السؤال
أحدهم قال لي إن إحسانه إلى شخص بأجر عبادة شيخ سنة كاملة، ويقصد بذلك أن تكون جيدا مع الناس يغنيك ويجعلك في غنى عن الحاجة إلى بقية أمور الدين كذكر الله والزهد.... إلى آخره، فما ردكم عليه؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن قضاء حوائج الناس والإحسان إليهم من أعظم أعمال البر، فقد فضل أهل العلم الأعمال ذات النفع المتعدي إلى الآخرين على النفع الخاص، وقد ثبت الترغيب في ذلك، كما في صحيح البخاري ومسلم وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة.
وفي صحيح مسلم ومسند أحمد وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.
وعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما: أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: أي الناس أحب إلى الله؟ وأي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله تعالى سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً، ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد ـ يعني مسجد المدينة ـ شهراً، ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظه ـ ولو شاء أن يمضيه أمضاه ـ ملأ الله قلبه رجاء يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجة ـ حتى يثبتها له ـ أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام. رواه ابن أبي الدنيا في كتاب: قضاء الحوائج، والطبراني وغيرهما، وحسنه الألباني.
فهذا الحديث الأخير يفيد فضل السعي في حوائج المسلمين على الاعتكاف مدة شهر، وقد أورد المنذري في الترغيب والترهيب حديث ابن عباس مرفوعا: من مشى في حاجة أخيه كان خيرا له من اعتكاف عشر سنين ـ وقال: رواه الطبراني في الأوسط. اهـ.
ولكنه ضعفه العراقي في تخريج الإحياء، والفتني في تذكرة الموضوعات، والألباني في السلسلة الضعيفة.
ومن هذا يعلم تضعيف الحديث المفضل للإحسان على عبادة سنة، ولكن ذلك لا يعني التزهيد في الإحسان إلى الناس فقد ثبت الحض عليه فيما قدمنا سابقا، كما أنه لا يغني الإحسان عن العبادات المفروضة كالصلوات الخمس وما أشبهها، وإنما ينبغي الجمع بين الطاعات والأوامر والحرص على جميع أفعال الخير.== والله أعلم.
فضل قضاء حوائج الناس
الحمد لله الذي نزَّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرًا، الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولدًا ولم يكن له شريك في الملك، وخلَق كل شيء فقدره تقديرًا، والصلاة والسلام على نبينا محمد الذي أرسله ربه شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه، وسراجًا منيرًا.
أما بعدُ:
فإن قضاء حوائج الناس له فضل عظيم، وهو من الأعمال الصالحة التي يتقرب بها المسلم إلى الله تعالى؛ ليرفع رصيده من الحسنات، وينال مرضاة الله تعالى في الدنيا والآخرة--
إن قضاء حوائج الناس ينشر المحبة بين أفراد المجتمع، ويؤلف بين قلوب الناس، ومن أجل ذلك أحببت أن أُذكر نفسي وطلاب العلم الكرام بفضل إعانة الناس على قضاء حوائجهم.
♦ ♦ ♦ ♦
قضاء حوائج الناس وصية رب العالمين:
قال جل شأنه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الحج: 77].
قوله: (وافعلوا الخير)، قال عبدالله بن عباس: بصلة الرحم ومكارم الأخلاق.
قوله: (لعلكم تفلحون)؛ أي: لكي تسعدوا وتفوزوا بالجنة؛ (تفسير البغوي، ج5، ص 401).
إن قضاء حوائج الناس المشروعة من أفضل وسائل فعل الخير.
قضاء حوائج الناس سبيل الحسنات:
حثَّنا الله تعالى على السعي في قضاء حوائج الناس؛ لأن ذلك من وسائل التقرب إلى الله تعالى والحصول على الحسنات.
1- قال الله تعالى: ﴿ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [المزمل: 20].
• قال الإمام الطبري رحمه الله: ما تقدموا أيها المؤمنون لأنفسكم في دار الدنيا من صدقة أو نفقة تنفقونها في سبيل الله، أو غير ذلك من نفقة في وجوه الخير، أو عمل بطاعة الله من صلاة أو صيام أو حج، أو غير ذلك من أعمال الخير في طلب ما عند الله - تَجدوه عند الله يوم القيامة في معادكم هو خيرًا لكم مما قدمتم في الدنيا، وأعظم منه ثوابًا؛ أي: ثوابه أعظم من ذلك الذي قدمتموه لو لم تكونوا قدَّمتموه؛ (تفسير الطبري، ج23، ص 398، 399).
2- قال سبحانه: ﴿ مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا ﴾ [النساء: 85].
• قال الإمام ابن كثير رحمه الله: من سعى في أمر فترتب عليه خير، كان له نصيب من ذلك.
قوله: (مقيتًا)، قال عبدالله بن عباس: أي: حفيظًا؛ (تفسير ابن كثير، ج4، ص281).
1- روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله عز وجل يقول يوم القيامة: يا ابن آدم، مرِضتُ فلم تعدني - (تَزُرْني) - قال: يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلانًا مرِض فلم تعده، أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده؟ يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني، قال: يا رب وكيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان، فلم تطعمه؟ أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي، يا ابن آدم استسقيتك، فلم تسقني، قال: يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟ قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه، أما إنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي))؛ (مسلم، حديث رقْم 2569).
قوله: (يا ابن آدم مرضت فلم تعدني): أراد به مرض عبده، وإنما أضاف إلى نفسه تشريفًا لذلك العبد، فنزَّله منزلة ذاته سبحانه.
قوله: (كيف أعودك)؛ أي: المرض إنما يكون للمريض العاجز، وأنت القاهر القوي المالك لكل شيء.
قوله: (استطعمتك)؛ أي: طلبتُ منك الطعام.
قوله: (كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟!)؛ أي: كيف أطعمك وأنت تطعم جميع الخلائق، وأنت غني قوي على الإطلاق، وإنما العاجز يحتاج إلى الطعام والشراب والإنفاق.
قوله: (لوجدت ذلك عندي)؛ أي: لوجدت ثواب ذلك العمل الصالح عندي؛ فالله تعالى لا يُضيع أجر المحسنين.
قوله: (استسقيتك)؛ أي: طلبت منك الماء؛ (مرقاة المفاتيح؛ لعلي الهروي، ج 3، ص1123).
