Translate

مشاري راشد {سورة الطلاق}

الجمعة، 19 مايو 2023

فرض قضاء حوائج الناس الاول فالاول في محيط جميع المسلمين في طوق القدرة

 

خلاصة القواعد والفوائد من الأربعين النووية

الحديث السادس والثلاثون

( قضاء حوائج المسلمين، وفضل طلب العلم)

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِما سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاَللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ، وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إلَى الْجَنَّةِ، وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ فِيمَا بَيْنَهُمْ؛ إلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ، وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ، وَمَنْ أَبَطْأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ [رقم: 2699] بهذا اللفظ.

 

لغة الحديث:

الكلمة

معناها

من نفس

كربة

ستر على مسلم

من بطء به عمله

لم يسرع به نسبه

غشيتهم الرحمة

حفتهم الملائكة

نزلت عليهم السكينة

أي وسَّع.

ما يكرب الإنسان ويغتم منه ويتضايق منه.

أي غطى عيوبه.

أي أخره العمل، أي تكاسل في عمله.

أي لمن ينفعه النسب.

أي غطتهم.

أي أحاطت بهم

أي الطمأنينة في القلب والانشراح في الصدر.

فوائد مستنبطة من الحديث:

1- الحديث دليل على فضل ثلاثة أمور وأن جزاءها يماثلها يوم القيامة:

تنفيس الكروب في الدنيا.

• من يسر على معسر في الدنيا يسر الله عليه في الدنيا والآخرة.

• من ستر على مسلم في الدنيا ستر الله عليه في الدنيا والآخرة.

2- أن إعانة العبد طريق من طرق إعانة الله له.

3- فضل طلب العلم الشرعي وأنه طريق يسهل إلى الجنة.

4- فضل مجالس الذكر التي تكون في بيوت الله وتتدارس كتاب الله.

5- أن النسب لا يغني في الآخرة والعبرة في العمل، فلا يغتر الإنسان بنسبه (من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه).

6- أخوة الدين.

قواعد مستنبطة من الحديث:

1- قاعدة في الثواب والجزاء: الجزاء من جنس العمل ======== 


أحاديث وقصص عن قضاء الحوائج

 

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق؛ ليُظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيدًا؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقرارًا به وتوحيدًا، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:

فإنَّ السعي في قضاء حوائج الناس مِن صور الإحسان العظيمة؛ لأن المسلم المحسن يسعى إلى خدمة الآخرين؛ حبًّا في الله تعالى، وشفقةً على خَلْق الله تعالى، ولقد كان أصحاب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يجتهدون في قضاء حوائج الناس، وسوف نذكر صورًا من ذلك:

الأنصار يقضون حوائج المهاجرين:

1- روى الترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة أتاه المهاجرون، فقالوا: يا رسول الله، ما رأينا قومًا أبذل من كثير ولا أحسن مواساةً من قليل - (أي من مال قليل) - من قوم - (أي الأنصار) - نزلنا بين أظهرهم - (أي عندهم) - لقد كفونا المؤنة، وأشركونا في المهنأ - (أي: أحسنوا إلينا؛ سواء كانوا كثيري المال، أو فقيري الحال) - حتى لقد خفنا أن يذهبوا بالأجر كله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا، ما دعوتم الله لهم وأثنيتم عليهم))؛ (حديث صحيح)، (صحيح الترمذي للألباني، حديث 2020).

• قال الطيبي رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا، ما دعوتم الله لهم وأثنيتم عليهم))، معناه: ليس الأمر كما زعمتم؛ فإنكم إذا أثنيتم عليهم شكرًا لصنيعهم ودُمتم عليه، فقد جازيتموهم؛ (تحفة الأحوذي؛ للمباركفوري، ج7، ص159).

 

2- روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أصابني الجهد - (أي المشقة من الجوع) - فأرسل إلى نسائه، فلم يجد عندهن شيئًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا رجل يضيفه هذه الليلة يرحمه الله))، فقام رجل مِن الأنصار، فقال: أنا يا رسول الله، فذهب إلى أهله، فقال لامرأته: ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تدخريه شيئًا، قالت: والله ما عندي إلا قوت الصبية، قال: فإذا أراد الصبية العشاء فنَوميهم وتعالَي، فأطفِئي السراج، ونطوي بطوننا الليلة، ففعلت، ثم غدا الرجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ((لقد عجب الله عز وجل أو ضحك من فلان وفلانة، فأنزل الله عز وجل: ﴿ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ﴾ [الحشر: 9]))؛ (البخاري، حديث 4889).

 

قوله: (لا تدخريه شيئًا)؛ أي: لا تُمسكي عن الضيف شيئًا من الطعام.

قوله:(فنوِّميهم)؛ أي: اجعلي الصبية ينامون؛ حتى لا يأكلوا شيئًا من الطعام.

قوله: (ونطوي بطوننا)؛ أي: نجمعها؛ لأن الجوع يطوي جلد بطن الإنسان؛ (عمدة القاري؛ بدر الدين العيني، ج19، ص 228).

قوله: (غدا الرجل)؛ أي: صلى الرجل الصبح مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

عائشة بنت الصديق:

روى ابن سعد عن أم ذرة، قالت: بعث عبدالله بن الزبير إلى عائشة رضي الله عنها بمال في غرارتين - (كيس من القماش) - يكون مائة ألف، فدعت بطبق وهي يومئذ صائمة، فجعلت تقسم في الناس، قال: فلما أمست، قالت: يا جارية، هاتي فطري، فقالت أم ذرة: يا أم المؤمنين، أما استطعت فيما أنفقت أن تشتري بدرهم لحمًا تفطرين عليه؟ فقالت: لا تعنفيني، لو كنت أذكرتني لفعلتُ؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، ج 8، ص 53).

