَ:سَمِعْتُ عَلِيًّا وَالزُّبَيْرَ وَعَلِيٌّ يَقُولُ
لَهُ: نَاشَدْتُكَ اللَّهَ يَا زُبَيْرُ، أَمَا سَمِعْتَ
رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّكَ تُقَاتِلُنِي وَأَنْتَ
لِي ظَالِمٌ؟ قَالَ: بَلَى وَلَكِنِّي نَسِيتُ. وَهَذَا غَرِيبٌ كَالسِّيَاقِ
الَّذِي قَبِلَهُ.
وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْهُذَيِلِ بْنِ بِلَالٍ، وَفِيهِ
ضَعْفٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْعُودٍ الْعَبْدِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ
قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ
سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ يَسْبِقُهُ بَعْضُ أَعْضَائِهِ إِلَى
الْجَنَّةِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى زَيْدِ بْنِ صُوحَانَ ". قُلْتُ: قُتِلَ
زَيْدٌ هَذَا فِي وَقْعَةِ الْجَمَلِ مِنْ نَاحِيَةِ عَلِيٍّ
وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ عَظِيمَتَانِ،
دَعَوَاهُمَا وَاحِدَةٌ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ،
عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
مِثْلَهُ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ، عَنْ شُعَيْبٍ،
عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَهَاتَانِ
الْفِئَتَانِ هُمَا أَصْحَابُ الْجَمَلِ، وَأَصْحَابُ صِفِّينَ. فَإِنَّهُمَا
جَمِيعًا يَدْعُونَ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَإِنَّمَا يَتَنَازَعُونَ فِي شَيْءٍ
مِنْ أُمُورِ الْمُلْكِ، وَمُرَاعَاةِ الْمَصَالِحِ الْعَائِدِ نَفْعُهَا عَلَى
الْأُمَّةِ وَالرَّعَايَا، وَكَانَ تَرْكُ الْقِتَالِ أَوْلَى مِنْ فِعْلِهِ،
كَمَا هُوَ مَذْهَبُ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ، كَمَا سَنَذْكُرُهُ.
وَقَالَ
يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: ثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، ثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو
قَالَ: كَانَ أَهْلُ الشَّامِ سِتِّينَ أَلْفًا، فَقُتِلَ مِنْهُمْ عِشْرُونَ
أَلْفًا، وَكَانَ أَهْلُ الْعِرَاقِ مِائَةً وَعِشْرِينَ أَلْفًا، فَقُتِلَ مِنْهُمْ
أَرْبَعُونَ أَلْفًا.
وَلَكِنْ كَانَ عَلِيٌّ وَأَصْحَابُهُ أَدْنَى الطَّائِفَتَيْنِ إِلَى الْحَقِّ
مِنْ أَصْحَابِ مُعَاوِيَةَ، وَأَصْحَابُ مُعَاوِيَةَ كَانُوا بَاغِينَ
عَلَيْهِمْ، كَمَا ثَبَتَ فِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " مِنْ حَدِيثِ
شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي مَسْلَمَةَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
الْخُدْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي - يَعْنِي أَبَا
قَتَادَةَ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
لِعَمَّارٍ: " تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ " وَرَوَاهُ أَيْضًا
مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أُمِّهِ،
عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: تَقْتُلُ عَمَّارًا الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ وَفِي رِوَايَةٍ:
وَقَاتِلُهُ فِي النَّارِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ بِطُرُقِهِ عِنْدَ بِنَاءِ
الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ فِي أَوَّلِ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ، وَمَا
يَزِيدُهُ بَعْضُ الرَّافِضَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِهِمْ بَعْدَ
ذَلِكَ: لَا أَنَالَهَا اللَّهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ. فَلَيْسَ لَهُ
أَصْلٌ يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ، بَلْ هُوَ مِنَ اخْتِلَاقِ الرَّوَافِضِ، قَبَّحَهُمُ
اللَّهُ.
وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ
عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، عَنْ مَوْلَاةٍ لِعَمَّارٍ قَالَتْ: اشْتَكَى عَمَّارٌ
شَكْوَى أَرِقَ مِنْهَا، فَغُشِيَ عَلَيْهِ فَأَفَاقَ وَنَحْنُ نَبْكِي حَوْلَهُ،
فَقَالَ مَا تَبْكُونَ؟ أَتَخْشَوْنَ أَنْ أَمُوتَ عَلَى فِرَاشِي؟أَخْبَرَنِي
حَبِيبِي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ تَقْتُلُنِي الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ، وَأَنَّ
آخِرَ زَادِي مِنَ الدُّنْيَا مَذْقَةٌ مِنْ لَبَنٍ
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنِي وَكِيعٌ، ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حَبِيبِ
بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ قَالَ: قَالَ عَمَّارٌ يَوْمَ
صِفِّينَ: ائْتُونِي بِشَرْبَةِ لَبَنٍ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " آخَرُ شَرْبَةٍ تَشْرَبُهَا مِنَ الدُّنْيَا
شَرْبَةُ لَبَنٍ ". فَشَرِبَهَا ثُمَّ تَقَدَّمَ فَقُتِلَ.
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَبِيبٍ،
عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، أَنَّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ أُتِيَ بِشَرْبَةِ لَبَنٍ
فَضَحِكَ وَقَالَ:إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
لِي آخَرُ شَرَابٍ أَشْرَبُهُ لَبَنٌ حِينَ أَمُوتُ.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ
أَبِي الْجَعْدِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِذَا اخْتَلَفَ النَّاسُ كَانَ ابْنُ سُمَيَّةَ مَعَ
الْحَقِّ ". وَمَعْلُومٌ أَنَّ عَمَّارًا كَانَ فِي جَيْشِ عَلِيٍّ يَوْمَ
صِفِّينَ، وَقَتَلَهُ أَصْحَابُ مُعَاوِيَةَ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، وَكَانَ
الَّذِي تَوَلَّى قَتْلَهُ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: أَبُو الْغَادِيَةِ. رَجُلٌ مِنْ
أَفْنَادِ النَّاسِ، وَقِيلَ: إِنَّهُ صَحَابِيٌّ. وَقَدْ ذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ
بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ فِي أَسْمَاءِ الصَّحَابَةِ، وَهُوَ أَبُو
الْغَادِيَةِ مُسْلِمٌ، وَقِيلَ: يَسَارُ بْنُ
أُزَيْهِرٍ
الْجُهَنِيُّ مِنْ قُضَاعَةَ. وَقِيلَ: مُزَنِيٌّ. وَقِيلَ: هُمَا اثْنَانِ.
سَكَنَ الشَّامَ، ثُمَّ صَارَ إِلَى وَاسِطٍ، رَوَى لَهُ أَحْمَدُ حَدِيثًا،
وَلَهُ عِنْدُ غَيْرِهِ آخَرُ، قَالُوا: وَهُوَ قَاتِلُ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ.
وَكَانَ يَذْكُرُ صِفَةَ قَتْلِهِ لِعَمَّارٍ لَا يَتَحَاشَى مِنْ ذَلِكَ،
وَسَنَذْكُرُ تَرْجَمَتَهُ عِنْدَ قَتْلِهِ لِعَمَّارٍ أَيَّامَ مُعَاوِيَةَ فِي
وَقْعَةِ صِفِّينَ، وَأَخْطَأَ مَنْ قَالَ: كَانَ بَدْرِيًّا.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، ثَنَا
الْعَوَّامُ، حَدَّثَنِي ابْنُ مَسْعُودٍ، عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ خُوَيْلِدٍ
الْعَنْزِيِّ قَالَ: بَيْنَا أَنَا عِنْدَ مُعَاوِيَةَ إِذْ جَاءَهُ رَجُلَانِ
يَخْتَصِمَانِ فِي رَأْسِ عَمَّارٍ، يَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَنَا
قَتَلْتُهُ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: لِيَطِبْ بِهِ أَحَدُكُمَا
نَفْسًا لِصَاحِبِهِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ: " تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ ". فَقَالَ
مُعَاوِيَةُ: أَلَا تُغْنِيَ عَنَّا مَجْنُونَكَ يَا عَمْرُو ! فَمَا بَالُكَ
مَعَنَا؟ قَالَ: إِنَّ أَبِي شَكَانِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " أَطِعْ أَبَاكَ مَا دَامَ حَيًّا وَلَا
تَعْصِهِ " فَأَنَا مَعَكُمْ وَلَسْتُ أُقَاتِلُ
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، ثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ
نَوْفَلٍ قَالَ: إِنِّي لَأَسِيرُ مَعَ مُعَاوِيَةَ مُنْصَرَفَهُ مِنْ صِفِّينَ
بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو:
يَا أَبَتِ، أَمَا سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ لِعَمَّارٍ: " وَيْحَكَ يَا ابْنَ سُمَيَّةَ تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ
الْبَاغِيَةُ ". قَالَ:
فَقَالَ
عَمْرٌو لِمُعَاوِيَةَ: أَلَا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ هَذَا؟ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ:
لَا يَزَالُ يَأْتِينَا بِهِنَةٍ، أَوَ نَحْنُ قَتَلْنَاهُ؟! إِنَّمَا قَتَلَهُ
الَّذِينَ جَاءُوا بِهِ. ثُمَّ رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، عَنِ
الثَّوْرِيِّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ،
فَذَكَرَ مِثْلَهُ. فَقَوْلُ مُعَاوِيَةَ: إِنَّمَا قَتَلَهُ مَنْ قَدَّمَهُ إِلَى
سُيُوفِنَا. تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ جِدًّا، إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ أَمِيرُ
الْجَيْشِ هُوَ الْقَاتِلُ لِلَّذِينِ يُقْتَلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، حَيْثُ
قَدَّمَهُمْ إِلَى سُيُوفِ الْأَعْدَاءِ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنِ
دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ:
عُمَرُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّا كُنَّا نَقْرَأُ:
وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ [ الْحَجِّ: 78 ]. فِي آخِرِ الزَّمَانِ،
كَمَا جَاهَدْتُمْ فِي أَوَّلِهِ. فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ:
وَمَتَى ذَلِكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: إِذَا كَانَ بَنُو أُمَيَّةَ
الْأُمَرَاءَ، وَبَنُو الْمُغِيرَةِ الْوُزَرَاءَ ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ هَا
هُنَا، وَكَأَنَّهُ يَسْتَشْهِدُ بِهِ عَلَى مَا عَقَدَ لَهُ الْبَابَ بَعْدَهُ
مِنْ ذِكْرِ الْحَكَمَيْنِ وَمَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِمَا، فَقَالَ: بَابُ مَا
جَاءَ فِي إِخْبَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْحَكَمَيْنِ
اللَّذَيْنِ بُعِثَا فِي زَمَنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ
الصَّفَّارُ، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ
الْفَضْلِ، ثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، وَحَبِيبِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ سُوِيدِ بْنِ غَفَلَةَ قَالَ: إِنِّي لَأَمْشِي مَعَ عَلَيٍّ بِشَطِّ الْفُرَاتِ فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ اخْتَلَفُوا فَلَمْ يَزَلِ اخْتِلَافُهُمْ بَيْنَهُمْ حَتَّى بَعَثُوا حَكَمَيْنِ فَضَلَّا وَأَضَلَّا، وَإِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ سَتَخْتَلِفُ فَلَا يَزَالُ اخْتِلَافُهُمْ بَيْنَهُمْ حَتَّى يَبْعَثُوا حَكَمَيْنِ ضَلَّا وَأَضَلَّا مَنِ اتَّبَعَهُمَا هَكَذَا أَوْرَدَهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ شَيْئًا مِنْ أَمْرِهِ، وَهُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ جِدًّا وَآفَتُهُ مِنْ زَكَرِيَّا بْنِ يَحْيَى هَذَا، وَهُوَ الْكِنْدِيُّ الْحِمْيَرِيُّ الْأَعْمَى قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَالْحَكَمَانِ كَانَا مِنْ خِيَارِ الصَّحَابَةِ، وَهُمَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ السَّهْمِيُّ مِنْ جِهَةِ أَهْلِ الشَّامِ، وَالثَّانِي أَبُو مُوسَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ الْأَشْعَرِيُّ، مِنْ جِهَةِ أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَإِنَّمَا نُصِبَا لِيُصْلِحَا بَيْنَ النَّاسِ وَيَتَّفِقَا عَلَى أَمْرٍ فِيهِ رِفْقٌ بِالْمُسْلِمِينَ، وَحَقْنٌ لِدِمَائِهِمْ، وَكَذَلِكَ وَقَعَ، وَلَمْ يَضِلَّ بِسَبَبِهِمَا إِلَّا فِرْقَةُ الْخَوَارِجِ حَيْثُ أَنْكَرُوا عَلَى الْأَمِيرَيْنِ التَّحْكِيمَ، وَخَرَجُوا عَلَيْهِمَا وَكَفَّرُوهُمَا، حَتَّى قَاتَلَهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَنَاظَرَهُمُ ابْنُ عَبَّاسٍ، فَرَجَعَ مِنْهُمْ شِرْذِمَةٌ إِلَى الْحَقِّ، وَاسْتَمَرَّ بَقِيَّتُهُمْ حَتَّى قُتِلَ أَكْثَرُهُمْ بِالنَّهْرَوَانِ وَغَيْرُهُ مِنَ الْمَوَاقِفِ الْمَرْذُولَةِ عَلَيْهِمْ، كَمَا سَنَذْكُرُهُ.
ذِكْرُ
إِخْبَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ خُرُوجِ الْخَوَارِجِ
وَقِتَالِهِمْ وَعَلَامَاتِهِمْ بِالرَّجُلِ الْمُخَدَّجِ ذِي الثُّدَيَّةِ،
فَوُجِدَ ذَلِكَ فِي خِلَافَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ
قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، ثَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ
قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ
الْخُدْرِيَّ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُقْسِمُ قَسَمًا، أَتَاهُ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ وَهُوَ
رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اعْدِلْ. فَقَالَ:
" وَيْلَكَ، وَمَنْ يَعْدِلُ إِذْ لَمْ أَعْدَلْ، قَدْ خِبْتُ وَخَسِرْتُ
إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ ". فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ائْذَنْ
لِي فِيهِ فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ. فَقَالَ " دَعْهُ فَإِنَّ لَهُ أَصْحَابًا
يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ،
يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ
كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يَنْظُرُ إِلَى نَصْلِهِ فَلَا
يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ ثُمَّ يَنْظُرُ إِلَى رِصَافِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ،
ثُمَّ يَنْظُرُ إِلَى نَضِيِّهِ، وَهُوَ قِدْحُهُ، فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ
ثُمَّ يَنْظُرُ إِلَى قُذَذِهِ فَلَا
يُوجَدُ
فِيهِ شَيْءٌ، قَدْ سَبَقَ الْفَرْثَ وَالدَّمَ، آيَتُهُمْ رَجُلٌ أَسْوَدُ،
إِحْدَى عَضُدَيْهِ مِثْلُ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ أَوْ مِثْلُ الْبَضْعَةِ
تَدَرْدَرُ، وَيَخْرُجُونَ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ " قَالَ أَبُو
سَعِيدٍ: فَأَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَشْهَدَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ
قَاتَلَهُمْ وَأَنَا مَعَهُ، فَأَمَرَ بِذَلِكَ الرَّجُلِ فَالْتُمِسَ فَأُتِيَ
بِهِ، حَتَّى نَظَرْتُ إِلَيْهِ عَلَى نَعْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي نَعَتَهُ. وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ
أَبِي سَعِيدٍ. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ الْأَوْزَاعِيِّ،
عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَالضَّحَّاكِ الْمِشْرَقِيِّ، عَنْ أَبِي
سَعِيدٍ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ
الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، وَمُسْلِمٍ عَنْ هَنَّادٍ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ
سَلَّامِ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ أَبِي نُعْمٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ بِهِ.
وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ فِي " صَحِيحِهِ " مِنْ حَدِيثِ دَاوُدَ بْنِ
أَبِي هِنْدٍ وَالْقَاسِمِ بْنِ الْفَضْلِ وَقَتَادَةَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ
أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" تَمْرُقُ
مَارِقَةٌ
عِنْدَ فُرْقَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَقْتُلُهَا أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ
بِالْحَقِّ وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي إِسْحَاقَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ
حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ الْمِشْرَقِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
مَرْفُوعًا.
وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنِ ابْنِ مُسْهِرٍ،
عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ يُسَيْرِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: سَأَلْتُ سَهْلَ بْنَ
حُنَيْفٍ: هَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَذْكُرُ هَؤُلَاءِ الْخَوَارِجَ؟ فَقَالَ: سَمِعْتُهُ. وَأَشَارَ بِيَدِهِ نَحْوَ
الْمَشْرِقِ، وَفِي رِوَايَةٍ: نَحْوَ الْعِرَاقِ " يَخْرُجُ قَوْمٌ
يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ بِأَلْسِنَتِهِمْ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ،
يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، مُحَلِّقَةٌ
رُءُوسِهِمْ " وَرَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ نَحْوَهُ، وَقَالَ: "
شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ ". وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ
كَثِيرٍ الْمِصِّيصِيُّ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ مَرْفُوعًا، وَقَالَ: سِيمَاهُمُ التَّحْلِيقُ، شَرُّ الْخَلْقِ
وَالْخَلِيقَةِ ".
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ سُوِيدِ بْنِ غَفَلَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " يَخْرُجُ قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ حُدَثَاءُ الْأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِّيَّةِ، لَا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَلِيٍّ فِي خَبَرِ مُودَنِ الْيَدِ، وَهُوَ ذُو الثُّدَيَّةِ. وَأَسْنَدَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، وَفِيهِ أَنَّهُ حَلَّفَ عَلِيًّا عَلَى ذَلِكَ، فَحَلَفَ لَهُ أَنَّهُ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ سَلَمَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَلِيٍّ بِالْقِصَّةِ مُطَوَّلَةً، وَفِيهِ قِصَّةُ ذِي الثُّدَيَّةِ. وَرَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ عَلِيٍّ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ جَمِيلِ
بْنِ
مُرَّةَ، عَنْ أَبِي الْوَضِئِ السَّحْتَنِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ، فِي قِصَّةِ ذِي
الثُّدَيَّةِ. وَرَوَاهُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي
مُوسَى رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ، عَنْ عَلِيٍّ بِالْقِصَّةِ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: ثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، ثَنَا سُفْيَانُ،
حَدَّثَنِي الْعَلَاءُ بْنُ أَبِي الْعَبَّاسِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا الطُّفَيْلِ
يُحَدِّثُ عَنْ بَكْرِ بْنِ قِرْوَاشٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَاصٍّ
قَالَ:ذَكَرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَا الثُّدَيَّةِ
فَقَالَ: " شَيْطَانُ الرَّدْهَةِ كَرَاعِي الْخَيْلِ، يَحْتَدِرُهُ رَجُلٌ
مِنْ بَجِيلَةَ يُقَالُ لَهُ: الْأَشْهَبُ. أَوِ ابْنُ الْأَشْهَبِ. عَلَامَةٌ فِي
قَوْمٍ ظَلَمَةٍ " قَالَ سُفْيَانُ: فَأَخْبَرَنِي عَمَّارٌ الدُّهْنِيُّ
أَنَّهُ جَاءَ بِهِ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ: الْأَشْهَبُ. أَوِ ابْنُ
الْأَشْهَبِ.
قَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ،
عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
شُعْبَةَ،
عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَامِدٍ الْهَمْدَانِيِّ، سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ
مَالِكٍ يَقُولُ: قَتَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ شَيْطَانَ الرَّدْهَةِ.
يَعْنِي الْمُخْدَجَ. يُرِيدُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، قَتَلَهُ أَصْحَابُ عَلِيٍّ.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ سَلَمَةَ قَالَ: قَالَ
عَلِيٌّ: لَقَدْ عَلِمَتْ عَائِشَةُ أَنَّ جَيْشَ الْمَرْوَةِ وَأَهْلَ
النَّهْرَوَانِ مَلْعُونُونَ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ. قَالَ ابْنُ عَيَّاشٍ: جَيْشُ الْمَرْوَةِ قَتَلَهُ عُثْمَانُ. رَوَاهُ
الْبَيْهَقِيُّ.
ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا الْحَاكِمُ، أَنَا الْأَصَمُّ، ثَنَا أَحْمَدُ
بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ
إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ
مِنْكُمْ مَنْ يُقَاتِلُ عَلَى تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ كَمَا قَاتَلْتُ عَلَى
تَنْزِيلِهِ ". فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟
قَالَ: " لَا ". فَقَالَ عُمَرُ: أَنَا هُوَ يَا رَسُولُ اللَّهِ؟
قَالَ: " لَا، وَلَكِنْ خَاصِفُ النَّعْلِ ". يَعْنِي عَلِيًّا.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُدَيْرٍ، عَنْ لَاحِقٍ قَالَ: كَانَ الَّذِينَ خَرَجُوا
عَلَى عَلِيٍّ بِالنَّهْرَوَانِ أَرْبَعَةَ آلَافٍ فِي
الْحَدِيدِ،
فَرَكِبَهُمُ الْمُسْلِمُونَ فَقَتَلُوهُمْ، وَلَمْ يَقْتُلُوا مِنَ
الْمُسْلِمِينَ إِلَّا تِسْعَةَ رَهْطٍ، وَإِنْ شِئْتَ فَاذْهَبْ إِلَى أَبِي
بَرْزَةَ فَإِنَّهُ قَدْ شَهِدَ ذَلِكَ.
قُلْتُ: الْأَخْبَارُ بِقِتَالِ الْخَوَارِجِ مُتَوَاتِرَةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ; لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ طُرُقٍ تُفِيدُ الْقَطْعَ
عِنْدَ أَئِمَّةِ هَذَا الشَّأْنِ، وَوُقُوعُ ذَلِكَ فِي زَمَانِ عَلِيٍّ
مَعْلُومٌ ضَرُورَةً لِأَهْلِ الْعِلْمِ قَاطِبَةً، وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ
خُرُوجِهِمْ وَسَبَبُهُ وَمُنَاظَرَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ لَهُمْ فِي ذَلِكَ وَرُجُوعُ
كَثِيرٍ مِنْهُمْ إِلَيْهِ، فَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ
اللَّهُ تَعَالَى.
إِخْبَارُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَقْتَلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي
طَالِبٍ، فَكَانَ كَمَا أَخْبَرَ سَوَاءً بِسَوَاءٍ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا عَلِيُّ بْنُ بَحْرٍ، ثَنَا عِيسَى بْنُ
يُونُسَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
خُثَيْمٍ الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
خُثَيْمٍ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِعَلِيٍّ
حِينَ وَلِيَ غَزْوَةَ الْعُشَيْرَةِ: " يَا أَبَا تُرَابٍ - لِمَا يَرَى
عَلَيْهِ مِنَ التُّرَابِ - أَلَا أُحَدِّثُكَ بِأَشْقَى النَّاسِ رَجُلَيْنِ؟
" قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: " أُحَيْمِرُ ثَمُودَ
الَّذِي عَقَرَ النَّاقَةَ، وَالَّذِي يَضْرِبُكَ يَا عَلِيُّ عَلَى هَذِهِ -
يَعْنِي قَرْنَهُ - حَتَّى يَبُلَّ هَذِهِ " يَعْنِي لِحْيَتَهُ.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَاكِمِ، عَنِ الْأَصَمِّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ
مُكْرَمٍ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَبِي فَضَالَةَ
الْأَنْصَارِيِّ - وَكَانَ أَبُوهُ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ - قَالَ:خَرَجْتُ مَعَ
أَبِي عَائِدًا لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي مَرَضٍ أَصَابَهُ، ثَقُلَ
مِنْهُ. قَالَ: فَقَالَ لَهُ أَبِي: مَا يُقِيمُكَ بِمَنْزِلِكَ هَذَا؟ فَلَوْ
أَصَابَكَ أَجْلُكَ لَمْ يَلِكَ إِلَّا أَعْرَابُ جُهَيْنَةَ، تَحَمُّلْ إِلَى
الْمَدِينَةِ، فَإِنْ أَصَابَكَ أَجْلُكَ وَلِيَكَ أَصْحَابُكَ وَصَلَّوْا
عَلَيْكَ. فَقَالَ عَلِيٌّ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَهِدَ إِلَيَّ أَنْ لَا أَمُوتَ حَتَّى أُؤَمَّرَ ثُمَّ تُخْضَبَ
هَذِهِ - يَعْنِي لِحْيَتَهُ - مِنْ دَمٍ هَذِهِ يَعْنِي هَامَتَهُ. فَقُتِلَ
وَقُتِلَ أَبُو فَضَالَةَ مَعَ عَلِيٍّ يَوْمَ صِفِّينَ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: ثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ
الْمُغِيرَةِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ:جَاءَ رَأْسُ الْخَوَارِجِ إِلَى
عَلِيٍّ فَقَالَ لَهُ: اتَّقِ اللَّهَ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ. فَقَالَ: لَا وَالَّذِي
فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، وَلَكِنْ مَقْتُولٌ مِنْ ضَرْبَةٍ عَلَى
هَذِهِ تُخْضِبَ هَذِهِ -
وَأَشَارَ
بِيَدِهِ إِلَى لِحَيَّتِهِ - عَهْدٌ مَعْهُودٌ، وَقَضَاءٌ مَقْضِيٌّ، وَقَدْ
خَابَ مَنِ افْتَرَى وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، عَنْ
زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ الدُّؤَلِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ فِي
إِخْبَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِهِ.
وَرَوَى مِنْ حَدِيثِ هُشَيْمٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِي
إِدْرِيسَ الْأَزْدِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ:إِنَّ مِمَّا عَهِدَ إِلَيَّ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ الْأُمَّةَ سَتَغْدُرُ
بِكَ بِعَدِي ".
ثُمَّ سَاقَهُ مِنْ طَرِيقِ فِطْرِ بْنِ خَلِيفَةَ وَعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ
سِيَاهٍ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ يَزِيدَ
الْحِمَّانِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ:إِنَّهُ لَعَهْدُ النَّبِيِّ
الْأُمِّيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيَّ: " إِنَّ الْأُمَّةَ
سَتَغْدُرُ بِكَ بِعَدِي " قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَعْلَبَةُ هَذَا فِيهِ
نَظَرٌ، وَلَا يُتَابَعُ عَلَى حَدِيثِهِ هَذَا.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَاكِمِ، عَنِ الْأَصَمِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
إِسْحَاقَ الصَّغَانِيِّ، عَنْ أَبِي الْجَوَابِ الْأَحْوَصِ بْنِ جَوَابٍ، عَنْ
عَمَّارِ بْنِ
زُرَيْقٍ، عَنِ الْأَعَمْشِ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ:وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ لَتُخْضَبَنَّ هَذِهِ مِنْ هَذِهِ - لِلِحْيَتِهِ مِنْ رَأْسِهِ - فَمَا يَحْبِسُ أَشْقَاهَا؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَبُعٍ: وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ أَنَّ رَجُلًّا فَعَلَ ذَلِكَ لَأَبَرْنَا عَشِيرَتَهُ. فَقَالَ: أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ أَنْ لَا تَقْتُلَ بِي غَيْرَ قَاتِلِي. قَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَلَا تَسْتَخْلِفُ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنِّي أَتْرُكُكُمْ كَمَا تَرَكَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالُوا: فَمَا تَقُولُ لِرَبِّكَ إِذَا لَقِيتَهُ وَقَدْ تَرَكْتَنَا هَمَلًا؟ قَالَ: أَقُولُ: اللَّهُمَّ اسْتَخْلَفْتَنِي فِيهِمْ مَا بَدَا لَكَ، ثُمَّ قَبَضْتَنِي وَتَرَكْتُكُ فِيهِمْ، فَإِنْ شِئْتَ أَصْلَحْتَهُمْ، وَإِنْ شِئْتَ أَفْسَدْتَهُمْ وَهَكَذَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ هَذَا. وَهُوَ مَوْقُوفٌ، وَفِيهِ غَرَابَةٌ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظِ وَمِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، ثُمَّ الْمَشْهُورُ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ لَمَّا طَعَنَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُلْجِمٍ الْخَارِجِيُّ وَهُوَ خَارِجٌ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ عِنْدَ السُّدَّةِ، فَبَقِيَ عَلِيٌّ يَوْمَيْنِ مِنْ طَعْنَتِهِ، وَحُبِسَ ابْنُ مُلْجِمٍ، وَأَوْصَى عَلِيٌّ إِلَى ابْنِهِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ، وَأَمْرُهُ أَنْ يَرْكَبَ فِي الْجُنُودِ، وَقَالَ لَهُ: لَا تَحَرَّ عَلَيَّ كَمَا تَحَرُّ
الْجَارِيَةُ.
فَلَمَّا مَاتَ قُتِلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُلْجِمٍ قَوَدًا. وَقِيلَ:
حَدًّا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ، ثُمَّ رَكِبَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ فِي الْجُنُودِ،
وَسَارَ إِلَى مُعَاوِيَةَ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ
تَعَالَى.
ذِكْرُ إِخْبَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ، وَسِيَادَةِ
وَلَدِهِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ فِي تَرْكِهِ الْأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ،
وَإِعْطَائِهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ مُعَاوِيَةَ، وَتَقْلِيدِهِ إِيَّاهُ مَا كَانَ
يَتَوَلَّاهُ وَيَقُومُ بِأَعْبَائِهِ
قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
مُحَمَّدٍ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، ثَنَا حُسَيْنٌ الْجُعْفِيُّ، عَنْ أَبِي
مُوسَى، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: أَخْرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ، فَصَعِدَ بِهِ
عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: " إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللَّهَ
أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ "
وَقَالَ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثَنَا
سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: اسْتَقْبَلَ
وَاللَّهِ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ بِكَتَائِبَ
أَمْثَالِ الْجِبَالِ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: إِنِّي لَأَرَى كَتَائِبَ
لَا تُوَلَّى حَتَّى تَقْتُلَ أَقْرَانَهَا. فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ - وَكَانَ
وَاللَّهِ خَيْرَ الرَّجُلَيْنِ - أَيْ عَمْرُو، إِنْ
قَتَلَ
هَؤُلَاءِ هَؤُلَاءِ، وَهَؤُلَاءِ هَؤُلَاءِ، مِنْ لِي بِأُمُورِ النَّاسِ؟ مَنْ
لِي بِنِسَائِهِمْ؟ مَنْ لِي بِضَيْعَتِهِمْ؟ فَبَعَثَ إِلَيْهِ رَجُلَيْنِ مِنْ
قُرَيْشٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ; عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ، وَعَبْدَ
اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ، فَقَالَ: اذْهَبَا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ
فَاعْرِضَا عَلَيْهِ، وَقُولَا لَهُ وَاطْلُبَا إِلَيْهِ. فَأَتَيَاهُ فَدَخَلَا
عَلَيْهِ فَتَكَلَّمَا وَقَالَا لَهُ، وَطَلَبَا إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُمَا
الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ: إِنَّا بَنُو عَبْدِ الْمَطْلَبِ قَدْ أَصَبْنَا مِنْ
هَذَا الْمَالِ، وَإِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ قَدْ عَاثَتْ فِي دِمَائِهَا. قَالَا:
فَإِنَّهُ يَعْرِضُ عَلَيْكَ كَذَا وَكَذَا، وَيَطْلُبُ إِلَيْكَ وَيَسْأَلُكَ.
قَالَ: فَمَنْ لِي بِهَذَا؟ قَالَا: نَحْنُ لَكَ بِهِ. فَمَا سَأَلَهُمَا شَيْئًا إِلَّا
قَالَا: نَحْنُ لَكَ بِهِ. فَصَالَحَهُ، فَقَالَ الْحَسَنُ: وَلَقَدْ سَمِعْتُ
أَبَا بَكْرَةَ يَقُولُ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى جَنْبِهِ، وَهُوَ
يُقْبِلُ عَلَى النَّاسِ مَرَّةً وَعَلَيْهِ أُخْرَى، وَيَقُولُ: " إِنَّ
ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ
عَظِيمَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ". وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: قَالَ لِي
عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: إِنَّمَا ثَبَتَ لَنَا سَمَاعُ الْحَسَنِ مِنْ أَبِي
بَكْرَةَ بِهَذَا الْحَدِيثِ.
وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا فِي فَضْلِ الْحَسَنِ وَفِي كِتَابِ
الْفِتَنِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ،
عَنْ أَبِي مُوسَى، وَهُوَ إِسْرَائِيلُ بْنُ مُوسَى. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَشْعَثَ، وَأَبُو دَاوُدَ أَيْضًا وَالنَّسَائِيُّ
مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ
بْنِ
زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، كُلُّهُمْ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْ أَبِي
بَكْرَةَ بِهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: صَحِيحٌ. وَلَهُ طُرُقٌ عَنِ الْحَسَنِ
مُرْسَلًا، وَعَنِ الْحَسَنِ وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ بِهِ. وَهَكَذَا وَقَعَ
الْأَمْرُ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
سَوَاءً; فَإِنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ لَمَّا صَارَ إِلَيْهِ الْأَمْرُ بَعْدَ
أَبِيهِ وَرَكِبَ فِي جُيُوشِ أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَسَارَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ،
فَتَصَافَّا بِصِفِّينِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ،، فَمَالَ
الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى الصُّلْحِ، وَخَطَبَ النَّاسَ، وَخَلَعَ نَفْسَهُ
مِنَ الْأَمْرِ، وَسَلَّمَهُ إِلَى مُعَاوِيَةَ، وَذَلِكَ سَنَةَ أَرْبَعِينَ،
فَبَايَعَهُ الْأُمَرَاءُ مِنَ الْجَيْشَيْنِ، وَاسْتَقَلَّ بِأَعْبَاءِ
الْأُمَّةِ، فَسُمِّيَ ذَلِكَ الْعَامُ عَامَ الْجَمَاعَةِ، لِاجْتِمَاعِ
الْكَلِمَةِ فِيهِ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَسَنُورِدُ ذَلِكَ مُفَصَّلًا فِي
مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَدْ شَهِدَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْفِرْقَتَيْنِ بِالْإِسْلَامِ، فَمَنْ
كَفَّرَهُمْ أَوْ وَاحِدًا مِنْهُمْ لِمُجَرَّدِ مَا وَقَعَ، فَقَدْ أَخْطَأَ
وَخَالَفَ النَّصَّ النَّبَوِيَّ الْمُحَمَّدِيَّ الَّذِي لَا يَنْطِقُ عَنِ
الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى، وَقَدْ تُكَمَّلُ بِهَذِهِ السَّنَةِ
الْمُدَّةُ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَّهَا مُدَّةُ الْخِلَافَةِ الْمُتَتَابِعَةِ بَعْدَهُ، كَمَا
تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ سَفِينَةَ مَوْلَاهُ أَنَّهُ قَالَ: " الْخِلَافَةُ
بَعْدِي ثَلَاثُونَ سَنَةً ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا ". وَفِي رِوَايَةٍ "
عَضُوضًا ". وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ قَالَ رَضِينَا بِهَا
مُلْكًا
وَقَدْ قَالَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ فِي كِتَابِهِ " الْفِتَنِ
وَالْمَلَاحِمِ " سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ
فُضَيْلٍ،
عَنِ السَّرِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ
بْنِ اللَّيْلِ قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ يَقُولُ: سَمِعْتُ
عَلِيًّا يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ: " لَا تَذْهَبُ الْأَيَّامُ وَاللَّيَالِي حَتَّى يَجْتَمِعَ أَمْرُ
هَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَجُلٍ وَاسِعِ السُّرْمِ، ضَخْمِ الْبُلْعُمِ، يَأْكُلُ
وَلَا يَشْبَعُ وَهُوَ مُعَاوِيَةُ " هَكَذَا وَقَعَ فِي هَذِهِ
الرِّوَايَةِ. وَفِي رِوَايَةٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ: " لَا تَذْهَبُ
الْأَيَّامُ وَاللَّيَالِي حَتَّى تَجْتَمِعَ هَذِهِ الْأُمَّةُ عَلَى مُعَاوِيَةَ
"
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ
مُهَاجِرٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: قَالَ
مُعَاوِيَةُ:وَاللَّهِ مَا حَمَلَنِي عَلَى الْخِلَافَةِ إِلَّا قَوْلُ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِي: " يَا مُعَاوِيَةُ، إِنْ
مَلَكْتَ فَأَحْسِنْ "
ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَلَهُ شَوَاهِدُ، مِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ
يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، عَنْ جَدِّهِ سَعِيدٍ، أَنَّ مُعَاوِيَةَ
أَخَذَ الْإِدَاوَةَ فَتَبِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَقَالَ: " يَا مُعَاوِيَةُ، إِنْ وُلِّيتَ أَمْرًا
فَاتَّقِ اللَّهَ وَاعْدِلْ " قَالَ مُعَاوِيَةُ: فَمَا زِلْتُ أَظُنُّ
أَنِّي مُبْتَلًى بِعَمَلٍ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ.