2- روى الشيخان عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاءه السائل أو طُلبت إليه حاجة، قال: ((اشفعوا تؤجروا، ويقضي الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ما شاء))؛ (البخاري، حديث رقم 1432، ومسلم، حديث رقم 2627).
معنى الشفاعة:
الشفاعة: التوسط للغير بجلب منفعة مشروعة له، أو دفع مضرة عنه؛ (العقيدة الصافية؛ للسيد عبدالغني، ص184).
• قال الطيبي رحمه الله: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا عرض المحتاج حاجته عليّ، فاشفعوا له إليّ؛ فإنكم إن شفعتم حصَل لكم الأجر؛ سواء قبِلت شفاعتكم أم لا، ويجري الله على لسان نبيه ما شاء من موجبات قضاء الحاجة أو عدمها، فإن قضيتها أو لم أقضِها، فهو بتقدير الله تعالى وقضائه))؛ (فتح الباري؛ لابن حجر العسقلاني، ج10، ص 451).
3- روى الشيخان عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((كل معروف صدقة))؛ (البخاري، حديث رقم 6021، ومسلم، حديث رقم 1005).
قوله: (كل معروف)؛ أي: ما عُرِف من جملة الخيرات من عطية مال أو خلق حسنٍ، أو ما عُرِف فيه رضا الله من الأقوال والأفعال.
قوله: (صدقة)؛ أي: ثوابه كثواب الصدقة؛ (مرقاة المفاتيح؛ لعلي الهروي، ج 4، ص1336).
اصطفاء الله للذين يقضون حوائج الناس:
روى الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن لله عبادًا اختصَّهم بالنعم لمنافع العباد، يُقرهم فيها ما بذلوها، فإذا منَعوها نزعها منهم، فحوَّلها إلى غيرهم))؛ حديث حسن؛ (صحيح الجامع للألباني، حديث رقم 2164).
قوله: (لمنافع العباد)؛ أي: لأجل منافع الناس.
قوله: (يقرهم فيها ما بذلوها)؛ أي: مدة دوام إعطائهم منها للمستحق.
قوله: (نزعها منهم)؛ أي: نزَع منهم النعمة لمنعهم الإعطاء للمستحِق.
قوله: (فحوَّلها إلى غيرهم)؛ أي: حوَّل الله تعالى النعم إلى غيرهم؛ ليقوموا بها كما يجب؛ (فيض القدير؛ لعبدالرؤوف المناوي، ج2، ص 478).
• قال الإمام عبدالرؤوف المناوي رحمه الله: العاقل الحازم مَن يستديم النعمة، ويداوم على الشكر والإفضال منها على عباد الله تعالى، واكتساب ما يفوز به في الآخرة؛ قال سبحانه: ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ﴾ [القصص: 77]؛ (فيض القدير؛ لعبدالرؤوف المناوي، ج2، ص 478).
الله تعالى يحب الذين يقضون حوائج الناس:
روى ابن أبي الدنيا والطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس))؛ حديث حسن؛ (صحيح الجامع للألباني، حديث رقم 176).
المؤمنون الذين يقضون الحوائج مفاتيح الخير:
روى ابن ماجه عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن من الناس مفاتيح للخير، مغاليق للشر، وإن من الناس مفاتيح للشر مغاليق للخير، فطُوبَى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه، وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه))؛ حديث حسن؛ (صحيح ابن ماجه للألباني، حديث رقم 194).
قوله: (إن من الناس مفاتيح للخير)؛ أي: إن الله تعالى أجرى على أيديهم فتح أبواب الخير؛ كالعلم والصلاح على الناس، حتى كأنه ملَّكهم مفاتيح الخير ووضعها في أيديهم؛ (حاشية السندي على سنن ابن ماجه، ص 104).
أفضل المؤمنين الذين يقضون حوائج الناس:
روى الطبراني عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المؤمن يَألف ويُؤلف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف، وخيرُ الناس أنفعهم للناس))؛ حديث حسن؛ (صحيح الجامع للألباني، حديث رقم 6662).
قوله: (ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف): لأن التآلف سبب الاعتصام بالله وبحبله، وبه يحصل الاجتماع بين المسلمين، وبضده يحصل التفرقة بهم؛ (مرقاة المفاتيح؛ لعلي الهروي، ج 8، ص 3129).
قوله: (أنفعهم للناس): أي: بالإحسان إليهم بماله وجاهه وعلمه؛ لأن الخلق كلهم عيالُ الله، وأحبهم إليه أنفعهم لعياله؛ (التيسير بشرح الجامع الصغير؛ لعبدالرؤوف المناوي، ج1، ص 528).
الله في عون الذين يقضون حوائج الناس:
1- روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن نفَّس عن مؤمن كربةً من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة، ومن يسَّر على معسر، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا، ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه))؛ (مسلم، حديث رقم 2699).
قوله: (والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه): فيه تنبيه على فضيلة عون الأخ على أموره، وإشارة إلى أن المكافأة عليها بجنسها من العناية الإلهية؛ سواء كان بقلبه أو بدنه، أو بهما لدفع المضار، أو جذب المنافع؛ إذ الكل عون؛ (مرقاة المفاتيح؛ لعلي الهروي، ج7، ص 3104).
3- روى الشيخان عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((المسلم أخو المسلم، لا يَظلمه ولا يُسلمه، ومَن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته))؛ (البخاري، حديث رقم 2442، ومسلم، حديث رقم 2580).
قوله: (ولا يسلمه)؛ أي: لا يَخذله، ولا يتركه مع مَن يؤذيه، ولا فيما يؤذيه، بل ينصره ويدفع عنه؛ (فتح الباري؛ لابن حجر العسقلاني، ج5، ص 97).
قوله: (كان في حاجة أخيه)؛ أي: سعى في قضاء حاجة أخيه.
قوله: (كان الله في حاجته)؛ أي: أعانه الله تعالى وسهَّل له قضاء حاجته؛ (فتح الباري؛ لابن حجر العسقلاني، ج5، ص 97).
قضاء حوائج الناس من أبواب التعاون على الخير:
يعتبر التعاون على الخير بين أفرد المجتمع ضرورة إنسانية واجتماعية، لا يستطيع الناس الاستغناء عنها؛ قال سبحانه:﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [المائدة: 2].