 

زينب بنت خزيمة:

كان يقال لزينب بنت خزيمة رضي الله عنها زوج نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: أم المساكين، لكثرة إطعامها المساكين وصدقتها عليهم؛ (أسد الغابة؛ لابن الأثير، ج6، ص129).

 

أبو بكر الصديق:

1- قال الزبير بن العوام رضي الله عنه: مر أبو بكر الصديق رضي الله عنه يومًا ببلال بن رباح رضي الله عنه وهو يعذَّب، فقال لأمية بن خلف: ألا تتقي الله في هذا المسكين؟ حتى متى؟ قال: أنت أفسدته، فأنقذه مما ترى، فقال أبو بكر: أفعل، عندي غلام أسود أجلد منه وأقوى على دينك، أُعطيكه به، قال: قد قبِلت، قال: هو لك، فأعطاه أبو بكر غلامه ذلك، وأخذ بلالًا فأعتقه؛ (سيرة ابن هشام، ج1، ص318).

 

2- كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتعهد عجوزًا كبيرةً عمياءَ في بعض نواحي المدينة بالليل، فيسقي لها ويقوم بأمرها، فكان إذا جاءها وجد غيره قد سبقه إليها، فأصلح ما أرادت، فجاءها غير مرة؛ كيلا يُسبق إليها، فرصده عمر، فإذا هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه الذي يأتيها وهو يومئذ خليفة؛ (تاريخ الخلفاء؛ للسيوطي، ص 75).

 

عمر بن الخطاب:

1- قال الأوزاعي: إن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه خرج في سواد الليل، فرآه طلحة بن عبيدالله، فذهب عمر، فدخل بيتًا، ثم دخل بيتًا آخر، فلما أصبح طلحة ذهب إلى ذلك البيت، فإذا بعجوز عمياء مقعدة - (مشلولة) - فقال لها: ما بال هذا الرجل يأتيك؟ قالت: إنه يتعاهدني منذ كذا وكذا، يأتيني بما يصلحني، ويخرج عني الأذى، فقال طلحة: ثكلتك - (أي فقدتك) - أُمك يا طلحة، أعَثرات عمر تتبع؟"؛ (حلية الأولياء؛ أبو نعيم الأصبهاني، ج1، ص 47).

 

2- قال أسلم (مولى عمر): إن عمر بن الخطاب طاف ليلة، فإذا هو بامرأة في جوف دار لها وحولها صبيان يبكون، وإذا قِدر على النار قد ملأتها ماءً، فدنا عمر بن الخطاب من الباب، فقال: يا أمة الله، لماذا بكاء هؤلاء الصبيان؟ فقالتْ: بكاؤهم من الجوع، قال: فما هذه القدر التي على النار؟ فقالت: قد جعلت فيها ماءً أُعللهم بها حتى يناموا، أُوهمهم أن فيها شيئًا من دقيق وسمن، فجلس عمر فبكى، ثم جاء إلى دار الصدقة، فأخذ غرارة - (أي كيسًا كبيرًا) - وجعل فيها شيئًا من دقيق وسمن وشحم، وتمر وثياب ودراهم، حتى ملأ الغرارة، ثم قال: يا أسلم، احمل علي، فقلت: يا أمير المؤمنين، أنا أحمله عنك! فقال لي: لا أم لك يا أسلم، أنا أحمله؛ لأني أنا المسؤول عنهم في الآخرة، قال: فحمله على عنقه، حتى أتى به منزل المرأة، قال: وأخذ القدر، فجعل فيها شيئًا من دقيق، وشيئًا من شحم وتمر، وجعل يحركه بيده، وينفخ تحت القدر، قال أسلم: وكانت لحيته عظيمة، فرأيت الدخان يخرج من خلل لحيته، حتى طبخ لهم، ثم جعل يغرف بيده ويطعمهم حتى شبعوا، ثم خرج وربض - (جلس) - بحذائهم كأنه سبع، وخفت منه أن أُكلمه، فلم يزل كذلك حتى لعبوا وضحكوا، ثم قال: يا أسلم، أتدري لم ربضت بحذائهم؟ قلت: لا، يا أمير المؤمنين، قال: رأيتهم يبكون، فكرِهت أن أذهب وأدعهم حتى أراهم يضحكون، فلما ضحكوا طابت نفسي؛ (تاريخ دمشق؛ لابن عساكر، ج44، ص 352).

 

3- روى أبو نعيم عن مالك الداراني: أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أخذ أربعمائة دينار فجعلها في صرة، فقال للغلام: اذهب بها إلى أبي عبيدة بن الجراح، ثم انتظر ساعةً في البيت حتى تنظر ما يصنع، فذهب بها الغلام، فقال: يقول لك أمير المؤمنين: اجعل هذه في بعض حاجتك، فقال: وصله الله ورحمه، ثم قال: تعالي يا جارية، اذهبي بهذه السبعة إلى فلان، وبهذه الخمسة إلى فلان، وبهذه الخمسة إلى فلان، حتى أنفذها، فرجع الغلام إلى عمر رضي الله تعالى عنه، وأخبره فوجده قد أعد مثلها لمعاذ بن جبل، فقال: اذهب بها إلى معاذ وانتظر في البيت ساعةً حتى تنظر ما يصنع، فذهب بها إليه، فقال: يقول لك أمير المؤمنين: اجعل هذه في بعض حاجتك، فقال: رحمه الله ووصله، تعالي يا جارية، اذهبي إلى بيت فلان بكذا، اذهبي إلى بيت فلان بكذا، فاطلعت امرأة معاذ، فقالت: ونحن والله مساكين فأعطنا، ولم يبق في الخرقة إلا ديناران، فدحا - (ألقى) - بهما إليها - (أي: أعطاهما) - ورجع الغلام إلى عمر، فأخبره، فسُرَّ بذلك، وقال: "إنهم إخوة بعضهم من بعض"؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم، ج1، ص237).