وَمِنْهَا
حَدِيثُ الثَّوْرِيِّ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ
الدَّارِيِّ، عَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّكَ إِنِ اتَّبَعْتَ عَوْرَاتِ النَّاسِ
أَفْسَدَتْهُمْ، أَوْ كِدْتَ أَنْ تُفْسِدَهُمْ " ثُمَّ يَقُولُ أَبُو
الدَّرْدَاءِ كَلِمَةٌ سَمِعَهَا مُعَاوِيَةُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ، عَنِ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ،
عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
الْخِلَافَةُ بِالْمَدِينَةِ، وَالْمُلْكُ بِالشَّامِ "
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى، ثَنَا يَحْيَى
بْنُ حَمْزَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَاقِدٍ، حَدَّثَنِي بُسْرٌ بْنُ عُبَيْدِ
اللَّهِ، حَدَّثَنِي أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيُّ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بَيْنَا
أَنَا نَائِمٌ إِذْ رَأَيْتُ عَمُودَ الْكِتَابِ احْتُمِلَ مِنْ تَحْتِ رَأْسِي، فَظَنَنْتُ
أَنَّهُ مَذْهُوبٌ بِهِ، فَأَتْبَعْتُهُ بَصَرِي، فَعُمِدَ بِهِ إِلَى الشَّامِ،
أَلَّا وَإِنَّ الْإِيمَانَ، حِينَ تَقَعُ الْفِتَنُ، بِالشَّامِ "
وَهَاهُنَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ يَعْقُوبَ بْنِ سُفْيَانَ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ حَمْزَةَ الْبَتْلَهِيِّ بِهِ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ، وَرُوِيَ
مِنْ
وَجْهٍ آخَرَ.
ثُمَّ سَاقَهُ مِنْ طَرِيقِ عُقْبَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ
الْعَزِيزِ الدِّمَشْقِيِّ، عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
إِنِّي رَأَيْتُ أَنَّ عَمُودَ الْكِتَابِ انْتُزِعَ مِنْ تَحْتِ وِسَادَتِي،
فَنَظَرْتُ فَإِذَا هُوَ نُورٌ سَاطِعٌ عُمِدَ بِهِ إِلَى الشَّامِ، أَلَا إِنَّ
الْإِيمَانَ، إِذَا وَقَعَتِ الْفِتَنُ، بِالشَّامِ "
ثُمَّ أَوْرَدَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ نَحْوَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: " فَأَتْبَعْتُهُ
بَصَرِي حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ مَذْهُوبٌ بِهِ ". قَالَ: " وَإِنِّي
أَوَّلْتُ أَنَّ الْفِتَنَ إِذَا وَقَعَتْ، أَنَّ الْإِيمَانَ بِالشَّامِ قَالَ
الْوَلِيدُ: وَحَدَّثَنِي عُفَيْرُ بْنُ مَعْدَانَ، أَنَّهُ سَمِعَ سُلَيْمَ بْنَ
عَامِرٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ ذَلِكَ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: حَدَّثَنِي نَصْرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
سُلَيْمَانَ الْحِمْصِيُّ، ثَنَا أَبِي أَبُو ضَمْرَةَ مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ
السُّلَمِيُّ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي قَيْسٍ، سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ
الْخَطَّابِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" رَأَيْتُ عَمُودًا مِنْ نُورٍ خَرَجَ مِنْ تَحْتِ رَأْسِي سَاطِعًا حَتَّى
اسْتَقَرَّ بِالشَّامِ " وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ قَالَ:
قَالَ
رَجُلٌ يَوْمَ صِفِّينَ: اللَّهُمَّ الْعَنْ أَهْلَ الشَّامِ. فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ:
لَا تَسُبَّ أَهْلَ الشَّامِ جَمًّا غَفِيرًا، فَإِنَّ بِهَا الْأَبْدَالَ،
فَإِنَّ بِهَا الْأَبْدَالَ، فَإِنَّ بِهَا الْأَبْدَالَ.
وَقَدْ رُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا
أَبُو الْمُغِيرَةِ، ثَنَا صَفْوَانُ، حَدَّثَنِي شُرَيْحٌ، يَعْنِي ابْنَ
عُبَيْدٍ الْحَضْرَمِيَّ، قَالَ: ذُكِرَ أَهْلُ الشَّامِ عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ
أَبِي طَالِبٍ وَهُوَ بِالْعِرَاقِ، فَقَالُوا: الْعَنْهُمْ يَا أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ: لَا، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ: الْأَبْدَالُ يَكُونُونَ بِالشَّامِ، وَهُمْ أَرْبَعُونَ
رَجُلًا، كُلَّمَا مَاتَ رَجُلٌ أَبْدَلَ اللَّهُ مَكَانَهُ رَجُلًا، يُسْقَى
بِهِمُ الْغَيْثُ، وَيُنْتَصَرُ بِهِمْ عَلَى الْأَعْدَاءِ، وَيُصْرَفُ عَنْ
أَهْلِ الشَّامِ بِهِمُ الْعَذَابُ. تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ، وَفِيهِ انْقِطَاعٌ،
فَقَدْ نَصَّ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ عَلَى أَنَّ شُرَيْحَ بْنَ عُبَيْدٍ هَذَا
لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي أُمَامَةَ وَلَا مِنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ،
وَأَنَّ رِوَايَتَهُ عَنْهُمَا مُرْسَلَةٌ. فَمَا ظَنُّكَ بِرِوَايَتِهِ عَنْ
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَهُوَ أَقْدَمُ وَفَاةً مِنْهُمَا؟!
إِخْبَارُهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ غَزَاةِ الْبَحْرِ إِلَى قُبْرُصَ الَّتِي
كَانَتْ فِي أَيَّامِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ،
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلْحَانَ فَتُطْعِمُهُ، وَكَانَتْ تَحْتَ
عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمًا فَأَطْعَمَتْهُ، ثُمَّ
جَلَسَتْ تَفْلِي رَأْسَهُ، فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ. قَالَتْ: فَقُلْتُ: مَا يُضْحِكُكَ
يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً
فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَرْكَبُونَ ثَبَجَ هَذَا الْبَحْرِ، مُلُوكًا عَلَى
الْأَسِرَّةِ " - أَوْ " مِثْلَ الْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ ".
شَكَّ إِسْحَاقُ - فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي
مِنْهُمْ. فَدَعَا لَهَا، ثُمَّ وَضَعَ رَأْسَهُ فَنَامَ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ
وَهُوَ يَضْحَكُ. قَالَتْ: قُلْتُ: مَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:
" نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ ".
كَمَا قَالَ فِي الْأُولَى قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ
أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. فَقَالَ: " أَنْتِ مِنَ الْأَوَّلِينَ ".
قَالَ: فَرَكِبَتْ أُمُّ حَرَامٍ بِنْتُ مِلْحَانَ الْبَحْرَ فِي زَمَانِ
مُعَاوِيَةَ، فَصُرِعَتْ عَنْ دَابَّتِهَا حِينَ خَرَجَتْ مِنَ الْبَحْرِ
فَهَلَكَتْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ
عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ. وَأَخْرَجَاهُ فِي
" الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ،
كِلَاهُمَا عَنْ يَحْيَى بْنِ
سَعِيدٍ،
وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ
خَالَتِهِ أُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلْحَانَ، فَذَكَرَ الْحَدِيثِ، إِلَى أَنْ
قَالَ: فَخَرَجَتْ مَعَ زَوْجِهَا عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ غَازِيَةً أَوَّلَ
مَا رَكِبُوا مَعَ مُعَاوِيَةَ، أَوْ أَوَّلَ مَا رَكِبَ الْمُسْلِمُونَ الْبَحْرَ
مَعَ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، فَلَمَّا انْصَرَفُوا مِنْ غَزَاتِهِمْ
قَافِلِينَ فَنَزَلُوا الشَّامَ، فَقُرِّبَتْ إِلَيْهَا دَابَّةٌ; لِتَرْكَبَهَا،
فَصَرَعَتْهَا فَمَاتَتْ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي إِسَحْاقَ
الْفَزَارِيِّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ أَبِي طُوَالَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، عَنْ أَنَسٍ بِهِ. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ
مَعْمَرٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أُخْتِ
أُمِّ سُلَيْمٍ الرُّمَيْصَاءِ، وَهِيَ أُمُّ حَرَامٍ، فَذَكَرَ نَحْوَ مَا
تَقَدَّمَ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: بَابُ مَا قِيلَ فِي قِتَالِ الرُّومِ. حَدَّثَنَا
إِسْحَاقُ بْنُ يَزِيدَ الدِّمَشْقِيِّ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنِي
ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، أَنَّ عُمَيْرَ بْنَ
الْأَسْوَدِ الْعَنْسِيَّ حَدَّثَهُ أَنَّهُ أَتَى عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ
وَهُوَ نَازِلٌ فِي سَاحَةِ حِمْصَ، وَهُوَ فِي بِنَاءٍ لَهُ وَمَعَهُ أُمُّ
حَرَامٍ. قَالَ عُمَيْرٌ: فَحَدَّثَتْنَا أُمُّ حَرَامٍ أَنَّهَا
سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ الْبَحْرَ قَدْ أَوْجَبُوا ". قَالَتْ أُمُّ حَرَامٍ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا فِيهِمْ؟ قَالَ: " أَنْتِ فِيهِمْ ". قَالَتْ: ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ مَدِينَةَ قَيْصَرَ مَغْفُورٌ لَهُمْ ". قُلْتُ: أَنَا فِيهِمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " لَا " تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ دُونَ أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ. وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي " الدَّلَائِلِ " عَنِ الْحَاكِمِ، عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سُفْيَانَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ الْخَطِيبِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ حَمْزَةَ الْقَاضِي بِهِ. وَهُوَ يُشْبِهُ مَعْنَى الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ، وَفِيهِ مِنْ دَلَائِلَ النُّبُوَّةِ ثَلَاثٌ; إِحْدَاهَا الْإِخْبَارُ عَنِ الْغَزْوَةِ الْأُولَى فِي الْبَحْرِ، وَقَدْ كَانَتْ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ مَعَ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، حِينَ غَزَا قُبْرُصَ وَهُوَ نَائِبُ الشَّامِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وَكَانَتْ مَعَهُمْ أُمُّ حَرَامٍ بِنْتُ مِلْحَانَ هَذِهِ، صُحْبَةَ زَوْجِهَا عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، أَحَدِ النُّقَبَاءِ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ، فَتُوُفِّيَتْ مَرْجِعَهُمْ مِنَ الْغَزْوِ; قِيلَ: بِالشَّامِ. كَمَا تَقَدَّمَ فِي الرِّوَايَةِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ. وَقَالَ ابْنُ زَبْرٍ: تُوُفِّيَتْ بِقُبْرُصَ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ. وَالْغَزْوَةُ الثَّانِيَةُ غَزْوَةُ قُسْطَنْطِينِيَّةَ مَعَ أَوَّلِ جَيْشٍ غَزَاهَا، وَكَانَ أَمِيرُهَا يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، وَذَلِكَ سَنَةَ ثِنْتَيْنِ وَخَمْسِينَ، وَكَانَ مَعَهُمْ أَبُو أَيُّوبَ خَالِدُ بْنُ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ، فَمَاتَ هُنَالِكَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ، وَلَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْمَرْأَةُ مَعَهُمْ; لِأَنَّهَا كَانَتْ قَدْ تُوُفِّيَتْ قَبْلَ ذَلِكَ فِي الْغَزْوَةِ الْأُولَى. فَهَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ ثَلَاثُ آيَاتٍ مِنْ دَلَائِلَ النُّبُوَّةِ; الْإِخْبَارُ عَنِ الْغَزْوَتَيْنِ، وَالْإِخْبَارُ عَنِ الْمَرْأَةِ بِأَنَّهَا مِنَ الْأَوَّلِينَ وَلَيْسَتْ مِنَ الْآخَرِينَ، وَكَذَلِكَ وَقَعَ كَمَا أَخْبَرَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ.
الْإِخْبَارُ
عَنْ غَزْوَةِ الْهِنْدِ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ سَيَّارٍ، عَنْ جَبْرِ بْنِ
عَبِيدَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَوَعَدَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ الْهِنْدِ، فَإِنِ اسْتُشْهِدْتُ كُنْتُ مِنْ خَيْرِ
الشُّهَدَاءِ، وَإِنْ رَجَعْتُ فَأَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ الْمُحَرَّرُ. رَوَاهُ
النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ هُشَيْمٍ وَزَيْدِ بْنِ أُنَيْسَةَ، عَنْ سَيَّارٍ،
عَنْ جَبْرٍ - وَيُقَالُ: جُبَيْرٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: وَعَدَنَا
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ الْهِنْدِ.
وَذَكَرَهُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ، ثَنَا الْبَرَاءُ عَنِ
الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي خَلِيلِي الصَّادِقُ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ " يَكُونُ فِي
هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْثٌ إِلَى السِّنْدِ وَالْهِنْدِ " فَإِنْ أَنَا
أَدْرَكْتُهُ فَاسْتُشْهِدْتُ فَذَاكَ، وَإِنْ أَنَا - فَذَكَرَ كَلِمَةً -
رَجَعْتُ فَأَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ الْمُحَرَّرُ; قَدْ أَعْتَقَنِي مِنَ النَّارِ.
تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ، وَقَدْ غَزَا الْمُسْلِمُونَ الْهِنْدَ فِي أَيَّامِ
مُعَاوِيَةَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ، وَكَانَتْ هُنَالِكَ أُمُورٌ
سَيَأْتِي بَسْطُهَا فِي مَوْضِعِهَا، وَقَدْ غَزَا الْمَلِكُ الْكَبِيرُ
الْجَلِيلُ مَحْمُودُ بْنُ
سُبُكْتِكِينَ
صَاحِبُ غَزْنَةَ فِي حُدُودِ أَرْبَعِمِائَةٍ بِلَادَ الْهِنْدِ، فَوَغَلَ فِيهَا
وَقَتَلَ وَأَسَرَ وَسَبَى وَغَنِمَ وَدَخَلَ السُّومَنَاتَ، وَكَسَرَ الْبُدَّ
الْأَعْظَمَ الَّذِي يَعْبُدُونَهُ، وَاسْتَلَبَ شُنُوفَهُ وَقَلَائِدَهُ، ثُمَّ
رَجَعَ سَالِمًا مُؤَيِّدًا مَنْصُورًا، كَمَا سَيَأْتِي.
فَصْلٌ فِي الْإِخْبَارِ عَنْ قِتَالِ التُّرْكِ كَمَا وَقَعَ، سَنُبَيِّنُهُ إِنْ
شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَبِهِ ثِقَةٌ
قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنَا شُعَيْبٌ، ثَنَا أَبُو
الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى
تُقَاتِلُوا قَوْمًا نِعَالُهُمُ الشَّعْرُ، وَحَتَّى تُقَاتِلُوا التُّرْكَ
صِغَارَ الْأَعْيُنِ، حُمْرَ الْوُجُوهِ، ذُلْفَ الْأُنُوفِ، كَأَنَّ
وُجُوهَهُمُ
الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ، وَتَجِدُونَ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ أَشَدَّهُمْ
كَرَاهِيَةً لِهَذَا الْأَمْرِ حَتَّى يَقَعَ فِيهِ، وَالنَّاسُ مَعَادِنُ،
خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ، وَلَيَأْتِيَنَّ
عَلَى أَحَدِكُمْ زَمَانٌ لَأَنْ يَرَانِي أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ
لَهُ مِثْلُ أَهْلِهِ وَمَالِهِ ". تَفَرَّدَ بِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا يَحْيَى، ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ
مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى
تُقَاتِلُوا خُوزًا وَكِرْمَانَ مِنَ الْأَعَاجِمِ، حُمْرَ الْوُجُوهِ، فُطْسَ
الْأُنُوفِ، صِغَارَ الْأَعْيُنِ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ،
نِعَالُهُمُ الشَّعْرُ ". تَابَعَهُ غَيْرُهُ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ.
وَقَدْ ذَكَرَ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: أَخْطَأَ عَبْدُ
الرَّزَّاقِ فِي قَوْلِهِ: خُوزًا. بِالْخَاءِ، وَإِنَّمَا هُوَ بِالْجِيمِ.
قُلْتُ: خُوزٌ وَكِرْمَانُ بَلَدَانِ مَعْرُوفَانِ بِالشَّرْقِ. فَاللَّهُ
أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ
سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْمًا كَأَنَّ
وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ، نِعَالُهُمُ الشَّعْرُ " وَقَدْ
رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ، مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ
عُيَيْنَةَ بِهِ.
وَقَالَ
الْبُخَارِيُّ: ثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، ثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: قَالَ
إِسْمَاعِيلُ: أَخْبَرَنِي قَيْسٌ قَالَ: أَتَيْنَا أَبَا هُرَيْرَةَ، رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ثَلَاثَ سِنِينَ لَمْ أَكُنْ فِي سِنِّي أَحْرَصَ عَلَى أَنْ أَعِيَ
الْحَدِيثَ مِنِّي فِيهِنَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ; وَقَالَ هَكَذَا بِيَدِهِ: بَيْنَ
يَدَيِ السَّاعَةِ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نِعَالُهُمُ الشَّعْرُ وَهُوَ هَذَا
الْبَارِزُ، وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً: وَهُمْ أَهْلُ الْبَازَرِ.
وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ وَوَكِيعٍ،
كِلَاهُمَا عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي
حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْمًا
نِعَالُهُمُ الشَّعْرُ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ، حُمْرُ
الْوُجُوهِ، صِغَارُ الْأَعْيُنِ قُلْتُ: وَأَمَّا قَوْلُ سُفْيَانَ بْنِ
عُيَيْنَةَ: هُمْ أَهْلُ الْبَازَرِ. فَالْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَةِ تَقْدِيمُ
الرَّاءِ عَلَى الزَّايِ، وَلَعَلَّهُ تَصْحِيفٌ اشْتَبَهَ عَلَى الْقَائِلِ، مِنَ
الْبَازَرِ; وَهُوَ السُّوقُ بِلُغَتِهِمْ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانَ، ثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ،
سَمِعْتُ الْحَسَنَ
قَالَ:
ثَنَا عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ تُقَاتِلُوا
قَوْمًا نِعَالُهُمُ الشَّعْرُ - أَوْ: يَنْتَعِلُونَ الشَّعْرَ - وَإِنَّ مِنْ
أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ تُقَاتِلُوا قَوْمًا عِرَاضَ الْوُجُوهِ، كَأَنَّ
وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ سُلَيْمَانَ
بْنِ حَرْبٍ وَأَبِي النُّعْمَانِ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ بِهِ.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ قِتَالَ التُّرْكِ وَقَعَ فِي آخِرِ أَيَّامِ الصَّحَابَةِ،
قَاتَلُوا الْقَانَ الْأَعْظَمَ، فَكَسَرُوهُ كَسْرَةً عَظِيمَةً، عَلَى مَا
سَنُورِدُهُ فِي مَوْضِعِهِ إِذَا انْتَهَيْنَا إِلَيْهِ، بِحَوَلِ اللَّهِ
وَقُوَّتِهِ وَحُسْنِ تَوْفِيقِهِ.
خَبَرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ الْأَزْرَقُ، ثَنَا
ابْنُ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدٍ، هُوَ ابْنُ سِيرِينَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ
قَالَ: كُنْتُ فِي الْمَسْجِدِ، فَجَاءَ رَجُلٌ فِي وَجْهِهِ أَثَرُ خُشُوعٍ،
فَدَخَلَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَأَوْجَزَ فِيهِمَا، فَقَالَ الْقَوْمُ: هَذَا رَجُلٌ
مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ. فَلَمَّا خَرَجَ اتَّبَعْتُهُ حَتَّى دَخَلَ مَنْزِلَهُ،
فَدَخَلْتُ مَعَهُ فَحَدَّثْتُهُ، فَلَمَّا اسْتَأْنَسَ قُلْتُ لَهُ: إِنَّ
الْقَوْمَ لَمَّا دَخَلْتَ قَبْلُ الْمَسْجِدَ قَالُوا كَذَا، وَكَذَا قَالَ:
سُبْحَانَ اللَّهِ، وَاللَّهِ مَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ مَا لَا
يَعْلَمُ، وَسَأُحَدِّثُكَ
أَنِّي
رَأَيْتُ رُؤْيَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَصَصْتُهَا عَلَيْهِ; رَأَيْتُ كَأَنِّي فِي رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ - قَالَ ابْنُ
عَوْنٍ: فَذَكَرَ مِنْ خُضْرَتِهَا وَسِعَتِهَا - وَسَطُهَا عَمُودُ حَدِيدٍ،
أَسْفَلُهُ فِي الْأَرْضِ وَأَعْلَاهُ فِي السَّمَاءِ، فِي أَعْلَاهُ عُرْوَةٌ.
فَقِيلَ لِي: اصْعَدْ عَلَيْهِ. فَقُلْتُ: لَا أَسْتَطِيعُ. فَجَاءَ مِنْصَفٌ -
قَالَ ابْنُ عَوْنٍ: وَهُوَ الْوَصِيفُ - فَرَفَعَ ثِيَابِي مِنْ خَلْفِي فَقَالَ:
اصْعَدْ عَلَيْهِ. فَصَعِدْتُ حَتَّى أَخَذْتُ بِالْعُرْوَةِ، فَقَالَ:
اسْتَمْسِكْ بِالْعُرْوَةِ. فَاسْتَيْقَظْتُ وَإِنَّهَا لَفِي يَدِي. قَالَ:
فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَصَصْتُهَا عَلَيْهِ،
فَقَالَ: " أَمَّا الرَّوْضَةُ فَرَوْضَةُ الْإِسْلَامِ، وَأَمَّا الْعَمُودُ
فَعَمُودُ الْإِسْلَامِ، وَأَمَّا الْعُرْوَةُ فَهِيَ الْعُرْوَةُ الْوُثْقَى،
أَنْتَ عَلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى تَمُوتَ ". قَالَ: وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ سَلَامٍ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَوْنٍ.
ثُمَّ قَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ،
عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ، عَنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ خَرَشَةَ
بْنِ الْحُرِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، فَذَكَرَهُ مُطَوَّلًا، وَفِيهِ
قَالَ:حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى جَبَلٍ زَلِقٍ، فَأَخَذَ بِيَدِي فَدَحَانِي،
فَإِذَا أَنَا عَلَى ذِرْوَتِهِ، فَلَمْ أَتَقَارَّ وَلَمْ أَتَمَاسَكْ، وَإِذَا
عَمُودُ حَدِيدٍ فِي ذِرْوَتِهِ حَلْقَةُ ذَهَبٍ، فَأَخَذَ بِيَدِي فَدَحَانِي
حَتَّى أَخَذْتُ بِالْعُرْوَةِ. وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ. وَأَخْرَجَهُ
مُسْلِمٌ فِي " صَحِيحِهِ " مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ، عَنْ سُلَيْمَانَ
بْنِ مُسْهِرٍ، عَنْ خَرَشَةَ بْنِ الْحُرِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ،
فَذَكَرَهُ وَقَالَ: حَتَّى أَتَى بِي جَبَلًا، فَقَالَ لِيَ:
اصْعَدْ.
فَجَعَلْتُ إِذَا أَرَدْتُ أَنْ أَصْعَدَ خَرَرْتُ عَلَى اسْتِي، حَتَّى فَعَلْتُ
ذَلِكَ مِرَارًا. وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لَهُ حِينَ ذَكَرَ رُؤْيَاهُ:
" وَأَمَّا الْجَبَلُ فَهُوَ مَنْزِلُ الشُّهَدَاءِ، وَلَنْ تَنَالَهُ قَالَ
الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذِهِ مُعْجِزَةٌ ثَانِيَةٌ، حَيْثُ أَخْبَرَ أَنَّهُ لَا
يَنَالُ الشَّهَادَةَ. وَهَكَذَا وَقَعَ; فَإِنَّهُ مَاتَ سَنَةَ ثَلَاثٍ
وَأَرْبَعِينَ، فِيمَا ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَامٍ
وَغَيْرُهُ.
الْإِخْبَارُ عَنْ مَوْتِ مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ بِسَرِفَ
قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي " التَّارِيخِ ": قَالَ مُوسَى بْنِ
إِسْمَاعِيلَ: ثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَصَمِّ، ثَنَا يَزِيدُ بْنُ الْأَصَمِّ قَالَ:ثَقُلَتْ
مَيْمُونَةُ بِمَكَّةَ وَلَيْسَ عِنْدَهَا مِنْ بَنِي أَخِيهَا أَحَدٌ، فَقَالَتْ:
أَخْرَجُونِي مِنْ مَكَّةَ فَإِنِّي لَا أَمُوتُ بِهَا، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَنِي أَنِّي لَا أَمُوتُ بِمَكَّةَ.
فَحَمَلُوهَا حَتَّى أَتَوْا بِهَا سَرِفَ، إِلَى الشَّجَرَةِ الَّتِي بَنَى بِهَا
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَهَا فِي مَوْضِعِ
الْقُبَّةِ، فَمَاتَتْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قُلْتُ: وَكَانَ مَوْتُهَا سَنَةَ
إِحْدَى وَخَمْسِينَ عَلَى الصَّحِيحِ
مَا
رُوِيَ فِي إِخْبَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ مَقْتَلِ حُجْرِ
بْنِ عَدِيٍّ وَأَصْحَابِهِ
قَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: ثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ، ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ،
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زُرَيْرٍ
الْغَافِقِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يَقُولُ: يَا أَهْلَ
الْعِرَاقِ، سَيُقْتَلُ مِنْكُمْ سَبْعَةُ نَفَرٍ بِعَذْرَاءَ، مَثَلُهُمْ
كَمَثَلِ أَصْحَابِ الْأُخْدُودِ. فَقُتِلَ حُجْرُ بْنُ عَدِيٍّ وَأَصْحَابُهُ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: ذَكَرَ زِيَادُ بْنُ
سُمَيَّةَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقَبَضَ حُجْرٌ عَلَى
الْحَصْبَاءِ ثُمَّ أَرْسَلَهَا، وَحَصَبَ مَنْ حَوْلَهُ زِيَادًا، فَكَتَبَ إِلَى
مُعَاوِيَةَ يَقُولُ: إِنَّ حُجْرًا حَصَبَنِي وَأَنَا عَلَى الْمِنْبَرِ. فَكَتَبَ
إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ أَنْ يَحْمِلَ إِلَيْهِ حُجْرًا، فَلَمَّا قَرُبَ مِنْ
دِمَشْقَ بَعَثَ مَنْ يَتَلَقَّاهُمْ، فَالْتَقَى مَعَهُمْ بِعَذْرَاءَ
فَقَتَلَهُمْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: لَا يَقُولُ عَلَيٌّ مِثْلَ هَذَا إِلَّا أَنْ
يَكُونَ سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ، ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
أَخْبَرَنِي ابْنُ
لَهِيعَةَ،
عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ قَالَ: دَخَلَ مُعَاوِيَةُ عَلَى عَائِشَةَ فَقَالَتْ: مَا
حَمَلَكَ عَلَى قَتْلِ أَهْلِ عَذْرَاءَ حُجْرٍ وَأَصْحَابِهِ؟ فَقَالَ: يَا أُمَّ
الْمُؤْمِنِينَ، إِنِّي رَأَيْتُ قَتْلَهُمْ صَلَاحًا لِلْأُمَّةِ، وَأَنَّ
بَقَاءَهُمْ فَسَادٌ. فَقَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " سَيُقْتَلُ بِعَذْرَاءَ نَاسٌ يَغْضَبُ
اللَّهُ لَهُمْ وَأَهْلُ السَّمَاءِ " وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ:
ثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ
زَيْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ
قَالَ:دَخَلْتُ مَعَ مُعَاوِيَةَ عَلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ، رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا، فَقَالَتْ: يَا مُعَاوِيَةُ، قَتَلْتَ حُجْرًا وَأَصْحَابَهُ،
وَفَعَلْتَ الَّذِي فَعَلْتَ، أَمَّا خَشِيتَ أَنْ أُخَبِّئَ لَكَ رَجُلًا
فَيَقْتُلَكَ؟ قَالَ: لَا، إِنِّي فِي بَيْتِ أَمَانٍ; سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " الْإِيمَانُ قَيَّدَ
الْفَتْكَ، لَا يَفْتِكُ مُؤْمِنٌ ". يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، كَيْفَ أَنَا
فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ حَاجَاتِكَ؟ قَالَتْ: صَالِحٌ. قَالَ: فَدَعِينِي
وَحُجْرًا حَتَّى نَلْتَقِيَ عِنْدَ رَبِّنَا، عَزَّ وَجَلَّ
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ
مُعَاذٍ، ثَنَا أَبِي، ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ لِعَشَرَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ: " آخِرُكُمْ مَوْتًا فِي النَّارِ
". فِيهِمْ سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ. قَالَ أَبُو نَضْرَةَ: فَكَانَ سَمُرَةَ
آخِرُهُمْ مَوْتًا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ; إِلَّا أَنَّ أَبَا
نَضْرَةَ
الْعَبْدِيَّ
لَمْ يَثْبُتْ لَهُ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ سَمَاعٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ رَوَى مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ،
عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ حَكِيمٍ قَالَ: كُنْتُ أَمُرُّ بِالْمَدِينَةِ
فَأَلْقَى أَبَا هُرَيْرَةَ، فَلَا يَبْدَأُ بِشَيْءٍ حَتَّى يَسْأَلَنِي عَنْ
سَمُرَةَ، فَلَوْ أَخْبَرْتُهُ بِحَيَاتِهِ وَصِحَّتِهِ فَرِحَ وَقَالَ: إِنَّا
كُنَّا عَشَرَةً فِي بَيْتٍ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَامَ عَلَيْنَا، وَنَظَرَ
فِي وُجُوهِنَا وَأَخَذَ بِعِضَادَتَيِ الْبَابِ وَقَالَ: " آخِرُكُمْ
مَوْتًا فِي النَّارِ ". فَقَدْ مَاتَ مِنَّا ثَمَانِيَةٌ وَلَمْ يَبْقَ
غَيْرِي وَغَيْرُهُ، فَلَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَكُونَ قَدْ
ذُقْتُ الْمَوْتَ وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ; وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ
سُفْيَانَ: ثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، ثَنَا حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ
عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَوْسِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ:كُنْتُ إِذَا قَدِمْتُ عَلَى
أَبِي مَحْذُورَةَ سَأَلَنِي عَنْ سَمُرَةَ، وَإِذَا قَدِمْتُ عَلَى سَمُرَةَ
سَأَلَنِي عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ، فَقُلْتُ لِأَبِي مَحْذُورَةَ: مَالَكَ إِذَا
قَدِمْتُ عَلَيْكَ تَسْأَلُنِي عَنْ سَمُرَةَ، وَإِذَا قَدِمْتُ عَلَى سَمُرَةَ
سَأَلَنِي عَنْكَ؟ فَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ أَنَا وَسَمُرَةَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ
فِي بَيْتٍ، فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:
" آخِرُكُمْ مَوْتًا فِي النَّارِ ". قَالَ: فَمَاتَ أَبُو هُرَيْرَةَ،
ثُمَّ مَاتَ أَبُو مَحْذُورَةَ، ثُمَّ مَاتَ سَمُرَةَ
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَنَا مَعْمَرٌ، سَمِعْتُ ابْنَ طَاوُسٍ وَغَيْرَهُ
يَقُولُونَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي
هُرَيْرَةَ وَلِسَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ وَلِرَجُلٍ آخَرَ: " آخِرُكُمْ
مَوْتًا فِي النَّارِ ".
فَمَاتَ
الرَّجُلُ قَبْلَهُمَا. وَبَقِيَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَسَمُرَةُ، فَكَانَ الرَّجُلُ
إِذَا أَرَادَ أَنْ يَغِيظَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: مَاتَ سَمُرَةَ. فَإِذَا
سَمِعَهُ غَشِيَ عَلَيْهِ وَصُعِقَ، ثُمَّ مَاتَ أَبُو هُرَيْرَةَ قَبْلَ
سَمُرَةَ، فَقَتَلَ سَمُرَةُ بَشَرًا كَثِيرًا. وَقَدْ ضَعَّفَ الْبَيْهَقِيُّ
عَامَّةَ هَذِهِ الرِّوَايَات ِ; لِانْقِطَاعِ بَعْضِهَا وَإِرْسَالِهِ، ثُمَّ
قَالَ: وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِنَّ سَمُرَةَ مَاتَ فِي
الْحَرِيقِ. ثُمَّ قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُورَدَ النَّارَ بِذُنُوبِهِ، ثُمَّ
يَنْجُو مِنْهَا بِإِيمَانِهِ، فَيَخْرُجُ مِنْهَا بِشَفَاعَةِ الشَّافِعِينَ،
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ أَوْرَدَ مِنْ طَرِيقِ هِلَالِ بْنِ الْعَلَاءِ الرَّقِّيِّ أَنَّ عَبْدَ
اللَّهِ بْنَ مُعَاوِيَةَ حَدَّثَهُمْ عَنْ رَجُلٍ قَدْ سَمَّاهُ، أَنَّ سَمُرَةَ
اسْتَجْمَرَ فَغَفَلَ عَنْ نَفْسِهِ وَغَفَلَ أَهْلُهُ عَنْهُ حَتَّى أَخَذْتُهُ
النَّارُ. قُلْتُ: وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّ سَمُرَةَ بْنَ جُنْدُبٍ، رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ، أَصَابَهُ كُزَازٌ شَدِيدٌ، فَكَانَ يُوقَدُ لَهُ عَلَى قَدْرٍ
مَمْلُوءَةٍ مَاءًا حَارًّا، فَيَجْلِسُ فَوْقَهَا; لِيَتَدَفَّأَ بِبُخَارِهَا،
فَسَقَطَ يَوْمًا فِيهَا فَمَاتَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَكَانَ مَوْتُهُ سَنَةَ تِسْعٍ
وَخَمْسِينَ بَعْدَ أَبِي هُرَيْرَةَ بِسَنَةٍ، وَقَدْ كَانَ يَنُوبُ عَنْ زِيَادِ
بْنِ سُمَيَّةَ فِي الْبَصْرَةِ إِذَا سَارَ إِلَى الْكُوفَةِ، وَفِي الْكُوفَةِ
إِذَا سَارَ إِلَى الْبَصْرَةِ، فَكَانَ يُقِيمُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا سِتَّةَ
أَشْهُرٍ مِنَ السَّنَةِ، وَكَانَ شَدِيدًا عَلَى الْخَوَارِجِ، يُكْثِرُ
الْقَتْلَ فِيهِمْ، وَيَقُولُ: هُمْ شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ.