قال الإمام ابن كثير رحمه الله: يأمر تعالى عباده المؤمنين بالمعاونة على فِعل الخيرات وهو البر، وترك المنكرات وهو التقوى، وينهاهم عن التناصر على الباطل، والتعاون على المآثم والمحارم؛ (تفسير ابن كثير، ج5، ص18).
• روى مسلم عن أبي سعيد الخدري، قال: بينما نحن في سفر مع النبي صلى الله عليه وسلم، إذ جاء رجل على راحلة له، قال: فجعل يَصرِف بصرَه يمينًا وشمالًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن كان معه فضلُ ظهرٍ، فليَعُد به على مَن لا ظهر - (أي دابة) - له، ومن كان له فضل من زاد، فليَعُد به على مَن لا زاد له))؛ (مسلم، حديث رقم 1728).
قوله: (يصرف بصره يمينًا وشمالًا)؛ أي: متعرضًا لشيء يدفع به حاجته.
قوله: (من كان معه فضل ظهر)؛ أي: زيادة ما يركب على ظهره من الدواب.
قال الإمام النووي رحمه الله: في هذا الحديث الحث على الصدقة والجود والمواساة، والإحسان إلى الرفقة والأصحاب، والاعتناء بمصالح الأصحاب؛ (مسلم بشرح النووي، ج6، ص275).
قضاء حوائج الناس من وسائل وَحدة المجتمع:
روى الشيخان عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا، وشبك بين أصابعه))؛ (البخاري، حديث رقم 2446، ومسلم حديث رقم 2585).
قوله: (كالبنيان)؛ أي: البيت المبني.
قوله: (يشد بعضه)؛ أي: بعض البنيان يقوِّي بعضه.
• قال الإمام علي الهروي رحمه الله: هذا الحديث معناه أن المؤمن لا يتقوى في أمر دينه أو دنياه إلا بمعونة أخيه، كما أن بعض البناء يقوِّي بعضه؛ (مرقاة المفاتيح؛ لعلي الهروي، ج7، ص 3102).
قضاء حوائج الناس سبيل المحبة بين المسلمين:
روى مسلم عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد - (أي دعا بعضه بعضًا إلى المشاركة في ذلك) - بالسهر والحمى))؛ (مسلم، حديث رقم 2586).
• قال الإمام النووي رحمه الله: هذا الحديث صريح في تعظيم حقوق المسلمين بعضهم على بعض، وحثهم على التراحم والملاطفة والتعاضد في غير إثمٍ ولا مكروه؛ (مسلم بشرح النووي، ج8، ص385).
قضاء حوائج الناس أمان للمسلم يوم القيامة:
1- روى ابن أبي الدنيا والطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أحب الأعمال إلى الله سرور تُدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربةً، أو تقضي عنه دينًا، أو تطرد عنه جوعًا، ولأن أمشي مع أخ لي في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد - (يعني مسجد المدينة) - شهرًا، ومن كف غضبه، ستر الله عورته، ومن كظم غيظه، ولو شاء أن يمضيه أمضاه، ملأ الله عز وجل قلبه أمنًا يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى أثبتها له، أثبت الله عز وجل قدمه على الصراط يوم تزل فيه الأقدام، وإن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخلُّ العسل))؛ حديث حسن؛ (صحيح الجامع للألباني، حديث رقم 176).
في هذا الحديث أشار نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى فضل الذين يقضون حوائج الناس، ويعم نفعهم لغيرهم بأنهم آمنون من عذاب الله تعالى يوم القيامة، ولا سيما أنهم حققوا صفة الإيمان الحق، فالذي يسعى مخلصًا لله تعالى في قضاء حاجة أخيه، قد أحب لغيره ما يحب لنفسه، وهكذا يتحقق الإيمان.
• روى الشيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يؤمن أحدكم، حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه))؛ (البخاري، حديث رقم 13، ومسلم، حديث رقم 45).
قوله: (لا يؤمن)؛ أي: إيمانًا كاملًا.
2- روى مسلم عن أبي اليسر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أنظَر معسرًا أو وضع عنه، أظلَّه الله في ظله))؛ (مسلم، حديث رقم 3006).
قوله: (من أنظر معسرًا)؛ أي: أمهل مديونًا فقيرًا.
قوله: (وضع عنه)؛ أي: قليلًا أو كثيرًا من الدَّين.
قوله: (أظله الله في ظله)؛ أي: أوقفه الله تعالى في ظل عرشه؛ (مرقاة المفاتيح؛ لعلي الهروي، ج5، ص1954).
التحذير من عدم قضاء حوائج الناس مع الاستطاعة:
روى الترمذي عن عمرو بن مرة الجهني رضي الله عنه أنه قال لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من إمام يغلق بابه دون ذوي الحاجة والخَلَّة والمسكنة، إلا أغلق الله أبواب السماء دون خَلَّته وحاجته ومسكنته))، فجعل معاوية رجلًا على حوائج الناس؛ حديث صحيح؛ (صحيح الترمذي للألباني، حديث رقم 1071).
قوله: (يغلق بابه دون ذوي الحاجة)؛ أي: يحتجب ويمتنع من الخروج عند احتياجهم إليه.
قوله: (الخَلة)؛ أي: الفقر.
قوله: (إلا أغلق الله أبواب السماء دون خلته وحاجته ومسكنته)؛ أي: أبعَده ومنعه عما يبتغيه من الأمور الدينية أو الدنيوية، فلا يجد سبيلًا إلى حاجة من حاجاته الضرورية؛ (تحفة الأحوذي؛ للمباركفوري، ج4، ص 468).
أقوال السلف في قضاء حوائج الناس:
سوف نذكر بعض أقوال سلفنا الصالح في قضاء حوائج الناس:
1- قال حكيم بن حزام رضي الله عنه: "ما أصبحت وليس ببابي صاحب حاجة، إلا علمت أنها من المصائب التي أسأل الله الأجرَ عليها"؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي، ج3، ص 51).
2- قال عطاء بن أبي رباح رحمه الله: "تفقَّدوا إخوانكم بعد ثلاث، فإن كانوا مرضى فعودوهم، أو مشاغيل فأعينوهم، أو كانوا نسوا فذكِّروهم"؛ (إحياء علوم الدين؛ للغزالي، ج2، ص175).