 

4- قال عبدالملك بن حبيب رحمه الله: كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: "إنه لم يزل للناس وجوه يرفعون حوائج الناس، فأكرم وجوه الناس، فحسب المسلم الضعيف مِن العدل أن ينصف في الحكم والقسمة"؛ (مسند ابن الجعد، ص 180، رقم 1163).

 

عثمان بن عفان:

روى الترمذي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، قال: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وليس بها ماء يستعذب غير بئر رومة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن يشتري بئر رومة، فيجعل دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة؟))، فاشتريتها من صلب مالي؛ (حديث حسن)؛ (صحيح الترمذي للألباني، حديث 2921).

 

(ماء يستعذب)؛ أي: ماء عذب يصلح للشرب منه.

(بئر رومة): بئر كانت لرجل يهودي يبيع ماءها للمسلمين.

(دلوه مع دلاء المسلمين)؛ أي: يجعل البئر سبيلًا للمسلمين.

اشترى عثمان بن عفان رضي الله عنه بئر رومة، وكانت لرجل يهودي يبيع ماءها للمسلمين، فأتى عثمان اليهودي، فساومه بها فأبى أن يبيعها كلها، فاشترى نصفها باثني عشر ألف درهم، فجعله سبيلًا للمسلمين يشربون منها، ثم اتفق عثمان واليهودي على أن يكون له يوم وللمسلمين يوم، فكان إذا كان يوم للمسلمين استقوا ما يكفيهم يومين، فلما رأى اليهودي ذلك، قال لعثمان: أفسدت عليَّ بئري، فاشترِ النصف الآخر، فاشتراه عثمان بثمانية آلاف درهم؛ (الاستيعاب؛ لابن عبدالبر، ج3، ص 1039).

 

علي بن أبي طالب:

روى البخاري عن النَّزَّال بن سَبْرة يُحدث عن علي رضي الله عنه: أنه صلى الظهر، ثم قعد في حوائج الناس في رحبة الكوفة، حتى حضرت صلاة العصر؛ (البخاري، حديث 5616).

قوله: (حوائج الناس)؛ أي: لأجل حاجاتهم وقضاء خصوماتهم.

قوله: (في رحبة الكوفة)؛ أي: في موضع ذي فضاء وفسحة بالكوفة؛ (مرقاة المفاتيح؛ علي الهروي، ج 7، ص2747).

 

عبدالرحمن بن عوف:

1- روى أحمد عن أم بكر بنت المسور بن مخرمة: أن عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه باع أرضًا له من عثمان بن عفان بأربعين ألف دينار، فقسمه في فقراء بني زهرة، وفي ذي الحاجة من الناس وفي أمهات المؤمنين، قال المسور: فدخلت على عائشة بنصيبها من ذلك، فقالت: من أرسل بهذا؟ قلت: عبدالرحمن بن عوف، فقالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يحن عليكم بعدي إلا الصابرون، سقى الله ابن عوف من سلسبيل الجنة))؛ (حديث حسن)، (مسند أحمد، ج 41، ص 484، حديث 23883).

 

2- روى الترمذي عن أبي سلمة: أن عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه أوصى بحديقة لأمهات المؤمنين بيعت بأربعمائة ألف؛ (حديث حسن)، (صحيح سنن الترمذي للألباني، حديث 2949).

 

طلحة بن عبيدالله:

قال محمد بن إبراهيم رحمه الله: كان طلحة بن عبيدالله رضي الله عنه يغل (ما يحصل عليه) بالعراق ما بين أربعمائة ألف إلى خمسمائة ألف، ويغل بالسراة عشرة آلاف دينار، أو أقل أو أكثر، وبالأعراض له غلات، وكان لا يدع أحدًا من بني تيم عائلًا - (أي محتاجًا) - إلا كفاه مؤونته - (نفقته) - ومؤونة عياله، وزوَّج أَيَامَاهم - (أي من لا زوج له) - وأخدم عائلهم وقضى دين غارمهم، ولقد كان يرسل إلى عائشة رضي الله عنها إذا جاءت غلته كل سنة بعشرة آلاف، ولقد قضى طلحة بن عبيدالله عن صبيحة التيمي ثلاثين ألف درهم؛ (الطبقات الكبرى، لابن سعد، ج3، ص166).

 

عبدالله بن عمر بن الخطاب:

اشترى عبدالله بن عمر رضي الله عنهما غلامًا بأربعين ألفًا، وأعتَقَهُ، فقال الغلام: يا مولاي، قد أعتقتني، فهب لي شيئًا أعيش به، فأعطاه أربعين ألف درهم؛ (البداية والنهاية؛ لابن كثير، ج 9، ص 6).

 

الحسن بن علي:

قال أبو جعفر الباقر: جاء رجل إلى الحسين بن علي رضي الله عنهما، فاستعان به في حاجة، فوجده معتكفًا، فاعتذر إليه، فذهب إلى الحسن رضي الله عنه، فاستعان به فقضى حاجته، وقال الحسن: لقضاء حاجة أخ لي في الله أحب إليَّ مِن اعتكاف شهر؛ (البداية والنهاية؛ لابن كثير، ج8، ص39).

 

أبو قتادة:

روى مسلم عن عبدالله بن أبي قتادة: أن أبا قتادة رضي الله عنه طلب غريمًا - (مديونًا) - له، فتوارى عنه، ثم وجده، فقال: إني معسر، فقال: آلله؟ آلله؟ قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: ((من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة، فليُنفس عن معسر، أو يضع عنه))؛ (مسلم، حديث 1563).

 

قوله:(كرب): جمع الكربة، وهي المحنة الشديدة والمشقة الأكيدة.