وَقَدْ كَانَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَغَيْرُهُمَا
مِنْ
عُلَمَاءِ
الْبَصْرَةِ يُثْنُونَ عَلَيْهِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
خَبَرُ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ
رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ
مَرْزُوقٍ الْوَاشِحِيِّ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ رَافِعٍ،
عَنْ جَدَّتِهِ أَنَّ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ رُمِيَ - قَالَ عَمْرٌو: لَا أَدْرِي
أَيُّهُمَا قَالَ; يَوْمَ أُحُدٍ أَوْ يَوْمَ حُنَيْنٍ - بِسَهْمٍ فِي
ثَنْدُوَتِهِ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، انْزِعْ لِيَ السَّهْمَ. فَقَالَ لَهُ: " يَا
رَافِعُ، إِنْ شِئْتَ نَزَعْتُ السَّهْمَ وَالْقُطْبَةَ جَمِيعًا، وَإِنْ شِئْتَ
نَزَعْتُ السَّهْمَ وَتَرَكْتُ الْقُطْبَةَ، وَشَهِدْتُ لَكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
أَنَّكَ شَهِيدٌ ". فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، انْزِعِ السَّهْمَ
وَاتْرُكِ الْقُطْبَةَ، وَاشْهَدْ لِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنِّي شَهِيدٌ. قَالَ:
فَعَاشَ حَتَّى إِذَا كَانَ خِلَافَةُ مُعَاوِيَةَ انْتَقَضَ الْجُرْحُ فَمَاتَ
بَعْدَ الْعَصْرِ هَكَذَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ مَاتَ فِي
إِمَارَةِ مُعَاوِيَةَ، وَالَّذِي ذَكَرَهُ الْوَاقِدِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ
أَنَّهُ مَاتَ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ - وَقِيلَ أَرْبَعٍ - وَسَبْعِينَ.
وَمُعَاوِيَةُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَانَتْ وَفَاتُهُ فِي سَنَةِ سِتِّينَ
بِلَا خِلَافٍ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ
ذِكْرُ
إِخْبَارِهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، بِمَا وَقَعَ مِنَ الْفِتَنِ
بَعْدَ مُعَاوِيَةَ مِنْ أُغَيْلِمَةِ بَنِي هَاشِمٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ
قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنِي سُفْيَانُ،
عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " سَتَكُونُ أَثَرَةٌ
وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا
تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: " تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ،
وَتَسْأَلُونَ اللَّهَ الَّذِي لَكُمْ "
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ، ثَنَا أَبُو
مَعْمَرٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، ثَنَا شُعْبَةُ،
عَنْ أَبِي الْتَّيَّاحِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يُهْلِكُ النَّاسَ
هَذَا الْحَيُّ مِنْ قُرَيْشٍ ". قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ
اللَّهِ؟ قَالَ: " لَوْ أَنَّ النَّاسَ اعْتَزَلُوهُمْ " وَرَوَاهُ
مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: قَالَ مَحْمُودٌ: ثَنَا أَبُو دَاوُدَ، أَخْبَرَنَا
شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي الْتَّيَّاحِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ، وَحَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَكِّيُّ، ثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى
بْنِ
سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: كُنْتُ مَعَ مَرْوَانَ وَأَبِي
هُرَيْرَةَ فَسَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ الصَّادِقَ
الْمَصْدُوقَ يَقُولُ: " هَلَاكُ أُمَّتِي عَلَى يَدَيْ غِلْمَةٍ مِنْ
قُرَيْشٍ فَقَالَ مَرْوَانُ: غِلْمَةٌ؟! قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: إِنْ شِئْتَ أَنْ
أُسَمِّيَهِمْ بَنِي فُلَانٍ وَبَنِي فُلَانٍ. تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا رَوْحٌ، ثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ عَمْرُو بْنُ
يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، أَخْبَرَنِي
جَدِّي سَعِيدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " هَلَكَةُ
أُمَّتِي عَلَى يَدَيْ غِلْمَةٍ ". قَالَ مَرْوَانُ وَهُوَ مَعَنَا فِي
الْحَلْقَةِ قَبْلَ أَنْ يَلِيَ شَيْئًا: فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ غِلْمَةً.
قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَوْ أَشَاءُ أَنْ أَقُولَ بَنِي فُلَانٍ وَبَنِي فُلَانٍ
لَفَعَلْتُ. قَالَ: فَكُنْتُ أَخْرُجُ مَعَ أَبِي وَجَدِّي إِلَى بَنِي مَرْوَانَ
بَعْدَ مَا مَلَكُوا، فَإِذَا هُمْ يُبَايِعُونَ الصِّبْيَانَ، وَمِنْهُمْ مَنْ
يُبَايَعُ لَهُ وَهُوَ فِي خِرْقَةٍ. قَالَ لَنَا: هَلْ عَسَى أَصْحَابُكُمْ
هَؤُلَاءِ أَنْ يَكُونُوا الَّذِي سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَذْكُرُ؟ إِنَّ
هَذِهِ الْمُلُوكَ يُشْبِهُ بَعْضُهَا بَعْضًا
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سِمَاكٍ،
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ظَالِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ:
سَمِعْتُ حِبِّي أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ:
" إِنَّ فَسَادَ أُمَّتِي عَلَى يَدَيْ غِلْمَةٍ سُفَهَاءَ مِنْ قُرَيْشٍ
". ثُمَّ رَوَاهُ أَحْمَدُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ، عَنْ سُفْيَانَ،
وَهُوَ الثَّوْرِيُّ، عَنْ سِمَاكِ، عَنْ مَالِكِ بْنِ ظَالِمٍ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةِ، فَذَكَرَهُ. ثُمَّ رَوَى عَنْ غُنْدُرٍ وَرَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ، عَنْ
شُعْبَةَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ ظَالِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ
أَبَا هُرَيْرَةَ - زَادَ رَوْحٌ: يُحَدِّثُ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ - قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّادِقَ
الْمَصْدُوقَ يَقُولُ: " هَلَاكُ أُمَّتِي عَلَى رُءُوسِ غِلْمَةٍ أُمَرَاءَ
سُفَهَاءَ مِنْ قُرَيْشٍ "
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا
حَيْوَةُ، حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ أَبِي عَمْرٍو الْخَوْلَانِيُّ، أَنَّ
الْوَلِيدَ بْنَ قَيْسٍ التُّجِيبِيَّ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ
الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ: " يَكُونُ خَلْفٌ مِنْ بَعْدِ السِّتِّينَ سَنَةً أَضَاعُوا
الصَّلَاةَ، وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ، فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا، ثُمَّ
يَكُونُ خَلْفٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يَعْدُو تَرَاقِيَهُمْ، وَيَقْرَأُ
الْقُرْآنَ ثَلَاثَةٌ; مُؤْمِنٌ، وَمُنَافِقٌ، وَفَاجِرٌ. وَقَالَ بَشِيرٌ:
فَقُلْتُ لِلْوَلِيدِ: مَا هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ؟ قَالَ: الْمُنَافِقُ كَافِرٌ
بِهِ، وَالْفَاجِرُ يَتَأَكَّلُ بِهِ، وَالْمُؤْمِنُ يُؤْمِنُ بِهِ. تَفَرَّدَ
بِهِ أَحْمَدُ، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ قَوِيٌّ عَلَى شَرْطِ السُّنَنِ.
وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ، عَنِ الْحَاكِمِ، عَنِ الْأَصَمِّ، عَنِ الْحَسَنِ
بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ
الشَّعْبِيِّ قَالَ: لَمَّا رَجَعَ عَلِيٌّ مِنْ
صِفِّينَ
قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، لَا تَكْرَهُوا إِمَارَةَ مُعَاوِيَةَ; فَإِنَّهُ
لَوْ فَقَدْتُمُوهُ لَقَدْ رَأَيْتُمُ الرُّءُوسَ تَنْزُو مِنْ كَوَاهِلِهَا
كَالْحَنْظَلِ. ثُمَّ رَوَى عَنِ الْحَاكِمِ وَغَيْرِهِ، عَنِ الْأَصَمِّ، عَنِ
الْعَبَّاسِ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ مَزِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ
عُمَيْرِ بْنِ هَانِئٍ أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ
يَمْشِي فِي سُوقِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ لَا تُدْرِكُنِي
سَنَةُ السِّتِّينَ وَيْحَكُمْ تَمَسَّكُوا بِصُدْغَيْ مُعَاوِيَةَ، اللَّهُمَّ
لَا تُدْرِكُنِي إِمَارَةُ الصِّبْيَانِ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَعَلِيٌّ وَأَبُو
هُرَيْرَةَ إِنَّمَا يَقُولَانِ هَذَا الشَّيْءَ سَمِعْنَاهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: أَنَا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو الْحِزَامِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
سُلَيْمَانَ، عَنِ ابْنِ غُنَيْمٍ الْبَعْلَبَكِّيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْغَارِ،
عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ
الْجَرَّاحِ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" لَا يَزَالُ هَذَا الْأَمْرُ مُعْتَدِلًا قَائِمًا بِالْقِسْطِ حَتَّى
يَثْلَمَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ "
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ، مِنْ طَرِيقِ عَوْفٍ الْأَعْرَابِيِّ، عَنْ أَبِي
خَلْدَةَ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ:سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ أَوَّلَ مَنْ
يُبَدِّلُ سُنَّتِي
رَجُلٌ
مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ ". وَهَذَا مُنْقَطِعٌ بَيْنَ أَبِي الْعَالِيَةِ
وَأَبِي ذَرٍّ، وَقَدْ رَجَّحَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِحَدِيثِ أَبِي عُبَيْدَةَ
الْمُتَقَدِّمِ. قَالَ: وَيُشْبِهُ أَنَّ يَكُونَ هَذَا الرَّجُلُ هُوَ يَزِيدُ
بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قُلْتُ: النَّاسُ فِي يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ أَقْسَامٌ; فَمِنْهُمْ مَنْ
يُحِبُّهُ وَيَتَوَلَّاهُ، وَهُمْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ مِنَ
النَّوَاصِبِ، وَأَمَّا الرَّوَافِضُ فَيَشْغَبُونَ عَلَيْهِ، وَيُشَنِّعُونَ
وَيَفْتَرُونَ عَلَيْهِ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً لَيْسَتْ فِيهِ، وَيَتَّهِمُهُ
كَثِيرٌ مِنْهُمْ أَوْ أَكْثَرُهُمْ بِالزَّنْدَقَةِ، وَلَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ،
وَطَائِفَةٌ أُخْرَى لَا يُحِبُّونَهُ وَلَا يَسُبُّونَهُ; لِمَا يَعْلَمُونَ مِنْ
أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ زِنْدِيقًا كَمَا تَقَوَّلَهُ الرَّافِضَةُ، وَلِمَا وَقَعَ
فِي زَمَانِهِ مِنَ الْحَوَادِثِ الْفَظِيعَةِ، وَالْأُمُورِ الْمُسْتَنْكَرَةِ
الْبَشِيعَةِ الشَّنِيعَةِ، فَمِنْ أَنْكَرِهَا قَتْلُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ
بِكَرْبَلَاءَ، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ مِنْهُ، وَلَعَلَّهُ لَمْ
يَرْضَ بِهِ وَلَمْ يَسُؤْهُ، وَكَذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الْمُنْكَرَةِ جِدًّا
وَقْعَةُ الْحَرَّةِ وَمَا كَانَ مِنَ الْأُمُورِ الْقَبِيحَةِ بِالْمَدِينَةِ
النَّبَوِيَّةِ، عَلَى مَا سَنُورِدُهُ إِذَا انْتَهَيْنَا إِلَيْهِ فِي
التَّارِيخِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
الْإِخْبَارُ بِمَقْتَلِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ بِمَقْتَلِ الْحُسَيْنِ، فَقَالَ الْإِمَامُ
أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ حَسَّانَ، ثَنَا عُمَارَةُ، يَعْنِي
ابْنَ زَاذَانَ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: اسْتَأْذَنَ مَلَكُ الْمَطَرِ
أَنْ
يَأْتِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَذِنَ لَهُ فَقَالَ لِأُمِّ
سَلَمَةَ: " احْفَظِي عَلَيْنَا الْبَابَ لَا يَدْخُلْ أَحَدٌ ".
فَجَاءَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، فَوَثَبَ حَتَّى دَخَلَ فَجَعَلَ يَصْعَدُ
عَلَى مَنْكِبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ
الْمَلَكُ: أَتُحِبُّهُ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" نَعَمْ ". قَالَ: فَإِنَّ أُمَّتَكَ تَقْتُلُهُ، وَإِنْ شِئْتَ
أَرَيْتُكَ الْمَكَانَ الَّذِي يُقْتَلُ فِيهِ. قَالَ: فَضَرَبَ بِيَدِهِ
فَأَرَاهُ تُرَابًا أَحْمَرَ، فَأَخَذَتْ أُمُّ سَلَمَةَ ذَلِكَ التُّرَابَ
فَصَرَّتْهُ فِي طَرَفِ ثَوْبِهَا. قَالَ: فَكُنَّا نَسْمَعُ: يُقْتَلُ
بِكَرْبَلَاءَ. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ بِشْرِ بْنِ مُوسَى، عَنْ
عَبْدِ الصَّمَدِ، عَنْ عُمَارَةَ، فَذَكَرَهُ. ثُمَّ قَالَ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ
شَيْبَانُ بْنُ فُرُّوخٍ عَنْ عُمَارَةَ. وَعُمَارَةُ بْنُ زَاذَانَ هَذَا هُوَ
الصَّيْدَلَانِيُّ أَبُو سَلَمَةَ الْبَصْرِيُّ، اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَقَدْ قَالَ
فِيهِ أَبُو حَاتِمٍ: يُكْتَبُ حَدِيثُهُ وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ، لَيْسَ
بِالْمَتِينِ. وَضَعَّفَهُ أَحْمَدُ مَرَّةً وَوَثَّقَهُ أُخْرَى. وَحَدِيثُهُ
هَذَا قَدْ رُوِيَ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ; فَرَوَاهُ الْحَافِظُ
الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا،
نَحْوَ هَذَا.
وَقَدْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا الْحَاكِمُ فِي آخَرِينَ، قَالُوا: أَنَا
عَبَّاسٌ الْأَصَمُّ، أَنَا عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ، ثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ،
ثَنَا مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ هَاشِمِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ
عُتْبَةَ
بْنِ أَبِي وَقَاصٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبِ بْنِ زَمْعَةَ،أَخْبَرَتْنِي
أُمُّ سَلَمَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
اضْطَجَعَ ذَاتَ يَوْمٍ، فَاسْتَيْقَظَ وَهُوَ خَاثِرٌ، ثُمَّ اضْطَجَعَ فَرَقَدَ،
ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ خَاثِرٌ دُونَ مَا رَأَيْتُ مِنْهُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى،
ثُمَّ اضْطَجَعَ وَاسْتَيْقَظَ وَفِي يَدِهِ تُرْبَةٌ حَمْرَاءُ وَهُوَ
يُقَلِّبُهَا، فَقُلْتُ: مَا هَذِهِ التُّرْبَةُ، يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:
" أَخْبَرَنِي جِبْرِيلُ أَنَّ هَذَا يُقْتَلُ بِأَرْضِ الْعِرَاقِ -
لِلْحُسَيْنِ - قُلْتُ لَهُ: يَا جِبْرِيلُ، أَرِنِي تُرْبَةَ الْأَرْضِ الَّتِي
يُقْتَلُ بِهَا. فَهَذِهِ تُرْبَتُهَا. ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: تَابَعَهُ
مُوسَى الْجُهَنِيُّ عَنْ صَالِحِ بْنِ أَرْبَدَ النَّخَعِيِّ، عَنْ أُمِّ
سَلَمَةَ، وَأَبَانٍ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ فِي " مُسْنَدِهِ ": ثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ الصَّيْرَفِيُّ، ثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عِيسَى، ثَنَا
الْحَكَمُ بْنُ أَبَانٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:كَانَ
الْحُسَيْنُ جَالِسًا فِي حِجْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ جِبْرِيلُ: أَتَحِبُّهُ؟ فَقَالَ: " وَكَيْفَ لَا أُحِبُّهُ وَهُوَ
ثَمَرَةُ فُؤَادِي ". فَقَالَ: أَمَّا إِنَّ أَمَتَّكَ سَتَقْتُلُهُ، أَلَا
أُرِيكَ مِنْ مَوْضِعِ قَبْرِهِ؟ فَقَبَضَ قَبْضَةً، فَإِذَا تُرْبَةٌ حَمْرَاءُ.
ثُمَّ قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ،
وَالْحُسَيْنُ بْنُ عِيسَى قَدْ حَدَّثَ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانٍ بِأَحَادِيثَ
لَا نَعْلَمُهَا عِنْدَ غَيْرِهِ. قُلْتُ: هُوَ الْحُسَيْنُ بْنُ عِيسَى بْنِ
مُسْلِمٍ الْحَنَفِيُّ
أَبُو
عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْكُوفِيُّ أَخُو سُلَيْمٍ الْقَارِئُ. قَالَ فِيهِ
الْبُخَارِيُّ: مَجْهُولٌ. يَعْنِي مَجْهُولَ الْحَالِ، وَإِلَّا فَقَدَ رَوَى
عَنْهُ تِسْعَةُ نَفَرٍ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ. وَقَالَ
أَبُو حَاتِمٍ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، رَوَى عَنِ الْحَاكِمِ بْنِ أَبَانٍ
أَحَادِيثَ مُنْكَرَةً. وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي " الثِّقَاتِ "
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ قَلِيلُ الْحَدِيثِ، وَعَامَّةُ حَدِيثِهِ غَرَائِبُ، وَفِي
بَعْضِ أَحَادِيثِهِ الْمُنْكَرَاتُ.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَاكِمِ وَغَيْرِهِ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ الْهَيْثَمِ الْقَاضِي، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُصْعَبٍ، ثَنَا
الْأَوْزَاعِيُّ، عَنْ أَبِي عَمَّارٍ شَدَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أُمِّ
الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ، أَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ:يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي رَأَيْتُ
حُلْمًا مُنْكَرًا اللَّيْلَةَ. قَالَ: " وَمَا هُوَ؟ " قَالَتْ:
إِنَّهُ شَدِيدٌ. قَالَ: " وَمَا هُوَ؟ " قَالَتْ: رَأَيْتُ كَأَنَّ
قِطْعَةً مِنْ جَسَدِكَ قُطِعَتْ وَوُضِعَتْ فِي حِجْرِي. فَقَالَ: "
رَأَيْتِ خَيْرًا، تَلِدُ فَاطِمَةُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ غُلَامًا، فَيَكُونُ فِي
حِجْرِكِ ". فَوَلَدَتْ فَاطِمَةُ الْحُسَيْنَ، فَكَانَ فِي حِجْرِي كَمَا
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَخَلْتُ يَوْمًا
عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعْتُهُ فِي
حِجْرِي، ثُمَّ حَانَتْ مِنِّي الْتِفَاتَةٌ، فَإِذَا عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُهَرِيقَانِ الدُّمُوعَ. قَالَتْ: قُلْتُ: يَا
نَبِيَّ اللَّهِ،
بِأَبِي
أَنْتَ وَأُمِّي مَا لَكَ؟ قَالَ: " أَتَانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ
فَأَخْبَرَنِي أَنَّ أُمَّتِي سَتَقْتُلُ ابْنِي هَذَا ". فَقُلْتُ: هَذَا؟
قَالَ: " نَعَمْ، وَأَتَانِي بِتُرْبَةٍ مِنْ تُرْبَتِهِ حَمْرَاءَ
وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَفَّانَ، عَنْ وُهَيْبٍ، عَنْ أَيُّوبَ
عَنْ صَالِحٍ أَبِي الْخَلِيلِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أُمِّ
الْفَضْلِ قَالَتْ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقُلْتُ: إِنِّي رَأَيْتُ فِي مَنَامِي أَنَّ فِي بَيْتِي أَوْ حِجْرِي عُضْوًا
مِنْ أَعْضَائِكَ. قَالَ: " تَلِدُ فَاطِمَةُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ غُلَامًا
فَتَكْفُلِينَهُ، فَوَلَدَتْ لَهُ فَاطِمَةُ حُسَيْنًا، فَدَفَعَتْهُ إِلَيْهَا
فَأَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِ قُثَمَ، فَأَتَيْتُ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا أَزُورُهُ، فَأَخَذَهُ فَوَضَعَهُ عَلَى صَدْرِهِ،
فَبَالَ فَأَصَابَ الْبَوْلُ إِزَارَهُ، فَزَخَخْتُ بِيَدِي عَلَى كَتِفَيْهِ،
فَقَالَ: " أَوْجَعْتِ ابْنِي أَصْلَحَكِ اللَّهُ ". أَوْ قَالَ: "
رَحِمَكِ اللَّهُ ". فَقُلْتُ: أَعْطِنِي إِزَارَكُ أَغْسِلْهُ. فَقَالَ:
" إِنَّمَا يُغْسَلُ بَوْلُ الْجَارِيَةِ، وَيُصَبُّ عَلَى بَوْلِ
الْغُلَامِ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي بُكَيْرٍ، عَنْ
إِسْرَائِيلَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ قَابُوسَ بْنِ مُخَارِقٍ، عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ،
فَذَكَرَ مِثْلَهُ سَوَاءً، وَلَيْسَ فِيهِ الْإِخْبَارُ بِقَتْلِهِ. فَاللَّهُ
أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثَنَا حَمَّادٌ، أَنَا
عَمَّارُ بْنُ أَبِي عَمَّارٍ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ بِنِصْفِ النَّهَارِ وَهُوَ قَائِلٌ، أَشْعَثَ أَغْبَرَ بِيَدِهِ قَارُورَةٌ فِيهَا دَمٌ، فَقُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا هَذَا؟: قَالَ: " هَذَا دَمُ الْحُسَيْنِ وَأَصْحَابِهِ لَمْ أَزَلْ أَلْتَقِطُهُ مُنْذُ الْيَوْمِ ". قَالَ فَأَحْصَيْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ فَوَجَدُوهُ قُتِلَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. قَالَ قَتَادَةُ: قُتِلَ الْحُسَيْنُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، يَوْمَ عَاشُورَاءَ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّينَ، وَلَهُ أَرْبَعٌ وَخَمْسُونَ سَنَةً وَسِتَّةُ أَشْهُرٍ وَنِصْفُ شَهْرٍ. وَهَكَذَا قَالَ اللَّيْثُ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ الْوَاقِدِيُّ وَخَلِيفَةُ بْنُ خَيَّاطٍ وَأَبُو مَعْشَرٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ، أَنَّهُ قُتِلَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ عَامَ وَاحِدٍ وَسِتِّينَ، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ قُتِلَ يَوْمَ السَّبْتِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَقَدْ ذَكَرُوا فِي مَقْتَلِهِ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً أَنَّهَا وَقَعَتْ; مِنْ كُسُوفِ الشَّمْسِ يَوْمَئِذٍ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - وَتَغْيِيرُ آفَاقِ السَّمَاءِ، وَلَمْ يَنْقَلِبْ حَجَرٌ إِلَّا وُجِدَ تَحْتَهُ دَمٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ خَصَّصَ ذَلِكَ بِحِجَارَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَنَّ الْوَرْسَ اسْتَحَالَ رَمَادًا، وَأَنَّ اللَّحْمَ صَارَ مِثْلَ الْعَلْقَمِ وَكَانَ فِيهِ النَّارُ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا فِي بَعْضِهَا نَكَارَةٌ، وَفِي بَعْضِهَا احْتِمَالٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَلَمْ يَقَعْ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَكَذَلِكَ الصِّدِّيقُ بَعْدَهُ مَاتَ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ هَذَا، وَكَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قُتِلَ شَهِيدًا وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ صَلَاةَ الْفَجْرِ، وَحُصِرَ عُثْمَانُ فِي دَارِهِ، وَقُتِلَ بَعْدَ ذَلِكَ شَهِيدًا، وَقُتِلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ شَهِيدًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ
قَبْلَ
صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ. وَاللَّهُ
أَعْلَمُ.
وَقَدْ رَوَى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ، عَنْ
أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا سَمِعَتِ الْجِنَّ تَنُوحُ عَلَى الْحُسَيْنِ بْنِ
عَلِيٍّ. وَهَذَا صَحِيحٌ.
وَقَالَ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ: كُنَّا عِنْدَ أُمِّ سَلَمَةَ فَجَاءَهَا الْخَبَرُ
بِقَتْلِ الْحُسَيْنِ، فَخَرَّتْ مَغْشِيًّا عَلَيْهَا. وَكَانَ سَبَبُ قَتْلِ
الْحُسَيْنِ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَيْهِ أَهْلُ الْعِرَاقِ يَطْلُبُونَ مِنْهُ أَنْ
يَقْدَمَ عَلَيْهِمْ لِيُبَايِعُوهُ بِالْخِلَافَةِ، وَكَثُرَ تَوَاتُرُ الْكُتُبِ
عَلَيْهِ مِنَ الْعَامَّةِ وَمِنَ ابْنِ عَمِّهِ مُسْلِمِ بْنِ عَقِيلٍ، فَلَمَّا
ظَهَرَ عَلَى ذَلِكَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ نَائِبُ الْعِرَاقِ لِيَزِيدَ
بْنِ مُعَاوِيَةَ، بَعَثَ إِلَى مُسْلِمِ بْنِ عَقِيلٍ فَضَرَبَ عُنُقَهُ،
وَرَمَاهُ مِنَ الْقَصْرِ إِلَى الْعَامَّةِ، فَتَفَرَّقَ مَلَؤُهُمْ
وَتَبَدَّدَتْ كَلِمَتُهُمْ، هَذَا وَقَدْ تَجَهَّزَ الْحُسَيْنُ مِنَ الْحِجَازِ
إِلَى الْعِرَاقِ، وَلَمْ يَشْعُرْ بِمَا وَقَعَ، فَتَحَمَّلَ بِأَهْلِهِ وَمَنْ أَطَاعَهُ
وَكَانُوا قَرِيبًا مِنْ ثَلَاثِمِائَةٍ، وَقَدْ نَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ
مِنَ الصَّحَابَةِ، مِنْهُمْ; أَبُو سَعِيدٍ، وَجَابِرٌ وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ
عُمَرَ فَلَمْ يُطِعْهُمْ.
وَمَا أَحْسَنَ مَا نَهَاهُ ابْنُ عُمَرَ عَنْ ذَلِكَ، وَاسْتَدَلَّ لَهُ عَلَى
أَنَّهُ لَا يَقَعُ مَا يُرِيدُهُ فَلَمْ يَقْبَلْ; فَرَوَى الْحَافِظُ
الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَالِمٍ الْأَسَدِيِّ، وَرَوَاهُ أَبُو
دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي " مُسْنَدِهِ " عَنْهُ قَالَ:سَمِعْتُ
الشَّعْبِيَّ يَقُولُ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ
قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَأُخْبِرَ أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ قَدْ تَوَجَّهَ إِلَى الْعِرَاقِ، فَلَحِقَهُ عَلَى مَسِيرَةِ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ مِنَ الْمَدِينَةِ. فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: الْعِرَاقَ. وَمَعَهُ طَوَامِيرُ وَكُتُبٌ، فَقَالَ: لَا تَأْتِهِمْ. فَقَالَ: هَذِهِ كُتُبُهُمْ وَبَيْعَتُهُمْ. فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ خَيَّرَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَاخْتَارَ الْآخِرَةَ وَلَمْ يُرِدِ الدُّنْيَا، وَإِنَّكُمْ بَضْعَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاللَّهِ لَا يَلِيهَا أَحَدٌ مِنْكُمْ أَبَدًا، وَمَا صَرَفَهَا عَنْكُمْ إِلَّا لِلَّذِي هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ، فَارْجِعُوا. فَأَبَى وَقَالَ: هَذِهِ كُتُبُهُمْ وَبَيْعَتُهُمْ. قَالَ: فَاعْتَنَقَهُ ابْنُ عُمَرَ وَقَالَ: أَسْتَوْدِعُكَ اللَّهَ مِنْ قَتِيلٍ. وَقَدْ وَقَعَ مَا فَهِمَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مِنْ ذَلِكَ سَوَاءً، مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَلِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ الْخِلَافَةَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِقْلَالِ وَيَتِمَّ لَهُ الْأَمْرُ، وَقَدْ قَالَ ذَلِكَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ لَا يَلِي أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ أَبَدًا. رَوَاهُ عَنْهُمَا أَبُو صَالِحٍ السَّلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عِيسَى بْنِ الشَّيْخِ فِي كِتَابِهِ " الْفِتَنِ وَالْمَلَاحِمِ ". قُلْتُ: وَأَمَّا الْخُلَفَاءُ الْفَاطِمِيُّونَ الَّذِينَ كَانُوا بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، فَإِنَّ أَكْثَرَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُمْ أَدْعِيَاءُ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ، وَمَعَ هَذَا لَمْ يَتِمَّ لَهُ الْأَمْرُ كَمَا كَانَ لِلْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ قَبْلَهُ، وَلَا اتَّسَعَتْ يَدُهُ فِي الْبِلَادِ كُلِّهَا، ثُمَّ تَنَكَّدَتْ عَلَيْهِ الْأُمُورُ وَأَمَّا ابْنُهُ الْحَسَنُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَإِنَّهُ لَمَّا جَاءَ فِي جُيُوشِهِ وَتَصَافَى هُوَ وَأَهْلُ الشَّامِ، وَرَأَى أَنَّ الْمَصْلَحَةَ فِي تَرْكِ الْخِلَافَةِ، تَرَكَهَا لِلَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، وَصِيَانَةً لِدِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، أَثَابَهُ اللَّهُ وَرِضَى عَنْهُ، وَأَمَّا الْحُسَيْنُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَإِنَّ ابْنُ عُمَرَ لَمَّا أَشَارَ عَلَيْهِ بِتَرْكِ الذَّهَابِ إِلَى الْعِرَاقِ
وَخَالَفَهُ،
اعْتَنَقَهُ مُوَدِّعًا وَقَالَ: أَسْتَوْدِعُكَ اللَّهَ مِنْ قَتِيلٍ. وَقَدْ
وَقَعَ مَا تَفَرَّسَهُ ابْنُ عُمَرَ، فَإِنَّهُ لَمَّا اسْتَقَلَّ ذَاهِبًا
بَعَثَ إِلَيْهِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ بِكَتِيبَةٍ فِيهَا أَرْبَعَةُ
آلَافٍ، يَقْدُمُهُمْ عُمَرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَاصٍّ، وَذَلِكَ بَعْدَ
مَا اسْتَعْفَاهُ فَلَمْ يُعْفِهِ، فَالْتَقَوْا بِمَكَانٍ يُقَالُ لَهُ
كَرْبَلَاءُ. بِالطَّفِّ، فَالْتَجَأَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ وَأَصْحَابُهُ
إِلَى مَقْصَبَةٍ هُنَالِكَ، وَجَعَلُوهَا مِنْهُمْ بِظَهْرٍ، وَوَاجَهُوا
أُولَئِكَ، وَطَلَبَ مِنْهُمُ الْحُسَيْنُ إِحْدَى ثَلَاثٍ، إِمَّا أَنْ يَدَعُوهُ
يَرْجِعُ مِنْ حَيْثُ جَاءَ، وَإِمَّا أَنْ يَذْهَبَ إِلَى ثَغْرٍ مِنَ الثُّغُورِ
فَيُقَاتِلَ فِيهِ، أَوْ يَتْرُكُوهُ حَتَّى يَذْهَبَ إِلَى يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ
فَيَضَعَ يَدَهُ فِي يَدِهِ، فَيَحْكُمَ فِيهِ بِمَا شَاءَ، فَأَبَوْا عَلَيْهِ
وَاحِدَةً مِنْهُنَّ، وَقَالُوا: لَا بُدَّ مِنْ قُدُومِكَ عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ
بْنِ زِيَادٍ فَيَرَى فِيكَ رَأْيَهُ، فَأَبِي أَنْ يَقَدَمَ عَلَيْهِ أَبَدًا،
وَقَاتَلَهُمْ دُونَ ذَلِكَ، فَقَتَلُوهُ، رَحِمَهُ اللَّهُ، وَذَهَبُوا
بِرَأْسِهِ إِلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ، فَوَضَعُوهُ بَيْنَ يَدَيْهِ،
فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِقَضِيبٍ فِي يَدِهِ عَلَى ثَنَايَاهُ وَعِنْدَهُ أَنَسُ بْنُ
مَالِكٍ جَالِسٌ، فَقَالَ لَهُ: يَا هَذَا، ارْفَعْ قَضِيبَكَ، قَدْ طَالَ مَا
رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقْبَلُ هَذِهِ الثَّنَايَا. ثُمَّ أَمَرَ عُبَيْدُ
اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ أَنْ يُسَارَ بِأَهْلِهِ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ إِلَى الشَّامِ
إِلَى يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ بَعَثَ مَعَهُمْ بِالرَّأْسِ
حَتَّى وُضِعَ بَيْنَ يَدَيْ يَزِيدَ، فَأَنْشَدَ حِينَئِذٍ قَوْلَ بَعْضِهِمْ
نُفَلِّقُ هَامًا مِنْ رِجَالٍ أَعِزَّةٍ عَلَيْنَا وَهُمْ كَانُوا أَعَقَّ
وَأَظْلَمَا
ثُمَّ أَمَرَ بِتَجْهِيزِهِمْ إِلَى الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ، فَلَمَّا
دَخَلُوهَا تَلَقَّتْهُمُ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ نَاشِرَةً
شَعْرَهَا، وَاضِعَةً كَفَّهَا عَلَى رَأْسِهَا تَبْكِي وَهِيَ تَقُولُ
مَاذَا
تَقُولُونَ إِنْ قَالَ النَّبِيُّ لَكُمْ مَاذَا فَعَلْتُمْ وَأَنْتُمْ آخِرُ
الْأُمَمِ
بِعِتْرَتِي وَبِأَهْلِي بَعْدَ مُفْتَقَدِي مِنْهُمْ أُسَارَى وَقَتْلَى
ضُرِّجُوا بِدَمِ
مَا كَانَ هَذَا جَزَائِي إِذْ نَصَحْتُ لَكُمْ أَنْ تَخْلُفُونِي بِشَرٍّ فِي
ذَوِي رَحِمِي
وَسَنُورِدُ هَذَا مُفَصَّلًا فِي مَوْضِعِهِ إِذَا انْتَهَيْنَا إِلَيْهِ إِنْ
شَاءَ اللَّهُ، وَبِهِ الثِّقَةُ وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ، وَقَدْ رَثَاهُ
النَّاسُ بِمَرَاثٍ كَثِيرَةٍ، وَمِنْ أَحْسَنِ ذَلِكَ مَا أَوْرَدَهُ الْحَاكِمُ
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ، وَكَانَ فِيهِ تَشَيُّعٌ:
جَاءُوا بِرَأْسِكَ يَا ابْنَ بِنْتِ مُحَمَّدٍ مُتَزَمِّلًا بِدِمَائِهِ
تَزْمِيلَا
فَكَأَنَّمَا بِكَ يَا ابْنَ بِنْتِ مُحَمَّدٍ قَتَلُوا جِهَارًا عَامِدِينَ
رَسُولَا
قَتَلُوكَ عَطْشَانًا وَلَمْ يَتَرَقَّبُوا فِي قَتْلِكَ التَّنْزِيلَ
وَالتَّأْوِيلَا
وَيُكَبِّرُونَ بِأَنْ قُتِلْتَ وَإِنَّمَا قَتَلُوا بِكَ التَّكْبِيرَ وَالتَّهْلِيلَا
ذِكْرُ الْإِخْبَارِ عَنْ وَقْعَةِ الْحَرَّةِ الَّتِي كَانَتْ فِي زَمَنِ يَزِيدَ
أَيْضًا
قَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ،
حَدَّثَنِي ابْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،
عَنْ أَيُّوبَ بْنِ بَشِيرٍ الْمُعَاوِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ فِي سَفَرٍ مِنْ أَسْفَارِهِ، فَلَمَّا مَرَّ بِحَرَّةِ
زُهْرَةَ وَقَفَ فَاسْتَرْجَعَ، فَسَاءَ ذَلِكَ مَنْ مَعَهُ، وَظَنُّوا أَنَّ
ذَلِكَ مِنْ أَمْرِ سَفَرِهِمْ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ،
مَا
الَّذِي رَأَيْتَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" أَمَا إِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ سَفَرِكُمْ هَذَا ". قَالُوا: فَمَا
هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " يُقْتَلُ بِهَذِهِ الْحَرَّةِ خِيَارُ
أُمَّتِي بَعْدَ أَصْحَابِي. هَذَا مُرْسَلٌ.