3- جاء رجل إلى الحسن بن سهل رحمه الله يستشفع به في حاجة فقضاها، فأقبل الرجل يشكره، فقال له الحسن بن سهل: "علامَ تشكرنا ونحن نرى أن للجاه زكاةً كما أن للمال زكاةً؟!"؛ (الآداب الشرعية؛ لابن مفلح الحنبلي، ج2، ص 176).
4- قال الحسن البصري رحمه الله: "لأن أقضي لأخ لي حاجةً أحب إليّ من أن أعتكف شهرين"؛ (قضاء الحوائج؛ لابن أبي الدنيا، ص 48، رقم 38).
5- قال عبيدالله بن العباس رحمه الله لابن أخيه: "إن أفضل العطية ما أعطيت الرجل قبل المسألة، فإذا سألك فإنما تعطيه ثمن وجهه حين بذَله إليك"؛ (قضاء الحوائج؛ لابن أبي الدنيا، ص 49، رقم 39).
6- قال عبدالله بن جعفر رحمه الله: "ليس الجوَاد الذي يعطيك بعد المسألة، ولكن الجواد الذي يبتدئ؛ لأن ما يبذله إليك من وجهه أشدُّ عليه مما يُعطى عليه"؛ (قضاء الحوائج؛ لابن أبي الدنيا، ص 50، رقم 42).
7- قال طاوس بن كيسان رحمه الله: "إذا أنعم الله على عبد نعمةً، ثم جعل إليه حوائج الناس؛ فإن احتمل وصبَر، وإلا عرض تلك النعمة للزوال"؛ (قضاء الحوائج؛ لابن أبي الدنيا، ص 56، رقم 50).
8- قال مطرف بن عبدالله بن الشِّخير رحمه الله لصاحب له: "إذا كانت لك إلي حاجة، فلا تكلمني فيها، ولكن اكتبها في رقعة، ثم ارفعها إلي، فإني أكره أن أرى في وجهك ذلَّ المسألة"؛ (القناعة والتعفف؛ لابن أبي الدنيا، ص 31).
9- قال أسماء بن خارجة رحمه الله: ما شتمتُ أحدًا قط، ولا رددتُ سائلًا قط؛ لأنه إنما كان يسألني أحد رجلين: إما كريم أصابته خصاصة وحاجة، فأنا أحق مَن سدَّ مِن خَلَّته، وأعانه على حاجته، وإما لئيم أَفدي عرضي منه، وإنما يشتمني أحد رجلين: إما كريم كانت منه زلة أو هفوة، فأنا أحق مَن غفَرها، وأخَذ بالفضل عليه فيها، وإما لئيم فلم أكن لأجعل عرضي إليه"؛ (قضاء الحوائج؛ لابن أبي الدنيا، ص 61، رقم 61).
10- قال محمد بن واسع رحمه الله: "ما رددت أحدًا عن حاجة أقدر على قضائها، ولو كان فيها ذَهاب مالي"؛ (قضاء الحوائج؛ لابن أبي الدنيا، ص 64، رقم 67).
11- قال محمد بن النضر الحارثي رحمه الله: أول المُروءة طلاقة الوجه، والثاني التودد إلى الناس، والثالث قضاء الحوائج، ومن فاته حسب نفسه، لم ينفعه حسب أبيه (يريد الدين)"؛ (المجالسة وجواهر العلم؛ لأبي بكر الدينوري، ج3، ص189، رقم 828).
12- قال محمد بن المنكدر رحمه الله: "لم يبق من لذة الدنيا إلا قضاء حوائج الإخوان"؛ (آداب الصحبة؛ لأبي عبدالرحمن السلمي، ص 102، رقم 150).
13- قال عثمان بن واقد العمري رحمه الله: "قيل لمحمد بن المنكدر: أي الدنيا أعجب إليك؟ قال: إدخال السرور على المؤمن"؛ (قضاء الحوائج؛ لابن أبي الدنيا، ص 44، رقم 33).
14- قال علي بن الحسن بن شقيق رحمه الله: سمعت عبدالله بن المبارك رحمه الله، وسأله رجل: يا أبا عبدالرحمن، قرحة خرجت في رُكبَتي منذ سبع سنين، وقد عالجت بأنواع العلاج، وسألت الأطباء فلم أنتفع به، قال: اذهب فانظر موضعًا يحتاج الناس إلى الماء فاحفر هناك بئرًا، فإني أرجو أن تنبع هناك عين، ويمسك عنك الدم، ففعل الرجل فبَرِئ؛ (أي: شفاه الله تعالى)؛ (شعب الإيمان؛ للبيهقي، ج5، ص69، رقم 3109).
قضاء حوائج الناس في واحة الشعراء:
1- قال أبو العتاهية رحمه الله:
اقْضِ الحوائجَ ما استطعْ
تَ وكنْ لِهَمِّ أخيك فارِجْ
فلَخيرُ أيام الفتى
يومٌ قضى فيه الحوائجْ
(الآداب الشرعية؛ لابن مفلح الحنبلي، ج2، ص178).
2- قال الحسن بن سهل رحمه الله:
فُرِضت عليّ زكاةُ ما ملَكت يدي
وزكاةُ جاهي أن أُعين وأَشفعا
فإذا ملَكتَ فجُدْ فإن لم تَسْتطعْ
فاجهَدْ بوسعِك كلِّه أن تَنفعا
(الآداب الشرعية؛ لابن مفلح الحنبلي، ج2، ص 176).
3- قال الشاعر:
لا تَقطعنَّ يدَ الإحسان عن أحدٍ
ما دمتَ تَقدِر والأيام تاراتُ
فاشكُر فضيلةَ صُنع الله إذ جعَلت
إليك لا لكَ عنْد الناس حاجاتُ
(روض الأخيار؛ محمد بن قاسم الأماسي، ص 355).
4-قال الشاعر:
قل لي بربِّك ماذا ينفعُ المالُ
إنْ لم يُزَيِّنْه إحْسانٌ وإفْضالُ
المالُ كالماءِ إن تَحْبِسْ سواقيَه
يَأْسُنْ وإنْ يَجْرِ يَعْذُبْ منْه سلسالُ
تَحيا على الماء أغراسُ الرياض كما
تَحيا على المال أرواحٌ وآمالُ
إن الثراءَ إذا حِيلتْ مواردُه
دونَ الفقير فخيرٌ منه إقلالُ
الله أعطاكَ فابْذُلْ مِن عطيَّته
فالمالُ عاريةٌ والعمرُ رحَّالُ
(موارد الظمآن لدروس الزمان؛ لعبدالعزيز السلمان، ج2، ص186).