قوله: (فلينفس)؛ أي: فليؤخر مطالبته للدين إلى مدة يجد المعسر فيها مالًا.

قوله: (أو يضع)؛ أي: يتنازل للمعسر عن الدين كله أو بعضه؛ (مرقاة المفاتيح؛ علي الهروي، ج 5، ص1954).

 

حكيم بن حزام:

قال شعبة بن الحجاج رحمه الله: لَما توفي الزبير بن العوام، لقي حكيم بن حزام عبدالله بن الزبير، فقال: كم ترك أخي من الدَّين؟ قال: ألف ألف - (أي مليون) - قال: علي خمسمائة ألف؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي، ج3، ص50).

 

قضاء التابعين لحوائج الناس:

سعيد بن العاص:

قال شبيب بن شيبة الخطيب رحمه الله: لما حضرت سعيد بن العاص رحمه الله الوفاة، قال لبنيه: يا بني، أيكم يقبل وصيتي؟ فقال ابنه الأكبر: أنا، قال سعيد: إن فيها قضاء ديني، قال: وما دينك يا أبت؟ قال: ثمانون ألف دينار، قال: يا أبتِ فيم أخذتها؟ قال: يا بني في كريم سددت خلته - (أي فقره) - ورجل جاءني في حاجة وقد رأيت السوء في وجهه من الحياء، فبدأت بحاجته قبل أن يسألها؛ (روضة العقلاء؛ لابن حبان، ص 247).

 

لقد كان التابعون يحرصون على قضاء حوائج الناس، وسوف نذكر صورًا مِن ذلك:

محمد بن علي بن أبي طالب:

قال محمد ابن الحنفية رحمه الله - (ابن علي بن أبي طالب رضي الله عنه) -: أيها الناس، اعلموا أن حوائج الناس إليكم نعم الله عز وجل إليكم، فلا تملوها فتتحول نقمًا، واعلموا أن أفضل المال ما أفاد ذخرًا، وأورث ذكرًا، وأوجب أجرًا، ولو رأيتم المعروف رجلًا لرأيتموه حسنًا جميلًا يَسُرُّ الناظرين، ويفوق العالمين؛ (شعب الإيمان؛ للبيهقي، ج10، ص 136، رقم 7284).

 

عبدالله بن جعفر:

قال الدراوردي رحمه الله: قيل لمعاوية بن عبدالله بن جعفر: ما بلغ من كرم عبدالله بن جعفر؟ قال: "كان ليس له مال دون الناس، هو والناس في ماله شركاء، مَن سأله شيئًا أعطاه، ومن استمنحه شيئًا منحه إياه، لا يرى أنه يفتقر فيقتصر، ولا يرى أنه يحتاج فيدخر"؛ (قضاء الحوائج؛ لابن أبي الدنيا، ص 60، رقم 59).

 

جعفر الصادق:

قال جعفر بن محمد الصادق رحمه الله: إن لله وجوهًا من خلقه، خلقهم لقضاء حوائج عباده، يرون الجود مجدًا، والإفضال مغنمًا، والله يحب مكارم الأخلاق؛ (ربيع الأبرار؛ جار الله الزمخشري، ج4، ص 357).

 

الفضيل بن عياض:

قال فيض بن إسحاق رحمه الله: كنتُ عند الفضيل بن عياض رحمه الله، فجاءه رجل، فسأله حاجةً، فأَلَحَّ بالسؤال عليه، فقلت له: لا تؤذ الشيخ، فقال لي الفضيل: اسكت يا فيض، أما علمت أن حوائج الناس إليكم نعمة من الله عليكم، فاحذروا أن تملوا النعم فتتحول، ألا تحمد ربك أن جعلك موضعًا تُسأل - (أي: يطلب الناس منك المساعدة) - ولم يجعلك موضعًا تَسأل؟! (أي: تطلب المساعدة من غيرك)؛ (لباب الألباب؛ أسامة بن منقذ، ج1، ص 317).

 

الحسن البصري:

1- قال عبيدالله بن الشميط رحمه الله: جاءت امرأة إلى الحسن البصري رحمه الله تشكو الحاجة، فقالتْ: إني جارتك، قال: "كم بيني وبينك؟"، قالت: سبع دُور، أو قالت: عشر، فنظر تحت الفراش، فإذا ستة دراهم أو سبعة، فأعطاها إياها، وقال: "كدنا نهلك"؛ (مكارم الأخلاق؛ لابن أبي الدنيا، ص83، رقم 334).

 

2- قال كلثوم بن جوشن رحمه الله: استعان رجل بالحسن البصري في حاجة، فخرج معه، فقال الرجل: إني استعنت بابن سيرين وفرقد، فقالا: حتى نشهد الجنازة، ثم نخرج معك، قال: أما إنهما لو مشيا معك لكان خيرًا؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، ج7، ص125).

 

3 - قال يونس بن عبيد رحمه الله: أخذ الحسن عطاءه، فجعل يقسمه - (أي: على الفقراء) - فذكر أهله حاجةً، فقال لهم: دونكم بقية العطاء، أما إنه لا خير فيه إلا أن يصنعَ به هذا؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، ج7، ص125).

 

4- قال مالك بن دينار رحمه الله: بعث الحسن البصري محمد بن نوح، وحميدًا الطويل في حاجة لأخٍ له، وقال: مروا بثابت البناني، فأشْخِصانه - (أي: فليذهب) - معكم، فأْتِيَا ثابتًا، فقال لهم ثابت: إني معتكف، فرجع حميد إلى الحسن، فأخبره بالذي قال ثابت، فقال له: ارجعْ إليه، فقل له: يا أعمش، أما تعلم أنَّ مشيك في حاجة أخيك المسلم خيرٌ لك مِن حجة بعد حجة، فقام وذهب معهم، وترك الاعتكاف؛ (البر والصلة؛ ابن الجوزي، ص 247).