وَقَدْ قَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: قَالَ وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ: قَالَتْ
جُوَيْرِيَةُ: حَدَّثَنِي ثَوْرُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ قَالَ: جَاءَ تَأْوِيلُ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى رَأْسِ سِتِّينَ سَنَةً:
وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ
لَآتَوْهَا [ الْأَحْزَابِ: 14 ]. قَالَ: لَأَعْطَوْهَا. يَعْنِي إِدْخَالَ بَنِي
حَارِثَةَ أَهْلَ الشَّامِ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ. وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ
إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَتَفْسِيرُ الصَّحَابِيِّ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ عِنْدَ
كَثِيرٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ.
وَقَالَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ فِي كِتَابِ " الْفِتَنِ وَالْمَلَاحِمِ
": حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الصَّمَدِ الْعَمِّيُّ، ثَنَا أَبُو عِمْرَانَ
الْجَوْنِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ:
قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا أَبَا
ذَرٍّ، أَرَأَيْتَ إِنِ النَّاسُ قُتِلُوا حَتَّى تَغْرَقَ حِجَارَةُ الزَّيْتِ
مِنَ الدِّمَاءِ، كَيْفَ أَنْتِ صَانِعٌ؟ " قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُ
وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: " تَدْخُلُ بَيْتَكَ ". قَالَ: قُلْتُ:
فَإِنْ أَتَى عَلَيَّ؟ قَالَ: " تَأْتِي مَنْ أَنْتَ مِنْهُ ". قَالَ:
قُلْتُ: وَأَحْمِلُ السِّلَاحَ؟ قَالَ: " إِذًا تُشْرَكَ مَعَهُمْ ".
قَالَ: قُلْتُ: فَكَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " إِنْ خِفْتَ
أَنْ يَبْهَرَكَ شُعَاعُ السَّيْفِ فَأَلْقِ طَائِفَةً مِنْ رِدَائِكَ عَلَى
وَجْهِكَ يَبُوءُ بِإِثْمِكَ وَإِثْمِهِ " وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي
"
مُسْنَدِهِ " عَنْ مَرْحُومٍ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِي
عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ فَذَكَرَهُ مُطَوَّلًا.
قُلْتُ: وَكَانَ سَبَبُ وَقْعَةِ الْحَرَّةِ أَنَّ وَفْدًا مِنْ أَهْلِ
الْمَدِينَةِ قَدِمُوا عَلَى يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ بِدِمَشْقَ، فَأَكْرَمَهُمْ
وَأَحْسَنَ جَائِزَتَهُمْ، وَأَطْلَقَ لِأَمِيرِهِمْ، وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي عَامِرٍ، قَرِيبًا مِنْ مِائَةِ أَلْفٍ، فَلَمَّا رَجَعُوا
ذَكَرُوا لِأَهْلِيهِمْ عَنْ يَزِيدَ مَا كَانَ يَقَعُ مِنْهُ مِنَ الْقَبَائِحِ
فِي شُرْبِهِ الْخَمْرَ، وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ مِنَ الْفَوَاحِشِ الَّتِي مِنْ
أَكْبَرِهَا تَرْكُ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا بِسَبَبِ السُّكْرِ، فَاجْتَمَعُوا
عَلَى خَلْعِهِ، فَخَلَعُوهُ عِنْدَ الْمِنْبَرِ النَّبَوِيِّ، فَلَمَّا بَلَغَهُ
ذَلِكَ بَعَثَ إِلَيْهِمْ سَرِيَّةً يَقْدُمُهَا رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: مُسْلِمُ بْنُ
عُقْبَةَ. وَإِنَّمَا يُسَمِّيهِ السَّلَفُ مُسْرِفَ بْنَ عُقْبَةَ، فَلَمَّا
وَرَدَ الْمَدِينَةَ اسْتَبَاحَهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَقَتَلَ فِي غُبُونِ
هَذِهِ الْأَيَّامَ بَشَرًا كَثِيرًا حَتَّى كَادَ لَا يَفْلِتُ أَحَدٌ مِنْ
أَهْلِهَا، وَزَعَمَ بَعْضُ عُلَمَاءِ السَّلَفِ أَنَّهُ افْتَضَّ فِي غُبُونِ
ذَلِكَ أَلْفَ بِكْرٍ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنِ الْإِمَامِ مَالِكٍ: قُتِلَ يَوْمَ
الْحَرَّةِ سَبْعُمِائَةِ رَجُلٍ مِنْ حَمَلَةِ الْقُرْآنِ. حَسِبْتُ أَنَّهُ
قَالَ: وَكَانَ فِيهِمْ ثَلَاثَةٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَذَلِكَ فِي خِلَافَةِ يَزِيدَ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ كَثِيرِ بْنِ عُفَيْرٍ
الْأَنْصَارِيَّ يَقُولُ: قُتِلَ يَوْمَ الْحَرَّةِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ
الْمَازِنِيُّ، وَمَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ الْأَشْجَعِيُّ،
وَمُعَاذُ
بْنُ الْحَارِثِ الْقَارِئُ، وَقُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي
عَامِرٍ.
قَالَ يَعْقُوبُ: وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنِ
اللَّيْثِ قَالَ: وَكَانَتْ وَقْعَةُ الْحَرَّةِ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ لِثَلَاثٍ
بَقِينَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ.
ثُمَّ انْبَعَثَ مُسْرِفُ بْنُ عُقْبَةَ إِلَى مَكَّةَ قَاصِدًا عَبْدَ اللَّهِ
بْنَ الزُّبَيْرِ لِيَقْتُلَهُ بِهَا; لِأَنَّهُ فَرَّ مِنْ بَيْعَةِ يَزِيدَ،
فَمَاتَ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ فِي غُبُونِ ذَلِكَ، وَاسْتَفْحَلَ أَمْرُ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ فِي الْخِلَافَةِ بِالْحِجَازِ، ثُمَّ أَخَذَ
الْعِرَاقَ وَمِصْرَ، وَبُويِعَ بَعْدَ يَزِيدَ لِابْنِهِ مُعَاوِيَةَ بْنِ
يَزِيدَ، وَكَانَ رَجُلًا صَالِحًا، فَلَمْ تَطُلْ مُدَّتُهُ; مَكَثَ أَرْبَعِينَ
يَوْمًا، وَقِيلَ: عِشْرِينَ يَوْمًا. ثُمَّ مَاتَ، رَحِمَهُ اللَّهُ، فَوَثَبَ
مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ عَلَى الشَّامِ فَأَخْذَهَا، فَبَقِيَ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ
ثُمَّ مَاتَ، وَقَامَ بَعْدَهُ ابْنُهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ،
فَنَازَعَهُ فِيهَا عَمْرُو بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْأَشْدَقِ، وَكَانَ نَائِبًا
عَلَى الْمَدِينَةِ مِنْ زَمَنِ مُعَاوِيَةَ وَأَيَّامِ يَزِيدَ، وَمَرْوَانَ،
فَلَمَّا هَلَكَ مَرْوَانُ زَعَمَ أَنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِالْأَمْرِ مِنْ بَعْدِ
ابْنِهِ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَضَاقَ بِهِ ذَرْعًا، وَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى
أَخَذَهُ بَعْدَ مَا اسْتَفْحَلَ أَمْرُهُ بِدِمَشْقَ، فَقَتَلَهُ فِي سَنَةِ
تِسْعٍ وَسِتِّينَ، وَيُقَالُ: فِي سَنَةِ سَبْعِينَ. وَاسْتَمَرَّتْ أَيَّامُ
عَبْدِ الْمَلِكِ حَتَّى ظَفِرَ بِابْنِ الزُّبَيْرِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ،
قَتَلَهُ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ الثَّقَفِيُّ عَنْ أَمْرِهِ بِمَكَّةَ، بَعْدَ
مُحَاصَرَةٍ طَوِيلَةٍ اقْتَضَتْ أَنْ نَصَبَ الْمَنْجَنِيقَ عَلَى الْكَعْبَةِ;
مِنْ أَجْلِ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ لَجَأَ إِلَى الْحَرَمِ، فَلَمْ يَزَلْ بِهِ
حَتَّى قَتَلَهُ، ثُمَّ عَهِدَ فِي الْأَمْرِ إِلَى بَنِيهِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ
بَعْدِهِ; الْوَلِيدِ، ثُمَّ سُلَيْمَانَ، ثُمَّ يَزِيدَ، ثُمَّ هِشَامِ بْنِ
عَبْدِ الْمَلِكِ
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَسْوَدُ وَيَحْيَى بْنُ أَبِي
بُكَيْرٍ، ثَنَا كَامِلٌ
أَبُو
الْعَلَاءِ، سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ - وَهُوَ مَوْلَى ضُبَاعَةَ - الْمُؤَذِّنَ،
وَاسْمُهُ مِينَاءُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ
رَأْسِ السَّبْعِينَ، وَإِمَارَةِ الصِّبْيَانِ ". وَقَالَ: " لَا
تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى تَصِيرَ لِلُكَعِ ابْنِ لُكَعٍ ". وَقَالَ
الْأَسْوَدُ: يَعْنِي اللَّئِيمَ ابْنَ اللَّئِيمِ. وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ
مِنْ حَدِيثِ كَامِلٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عُمُرُ أُمَّتِي مِنْ
سِتِّينَ إِلَى سَبْعِينَ سَنَةً. ثُمَّ قَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَفَّانَ وَعَبْدِ الصَّمَدِ، عَنْ
حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ، حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ أَبَا
هُرَيْرَةَ يَقُولُ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ: " لَيَرْتَقِيَنَّ - وَقَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ فِي رِوَايَتِهِ:
لَيَرْعُفَنَّ - جَبَّارٌ مِنْ جَبَابِرَةِ بَنِي أُمَيَّةَ عَلَى مِنْبَرِي
هَذَا. زَادَ عَبْدُ الصَّمَدِ: " يَسِيلُ رُعَافُهُ ". قَالَ:
فَحَدَّثَنِي مَنْ رَأَى عَمْرَو بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ رَعُفَ عَلَى
مِنْبَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى سَالَ رُعَافُهُ.
قُلْتُ: عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ فِي رِوَايَتِهِ غَرَابَةٌ
وَنَكَارَةٌ، وَفِيهِ تَشَيُّعٌ، وَعَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ هَذَا يُقَالُ لَهُ:
الْأَشْدَقُ. كَانَ مِنْ سَادَاتِ الْمُسْلِمِينَ
وَأَشْرَافِهِمْ
رَأَى النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَوَى عَنْ جَمَاعَةٍ
مِنَ الصَّحَابَةِ، مِنْهُمْ فِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " عَنْ عُثْمَانَ
فِي فَضْلِ الطَّهُورِ، وَكَانَ نَائِبًا عَلَى الْمَدِينَةِ لِمُعَاوِيَةَ
وَلِابْنِهِ يَزِيدَ بَعْدَهُ، ثُمَّ اسْتَفْحَلَ أَمْرُهُ حَتَّى كَانَ يُصَاوِلُ
عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ، ثُمَّ خَدَعَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ حَتَّى ظَفِرَ
بِهِ، فَقَتَلَهُ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَسِتِّينَ، أَوْ سَنَةِ سَبْعِينَ. فَاللَّهُ
أَعْلَمُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ مِنَ الْمَكَارِمِ أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ، مِنْ
أَحْسَنِهَا أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَتْ أَبَاهُ الْوَفَاةُ قَالَ لِبَنِيهِ،
وَكَانُوا ثَلَاثَةً; عَمْرٌو هَذَا، وَأُمَيَّةُ، وَمُوسَى، فَقَالَ لَهُمْ: مَنْ
يَتَحَمَّلُ مَا عَلَيَّ؟ فَبَدَرَ ابْنُهُ عَمْرٌو هَذَا وَقَالَ: أَنَا يَا
أَبَهْ، وَمَا عَلَيْكَ؟ قَالَ: ثَلَاثُونَ أَلْفَ دِينَارٍ. قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: وَأَخَوَاتُكَ لَا تُزَوِّجْهُنَّ إِلَّا بِالْأَكْفَاءِ وَلَوْ أَكَلْنَ
خُبْزَ الشَّعِيرِ. قَالَ: نَعَمْ قَالَ: وَأَصْحَابِي مِنْ بَعْدِي، إِنْ
فَقَدُوا وَجْهِي فَلَا يَفْقِدُوا مَعْرُوفِي. قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: أَمَا لَئِنْ
قُلْتَ ذَلِكَ فَلَقَدْ كُنْتُ أَعْرِفُهُ مِنْ حَمَالِيقِ وَجْهِكَ وَأَنْتَ فِي
مَهْدِكَ.
وَقَدْ ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ كَاتِبِ
اللَّيْثِ، عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ عِمْرَانَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ،
أَنَّهُ سَمِعَهُ يُحَدِّثُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ
أَبِي
زِيَادٍ الثَّقَفِيِّ قَالَ: اصْطَحَبَ قَيْسُ بْنُ خَرَشَةَ وَكَعْبٌ حَتَّى
إِذَا بَلَغَا صِفِّينَ وَقَفَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ. فَذَكَرَ كَلَامَهُ فِيمَا
يَقَعُ هُنَاكَ مِنْ سَفْكِ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنَّهُ يَجِدُ ذَلِكَ فِي
التَّوْرَاةِ، وَذَكَرَ عَنْ قَيْسِ بْنِ خَرَشَةَ أَنَّهُ بَايَعَ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْ يَقُولَ بِالْحَقِّ.
وَقَالَ: " يَا قَيْسُ، عَسَى أَنْ يَمُدَّ بِكَ الدَّهْرُ حَتَّى يَلِيَكَ بَعْدِي
مَنْ لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَقُولَ بِالْحَقِّ مَعَهُمْ ". فَقَالَ:
وَاللَّهِ لَا أُبَايِعُكَ عَلَى شَيْءٍ إِلَّا وَفَّيْتُ لَكَ بِهِ. فَقَالَ لَهُ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذًا لَا يَضُرُّكَ
بَشَرٌ ". فَبَلَغَ قَيْسٌ إِلَى أَيَّامِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادِ
بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، فَنِقَمَ عَلَيْهِ عُبَيْدُ اللَّهِ فِي شَيْءٍ،
فَأَحْضَرَهُ فَقَالَ: أَنْتَ الَّذِي تَزْعُمُ أَنَّهُ لَا يَضُرُّكَ بَشَرٌ؟
قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: لَتَعْلَمَنَّ الْيَوْمَ أَنَّكَ قَدْ كَذَبْتَ، ائْتُونِي
بِصَاحِبِ الْعَذَابِ. قَالَ: فَمَالَ قَيْسٌ عِنْدَ ذَلِكَ فَمَاتَ.
مُعْجِزَةٌ أُخْرَى
رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الدَّرَاوَرْدِيِّ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ
عَنْ مُوسَى بْنِ مَيْسَرَةَ، أَنَّ بَعْضَ بَنِي عَبْدِ اللَّهِ سَايَرَهُ فِي
بَعْضِ طَرِيقِ مَكَّةَ. قَالَ:حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمَطْلَبِ
أَنَّهُ بَعَثَ ابْنَهُ عَبْدَ اللَّهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَاجَةٍ، فَوَجَدَ عِنْدَهُ رَجُلًا، فَرَجَعَ وَلَمْ
يُكَلِّمْهُ; مِنْ أَجْلِ مَكَانِ الرَّجُلِ، فَلَقِيَ الْعَبَّاسُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ:
" وَرَآهُ؟ " قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: " أَتَدْرِي مَنْ ذَلِكَ
الرَّجُلُ؟ ذَاكَ جِبْرِيلُ، وَلَنْ يَمُوتَ حَتَّى يَذْهَبَ بَصَرُهُ وَيُؤْتَى
عِلْمًا. وَقَدْ
مَاتَ
ابْنُ عَبَّاسٍ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ بَعْدَ مَا عَمِيَ، رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ،
حَدَّثَتْنَا نُبَاتَةُ بِنْتُ بُرَيْرٍ، عَنْ حَمَادَةَ، عَنْ أُنَيْسَةَ بِنْتِ
زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، عَنْ أَبِيهَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى زَيْدٍ يَعُودُهُ فِي مَرَضٍ كَانَ بِهِ،
قَالَ:لَيْسَ عَلَيْكَ مِنْ مَرَضِكَ بَأْسٌ، وَلَكِنْ كَيْفَ بِكَ إِذَا
عُمِّرْتَ بَعْدِي فَعَمِيتَ؟ " قَالَ: إِذًا أَحْتَسِبَ وَأَصْبِرَ. قَالَ:
" إِذًا تَدْخُلَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ قَالَ فَعَمِيَ بَعْدَ مَا
مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ رَدَّ اللَّهُ
عَلَيْهِ بَصَرَهُ، ثُمَّ مَاتَ.
فَصَلٌ إِخْبَارُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْحَجَّاجِ فَتَى
ثَقِيفٍ
وَقَدْ ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعِنْدَ
مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ ثَلَاثِينَ
كَذَّابًا دَجَّالًا، كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ، عَنِ الْمَالِينِيِّ، عَنِ ابْنِ عَدِيٍّ، عَنْ أَبِي
يَعْلَى الْمُوصِلِيِّ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْأَسَدِيُّ، ثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ ثَلَاثُونَ
كَذَّابًا، مِنْهُمْ; مُسَيْلِمَةُ، وَالْعَنْسِيُّ، وَالْمُخْتَارُ، وَشَرُّ
قَبَائِلِ الْعَرَبِ بَنُو أُمَيَّةَ وَبَنُو حَنِيفَةَ وَثَقِيفٌ. قَالَ ابْنُ
عَدِيٍّ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ لَهُ إِفْرَادَاتٌ، وَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ
الثِّقَاتُ، وَلَمْ أَرَ بِحَدِيثِهِ بَأْسًا.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: لِحَدِيثِهِ فِي الْمُخْتَارِ شَوَاهِدُ صَحِيحَةٌ. ثُمَّ
أَوْرَدَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ، حَدَّثَنَا الْأَسْوَدُ
بْنُ شَيْبَانَ، عَنْ أَبِي نَوْفَلِ بْنِ أَبِي عَقْرَبٍ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ
أَبِي بَكْرٍ، أَنَّهَا قَالَتْ لِلْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ:أَمَا إِنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنَا أَنَّ فِي ثَقِيفٍ
كَذَّابًا وَمُبِيرًا، فَأَمَّا الْكَذَّابُ فَقَدْ رَأَيْنَاهُ، وَأَمَّا
الْمُبِيرُ فَلَا إِخَالُكُ إِلَّا إِيَّاهُ. قَالَ: وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ
حَدِيثِ الْأَسْوَدِ بْنِ شَيْبَانَ. وَلَهُ طُرُقٌ عَنْ أَسْمَاءَ وَأَلْفَاظٌ
سَيَأْتِي إِيرَادُهَا فِي مَوْضِعِهِ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا الْحَاكِمُ وَأَبُو سَعِيدٍ، عَنِ الْأَصَمِّ، عَنْ
عَبَّاسٍ الدُّورِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ الْحُمَيْدِيِّ،
ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي الْمُحَيَّاةِ، عَنْ أَبِيهِ
قَالَ:لَمَّا قَتَلَ الْحَجَّاجُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ دَخَلَ
الْحَجَّاجُ عَلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي
بَكْرٍ
فَقَالَ: يَا أُمَّهْ، إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَوْصَانِي بِكِ، فَهَلْ لَكِ
مِنْ حَاجَةٍ؟ فَقَالَتْ: لَسْتُ لَكَ بِأُمٍّ، وَلَكِنِّي أُمُّ الْمَصْلُوبِ
عَلَى رَأْسِ الثَّنِيَّةِ، وَمَا لِي مِنْ حَاجَةٍ، وَلَكِنِ انْتَظَرَ حَتَّى
أُحَدِّثَكَ بِمَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " يَخْرُجُ مِنْ ثَقِيفٍ كَذَّابٌ وَمُبِيرٌ فَأَمَّا
الْكَذَّابُ فَقَدْ رَأَيْنَاهُ، وَأَمَّا الْمُبِيرُ فَأَنْتَ. فَقَالَ
الْحَجَّاجُ: مُبِيرُ الْمُنَافِقِينَ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي عَلْوَانَ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِصْمَةَ،عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ فِي ثَقِيفٍ كَذَّابًا
وَمُبِيرًا ". وَقَدْ تَوَاتَرَ خَبَرُ الْمُخْتَارِ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ
الْكَذَّابِ الَّذِي كَانَ نَائِبًا عَلَى الْعِرَاقِ وَكَانَ يَزْعُمُ أَنَّهُ
نَبِيٌّ، وَأَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يَأْتِيهِ بِالْوَحْيِ، وَقَدْ قِيلَ لِابْنِ
عُمَرَ، وَكَانَ زَوْجَ أُخْتِ الْمُخْتَارِ صَفَّيْةَ: إِنَّ الْمُخْتَارَ
يَزْعُمُ أَنَّ الْوَحْيَ يَأْتِيهِ. فَقَالَ: صَدَقَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ [ الْأَنْعَامِ: 121 ]
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: ثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ
الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ شَدَّادٍ قَالَ:كُنْتُ أَبْطَنَ
شَيْءٍ بِالْمُخْتَارِ الْكَذَّابِ. قَالَ: فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ ذَاتَ يَوْمٍ
فَقَالَ: دَخَلْتَ وَقَدْ قَامَ جِبْرِيلُ قَبْلُ مِنْ هَذَا الْكُرْسِيِّ. قَالَ:
فَأَهْوَيْتُ إِلَى قَائِمِ السَّيْفِ - يَعْنِي لِأَضْرِبَهُ - حَتَّى ذَكَرْتُ
حَدِيثًا حَدِّثْنِيهِ عَمْرُو بْنُ الْحَمِقِ الْخُزَاعِيِّ، أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا أَمَّنَ الرَّجُلُ
الرَّجُلَ عَلَى دَمِهِ ثُمَّ قَتَلَهُ، رُفِعَ
لَهُ
لِوَاءُ الْغَدْرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". فَكَفَفْتُ عَنْهُ وَقَدْ رَوَاهُ
أَسْبَاطُ بْنُ نَصْرٍ وَزَائِدَةُ وَالثَّوْرِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ السُّدِّيِّ،
عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ شَدَّادٍ الْفِتْيَانِيِّ فَذَكَرَ نَحْوَهُ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، ثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحُمَيْدِيُّ، ثَنَا
سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: فَأَخَّرْتُ
أَهْلَ الْبَصْرَةِ فَغَلَبْتُهُمْ بِأَهْلِ الْكُوفَةِ، وَالْأَحْنَفُ سَاكِتٌ
لَا يَتَكَلَّمُ، فَلَمَّا رَآنِي غَلَبْتُهُمْ أَرْسَلَ غُلَامًا لَهُ فَجَاءَ
بِكِتَابٍ فَقَالَ: هَاكَ اقْرَأْ فَقَرَأْتُهُ فَإِذَا فِيهِ مَنِ الْمُخْتَارِ
إِلَيْهِ، يَذْكُرُ أَنَّهُ نَبِيٌّ. قَالَ: يَقُولُ الْأَحْنَفُ: أَنَّى فِينَا
مِثْلُ هَذَا؟!.
وَأَمَّا الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ أَنَّهُ
الْغُلَامُ الْمُبِيرُ الثَّقَفِيُّ، وَسَنَذْكُرُ تَرْجَمَتَهُ إِذَا
انْتَهَيْنَا إِلَى أَيَّامِهِ، فَإِنَّهُ كَانَ نَائِبًا عَلَى الْعِرَاقِ لِعَبْدِ
الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، ثُمَّ لِابْنِهِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ،،
وَكَانَ مِنْ جَبَابِرَةِ الْمُلُوكِ، عَلَى مَا كَانَ فِيهِ مِنَ الْكَرَمِ
وَالْفَصَاحَةِ، عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ.
وَقَدْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: ثَنَا الْحَاكِمُ عَنْ أَبِي نَصْرٍ الْفَقِيهِ،
ثَنَا عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ الدَّارِمِيِّ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ
الْمِصْرِيُّ، أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ صَالِحٍ حَدَّثَهُ، عَنْ
شُرَيْحِ
بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي عَذَبَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ فَأَخْبَرَهُ أَنَّ أَهْلَ الْعِرَاقِ قَدْ حَصَبُوا أَمِيرَهُمْ،
فَخَرَجَ غَضْبَانَ، فَصَلَّى لَنَا الصَّلَاةَ فَسَهَا فِيهَا حَتَّى جَعَلَ
النَّاسُ يَقُولُونَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ. فَلَمَّا سَلَّمَ
أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: مَنْ هَاهُنَا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ؟ فَقَامَ
رَجُلٌ، ثُمَّ قَامَ آخَرُ، ثُمَّ قُمْتُ أَنَا ثَالِثًا أَوْ رَابِعًا، فَقَالَ:
يَا أَهْلَ الشَّامِ اسْتَعِدُّوا لِأَهْلِ الْعِرَاقِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ
بَاضَ فِيهِمْ وَفَرَّخَ، اللَّهُمَّ إِنَّهُمْ قَدْ لَبِسُوا عَلَيَّ فَأَلْبِسْ
عَلَيْهِمْ، وَعَجِّلْ عَلَيْهِمْ بِالْغُلَامِ الثَّقَفِيِّ يَحْكُمُ فِيهِمْ
بِحُكْمِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، لَا يَقْبَلُ مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَلَا
يَتَجَاوَزُ عَنْ مُسِيئِهِمْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَحَدَّثَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ
بِمَثَلِهِ. قَالَ: وَمَا وُلِدَ الْحَجَّاجُ يَوْمَئِذٍ. وَرَوَاهُ الدَّارِمِيُّ
أَيْضًا عَنْ أَبِي الْيَمَانِ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ أَبِي عَذَبَةَ الْحِمْصِيِّ، عَنْ عُمَرَ
فَذَكَرَ مِثْلَهُ. قَالَ أَبُو الْيَمَانِ: عَلِمَ عُمَرُ أَنَّ الْحَجَّاجَ
خَارِجٌ لَا مَحَالَةَ، فَلَمَّا أَغْضَبُوهُ اسْتَعْجَلَ لَهُمُ الْعُقُوبَةَ.
قُلْتُ: فَإِنْ كَانَ هَذَا نَقَلَهُ عُمَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ تَقَدَّمَ لَهُ شَاهِدٌ عَنْ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ
عَنْ تَحْدِيثٍ فَكَرَامَةُ الْوَلِيِّ مُعْجِزَةٌ لِنَبِيِّهِ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَنَا جَعْفَرٌ، يَعْنِي ابْنَ سُلَيْمَانَ، عَنْ
مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ لِأَهْلِ الْكُوفَةِ:
اللَّهُمَّ كَمَا ائْتَمَنْتُهُمْ فَخَانُونِي، وَنَصَحْتُ لَهُمْ فَغَشُّونِي،
فَسَلِّطْ عَلَيْهِمْ فَتَى ثَقِيفٍ الذَّيَّالَ الْمَيَّالَ، يَأْكُلُ
خَضِرَتَهَا، وَيَلْبَسُ
فَرْوَتَهَا،
وَيَحْكُمُ فِيهِمْ بِحُكْمِ الْجَاهِلِيَّةِ. قَالَ: يَقُولُ الْحَسَنُ: وَمَا
خُلِقَ الْحَجَّاجُ يَوْمَئِذٍ. وَهَذَا مُنْقَطِعٌ.
وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا، مِنْ حَدِيثِ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ
عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ، عَنْ
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ: الشَّابُّ الذَّيَّالُ أَمِيرُ الْمِصْرَيْنِ،
يَلْبَسُ فَرْوَتَهَا، وَيَأْكُلُ خَضِرَتَهَا، وَيَقْتُلُ أَشْرَافَ أَهْلِهَا،
يَشْتَدُّ مِنْهُ الْفَرَقُ وَيَكْثُرُ مِنْهُ الْأَرَقُ، وَيُسَلِّطُهُ اللَّهُ
عَلَى شِيعَتِهِ.
وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، أَنَا الْعَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ،
حَدَّثَنِي حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ لِرَجُلٍ: لَا مِتَّ
حَتَّى تُدْرِكَ فَتَى ثَقِيفٍ. فَقِيلَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَمَا فَتَى
ثَقِيفٍ؟ فَقَالَ: لَيُقَالَنَّ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: اكْفِنَا زَاوِيَةً
مِنْ زَوَايَا جَهَنَّمَ. رَجُلٌ يَمْلِكُ عِشْرِينَ سَنَةً أَوْ بِضْعًا
وَعِشْرِينَ سَنَةً، لَا يَدْعُ لِلَّهِ مَعْصِيَةً إِلَّا ارْتَكَبَهَا، حَتَّى
لَوْ لَمْ يَبْقَ إِلَّا مَعْصِيَةٌ وَاحِدَةٌ وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا بَابٌ
مُغْلِقٌ لَكَسَرَهُ حَتَّى يَرْتَكِبَهَا، يَقْتُلُ بِمَنْ أَطَاعَهُ مَنْ
عَصَاهُ. وَهَذَا مُعْضَلٌ، وَفِي صِحَّتِهِ عَنْ عَلِيٍّ نَظَرٌ. وَاللَّهُ
أَعْلَمُ.
وَقَالَ
الْبَيْهَقِيُّ، عَنِ الْحَاكِمِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ أَيُّوبَ،
عَنْ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ
التِّنِّيسِيِّ، ثَنَا هِشَامُ بْنُ يَحْيَى الْغَسَّانِيُّ قَالَ: قَالَ عُمَرُ
بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: لَوْ جَاءَتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِخَبِيثِهَا، وَجِئْنَاهُمْ
بِالْحَجَّاجِ لَغَلَبْنَاهُمْ. وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَاصِمِ
بْنِ أَبِي النَّجُودِ: مَا بَقِيَتْ لِلَّهِ حُرْمَةٌ إِلَّا وَقَدِ ارْتَكَبَهَا
الْحَجَّاجُ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ
أَنَّ أَبَاهُ لَمَّا تَحَقَّقَ مَوْتُ الْحَجَّاجِ تَلَا قَوْلَهُ تَعَالَى:
فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ [ الْأَنْعَامِ: 45 ] قُلْتُ: وَقَدْ تُوُفِّيَ الْحَجَّاجُ سَنَةَ
خَمْسٍ وَتِسْعِينَ.
ذِكْرُ الْإِشَارَةِ النَّبَوِيَّةِ إِلَى دَوْلَةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ
تَاجِ بَنِي أُمَيَّةَ
قَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ:
سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ بَعْدَ هَذَا
الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: " نَعَمْ ". قُلْتُ وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ
الشَّرِّ مِنْ
خَيْرٍ؟
قَالَ: " نَعَمْ وَفِيهِ دَخَنٌ ". قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ:
" قَوْمٌ يَسْتَنُّونَ بِغَيْرِ سُنَّتِي وَيَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي،
تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ الْحَدِيثَ، فَحَمَلَ الْبَيْهَقِيُّ، وَغَيْرُهُ
هَذَا الْخَبَرَ الثَّانِي عَلَى أَيَّامِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ.
وَرَوَى عَنِ الْحَاكِمِ، عَنِ الْأَصَمِّ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ
مَزْيَدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سُئِلَ الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ تَفْسِيرِ حَدِيثِ
حُذَيْفَةَ حِينَ سَأَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ
الشَّرِّ الَّذِي يَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ، فَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: هِيَ
الرِّدَّةُ الَّتِي كَانَتْ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: وَفِي مَسْأَلَةِ حُذَيْفَةَ: فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ
الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: " نَعَمْ، وَفِيهِ دَخَنٌ ". قَالَ
الْأَوْزَاعِيُّ: فَالْخَيْرُ الْجَمَاعَةُ، وَفِي وُلَاتِهِمْ مَنْ تَعْرِفُ
سِيرَتَهُ، وَفِيهِمْ مَنْ تُنْكِرُ سِيرَتَهُ. قَالَ: فَلَمْ يَأْذَنْ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِتَالِهِمْ مَا صَلَّوُا
الصَّلَاةَ.
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، عَنْ دَاوُدَ الْوَاسِطِيِّ، وَكَانَ
ثِقَةً، عَنْ حَبِيبِ بْنِ سَالِمٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ،
عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"
إِنَّكُمْ فِي النُّبُوَّةِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا
إِذَا شَاءَ، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ مَا شَاءَ
اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ، ثُمَّ تَكُونُ جَبْرِيَّةٌ
مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ
يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ قَالَ:
فَقَدِمَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمَعَهُ يَزِيدُ بْنُ النُّعْمَانِ،
فَكَتَبْتُ إِلَيْهِ أُذَكِّرُهُ الْحَدِيثَ وَكَتَبْتُ إِلَيْهِ أَقُولُ: إِنِّي
أَرْجُو أَنْ تَكُونَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بَعْدَ الْجَبْرِيَّةِ. قَالَ:
فَأَخَذَ يَزِيدُ الْكِتَابَ فَأَدْخَلَهُ عَلَى عُمَرَ فَسُرَّ بِهِ
وَأَعْجَبَهُ.
وَقَالَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ
بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ: عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ
الْعَزِيزِ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
النَّوْمِ، وَعِنْدَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ، فَقَالَ لِيَ
" ادْنُهْ ". فَدَنَوْتُ حَتَّى قُمْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَرَفَعَ
بَصَرَهُ إِلَيَّ وَقَالَ: " أَمَا إِنَّكَ سَتَلِي أَمْرَ هَذِهِ
الْأُمَّةِ، وَسَتَعْدِلُ عَلَيْهِمْ ". وَسَيَأْتِي فِي الْحَدِيثِ
الْآخَرِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ; أَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى
رَأْسِ كُلِّ مِائَةٍ سَنَةٍ مِنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا وَقَدْ قَالَ كَثِيرٌ
مِنَ الْأَئِمَّةِ: إِنَّهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ; فَإِنَّهُ تُوُفِّيَ
سَنَةَ إِحْدَى وَمِائَةٍ.