نبينا صلى الله عليه وسلم هو القدوة في قضاء حوائج الناس:
نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هو المثل الأعلى، والقدوة الحسنة لكل مسلم يريد أن يصل إلى كمال الأخلاق.
قال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21].
قال الإمام ابن كثير رحمه الله: هذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله؛ (تفسير ابن كثير، ج6، ص 391).
روى البخاري عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أطعموا الجائع، وعودوا المريض، وفكوا العاني))؛ (أي: الأسير)؛ (البخاري، حديث رقم 5649).
قوله: (أطعموا الجائع)؛ أي: قدِّموا له من الطعام ما يشبعه، ويُذهب عنه الجوع؛ لأن الإسلام دين الرحمة والتعاطف، ومن أهم ما يقتضيه ذلك إطعام الفقير الجائع.
قوله: (وعودوا المريض)؛ أي: قوموا بزيارة المريض.
قوله: (وفكوا العاني)؛ أي: خلِّصوا الأسير من يد الأعداء، وكذلك المحبوس ظلمًا؛ (منار القاري؛ حمزة قاسم، ج5، ص 197، 198).
سوف نذكر صورًا من حرص نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على قضاء حوائج الناس:
1- روى الشيخان عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، قالت: قالت خديجة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم: ((والله ما يُخزيك الله أبدًا؛ إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم (الفقير)، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق))؛ (البخاري، حديث رقم 3، ومسلم، حديث رقم 160).
• (لتصل الرحم)؛ أي: تُحسن إلى الأقارب وتواسيهم.
• (وتحمل الكل)؛ أي: تساعد الضعيف واليتيم وغيرهما.
• (وتكسب المعدوم)؛ أي: تعطي المال تبرعًا للمحتاج.
• (وتقري الضيف)؛ أي: تقدم الطعام والشراب للضيف.
• (نوائب الحق)؛ أي: الحوادث الجارية على الخلق بتقدير الله تعالى.
2- روى البخاري عن أنس بن مالك، قال: "كانت الأَمَة - (الجارية المملوكة) - من إماء أهل المدينة، لتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتنطلق به حيث شاءت"؛ (البخاري، حديث رقم 6072).
قوله: (فتنطلق به حيث شاءت)؛ أي: يذهب النبي صلى الله عليه وسلم مع الجارية إلى حيث شاءت من الأمكنة، ولو كانت حاجة الجارية خارج المدينة، والتمست منه صلى الله عليه وسلم مساعدتها في قضاء تلك الحاجة، لساعدها النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، وهذا الحديث دليل على مزيد تواضعه وبراءته صلى الله عليه وسلم من جميع أنواع الكبر؛ (فتح الباري؛ لابن حجر العسقلاني، ج10، ص 490).
3- روى مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن امرأةً كان في عقلها شيء - (أي من الخفة) - فقالت: يا رسول الله، إن لي إليك حاجةً، فقال: ((يا أم فلان، انظري أي السكك شئتِ، حتى أقضي لك حاجتك))، فخلا معها في بعض الطرق، حتى فرغت من حاجتها؛ (مسلم، حديث رقم 2326).
قال الإمام النووي رحمه الله: هذا الحديث فيه دليل على صبره صلى الله عليه وسلم على المشقة في نفسه لمصلحة المسلمين، وإجابته من سأله حاجةً؛ (مسلم بشرح النووي، ج15، ص 82).
4- روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن زوج بريرة كان عبدًا يقال له: مغيث، كأني أنظر إليه يطوف خلفها يبكي ودموعه تسيل على لحيته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعباس: ((يا عباس، ألا تعجب من حب مغيث بريرة، ومن بغض بريرة مغيثًا))، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لو راجعتِه)) - (أي: رجعتِ إليه) - قالت: يا رسول الله، تأمرني؟ قال: ((إنما أنا أشفع)) - (أي: أتوسط) - قالت: لا حاجة لي فيه؛ (البخاري، حديث رقم 5283).
• قوله: (إنما أنا أشفع)؛ أي: أقول ذلك على سبيل الشفاعة له، لا على سبيل الحتم عليك؛ (فتح الباري؛ لابن حجر العسقلاني، ج9، ص 409).
5- روى الشيخان عن كعب رضي الله عنه أنه تقاضى ابن أبي حَدْرَد دَينًا كان له عليه في المسجد، فارتفعت أصواتهما حتى سمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيته، فخرج إليهما حتى كشف سِجف حجرته، فنادى: ((يا كعب))، قال: لبيك يا رسول الله، قال: ((ضع من دينك هذا، فأومأ - (أشار) - إليه أي الشطر - (النصف) - قال: لقد فعلت يا رسول الله، قال: ((قُمْ فاقْضِه))؛ (البخاري، حديث رقم 2710، ومسلم، حديث رقم 1558).
قوله: (تقاضى دينًا كان له عليه)؛ أي: طلب كعب قضاء الدَّين الذي كان له على ابن أبي حَدْرَد.
قوله: (سِجف حجرته)؛ أي: سترتها.
قوله: (لقد فعلت)؛ أي: امتثلت أمرك يا رسول الله.
قوله: (قم فاقضِه)؛ أي: أعطِه النصف الثاني من الدَّين.
• قال الطيبي رحمه الله: في الحديث جواز المطالبة بالدين في المسجد والشفاعة إلى صاحب الحق، والإصلاح بين الخصوم، وحسن التوسط بينهم، وقبول الشفاعة في غير معصية، وجواز الاعتماد على الإشارة، وإقامتها مقام القول؛ (مرقاة المفاتيح؛ لعلي الهروي، ج 5، ص1956).
6- روى البخاري عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن أهل قباء اقتتلوا حتى تراموا بالحجارة، فأُخبِر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال: ((اذهبوا بنا نُصلح بينهم))؛ (البخاري، حديث رقم 2693).
قوله: (اقتتلوا)؛ أي: وقعت بينهم خصومة شديدة أدَّت إلى الاشتباك بالأيدي والضرب بالحجارة، حتى وصلت أخبارهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة؛ (منار القاري شرح مختصر البخاري؛ حمزة قاسم، ج4، ص 53).