 

ثابت البناني:

استعان رجل بثابت البناني رحمه الله على القاضي في حاجة، فجعل لا يمر بمسجد إلا نزل فصلى حتى انتهى إلى القاضي، فكلمه في حاجة الرجل فقضاها، فأقبل ثابت على الرجل، فقال: "لعله شقَّ عليك ما رأيت؟"، قال: نعم، قال: "ما صليت صلاةً إلا طلبت إلى الله تعالى في حاجتك"؛ (حلية الأولياء؛ أبو نعيم الأصبهاني، ج2، صـ 321).

 

عبدالرحمن الأوزاعي:

كان للإمام عبدالرحمن الأوزاعي رحمه الله نحو مِن سبعين ألف دينار، فلم يقتنِ منها شيئًا، ولا ترك يوم مات سوى سبعة دنانير، كان ينفقها في سبيل الله وفي الفقراء؛ (البداية والنهاية؛ لابن كثير، ج10، ص120).

 

عبدالله بن شبرمة:

قال أبو حفص الأبار: كان لي عند عبدالله بن شبرمة حاجة، فقضاها، فأتيته أشكره، فقال: على أي شيء تشكرني؟ قلت: قضيت لي حاجة، فقال: اذهب، إذا سألت صديقك حاجة يقدر على قضائها فلم يبذل نفسه وماله، فتوضأ للصلاة، وكبِّر عليه أربعًا، وعده في الموتى؛ (تاريخ دمشق؛ لابن عساكر، ج34، ص 307).

 

أبو حنيفة:

1- قال عبدالله بن رجاء الغداني البصري رحمه الله: كان لأبي حنيفة رحمه الله جار إسكاف - (صانع الأحذية) - يعمل نهاره أجمع، فإذا جنَّه الليل رجع إلى منزله وقد حمل لحمًا فطبخه، أو سمكةً فشواها، ثم لا يزال يشرب حتى إذا دبَّ الشراب فيه غزل بصوت يقول:

أضاعوني وأي فتًى أضاعوا ♦♦♦ ليومِ كريهةٍ وسدادِ ثغرِ

 

فلا يزال يشرب الخمر ويردد هذا البيت حتى يأخذه النوم، وكان أبو حنيفة يصلي الليل كله، ففقَد أبو حنيفة ليلةً صوته، فاستخبر عنه، فقيل: أخذه العسس وهو محبوس، فلما صلى أبو حنيفة الصبح من غده ركب بغلته، وجاء الأمير فاستأذن عليه، فأذِن له وألا ينزل حتى يطأ البِساط، فلم يزل الأمير يوسع له في مجلسه حتى أنزله مساويًا له؛ فقال: ما حاجتك؟ فقال: إسكاف أخذه الحرس ليأمر الأمير بتخليته، قال: نعم، وكل من أخذ معه تلك الليلة، فخلى جميعهم، فركب أبو حنيفة والإسكاف يمشي وراءه، ولما نزل مضى إليه، وقال: يا فتى أضعناك؟ قال: لا، بل حفظت ورعيت جزاك الله خيرًا عن حرمة الجار ورعاية الحق، وتاب الرجل، ولم يعد إلى ما كان فيه؛ (تاريخ بغداد؛ للخطيب البغدادي، ج15، ص 487).

 

2- قال قيس بن الربيع رحمه الله: كان أبو حنيفة يبعث بالبضائع إلى بغداد، فيشتري بها الأمتعة ويحملها إلى الكوفة، ويجمع الأرباح عنده من سنة إلى سنة، فيشتري بها حوائج الأشياخ المحدثين وأقواتهم وكسوتهم، وجميع حوائجهم، ثم يدفع باقي الدنانير من الأرباح إليهم، فيقول: أنفقوا في حوائجكم، ولا تحمدوا إلا الله، فإني ما أعطيتكم من مالي شيئًا، ولكن من فضل الله علي فيكم، وهذه أرباح بضائعكم، فإنه هو والله مما يجريه الله لكم على يدي، فما في رزق الله حول لغيره؛ (تاريخ بغداد، للخطيب البغدادي، ج13، ص362).

 

الليث بن سعد:

1 - قال يحيى بن بكير رحمه الله: احترقت دار عبدالله بن لهيعة رحمه الله، فبعث إليه الليث بن سعد رحمه الله بألف دينار؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم الأصبهاني، ج7، ص322).

• الدينار: يعادل أربعة جرامات ورُبُع من الذهب الخالص.

 

2- قال منصور بن عمار رحمه الله: لَما مرض عبدالله بن لهيعة رحمه الله مرضه الذي مات فيه، دخل عليه الليث بن سعد، فقال له: ما تشتكي؟ قال: الدَّين، قال: كم دَينك؟ قال: ألف دينار، فأتى فأعطاه إياه؛ (تاريخ دمشق؛ لابن عساكر، ج50، ص374).

 

3- قال حرملة رحمه الله: كان الليث بن سعد رحمه الله يصل - (أي يعطي) - مالكًا بمائة دينار في السنة، فكتب مالك بن أنس رحمه الله إليه: علي دَين، فبعث إليه بخمسمائة دينار؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي، ج8، ص 148).

 

عبدالله بن عثمان:

قال عبدالله بن عثمان رحمه الله - (شيخ البخاري) -: ما سألني أحد حاجةً إلا قمت له بنفسي، فإن تم وإلا قمت له بمالي، فإن تم وإلا استعنَّا له بالإخوان - (أي بأصدقائه) - فإن تم وإلا استعنت له بالسلطان (الحاكم)؛ (الآداب الشرعية؛ لابن مفلح الحنبلي، ج2، ص 180).