وَقَالَ
الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا الْحَاكِمُ، أَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ
الْمُقْرِئُ، ثَنَا أَبُو عِيسَى، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثَنَا
عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ لَاحِقٍ،
عَنْ جُوَيْرِيَّةَ بْنِ أَسْمَاءَ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ عُمَرَ
بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: إِنَّ مِنْ وَلَدِي رَجُلًا بِوَجْهِهِ شَيْنٌ، يَلِي
فَيَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلًا. قَالَ نَافِعٌ مِنْ قِبَلِهِ: وَلَا أَحْسَبُهُ
إِلَّا عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَقَدْ رَوَاهُ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ عَنْ
عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ. وَلِهَذَا طَرُقٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ
كَانَ يَقُولُ: لَيْتَ شِعْرِي مَنْ هَذَا الَّذِي مِنْ وَلَدِ عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ فِي وَجْهِهِ عَلَامَةٌ، يَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلًا؟ وَقَدْ رُوِيَ
ذَلِكَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ
نَحْوًا مِنْ هَذَا، وَقَدْ كَانَ هَذَا الْأَمْرُ مَشْهُورًا قَبْلَ وِلَايَتِهِ
وَمِيلَادِهِ بِالْكُلِّيَّةِ; أَنَّهُ يَلِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ يُقَالُ
لَهُ: أَشُجُّ بَنِي مَرْوَانَ.
وَكَانَتْ أُمُّهُ أَرْوَى بِنْتَ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَكَانَ
أَبُوهُ عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ مَرْوَانَ نَائِبًا لِأَخِيهِ عَبْدِ الْمَلِكِ
عَلَى مِصْرَ، وَكَانَ يُكْرِمُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، وَيَبْعَثُ إِلَيْهِ
بِالتُّحَفِ وَالْهَدَايَا وَالْجَوَائِزِ فَيَقْبَلُهَا، وَبَعَثَ إِلَيْهِ
مَرَّةً بِأَلْفِ دِينَارٍ فَأَخَذَهَا. وَقَدْ دَخَلَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ
الْعَزِيزِ يَوْمًا إِلَى اصْطَبْلِ أَبِيهِ وَهُوَ صَغِيرٌ،
فَرَمَحَهُ
فَرَسٌ فَشَجَّهُ فِي جَبِينِهِ، فَجَعَلَ أَبُوهُ يَسْلُتُ عَنْهُ الدَّمَ
وَيَقُولُ: أَمَّا لَئِنْ كُنْتَ أَشَجَّ بَنِي مَرْوَانَ، إِنَّكَ إِذًا
لَسَعِيدٌ. وَكَانَ النَّاسُ يَقُولُونَ: الْأَشَجُّ وَالنَّاقِصُ أَعْدَلُ بَنِي
مَرْوَانَ; فَالْأَشَجُّ هُوَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالنَّاقِصُ هُوَ
يَزِيدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، الَّذِي يَقُولُ فِيهِ
الشَّاعِرَ:
رَأَيْتُ الْيَزِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ مُبَارَكًا شَدِيدًا بِأَعْبَاءِ
الْخِلَافَةِ كَاهِلُهْ
قُلْتُ: وَقَدْ وَلِيَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بَعْدَ سُلَيْمَانَ بْنِ
عَبْدِ الْمَلِكِ سَنَتَيْنِ وَنِصْفًا، فَمَلَأَ الْأَرْضَ عَدْلًا، وَفَاضَ
الْمَالُ حَتَّى كَانَ الرَّجُلُ يَهُمُّهُ لِمَنْ يُعْطِي صَدَقَتَهُ. وَقَدْ
حَمَلَ الْبَيْهَقِيُّ الْحَدِيثَ الْمُتَقَدِّمَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ،
عَلَى أَيَّامِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ،، وَعِنْدِي فِي ذَلِكَ نَظَرٌ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ،
حَدَّثَنِي أَبُو مَعْنٍ
الْأَنْصَارِيُّ
مَا أَسْنَدَهُ، قَالَ: بَيْنَمَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَمْشِي إِلَى
مَكَّةَ بِفَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ إِذْ رَأَى حَيَّةً مَيِّتَةً فَقَالَ: عَلَيَّ
بِمِحْفَارٍ. فَقَالُوا: نَكْفِيكَ، أَصْلَحَكَ اللَّهُ. قَالَ: لَا. ثُمَّ
أَخَذَهُ فَحَفَرَ لَهُ، ثُمَّ لَفَّهُ فِي خِرْقَةٍ وَدَفَنَهُ، فَإِذَا هَاتِفٌ
يَهْتِفُ لَا يَرَوْنَهُ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ يَا سُرَّقُ. فَقَالَ لَهُ
عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: مَنْ أَنْتَ؟ يَرْحَمُكَ اللَّهُ. قَالَ: أَنَا
رَجُلٌ مِنَ الْجِنِّ، وَهَذَا سُرَّقٌ وَلَمْ يَبْقَ مِمَّنْ بَايَعَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرِي وَغَيْرُهُ، وَأَشْهَدَ
لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "
تَمُوتُ يَا سُرَّقُ بِفَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ، وَيَدْفِنُكَ خَيْرُ أُمَّتِي
وَقَدْ رَوَى هَذَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَفِيهِ أَنَّهُمْ كَانُوا تِسْعَةً
بَايَعُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِيهِ أَنَّ
عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَلَّفَهُ، فَلَمَّا حَلَفَ بَكَى عُمَرُ بْنُ
عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَقَدْ رَجَّحَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَحَسَّنَهُ. فَاللَّهُ
أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ - فِي صِحَّتِهِ نَظَرٌ - فِي ذِكْرِ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ
بِالْمَدْحِ، وَذِكْرُ غَيْلَانَ بِالذَّمِّ
رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ وَغَيْرِهِ، عَنِ
الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ،
عَنْ
مَرْوَانَ بْنِ سَالِمٍ الْقَرْقَسَانِيِّ، عَنِ الْأَحْوَصِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ
خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَكُونُ فِي أُمَّتَيْ رَجُلٌ يُقَالُ
لَهُ: وَهْبٌ. يَهَبُ اللَّهُ لَهُ الْحِكْمَةَ، وَرَجُلٌ يُقَالُ لَهُ غَيْلَانُ.
هُوَ أَضَرُّ عَلَى أُمَّتِي مِنْ إِبْلِيسَ وَهَذَا لَا يَصِحُّ; لِأَنَّ
مَرْوَانَ بْنَ سَالِمٍ هَذَا مَتْرُوكٌ.
وَبِهِ إِلَى الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ وَرْدَانَ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: يَنْعِقُ الشَّيْطَانُ بِالشَّامِ نَعَقَةً يُكَذِّبُ ثُلُثَاهُمْ
بِالْقَدَرِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَفِي هَذَا إِنْ صَحَّ إِشَارَةٌ إِلَى
غَيْلَانَ، وَمَا ظَهَرَ بِالشَّامِ بِسَبَبِهِ مِنَ التَّكْذِيبِ بِالْقَدَرِ
حَتَّى قُتِلَ.
الْإِشَارَةُ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ وَعِلْمِهِ بِتَفْسِيرِ
الْقُرْآنِ وَحِفْظِهِ
قَالَ حَرْمَلَةُ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو صَخْرٍ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ مُغِيثِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ الظَّفَرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
جَدِّهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ: " يَخْرُجُ فِي أَحَدِ الْكَاهِنَيْنِ رَجُلٌ قَدْ يَدْرُسُ
الْقُرْآنَ دِرَاسَةً لَا يَدْرُسُهَا أَحَدٌ يَكُونُ مِنْ بَعْدِهِ ".
وَرَوَى
الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَاكِمِ، عَنِ الْأَصَمِّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ الْقَاضِي،
ثَنَا أَبُو ثَابِتٍ، ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ
عُمَرَ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَكُونُ فِي أَحَدِ الْكَاهِنَيْنِ
رَجُلٌ يَدْرُسُ الْقُرْآنَ دِرَاسَةً لَا يَدْرُسُهَا غَيْرُهُ قَالَ: فَكَانُوا
يَرَوْنَ أَنَّهُ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ. قَالَ أَبُو ثَابِتٍ:
الْكَاهِنَانِ قُرَيْظَةُ وَالنَّضِيرُ.
وَقَدْ رَوَى مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مُرْسَلٍ: " يَخْرُجُ مِنَ الْكَاهِنَيْنِ
رَجُلٌ أَعْلَمُ النَّاسِ بِكِتَابِ اللَّهِ ". وَقَدْ قَالَ عَوْنُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَعْلَمَ بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ مِنْ
مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ.
ذِكْرُ الْإِخْبَارِ بِانْخِرَامِ قَرْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بَعْدَ مِائَةٍ سَنَةٍ مِنْ لَيْلَةِ إِخْبَارِهِ فَكَانَ كَمَا أَخْبَرَ
ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ
وَأَبِي بَكْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عُمَرَ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
صَلَاةَ الْعِشَاءِ لَيْلَةً فِي آخِرِ عُمُرِهِ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ فَقَالَ:
" أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ؟ فَإِنَّ رَأْسَ مِائَةِ سَنَةٍ
مِنْهَا لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَحَدٌ قَالَ
ابْنُ
عُمَرَ: فَوَهَلَ النَّاسُ فِي مَقَالَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، إِلَى مَا يَتَحَدَّثُونَ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ عَنْ مِائَةِ
سَنَةٍ، وَإِنَّمَا يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّهَا تَخْرِمُ ذَلِكَ الْقَرْنَ. وَفِي
رِوَايَةٍ: إِنَّمَا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
انْخِرَامَ قَرْنِهِ.
وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي
أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ:سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ قَبْلَ مَوْتِهِ
بِشَهْرٍ: " تَسْأَلُونَ عَنِ السَّاعَةِ، وَإِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ
اللَّهِ، فَأُقْسِمُ بِاللَّهِ مَا عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ مِنْ نَفْسٍ
مَنْفُوسَةٍ الْيَوْمَ تَأْتِي عَلَيْهَا مِائَةُ سَنَةٍ وَهَذَا الْحَدِيثُ
وَأَمْثَالُهُ مِمَّا يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ ذَهَبٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ إِلَى أَنَّ
الْخَضِرَ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ الْآنَ، كَمَا قَدَّمْنَا ذَلِكَ فِي تَرْجَمَتِهِ
مِنْ قَصَصِ الْأَنْبِيَاءِ، عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَهُوَ نَصٌّ عَلَى أَنَّ
جَمِيعَ الْأَحْيَاءِ فِي الْأَرْضِ يَمُوتُونَ إِلَى تَمَامِ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْ
إِخْبَارِهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَكَذَا وَقَعَ سَوَاءً;
فَإِنَّهُ لَمْ يَتَأَخَّرْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَى مَا يُجَاوِزُ هَذِهِ
الْمُدَّةَ، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ النَّاسِ، ثُمَّ قَدْ طَرَدَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ
هَذَا الْحُكْمَ فِي كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ، وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ تَعَرُّضٌ
لِهَذَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي شُرَيْحُ
بْنُ يَزِيدَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْأَلْهَانِيِّ،
عَنْ أَبِيهِ،عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ قَالَ: وَضَعَ
رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِي، وَقَالَ: هَذَا
الْغُلَامُ يَعِيشُ قَرْنًا ". قَالَ: فَعَاشَ مِائَةَ سَنَةٍ وَقَدْ رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ فِي " التَّارِيخِ " عَنْ أَبِي حَيْوَةَ شُرَيْحِ بْنِ
يَزِيدَ بِهِ، فَذَكَرَهُ. قَالَ وَزَادَ غَيْرُهُ وَكَانَ فِي وَجْهِهِ
ثُؤْلُولٌ. فَقَالَ: " وَلَا يَمُوتُ حَتَّى يَذْهَبَ الثُّؤْلُولُ مِنْ
وَجْهِهِ ". فَلَمْ يَمُتْ حَتَّى ذَهَبَ الثُّؤْلُولُ مِنْ وَجْهِهِ.
وَهَذَا إِسْنَادٌ عَلَى شَرْطِ السُّنَنِ، وَلَمْ يُخْرِجُوهُ.
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَاكِمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُؤَمَّلِ بْنِ
الْحَسَنِ بْنِ عِيسَى، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ مُحَمَّدٍ الشَّعْرَانِيِّ، ثَنَا
حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادِ
الْأَلْهَانِيِّ، عَنْ أَبِيهِ،عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ، أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: " يَعِيشُ هَذَا
الْغُلَامُ قَرْنًا ". فَعَاشَ مِائَةَ سَنَةٍ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ وَغَيْرُ
وَاحِدٍ: تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُسْرٍ بِحِمْصٍ سَنَةَ ثَمَانٍ
وَثَمَانِينَ، عَنْ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ، وَهُوَ آخَرُ مَا بَقِيَ مِنَ
الصَّحَابَةِ بِالشَّامِ.
ذِكْرُ
الْإِخْبَارِ عَنِ الْوَلِيدِ بِمَا فِيهِ لَهُ مِنِ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ،
وَإِنْ صَحَّ فَهُوَ الْوَلِيدُ بْنُ يَزِيدَ لَا الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ
الْمَلِكِ بَانِي الْجَامِعِ السَّعِيدِ
قَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ
الْعَبَّاسِ السَّكْسَكِيُّ، حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنِي
أَبُو عَمْرٍو الْأَوْزَاعِيُّ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ،عَنْ سَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيَّبِ قَالَ: وُلِدَ لِأَخِي أُمِّ سَلَمَةَ غُلَامٌ، فَسَمَّوْهُ
الْوَلِيدَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ
جَعَلْتُمْ تُسَمُّونَ بِأَسْمَاءِ فَرَاعِنَتِكُمْ، إِنَّهُ سَيَكُونُ فِي هَذِهِ
الْأُمَّةِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: الْوَلِيدُ. هُوَ أَضَرُّ عَلَى أُمَّتِي مِنْ
فِرْعَوْنَ عَلَى قَوْمِهِ ". قَالَ أَبُو عَمْرٍو الْأَوْزَاعِيُّ: فَكَانَ
النَّاسُ يُرُونَ أَنَّهُ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، ثُمَّ رَأَيْنَا
أَنَّهُ الْوَلِيدُ بْنُ يَزِيدَ; لِفِتْنَةِ النَّاسِ بِهِ حَتَّى خَرَجُوا
عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ، وَانْفَتَحَتِ الْفِتْنَةُ عَلَى الْأُمَّةِ وَالْهَرْجُ
وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَاكِمِ وَغَيْرِهِ، عَنِ الْأَصَمِّ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ عُثْمَانَ التَّنُوخِيِّ عَنْ بِشْرِ بْنِ بَكْرٍ، عَنِ
الْأَوْزَاعِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ، فَذَكَرَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ
قَوْلَ الْأَوْزَاعِيِّ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا مُرْسَلٌ حَسَنٌ. وَقَدْ رَوَاهُ
نُعَيْمُ
بْنُ
حَمَّادٍ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ بِهِ، وَعِنْدَهُ: قَالَ الزُّهْرِيُّ:
إِنِ اسْتُخْلِفَ الْوَلِيدُ بْنُ يَزِيدَ فَهُوَ هُوَ، وَإِلَّا فَهُوَ
الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ.
وَقَالَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ: ثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي حُرَّةَ، عَنِ
الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
سَيَكُونُ رَجُلٌ اسْمُهُ الْوَلِيدُ، يُسَدُّ بِهِ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ
جَهَنَّمَ أَوْ زَاوِيَةٌ مِنْ زَوَايَاهَا وَهَذَا مُرْسَلٌ أَيْضًا
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا بَلَغَ بَنُو أَبِي الْعَاصِ
أَرْبَعِينَ رَجُلًا، اتَّخَذُوا دِينَ اللَّهِ دَغَلًا، وَعِبَادَ اللَّهِ
خَوَلًا، وَمَالَ اللَّهِ دُوَلًا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِهِ.
وَقَالَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ: ثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ وَعَبْدُ الْقُدُّوسِ،
عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي
ذَرٍّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ:إِذَا بَلَغَتْ بَنُو أُمَيَّةَ أَرْبَعِينَ اتَّخَذُوا عِبَادَ اللَّهِ
خَوَلًا، وَمَالَ اللَّهِ نُحْلًا، وَكِتَابَ
اللَّهِ
دَغَلًا وَهَذَا مُنْقَطِعٌ بَيْنَ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ وَبَيْنَ أَبِي ذَرٍّ.
وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ: أَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ
عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا بَلَغَ بَنُو أَبِي الْعَاصِ ثَلَاثِينَ رَجُلًا
اتَّخَذُوا دِينَ اللَّهِ دَغَلًا، وَمَالَ اللَّهِ دُوَلًا، وَعِبَادَ اللَّهِ
خَوَلًا وَرَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ جَرِيرٍ
بِهِ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَنَا
أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارِ، ثَنَا تَمْتَامٌ وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ
غَالِبٍ، ثَنَا كَامِلُ بْنُ طَلْحَةَ، ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي
قُبَيْلٍ،أَنَّ ابْنَ مَوْهَبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ مُعَاوِيَةَ بْنِ
أَبِي سُفْيَانَ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ مَرْوَانُ فَكَلَّمَهُ فِي حَاجَتِهِ،
فَقَالَ: اقْضِ حَاجَتِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَوَاللَّهِ إِنَّ مُؤْنَتِي
لَعَظِيمَةٌ، وَإِنِّي لَأَبُو عَشَرَةٍ، وَعَمُّ عَشَرَةٍ، وَأَخُو عَشَرَةٍ.
فَلَمَّا أَدَبَرَ مَرْوَانُ، وَابْنُ عَبَّاسٍ جَالِسٌ مَعَ مُعَاوِيَةَ عَلَى
السَّرِيرِ، قَالَ مُعَاوِيَةُ: أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ يَا بْنَ عَبَّاسٍ، أَمَا
تَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا
بَلَغَ بَنُو الْحَكَمِ ثَلَاثِينَ رَجُلًا، اتَّخَذُوا مَالَ اللَّهِ بَيْنَهُمْ
دُوَلًا، وَعِبَادَ اللَّهِ خَوَلًا، وَكِتَابَ اللَّهِ دَغَلًا، فَإِذَا بَلَغُوا
سَبْعَةً وَتِسْعِينَ وَأَرْبَعَمِائَةٍ، كَانَ هَلَاكُهُمْ أَسْرَعَ مِنْ لَوْكِ
تَمْرَةٍ " ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: اللَّهُمَّ نَعَمْ.
قَالَ:
وَذَكَرَ مَرْوَانُ حَاجَةً لَهُ، فَرَدَّ مَرْوَانُ عَبْدَ الْمَلِكِ إِلَى
مُعَاوِيَةَ، فَكَلَّمَهُ فِيهَا، فَلَمَّا أَدْبَرَ عَبْدُ الْمَلِكِ قَالَ
مُعَاوِيَةُ: أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، أَمَا تَعْلَمُ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ هَذَا فَقَالَ: "
أَبُو الْجَبَابِرَةِ الْأَرْبَعَةِ " ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: اللَّهُمَّ
نَعَمْ وَهَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ غَرَابَةٌ وَنَكَارَةٌ شَدِيدَةٌ، وَابْنُ
لَهِيعَةَ ضَعِيفٌ.
وَقَدْ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
الدَّارِمِيِّ: ثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثَنَا سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ،
أَخُو حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ الْبُنَانِيِّ، عَنْ
أَبِي الْحَسَنِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ، قَالَ:
جَاءَ الْحَكَمُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ يَسْتَأْذِنُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَرَفَ كَلَامَهُ فَقَالَ: " ائْذَنُوا لَهُ،
حَيَّةٌ، أَوْ وَلَدُ حَيَّةٍ، عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَعَلَى مَنْ يَخْرُجُ
مِنْ صُلْبِهِ إِلَّا الْمُؤْمِنِينَ، وَقَلِيلٌ مَا هُمْ، يُشَرَّفُونَ فِي
الدُّنْيَا وَيَوْضُعُونَ فِي الْآخِرَةِ، ذَوُو مَكْرٍ وَخَدِيعَةٍ، يُعْطَوْنَ
فِي الدُّنْيَا وَمَالَهُمْ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ قَالَ الدَّارِمِيِّ:
أَبُو الْحَسَنِ هَذَا حِمْصِيٌّ.
وَقَالَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ فِي " الْفِتَنِ وَالْمَلَاحِمِ ":
ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَرْوَانَ الْمَرْوَانِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ
أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ، أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ لَمَّا
وُلِدَ دُفِعَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَدْعُوَ
لَهُ، فَأَبَى أَنْ يَفْعَلَ ثُمَّ قَالَ: " ابْنُ الزَّرْقَاءِ، هَلَاكُ
أُمَّتِي
عَلَى يَدَيْهِ وَيَدِي ذُرِّيَّتِهِ وَهَذَا حَدِيثٌ مُرْسَلٌ.
ذِكْرُ الْإِخْبَارِ عَنْ خُلَفَاءِ بَنِي أُمَيَّةَ جُمْلَةً مِنْ جُمْلَةٍ،
وَالْإِشَارَةُ إِلَى مُدَّةِ دَوْلَتِهِمْ
قَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَبُو مُحَمَّدٍ
الْأَزْرَقِيُّ، ثَنَا الزَّنْجِيُّ - يَعْنِي مُسْلِمَ بْنَ خَالِدٍ - عَنِ
الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: رَأَيْتُ فِي النَّوْمِ بَنِي الْحَكَمِ
- أَوْ بَنِي أَبِي الْعَاصِ - يَنْزُونَ عَلَى مِنْبَرِي كَمَا تَنْزُو
الْقِرَدَةُ " قَالَ فَمَا رُئِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مُسْتَجْمِعًا ضَاحِكًا حَتَّى تُوُفِّيَ.
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، عَنْ سَعِيدِ
بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بَنِي أُمَيَّةَ عَلَى مِنْبَرِهِ، فَسَاءَهُ ذَلِكَ، فَأُوحِيَ
إِلَيْهِ: إِنَّمَا هِيَ دُنْيَا أُعْطُوهَا. فَقَرَّتْ عَيْنُهُ. وَهِيَ قَوْلُهُ
وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ [
الْإِسْرَاءِ: 60 ]. يَعْنِي بَلَاءً لِلنَّاسِ. عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ
جُدْعَانَ
ضَعِيفٌ،
وَالْحَدِيثُ مُرْسَلٌ أَيْضًا.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: ثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ الْفَضْلِ - هُوَ
الْحُدَّانِيُّ - ثَنَا يُوسُفُ بْنُ مَازِنٍ الرَّاسِبِيُّ قَالَ: قَامَ رَجُلٌ
إِلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ بَعْدَ مَا بَايَعَ مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ يَا
مُسَوِّدَ وُجُوهِ الْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ الْحَسَنُ: لَا تُؤَنِّبْنِي، رَحِمَكَ
اللَّهُ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى بَنِي
أُمَيَّةَ يَخْطُبُونَ عَلَى مِنْبَرِهِ رَجُلًا فَرَجُلًا، فَسَاءَهُ ذَلِكَ
فَنَزَلَتْ: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ [ الْكَوْثَرِ: 1 ]. يَعْنِي
نَهْرًا فِي الْجَنَّةِ. وَنَزَلَتْ: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ
وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ
شَهْرٍ [ الْقَدْرِ: 1 - 3 ]. تَمْلِكُهُ بَنُو أُمَيَّةَ. قَالَ الْقَاسِمُ: فَحَسْبُنَا
ذَلِكَ فَإِذَا هُوَ أَلْفُ شَهْرٍ لَا يَزِيدُ يَوْمًا وَلَا يَنْقُصُ. وَقَدْ
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ، وَالْحَاكِمُ فِي "
مُسْتَدْرِكِهِ "، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي " دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ
"، كُلُّهُمْ مِنْ حَدِيثِ الْقَاسِمِ بْنِ الْفَضْلِ الْحُدَّانِيِّ -
وَقَدْ وَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، وَابْنُ مَهْدِيٍّ - عَنْ
يُوسُفَ بْنِ سَعْدٍ، وَيُقَالُ: يُوسُفُ بْنُ مَازِنٍ
الرَّاسِبِيُّ،
وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ جَرِيرٍ: عِيسَى بْنُ مَازِنٍ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ:
وَهُوَ رَجُلٌ مَجْهُولٌ، وَهَذَا الْحَدِيثُ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ
هَذَا الْوَجْهِ. فَقَوْلُهُ: إِنَّ يُوسُفَ هَذَا مَجْهُولٌ. مُشْكِلٌ;
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ مَجْهُولُ الْحَالِ، فَإِنَّهُ قَدْ رَوَى
عَنْهُ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ: حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَخَالِدٌ الْحَذَّاءُ،
وَيُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ هُوَ مَشْهُورٌ. وَفِي
رِوَايَةٍ عَنْهُ قَالَ: هُوَ ثِقَةٌ. فَارْتَفَعَتِ الْجَهَالَةُ عَنْهُ
مُطْلَقًا.
قُلْتُ: وَلَكِنْ فِي شُهُودِهِ قَضِيَّةَ الْحَسَنِ وَمُعَاوِيَةَ نَظَرٌ، وَقَدْ
يَكُونُ أَرْسَلَهَا عَمَّنْ لَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ
سَأَلْتُ شَيْخَنَا الْحَافِظَ أَبَا الْحَجَّاجِ الْمِزِّيَّ، رَحِمَهُ اللَّهُ،
عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ: هُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ.
وَأَمَّا قَوْلُ الْقَاسِمِ بْنِ الْفَضْلِ، رَحِمَهُ اللَّهُ: إِنَّهُ حَسَبَ
دَوْلَةَ بَنِي أُمَيَّةَ، فَوَجَدَهَا أَلِفَ شَهْرٍ، لَا تَزِيدُ يَوْمًا وَلَا
تَنْقُصُهُ. فَهُوَ غَرِيبٌ جِدًّا، وَفِيهِ نَظَرٌ; وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا
يُمْكِنُ إِدْخَالُ دَوْلَةِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،
وَكَانَتْ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ، لَا مِنْ حَيْثُ
الصُّورَةِ، وَلَا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى; وَذَلِكَ أَنَّهَا مَمْدُوحَةٌ;
لِأَنَّهُ أَحَدُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَالْأَئِمَّةِ الْمَهْدِيِّينَ،
الَّذِينَ قَضَوْا بِالْحَقِّ، وَبِهِ كَانُوا يَعْدِلُونَ، وَهَذَا الْحَدِيثُ
إِنَّمَا سِيقَ لِذَمِّ دَوْلَتِهِمْ، وَفِي دَلَالَةِ الْحَدِيثِ عَلَى الذَّمِّ
نَظَرٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُ دَلَّ عَلَى أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ
أَلْفِ شَهْرِ الَّتِي هِيَ دَوْلَتُهُمْ، وَلَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةٌ
خَيِّرَةٌ، عَظِيمَةُ الْمِقْدَارِ وَالْبَرَكَةِ، كَمَا وَصَفَهَا اللَّهُ
تَعَالَى بِهِ، فَمَا يَلْزَمُ مِنْ تَفْضِيلِهَا عَلَى دَوْلَتِهِمْ ذَمُّ
دَوْلَتِهِمْ، فَلْيُتَأَمَّلْ هَذَا; فَإِنَّهُ دَقِيقٌ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ
الْحَدِيثَ
فِي
صِحَّتِهِ نَظَرٌ; لِأَنَّهُ إِنَّمَا سِيقَ لِذَمِّ أَيَّامِهِمْ. وَاللَّهُ
تَعَالَى أَعْلَمُ. وَأَمَّا إِذَا أَرَادَ أَنَّ ابْتِدَاءَ دَوْلَتِهِمْ مُنْذُ
وَلِيَ مُعَاوِيَةُ حِينَ تَسَلَّمَهَا مِنَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، فَقَدْ كَانَ
ذَلِكَ سَنَةَ أَرْبَعِينَ، أَوْ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ. وَكَانَ يُقَالُ لَهُ:
عَامُ الْجَمَاعَةِ. لِأَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمُ اجْتَمَعُوا عَلَى إِمَامٍ
وَاحِدٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ فِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ "،
عَنْ أَبِي بَكْرَةٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ: إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ،
وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ
الْمُسْلِمِينَ. فَكَانَ هَذَا فِي هَذَا الْعَامِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ
وَالْمِنَّةُ، وَاسْتَمَرَّ الْأَمْرُ فِي أَيْدِي بَنِي أُمَيَّةَ مِنْ هَذِهِ
السَّنَةِ إِلَى سَنَةِ ثِنْتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ، حَتَّى انْتَقَلَ
إِلَى بَنِي الْعَبَّاسِ، كَمَا سَنَذْكُرُهُ، وَمَجْمُوعُ ذَلِكَ ثَنَتَانِ
وَتِسْعُونَ سَنَةً، وَهَذَا لَا يُطَابِقُ أَلْفَ شَهْرٍ; لِأَنَّ مُعَدَّلَ
أَلْفِ شَهْرٍ ثَلَاثٌ وَثَمَانُونَ سَنَةً وَأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، فَإِنْ قَالَ:
أَنَا أُخْرِجُ مِنْهَا وِلَايَةَ ابْنِ الزُّبَيْرِ. وَكَانَتْ تِسْعَ سِنِينَ،
فَحِينَئِذٍ يَبْقَى ثَلَاثٌ وَثَمَانُونَ سَنَةً.
فَالْجَوَابُ أَنَّهُ وَإِنْ خَرَجَتْ وِلَايَةُ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَإِنَّهُ لَا
يَكُونُ مَا بَقِيَ مُطَابِقًا لِأَلْفِ شَهْرٍ تَحْدِيدًا، بِحَيْثُ لَا يَنْقُصُ
يَوْمًا وَلَا يَزِيدُهُ، كَمَا قَالَهُ، بَلْ يَكُونُ ذَلِكَ تَقْرِيبًا، هَذَا
وَجْهٌ. الثَّانِي: أَنَّ وِلَايَةَ ابْنِ الزُّبَيْرِ كَانَتْ بِالْحِجَازِ
وَالْأَهْوَازِ وَالْعِرَاقِ فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ، وَفِي مِصْرَ فِي قَوْلٍ،
وَلَمْ تَنْسَلِبْ يَدُ بَنِي أُمَيَّةَ مِنَ الشَّامِ أَصْلًا، وَلَا زَالَتْ
دَوْلَتُهُمْ بِالْكُلِّيَّةِ فِي ذَلِكَ الْحِينِ. الثَّالِثُ: أَنَّ هَذَا
يَقْتَضِي دُخُولَ دَوْلَةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي حِسَابِ بَنِي
أُمَيَّةَ، وَمُقْتَضَى مَا ذَكَرَهُ أَنْ تَكُونَ دَوْلَتُهُ مَذْمُومَةً،
وَهَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةٍ الْإِسْلَامِ، وَإِنَّهُمْ
مُصَرِّحُونَ بِأَنَّهُ أَحَدُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ حَتَّى قَرَنُوا
أَيَّامَهُ تَابِعَةً لِأَيَّامِ الْأَرْبَعَةِ، وَحَتَّى اخْتَلَفُوا فِي
أَيِّهِمَا أَفْضَلُ; هُوَ أَمْ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ أَحَدِ
الصَّحَابَةِ؟ وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: لَا أَرَى قَوْلَ أَحَدٍ مِنَ
التَّابِعَيْنِ
حُجَّةٌ إِلَّا قَوْلَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. فَإِذَا عُلِمَ هَذَا،
فَإِنْ أَخْرَجَ أَيَّامَهُ مِنْ حِسَابِهِ انْخَرَمَ حِسَابُهُ، وَإِنْ
أَدْخَلَهَا فِيهِ مَذْمُومَةً خَالَفَ الْأَئِمَّةَ، وَهَذَا مَا لَا مَحِيدَ
عَنْهُ، وَكُلُّ هَذَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى نَكَارَةِ هَذَا الْحَدِيثِ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ أَبِي
الْعَبَّاسِ، سَمِعَ أَبَا الطُّفَيْلِ، سَمِعَ عَلِيًّا يَقُولُ: لَا يَزَالُ هَذَا
الْأَمْرُ فِي بَنِي أُمَيَّةَ مَا لَمْ يَخْتَلِفُوا بَيْنَهُمْ. حَدَّثَنَا
ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ عِمْرَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ
أَبِي سَالِمٍ الْجَيْشَانِيِّ، سَمِعَ عَلِيًّا يَقُولُ: الْأَمْرُ لَهُمْ حَتَّى
يَقْتُلُوا قَتِيلَهُمْ، وَيَتَنَافَسُوا بَيْنَهُمْ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ بَعَثَ
اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَقْوَامًا مِنَ الْمَشْرِقِ، فَقَتَلُوهُمْ بَدَدًا
وَأَحْصَوْهُمْ عَدَدًا، وَاللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ سَنَةً إِلَّا مَلَكْنَا
سَنَتَيْنِ، وَلَا يَمْلِكُونَ سَنَتَيْنِ إِلَّا مَلَكْنَا أَرْبَعًا.
وَقَالَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ
حُصَيْنِ بْنِ الْوَلِيدِ، عَنِ الْأَزْهَرِ بْنِ الْوَلِيدِ: سَمِعْتُ أُمَّ
الدَّرْدَاءِ تَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ يَقُولُ: إِذَا قُتِلَ
الْخَلِيفَةُ الشَّابُّ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ بَيْنَ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ
مَظْلُومًا، لَمْ تَزَلْ طَاعَةٌ
يُسْتَخَفُّ
بِهَا، وَدَمٌ مُسْفُوكٌ بِغَيْرِ حَقٍّ. يَعْنِي الْوَلِيدَ بْنَ يَزِيدَ.
وَمِثْلُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إِنَّمَا تُقَالُ عَنْ تَوْقِيفٍ.
ذِكْرُ الْإِخْبَارِ عَنْ دَوْلَةِ بَنِي الْعَبَّاسِ، وَكَانَ ظُهُورُهُمْ مِنْ
خُرَاسَانَ بِالرَّايَاتِ السُّودِ فِي سَنَةِ ثِنْتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ
قَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ
الْعَبَّاسِ، ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ،
عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ هِشَامٍ الْمُعَيْطِيِّ، عَنْ أَبَانِ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ
عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيطٍ قَالَ: قَدِمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ عَلَى
مُعَاوِيَةَ وَأَنَا حَاضِرٌ، فَأَجَازَهُ فَأَحْسَنَ جَائِزَتَهُ، ثُمَّ قَالَ:
يَا أَبَا الْعَبَّاسِ، هَلْ لَكُمْ دَوْلَةٌ؟ فَقَالَ: أَعْفِنِي يَا أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ: لَتُخْبِرَنِّي. قَالَ: نَعَمْ. فَأَخْبَرَهُ، قَالَ:
فَمَنْ أَنْصَارُكُمْ؟ قَالَ: أَهْلُ خُرَاسَانَ، وَلِبَنِي أُمَيَّةَ مِنْ بَنِي
هَاشِمٍ بَطَحَاتٌ. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: أَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدَةَ بْنِ حَرْبٍ، ثَنَا سُوِيدُ بْنُ سَعِيدٍ، أَنَا حَجَّاجُ
بْنُ تَمِيمٍ، عَنْ
مَيْمُونِ
بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَرَرْتُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِذَا مَعَهُ جِبْرِيلُ، وَأَنَا أَظُنُّهُ دِحْيَةَ
الْكَلْبِيَّ، فَقَالَ جِبْرِيلُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
إِنَّهُ لَوَسِخُ الثِّيَابِ، وَسَيَلْبَسُ وَلَدُهُ مِنْ بَعْدِهِ السَّوَادَ.
وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ فِي ذَهَابِ بَصَرِهِ، ثُمَّ عَوْدِهِ إِلَيْهِ
قَبْلَ مَوْتِهِ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ حَجَّاجُ بْنُ تَمِيمٍ،
وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا الْحَاكِمُ، ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ
وَأَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ بَالَوَيْهِ فِي آخَرِينَ
قَالُوا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، ثَنَا يَحْيَى
بْنُ مَعِينٍ، ثَنَا عُبَيْدُ بْنُ أَبِي قُرَّةَ، ثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ،
عَنْ أَبِي قُبَيْلٍ، عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ مَوْلَى الْعَبَّاسِ قَالَ: سَمِعْتُ
الْعَبَّاسَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقَالَ: " انْظُرْ هَلْ تَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ شَيْءٍ؟
" قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: " مَا تَرَى؟ " قُلْتُ: الثُّرَيَّا.
قَالَ: " أَمَا إِنَّهُ سَيَمْلِكُ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِعَدَدِهَا مِنْ
صُلْبِكَ. قَالَ الْبُخَارِيُّ: عُبَيْدُ بْنُ أَبِي قُرَّةَ بَغْدَادِيٌّ سَمِعَ
اللَّيْثَ، لَا يُتَابَعُ عَلَى حَدِيثِهِ فِي قِصَّةِ الْعَبَّاسِ.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَامِرِيِّ
- وَهُوَ ضَعِيفٌ - عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْعَبَّاسِ: فِيكُمُ
النُّبُوَّةُ وَفِيكُمُ الْمَلِكُ.
وَقَالَ
أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، ثَنَا
سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ: كَمَا فَتَحَ اللَّهُ بِأَوَّلِنَا فَأَرْجُو أَنْ يَخْتِمَهُ بِنَا.
هَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ، وَهُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ كَلَامِهِ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَيُّوبَ ثَنَا
الْوَلِيدُ، ثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ أَبِي غَنِيَّةَ، عَنِ
الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ
عَبَّاسٍ وَنَحْنُ نَقُولُ: اثَّنَيْ عَشَرَ أَمِيرًا ثُمَّ لَا أَمِيرَ،
وَاثَّنَيْ عَشَرَ أَمِيرًا، ثُمَّ هِيَ السَّاعَةُ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا
أَحْمَقَكُمْ! إِنَّ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ بَعْدَ ذَلِكَ الْمَنْصُورَ،
وَالسَّفَّاحَ، وَالْمَهْدِيَّ; يَدْفَعُهَا إِلَى عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ. وَهَذَا
أَيْضًا مَوْقُوفٌ، وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ، عَنِ
الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: " مِنَّا السَّفَّاحُ،
وَالْمَنْصُورُ، وَالْمَهْدَيُّ ". وَهَذَا إِسْنَادٌ ضَعِيفٌ، وَالضَّحَّاكُ
لَمْ يَسْمَعْ مِنَ ابْنِ عَبَّاسٍ شَيْئًا عَلَى الصَّحِيحِ، فَهُوَ مُنْقَطِعٌ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ،
عَنْ أَبِي قِلَابَةَ،
عَنْ
أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُقْتُلُ عِنْدَ كَنْزِكُمْ هَذِهِ ثَلَاثَةٌ، كُلُّهُمْ
وَلَدُ خَلِيفَةٍ، لَا يَصِيرُ إِلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ، ثُمَّ تُقْبَلُ
الرَّايَاتُ السُّودُ مِنْ خُرَاسَانَ، فَيَقْتُلُونَكُمْ مَقْتَلَةً لَمْ يَرَوْا
مِثْلَهَا، ثُمَّ يَجِيءُ خَلِيفَةُ اللَّهِ الْمَهْدِيُّ، فَإِذَا سَمِعْتُمْ
فَأْتُوهُ فَبَايِعُوهُ وَلَوْ حَبْوًا عَلَى الثَّلْجِ، فَإِنَّهُ خَلِيفَةُ
اللَّهِ الْمَهْدِيُّ. أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُوسُفَ
السُّلَمِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الذُّهْلِيِّ، كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ
الرَّزَّاقِ بِهِ. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ عَبْدِ
الرَّزَّاقِ، ثُمَّ قَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ
الْبَيْهَقِيُّ: وَرَوَاهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ خَالِدٍ
الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ مَوْقُوفًا.
ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَنَا
أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ، ثَنَا كَثِيرُ
بْنُ يَحْيَى، ثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ،
عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا أَقْبَلَتِ الرَّايَاتُ السُّودُ مِنْ عَقِبِ
خُرَاسَانَ فَأْتُوهَا وَلَوْ حَبْوًا عَلَى الثَّلْجِ، فَإِنَّ فِيهَا خَلِيفَةَ اللَّهِ
الْمَهْدِيَّ
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ،
ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاهِرٍ
الرَّازِيُّ،
ثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ
عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ فِتْيَةً مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، فَاغْرَوْرَقَتْ
عَيْنَاهُ، وَذَكَرَ الرَّايَاتِ، قَالَ: " فَمَنْ أَدْرَكَهَا فَلْيَأْتِهَا
وَلَوْ حَبْوًا عَلَى الثَّلْجِ ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا نَعْلَمُ
رَوَاهُ عَنِ الْحَكَمِ إِلَّا ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَلَا نَعْلَمُ يُرْوَى
إِلَّا مِنْ حَدِيثِ دَاهِرِ بْنِ يَحْيَى، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الرَّأْيِ، صَالِحُ
الْحَدِيثِ، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ
إِبْرَاهِيمَ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى: ثَنَا أَبُو هِشَامٍ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ
بْنِ رِفَاعَةَ، ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، ثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي
زِيَادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، هُوَ ابْنُ
مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
تَجِيءُ رَايَاتٌ سُودٌ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ، تَخُوضُ الْخَيْلُ الدَّمَ إِلَى
ثُنَّتِهَا، يُظْهِرُونَ الْعَدْلَ، وَيَطْلُبُونَ الْعَدْلَ فَلَا يُعْطَوْنَهُ،
فَيَظْهَرُونَ فَيُطْلَبُ مِنْهُمُ الْعَدْلُ فَلَا يُعْطُونَهُ. وَهَذَا
إِسْنَادٌ حَسَنٌ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ غَيْلَانَ وَقُتَيْبَةُ
بْنُ سَعِيدٍ، قَالَا: ثَنَا رِشْدِينُ بْنُ سَعْدٍ. قَالَ يَحْيَى بْنُ غَيْلَانَ
فِي حَدِيثِهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ
قَبِيصَةَ، هُوَ ابْنُ ذُؤَيْبٍ الْخُزَاعِيُّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ
رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: يَخْرُجُ مِنْ
خُرَاسَانَ رَايَاتٌ سُودٌ، لَا يَرُدُّهَا شَيْءٌ حَتَّى تُنْصَبَ بِإِيلِيَاءَ.
وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ بِهِ، وَقَالَ: غَرِيبٌ. وَرَوَاهُ
الْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ
رِشْدِينَ بْنِ سَعْدٍ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ رِشْدِينُ بْنُ
سَعْدٍ، وَقَدْ رُوِيَ قَرِيبٌ مِنْ هَذَا، عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ، وَلَعَلَّهُ
أَشْبَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ رَوَى مِنْ طَرِيقِ يَعْقُوبَ بْنِ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا مُحَدِّثٌ عَنْ
أَبِي الْمُغِيرَةِ عَبْدِ الْقُدُّوسِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، عَمَّنْ
حَدَّثَهُ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ قَالَ: تَظْهَرُ رَايَاتٌ سُودٌ لِبَنِي
الْعَبَّاسِ حَتَّى يَنْزِلُوا بِالشَّامِ، وَيَقْتُلُ اللَّهُ عَلَى أَيْدِيهِمْ
كُلَّ جَبَّارٍ وَكُلَّ عَدُوٍّ لَهُمْ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا
جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
يَخْرُجُ عِنْدَ انْقِطَاعٍ مِنَ الزَّمَانِ وَظُهُورٍ مِنَ الْفِتَنِ، رَجُلٌ
يُقَالُ لَهُ: السَّفَّاحُ. فَيَكُونُ إِعْطَاؤُهُ الْمَالَ حَثْيًا وَرَوَاهُ
الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَاكِمِ عَنِ الْأَصَمِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ
الْجَبَّارِ،
عَنْ
أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ بِهِ. وَقَالَ فِيهِ: " يَخْرُجُ رَجُلٌ
مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يُقَالُ لَهُ: السَّفَّاحُ ". فَذَكَرَهُ، وَهَذَا
الْإِسْنَادُ عَلَى شَرْطِ أَهْلِ السُّنَنِ، وَلَمْ يُخْرِجُوهُ.
فَهَذِهِ الْأَخْبَارُ فِي خُرُوجِ الرَّايَاتِ السُّودِ مِنْ خُرَاسَانَ وَفِي
وِلَايَةِ السَّفَّاحِ، وَهُوَ أَبُو الْعَبَّاسِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ
بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمَطْلَبِ،
وَقَدْ وَقَعَتْ وِلَايَتُهُ فِي حُدُودِ سَنَةِ ثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ، ثُمَّ
ظَهَرَ بِأَعْوَانِهِ وَمَعَهُمُ الرَّايَاتُ السُّودُ، وَشِعَارُهُمُ السَّوَادُ،
كَمَا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ
الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ وَفَوْقَهُ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ، ثُمَّ
بَعَثَ عَمَّهُ عَبْدَ اللَّهِ لِقِتَالِ بَنِي أُمَيَّةَ، فَكَسَرَهُمْ فِي
سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ، وَهَرَبَ مِنَ الْمَعْرَكَةِ آخِرُ
خُلَفَائِهِمْ، وَهُوَ مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ، وَيُلَقَّبُ
بِمَرْوَانَ الْحِمَارِ، وَيُقَالُ لَهُ: مَرْوَانُ الْجَعْدِيُّ. لِاشْتِغَالِهِ
عَلَى الْجَعْدِ بْنِ دِرْهَمٍ، فِيمَا قِيلَ، وَدَخَلَ عَمُّهُ دِمَشْقَ
وَاسْتَحْوَذَ عَلَى مَا كَانَ لِبَنِي أُمَيَّةَ مِنَ الْمُلِكِ وَالْأَمْلَاكِ
وَالْأَمْوَالِ، وَجَرَتْ خُطُوبٌ كَثِيرَةٌ سَنُورِدُهَا مُفَصَّلَةً فِي
مَوْضِعِهَا، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَدْ وَرَدَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ فِي ذِكْرِ الرَّايَاتِ السُّودِ الَّتِي
تَخْرُجُ مِنْ خُرَاسَانَ بِمَا يَطُولُ ذِكْرُهُ، وَقَدِ اسْتَقْصَى ذَلِكَ
نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ فِي كِتَابِهِ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مَا يَدُلُّ
عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ أَمْرُهَا بَعْدُ، وَأَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ فِي آخِرِ
الزَّمَانِ، كَمَا سَنُورِدُهُ فِي مَوْضِعِهِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى،
وَبِهِ الثِّقَةُ وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ.
وَقَدْ
رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى
تَكُونَ الدُّنْيَا لِلُكَعِ بْنِ لَكْعِ قَالَ أَبُو مَعْمَرٍ: هُوَ أَبُو
مُسْلِمٍ الْخُرَاسَانِيُّ. يَعْنِي الَّذِي أَقَامَ دَوْلَةَ بَنِي الْعَبَّاسِ.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ تَحَوَّلَتِ الدَّوْلَةُ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ إِلَى بَنِي
الْعَبَّاسِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَكَانَ أَوَّلَ قَائِمٍ مِنْهُمْ أَبُو
الْعَبَّاسِ السَّفَّاحُ، ثُمَّ أَخُوهُ أَبُو جَعْفَرٍ عَبْدُ اللَّهِ
الْمَنْصُورُ بَانِي مَدِينَةِ السَّلَامِ بَغْدَادَ، ثُمَّ ابْنُهُ الْمَهْدِيُّ
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ ابْنُهُ الْهَادِي، ثُمَّ
ابْنُهُ الْآخَرُ هَارُونُ الرَّشِيدُ ثُمَّ انْتَشَرَتِ الْخِلَافَةُ فِي
ذُرِّيَّتِهِ، عَلَى مَا سَنُفَصِّلُهُ إِذَا وَصَلْنَا إِلَى تِلْكَ الْأَيَّامَ،
وَقَدْ نَطَقَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الَّتِي أَوْرَدْنَاهَا آنِفًا
بِالسَّفَّاحِ وَالْمَنْصُورِ وَالْمَهْدِيِّ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَهْدِيَّ
الَّذِي هُوَ ابْنُ الْمَنْصُورِ ثَالِثُ خُلَفَاءِ بَنِي الْعَبَّاسِ، لَيْسَ
هُوَ الْمَهْدِيُّ الَّذِي وَرَدَتِ الْأَحَادِيثُ الْمُسْتَفِيضَةُ بِذِكْرِهِ
وَأَنَّهُ يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، يَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلًا وَقِسْطًا
كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا وَظُلْمًا، وَقَدْ أَفْرَدْنَا لِلْأَحَادِيثِ
الْوَارِدَةِ فِيهِ جُزْءًا عَلَى حِدَةٍ، كَمَا أَفْرَدَ لَهُ أَبُو دَاوُدَ
كِتَابًا فِي " سُنَنِهِ "، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَعْضِ هَذِهِ
الْأَحَادِيثِ آنِفًا أَنَّهُ يُسَلِّمُ الْخِلَافَةَ إِلَى عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ
إِذَا نَزَلَ إِلَى الْأَرْضِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا السَّفَّاحُ فَقَدْ
تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، فَيَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ هُوَ
الَّذِي بُويِعَ أَوَّلَ خُلَفَاءِ بَنِي الْعَبَّاسِ، فَقَدْ يَكُونُ خَلِيفَةً
آخَرَ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، فَإِنَّهُ قَدْ رَوَى نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ،
عَنِ ابْنِ وَهْبٍ،
عَنِ
ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَمْرٍو الْمَعَافِرَيِّ، عَنْ تَدُومَ
الْحِمْيَرِيِّ سَمِعَ تُبَيْعَ بْنَ عَامِرٍ يَقُولُ: يَعِيشُ السَّفَّاحُ
أَرْبَعِينَ سَنَةً، اسْمُهُ فِي التَّوْرَاةِ طَائِرُ السَّمَاءِ.
قُلْتُ: وَقَدْ تَكُونُ صِفَةً لِلْمَهْدِيِّ الَّذِي يَظْهَرُ فِي آخِرِ
الزَّمَانِ; لِكَثْرَةِ مَا يَسْفَحُ - أَيْ يُرِيقُ - مِنَ الدِّمَاءِ
لِإِقَامَةِ الْعَدْلِ، وَنَشْرِ الْقِسْطِ، وَتَكُونُ الرَّايَاتُ السُّودُ
الْمَذْكُورَةُ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ، إِنْ صَحَّتْ، هِيَ الَّتِي تَكُونُ
مَعَ الْمَهْدِيِّ، وَيَكُونُ أَوَّلُ ظُهُورِ بَيْعَتِهِ بِمَكَّةَ، ثُمَّ
تَكُونُ أَنْصَارُهُ مِنْ خُرَاسَانَ كَمَا وَقَعَ قَدِيمًا لِلسَّفَّاحِ،
وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. هَذَا كُلُّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى صِحَّةِ هَذِهِ
الْأَحَادِيثِ، وَإِلَّا فَلَا يَخْلُو سَنَدٌ مِنْهَا عَنْ كَلَامٍ. وَاللَّهُ
سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
ذِكْرُ الْإِخْبَارِ عَنِ الْأَئِمَّةِ الِاثْنَيْ عَشَرَ الَّذِينَ كُلُّهُمْ
مِنْ قُرَيْشٍ
وَلَيْسُوا بِالِاثْنَيْ عَشَرَ الَّذِينَ يَدَّعُونَ إِمَامَتَهُمُ الرَّافِضَةُ;
فَإِنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ لَمْ يَلِ أُمُورَ النَّاسِ مِنْهُمْ
إِلَّا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَابْنُهُ الْحَسَنُ، وَآخِرُهُمْ، فِي
زَعْمِهِمْ، الْمَهْدِيُّ الْمُنْتَظَرُ، فِي زَعْمِهِمْ، بِسِرْدَابِ سَامَرَّاءَ
وَلَيْسَ لَهُ وُجُودٌ، وَلَا عَيْنٌ، وَلَا أَثَرٌ، بَلْ هَؤُلَاءِ مِنَ
الْأَئِمَّةِ الِاثْنَيْ عَشَرَ الْمُخْبَرِ عَنْهُمْ فِي الْحَدِيثِ،
الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ، أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ، رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمْ، وَمِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنِ
الْأَئِمَّةِ عَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ لِأَهْلِ السُّنَّةِ فِي تَفْسِيرِ
الِاثْنَيْ
عَشَرَ
كَمَا سَنَذْكُرُهُ بَعْدَ إِيرَادِ الْحَدِيثِ.
ثَبَتَ فِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، وَ "
مُسْلِمٍ " مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ
الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " يَكُونُ اثْنَا عَشَرَ
خَلِيفَةً ". ثُمَّ قَالَ كَلِمَةً لَمْ أسْمَعْهَا فَقُلْتُ لِأَبِي: مَا
قَالَ؟ قَالَ: قَالَ: " كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ
وَقَالَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ فِي كِتَابِ " الْفِتَنِ وَالْمَلَاحِمِ
": حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا مُجَالِدٌ، عَنِ
الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَكُونُ بَعْدِي مِنَ
الْخُلَفَاءِ عِدَّةُ أَصْحَابِ مُوسَى وَقَدْ رُوِيَ مِثْلُ هَذَا الْحَدِيثِ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَحُذَيْفَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَكَعْبِ
الْأَحْبَارِ مِنْ قَوْلِهِمْ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ
بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ سَمِعْتُ: رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لَا يَزَالُ هَذَا الدِّينُ قَائِمًا حَتَّى يَكُونَ
عَلَيْهِمُ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً - أَوْ: أَمِيرًا - كُلُّهُمْ تَجْتَمِعُ عَلَيْهِمُ
الْأُمَّةُ وَسَمِعْتُ كَلَامًا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لَمْ أَفْهَمْهُ، فَقُلْتُ لِأَبِي: مَا يَقُولُ؟ قَالَ: يَقُولُ:
" كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ ".
وَقَالَ
أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا: حَدَّثَنَا ابْنُ نُفَيْلٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ
مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ خَيْثَمَةَ، حَدَّثَنَا الْأَسْوَدُ بْنُ
سَعِيدٍ الْهَمْدَانِيُّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَزَالُ هَذِهِ الْأُمَّةُ
مُسْتَقِيمًا أَمْرُهَا، ظَاهِرَةً عَلَى عَدْوِهَا، حَتَّى يَمْضِيَ مِنْهُمُ
اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً، كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ: فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى
مَنْزِلِهِ أَتَتْهُ قُرَيْشٌ فَقَالُوا: ثُمَّ يَكُونُ مَاذَا؟ قَالَ: ثُمَّ
يَكُونُ الْهَرْجُ ". قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: فَفِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى
بَيَانُ الْعَدَدِ، وَفِي الثَّانِيَةِ بَيَانُ الْمُرَادِ بِالْعَدَدِ، وَفِي
الثَّالِثَةِ بَيَانُ وُقُوعِ الْهَرْجِ وَهُوَ الْقَتْلُ بَعْدَهُمْ، وَقَدْ
وُجِدَ هَذَا الْعَدَدُ بِالصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ إِلَى وَقْتِ الْوَلِيدِ بْنِ
يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، ثُمَّ وَقَعَ الْهَرْجُ وَالْفِتْنَةُ
الْعَظِيمَةُ، كَمَا أَخْبَرَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، ثُمَّ ظَهَرَ مُلْكُ
الْعَبَّاسِيَّةِ، كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ، وَإِنَّمَا
يَزِيدُونَ عَلَى الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ فِي الْخَبَرِ إِذَا تُرِكَتِ الصِّفَةُ
الْمَذْكُورَةُ فِيهِ، أَوْ عُدَّ مَعَهُمْ مَنْ كَانَ بَعْدَ الْهَرْجِ
الْمَذْكُورِ فِيهِ، وَقَدْقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" لَا يَزَالُ هَذَا الْأَمْرُ فِي قُرَيْشٍ مَا بَقِيَ مِنَ النَّاسِ اثْنَانِ
". ثُمَّ سَاقَهُ مِنْ حَدِيثِ عَاصِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ
ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ.
وَفِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ
مُطْعِمٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ فِي قُرَيْشٍ، لَا يُعَادِيهِمْ أَحَدٌ إِلَّا كَبَّهُ اللَّهُ عَلَى وَجْهِهِ مَا أَقَامُوا الدِّينَ ". قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَيْ أَقَامُوا مَعَالِمَهُ، وَإِنْ قَصَّرُوا هُمْ فِي أَعْمَالِ أَنْفُسِهِمْ. ثُمَّ سَاقَ أَحَادِيثَ تَقْتَضِي مَا ذَكَرَهُ فِي هَذَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. فَهَذَا الَّذِي سَلَكَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ وَافَقَهُ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخُلَفَاءِ الِاثْنَيْ عَشَرَ الْمَذْكُورِينَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هُمُ الْمُتَتَابِعُونَ إِلَى زَمَنِ الْوَلِيدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْفَاسِقِ، الَّذِي قَدَّمْنَا الْحَدِيثَ فِيهِ بِالذَّمِّ وَالْوَعِيدِ، فَإِنَّهُ مَسْلَكٌ فِيهِ نَظَرٌ; وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْخُلَفَاءَ إِلَى زَمَنِ الْوَلِيدِ بْنِ يَزِيدَ هَذَا أَكْثَرُ مِنَ اثْنَيْ عَشَرَ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ نَفْرِضُهُ، وَبُرْهَانُهُ أَنَّ الْخُلَفَاءَ الْأَرْبَعَةَ; أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيُّ، خِلَافَتُهُمْ مُحَقَّقَةٌ بِنَصِّ حَدِيثِ سَفِينَةَ: الْخِلَافَةُ بَعْدِي ثَلَاثُونَ سَنَةً ". ثُمَّ بَعْدَهُمُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، كَمَا وَقَعَ، لِأَنَّ عَلِيًّا أَوْصَى إِلَيْهِ، وَبَايَعَهُ أَهْلُ الْعِرَاقِ، وَرَكِبَ وَرَكِبُوا مَعَهُ لِقِتَالِ أَهْلِ الشَّامِ حَتَّى اصْطَلَحَ هُوَ وَمُعَاوِيَةُ وَسَلَّمَهَا إِلَيْهِ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ فِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ "، ثُمَّ مُعَاوِيَةُ، ثُمَّ ابْنُهُ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، ثُمَّ ابْنُهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ يَزِيدَ، ثُمَّ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ، ثُمَّ ابْنُهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ، ثُمَّ ابْنُهُ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، ثُمَّ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْمَلَكِ، ثُمَّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، ثُمَّ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلَكِ، ثُمَّ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلَكِ، فَهَؤُلَاءِ خَمْسَةَ عَشَرَ، ثُمَّ الْوَلِيدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ
عَبْدِ الْمَلِكِ، فَإِنِ اعْتَبَرْنَا وِلَايَةَ ابْنِ الزُّبَيْرِ قَبْلَ عَبْدِ الْمَلِكِ صَارُوا سِتَّةَ عَشَرَ، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَهُمُ اثْنَا عَشَرَ قَبْلَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَهَذَا الَّذِي سَلَكَهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يُدْخِلُ فِي الِاثْنَيْ عَشَرَ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ، وَيُخْرِجُ مِنْهُمْ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، الَّذِي أَطْبَقَ الْأَئِمَّةُ عَلَى شُكْرِهِ وَعَلَى مَدْحِهِ، وَعَدُّوهُ مِنَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَأَجْمَعَ النَّاسُ قَاطِبَةً عَلَى عَدْلِهِ، وَأَنَّ أَيَّامَهُ كَانَتْ مِنْ أَعْدَلِ الْأَيَّامِ، حَتَّى إِنَّ الرَّافِضَةَ يَعْتَرِفُونَ بِذَلِكَ، فَإِنْ قَالَ: أَنَا لَا أَعْتَبِرُ فِي هَذَا إِلَّا مَنِ اجْتَمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَيْهِ. لَزِمَهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنْ لَا يَعُدَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَلَا ابْنَهُ; لِأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَجْتَمِعُوا عَلَيْهِمَا ; وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الشَّامِ بِكَمَالِهِمْ لَمْ يُبَايِعُوهُمَا، وَعَدَّ حِينَئِذٍ مُعَاوِيَةَ وَابْنَهُ يَزِيدَ وَابْنَ ابْنِهِ مُعَاوِيَةَ بْنَ يَزِيدَ، وَلَمْ يَعْتَدَّ بِأَيَّامِ مَرْوَانَ وَلَا ابْنِ الزُّبَيْرِ; لِأَنَّ الْأُمَّةَ لَمْ تَجْتَمِعْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَعَلَى هَذَا نَقُولُ فِي مَسْلَكِهِ هَذَا عَادًّا لِلْخُلَفَاءِ; أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ ثُمَّ عُثْمَانُ ثُمَّ مُعَاوِيَةُ ثُمَّ يَزِيدُ ثُمَّ مُعَاوِيَةُ ثُمَّ عَبْدُ الْمَلِكِ ثُمَّ الْوَلِيدُ ثُمَّ سُلَيْمَانُ ثُمَّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثُمَّ يَزِيدُ، ثُمَّ هِشَامٌ، فَهَؤُلَاءِ اثْنَا عَشَرَ، ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِمُ الْوَلِيدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْفَاسِقُ، وَلَكِنَّ هَذَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يُسْلَكَ; لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ إِخْرَاجُ عَلِيٍّ وَابْنِهِ الْحَسَنِ مِنْ هَؤُلَاءِ الِاثْنَيْ عَشَرَ، وَهُوَ خِلَافُ مَا نَصَّ عَلَيْهِ أَئِمَّةُ السُّنَّةِ بَلْ وَالشِّيعَةِ، ثُمَّ هُوَ خِلَافُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ نَصًّا
حَدِيثُ
سَفِينَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ
قَالَ: الْخِلَافَةُ بَعْدِي ثَلَاثُونَ سَنَةً، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَضُوضًا
وَقَدْ ذَكَرَ سَفِينَةُ تَفْصِيلُ هَذِهِ الثَّلَاثِينَ سَنَةً. فَجَمَعَهَا مِنْ
خِلَافَةِ الْأَرْبَعَةِ، وَقَدْ بَيَّنَّا دُخُولَ خِلَافَةِ الْحَسَنِ -
وَكَانَتْ نَحْوًا مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ - فِيهَا أَيْضًا، ثُمَّ صَارَ الْمُلْكُ
إِلَى مُعَاوِيَةَ لَمَّا سَلَّمَ الْأَمْرَ إِلَيْهِ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ،
وَهَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ الْمَنْعُ مِنْ تَسْمِيَةِ مُعَاوِيَةَ خَلِيفَةً،
وَبَيَانُ أَنَّ الْخِلَافَةَ قَدِ انْقَطَعَتْ بَعْدَ الثَّلَاثِينَ سَنَةً، لَا
مُطْلَقًا، بَلِ انْقَطَعَ تَتَابُعُهَا، وَلَا يَنْفِي وُجُودَ خُلَفَاءَ
رَاشِدِينَ بَعْدَ ذَلِكَ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ جَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ.
وَقَالَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ: حَدَّثَنَا رِشْدِينُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ
لَهِيعَةَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ
قَالَ: يَكُونُ بَعْدَ عُثْمَانَ اثْنَا عَشَرَ مَلِكًا مَنْ بَنِي أُمَيَّةَ. قِيلَ
لَهُ: خُلَفَاءُ؟ قَالَ: لَا، بَلْ مُلُوكٌ.
وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ حَاتِمِ بْنِ أَبِي صَغِيرَةَ، عَنْ
أَبِي بَحْرٍ قَالَ: كَانَ أَبُو الْجَلْدِ جَارًا لِي، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ،
يَحْلِفُ عَلَيْهِ: إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ لَنْ تَهْلِكَ حَتَّى يَكُونَ فِيهَا
اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً، كُلُّهُمْ يَعْمَلُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ،
مِنْهُمْ رَجُلَانِ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ; أَحَدُهُمَا يَعِيشُ أَرْبَعِينَ
سَنَةً، وَالْآخِرُ ثَلَاثِينَ سَنَةً. ثُمَّ شَرَعَ الْبَيْهَقِيُّ فِي رَدِّ مَا
قَالَهُ أَبُو الْجَلْدِ بِمَا لَا يَحْصُلُ بِهِ الرَّدُّ، وَهَذَا عَجِيبٌ
مِنْهُ، وَقَدْ وَافَقَ أَبَا الْجَلْدِ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَلَعَلَّ
قَوْلَهُ أَرْجَحُ; لِمَا ذَكَرْنَا، وَقَدْ كَانَ يَنْظُرُ فِي شَيْءٍ مِنَ
الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ.
وَفِي
التَّوْرَاةِ الَّتِي بِأَيْدِي أَهْلِ الْكِتَابِ مَا مَعْنَاهُ: إِنَّ اللَّهَ
تَعَالَى بَشَّرَ إِبْرَاهِيمَ بِإِسْمَاعِيلَ، وَأَنَّهُ يُنَمِّيهِ
وَيُكَثِّرُهُ وَيَجْعَلُ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ اثَّنَى عَشَرَ عَظِيمًا. قَالَ
شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ أَبُو الْعَبَّاسِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: وَهَؤُلَاءِ هُمُ
الْمُبَشَّرُ بِهِمْ فِي حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ. وَقَرَّرَ أَنَّهُمْ
يَكُونُونَ مُفَرَّقِينَ فِي الْأُمَّةِ، وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى
يُوجَدُوا. قَالَ: وَغَلِطَ كَثِيرٌ مِمَّنْ تَشَرَّفَ بِالْإِسْلَامِ مِنَ
الْيَهُودِ فَظَنُّوا أَنَّهُمُ الَّذِينَ تَدْعُو إِلَيْهِمْ فِرْقَةُ
الرَّافِضَةِ، فَاتَّبَعُوهُمْ.
وَقَدْ قَالَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ حَدَّثَنَا ضَمْرَةُ، عَنِ ابْنِ شَوْذَبٍ،
عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ، عَنْ أَبِي زِيَادِ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ
وَهَبَ لِإِسْمَاعِيلَ مِنْ صُلْبِهِ اثْنَيْ عَشَرَ قَيِّمًا، أَفْضَلُهُمْ
وَخَيْرُهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ.
وَقَالَ نُعَيْمٌ: حَدَّثَنَا ضَمْرَةُ، عَنِ ابْنِ شَوْذَبٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ
أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ قَالَ: لَيْسَ مِنَ الْخُلَفَاءِ مَنْ لَمْ
يَمْلِكِ الْمَسْجِدَيْنِ; الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَمَسْجِدَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ.
ذِكْرُ
الْإِخْبَارِ عَنْ أُمُورٍ وَقَعَتْ فِي دَوْلَةِ بَنِي الْعَبَّاسِ إِلَى
زَمَانِنَا هَذَا
فَمِنْ ذَلِكَ بِنَاءُ أَبِي جَعْفَرٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ - الْخَلِيفَةِ بَعْدَ أَخِيهِ الْخَلِيفَةِ
السَّفَّاحِ، وَهُوَ الْمَنْصُورُ - لِمَدِينَةِ بَغْدَادَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ
وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ.
قَالَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ فِي كِتَابِهِ، عَنْ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنْ
أَرْطَأَةَ بْنِ الْمُنْذِرِ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ
أَتَاهُ رَجُلٌ وَعِنْدَهُ حُذَيْفَةُ فَقَالَ: يَابْنَ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ
تَعَالَى حم عسق [ الشُّورَى: 1، 2 ]. فَأَطْرَقَ سَاعَةً وَأَعْرَضَ عَنْهُ،
ثُمَّ كَرَّرَهَا فَلَمْ يُجِبْهُ بِشَيْءٍ، فَقَالَ لَهُ حُذَيْفَةُ: أَنَا
أُنْبِئُكَ، قَدْ عَرَفْتُ لِمَ كَرِهَهَا، إِنَّمَا نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنْ
أَهْلِ بَيْتِهِ يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ الْإِلَهِ. أَوْ عَبْدُ اللَّهِ. يَنْزِلُ
عَلَى نَهْرٍ مِنْ أَنْهَارِ الْمَشْرِقِ، يَبْنِي عَلَيْهِ مَدِينَتَيْنِ يَشُقُّ
النَّهْرُ بَيْنَهُمَا شَقًّا، يَجْتَمِعُ فِيهِمَا كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ.
وَقَالَ
أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ
بْنِ نَجْدَةَ الْحَوْطِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ السِّمْطِ، حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ عَلِيٍّ الْهَاشِمِيُّ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ:لِأَنْ يُرَبِّيَ أَحَدُكُمْ بَعْدَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ جَرْوَ
كَلْبٍ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يُرَبِّيَ وَلَدًا لِصُلْبِهِ قَالَ شَيْخُنَا
الذَّهَبِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ مَوْضُوعٌ. وَاتُّهِمَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
السِّمْطِ هَذَا.
وَقَالَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ الْخُزَاعِيُّ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِهِ
" الْفِتَنِ وَالْمَلَاحِمِ ": حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ الْبَصْرِيُّ،
عَنْ أَبِي بَيَانَ الْمَعَافِرَيِّ، عَنْ تُبَيْعٍ، عَنْ كَعْبٍ قَالَ: إِذَا
كَانَتْ سَنَةُ سِتِّينَ وَمِائَةٍ انْتَقَصَ فِيهَا حِلْمُ ذَوِي الْأَحْلَامِ،
وَرَأْيُ ذَوِي الرَّأْيِ.
حَدِيثٌ آخَرُ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ الْإِمَامِ، رَحِمَهُ
اللَّهُ
رَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ
أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رِوَايَةً: يُوشِكُ
أَنْ يَضْرِبَ النَّاسُ أَكْبَادَ الْإِبِلِ يَطْلُبُونَ الْعِلْمَ، فَلَا
يَجِدُونَ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنْ عَالِمِ الْمَدِينَةِ ثُمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ
حَسَنٌ، وَهُوَ حَدِيثُ ابْنِ عُيَيْنَةَ، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ:
هُوَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ. وَكَذَا قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ.
قُلْتُ
وَقَدْ تُوُفِّيَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ، سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَةٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيِّ
قَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ
النَّضْرِ بْنِ حُمَيْدٍ الْكِنْدِيِّ أَوِ الْعَبْدِيِّ، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ،
عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَسُبُّوا قُرَيْشًا; فَإِنَّ عَالِمَهَا
يَمْلَأُ الْأَرْضَ عِلْمًا، اللَّهُمَّ إِنَّكَ أَذَقْتَ أَوَّلَهَا وَبَالًا،
فَأَذِقْ آخِرَهَا نَوَالًا وَقَدْ رَوَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي
هُرَيْرَةَ. وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيُّ: هُوَ
الشَّافِعِيُّ. قُلْتُ: وَقَدْ تُوُفِّيَ الشَّافِعِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، فِي
سَنَةِ أَرْبَعٍ وَمِائَتَيْنِ، وَقَدْ أَفْرَدْنَا تَرْجَمَتَهُ فِي مُجَلَّدٍ،
وَذَكَرْنَا مَعَهُ تَرَاجِمَ أَصْحَابِهِ مِنْ بَعْدِهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى رَوَّادُ بْنُ الْجَرَّاحِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ،
عَنْ مَنْصُورٍ،
عَنْ
رِبْعِيٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ مَرْفُوعًا: خَيْرُكُمْ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ خَفِيفُ
الْحَاذِ ". قَالُوا: وَمَا خَفِيفُ الْحَاذِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:
" مَنْ لَا أَهْلَ لَهُ وَلَا مَالَ وَلَا وَلَدَ
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ
الْخَلَّالُ، حَدَّثَنَا عَوْنُ بْنُ عُمَارَةَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
الْمُثَنَّى بْنِ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْآيَاتُ بَعْدَ
الْمِائَتَيْنِ ".
وَحَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ، حَدَّثَنَا نُوحُ بْنُ قَيْسٍ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَعْقِلٍ، عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: أُمَّتِي عَلَى خَمْسِ طَبَقَاتٍ ; فَأَرْبَعُونَ سَنَةً أَهْلُ بِرٍّ
وَتَقْوَى، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةِ سَنَةٍ أَهْلُ
تَرَاحُمٍ وَتَوَاصُلٍ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ إِلَى سِتِّينَ وَمِائَةِ أَهْلُ
تَدَابُرٍ وَتَقَاطُعٍ، ثُمَّ الْهَرْجُ الْهَرْجُ، النَّجَا النَّجَا
وَحَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا حَازِمٌ أَبُو مُحَمَّدٍ
الْعَنْزِيُّ، حَدَّثَنَا الْمِسْوَرُ بْنُ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي مَعْنٍ، عَنْ
أَنَسِ
بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ:أُمَّتِي عَلَى خَمْسِ طَبَقَاتٍ، كُلُّ طَبَقَةٍ أَرْبَعُونَ عَامًا،
فَأَمَّا طَبَقَتِي وَطَبَقَةُ أَصْحَابِي فَأَهْلُ عَلَمٍ وَإِيمَانٍ، وَأَمَّا
الطَّبَقَةُ الثَّانِيَةُ مَا بَيْنَ الْأَرْبَعِينَ إِلَى الثَّمَانِينَ،
فَأَهْلُ بِرٍّ وَتَقْوَى ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ. هَذَا لَفْظُهُ، وَهُوَ حَدِيثٌ
غَرِيبٌ مِنْ هَذَيْنَ الْوَجْهَيْنِ، وَلَا يَخْلُو عَنْ نَكَارَةٍ. وَاللَّهُ
أَعْلَمُ.
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا وَكِيعٌ، ثَنَا الْأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا
هِلَالُ بْنُ يِسَافٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ
يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ يَتَسَمَّنُونَ،
يُحِبُّونَ السِّمَنَ، يُعْطُونَ الشَّهَادَةَ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلُوهَا وَرَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ
وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي
جَمْرَةَ، عَنْ زَهْدَمِ بْنِ مُضَرِّبٍ، سَمِعْتُ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَيْرُ أُمَّتِي
قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ - قَالَ
عِمْرَانُ: فَلَا أَدْرِي أَذَكَرَ بَعْدَ قَرْنِهِ
قَرْنَيْنِ
أَوْ ثَلَاثَةً؟ - ثُمَّ إِنَّ بَعْدَكُمْ قَوْمًا يَشْهَدُونَ وَلَا
يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ، وَيَنْذِرُونَ وَلَا
يُوفُونَ، وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ لَفْظُ الْبُخَارِيِّ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَنَا سُفْيَانُ، عَنْ
مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: خَيْرُ النَّاسِ
قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ
الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ
يَمِينَهُ وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ: وَكَانُوا يَضْرِبُونَنَا
عَلَى الشَّهَادَةِ وَالْعَهْدِ وَنَحْنُ صِغَارٌ. وَقَدْ رَوَاهُ بَقِيَّةُ
الْجَمَاعَةِ إِلَّا أَبَا دَاوُدَ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ، عَنْ مَنْصُورٍ
بِهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ: حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ
الْبَصْرِيُّ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْحَارِثِ
الْهَمْدَانِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: السَّابِعُ مِنْ وَلَدِ الْعَبَّاسِ يَدْعُو النَّاسَ إِلَى
الْكُفْرِ فَلَا يُجِيبُونَهُ، فَيَقُولُ لَهُ أَهْلُ بَيْتِهِ: تُرِيدُ أَنْ
تُخْرِجَنَا مِنْ مَعَايِشِنَا؟! فَيَقُولُ: إِنِّي أَسِيرُ فِيكُمْ بِسِيرَةِ
أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَيَأْبَوْنَ عَلَيْهِ فَيَقْتُلُهُ عَدُوٌّ لَهُ مِنْ
أَهْلِ بَيْتِهِ مَنْ بَنِي هَاشِمٍ، فَإِذَا وَثَبَ عَلَيْهِ اخْتَلَفُوا فِيمَا
بَيْنَهُمْ فَذَكَرَ
اخْتِلَافًا
طَوِيلًا إِلَى خُرُوجِ السُّفْيَانِيِّ. وَهَذَا الْحَدِيثُ يَنْطَبِقُ عَلَى عَبْدِ
اللَّهِ الْمَأْمُونِ الَّذِي دَعَا النَّاسَ إِلَى الْقَوْلِ بِخَلْقِ
الْقُرْآنِ، وَوَقَى اللَّهُ شَرَّهَا، كَمَا سَنُورِدُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ،
وَالسُّفْيَانِيُّ رَجُلٌ يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ مَنْسُوبٌ إِلَى أَبِي
سُفْيَانَ يَكُونُ مِنْ سُلَالَتِهِ، وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ كِتَابِ الْمَلَاحِمِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا هَاشِمٌ، ثَنَا لَيْثٌ،
عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ
أَبِيهِ،سَمِعْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ وَهُوَ بِالْفُسْطَاطِ فِي
خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ، وَكَانَ مُعَاوِيَةُ أَغْزَى النَّاسَ
الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا تَعْجِزُ هَذِهِ الْأُمَّةُ مِنْ
نِصْفِ يَوْمٍ، إِذَا رَأَيْتَ الشَّامَ مَائِدَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَأَهْلِ
بَيْتِهِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ فَتْحُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ. هَكَذَا رَوَاهُ
أَحْمَدُ مَوْقُوفًا عَلَى أَبِي ثَعْلَبَةَ.
وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي " سُنَنِهِ " مِنْ حَدِيثِ ابْنِ
وَهْبٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ،
عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَنْ يُعْجِزَ اللَّهُ هَذِهِ الْأُمَّةَ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ
تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ.
ثُمَّ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: ثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، ثَنَا أَبُو
الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنِي صَفْوَانُ عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ سَعْدِ
بْنِ أَبِي وَقَاصٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ
قَالَ: إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ لَا تَعْجِزَ أُمَّتِي عِنْدَ رَبِّهَا أَنْ
يُؤَخِّرَهُمْ نِصْفَ يَوْمٍ قِيلَ لِسَعْدٍ: وَكَمْ
نِصْفُ
يَوْمٍ؟ قَالَ: خَمْسُمِائَةِ سَنَةٍ. تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ،
وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ. وَهَذَا مِنْ دَلَائِلِ النُّبُوَّة ِ، فَإِنَّ هَذَا
يَقْتَضِي وُقُوعَ تَأْخِيرِ الْأُمَّةِ نِصْفَ يَوْمٍ، وَهُوَ خَمْسُمِائَةِ
سَنَةٍ كَمَا فَسَّرَهُ الصَّحَابِيُّ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى:
وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ [ الْحَجِّ: 47
]. ثُمَّ هَذَا الْإِخْبَارُ بِوُقُوعِ هَذِهِ الْمُدَّةِ لَا يَنْفِي وُقُوعَ مَا
زَادَ عَلَيْهَا، فَأَمَّا مَا يَذْكُرُهُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ مِنْ أَنَّهُ،
عَلَيْهِ الصِّلَامُ وَالسَّلَامُ، لَا يُؤَلِّفُ فِي قَبْرِهِ، بِمَعْنَى لَا
يَمْضِي عَلَيْهِ أَلْفُ سَنَةٍ مِنْ يَوْمِ مَاتَ إِلَى حِينِ قِيَامِ
السَّاعَةِ، فَإِنَّهُ حَدِيثٌ لَا أَصْلَ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ
الْإِسْلَامِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ فِيهِ الْإِخْبَارُ عَنْ ظُهُورِ النَّارِ الَّتِي كَانَتْ بِأَرْضِ
الْحِجَازِ، حَتَّى أَضَاءَتْ لَهَا أَعْنَاقَ الْإِبِلِ بِبُصْرَى، وَقَدْ وَقَعَ
هَذَا فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَسِتِّمِائَةٍ. قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي
" صَحِيحِهِ ": ثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، ثَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ قَالَ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَخْبَرَنِي أَبُو
هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا
تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَخْرُجَ نَارٌ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ تُضِيءُ
أَعْنَاقَ الْإِبِلِ بِبُصْرَى تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ.
وَقَدْ ذَكَرَ أَهْلُ التَّارِيخِ وَغَيْرُهُمْ مِنَ النَّاسِ، وَتَوَاتَرَ
وُقُوعُ هَذَا فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَسِتِّمِائَةٍ; قَالَ الشَّيْخُ
الْإِمَامُ الْحَافِظُ شَيْخُ الْحَدِيثِ وَإِمَامُ الْمُؤَرِّخِينَ فِي زَمَانِهِ
شِهَابُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمُلَقَّبُ بِأَبِي
شَامَةَ، فِي " تَارِيخِهِ ": إِنَّهَا ظَهَرَتْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي
خَامِسِ جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ
وَخَمْسِينَ
وَسِتِّمِائَةٍ، وَأَنَّهَا اسْتَمَرَّتْ شَهْرًا وَأَزِيدَ مِنْهُ. وَذَكَرَ
كُتُبًا مُتَوَاتِرَةً عَنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي كَيْفِيَّةِ ظُهُورِهَا
شَرْقِيَّ الْمَدِينَةِ مِنْ نَاحِيَةِ وَادِي شَظَا، تِلْقَاءَ أُحُدٍ،
وَأَنَّهَا مَلَأَتْ تِلْكَ الْأَوْدِيَةَ، وَأَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهَا شَرَرٌ
يَأْكُلُ الْحِجَارَةَ، وَذَكَرَ أَنَّ الْمَدِينَةَ زُلْزِلَتْ بِسَبَبِهَا،
وَأَنَّهُمْ سَمِعُوا أَصْوَاتًا مُزْعِجَةً قَبْلَ ظُهُورِهَا بِخَمْسَةِ
أَيَّامٍ، أَوَّلُ ذَلِكَ مُسْتَهَلُّ الشَّهْرِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، فَلَمْ
تَزَلْ لَيْلًا وَنَهَارًا حَتَّى ظَهَرَتْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ خَامِسَهُ،
فَانْبَجَسَتْ تِلْكَ الْأَرْضُ عِنْدَ وَادِي شَظَا عَنْ نَارٍ عَظِيمَةٍ جِدًّا،
صَارَتْ مِثْلَ الْوَادِي، طُولُهُ أَرْبَعَةُ فَرَاسِخَ فِي عَرْضِ أَرْبَعَةِ
أَمْيَالٍ، وَعَمْقُهُ قَامَةٌ وَنِصْفٌ، يَسِيلُ الصَّخْرُ حَتَّى يَبْقَى مِثْلَ
الْآنُكِ، ثُمَّ يَصِيرُ كَالْفَحْمِ الْأَسْوَدِ، وَذَكَرَ أَنَّ ضَوْءَهَا
يَمْتَدُّ إِلَى تَيْمَاءَ بِحَيْثُ كَتَبَ النَّاسُ عَلَى ضَوْئِهَا فِي
اللَّيْلِ، وَكَأَنَّ فِي بَيْتِ كُلٍّ مِنْهُمْ مِصْبَاحًا، وَرَأَى النَّاسُ
سَنَاهَا مِنْ مَكَّةَ، شَرَّفَهَا اللَّهُ.
قُلْتُ: وَأَمَّا بُصَرَى فَأَخْبَرَنِي قَاضِي الْقُضَاةِ صَدْرُ الدِّينِ
عَلِيُّ بْنُ أَبِي قَاسِمٍ التَّمِيمِيُّ الْحَنَفِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنِي
وَالِدِي، وَهُوَ الشَّيْخُ صِفِيُّ الدِّينِ مُدَرِّسُ بُصَرَى، أَنَّهُ
أَخْبَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَعْرَابِ صَبِيحَةَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ مَنْ
كَانَ
بِحَاضِرَةِ
بَلَدِ بُصَرَى، أَنَّهُمْ رَأَوْا صَفَحَاتِ أَعْنَاقِ إِبِلِهِمْ فِي ضَوْءِ
هَذِهِ النَّارِ الَّتِي ظَهَرَتْ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ.
وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ أَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ لَجَئُوا فِي
هَذِهِ الْأَيَّامِ إِلَى الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ، وَتَابُوا إِلَى اللَّهِ مِنْ
ذُنُوبٍ كَانُوا عَلَيْهَا، وَاسْتَغْفَرُوا عِنْدَ قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِمَّا سَلَفَ مِنْهُمْ، وَأَعْتَقُوا الْغِلْمَانَ،
وَتَصَدَّقُوا عَلَى فُقَرَائِهِمْ وَمَحَاويجِهِمْ، وَقَدْ قَالَ قَائِلُهُمْ فِي
ذَلِكَ:
يَا كَاشِفَ الضُّرِّ صَفْحًا عَنْ جَرَائِمِنَا لَقَدْ أَحَاطَتْ بِنَا يَا رَبِّ
بَأْسَاءُ نَشْكُو إِلَيْكَ خُطُوبًا لَا نُطِيقُ لَهَا
حَمْلًا وَنَحْنُ بِهَا حَقًّا أَحِقَّاءُ زَلَازِلًا تَخْشَعُ الصُّمُّ
الصِّلَادُ لَهَا
وَكَيْفَ يَقْوَى عَلَى الزِّلْزَالِ شَمَّاءُ أَقَامَ سَبْعًا يَرُجُّ الْأَرْضَ
فَانْصَدَعَتْ
عَنْ مَنْظَرٍ مِنْهُ عَيْنُ الشَّمْسِ عَشْوَاءُ بَحْرٌ مِنَ النَّارِ تَجْرِي
فَوْقَهُ سُفُنٌ
مِنَ الْهِضَابِ لَهَا فِي الْأَرْضِ إِرْسَاءُ يُرَى لَهَا شَرَرٌ كَالْقَصْرِ
طَائِشَةٌ
كَأَنَّهَا دِيمَةٌ تَنْصِبُّ هَطْلَاءُ تَنْشَقُّ مِنْهَا قُلُوبُ الصَّخْرِ إِنْ
زَفَرَتْ
رُعْبًا وَتَرْعُدُ مِثْلَ الشُّهُبِ أَضْوَاءُ
مِنْهَا
تَكَاثَفَ فِي الْجَوِّ الدُّخَانُ إِلَى
أَنْ عَادَتِ الشَّمْسُ مِنْهُ وَهِيَ دَهْمَاءُ قَدْ أَثَّرَتْ سُفْعَةً فِي
الْبَدْرِ لَفْحَتُهَا
فَلَيْلَةُ التِّمَّ بَعْدَ النُّورِ لَيْلَاءُ فَيَالَهَا آيَةً مِنْ مُعْجِزَاتِ
رَسُو
لِ اللَّهِ يَعْقِلُهَا الْقَوْمُ الْأَلِبَّاءُ
إِلَى آخِرِهَا.
وَمِمَّا قِيلَ فِي هَذِهِ النَّارِ مَعَ غَرَقِ بَغْدَادَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ:
سُبْحَانَ مَنْ أَصْبَحَتْ مَشِيئَتُهُ جَارِيَةً فِي الْوَرَى بِمِقْدَارِ
أَغْرَقَ بَغْدَادَ بِالْمِيَاهِ كَمَا أَحْرَقَ أَرْضَ الْحِجَازِ بِالنَّارِ
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، ثَنَا
أَفْلَحُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ، شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ قِبَاءٍ مِنَ
الْأَنْصَارِ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَافِعٍ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ
قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنْ طَالَتْ بِكَ مُدَّةٌ، أَوْشَكَ أَنْ
تَرَى قَوْمًا يَغْدُونَ فِي سَخَطِ اللَّهِ وَيَرُوحُونَ فِي لَعْنَتِهِ، فِي
أَيْدِيهِمْ مِثْلُ أَذْنَابِ الْبَقَرِ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ، عَنْ أَفْلَحَ بْنِ
سَعِيدٍ بِهِ. وَرَوَى مُسْلِمٌ أَيْضًا، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ
حَرْبٍ،
عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ
النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا بَعْدُ ; قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ
يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مَائِلَاتٌ
مُمِيلَاتٌ، رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لَا يَدْخُلْنَ
الْجَنَّةَ، وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ
كَذَا وَكَذَا. وَهَذَانِ الصِّنْفَانِ، وَهُمَا الْجَلَّادُونَ الَّذِينَ
يُسَمَّوْنَ بِالرَّجَّالَةِ وَالْجَانْدَارِيَّةِ كَثِيرُونَ فِي زَمَانِنَا
هَذَا، وَمِنْ قَبْلِهِ وَقَبْلِ قَبْلِهِ بِدَهْرٍ، وَالنِّسَاءُ الْكَاسِيَاتُ
الْعَارِيَاتُ ; أَيْ عَلَيْهِنَّ لُبُسٌ لَا تُوَارِي سَوْآتِهِنَّ، بَلْ هُوَ
زِيَادَةٌ فِي الْعَوْرَةِ، وَإِبْدَاءٌ لِلزِّينَةِ، مَائِلَاتٌ فِي مَشْيِهِنَّ،
مُمِيلَاتٌ غَيْرَهُنَّ إِلَيْهِنَّ وَقَدْ عَمَّ الْبَلَاءُ بِهِنَّ فِي
زَمَانِنَا هَذَا، وَمِنْ قَبْلِهِ أَيْضًا، وَهَذَا مِنْ أَكْبَرِ دَلَالَاتِ
النُّبُوَّةِ ; إِذْ وَقَعَ الْأَمْرُ فِي الْخَارِجِ طِبْقَ مَا أَخْبَرَ بِهِ،
عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ جَابِرٍ: " أَمَا إِنَّهَا
سَتَكُونُ لَكُمْ أَنْمَاطٌ ". وَذُكِرَ تَمَامُ الْحَدِيثِ فِي وُقُوعِ
ذَلِكَ وَاحْتِجَاجِ امْرَأَتِهِ عَلَيْهِ بِهَذَا.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ
الْوَارِثِ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ، وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ
حَدِيثِهِ، عَنْ أَبِي
حَرْبِ
بْنِ أَبِي الْأَسْوَدِ الدُّئِلِيِّ،عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَمْرٍو الْبَصْرِيِّ،
أَنَّهُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَبَيْنَمَا هُوَ يُصَلِّي إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، أَحْرَقَ بُطُونَنَا التَّمْرُ، وَتَخَرَّقَتْ عَنَّا الْخُنُفُ. قَالَ:
فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: " لَقَدْ رَأَيْتُنِي
وَصَاحِبِي مَكَثْنَا بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً وَمَا لَنَا طَعَامٌ غَيْرَ
الْبَرِيرِ، حَتَّى أَتَيْنَا إِخْوَانَنَا مِنَ الْأَنْصَارِ، فَآسَوْنَا مِنْ
طَعَامِهِمْ، وَكَانَ جُلَّ طَعَامِهِمُ التَّمْرُ، وَالَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا
هُوَ لَوْ قَدَرْتُ لَكُمْ عَلَى الْخُبْزِ وَاللَّحْمِ لَأَطْعَمْتُكُمُوهُ،
وَسَيَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ أَوْ مَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ يَلْبَسُونَ مِثْلَ
أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، وَيُغْدَى وَيُرَاحُ عَلَيْكُمْ بِالْجِفَانِ ".
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْحَنُ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ أَمِ الْيَوْمَ ؟
قَالَ: " بَلْ أَنْتُمُ الْيَوْمَ خَيْرٌ، أَنْتُمُ الْيَوْمَ إِخْوَانٌ،
وَأَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ ".
وَقَدْ رَوَى سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي
مُوسَى يُحَنَّسَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: إِذَا مَشَتْ أُمَّتِي الْمُطَيْطَاءَ وَخَدَمَتْهُمْ فَارِسُ
وَالرُّومُ، سَلَّطَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ. وَقَدْ أَسْنَدَهُ
الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ
عُبَيْدَةَ،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ
الْمَهْرِيُّ، ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، ثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ
شَرَاحِيلَ بْنِ يَزِيدَ الْمَعَافِرِيِّ، عَنْ أَبِي عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، فِيمَا أَعْلَمُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ
مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا أَمْرَ دِينِهَا. قَالَ أَبُو دَاوُدَ:
رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شُرَيْحٍ الْإِسْكَنْدَرَانِيُّ لَمْ يَجُزْ بِهِ
شَرَاحِيلُ تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ وَقَدْ ذَكَرَ كُلُّ طَائِفَةٍ مِنَ
الْعُلَمَاءِ فِي رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ، عَالِمًا مِنْ عُلَمَائِهِمْ
يُنَزِّلُونَ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَيْهِ، وَقَالَ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ:
بَلِ الصَّحِيحُ أَنَّ الْحَدِيثَ يَشْمَلُ كُلَّ فَرْدٍ فَرْدٍ مِنْ آحَادِ
الْعُلَمَاءِ مِنْ هَذِهِ الْأَعْصَارِ مِمَّنْ يَقُومُ بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ فِي
أَدَاءِ الْعِلْمِ عَمَّنْ أَدْرَكَ مِنَ السَّلَفِ إِلَى مَنْ يُدْرِكُهُ مِنَ
الْخَلَفِ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ طُرُقٍ مُرْسَلَةٍ وَغَيْرِ
مُرْسَلَةٍ: " يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ
عُدُولُهُ،
يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ، وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ ".
وَهَذَا مَوْجُودٌ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ، إِلَى زَمَانِنَا هَذَا،
وَنَحْنُ فِي الْقَرْنِ الثَّامِنِ، وَاللَّهُ الْمَسْئُولُ أَنْ يَخْتِمَ لَنَا
بِخَيْرٍ، وَأَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ، وَمِنْ وَرَثَةِ
جَنَّةِ النَّعِيمِ، آمِينَ آمِينَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
وَسَيَأْتِي الْحَدِيثُ الْمُخَرَّجُ مِنَ " الصَّحِيحِ ": " لَا
تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ
خَذَلَهُمْ وَلَا مَنْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ
كَذَلِكَ. وَفِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ ": " وَهُمْ بِالشَّامِ
". وَقَدْ قَالَ كَثِيرٌ مِنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ: إِنَّهُمْ أَهْلُ
الْحَدِيثِ. وَهَذَا أَيْضًا مِنْ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ، فَإِنَّ أَهْلَ
الْحَدِيثِ بِالشَّامِ الْيَوْمَ أَكْثَرُ مِنْ سَائِرِ أَقَالِيمِ الْإِسْلَامِ،
وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، وَلَا سِيَّمَا بِمَدِينَةِ دِمَشْقَ، حَمَاهَا اللَّهُ
وَصَانَهَا، كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ أَنَّهَا تَكُونُ
مَعْقِلَ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ وُقُوعِ الْفِتَنِ.
وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ، أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ عَنْ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ
أَنَّهُ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ
دِمَشْقَ. وَلَعَلَّ أَصْلَ لَفْظِ الْحَدِيثِ: عَلَى الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ
الشَّرْقِيَّةِ بِدِمَشْقَ. وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّهُ كَذَلِكَ فِي بَعْضِ
الْأَجْزَاءِ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ إِلَى الْآنَ، وَاللَّهُ الْمُيَسِّرُ،
وَقَدْ جُدِّدَتْ هَذِهِ الْمَنَارَةُ الْبَيْضَاءُ الشَّرْقِيَّةُ بِجَامِعِ
دِمَشْقَ - بَعْدَ مَا أَحْرَقَهَا النَّصَارَى - فِي أَيَّامِنَا هَذِهِ بَعْدَ
سَنَةِ أَرْبَعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ، مِنْ أَمْوَالِ النَّصَارَى ; مُقَاصَّةً
عَلَى مَا
فَعَلُوا
مِنَ الْعُدْوَانِ، وَفِي هَذَا حِكْمَةٌ عَظِيمَةٌ، وَهُوَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَى
هَذِهِ الْمَبْنِيَّةِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ نَبِيُّ اللَّهِ،
فَيُكَذِّبَهُمْ فِيمَا افْتَرَوْهُ عَلَيْهِ مِنَ الْكَذِبِ عَلَيْهِ وَعَلَى
اللَّهِ، وَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ -
أَيْ يَتْرُكُهَا - وَلَا يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَلَا مِنْ غَيْرِهِمْ
إِلَّا الْإِسْلَامَ، يَعْنِي أَوْ يَقْتُلُهُ، وَقَدْ أَخْبَرَ بِهَذَا عَنْهُ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَرَّرَهُ عَلَيْهِ
وَسَوَّغَهُ لَهُ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ دَائِمًا إِلَى يَوْمِ
الدِّينِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ
بِإِحْسَانٍ.
بَابٌ مُعْجِزَاتٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
مُمَاثِلَةٌ لِمُعْجِزَاتِ جَمَاعَةٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ.
التَّنْبِيهُ عَلَى ذِكْرِ مُعْجِزَاتٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، مُمَاثِلَةٍ لِمُعْجِزَاتِ جَمَاعَةٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ،
أَوْ أَعْلَى مِنْهَا، خَارِجًا عَمَّا اخْتَصَّ بِهِ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ
الْعَظِيمَةِ الَّتِي لَمْ تَكُنْ لِأَحَدٍ قَبْلَهُ مِنْهُمْ، عَلَيْهِمُ
السَّلَامُ.
فَمِنْ ذَلِكَ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ
بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ، فَإِنَّهُ
مُعْجِزَةٌ مُسْتَمِرَّةٌ عَلَى الْآبَادِ، وَلَا يَخْفَى بُرْهَانُهَا، وَلَا
يَنْخَفِضُ شَأْنُهَا، وَقَدْ تَحَدَّى بِهِ الثَّقَلَيْنِ مِنَ الْجِنِّ
وَالْإِنْسِ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ
أَوْ
بِعَشْرِ سُوَرٍ أَوْ بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ، فَعَجَزُوا عَنْ ذَلِكَ، كَمَا
تَقَدَّمَ تَقْرِيرُ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْمُعْجِزَاتِ، وَقَدْ سَبَقَ
الْحَدِيثُ الْمُتَّفَقُ عَلَى إِخْرَاجِهِ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ
طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ،
عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: مَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ أُوتِيَ مِنَ
الْآيَاتِ مَا آمَنَ عَلَى مِثْلِهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ
وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا
يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَالْمَعْنَى أَنَّ كُلَّ نَبِيٍّ قَدْ أُوتِيَ مِنْ
خَوَارِقِ الْعَادَاتِ مَا يَقْتَضِي إِيمَانَ مَنْ رَأَى ذَلِكَ مِنْ أُولِي
الْبَصَائِرِ وَالنُّهَى، لَا مِنْ أَهْلِ الْعِنَادِ وَالشَّقَاءِ، "
وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُهُ " ; أَيْ جُلُّهُ وَأَعْظَمُهُ
وَأَبْهَرُهُ، الْقُرْآنُ الَّذِي أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَا
يَبِيدُ وَلَا يَذْهَبُ كَمَا ذَهَبَتْ مُعْجِزَاتُ الْأَنْبِيَاءِ وَانْقَضَتْ
بِانْقِضَاءِ أَيَّامِهِمْ فَلَا تُشَاهَدُ، بَلْ يُخْبَرُ عَنْهَا بِالتَّوَاتُرِ
أَوِ الْآحَادِ، بِخِلَافِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، فَإِنَّهُ مُعْجِزَةٌ
مُتَوَاتِرَةٌ عَنْهُ، مُسْتَمِرَّةٌ دَائِمَةُ الْبَقَاءِ بَعْدَهُ، مَسْمُوعَةٌ
لِكُلٍّ مَنْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْخَصَائِصِ ذِكْرُ مَا اخْتُصَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَقِيَّةِ إِخْوَانِهِ مِنَ
الْأَنْبِيَاءِ، عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، كَمَا ثَبَتَ فِي "
الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ
يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي ;
نُصِرْتُ
بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا،
فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ،
وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَأُعْطِيتُ
الشَّفَاعَةُ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ، وَبُعِثْتُ إِلَى
النَّاسِ عَامَّةً. وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى ذَلِكَ وَمَا شَاكَلَهُ فِيمَا
سَلَفَ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ كُلَّ مُعْجِزَةٍ لِنَبِيٍّ
مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ مُعْجِزَةٌ لِخَاتَمِهِمْ مُحَمَّدٍ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; وَذَلِكَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ بَشَّرَ
بِمَبْعَثِهِ، وَأَمَرَ بِمُتَابَعَتِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَإِذْ أَخَذَ
اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ
جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ
قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا
قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ
ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [ آلِ عِمْرَانَ: 82، 81 ].
وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ إِلَّا
أَخَذَ عَلَيْهِ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ لَئِنْ بُعِثَ مُحَمَّدٌ وَهُوَ حَيٌّ
لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ وَلَيَتَّبِعَنَّهُ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْعَهْدَ عَلَى
أُمَّتِهِ لَئِنْ بُعِثَ مُحَمَّدٌ وَهُمْ أَحْيَاءٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهِ
وَلَيَنْصُرُنَّهُ..
وَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ
مُعْجِزَاتٌ لِلْأَنْبِيَاءِ ; لِأَنَّ الْوَلِيَّ إِنَّمَا نَالَ ذَلِكَ
بِبَرَكَةِ مُتَابَعَتِهِ لِنَبِيِّهِ، وَثَوَابِ إِيمَانِهِ بِهِ.
وَالْمَقْصُودُ
أَنَّهُ كَانَ الْبَاعِثَ لِي عَلَى عَقْدِ هَذَا الْبَابِ أَنِّي وَقَفْتُ عَلَى
مُوَلَّدٍ اخْتَصَرَهُ مِنْ " سِيرَةِ " الْإِمَامِ مُحَمَّدِ بْنِ
إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ وَغَيْرِهَا شَيْخُنَا الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ شَيْخُ
الْإِسْلَامِ كَمَالُ الدِّينِ أَبُو الْمَعَالِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ
الْأَنْصَارِيُّ السِّمَاكِيُّ - نِسْبَةً إِلَى أَبِي دُجَانَةَ سِمِاكِ بْنِ
خَرَشَةَ الْأَوْسِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - شَيْخُ الشَّافِعِيَّةِ فِي
زَمَانِهِ بِلَا مُدَافَعَةٍ، الْمَعْرُوفِ بِابْنِ الزَّمْلَكَانِيِّ، رَحِمَهُ
اللَّهُ وَبَلَّ بِالرَّحْمَةِ ثَرَاهُ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي أَوَاخِرِهِ شَيْئًا
مِنْ فَضَائِلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَقَدَ
فَصْلًا فِي هَذَا الْبَابِ فَأَوْرَدَ فِيهِ أَشْيَاءَ حَسَنَةً، وَنَبَّهَ عَلَى
فَوَائِدَ جَمَّةٍ، وَفَرَائِدَ مُهِمَّةٍ، وَتَرَكَ أَشْيَاءَ أُخْرَى حَسَنَةً،
ذَكَرَهَا غَيْرُهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَلَمْ أَرَهُ
اسْتَوْعَبَ الْكَلَامَ إِلَى آخِرِهِ فَإِمَّا أَنَّهُ قَدْ سَقَطَ مِنْ خَطِّهِ،
أَوْ أَنَّهُ لَمْ يُكْمِلْ تَصْنِيفَهُ، فَسَأَلَنِي بَعْضُ أَهْلِهِ مِنْ
أَصْحَابِنَا مِمَّنْ تَتَأَكَّدُ إِجَابَتُهُ، وَتَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ فِي
تَكْمِيلِهِ وَتَذْيِيلِهِ وَتَرْتِيبِهِ، وَتَهْذِيبِهِ، وَالزِّيَادَةِ عَلَيْهِ
وَالْإِضَافَةِ إِلَيْهِ، فَاسْتَخَرْتُ اللَّهَ حِينًا مِنَ الدَّهْرِ، ثُمَّ
نَشِطْتُ لِذَلِكَ ابْتِغَاءَ الثَّوَابِ وَالْأَجْرِ، وَقَدْ كُنْتُ سَمِعْتُ
مِنْ شَيْخِنَا الْإِمَامِ الْعَلَّامَةِ الْحَافِظِ الْجِهْبَذِ أَبِي
الْحَجَّاجِ الْمِزِّيِّ، تَغَمَّدَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِرَحْمَتِهِ، أَنَّ
أَوَّلَ مَنْ تَكَلَّمَ فِي هَذَا الْمَقَامِ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ
مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ.
وَقَدْ رَوَى الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، فِي
كِتَابِهِ " دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ " عَنْ شَيْخِهِ الْحَاكِمِ أَبِي
عَبْدِ اللَّهِ، أَخْبَرَنِي أَبُو أَحْمَدَ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ، أَنَا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ
بْنُ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ عَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: مَا أَعْطَى اللَّهُ نَبِيًّا مَا أَعْطَى مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقُلْتُ: أَعْطَى عِيسَى إِحْيَاءَ الْمَوْتَى. فَقَالَ: أَعْطَى مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجِذْعَ الَّذِي كَانَ يَخْطُبُ إِلَى جَنْبِهِ ; حِينَ هُيِّئَ لَهُ الْمِنْبَرُ حَنَّ الْجِذْعُ حَتَّى سُمِعَ صَوْتُهُ، فَهَذَا أَكْبَرُ مِنْ ذَاكَ. هَذَا لَفْظُهُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَالْمُرَادُ مِنْ إِيرَادِ مَا نَذْكُرُهُ فِي هَذَا الْبَابِ التَّنْبِيهُ عَلَى شَرَفِ مَا أَعْطَى اللَّهُ أَنْبِيَاءَهُ، عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، مِنَ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ، وَالْخَوَارِقِ الْقَاطِعَاتِ، وَالْحُجَجِ الْوَاضِحَاتِ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَمَعَ لِعَبْدِهِ وَرَسُولِهِ سَيِّدِ الْأَنْبِيَاءِ وَخَاتَمِهِمْ مِنْ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْمَحَاسِنِ وَالْآيَاتِ، مَعَ مَا اخْتَصَّهُ اللَّهُ بِهِ مِمَّا لَمَّ يُؤْتِ أَحَدًا قَبْلَهُ، كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ خَصَائِصِهِ وَشَمَائِلِهِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ. وَوَقَفْتُ عَلَى فَصْلٍ مَلِيحٍ فِي هَذَا الْمَعْنَى فِي كِتَابِ " دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ " لِلْحَافِظِ أَبِي نُعَيْمٍ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَصْبَهَانِيِّ، وَهُوَ كِتَابٌ حَافِلٌ فِي ثَلَاثِ مُجَلَّدَاتٍ، عَقَدَ فِيهِ فَصْلًا فِي هَذَا الْمَعْنَى، وَكَذَا ذَكَرَ ذَلِكَ الْفَقِيهُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ فِي كِتَابِهِ " دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ " وَهُوَ كِتَابٌ كَبِيرٌ جَلِيلٌ حَافِلٌ، مُشْتَمِلٌ عَلَى فَوَائِدَ نَفِيسَةٍ، وَكَذَا الصَّرْصَرِيُّ الشَّاعِرُ يُورِدُ فِي بَعْضِ قَصَائِدِهِ أَشْيَاءَ مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا، كَمَا سَيَأْتِي، وَهَا أَنَا أَذْكُرُ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى مَجَامِعَ مَا ذُكِرَ مِنْ هَذِهِ الْأَمَاكِنِ الْمُتَفَرِّقَةِ
بِأَوْجَزِ
عِبَارَةٍ، وَأَقْصَدِ إِشَارَةٍ، وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ، وَعَلَيْهِ
التُّكْلَانُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ
الْحَكِيمِ، الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.