قال الإمام أحمد بن محمد القسطلاني رحمه الله: في الحديث دليل على خروج الإمام في أصحابه للإصلاح بين الناس عند شدة تنازعهم؛ (إرشاد الساري؛ للقسطلاني، ج4، ص 419).
يعتبر الإصلاح بين المتخاصمين من أفضل وسائل قضاء حوائج الناس؛ لأنه يترتب عليه التأليف بين قلوب الناس، وإخماد نار الفتنة.
7- روى البخاري عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أن أباه توفِّي وترك عليه ثلاثين وسقًا - (نوع من الأوزان) - لرجل من اليهود، فاستنظره جابر - (طلب منه التأخير) - فأبى - (رفض) - أن يُنظره - (أي يؤخره) - فكلَّم جابر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشفع له إليه، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلَّم اليهودي ليأخذ ثمر نخله بالذي له، فأبى فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم النخل، فمشى فيها، ثم قال لجابر: ((جُدَّ له، فأوفِ له الذي له))، فجَدَّه بعدما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأوفاه ثلاثين وسقًا، وفضلت له سبعة عشر وسقًا، فجاء جابر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليُخبره بالذي كان، فوجَده يصلي العصر، فلما انصرف أخبَره بالفضل - (الزيادة في التمر) - فقال: ((أخبِر ذلك ابن الخطاب))، فذهب جابر إلى عمر فأخبَره، فقال له عمر: لقد علِمتُ حين مشى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليُبارَكَنَّ فيها؛ (البخاري، حديث رقم 2396).
قوله: (ليأخذ ثمر نخله بالذي له)؛ أي: ليأخذ كل الثمر في مقابلة الدَّين مصالحةً.
قوله (جُدَّ له)؛ أي: اقطع له الثمر.
قال الإمام ابن حجر العسقلاني رحمه الله: في الحديث من الفوائد: جواز الاستنظار في الدين الحالِّ، وجواز تأخير الغريم لمصلحة المال الذي يُوفَّى منه، وفيه مشي الإمام في حوائج رعيته وشفاعته عند بعضهم في بعض؛ (فتح الباري؛ لابن حجر العسقلاني، ج5، ص595).
أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن يجعله ذخرًا لي عنده يوم القيامة: ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 88، 89]، وأسأله سبحانه أن ينفعَ به طلاب العلم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
===
قضاء حوائج الناس والسعي في مصالحهم
قال ابن شبرمة رحمه الله: "إذا طلبت من أخيك حاجة فلم يُجهد نفسه في قضائها فتوضأ وضوؤك للصلاة وكبّر عليه أربع تكبيرات وعدّه في الموتى!!".
ألا ما أكثر الموتى في نظر ابن شبرمه!! إنهم موتى القلوب لا موتى الأبدان.
قال الحسن: لأن أقضي لمسلم حاجة أحبّ إلىّ من أن أصلى ألف ركعة!! لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " مثل المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تدَاعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى " [رواه البخاري ومسلم].
• علاقة السعادة بقضاء حوائج الناس:
في صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم: "والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه".
وقال صلى الله عليه وسلم "من كان في حاجة أخية فإن الله في حاجته" [رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني].
فتخيل أن الله تعالى هو الذي يقضي لك حاجتك فهل تبقى لك حاجة لا تُقضى؟ فوقتك الذي تنفقه في قضاء إخوانك لا يذهب سُدىً فأنت تتعامل مع الكريم ذي الفضل العميم تعطى عطاء محدوداً والله يعاملك بلا حدود ولم يكن بينك وبينه سدود.
أنت تُقّدم والله هو الذي لك يُقدّم!!
في صحيح مسلم يقول صلى الله عليه وسلم: "من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفّس الله عنه كربة من كربات يوم القيامة" [رواه مسلم].
"من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا" تسعى له في عمل - ترفع عنه ظلماً - تداويه في مرض - تُحضر له طبيباً - تقف معه في مصيبته - تحاول تخفيفها عنه - تقضى عنه دينه - تعاونه في زواجه أو زواج ولده أو ابنته - تديم السؤال عنه.
"نفس الله عنه كربة من كربات يوم القيامة" وكربات يوم القيامة شديدة عظيمة - حشر ونشر وسؤال وحساب وثواب وعقاب وجنة ونار. قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾ [الحج: 1، 2].
وقال تعالى: ﴿ كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا * وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا * وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي * فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ ﴾ [الفجر: 21- 26]
وقال تعالى: ﴿ فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ * وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ * يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ * كَلَّا لَا وَزَرَ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ * يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ ﴾ [القيامة: 7 - 13].
وفي الصحيحين يقول عليه الصلاة والسلام:" يعرق الناس يوم القيامة حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعين ذراعاً ويلجمهم حتى يبلغ آذانهم " [متفق عليه].
كُرَبٌ عظيمة. فمن كان فرج عن مؤمن كربة من كربات الدنيا فرج الله عنه في هذا اليوم العظيم الغم والكرب فمن كان " يحذر الآخرة ويرجوا رحمة ربه " فليفرج كرب المكروبين ويقض الحاجات عن المحتاجين فمن يسّر على مُعْسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة.
• قضاء حوائج الناس أفضل من الاعتكاف في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم
يقول عليه الصلاة والسلام: " أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مُسلم أو تكشف عنه كربة أو تقضى عنه دِيْناً أو تطرد عنه جوعاً ولأن أمشى مع أخ لي في حاجةٍ أحبُّ إلىّ من أن أعتكف في هذا المسجد شهراً " يريد مسجد المدينة [أخرجه الطبراني في المعجم الكبير وابن عساكر وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة].
• قضاء حوائج الناس وبذل المعروف لهم سبب لحسن الخاتمة:
يقول عليه الصلاة والسلام:" صنائع المعروف تقى مصارع السوء والآفات والمهلكات وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة "[رواه ابن حبان في صحيحه وصححه الألباني في صحيح الجامع.]
• خدمة الناس وقضاء حوائجهم تجذب أفئدتهم وتستميل قلوبَهم:
وهذا مطلب شرعي ففي الحديث: " المؤمن يألف ويؤلف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف وخير الناس أنفعهم للناس " [رواه الدارقطني وانظر صحيح الجامع].
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم ♦♦♦ فطالما استعبدَ الإنسانَ إحسانُ
• من المصائب عند أهل الصلاح وذوى الهمم العالية عدم قصد الناس لهم في حوائجهم:
قال حكيم بن حزام: " ما أصبحت وليس على بابي صاحب حاجة إلا علمت أنها من المصائب ".