 

محمد بن إسماعيل البخاري:

قال محمد بن أبي حاتم رحمه الله: كان البخاري رحمه الله يتصدق بالكثير، يأخذ بيده صاحب الحاجة من أهل الحديث، فيناوله ما بين العشرين إلى الثلاثين، وأقل وأكثر، من غير أن يشعر بذلك أحد، وكان لا يفارقه كيسه، ورأيته ناول رجلًا مرارًا صرةً فيها ثلاثمائة درهم - وذلك أن الرجل أخبرني بعدد ما كان فيها من بعد - فأراد أن يدعو، فقال له أبو عبدالله: ارفق، واشتغل بحديث آخر؛ كيلا يعلم بذلك أحد؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي، ج12، ص450).

 

 

سفيان الثوري:

قال محمد بن يوسف الفريابي رحمه الله: صحبت سفيان الثوري رحمه الله من عسقلان - (مدينة في فلسطين) - إلى المدينة، فكان يخرج النفقة، ونخرج معه جميعًا، فيدفعها إلى رجل لينفق علينا، فكنا إذا وضعنا سفرتنا، لم يرد أحدًا من السؤال - (أي الذين يطلبون الصدقة) - إلا أعطاه، حتى لا يبقى شيء؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم الأصبهاني، ج7، ص25).

 

شعبة بن الحجاج:

1 - قال أبو داود الطيالسي رحمه الله: كنا عند شعبة بن الحجاج رحمه الله، فجاء سليمان بن المغيرة يبكي، وقال: مات حماري، وذهبت مني الجمعة، وذهبت حوائجي، قال: بكم أخذته؟ قال: بثلاثة دنانير، قال شعبة: فعندي ثلاثة دنانير، والله ما أملك غيرها، ثم دفعها إليه؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي، ج7، ص211).

 

2- قال أبو داود رحمه الله: كنا عند شعبة، نكتب ما يُملي، فسأل سائل، فقال شعبة: تصدقوا، فلم يتصدق أحد، فقال: تصدقوا؛ فإن أبا إسحاق حدثني عن عبدالله بن معقل، عن عدي بن حاتم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اتقوا النار ولو بشق تمرة))، قال: فلم يتصدق أحد، فقال: تصدقوا؛ فإن عمرو بن مرة حدثني عن خيثمة، عن عدي بن حاتم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اتقوا النار ولو بشق تمرة، فإن لم تجدوا، فبكلمة طيبة))، فلم يتصدق أحد، فقال: تصدقوا، فإن مُحِلًّا الضبي حدثني عن عدي بن حاتم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((واستتروا من النار ولو بشق تمرة، فإن لم تجدوا، فبكلمة طيبة))، فلم يتصدق أحد، فقال: قوموا عني، فوالله لا حدَّثتكم ثلاثة أشهر، ثم دخل منزله، فأخرج عجينًا، فأعطاه السائل، فقال: خذ هذا، فإنه طعامنا اليوم؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي، ج7، ص228).

 

عبدالله بن المبارك:

1- قال سلمة بن سليمان رحمه الله: جاء رجل إلى عبدالله بن المبارك رحمه الله، فسأله أن يقضي دينًا عليه، فكتب له إلى وكيل له، فلما ورد عليه الكتاب، قال له الوكيل: كم الدين الذي سألته قضاءه؟ قال: سبعمائة درهم، وإذا عبدالله قد كتب له أن يعطيه سبعة آلاف درهم، فراجعه الوكيل، وقال: إن الغلات (النقود) قد فنيت، فكتب إليه عبدالله: إن كانت الغلات قد فنيت، فإن العمر أيضًا قد فني، فأجر له ما سبق به قلمي؛ (تاريخ بغداد؛ للخطيب البغدادي، ج11، ص388).

 

2- قال محمد بن عيسى رحمه الله: كان عبدالله بن المبارك كثير الاختلاف - (الذهاب) - إلى طرسوس، وكان ينزل الرقة في خان - (فندق) - فكان شاب يختلف إليه، ويقوم بحوائجه، ويسمع منه الحديث، فقدم عبدالله مرةً، فلم يره، فخرج في النفير - (أي الجهاد في سبيل الله) - مستعجلًا، فلما رجع، سأل عن الشاب، فقال: محبوس على عشرة آلاف درهم، فاستدل على الغريم - (صاحب الدين) - ووزن له عشرة آلاف، وحلفه ألا يخبر أحدًا ما عاش، فأخرج الرجل، وسار ابن المبارك، فلحقه الفتى على مرحلتين من الرقة، فقال لي: يا فتى أين كنت؟ لم أرك! قال: يا أبا عبدالرحمن، كنت محبوسًا بدين، قال: وكيف خلصت؟ قال: جاء رجل فقضى ديني، ولم أدر، قال: فاحمد الله، ولم يعلم الرجل إلا بعد موت عبدالله بن المبارك؛ (تاريخ بغداد؛ للخطيب البغدادي، ج11، ص388).

 

3- خرج عبدالله بن المبارك رحمه الله مرةً إلى الحج، فاجتاز ببعض البلاد، فمات طائر معهم، فأمر بإلقائه على مزبلة، وسار أصحابه أمامه وتخلف هو وراءهم، فلما مر بالمزبلة إذا جارية قد خرجت من دار قريبة منها، فأخذت ذلك الطائر الميت، فكشف عن أمرها وفحص، حتى سألها، فقالت: أنا وأختي ها هنا، ليس لنا شيء، وقد حلَّت لنا الميتة، وكان أبونا له مال عظيم، فظُلِم وأُخِذ ماله وقُتِل، فأمر عبدالله بن المبارك برد الأحمال، وقال لوكيله: كم معك من النفقة؟ فقال: ألف دينار، فقال: عد منها عشرين دينارًا تكفينا إلى مرو، وأعطها الباقي، فهذا أفضل من حجنا في هذا العام، ثم رجع؛ (البداية والنهاية؛ لابن كثير، ج9، ص184).