الْقَوْلُ فِيمَا أُوتِيَ نُوحٌ، عَلَيْهِ السَّلَامُ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: " فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ
فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ
عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ
أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ وَلَقَدْ
تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ " [ الْقَمَرِ: 10 - 15 ]. وَقَدْ
ذَكَرْتُ الْقِصَّةَ مَبْسُوطَةً فِي أَوَّلِ هَذَا الْكِتَابِ، وَكَيْفَ دَعَا
عَلَى قَوْمِهِ فَنَجَّاهُ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَمْ
يَهْلَكْ مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَأَغْرَقَ مَنْ خَالَفَهُ مِنَ الْكَافِرِينَ، فَلَمْ
يَسْلَمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ حَتَّى وَلَا وَلَدُهُ يَامُ.
قَالَ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ أَبُو الْمَعَالِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ
الْأَنْصَارِيُّ ابْنُ الزَّمْلَكَانِيِّ، وَمِنْ خَطِّهِ نَقَلْتُ: وَبَيَانُ
أَنَّ كُلَّ مُعْجِزَةٍ لِنَبِيٍّ فَلِنَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مِثْلُهَا أَوْ أَتَمُّ، يَسْتَدْعِي كَلَامًا طَوِيلًا وَتَفْصِيلًا
لَا يَسَعُهُ مُجَلَّدَاتٌ عَدِيدَةٌ، وَلَكِنْ نُنَبَّهُ بِالْبَعْضِ عَلَى الْبَعْضِ،
فَلْنَذْكُرْ جَلَائِلَ مُعْجِزَاتِ الْأَنْبِيَاءِ، عَلَيْهِمُ السَّلَامُ.
فَمِنْهَا نَجَاةُ نُوحٍ فِي السَّفِينَةِ بِالْمُؤْمِنِينَ، وَلَا شَكَّ أَنَّ
حَمْلَ الْمَاءِ لِلنَّاسِ مِنْ غَيْرِ سَفِينَةٍ أَعْظَمُ مِنَ السُّلُوكِ
عَلَيْهِ فِي السَّفِينَةِ، وَقَدْ مَشَى كَثِيرٌ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ عَلَى
مَتْنِ الْمَاءِ.
وَفِي قِصَّةِ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، رَوَى سَهْمُ بْنُ مِنْجَابٍ قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ دَارِينَ، فَدَعَا بِثَلَاثِ دَعَوَاتٍ فَاسْتُجِيبَتْ لَهُ، فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا فَطَلَبَ الْمَاءَ فَلَمْ يَجِدْهُ، فَقَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا عَبِيدُكَ، وَفِي سَبِيلِكِ، نُقَاتِلُ عَدُوَّكَ، اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا نَتَوَضَّأُ بِهِ وَنَشْرَبُ، وَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ فِيهِ نَصِيبٌ غَيْرَنَا. فَسِرْنَا قَلِيلًا فَإِذَا نَحْنُ بِمَاءٍ حِينَ أَقْلَعَتِ السَّمَاءُ عَنْهُ، فَتَوَضَّأْنَا مِنْهُ وَتَزَوَّدْنَا، وَمَلَأْتُ إِدَاوَتِي وَتَرَكْتُهَا مَكَانَهَا حَتَّى أَنْظُرَ هَلِ اسْتُجِيبَ لَهُ أَمْ لَا، فَسِرْنَا قَلِيلًا ثُمَّ قُلْتُ لِأَصْحَابِي: نَسِيتُ إِدَاوَتِي فَرَجَعْتُ إِلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يُصِبْهُ مَاءٌ قَطُّ، ثُمَّ سِرْنَا حَتَّى أَتَيْنَا دَارِينَ وَالْبَحْرُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، فَقَالَ: يَا عَلِيمُ، يَا حَلِيمُ، يَا عَلِيُّ، يَا عَظِيمُ، إِنَّا عَبِيدُكَ، وَفِي سَبِيلِكَ، نُقَاتِلُ عَدُوَّكَ، اللَّهُمَّ فَاجْعَلْ لَنَا إِلَيْهِمْ سَبِيلًا. فَدَخَلْنَا الْبَحْرَ فَلَمْ يَبْلُغِ الْمَاءَ لُبُودَنَا، وَمَشَيْنَا عَلَى مَتْنِ الْمَاءِ وَلَمْ يَبْتَلَّ لَنَا شَيْءٌ. وَذَكَرَ بَقِيَّةَ الْقِصَّةِ، قَالَ: فَهَذَا أَبْلَغُ مِنْ رُكُوبِ السَّفِينَةِ، فَإِنَّ حَمْلَ الْمَاءِ لِلسَّفِينَةِ مُعْتَادٌ، وَأَبْلَغُ مِنْ فَلْقِ الْبَحْرِ لِمُوسَى، فَإِنَّ هُنَاكَ انْحَسَرَ الْمَاءُ حَتَّى مَشَوْا عَلَى الْأَرْضِ، فَالْمُعْجِزُ انْحِسَارُ الْمَاءِ وَهَا هُنَا صَارَ الْمَاءُ جَسَدًا يَمْشُونَ عَلَيْهِ كَالْأَرْضِ، وَإِنَّمَا هَذَا مَنْسُوبٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَرَكَتِهِ. انْتَهَى مَا ذَكَرَهُ بِحُرُوفِهِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ
بِنُوحٍ
عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وَهَذِهِ الْقِصَّةُ الَّتِي سَاقَهَا شَيْخُنَا ذَكَرَهَا الْحَافِظُ أَبُو
بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِهِ " الدَّلَائِلِ " مِنْ طَرِيقِ
أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي الدُّنْيَا، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
فُضَيْلٍ، عَنِ الصَّلْتِ بْنِ مَطَرٍ الْعِجْلِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ ابْنِ
أُخْتِ سَهْمٍ، عَنْ سَهْمِ بْنِ مِنْجَابٍ قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ الْعَلَاءِ بْنِ
الْحَضْرَمِيِّ فَذَكَرَهُ. وَقَدْ ذَكَرَهَا الْبُخَارِيُّ فِي "
التَّارِيخِ الْكَبِيرِ " مِنْ وَجْهٍ آخَرَ. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ
طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ كَانَ مَعَ الْعَلَاءِ
وَشَاهَدَ ذَلِكَ. وَسَاقَهَا الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ عِيسَى بْنِ يُونُسَ،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَوْنٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: أَدْرَكْتُ
فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ ثَلَاثًا لَوْ كَانَتْ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمَا
تَقَاسَمَتْهَا الْأُمَمُ. قُلْنَا: مَا هُنَّ يَا أَبَا حَمْزَةَ ؟ قَالَ: كُنَّا
فِي الصُّفَّةِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَتْهُ
امْرَأَةٌ مُهَاجِرَةٌ، وَمَعَهَا ابْنٌ لَهَا قَدْ بَلَغَ، فَأَضَافَ الْمَرْأَةَ
إِلَى النِّسَاءِ، وَأَضَافَ ابْنَهَا إِلَيْنَا، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ أَصَابَهُ
وَبَاءُ الْمَدِينَةِ فَمَرِضَ أَيَّامًا ثُمَّ قُبِضَ، فَغَمَّضَهُ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَرَ بِجِهَازِهِ، فَلَمَّا أَرَدْنَا
أَنْ نُغَسِّلَهُ قَالَ: " يَا أَنَسُ ائْتِ أُمَّهُ فَأَعْلِمْهَا ".
فَأَعْلَمْتُهَا قَالَ: فَجَاءَتْ حَتَّى جَلَسَتْ عِنْدَ قَدَمَيْهِ، فَأَخَذَتْ
بِهِمَا ثُمَّ قَالَتِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْلَمْتُ لَكَ طَوْعًا، وَخَلَعْتُ
الْأَوْثَانَ زُهْدًا، وَهَاجَرْتُ إِلَيْكَ رَغْبَةً اللَّهُمَّ لَا
تُشْمِتْ بِي عَبَدَةَ الْأَوْثَانِ وَلَا تُحَمِّلْنِي مِنْ هَذِهِ الْمُصِيبَةِ مَالَا طَاقَةَ لِي بِحَمْلِهَا. قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا انْقَضَى كَلَامُهَا حَتَّى حَرَّكَ قَدَمَيْهِ وَأَلْقَى الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ، وَعَاشَ حَتَّى قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحَتَّى هَلَكَتْ أُمُّهُ. قَالَ أَنَسٌ: ثُمَّ جَهَّزَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ جَيْشًا وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمُ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ. قَالَ أَنَسٌ: وَكُنْتُ فِي غَزَاتِهِ، فَأَتَيْنَا مَغَازِينَا فَوَجَدْنَا الْقَوْمَ قَدْ نَذِرُوا بِنَا فَعَفَّوْا آثَارَ الْمَاءِ وَالْحَرُّ شَدِيدٌ، فَجَهَدَنَا الْعَطَشُ وَدَوَابَّنَا، وَذَلِكَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فَلَمَّا مَالَتِ الشَّمْسُ لِغُرُوبِهَا صَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ مَدَّ يَدَهُ إِلَى السَّمَاءِ، وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ شَيْئًا. قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا حَطَّ يَدَهُ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ رِيحًا، وَأَنْشَأَ سَحَابًا، وَأَفْرَغَتْ حَتَّى مَلَأَتِ الْغُدُرَ وَالشِّعَابَ، فَشَرِبْنَا وَسَقَيْنَا رِكَابَنَا وَاسْتَقَيْنَا. قَالَ: ثُمَّ أَتَيْنَا عَدُوَّنَا وَقَدْ جَاوَزَ خَلِيجًا فِي الْبَحْرِ إِلَى جَزِيرَةٍ، فَوَقَفَ عَلَى الْخَلِيجِ وَقَالَ: يَا عَلِيُّ يَا عَظِيمُ، يَا حَلِيمُ يَا كَرِيمُ. ثُمَّ قَالَ: أَجِيزُوا بِسْمِ اللَّهِ. قَالَ: فَأَجَزْنَا مَا يَبُلُّ الْمَاءُ حَوَافِرَ دَوَابِّنَا، فَلَمْ نَلْبَثْ إِلَّا يَسِيرًا فَأَصَبْنَا الْعَدُوَّ غِيلَةً، فَقَتَلْنَا وَأَسَرْنَا وَسَبَيْنَا، ثُمَّ أَتَيْنَا الْخَلِيجَ، فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ، فَأَجَزْنَا مَا يَبُلُّ الْمَاءُ حَوَافِرَ دَوَابِّنَا، فَلَمْ نَلْبَثْ إِلَّا يَسِيرًا. ثُمَّ ذَكَرَ مَوْتَ الْعَلَاءِ، وَدَفْنَهُمْ إِيَّاهُ فِي أَرْضٍ لَا تَقْبَلُ الْمَوْتَى، ثُمَّ إِنَّهُمْ حَفَرُوا عَنْهُ لِيَنْقُلُوهُ مِنْهَا إِلَى غَيْرِهَا فَلَمْ يَجِدُوهُ ثَمَّ، وَإِذَا اللَّحْدُ يَتَلَأْلَأُ نُورًا، فَأَعَادُوا التُّرَابَ عَلَيْهِ ثُمَّ ارْتَحَلُوا. فَهَذَا السِّيَاقُ أَتَمُّ، وَفِيهِ قِصَّةُ الْمَرْأَةِ الَّتِي أَحْيَا اللَّهُ لَهَا وَلَدَهَا
بِدُعَائِهَا،
وَسَنُنَبِّهُ عَلَى ذَلِكَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمُعْجِزَاتِ الْمَسِيحِ عِيسَى
ابْنِ مَرْيَمَ، مَعَ مَا يُشَابِهُهَا، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، كَمَا
سَنُشِيرُ إِلَى قِصَّةِ الْعَلَاءِ هَذِهِ مَعَ مَا سَنُورِدُهُ مَعَهَا هَا
هُنَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمُعْجِزَاتِ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فِي قِصَّةِ
فَلْقِ الْبَحْرِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، وَقَدْ أَرْشَدَ إِلَى ذَلِكَ شَيْخُنَا
فِي عُيُونِ كَلَامِهِ.
قِصَّةٌ أُخْرَى تُشْبِهُ قِصَّةَ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ.
رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي " الدَّلَائِلِ " - وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ
أَيْضًا - مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ مِهْرَانَ الْأَعْمَشِ، عَنْ بَعْضِ
أَصْحَابِهِ قَالَ: انْتَهَيْنَا إِلَى دِجْلَةَ وَهِيَ مَادَّةٌ وَالْأَعَاجِمُ
خَلْفَهَا، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ: بِسْمِ اللَّهِ، ثُمَّ اقْتَحَمَ
بِفَرَسِهِ فَارْتَفَعَ عَلَى الْمَاءِ. فَقَالَ النَّاسُ: بِسْمِ اللَّهِ. ثُمَّ
اقْتَحَمُوا فَارْتَفَعُوا عَلَى الْمَاءِ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمُ الْأَعَاجِمُ
وَقَالُوا: دِيوَانُ، دِيوَانُ. أَيْ مَجَانِينُ، ثُمَّ ذَهَبُوا عَلَى
وُجُوهِهِمْ. قَالَ: فَمَا فَقَدَ النَّاسُ إِلَّا قَدَحًا كَانَ مُعَلَّقًا
بِعَذَبَةِ سَرْجٍ، فَلَمَّا خَرَجُوا أَصَابُوا الْغَنَائِمَ وَاقْتَسَمُوا،
فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَقُولُ: مَنْ يُبَادِلُ صَفْرَاءَ بِبَيْضَاءَ ؟ وَقَدْ
ذَكَرْنَا فِي " السِّيرَةِ الْعُمَرِيَّةِ " وَأَيَّامِهَا، وَفِي
" التَّفْسِيرِ " أَيْضًا أَنَّ أَوَّلَ مَنِ اقْتَحَمَ دِجْلَةَ
يَوْمَئِذٍ أَبُو عَبِيدٍ الثَّقَفِيُّ أَمِيرُ الْجُيُوشِ فِي أَيَّامِ عُمَرَ
بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَأَنَّهُ نَظَرَ إِلَى دِجْلَةَ فَتَلَا
قَوْلَهُ تَعَالَى: " وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ
اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا " [ آلِ عِمْرَانَ: 145 ]. ثُمَّ سَمَّى اللَّهَ
تَعَالَى وَاقْتَحَمَ بِفَرَسِهِ الْمَاءَ،
وَاقْتَحَمَ
الْجَيْشُ وَرَاءَهُ، وَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِمُ الْأَعَاجِمُ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ
جَعَلُوا يَقُولُونَ: دِيوَانُ دِيوَانُ. أَيْ مَجَانِينُ مَجَانِينُ. ثُمَّ
وَلَّوْا مُدَبِّرِينَ، فَقَتَلَهُمُ الْمُسْلِمُونَ وَغَنِمُوا مِنْهُمْ
مَغَانِمَ كَثِيرَةً.
قِصَّةٌ أُخْرَى شَبِيهَةٌ بِذَلِكَ.
رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ
الْمُغِيرَةِ أَنَّ أَبَا مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيَّ جَاءَ إِلَى دِجْلَةَ وَهِيَ
تَرْمِي الْخَشَبَ مِنْ مَدِّهَا، فَمَشَى عَلَى الْمَاءِ، وَالْتَفَتَ إِلَى
أَصْحَابِهِ وَقَالَ: هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ مَتَاعِكُمْ شَيْئًا فَنَدْعُوَ
اللَّهَ تَعَالَى ؟ ثُمَّ قَالَ: هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ.
قُلْتُ: وَقَدْ ذَكَرَ الْحَافِظُ الْكَبِيرُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ عَسَاكِرَ فِي
تَرْجَمَةِ أَبِي مُسْلِمٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثُوَبٍ الْخَوْلَانِيِّ هَذِهِ
الْقِصَّةَ بِأَبْسَطَ مِنْ هَذَا، مِنْ طَرِيقِ بَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ،
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيِّ، أَنَّهُ
كَانَ إِذَا غَزَا أَرْضَ الرُّومِ فَمَرُّوا بِنَهَرٍ قَالَ: أَجِيزُوا بِسْمِ
اللَّهِ. قَالَ: وَيَمُرُّ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ. قَالَ: فَيَمُرُّونَ بِالنَّهْرِ
الْغَمْرِ فَرُبَّمَا لَمَّ يَبْلُغْ مِنَ الدَّوَابِّ إِلَّا إِلَى الرُّكَبِ،
أَوْ
بَعْضِ
ذَلِكَ، أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: فَإِذَا جَازُوا قَالَ لِلنَّاسِ: هَلْ
ذَهَبَ لَكُمْ شَيْءٌ ؟ مَنْ ذَهَبَ لَهُ شَيْءٌ فَأَنَا لَهُ ضَامِنٌ. قَالَ:
فَأَلْقَى بَعْضُهُمْ مِخْلَاةً عَمْدًا، فَلَمَّا جَازُوا قَالَ الرَّجُلُ:
مِخْلَاتِي وَقَعَتْ فِي النَّهْرِ. قَالَ لَهُ: اتْبَعْنِي. فَإِذَا الْمِخْلَاةُ
قَدْ تَعَلَّقَتْ بِبَعْضِ أَعْوَادِ النَّهْرِ، فَقَالَ: خُذْهَا. وَقَدْ رَوَاهُ
أَبُو دَاوُدَ - مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ عَنْهُ - عَنْ عَمْرِو بْنِ
عُثْمَانَ، عَنْ بَقِيَّةَ بِهِ.
ثُمَّ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا
سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، أَنَّ أَبَا مُسْلِمٍ
الْخَوْلَانِيَّ أَتَى عَلَى دِجْلَةَ وَهِيَ تَرْمِي بِالْخَشَبِ مِنْ مَدِّهَا،
فَوَقَفَ عَلَيْهَا، ثُمَّ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَذَكَرَ مَسِيرَ
بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْبَحْرِ، ثُمَّ لَهَزَ دَابَّتَهُ فَخَاضَتِ الْمَاءَ،
وَتَبِعَهُ النَّاسُ حَتَّى قَطَعُوا، ثُمَّ قَالَ: هَلْ فَقَدْتُمْ شَيْئًا مِنْ
مَتَاعِكُمْ فَأَدْعُوَ اللَّهَ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيَّ ؟.
وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ
بْنِ رَشِيدٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ الْعَدَوِيِّ، حَدَّثَنِي ابْنُ عَمِّي؛
أَخِي أَبِي، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ أَبِي مُسْلِمٍ فِي جَيْشٍ، فَأَتَيْنَا عَلَى
نَهْرٍ عَجَاجٍ مُنْكَرٍ، فَقُلْنَا لِأَهْلِ الْقَرْيَةِ: أَيْنَ الْمَخَاضَةُ ؟
فَقَالُوا: مَا كَانَتْ هَا هُنَا مَخَاضَةٌ قَطُّ وَلَكِنَّ الْمَخَاضَةَ
أَسْفَلَ مِنْكُمْ عَلَى لَيْلَتَيْنِ. فَقَالَ أَبُو مُسْلِمٍ: اللَّهُمَّ
أَجَزْتَ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ، وَإِنَّا عِبَادُكَ وَفِي سَبِيلِكَ،
فَأَجِزْنَا هَذَا النَّهْرَ الْيَوْمَ. ثُمَّ قَالَ: اعْبُرُوا بِسْمِ اللَّهِ.
قَالَ ابْنُ عَمِّي: فَأَنَا عَلَى فَرَسٍ فَقُلْتُ:
لِأَقْذِفَنَّهُ
أَوَّلَ النَّاسِ خَلْفَ فَرَسِهِ، وَكُنْتُ أَوَّلَ النَّاسِ قَذَفَ فَرَسَهُ
خَلْفَ أَبِي مُسْلِمٍ، فَوَاللَّهِ مَا بَلَغَ الْمَاءُ بُطُونَ الْخَيْلِ حَتَّى
عَبَرَ النَّاسُ كُلُّهُمْ، ثُمَّ وَقَفَ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ،
هَلْ ذَهَبَ لِأَحَدٍ مِنْكُمْ شَيْءٌ فَأَدْعُوَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَرُدَّهُ
؟.
فَهَذِهِ الْكَرَامَاتُ لِهَؤُلَاءِ الْأَوْلِيَاءِ هِيَ مِنْ مُعْجِزَاتِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ ;
لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا نَالُوا ذَلِكَ بِبَرَكَةِ مُتَابَعَتِهِ، وَيُمْنِ
سِفَارَتِهِ إِذْ فِيهَا حُجَّةٌ فِي الدِّينِ وَحَاجَةٌ أَكِيدَةٌ
لِلْمُسْلِمِينَ، وَهِيَ مُشَابِهَةٌ لِمُعْجِزَةِ نُوحٍ، عَلَيْهِ السَّلَامُ،
فِي مَسِيرِهِ فَوْقَ الْمَاءِ بِالسَّفِينَةِ الَّتِي أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى
بِعَمَلِهَا، وَمُعْجِزَةِ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فِي فَلْقِ الْبَحْرِ،
وَهَذِهِ فِيهَا مَا هُوَ أَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ، مِنْ جِهَةِ مَسِيرِهِمْ عَلَى
مَتْنِ الْمَاءِ مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ حَامِلٍ، وَمِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مَاءٌ جَارٍ
وَالسَّيْرُ عَلَيْهِ أَعْجَبُ مِنَ السَّيْرِ عَلَى الْمَاءِ الْقَارِّ الَّذِي
يُجَازُ، وَإِنْ كَانَ مَاءُ الطُّوفَانِ أَطَمَّ وَأَعْظَمَ، فَهَذِهِ خَارِقٌ،
وَالْخَارِقُ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ، فَإِنَّ مَنْ سَلَكَ عَلَى
وَجْهِ الْمَاءِ الْخِضَمِّ الْجَارِي الْعَجَاجِ، فَلَمْ يَبْتَلَّ مِنْهُ
نِعَالُ خُيُولِهِمْ، أَوْ لَمْ يَصِلْ إِلَى بُطُونِهَا، فَلَا فَرْقَ فِي
الْخَارِقِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَامَةً أَوْ أَلْفَ قَامَةٍ، أَوْ أَنْ يَكُونَ
نَهْرًا أَوْ بَحْرًا، بَلْ كَوْنُهُ نَهْرًا عَجَاجًا كَالْبَرْقِ الْخَاطِفِ
وَالسَّيْلِ الْجَارِفِ أَعْظَمُ وَأَغْرَبُ، وَكَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى
فَرْقِ الْبَحْرِ، وَهُوَ جَانِبُ بَحْرِ الْقُلْزُمِ، حَتَّى صَارَ كُلُّ فِرْقٍ
كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ، أَيِ الْجَبَلِ الْكَبِيرِ، فَانْحَازَ الْمَاءُ يَمِينًا
وَشِمَالًا حَتَّى بَدَتْ أَرْضُ الْبَحْرِ،
وَأَرْسَلَ
اللَّهُ عَلَيْهَا الرِّيحَ حَتَّى أَيْبَسَتْهَا، وَمَشَتِ الْخُيُولُ عَلَيْهَا
بِلَا انْزِعَاجٍ، حَتَّى جَاوَزُوا، عَنْ آخِرِهِمْ وَأَقْبَلَ فِرْعَوْنُ
بِجُنُودِهِ، فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ، وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ
قَوْمَهُ وَمَا هَدَى، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمَّا تَوَسَّطُوهُ وَهَمَّ أَوَّلُهُمْ
بِالْخُرُوجِ مِنْهُ أَمَرَ اللَّهُ الْبَحْرَ، فَارْتَطَمَ عَلَيْهِمْ فَغَرِقُوا
عَنْ آخِرِهِمْ، فَلَمْ يُفْلِتْ مِنْهُمْ أَحَدٌ كَمَا لَمْ يُفْقَدْ مِنْ بَنِي
إِسْرَائِيلَ وَاحِدٌ، فَفِي ذَلِكَ آيَةٌ عَظِيمَةٌ بَلْ آيَاتٌ مُتَعَدِّدَاتٌ،
كَمَا بَسَطْنَا ذَلِكَ فِي " التَّفْسِيرِ " وَلِلَّهِ الْحَمْدُ
وَالْمِنَّةُ.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قِصَّةِ الْعَلَاءِ بْنِ
الْحَضْرَمِيِّ وَأَبِي عُبَيْدٍ الثَّقَفِيِّ، وَأَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيِّ،
مِنْ مَسِيرِهِمْ عَلَى تَيَّارِ الْمَاءِ الْجَارِي، فَلَمْ يُفْقَدْ مِنْهُمْ
أَحَدٌ، وَلَمْ يَفْقِدُوا شَيْئًا مِنْ أَمْتِعَتِهِمْ، هَذَا وَهُمْ
أَوْلِيَاءُ، مِنْهُمْ صَحَابِيٌّ وَتَابِعِيَّانِ، فَمَا الظَّنُّ أَنْ لَوِ
احْتِيجَ إِلَى ذَلِكَ بِحَضْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ؟ ! سَيِّدِ الْأَنْبِيَاءِ وَخَاتَمِهِمْ، وَأَعْلَاهُمْ مَنْزِلَةً
لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ، وَإِمَامِهِمْ لَيْلَتَئِذٍ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ الَّذِي
هُوَ مَحَلُّ وِلَايَتِهِمْ، وَدَارُ بِدَايَتِهِمْ، وَخَطِيبِهِمْ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ، وَأَعْلَاهُمْ مَنْزِلَةً فِي الْجَنَّةِ، وَأَوَّلِ شَافِعٍ فِي
الْمَحْشَرِ، وَفِي الْخُرُوجِ مِنَ النَّارِ، وَفِي دُخُولِهِ الْجَنَّةَ، وَفِي
رَفْعِ الدَّرَجَاتِ بِهَا، كَمَا بَسَطْنَا أَقْسَامَ الشَّفَاعَةِ
وَأَنْوَاعَهَا فِي آخِرِ الْكِتَابِ فِي أَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَبِاللَّهِ
الْمُسْتَعَانُ. وَسَنَذْكُرُ فِي الْمُعْجِزَاتِ الْمُوسَوِيَّةِ مَا وَرَدَ مِنَ
الْمُعْجِزَاتِ
الْمُحَمَّدِيَّةِ مَا هُوَ أَظْهَرُ وَأَبْهَرُ مِنْهَا، وَنَحْنُ الْآنُ فِيمَا
يَتَعَلَّقُ بِمُعْجِزَاتِ نُوحٍ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَلَمْ يَذْكُرْ شَيْخُنَا
سِوَى مَا تَقَدَّمَ.
وَأَمَّا الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
الْأَصْبَهَانِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ فِي آخِرِ كِتَابِهِ فِي " دَلَائِلِ
النُّبُوَّةِ " وَهُوَ فِي مُجَلَّدَاتٍ ثَلَاثٍ: الْفَصْلُ الثَّالِثُ
وَالثَّلَاثُونَ فِي ذِكْرِ مُوَازَاةِ الْأَنْبِيَاءِ فِي فَضَائِلِهِمْ
بِفَضَائِلِ نَبِيِّنَا، وَمُقَابَلَةِ مَا أُوتُوا مِنَ الْآيَاتِ بِمَا أُوتِيَ.
إِذْ أُوتِيَ مَا أُوتُوا وَشِبْهَهُ وَنَظِيرَهُ، فَكَانَ أَوَّلَ الرُّسُلِ
نُوحٌ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَآيَتُهُ الَّتِي أُوتِيَ شِفَاءُ غَيْظِهِ،
وَإِجَابَةُ دَعْوَتِهِ فِي تَعْجِيلِ نِقْمَةِ اللَّهِ لِمُكَذِّبِيهِ، حَتَّى
هَلَكَ مَنْ عَلَى بَسِيطِ الْأَرْضِ مِنْ صَامِتٍ وَنَاطِقٍ، إِلَّا مَنْ آمَنَ
بِهِ وَدَخَلَ مَعَهُ سَفِينَتَهُ، وَلَعَمْرِي إِنَّهَا آيَةٌ جَلِيلَةٌ
وَافَقَتْ سَابِقَ قَدَرِ اللَّهِ، وَمَا قَدْ عَلِمَهُ فِي إِهْلَاكِهِمْ،
وَكَذَلِكَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا كَذَّبَهُ
قَوْمُهُ وَبَالَغُوا فِي أَذِيَّتِهِ، وَالِاسْتِهَانَةِ بِمَنْزِلَتِهِ مِنَ
اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، حَتَّىأَلْقَى الشَّقِيُّ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ
سَلَا الْجَزُورِ عَلَى ظَهْرِهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ عَلَيْكَ
بِالْمَلَأِ مِنْ قُرَيْشٍ ". ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ،
كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لَهُ فِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ "
وَغَيْرِهِ فِي وَضْعِ الْمَلَأِ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ سَاجِدٌ عِنْدَ الْكَعْبَةِ سَلَا
تِلْكَ الْجَزُورِ، وَاسْتِضْحَاكِهِمْ مِنْ ذَلِكَ، حَتَّى جَعَلَ بَعْضُهُمْ
يَمِيلُ عَلَى بَعْضٍ مِنْ شِدَّةِ الضَّحِكِ، وَلَمْ يَزَلْ عَلَى ظَهْرِهِ
حَتَّى جَاءَتْ فَاطِمَةُ ابْنَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَطَرَحَتْهُ عَنْ ظَهْرِهِ،
ثُمَّ أَقْبَلَتْ عَلَيْهِمْ فَسَبَّتْهُمْ، فَلَمَّا سَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ صَلَاتِهِ رَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِالْمَلَأِ مِنْ قُرَيْشٍ ". ثُمَّ سَمَّى فَقَالَ: اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ، وَعُتْبَةَ، وَشَيْبَةَ، وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، وَعُمَارَةَ بْنِ الْوَلِيدِ ". قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لَقَدْ رَأَيْتُهُمْ صَرْعَى يَوْمَ بَدْرٍ، ثُمَّ سُحِبُوا إِلَى الْقَلِيبِ، قَلِيبِ بَدْرٍ وَكَذَلِكَ لَمَّا أَقْبَلَتْ قُرَيْشٌ يَوْمَ بَدْرٍ فِي حَدِّهَا وَحَدِيدِهَا، فَحِينَ عَايَنَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رَافِعًا يَدَيْهِ: " اللَّهُمَّ هَذِهِ قُرَيْشٌ جَاءَتْكَ بِفَخْرِهَا وَخُيَلَائِهَا، تُحَادُّكَ وَتُكَذِّبُ رَسُولَكَ، اللَّهُمَّ أَحِنْهُمُ الْغَدَاةَ ". فَقُتِلَ مِنْ سَرَاتِهِمْ سَبْعُونَ، وَأُسِرَ مِنْ أَشْرَافِهِمْ سَبْعُونَ، وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَاسْتَأْصَلَهُمْ عَنْ آخِرِهِمْ، وَلَكِنْ مِنْ حِلْمِهِ وَشَرَفِ نَبِيِّهِ أَبْقَى مِنْهُمْ مَنْ سَبَقَ فِي قَدَرِهِ أَنْ سَيُؤْمِنُ بِهِ وَبِرَسُولِهِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، وَقَدْ دَعَا عَلَى عُتْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ أَنْ يُسَلِّطَ عَلَيْهِ كَلْبَهُ بِالشَّامِ، فَقَتَلَهُ الْأَسَدُ عِنْدَ وَادِي الزَّرْقَاءِ قِبَلَ مَدِينَةِ بُصْرَى. وَكَمْ لَهُ مِنْ مِثْلِهَا وَنَظِيرِهَا مَا سَلَفَ ذِكْرُنَا لَهُ وَمَا لَمْ نَذْكُرْهُ، وَكَذَلِكَ دَعَا عَلَى قُرَيْشٍ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ فَقُحِطُوا حَتَّى أَكَلُوا الْعِلْهِزَ، وَهُوَ الدَّمُ بِالْوَبَرِ، وَأَكَلُوا الْعِظَامَ وَكُلَّ شَيْءٍ، ثُمَّ تَوَسَّلُوا إِلَى مَرَاحِمِهِ وَشَفَقَتِهِ وَرَأْفَتِهِ، فَدَعَا لَهُمْ، فَفَرَّجَ اللَّهُ
عَنْهُمْ
وَسُقُوُا الْغَيْثَ بِبَرَكَةِ دُعَائِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ الْفَقِيهُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَامِدٍ
فِي كِتَابِهِ " دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ " وَهُوَ كِتَابٌ حَافِلٌ:
ذِكْرُ مَا أُوتِيَ نُوحٌ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، مِنَ الْفَضَائِلِ، وَبَيَانُ مَا
أُوتِيَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا يُضَاهِي فَضَائِلَهُ
وَيَزِيدُ عَلَيْهَا. قَالُوا: إِنَّ قَوْمَ نُوحٍ لَمَّا بَلَغُوا مِنْ
أَذِيَّتِهِ وَالِاسْتِخْفَافِ بِهِ، وَتَرْكِ الْإِيمَانِ بِمَا جَاءَهُمْ بِهِ
مِنْ عِنْدِ اللَّهِ دَعَا عَلَيْهِمْ فَقَالَ: " رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى
الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا " [ نُوحٍ: 26 ]. فَاسْتَجَابَ
اللَّهُ دَعَوْتَهُ، وَغَرَّقَ قَوْمَهُ، حَتَّى لَمَّ يَسْلَمْ شَيْءٌ مِنَ
الْحَيَوَانَاتِ وَالدَّوَابِّ إِلَّا مَنْ رَكِبَ السَّفِينَةَ، فَكَانَ ذَلِكَ
فَضِيلَةً أُوتِيَهَا، إِذْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُهُ، وَشُفِيَ صَدْرُهُ بِإِهْلَاكِ
قَوْمِهِ. قُلْنَا: وَقَدْ أُوتِيَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مِثْلَهُ حِينَ نَالَهُ مِنْ قُرَيْشٍ مَا نَالَهُ مِنَ التَّكْذِيبِ
وَالِاسْتِخْفَافِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْهِ مَلِكَ الْجِبَالِ وَأَمَرَهُ
بِطَاعَتِهِ فِيمَا يَأْمُرُهُ بِهِ مِنْ إِهْلَاكِ قَوْمِهِ، فَاخْتَارَ
الصَّبْرَ عَلَى أَذِيَّتِهِمْ، وَالِابْتِهَالَ فِي الدُّعَاءِ لَهُمْ
بِالْهِدَايَةِ. قُلْتُ: وَهَذَا حَسَنٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ بِذَلِكَ
عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
قِصَّةِ ذَهَابِهِ إِلَى الطَّائِفِ، فَدَعَاهُمْ فَآذَوْهُ، فَرَجَعَ وَهُوَ
مَهْمُومٌ، فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ قَرْنِ الثَّعَالِبِ نَادَاهُ مَلَكُ الْجِبَالِ
فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ رَبَّكَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ وَمَا رَدُّوا
عَلَيْكَ، وَقَدْ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ لِأَفْعَلَ مَا تَأْمُرُنِي بِهِ، فَإِنْ
شِئْتَ أَطْبَقْتُ عَلَيْهِمُ الْأَخْشَبَيْنِ. يَعْنِي جَبَلَيْ مَكَّةَ اللَّذَيْنِ
يَكْتَنِفَانِهَا جَنُوبًا وَشَامًا، وَهُمَا أَبُو قُبَيْسٍ وَزُرْزُرٌ، فَقَالَ
بَلْ أَسْتَأْنِي بِهِمْ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ
لَا يُشْرِكُ