فماذا عن حالنا؟ فلتبك البواكي؟ قلّ العاملون لله!!
أكثر الناس لا يتحركون إلا لمصالحهم وذواتهم وإن تحرك أحد لغيره فلا يتحرك إلا لشيئين:
لردّ جميل سابق وانتظار جميل قادم
أو لرشوة مدفوعة سابقة.
وترتب على ذلك: صعوبة الحياة وانتزاع البركة وانتشار الفساد والأمراض فمتى تصحو الضمائر؟ ومتى يظهر التعامل لله وحده؟
• خدمة الناس من صفات الأنبياء خير الناس:
فالكريم يوسف عليه الصلاة والسلام: مع ما فعل به إخوته جهزهم بجهازهم وعاونهم وعفا عنهم وغفر لهم.
موسى عليه السلام: لما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين مستضعفتين رفع الحجر عن البئر وسقى لهما حتى رويت أغنامهما.
وها هي خديجة رضي الله عنها تقول لزوجها صلى الله عليه وسلم: كلا والله لا يخزيك الله أبداً إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتُقرى الضيف وتعين على نوائب الحق"..
فكان عليه الصلاة والسلام: إذا سُئل حاجة لا يرد السائل عن حاجته: يقول جابر: ما سئل رسول الله شيئاً قط فقال: لا"[رواه البخاري ومسلم].
• وعلى هذا النهج سار الصحابة والصالحون:
كان عمر رضى الله عنه: يتعاهد الأرامل ويأتي لهن بالماء.
وكان أبو وائل يطوف على نساء الحىّ وعجائزهن كل يوم فيشترى لهن حوائجهن وما يصلحهن.
في الصحيحين عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كان تاجر يُداين الناس فإذا رأى معسراً قال لفتيانه تجاوزوا عنه لعل الله أن يتجاوز عنا فتجاوز الله عنه" [في الصحيحين عن أبى هريرة].
بعث الحسن البصرى قوماً من أصحابه في قضاء حاجة لرجل وقال لهم: مُرُّوا على ثابت البُناني فخذوه معكم فأتوا ثابتاً فقال: أنا معتكف فرجعوا إلى الحسن فأخبروه فقال: قولوا للأعمش: أما تعلم أن مشيك في حاجة أخيك المسلم خير لك من حجة بعد حجة فرجعوا إليه فترك اعتكافه وذهب معهم"..
اقض الحوائج ما استطعت
وكن لِهمِّ أخيك فارجْ
فلخير أيام الفتى
يوم قضى فيه الحوائجْ
النصيحة:
• حاول كل يوم أن تقضي حاجة لأخ من أخواتك ولو بالسؤال عنه أو الدعاء له.
=====
تقديم الخدمة للآخرين وقضاء حوائجهم
والتعاون معهم
قضاء حوائج الناس، وتلمُّس مطالبهم، والعمل على إنهائها، وملاطفتهم في بعض المواقف: أمر مشروع، ويُؤجَر عليه الإنسان، وهو مطلوب لمن يريد أن يتقن فنَّ التعامل مع الآخرين، وخدمة الناس باب واسع وعظيم لكسب ودهم، والاستحواذ على قلوبهم؛ لذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته، ومن فرَّج عن مسلم كربة، فرَّج الله عنه كربة من كُرب يوم القيامة))[1].
وقال صلى الله عليه وسلم: ((لأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة، أَحَبُّ إليَّ من أن أعتكف في المسجد شهرًا))[2].
لكن هناك بعض الضوابط لخدمة الناس لا بد من مراعاتها، وهي:
1- اجعل للاعتذار مجالاً؛ حتى لا يُحمِّل الإنسان نفسه من الأعمال ما لا يطيق، وربما يُضيِّع حقوقًا أهم، وتكون واجبة عليه؛ فمثلاً يبادر شخص بمساعدة صديقه، وقضاء حوائجه، وفي الوقت نفسه، والدته قد طلبت منه أغراضًا يحضرها لها، وهو يسوِّف، ويعتذر بانشغاله، وهذا من الخطأ، ويدخل في دائرة الإثم والعقوق.
2- أعمال الخير: الأَولى ألا يعتذر الواحد عنها، إلا لسبب وجيه.
3- لا بد أن يكون عندنا قضية فقه الأولويات: الأهمُّ، ثم الأهم.
4- الحرص على تنظيم الوقت.
5- من حسن الخلق: عدم الاعتذار في أمر تستطيع القيام به.
6- من المبادئ الجميلة التي من المهم تعلمها: فن التفويض، والاستعانة بالآخرين في قضاء بعض الأعمال، وتنفيذ بعض الأشغال.
7- قدِّم للآخرين ولو فكرة جميلة، قد تلاقي قبولاً لدى الطرف الآخر، وقد تكون أسديت له أعظم خدمة وأنت لا تشعر، أَذْكُرُ أني قابلت أحد الأصدقاء، وكان ضابطًا في أحد القطاعات العسكرية، وقلت له: سأقول لك فكرة جيدة، ضعْها في اعتبارك، فقال لي: ما هي؟ قلتُ: الآن أنت تحمل مؤهِّل البكالوريوس، وما زلتَ شابًّا، وأحس أن لديك الطموح، قال: صحيح، قلت: أنصحك أن تُقدِم على عملك لإكمال دراسة الماجستير، فضحك، وقال: هذا صعب! عملي لا يمكن أن يوافق، قلت: هل حاولتَ؟ قال: لا، قلتُ: الباب مفتوح، قدِّم المرة الأولى ولن يوافقوا، ثم قدم المرة الثانية، ولن يوافقوا، وقدم في الثالثة - وبإذن الله - ستتم الموافقة، ولن يخذلك الله، وذات يوم وأنا أراجع الجامعة لأخذ وثيقة الدكتوراه، وإذا بي أراه أمامي، فقلت له: ما الذي أتى بك هنا؟ فأخذ يدعو لي، ويخبرني بأنه عمل بنصيحتي، والآن هو يدرس الماجستير.
[1] صحيح البخاري 2442، صحيح مسلم 2580.
[2]المعجم الكبير للطبراني 13646، وحسنه الألباني في صحيح الجامع 176.