 

أبو بكر بن عبدالرحمن:

قال هشام بن عبدالله بن عكرمة رحمه الله: جاء المطلب بن عبدالله بن حنطب المخزومي إلى أبي بكر بن عبدالرحمن بن الحارث يسأله في غرم - (دين) - ألَمَّ به، فلما جلس قال له أبو بكر: "قد أعانك الله على غرمك بعشرين ألفًا"، فقال له من كان معه: واللهِ ما تركت الرجل يسألك، فقال: "إذا سألني فقد أخذت منه أكثر مما أعطيته"؛ (قضاء الحوائج؛ لابن أبي الدنيا، ص 50، رقم 41).

 

مُؤَرِّق العجلي:

كان مُؤَرِّق العجلي رحمه الله يأتي بالصرة فيها الأربعمائة والخمسمائة، فيودعها إخوانه، ثم يلقاهم بعد، فيقول: انتفعوا بها، فهي لكم؛ (البر والصلة؛ لابن الجوزي، ص 248، رقم 445).

 

يحيى بن طلحة:

قال عبيدالله بن محمد بن حفص رحمه الله: قال أبي: جاء رجل إلى يحيى بن طلحة بن عبيدالله، فقال له: هبْ لي شيئًا، قال: يا غلام أعطه ما معك، فأعطاه عشرين ألفًا، فأخذها ليحملها، فثقلت عليه، فقعد يبكي، فقال: ما يبكيك لعلك استقللتها؟ فأزيدك؟ قال: لا والله ما استقللتها، ولكن بكيت على ما تأكل الأرض من كرمك، فقال له يحيى: هذا الذي قلت لنا أكثر مما أعطيناك؛ (روضة العقلاء؛ لابن حبان، ص 248).

 

عبدالله بن المقفع:

بلغ عبدالله بن المقفع رحمه الله أن جارًا له يبيع داره في دين ركبه، وكان يجلس في ظل دار هذا الجار، فقال: ما قمت إذًا بحرمة ظل داره إن باعها معدمًا - (محتاجًا) - فدفع إليه ثمن الدار، وقال: لا تبعها"؛ (إحياء علوم الدين؛ للغزالي، ج2، ص331).

 

عبدالله بن عامر بن كريز:

قال عبدالله بن محمد الفروي رحمه الله: اشترى عبدالله بن عامر بن كريز من خالد بن عقبة بن أبي معيط داره التي في السوق؛ ليفتح بها بابه على السوق بثمانين أو تسعين ألفًا، فلما كان من الليل سمع بكاءً، فقال لأهله: "ما لهؤلاء يبكون؟"، قالوا: على دارهم، قال: "يا غلام، ايتِهمْ وأعلِمهم أن الدار والمال لهم"؛ ( مكارم الأخلاق؛ لابن أبي الدنيا، ص86، رقم 351).

 

هارون الرقي:

قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: كان هارون الرقي رحمه الله قد عاهد الله ألا يسأله أحد كتاب شفاعة إلا فعل، فجاءه رجل فأخبره أن ابنه قد أُسِر بالروم، وسأله أن يكتب إلى ملك الروم في إطلاقه، فقال له: ويحك ومن أين يعرفني وإذا سأل عني قيل: هو مسلم، فكيف يقضي حقي؟ فقال له السائل: اذكر العهد مع الله تعالى، فكتب له إلى ملك الروم، فلما قرأ الكتاب، قال: من هذا الذي قد شفع إلينا؟ قيل: هذا رجل قد عاهد الله ألا يُسأل كتاب شفاعة إلا كتَبه إلى أي من كان، فقال ملك الروم: هذا حقيق بالإسعاف، أطلقوا أسيره، واكتبوا جواب كتابه، وقولوا له: اكتب بكل حاجة تعرض، فإنا نشفعك فيها؛ (الآداب الشرعية؛ لابن مفلح الحنبلي، ج2، ص181).

 

قصة رواها الامام يعقوب بن شيبة:

قال يعقوب بن شيبة رحمه الله: أظل عيد من الأعياد رجلًا وعنده مائة دينار، لا يملك سواها، فكتب إليه رجل من إخوانه يقول له: قد أظلنا هذا العيد ولا شيء عندنا ننفقه على الصبيان، ويطلب منه ما ينفقه، فجعل المائة دينار في الصرة وختمها وأرسلها إليه، فلم تلبث الصرة عند الرجل إلا يسيرًا، حتى وردت عليه رسالة أخ من إخوانه، فذكر له فيها ضيق حاجته في العيد، ويطلب منه المساعدة، فوجه بالصرة إليه بختمها وبقي الأول لا شيء عنده، فكتب إلى صديق له، وهو الثالث الذي صارت إليه الدنانير، يذكر حاجته، ويطلب منه ما ينفقه في العيد، فأرسل إليه الصرة بخاتمها، فلما عادت إليه صرته التي أرسلها بحالها، ركب إليه ومعه الصرة، وقال له: ما شأن هذا الصرة التي أرسلتها إلي؟ فقال له: إنه أظلنا العيد ولا شيء عندنا ننفقه على الصبيان، فكتبت إلى فلان أخينا أطلب منه ما ننفقه، فأرسل إلي هذه الصرة، فلما وردت رسالتك علي أرسلتها إليك، فقال له: قم بنا إليه، فركبا جميعًا إلى الثاني ومعهما الصرة، فتبادلوا الحديث، ثم فتحوا الصرة فاقتسموها بينهم؛ (تاريخ بغداد؛ للخطيب البغدادي، ج14، ص284،283).

قصة الامام أبو حامد الغزالي:

قال الإمام الغزالي رحمه لله: كان بعض السلف يتفقد عيال أخيه وأولاده بعد موته أربعين سنةً يقوم بحاجتهم يتردد كل يوم إليهم، ويمونهم من ماله، فكانوا لا يفقدون من أبيهم إلا عينه، بل كانوا يرون منهم ما لم يروا من أبيه في حياته، وكان أحدهم يتردد إلى باب دار أخيه يقوم بحاجته من حيث لا يعرفه أخوه، وبهذا تظهر الشفقة، والأخوة إذا لم تثمر الشفقة حتى يشفق على أخيه كما يشفق على نفسه، فلا خير فيها؛ (إحياء علوم الدين؛ للغزالي، ج2، ص175).

حتي   قضاء حوائج غير المسلمين:حض الله عليها :

قال الله تعالى: ﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ [الممتحنة: 8].

قال الإمام ابن جرير الطبري: لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين من جميع أصناف الملل والأديان أن تَبروهم وتصلوهم، وتقسطوا إليهم.

 

إن الله عز وجل عمَّ بقوله: ﴿ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ﴾ [الممتحنة: 8] جميعَ من كان ذلك صفته، فلم يخصص به بعضًا دون بعض؛ (تفسير ابن جرير الطبري، ج25، ص 611).

وقوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ [الممتحنة: 8] يقول: إن الله يحب المنصفين الذين ينصفون الناس، ويعطونهم الحق والعدل من أنفسهم، فيبرون مَن برَّهم، ويحسنون إلى من أحسن إليهم؛ (تفسير ابن جرير الطبري، ج25، ص 612).

الشريعة الإسلامية المباركة تحثنا على قضاء حوائج غير المسلمين المسالمين لنا، وسوف نذكر صورًا مِن ذلك:

1- قال عبدالله بن أبي حدرد: لما قدمنا مع عمر بن الخطاب الجابية - (مكان) - إذا هو بشيخ من أهل الذمة - (أي من غير المسلمين) - يَستطعم - (أي يطلب طعامًا من الناس) - فسأل عنه، فقلنا: يا أمير المؤمنين، هذا رجل من أهل الذمة كبر وضعف، فوضع عنه عمر الجزية التي في رقبته، وقال: كلفتموه الجزية حتى إذا ضعف تركتموه يَستطعم، فأجرى عليه من بيت المال عشرة آلاف دراهم، وكان له عيال؛ (تاريخ دمشق، لابن عساكر، ج27، ص334).

فائدة مهمة:

معنى أهل الذمة:

الذمة: هي العهد، والأمان، والضمان، والحرمة، والحق، وسُمِّي أهل الذمة بذلك لدخولهم في عهد المسلمين وأمانهم؛ (النهاية في غريب الحديث؛ لابن الأثير، ج2، ص 168).

 

2- كتب خالد بن الوليد رضي الله عنه عقد الذمة لأهل الحيرة بالعراق، زمن خلافة أبي بكر الصديق، فقال فيه: أيما شيخ ضعف عن العمل، أو أصابته آفة، أو كان غنيًّا، فافتقر وصار أهل دينه يتصدقون عليه، طُرحت جزيته، وعيل من بيت مال المسلمين وعياله ما أقام بدار الهجرة ودار الإسلام؛ (الخراج؛ لأبي يوسف، ص 144).

 

3 - كتب عمر بن عبدالعزيز رحمه الله إلى عدي بن أرطاة - (أمير البصرة) - انظر من عندك من أهل الذمة قد كبرت سنه، وضعفت قوته، وولَّت عنه المكاسب، فأجرِ عليه من بيت مال المسلمين ما يصلحه، فلو أن رجلًا من المسلمين كان له مملوك كبرت سنه وضعفت قوته، وولَّت عنه المكاسب، كان من الحق عليه أن يقوته حتى يفرق بينهما موت أو عتق، وذلك أنه بلغني أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب مر بشيخ من أهل الذمة يسأل على أبواب الناس، فقال: "ما أنصفناك، أن كنا أخذنا منك الجزية في شبيبتك، ثم ضيعناك في كبرك"، قال: ثم أجرى عليه من بيت المال ما يصلحه؛ (الأموال؛ لأبي عبيد القاسم بن سلام، ص50).

 

4- قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: خاطبت قازان - (ملك التتار) - في إطلاق الأسرى، فسمح بإطلاق الأسرى المسلمين، ثم قال قازان: معنا نصارى أخذناهم من القدس، فهؤلاء لا يطلقون، فقلت له: بل جميع من معك من اليهود والنصارى الذين هم أهل ذِمتنا، فإنا نفتكهم ولا ندع أسيرًا، لا من أهل الملة، ولا من أهل الذمة، وأطلقنا من النصارى من شاء الله، فهذا عملنا وإحساننا والجزاء على الله، وكذلك السبي الذي بأيدينا من النصارى، يعلم كل أحد إحساننا ورحمتنا ورأفتنا بهم، كما أوصانا خاتم المرسلين؛ حيث قال في آخر حياته: ((الصلاة وما ملكت أيمانكم))، قال الله تعالى في كتابه: ﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ﴾ [الإنسان: 8]؛ (مجموع فتاوى ابن تيمية، ج28، ص618،617).

 

ختامًا:

أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن يقدم  حكمة  وموعظة  نافعة - بينة لعباده المتقين  وأن يجعله ذخرًا لي عنده يوم القيامة، ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 88، 89]، وأسأله سبحانه أن ينفع به طلاب العلم.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ج1.صحيح مسلم مقدمة محمد فؤاد عبد الباقي ومقدمة الإمام مسلم رحمه الله

    مقدمة محمد فؤاد عبد الباقي     مقدمة الإمام مسلم رحمه الله كِتَابُ الْإِيمَانَ كِتَابِ الطَّهَارَةِ كِتَابُ الْحَيْضِ كِتَابُ الص...