=====
خلاصة القواعد والفوائد من الأربعين النووية
الحديث السادس والثلاثون
( قضاء حوائج المسلم، وفضل طلب العلم )
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِما سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاَللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ، وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إلَى الْجَنَّةِ، وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ فِيمَا بَيْنَهُمْ؛ إلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ، وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ، وَمَنْ أَبَطْأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ [رقم: 2699] بهذا اللفظ.
لغة الحديث:
الكلمة
معناها
من نفس
كربة
ستر على مسلم
من بطء به عمله
لم يسرع به نسبه
غشيتهم الرحمة
حفتهم الملائكة
نزلت عليهم السكينة
أي وسَّع.
ما يكرب الإنسان ويغتم منه ويتضايق منه.
أي غطى عيوبه.
أي أخره العمل، أي تكاسل في عمله.
أي لمن ينفعه النسب.
أي غطتهم.
أي أحاطت بهم
أي الطمأنينة في القلب والانشراح في الصدر.
فوائد مستنبطة من الحديث:
1- الحديث دليل على فضل ثلاثة أمور وأن جزاءها يماثلها يوم القيامة:
• تنفيس الكروب في الدنيا.
• من يسر على معسر في الدنيا يسر الله عليه في الدنيا والآخرة.
• من ستر على مسلم في الدنيا ستر الله عليه في الدنيا والآخرة.
2- أن إعانة العبد طريق من طرق إعانة الله له.
3- فضل طلب العلم الشرعي وأنه طريق يسهل إلى الجنة.
4- فضل مجالس الذكر التي تكون في بيوت الله وتتدارس كتاب الله.
5- أن النسب لا يغني في الآخرة والعبرة في العمل، فلا يغتر الإنسان بنسبه (من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه).
6- أخوة الدين.
قواعد مستنبطة من الحديث:
1- قاعدة في الثواب والجزاء: الجزاء من جنس العمل
====
خلاصة القواعد والفوائد من الأربعين النووية
الحديث الخامس والثلاثون
(أخوة الإسلام وحقوق المسلم)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - "لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إخْوَانًا، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَكْذِبُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَاهُنَا، وَيُشِيرُ إلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ [رقم: 2564].
لغة الحديث:
الكلمة
معناها
لا تناجشوا
النَّجَش ويقال النَّجْش الزيادة في السلعة وهو لا يريد شراءها، كأن يذهب ويعرف أن صاحبه يبيع سيارته وذهب معه إلى المعارض وأخذوا يزيدون في السعر، فقال أحد الناس أريد أن أشتري بعشرين ألف، فهو يقول بواحد وعشرين وهو لا يريد أن يشتري فقط يريد أن يربح صاحبه من أجل أن يزيد في السلعة، فالنجش إما لنفع البائع أو إضرار المشتري.
فإن هذا يعتبر إضرار فلا يجوز.
لا يخذله
أي لا يترك نصرته.
لا يحقره
أي لا يستصغره.
لا تدابروا
التدابر يكون بالقلوب ويكون بالأبدان، فكل واحد يعطي الآخر دبره فهذا تدابر بالأجساد وقد يكون بالقلوب كلهم في مجلس واحد لكن قلوبهم متنافرة وكل واحد لا يريد الآخر.
فوائد مستنبطة من الحديث:
1- حرص الإسلام على ربط أواصر الأخوة بين المسلمين وبيان المترتب عليها فنهى عن عشرة أشياء في الحديث وهي الحسد، والنجش، والبغض، والإدبار، والبيع على بيع أخيه، وظلمه، وترك نصرته، واحتقاره، وإخباره بالكذب، والاعتداء على ماله ودمه وعرضه.
2- تحريم هذه الأمور العشرة. لأن الأصل في النهي يقتضي التحريم.
3- الحديث فيه الحث على تحقيق الأخوة (وكونوا عباد الله إخوانا).
4- الإسلام جاء بحفظ الدماء والأموال والأعراض.
5- بيان أن التقوى مصدرها القلب.
6- حسن تعليم النبي -صلى الله عليه وسلم- بالقول والفعل بأنه قال: (التقوى هاهنا) وأشار إلى صدره وهذا فعل.
قواعد مستنبطة من الحديث:
1- قاعدة في الأخوة: الأخوة مبنية على المتطلبات (وهي روابط الأخوة) لا على الادعاءات.
2- قاعدة فقهية: الأصل في دم المسلم وعرضه وماله الحرمة.
3- قاعدة قلبية: اتقاء القلب يثمر اتقاء الجوارح.
=====
خلاصة القواعد والفوائد من الأربعين النووية
الحديث السادس والثلاثون
( قضاء حوائج المسلم، وفضل طلب العلم )
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِما سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاَللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ، وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إلَى الْجَنَّةِ، وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ فِيمَا بَيْنَهُمْ؛ إلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ، وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ، وَمَنْ أَبَطْأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ [رقم: 2699] بهذا اللفظ.
لغة الحديث:
الكلمة
معناها
من نفس
كربة
ستر على مسلم
من بطء به عمله
لم يسرع به نسبه
غشيتهم الرحمة
حفتهم الملائكة
نزلت عليهم السكينة
أي وسَّع.
ما يكرب الإنسان ويغتم منه ويتضايق منه.
أي غطى عيوبه.
أي أخره العمل، أي تكاسل في عمله.
أي لمن ينفعه النسب.
أي غطتهم.
أي أحاطت بهم
أي الطمأنينة في القلب والانشراح في الصدر.
فوائد مستنبطة من الحديث:
1- الحديث دليل على فضل ثلاثة أمور وأن جزاءها يماثلها يوم القيامة:
• تنفيس الكروب في الدنيا.
• من يسر على معسر في الدنيا يسر الله عليه في الدنيا والآخرة.
• من ستر على مسلم في الدنيا ستر الله عليه في الدنيا والآخرة.
2- أن إعانة العبد طريق من طرق إعانة الله له.
3- فضل طلب العلم الشرعي وأنه طريق يسهل إلى الجنة.
4- فضل مجالس الذكر التي تكون في بيوت الله وتتدارس كتاب الله.
5- أن النسب لا يغني في الآخرة والعبرة في العمل، فلا يغتر الإنسان بنسبه (من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه).
6- أخوة الدين.
قواعد مستنبطة من الحديث:
1- قاعدة في الثواب والجزاء: الجزاء من جنس العمل
===============================
=================================
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق