Translate

مشاري راشد {سورة الطلاق}

الاثنين، 27 نوفمبر 2023

ج14. البداية والنهاية تأليف: عماد الدين أبي الفداء اسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي (774 هـ).

ج14. البداية والنهاية
تأليف: عماد الدين أبي الفداء اسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي (774 هـ).

وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ الَّتِي أَوْرَدْنَاهَا أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ لَهُ خَاتَمٌ مِنْ فِضَّةٍ، تَرُدُّ الْأَحَادِيثَ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا فِي سُنَنَيْ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَتَّابٍ سَهْلِ بْنِ حَمَّادٍ الدَّلَّالِ، عَنْ أَبِي مَكِينٍ نُوحِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مُعَيْقِبِ بْنِ أَبِي فَاطِمَةَ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ:كَانَ خَاتَمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَدِيدٍ مَلْوِيٍّ، عَلَيْهِ فِضَّةٌ. وَمِمَّا يَزِيدُهُ ضَعْفًا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي طِيبَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ السُّلَمِيِّ الْمَرْوَزِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ خَاتَمٌ مِنْ شَبَهٍ، فَقَالَ: مَالِي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ الْأَصْنَامِ؟ فَطَرَحَهُ، ثُمَّ جَاءَ وَعَلَيْهِ خَاتَمٌ مِنْ حَدِيدٍ، فَقَالَ " مَالِي أَرَى عَلَيْكَ حِلْيَةَ أَهْلِ النَّارِ؟ " فَطَرَحَهُ، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ أَتَّخِذُهُ؟ قَالَ: " اتَّخِذْهُ مِنْ وَرِقٍ، وَلَا تُتِمَّهُ مِثْقَالًا ". وَقَدْ كَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَلْبَسُهُ فِي يَدِهِ الْيُمْنَى. كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ فِي " الشَّمَائِلِ "، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ شَرِيكٍ الْقَاضِي، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ شَرِيكٌ: وَأَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ. وَرَوَى: فِي الْيُسْرَى; رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَخَتَّمُ فِي يَسَارِهِ، وَكَانَ فَصُّهُ فِي بَاطِنِ كَفِّهِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ أَبُو إِسْحَاقَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ نَافِعٍ: فِي يَمِينِهِ.
وَحَدَّثَنَا هَنَّادٌ، عَنْ عَبْدَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَلْبَسُ خَاتَمَهُ فِي يَدِهِ الْيُسْرَى.
ثُمَّ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، ثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ:رَأَيْتُ عَلَى الصَّلْتِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ خَاتَمًا فِي خِنْصَرِهِ الْيُمْنَى، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَلْبَسُ خَاتَمَهُ هَكَذَا، وَجَعَلَ فَصَّهُ عَلَى ظَهْرِهَا. قَالَ: وَلَا يُخَالُ ابْنَ عَبَّاسٍ إِلَّا قَدْ كَانَ يَذْكُرُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَلْبَسُ خَاتَمَهُ كَذَلِكَ. وَهَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بِهِ، ثُمَّ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، يَعْنِي الْبُخَارِيَّ: حَدِيثُ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنِ الصَّلْتِ حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي " الشَّمَائِلِ "، عَنْ أَنَسٍ، وَعَنْ جَابِرٍ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَخَتَّمُ فِي الْيَمِينِ.

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ، ثَنَا أَبِي، عَنْ ثُمَامَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمَّا اسْتُخْلِفَ كَتَبَ لَهُ، وَكَانَ نَقْشُ الْخَاتَمِ ثَلَاثَةَ أَسْطُرٍ; " مُحَمَّدٌ " سَطْرٌ وَ " رَسُولُ " سَطْرٌ وَ " اللَّهِ " سَطْرٌ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَزَادَنِي أَحْمَدُ: ثَنَا الْأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي، ثَنَا ثُمَامَةُ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ خَاتَمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَدِهِ، وَفِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ بَعْدَهُ، وَفِي يَدِ عُمَرَ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ. قَالَ: فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ جَلَسَ عَلَى بِئْرِ أَرِيسَ، فَأَخْرَجَ الْخَاتَمَ فَجَعَلَ يَعْبَثُ بِهِ فَسَقَطَ. قَالَ: فَاخْتَلَفْنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مَعَ عُثْمَانَ، فَنَزَحَ الْبِئْرَ فَلَمْ نَجِدْهُ.
فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي " الشَّمَائِلِ " ; حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ، فَكَانَ يَخْتِمُ بِهِ وَلَا يَلْبَسُهُ. فَإِنَّهُ حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا. وَفِي " السُّنَنِ " مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ الْزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ نَزَعَ خَاتَمَهُ.

ذِكْرُ سَيْفِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا سُرَيْجٌ، ثَنَا ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْأَعْمَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: تَنَفَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيْفَهُ ذَا الْفَقَارِ يَوْمَ بَدْرٍ وَهُوَ الَّذِي رَأَى فِيهِ الرُّؤْيَا يَوْمَ أُحُدٍ قَالَ: رَأَيْتُ فِي سَيْفِي ذِي الْفَقَارِ فَلًّا، فَأَوَّلْتُهُ فَلًّا يَكُونُ فِيكُمْ، وَرَأَيْتُ أَنِّي مُرْدِفٌ كَبْشًا فَأَوَّلْتُهُ كَبْشَ الْكَتِيبَةِ، وَرَأَيْتُ أَنِّي فِي دِرْعٍ حَصِينَةٍ، فَأَوَّلْتُهَا الْمَدِينَةَ، وَرَأَيْتُ بَقَرًا تُذْبَحُ، فَبَقَرٌ وَاللَّهِ خَيْرٌ، فَبَقَرٌ وَاللَّهِ خَيْرٌ فَكَانَ الَّذِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ بِهِ.
وَقَدْ ذَكَرَ أَهْلُ السُّنَنِ أَنَّهُ سُمِعَ قَائِلٌ يَقُولُ: لَا سَيْفَ إِلَّا ذُو الْفَقَارِ، وَلَا فَتًى إِلَّا عَلِيٌّ.
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ هُودِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ جَدِّهِ مَزِيدَةَ بْنِ جَابِرٍ الْعَبْدِيِّ الْعَصْرِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ:دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ وَعَلَى سَيْفِهِ ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ. الْحَدِيثَ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.

وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي " الشَّمَائِلِ ": حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، ثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ:، ثَنَا أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ قَالَ:كَانَتْ قَبِيعَةُ سَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فِضَّةٍ.
وَرَوَى أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: صَنَعْتُ سَيْفِي عَلَى سَيْفِ سَمُرَةَ، وَزَعَمَ سَمُرَةُ أَنَّهُ صَنَعَ سَيْفَهُ عَلَى سَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ حَنَفِيًّا.
وَقَدْ صَارَ إِلَى آلِ عَلِيٍّ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، بِكَرْبَلَاءَ عِنْدَ الطَّفِّ كَانَ مَعَهُ، فَأَخَذَهُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ زَيْنُ الْعَابِدِينَ، فَقَدِمَ مَعَهُ دِمَشْقَ حِينَ دَخَلَ عَلَى يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، ثُمَّ رَجَعَ مَعَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ فَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، أَنَّهُ تَلَقَّاهُ إِلَى الطَّرِيقِ، فَقَالَ لَهُ: هَلْ لَكَ إِلَيَّ مِنْ حَاجَةٍ تَأْمُرُنِي بِهَا؟ قَالَ: فَقَالَ: لَا. فَقَالَ: هَلْ أَنْتَ مُعْطِيَّ سَيْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَغْلِبَكَ عَلَيْهِ الْقَوْمُ، وَايْمُ اللَّهِ إِنْ أَعْطَيْتَنِيهِ لَا يَخْلُصُ إِلَيْهِ أَحَدٌ حَتَّى يَبْلُغَ نَفْسِي.
وَقَدْ ذُكِرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ ذَلِكَ مِنَ السِّلَاحِ، مِنْ ذَلِكَ الدُّرُوعُ، كَمَا رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظَاهَرَ

يَوْمَ أُحُدٍ بَيْنَ دِرْعَيْنِ.
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخْلَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ، فَلَمَّا نَزَعَهُ قِيلَ لَهُ: هَذَا ابْنُ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ. فَقَالَ: اقْتُلُوهُ.
وَعِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ.
وَقَالَ وَكِيعٌ، عَنْ مُسَاوِرٍ الْوَرَّاقِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ.
وَقَالَ وَكِيعٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ الْغَسِيلِ أَبِي سَلْمَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ دَسْمَاءُ. ذَكَرَهُمَا التِّرْمِذِيُّ فِي " الشَّمَائِلِ ".
وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ الدَّرَاوَرْدِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اعْتَمَّ سَدَلَهَا بَيْنَ كَتِفَيْهِ.

وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ فِي " مُسْنَدِهِ ": حَدَّثَنَا أَبُو شَيْبَةَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، ثَنَا مُخَوَّلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّهُ كَانَتْ عِنْدَهُ عُصَيَّةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَاتَ فَدُفِنَتْ مَعَهُ بَيْنَ جَنْبِهِ وَبَيْنَ قَمِيصِهِ. ثُمَّ قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُ رَوَاهُ إِلَّا مُخَوَّلُ بْنُ رَاشِدٍ، وَهُوَ صَدُوقٌ فِيهِ شِيعِيَّةٌ، وَاحْتُمِلَ عَلَى ذَلِكَ. وَقَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ بَعْدَ رِوَايَتِهِ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ مُخَوَّلٍ هَذَا، قَالَ: وَهُوَ مِنَ الشِّيعَةِ يَأْتِي بِأَفْرَادٍ عَنْ إِسْرَائِيلَ لَا يَأْتِي بِهَا غَيْرُهُ، وَالضَّعْفُ عَلَى رِوَايَاتِهِ بَيِّنٌ ظَاهِرٌ.

ذِكْرُ نَعْلِهِ الَّتِي كَانَ يَمْشِي فِيهَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحِ "، عَنِ ابْنِ عُمَرَ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَلْبَسُ النِّعَالَ السَّبْتِيَّةَ، وَهِيَ الَّتِي لَا شَعْرَ عَلَيْهَا.
وَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي " صَحِيحِهِ ": حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، هُوَ ابْنُ مُقَاتِلٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، يَعْنِي ابْنَ الْمُبَارَكِ، أَنَا عِيسَى بْنُ طَهْمَانَ قَالَ:أَخْرَجَ إِلَيْنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ نَعْلَيْنِ لَهُمَا قِبَالَانِ. فَقَالَ ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ: هَذِهِ نَعْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَقَدْ رَوَاهُ فِي كِتَابِ الْخُمُسِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيِّ، عَنْ عِيسَى بْنِ طَهْمَانَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:أَخْرَجَ إِلَيْنَا أَنَسٌ نَعْلَيْنِ جَرْدَاوَيْنِ لَهُمَا قِبَالَانِ، فَحَدَّثَنِي ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ بَعْدُ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُمَا نَعْلَا النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي " الشَّمَائِلِ " عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مَنِيعٍ، عَنْ أَبِي أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيِّ بِهِ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي " الشَّمَائِلِ ": حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ،عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ لِنَعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَالَانِ مُثَنًّى شِرَاكُهُمَا.
وَقَالَ أَيْضًا: ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ،عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ لِنَعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَالَانِ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْزُوقٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ قَيْسٍ أَبُو مُعَاوِيَةَ، ثَنَا هِشَامٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:كَانَ لِنَعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَالَانِ، وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَأَوَّلُ مَنْ عَقَدَ عَقْدًا وَاحِدًا عُثْمَانُ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، ثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ السُّدِّيِّ،

حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ عَمْرَو بْنَ حُرَيْثٍ يَقُولُ:رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي نَعْلَيْنِ مَخْصُوفَيْنِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: قِبَالُ النَّعْلِ بِالْكَسْرِ: الزِّمَامُ الَّذِي يَكُونُ بَيْنَ الْأُصْبُعِ الْوُسْطَى وَالَّتِي تَلِيهَا.
قُلْتُ: وَاشْتُهِرَ فِي حُدُودِ سَنَةِ سِتِّمِائَةٍ وَمَا بَعْدَهَا عِنْدَ رَجُلٍ مِنَ التُّجَّارِ يُقَالُ لَهُ: ابْنُ أَبِي الْحَدْرَدِ. نَعْلٌ مُفْرَدَةٌ ذَكَرَ أَنَّهَا نَعْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَامَهَا الْمَلِكُ الْأَشْرَفُ مُوسَى بْنُ الْمَلِكِ الْعَادِلِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَيُّوبَ مِنْهُ بِمَالٍ جَزِيلٍ فَأَبَى أَنْ يَبِيعَهَا، فَاتَّفَقَ مَوْتُهُ بَعْدَ حِينٍ، فَصَارَتْ إِلَى الْمَلِكِ الْأَشْرَفِ الْمَذْكُورِ، فَأَخَذَهَا إِلَيْهِ وَعَظَّمَهَا، ثُمَّ لَمَّا بَنَى دَارَ الْحَدِيثِ الْأَشْرَفِيَّةَ إِلَى جَانِبِ الْقَلْعَةِ، جَعَلَهَا فِي خِزَانَةٍ مِنْهَا، وَجَعَلَ لَهَا خَادِمًا، وَقَرَّرَ لَهُ مِنَ الْمَعْلُومِ كُلَّ شَهْرٍ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، وَهِيَ مَوْجُودَةٌ إِلَى الْآنَ فِي الدَّارِ الْمَذْكُورَةِ.

وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي " الشَّمَائِلِ ": ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ قَالُوا: ثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، ثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُخْتَارِ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:كَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُكَّةٌ يَتَطَيَّبُ مِنْهَا.

صِفَةُ قَدَحِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، ثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عَاصِمٍ قَالَ: رَأَيْتُ عِنْدَ أَنَسٍقَدَحَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ ضَبَّةٌ مِنْ فِضَّةٍ.
وَقَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ النَّسَوِيُّ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ شَاكِرٍ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ - هُوَ الْبُخَارِيُّ - ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُدْرِكٍ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، أَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ قَالَ: رَأَيْتُ قَدَحَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَكَانَ قَدِ انْصَدَعَ فَسَلْسَلَهُ بِفِضَّةٍ. قَالَ: وَهُوَ قَدَحٌ جَيِّدٌ عَرِيضٌ، مِنْ نُضَارٍ. قَالَ أَنَسٌ: لَقَدْ سَقَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْقَدَحِ أَكْثَرَ مِنْ كَذَا وَكَذَا. قَالَ: وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ إِنَّهُ كَانَ فِيهِ حَلْقَةٌ مِنْ حَدِيدٍ، فَأَرَادَ أَنَسٌ أَنْ يَجْعَلَ مَكَانَهَا حَلْقَةً مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، فَقَالَ لَهُ أَبُو طَلْحَةَ: لَا تُغَيِّرَنَّ شَيْئًا صَنَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَتَرَكَهُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، ثَنَا حَجَّاجُ بْنُ حَسَّانٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَنَسٍ فَدَعَا بِإِنَاءٍ فِيهِ ثَلَاثُ ضَبَّاتِ حَدِيدٍ وَحَلْقَةٌ مِنْ حَدِيدٍ، فَأُخْرِجَ مِنْ غِلَافٍ أَسْوَدَ، وَهُوَ دُونَ الرُّبُعِ وَفَوْقَ نِصْفِ الرُّبُعِ، وَأَمَرَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ فَجُعِلَ

لَنَا فِيهِ مَاءٌ فَأُتِينَا بِهِ، فَشَرِبْنَا وَصَبَبْنَا عَلَى رُءُوسِنَا وَوُجُوهِنَا، وَصَلَّيْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. انْفَرَدَ بِهِ أَحْمَدُ.

ذِكْرُ مَا وَرَدَ فِي الْمُكْحُلَةِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَكْتَحِلُ مِنْهَا
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا يَزِيدُ أَنَا عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:كَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُكْحُلَةٌ يَكْتَحِلُ مِنْهَا عِنْدَ النَّوْمِ ثَلَاثًا فِي كُلِّ عَيْنٍ. وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ: قُلْتُ لِعَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ: سَمِعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ عِكْرِمَةَ؟ فَقَالَ: أَخْبَرَنِيهِ ابْنُ أَبِي يَحْيَى عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْهُ.
قُلْتُ: وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ مَزَارًا فِيهِ أَشْيَاءٌ كَثِيرَةٌ مِنْ آثَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اعْتَنَى بِجَمْعِهَا بَعْضُ الْوُزَرَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ، فَمِنْ ذَلِكَ مُكْحُلَةٌ، وَمِيلٌ، وَمُشْطٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الْبُرْدَةُ
قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: وَأَمَّا الْبُرْدُ الَّذِي عِنْدَ الْخُلَفَاءِ فَقَدْ رُوِّينَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ فِي قِصَّةِ تَبُوكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى أَهْلَ أَيْلَةَ بُرْدَهُ مَعَ كِتَابِهِ الَّذِي كَتَبَ لَهُمْ أَمَانًا لَهُمْ، فَاشْتَرَاهُ أَبُو الْعَبَّاسِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ بِثَلَاثِمِائَةِ دِينَارٍ. يَعْنِي بِذَلِكَ أَوَّلَ خُلَفَاءِ بَنِي الْعَبَّاسِ وَهُوَ السَّفَّاحُ، رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَدْ تَوَارَثَ بَنُو الْعَبَّاسِ هَذِهِ الْبُرْدَةَ خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ، كَانَ الْخَلِيفَةُ يَلْبَسُهَا يَوْمَ الْعِيدِ عَلَى كَتِفَيْهِ وَيَأْخُذُ الْقَضِيبَ الْمَنْسُوبَ إِلَيْهِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، فِي إِحْدَى يَدَيْهِ، فَيَخْرُجُ وَعَلَيْهِ مِنَ السَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ مَا يَصْدَعُ بِهِ الْقُلُوبَ، وَيَبْهَرُ بِهِ الْأَبْصَارَ، وَيَلْبَسُونَ السَّوَادَ فِي أَيَّامِ الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ، وَذَلِكَ اقْتِدَاءً مِنْهُمْ بِسَيِّدِ أَهْلِ الْبَدْوِ وَالْحَضَرِ، مِمَّنْ سَكَنَ الْوَبَرَ وَالْمَدَرَ; لِمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ إِمَامَا أَهْلِ الْأَثَرِ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ. وَفِي رِوَايَةٍ: وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ، وَفِي رِوَايَةٍ: قَدْ أَرْخَى طَرَفَهَا بَيْنَ كَتِفَيْهِ. صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ.
وَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ، ثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: أَخْرَجَتْ إِلَيْنَا عَائِشَةُ كِسَاءً وَإِزَارًا غَلِيظًا، فَقَالَتْ: قُبِضَ رُوحُ

النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَيْنِ.
وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَا: لَمَّا نَزَلَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً لَهُ عَلَى وَجْهِهِ، فَإِذَا اغْتَمَّ كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ وَهُوَ كَذَلِكَ: لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى; اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا. قُلْتُ: وَهَذِهِ الْأَثْوَابُ الثَّلَاثَةُ لَا يُدْرَى مَا كَانَ مِنْ أَمْرِهَا بَعْدَ هَذَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ طُرِحَتْ تَحْتَهُ فِي قَبْرِهِ الْكَرِيمِ قَطِيفَةٌ حَمْرَاءُ كَانَ يُصَلِّي عَلَيْهَا، وَلَوْ تَقَصَّيْنَا مَا كَانَ يَلْبَسُهُ فِي أَيَّامِ حَيَاتِهِ لَطَالَ الْفَصْلُ، وَمَوْضِعُهُ كِتَابُ اللِّبَاسِ مِنْ كِتَابِ " الْأَحْكَامِ الْكَبِيرِ " إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَبِهِ الثِّقَةُ وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ.

ذِكْرُ أَفَرَاسِهِ وَمَرَاكِيبِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْيَزَنِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زُرَيْرٍ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ:كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسٌ يُقَالُ لَهُ:

الْمُرْتَجِزُ. وَحِمَارٌ يُقَالُ لَهُ: عُفَيْرٌ. وَبَغْلَةٌ يُقَالُ لَهَا: دُلْدُلُ. وَسَيْفُهُ ذُو الْفَقَارِ، وَدِرْعُهُ ذُو الْفُضُولِ. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْحَكَمِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ، عَنْ عَلِيٍّ نَحْوَهُ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَرَوَيْنَا فِي كِتَابِ " السُّنَنِ " أَسْمَاءَ أَفَرَاسِهِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَ السَّاعِدِيَّيْنِ; لِزَازًا وَاللُّحَيْفَ، وَقِيلَ: اللُّخَيْفُ. وَالظَّرِبَ. وَالَّذِي رَكِبَهُ لِأَبِي طَلْحَةَ يُقَالُ لَهُ: الْمَنْدُوبُ. وَنَاقَتُهُ الْقَصْوَاءُ وَالْعَضْبَاءُ وَالْجَدْعَاءُ، وَبَغْلَتُهُ الشَّهْبَاءُ وَالْبَيْضَاءُ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ مَاتَ عَنْهُنَّ إِلَّا مَا رَوَيْنَا فِي بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ وَسِلَاحِهِ، وَأَرْضٍ جَعَلَهَا صَدَقَةً، وَمِنْ ثِيَابِهِ، وَنَعْلَيْهِ، وَخَاتَمِهِ، وَمَا رَوَيْنَا فِي هَذَا الْبَابِ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: ثَنَا زَمْعَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ:تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَهُ جُبَّةُ صُوفٍ فِي الْحِيَاكَةِ. وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ.
وَقَدْ رَوَى الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى فِي " مُسْنَدِهِ ": حَدَّثَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ ثَابِتٍ، ثَنَا غَالِبٌ الْجَزَرِيُّ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لِقَدْ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّهُ لَيُنْسَجُ لَهُ كِسَاءٌ مِنْ صُوفٍ. وَهَذَا شَاهِدٌ لِمَا قَبْلَهُ.
وَقَالَ أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ: حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بْنُ نَصْرٍ، ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ

عُيَيْنَةَ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ حَسَنِ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُبِضَ وَلَهُ بُرْدَانِ فِي الْجُفِّ يُعْمَلَانِ. وَهَذَا مُرْسَلٌ.
وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ: ثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ، ثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ عَمْرُو بْنُ هِشَامٍ الْحَرَّانِيُّ، ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَطَاءٍ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيْفٌ قَائِمَتُهُ مِنْ فِضَّةٍ وَقَبِيعَتُهُ مِنْ فِضَّةٍ، وَكَانَ يُسَمَّى ذَا الْفَقَارِ، وَكَانَ لَهُ قَوْسٌ تُسَمَّى السَّدَادَ، وَكَانَتْ لَهُ كِنَانَةٌ تُسَمَّى الْجَمْعَ، وَكَانَتْ لَهُ دِرْعٌ مُوَشَّحَةٌ بِالنُّحَاسِ تُسَمَّى ذَاتَ الْفُضُولِ، وَكَانَتْ لَهُ حَرْبَةٌ تُسَمَّى النَّبْعَاءَ، وَكَانَ لَهُ مِجَنٌّ يُسَمَّى الذَّقَنَ، وَكَانَ لَهُ تُرْسٌ أَبْيَضُ يُسَمَّى الْمُوجِزَ، وَكَانَ لَهُ فَرَسٌ أَدْهَمُ يُسَمَّى السَّكْبَ، وَكَانَ لَهُ سَرْجٌ يُسَمَّى الدَّاجَ، وَكَانَ لَهُ بَغْلَةٌ شَهْبَاءُ يُقَالُ لَهَا: دُلْدُلُ. وَكَانَتْ لَهُ نَاقَةٌ تُسَمَّى الْقَصْوَاءَ، وَكَانَ لَهُ حِمَارٌ يُقَالُ لَهُ: يَعْفُورٌ. وَكَانَ لَهُ بِسَاطٌ يُسَمَّى الْكَرَّ، وَكَانَتْ لَهُ عَنَزَةٌ تُسَمَّى النَّمِرَ، وَكَانَتْ لَهُ رَكْوَةٌ تُسَمَّى الصَّادِرَ، وَكَانَتْ لَهُ مِرْآةٌ تُسَمَّى الْمِرْآةَ، وَكَانَ لَهُ مِقْرَاضٌ

يُسَمَّى الْجَامِعَ، وَكَانَ لَهُ قَضِيبُ شَوْحَطٍ يُسَمَّى الْمَمْشُوقَ. وَهَذَا غَرِيبٌ جِدًّا.
قُلْتُ: قَدْ تَقَدَّمَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَتْرُكْ دِينَارًا، وَلَا دِرْهَمًا، وَلَا عَبْدًا، وَلَا أَمَةً، سِوَى بَغْلَةٍ، وَأَرْضٍ جَعَلَهَا صَدَقَةً، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، نَجَزَ الْعِتْقَ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ، وَالصَّدَقَةِ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ مِنَ السِّلَاحِ وَالْحَيَوَانَاتِ وَالْأَثَاثِ وَالْمَتَاعِ مِمَّا أَوْرَدْنَاهُ وَمَا لَمْ نُورِدْهُ، فَأَمَّا بَغْلَتُهُ فَهِيَ الشَّهْبَاءُ، وَهِيَ الْبَيْضَاءُ أَيْضًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَهِيَ الَّتِي أَهْدَاهَا لَهُ الْمُقَوْقِسُ صَاحِبُ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ - وَاسْمُهُ جُرَيْجُ بْنُ مِينَا - فِيمَا أَهْدَى مِنَ التُّحَفِ، وَهِيَ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاكِبَهَا يَوْمَ حُنَيْنٍ وَهُوَ فِي نُحُورِ الْعَدُوِّ يُنَوِّهُ بِاسْمِهِ الْكَرِيمِ شَجَاعَةً وَتَوَكُّلًا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَقَدْ قِيلَ: إِنَّهَا عُمِّرَتْ بَعْدَهُ حَتَّى كَانَتْ عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي أَيَّامِ خِلَافَتِهِ، وَتَأَخَّرَتْ أَيَّامُهَا حَتَّى كَانَتْ بَعْدَ عَلِيٍّ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، فَكَانَ يَجُشُّ لَهَا الشَّعِيرَ حَتَّى تَأْكُلَهُ مِنْ ضَعْفِهَا بَعْدَ ذَلِكَ. وَأَمَّا حِمَارُهُ يَعْفُورٌ، وَيُصَغَّرُ فَيُقَالُ: عُفَيْرٌ. فَقَدْ كَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَرْكَبُهُ فِي بَعْضِ الْأَحَايِينِ.
وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْيَزَنِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زُرَيْرٍ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ:كَانَ

رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْكَبُ حِمَارًا يُقَالُ لَهُ: عُفَيْرٌ. وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى مِنْ حَدِيثِ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَقَدْ وَرَدَ فِي أَحَادِيثَ عِدَّةٍأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ رَكِبَ الْحِمَارَ.
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، مَرَّ وَهُوَ رَاكِبٌ حِمَارًا بِمَجْلِسٍ فِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ، وَأَخْلَاطٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَالْمُشْرِكِينَ عَبْدَةِ الْأَوْثَانِ، وَالْيَهُودِ، فَنَزَلَ وَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَذَلِكَ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ وَكَانَ قَدْ عَزَمَ عَلَى عِيَادَةِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ: لَا أُحْسِنُ مِمَّا تَقُولُ أَيُّهَا الْمَرْءُ، فَإِنْ كَانَ حَقًّا فَلَا تَغْشَنَا بِهِ فِي مَجَالِسِنَا. وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ الْإِسْلَامُ، وَيُقَالَ: إِنَّهُ خَمَّرَ أَنْفَهُ لَمَّا غَشِيَتْهُمْ عَجَاجَةُ الدَّابَّةِ، وَقَالَ: لَا تُؤْذِنَا بِنَتْنِ حِمَارِكَ. فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ وَاللَّهِ لَرِيحِ حِمَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَطْيَبُ مِنْ رِيحِكَ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: بَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، اغْشَنَا بِهِ فِي مَجَالِسِنَا، فَإِنَّا نُحِبُ ذَلِكَ. فَتَثَاوَرَ الْحَيَّانِ، وَهَمُّوا أَنْ يَقْتَتِلُوا، فَسَكَّنَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَشَكَى إِلَيْهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ، فَقَالَ: ارْفُقْ بِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَوَالَّذِي أَكْرَمَكَ بِالْحَقِّ لَقَدْ بَعَثَكَ اللَّهُ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَنَنْظِمُ لَهُ الْخَرَزَ ; لِنُتَوِّجَهُ عَلَيْنَا، فَلَمَّا جَاءَ اللَّهُ بِالْحَقِّ الَّذِي بَعَثَكَ بِهِ شَرَقَ بِرِيقِهِ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ رَكِبَ الْحِمَارَ فِي بَعْضِ أَيَّامِ خَيْبَرَ وَجَاءَ أَنَّهُ أَرْدَفَ مُعَاذًا عَلَى حِمَارٍ، وَلَوْ أَوْرَدْنَاهَا بِأَلْفَاظِهَا وَأَسَانِيدِهَا لَطَالَ الْفَصْلُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاضُ بْنُ مُوسَى السَّبْتِيُّ فِي كِتَابِهِ " الشِّفَا "، وَذَكَرَهُ قَبِلُ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي كِتَابِهِ الْكَبِيرِ فِي أُصُولِ الدِّينِ وَغَيْرُهُمَا، أَنَّهُ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِمَارٌ يُسَمَّى زِيَادَ بْنَ شِهَابٍ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَبْعَثُهُ ; لِيَطْلُبَ لَهُ بَعْضَ أَصْحَابِهِ فَيَجِيءُ إِلَى بَابِ أَحَدِهِمْ فَيُقَعْقِعَهُ، فَيَعْلَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطْلُبُهُ، وَأَنَّهُ ذُكِرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُلَالَةُ سَبْعِينَ حِمَارًا، كُلٌّ مِنْهَا رَكِبَهُ نَبِيٌّ، وَأَنَّهُ لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَهَبَ فَتَرَدَّى فِي بِئْرٍ فَمَاتَ. فَهُوَ حَدِيثٌ لَا يُعَرَفُ لَهُ إِسْنَادٌ بِالْكُلِّيَّةِ، وَقَدْ أَنْكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْحُفَّاظِ، مِنْهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُوهُ، رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَدْ سَمِعْتُ شَيْخَنَا الْحَافِظَ أَبَا الْحَجَّاجِ الْمِزِّيَّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، يُنْكِرُهُ غَيْرَ مَرَّةٍ إِنْكَارًا شَدِيدًا.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي كِتَابِ " دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ ": ثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى الْعَنْبَرِيُّ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُوَيْدٍ الْجُذُوعِيُّ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُذَيْنَةَ الطَّائِيُّ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: أَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ بِخَيْبَرَ حِمَارٌ أَسْوَدُ فَوَقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ " مَنْ أَنْتَ ؟ " قَالَ: أَنَا عَمْرُو بْنُ فَلَانٍ، كُنَّا سَبْعَةَ إِخْوَةٍ كُلُّنَا رَكِبَنَا الْأَنْبِيَاءُ وَأَنَا أَصْغَرُهُمْ، وَكُنْتُ لَكَ، فَمَلَكَنِي رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ، فَكُنْتُ إِذَا ذَكَرْتُكَ كَبَوْتُ بِهِ فَيُوجِعُنِي ضَرْبًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَأَنْتَ يَعْفُورٌ ". هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا.

فَصْلٌ
وَهَذَا أَوَانُ إِيرَادِ مَا بَقِيَ عَلَيْنَا مِنْ مُتَعَلِّقَاتِ السِّيرَةِ الشَّرِيفَةِ، وَذَلِكَ أَرْبَعَةُ كُتُبٍ ; الْأَوَّلُ فِي الشَّمَائِلِ، وَالثَّانِي فِي الدَّلَائِلِ، وَالثَّالِثُ فِي الْفَضَائِلِ، وَالرَّابِعُ فِي الْخَصَائِصِ، وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ، وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ.

كِتَابُ الشَّمَائِلِ
شَمَائِلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيَانُ خَلْقِهِ الظَّاهِرِ وَخُلُقِهِ الطَّاهِرِ
قَدْ صَنَّفَ النَّاسُ فِي هَذَا، قَدِيمًا وَحَدِيثًا، كُتُبًا كَثِيرَةً مُفْرَدَةً وَغَيْرَ مُفْرَدَةٍ، وَمِنْ أَحْسَنِ مَنْ جَمَعَ فِي ذَلِكَ فَأَجَادَ وَأَفَادَ الْإِمَامُ أَبُو عِيسَى مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ سَوْرَةَ التِّرْمِذِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، أَفْرَدَ فِي هَذَا الْمَعْنَى كِتَابَهُ الْمَشْهُورَ " بِالشَّمَائِلِ "، وَلَنَا بِهِ سَمَاعٌ مُتَّصِلٌ إِلَيْهِ، وَنَحْنُ نُورِدُ عُيُونَ مَا أَوْرَدَهُ فِيهِ، وَنَزِيدُ عَلَيْهِ أَشْيَاءَ مُهِمَّةً لَا يَسْتَغْنِي عَنْهَا الْمُحَدِّثُ وَالْفَقِيهُ، وَلْنَذْكُرْ أَوَّلًا بَيَانَ حُسْنِهِ الْبَاهِرِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَجَمَالِهِ الْجَمِيلِ، ثُمَّ نَشْرَعُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي إِيرَادِ الْجُمَلِ وَالتَّفَاصِيلِ، فَنَقُولُ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ:

بَابُ مَا وَرَدَ فِي حُسْنِهِ الْبَاهِرِ بَعْدَمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَسَبِهِ الطَّاهِرِ
قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ

يَقُولُ:كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ وَجْهًا، وَأَحْسَنَهُ خَلْقًا، لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ، وَلَا بِالْقَصِيرِ. وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ بِهِ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ:كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْبُوعًا، بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، لَهُ شَعْرٌ يَبْلُغُ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ، رَأَيْتُهُ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ، لَمْ أَرَ شَيْئًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ. قَالَ يُوسُفُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيهِ: إِلَى مَنْكِبَيْهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ:مَا رَأَيْتُ مِنْ ذِي لَمَّةٍ أَحْسَنَ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَهُ شَعْرٌ يَضْرِبُ مَنْكِبَيْهِ، بِعِيدُ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلَا بِالْقَصِيرِ. وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ وَكِيعٍ بِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، ثَنَا إِسْرَائِيلُ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، ( ح ) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ

يَقُولُ:مَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِ اللَّهِ أَحْسَنَ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّ جُمَّتَهُ لَتَضْرِبُ إِلَى مَنْكِبَيْهِ. قَالَ ابْنُ أَبِي بُكَيْرٍ: لَتَضْرِبُ قَرِيبًا مِنْ مَنْكِبَيْهِ. قَالَ - يَعْنِي أَبَا إِسْحَاقَ -: وَقَدْ سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ بِهِ مِرَارًا مَا حَدَّثَ بِهِ قَطُّ إِلَّا ضَحِكَ. وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي اللِّبَاسِ، وَالتِّرْمِذِيُّ فِي " الشَّمَائِلِ "، وَالنَّسَائِيُّ فِي الزِّينَةِ مِنْ حَدِيثِ إِسْرَائِيلَ بِهِ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، ثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سُئِلَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍأَكَانَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ السَّيْفِ ؟ قَالَ: لَا، بَلْ مِثْلَ الْقَمَرِ. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْجُعْفِيِّ الْكُوفِيِّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، وَاسْمُهُ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِيُّ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ بِهِ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ فِي " الدَّلَائِلِ ": أَخْبَرْنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دَرَسْتَوَيْهِ، ثَنَا أَبُو يُوسُفَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ وَعُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ سِمَاكٍ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ قَالَ لَهُ رَجُلٌ:أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجْهُهُ مِثْلَ السَّيْفِ ؟ قَالَ جَابِرٌ:

لَا، بَلْ مِثْلَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ مُسْتَدِيرًا. وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى بِهِ.
وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مُطَوَّلًا، فَقَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ سِمَاكٍ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ يَقُولُ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ شَمِطَ مُقَدَّمُ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ، فَإِذَا ادَّهَنَ وَمَشَّطَهُنَّ لَمْ يَتَبَيَّنْ، وَإِذَا شَعِثَ رَأْسُهُ تَبَيَّنَ، وَكَانَ كَثِيرَ الشَّعْرِ وَاللِّحْيَةِ، فَقَالَ رَجُلٌ: وَجْهُهُ مِثْلُ السَّيْفِ ؟ قَالَ: لَا، بَلْ مِثْلَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ مُسْتَدِيرًا. قَالَ: وَرَأَيْتُ خَاتَمَهُ عِنْدَ كَتِفِهِ مِثْلَ بَيْضَةِ الْحَمَامَةِ يُشْبِهُ جَسَدَهُ.
وَقَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، أَنَا أَبُو حَامِدِ بْنُ بِلَالٍ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَحْمَسِيُّ، ثَنَا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ:رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي لَيْلَةٍ إِضْحِيَانٍ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ، فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهِ وَإِلَى الْقَمَرِ، فَلَهْوَ كَانَ فِي عَيْنِي أَحْسَنَ مِنَ الْقَمَرِ. وَهَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ جَمِيعًا، عَنْ هَنَّادِ بْنِ السَّرِيِّ، عَنْ عَبْثَرِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ. قَالَ النَّسَائِيُّ: وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَقَدْ أَخْطَأَ، وَالصَّوَابُ: أَبُو إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ، وَسَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ - يَعْنِي الْبُخَارِيَّ - قُلْتُ: حَدِيثُ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ أَصَحُّ أَمْ حَدِيثُهُ عَنْ جَابِرٍ ؟

فَرَأَى كِلَا الْحَدِيثَيْنِ صَحِيحًا.
وَثَبَتَ فِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فِي حَدِيثِ التَّوْبَةِ قَالَ:وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ بِتَمَامِهِ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، ثَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِي يَعْفُورٍ الْعَبْدِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنِ امْرَأَةٍ مِنْ هَمْدَانَ سَمَّاهَا، قَالَتْ: حَجَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَأَيْتُهُ عَلَى بَعِيرٍ لَهُ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ، بِيَدِهِ مِحْجَنٌ، عَلَيْهِ بُرْدَانِ أَحْمَرَانِ يَكَادُ يَمَسُّ مَنْكِبَهُ، إِذَا مَرَّ بِالْحَجَرِ اسْتَلَمَهُ بِالْمِحْجَنِ، ثُمَّ يَرْفَعُهُ إِلَيْهِ فَيُقَبِّلُهُ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: فَقُلْتُ لَهَا: شَبِّهِيهِ. قَالَتْ: كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى التَّيْمِيُّ، ثَنَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ: قُلْتُ لِلرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ:صِفِي لِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَتْ: يَا بُنَيَّ لَوْ رَأَيْتَهُ رَأَيْتَ الشَّمْسَ طَالِعَةً. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ يَعْقُوبَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى التَّيْمِيِّ بِسَنَدِهِ، فَقَالَتْ: لَوْ رَأَيْتَهُ لَقُلْتَ: الشَّمْسُ طَالِعَةٌ.
وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ الْزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ

قَالَتْ:دَخْلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسْرُورًا تَبْرُقُ أَسَارِيرُ وَجْهِهِ. الْحَدِيثَ.
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ فِي " دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ ": بَابُ مَنْ كَانَ يَتَبَرَّكُ بِوَجْهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَسَبِهِ الْمُبَارَكِ، حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ أَبِي الْحَجَّاجِ، ثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، ثَنَا عُتْبَةُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ السَّهْمِيُّ، حَدَّثَنِي كُرَيْمُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَمْرٍو السَّهْمِيُّ، أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ عَمْرٍو حَدَّثَهُ قَالَ:أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِمِنًى أَوْ بِعَرَفَاتٍ وَقَدْ أَطَافَ بِهِ النَّاسُ. قَالَ: وَتَجِيءُ الْأَعْرَابُ، فَإِذَا رَأَوْا وَجْهَهُ قَالُوا: هَذَا وَجْهٌ مُبَارَكٌ.

صِفَةُ لَوْنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، ثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ خَالِدٍ، هُوَ ابْنُ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدٍ، يَعْنِي ابْنَ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍيَصِفُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كَانَ رَبْعَةً مِنَ الْقَوْمِ، لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلَا بِالْقَصِيرِ، أَزْهَرَ اللَّوْنِ ; لَيْسَ بِأَبْيَضَ أَمْهَقَ وَلَا بِآدَمَ، لَيْسَ بِجَعْدِ قَطَطٍ وَلَا سَبْطٍ رَجِلٍ، أُنْزِلَ عَلَيْهِ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ فَلَبِثَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ يَنْزِلُ عَلَيْهِ، وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ، وَتُوُفِّيَ وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ. قَالَ رَبِيعَةُ: فَرَأَيْتُ شَعْرًا مِنْ شَعْرِهِ، فَإِذَا هُوَ أَحْمَرُ. فَسَأَلْتُ فَقِيلَ: احْمَرَّ مِنَ الطِّيبِ.

ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرْنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ وَلَا بِالْقَصِيرِ، وَلَيْسَ بِالْأَبْيَضِ الْأَمْهَقِ وَلَا بِالْآدَمِ، وَلَيْسَ بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ وَلَا بِالسَّبْطِ، بَعَثَهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ، وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ، فَتَوَفَّاهُ اللَّهُ وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ. وَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ قُتَيْبَةَ وَيَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ وَعَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ ثَلَاثَتِهِمْ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ وَعَنِ الْقَاسِمِ بْنِ زَكَرِيَّا، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَخْلَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، ثَلَاثَتِهِمْ عَنْ رَبِيعَةَ بِهِ. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ جَمِيعًا، عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: وَرَوَاهُ ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ فَقَالَ:كَانَ أَزْهَرَ اللَّوْنِ. قَالَ: وَرَوَاهُ حُمَيْدٌ كَمَا أَخْبَرْنَا. ثُمَّ سَاقَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ سُفْيَانَ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَا: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْمَرَ اللَّوْنِ.
وَهَكَذَا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ،

عَنْ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ. قَالَ: وَحَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَثْنَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالطَّوِيلِ وَلَا بِالْقَصِيرِ، وَكَانَ إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ، وَكَانَ أَسْمَرَ اللَّوْنِ. ثُمَّ قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ حُمَيْدٍ إِلَّا خَالِدٌ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ.
ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ: وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّزَّازُ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ جَعْفَرٍ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، ثَنَا حُمَيْدٌ، سَمِعْتُ أَنَسَ بْنِ مَالِكٍ يَقُولُ... فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: كَانَ أَبْيَضَ، بَيَاضُهُ إِلَى السُّمْرَةِ. قُلْتُ: وَهَذَا السِّيَاقُ أَصَحُّ مِنَ الَّذِي قَبِلَهُ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ السُّمْرَةَ الَّتِي كَانَتْ تَعْلُو وَجْهَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنْ كَثْرَةِ أَسْفَارِهِ وَبُرُوزِهِ لِلشَّمْسِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَقَدْ قَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ الْفَسَوِيُّ أَيْضًا: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَا: ثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ:رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ رَآهُ غَيْرِي. فَقُلْنَا لَهُ: صِفْ لَنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: كَانَ أَبْيَضَ مَلِيحَ الْوَجْهِ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ بِهِ. وَرَوَاهُ

أَيْضًا أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ إِيَاسٍ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ اللَّيْثِيِّ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْيَضَ مَلِيحًا، إِذَا مَشَى كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ فِي صَبُوبٍ. لَفَظُ أَبِي دَاوُدَ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ،أَنْبَأَنَا الْجُرَيْرِيُّ قَالَ: كُنْتُ أَطُوفُ مَعَ أَبِي الطُّفَيْلِ فَقَالَ: مَا بَقِيَ أَحَدٌ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرِي. قُلْتُ: وَرَأَيْتَهُ ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ كَانَتْ صِفَتُهُ ؟ قَالَ: كَانَ أَبْيَضَ مَلِيحًا مَقْصِدًا. وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ بُنْدَارٍ وَسُفْيَانَ بْنِ وَكِيعٍ، كِلَاهُمَا عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ بِهِ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ أَوْ أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، ثَنَا وَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الْأَسَدِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ:رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْيَضَ قَدْ شَابَ، وَكَانَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ يُشْبِهُهُ. ثُمَّ قَالَ: رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ وَاصِلِ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ. وَأَصْلُ الْحَدِيثِ كَمَا ذُكِرَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " وَلَكِنْ بِلَفْظٍ آخَرَ كَمَا سَيَأْتِي.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: عَنِ الْزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَالِكِ بْنِ

جُعْشُمٍ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ سُرَاقَةَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ:أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا دَنَوْتُ مِنْهُ وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ، جَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى سَاقِهِ كَأَنَّهَا جُمَّارَةٌ. وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَوَاللَّهِ لِكَأَنِي أَنْظُرُ إِلَى سَاقِهِ فِي غَرْزِهِ كَأَنَّهَا جُمَّارَةٌ. قُلْتُ: يَعْنِي مِنْ شِدَّةِ بَيَاضِهَا كَأَنَّهَا جُمَّارَةُ طَلْعِ النَّخْلِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ مَوْلًى لَهُمْ مُزَاحِمِ بْنِ أَبِي مُزَاحِمٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدِ بْنِ أَسِيدٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ خُزَاعَةَ يُقَالُ لَهُ: مُحَرِّشٌ أَوْ مُخَرِّشٌ. لَمْ يَكُنْ سُفْيَانُ يَقِفُ عَلَى اسْمِهِ، وَرُبَّمَا قَالَ: مُحَرِّشٌ. وَلَمْ أَسْمَعْهُ أَنَا،أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنَ الْجِعْرَانَةِ لَيْلًا، فَاعْتَمَرَ، ثُمَّ رَجَعَ فَأَصْبَحَ بِهَا كَبَائِتٍ، فَنَظَرْتُ إِلَى ظَهْرِهِ كَأَنَّهُ سَبِيكَةُ فِضَّةٍ. تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ. وَهَكَذَا رَوَاهُ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، عَنِ الْحُمَيْدِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَالِمٍ عَنِ الزُّبَيْدِيِّ، أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَيَصِفُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: كَانَ شَدِيدَ الْبَيَاضِ. وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ، وَلَمْ يُخْرِجُوهُ.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا حَسَنٌ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ، ثَنَا أَبُو يُونُسَ سُلَيْمُ بْنُ جُبَيْرٍ مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ:مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَحْسَنَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ كَأَنَّ الشَّمْسَ تَجْرِي فِي جَبْهَتِهِ، وَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَسْرَعَ فِي مِشْيَتِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. كَأَنَّمَا الْأَرْضُ تُطْوَى لَهُ، إِنَّا لَنَجْهَدُ أَنْفُسَنَا وَإِنَّهُ لَغَيْرُ مُكْتَرِثٍ. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ بِهِ، وَقَالَ:كَأَنَّ الشَّمْسَ تَجْرِي فِي وَجْهِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ: غَرِيبٌ. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ رِشْدِينَ بْنِ سَعْدٍ الْمِصْرِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي يُونُسَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَقَالَ:كَأَنَّ الشَّمْسَ تَجْرِي فِي وَجْهِهِ. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ حَدِيثِ حَرْمَلَةَ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي يُونُسَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَذَكَرَهُ، وَقَالَ:كَأَنَّمَا الشَّمْسُ تَجْرِي فِي وَجْهِهِ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، ثَنَا حَجَّاجٌ، ثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، يَعْنِي ابْنَ الْحَنَفِيَّةِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَزْهَرَ اللَّوْنِ.

وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هُرْمُزَ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ،عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُشْرَبًا وَجْهُهُ حُمْرَةً.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: ثَنَا ابْنُ الْأَصْبَهَانِيِّ، ثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: وَصَفَ لَنَا عَلِيٌّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: كَانَ أَبْيَضَ مُشْرَبَ الْحُمْرَةِ. وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِنَحْوِهِ مِنْ حَدِيثِ الْمَسْعُودِيِّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ هُرْمُزَ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ رُوِيَ هَكَذَا عَنْ عَلِيٍّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ. قُلْتُ: رَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَلِيٍّ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَيُقَالُ: إِنَّ الْمُشْرَبَ مِنْهُ حُمْرَةً مَا ضَحَا لِلشَّمْسِ وَالرِّيَاحِ، وَمَا تَحْتَ الثِّيَابِ فَهُوَ الْأَبْيَضُ الْأَزْهَرُ.

صِفَةُ وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذِكْرُ مَحَاسِنِهِ مِنْ فَرْقِهِ وَجَبِينِهِ وَحَاجِبَيْهِ وَعَيْنَيْهِ، وَأَنْفِهِ وَفَمِهِ وَثَنَايَاهُ، وَمَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ مِنْ مَحَاسِنِ طَلْعَتِهِ وَمُحَيَّاهُ
قَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ أَبِي الطُّفَيْلِ:كَانَ أَبْيَضَ مَلِيحَ الْوَجْهِ. وَقَوْلُ أَنَسٍ:كَانَ أَزْهَرَ اللَّوْنِ. وَقَوْلُ الْبَرَاءِ وَقَدْ قِيلَ لَهُ: أَكَانَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ السَّيْفِ؟ يَعْنِي فِي صِقَالِهِ، فَقَالَ: لَا، بَلْ مِثْلَ الْقَمَرِ. وَقَوْلُ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ وَقَدْ قِيلَ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ، فَقَالَ: لَا، بَلْ مِثْلَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ مُسْتَدِيرًا. وَقَوْلُ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ: لَوْ رَأَيْتَهُ لَقُلْتَ: الشَّمْسُ طَالِعَةٌ. وَفِي رِوَايَةٍ: لَرَأَيْتَ الشَّمْسَ طَالِعَةً.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ عَنِ امْرَأَةٍ مِنْ هَمْدَانَ حَجَّتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَهَا عَنْهُ، فَقَالَتْ: كَانَ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَكَأَنَّ الشَّمْسَ تَجْرِي فِي وَجْهِهِ. وَفِي رِوَايَةٍ: فِي جَبْهَتِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ وَحَسَنُ بْنُ مُوسَى، قَالَا: ثَنَا حَمَّادٌ، وَهُوَ ابْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَخْمَ الرَّأْسِ، عَظِيمَ الْعَيْنَيْنِ، أَهْدَبَ الْأَشْفَارِ مُشْرَبَ

الْعَيْنَيْنِ بِحُمْرَةٍ: كَثَّ اللِّحْيَةِ، أَزْهَرَ اللَّوْنِ، شَثْنَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، إِذَا مَشَى كَأَنَّمَا يَمْشِي فِي صُعُدٍ، وَإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ جَمِيعًا. تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.
وَقَالَ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الْوَاسِطِيُّ، ثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، ثَنَا الْحَجَّاجُ، عَنْ سَالِمٍ الْمَكِّيِّ، عَنِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ، عَنْ عَلِيٍّ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْصِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: كَانَ لَا قَصِيرًا وَلَا طَوِيلًا، حَسَنَ الشَّعْرِ رَجِلَهُ، مُشْرَبًا وَجْهُهُ حُمْرَةً ضَخْمَ الْكَرَادِيسِ، شَثْنَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، عَظِيمَ الرَّأْسِ، طَوِيلَ الْمَسْرُبَةِ، لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ، إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ كَأَنَّمَا يَنْزِلُ مِنْ صَبَبٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: عَنِ الْوَاقِدِيِّ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ:بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْيَمَنِ، فَإِنِّي لَأَخْطُبُ يَوْمًا عَلَى النَّاسِ، وَحَبْرٌ مِنْ أَحْبَارِ يَهُودَ وَاقِفٌ فِي يَدِهِ سِفْرٌ يَنْظُرُ فِيهِ، فَلَمَّا رَآنِي قَالَ: صِفْ لَنَا أَبَا الْقَاسِمِ. فَقَالَ عَلِيٌّ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بِالْقَصِيرِ وَلَا بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ، وَلَيْسَ بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ وَلَا بِالسَّبْطِ، هُوَ رَجِلُ الشَّعْرِ أَسْوَدُهُ، ضَخْمُ الرَّأْسِ، مُشْرَبٌ لَوْنُهُ حُمْرَةً، عَظِيمُ الْكَرَادِيسِ، شَثْنُ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، طَوِيلُ الْمَسْرُبَةِ، وَهُوَ الشَّعْرُ الَّذِي يَكُونُ مِنَ النَّحْرِ إِلَى السُّرَّةِ، أَهْدَبُ الْأَشْفَارِ، مَقْرُونُ الْحَاجِبَيْنِ، صَلْتُ الْجَبِينِ، بِعِيدُ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، إِذَا

مَشَى تَكَفَّأَ كَأَنَّمَا يَنْزِلُ مِنْ صَبَبٍ، لَمْ أَرَ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ. قَالَ عَلِيٌّ: ثُمَّ سَكَتَ، فَقَالَ لِيَ الْحَبْرُ: وَمَاذَا؟ قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا مَا يَحْضُرُنِي. قَالَ الْحَبْرُ: فِي عَيْنَيْهِ حُمْرَةٌ، حَسَنُ اللِّحْيَةِ، حَسَنُ الْفَمِ، تَامُّ الْأُذُنَيْنِ، يُقْبِلُ جَمِيعًا وَيُدْبِرُ جَمِيعًا. فَقَالَ عَلِيٌّ: هَذِهِ وَاللَّهِ صِفَتُهُ. قَالَ الْحَبْرُ: وَشَيْءٌ آخَرُ. قَالَ عَلِيٌّ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ الْحَبْرُ: وَفِيهِ جَنَأٌ. قَالَ عَلِيٌّ: هُوَ الَّذِي قُلْتُ لَكَ: كَأَنَّمَا يَنْزِلُ مِنْ صَبَبٍ. قَالَ الْحَبْرُ: فَإِنِّي أَجِدُ هَذِهِ الصِّفَةَ فِي سِفْرِ آبَائِي، وَنَجِدُهُ يُبْعَثُ فِي حَرَمِ اللَّهِ وَأَمْنِهِ وَمَوْضِعِ بَيْتِهِ، ثُمَّ يُهَاجِرُ إِلَى حَرَمٍ يُحَرِّمُهُ هُوَ، وَيَكُونُ لَهُ حُرْمَةٌ كَحُرْمَةِ الْحَرَمِ الَّذِي حَرَّمَ اللَّهُ، وَنَجِدُ أَنْصَارَهُ الَّذِينَ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ، قَوْمًا مِنْ وَلَدِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ أَهْلَ نَخْلٍ، وَأَهْلَ الْأَرْضِ قِبَلَهُمْ يَهُودَ. قَالَ عَلِيٌّ: هُوَ هُوَ، وَهُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ الْحَبْرُ: فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، وَأَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً، فَعَلَى ذَلِكَ أَحْيَا وَعَلَيْهِ أَمُوتُ وَعَلَيْهِ أُبْعَثُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. قَالَ: فَكَانَ يَأْتِي عَلِيًّا فَيُعَلِّمُهُ الْقُرْآنَ وَيُخْبِرُهُ بِشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ خَرَجَ عَلِيٌّ وَالْحَبْرُ مِنْ هُنَالِكَ حَتَّى مَاتَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَهُوَ مُؤْمِنٌ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُصَدِّقٌ بِهِ. وَهَذِهِ الصِّفَةُ قَدْ وَرَدَتْ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ سَيَأْتِي ذِكْرُهَا.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: سُئِلَ أَوْ قِيلَ لَعَلِيٍّ:انْعَتْ لَنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: كَانَ أَبْيَضَ مُشْرَبًا بَيَاضُهُ حُمْرَةً، وَكَانَ أَسْوَدَ الْحَدَقَةِ، أَهْدَبَ الْأَشْفَارِ.

قَالَ يَعْقُوبُ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَا: ثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، ثَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى غُفْرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ مِنْ وَلَدِ عَلِيٍّ، قَالَ: كَانَ عَلِيٌّإِذَا نَعَتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كَانَ فِي الْوَجْهِ تَدْوِيرٌ، أَبْيَضَ، أَدْعَجَ الْعَيْنَيْنِ، أَهْدَبَ الْأَشْفَارِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الدَّعَجُ: شِدَّةُ سَوَادِ الْعَيْنَيْنِ مَعَ سَعَتِهَا.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى فَى كِتَابِهِ " مَسَانِيدِ الشِّعْرِ "، مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ فِي " التَّارِيخِ " أَنَّهُ قَالَ: ثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّبِيعِيُّ، ثَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:كُنْتُ قَاعِدَةً أَغْزِلُ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْصِفُ نَعْلَهُ. قَالَتْ: فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ، فَجَعَلَ جَبِينُهُ يَعْرَقُ، وَجَعَلَ عَرَقُهُ يَتَوَلَّدُ نُورًا. قَالَتْ: فَبُهِتُّ. قَالَتْ: فَنَظَرَ إِلَيَّ فَقَالَ: " مَا لَكِ يَا عَائِشَةُ ؟ " قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَظَرْتُ إِلَيْكَ فَجَعَلَ جَبِينُكَ يَعْرَقُ، وَجَعَلَ عَرَقُكَ يَتَوَلَّدُ نُورًا، وَلَوْ رَآكَ أَبُو كَبِيرٍ الْهُذَلِيُّ لَعَلِمَ أَنَّكَ أَحَقُّ بِشِعْرِهِ. قَالَ: " وَمَا يَقُولُ أَبُو كَبِيرٍ ؟ " فَقُلْتُ: يَقُولُ:
وَمُبَرَّأً مِنْ كُلِّ غُبَّرِ حَيْضَةٍ وَفَسَادِ مُرْضِعَةٍ وَدَاءٍ مُغِيلِ

وَإِذَا نَظَرْتَ إِلَى أَسِرَّةِ وَجْهِهِ
بَرَقَتْ كَبَرْقِ الْعَارِضِ الْمُتَهَلِّلِ
قَالَتْ: فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ بِيَدِهِ، وَقَامَ إِلَيَّ وَقَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيَّ، وَقَالَ: " يَا عَائِشَةُ، مَا سُرِرْتِ مِنِّي كَسُرُورِي مِنْكِ ".
أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى مَوْلَاهُمُ الْبَصْرِيُّ أَحَدُ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ وَالْأَدَبِ وَأَيَّامِ النَّاسِ. قَالَ الْجَاحِظُ كَانَ عَارِفًا بِجَمِيعِ الْعُلُومِ. وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْمَدِينِيِّ يُثْنِي عَلَيْهِ وَيُصَحِّحُ رِوَايَتَهُ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَلَكِنَّهُ كَانَ مُتَّهَمًا بِرَأْيِ الْخَوَارِجِ وَبِالْإِحْدَاثِ. وَتُوُفِّيَ سَنَةَ عَشْرٍ وَمِائَتَيْنِ وَقَدْ قَارَبَ الْمِائَةَ أَوْ أَكْمَلَهَا. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَشَيْخُ الْبُخَارِيِّ لَا يُعْرَفُ، وَإِسْنَادُ الْغَرَابَةِ إِلَيْهِ أَوْلَى مِنْ إِسْنَادِهَا إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: ثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِي سِمَاكٌ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ يَقُولُ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْهَلَ الْعَيْنَيْنِ، مَنْهُوسَ الْعَقِبِ، ضَلِيعَ الْفَمِ. هَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ شُعْبَةَ: أَشَهَلَ الْعَيْنَيْنِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَالشُّهْلَةُ حُمْرَةٌ فِي سَوَادِ الْعَيْنِ، وَالشُّكْلَةُ حُمْرَةٌ فِي بَيَاضِ الْعَيْنِ. قُلْتُ: وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مُسْلِمٌ فِي " صَحِيحِهِ "، عَنْ أَبِي مُوسَى وَبُنْدَارٍ، كِلَاهُمَا

عَنْ غُنْدَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ بِهِ. وَقَالَ: أَشْكَلَ الْعَيْنَيْنِ. وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مَنِيعٍ، عَنْ أَبِي قَطَنٍ، عَنْ شُعْبَةَ بِهِ، وَقَالَ: أَشْكَلَ الْعَيْنَيْنِ. وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَوَقَعَ فِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " تَفْسِيرُ الشُّكْلَةِ بِطُولِ أَشْفَارِ الْعَيْنَيْنِ، وَهُوَ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ. وَقَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّهَا حُمْرَةٌ فِي بَيَاضِ الْعَيْنِ أَشْهَرُ وَأَصَحُّ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى الْقُوَّةِ وَالشَّجَاعَةِ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَالِمٍ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ، حَدَّثَنِي الْزُّهْرِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَصِفُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: كَانَ مُفَاضَ الْجَبِينِ، أَهْدَبَ الْأَشْفَارِ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: ثَنَا أَبُو غَسَّانَ، ثَنَا جُمَيْعُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعِجْلِيُّ، حَدَّثَنِي رَجُلٌ بِمَكَّةَ، عَنِ ابْنٍ لِأَبِي هَالَةَ التَّمِيمِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ خَالِهِ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاسِعَ الْجَبِينِ، أَزَجَّ الْحَوَاجِبِ سَوَابِغَ فِي غَيْرِ قَرَنٍ، بَيْنَهُمَا عِرْقٌ يُدِرُّهُ الْغَضَبُ، أَقْنَى الْعِرْنِينِ، لَهُ نُورٌ يَعْلُوهُ، يَحْسَبُهُ مَنْ لَمْ يَتَأَمَّلْهُ أَشَمَّ، سَهْلَ الْخَدَّيْنِ، ضَلِيعَ الْفَمِ، أَشْنَبَ، مُفَلَّجَ الْأَسْنَانِ.

وَقَالَ يَعْقُوبُ: ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ الْزُّهْرِيُّ، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفَلَجَ الثَّنِيَّتَيْنِ، وَكَانَ إِذَا تَكَلَّمَ رُئِيَ كَالنُّورِ بَيْنَ ثَنَايَاهُ. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُنْذِرِ بِهِ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا عَبَّادُ بْنُ حَجَّاجٍ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ:كُنْتُ إِذَا نَظَرْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَلْتُ: أَكْحَلُ الْعَيْنَيْنِ. وَلَيْسَ بِأَكْحَلَ، وَكَانَ فِي سَاقَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُمُوشَةٌ، وَكَانَ لَا يَضْحَكُ إِلَّا تَبَسُّمًا.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنِي مُجَمِّعُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِمْرَانَ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ وَالْمَسْعُودِيِّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هُرْمُزَ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بِالْقَصِيرِ وَلَا بِالطَّوِيلِ، ضَخْمَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، شَثْنَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ وَالْكَرَادِيسِ، مُشْرَبًا وَجْهُهُ حُمْرَةً، طَوِيلَ الْمَسْرُبَةِ، إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ تَكَفِّيًا، كَأَنَّمَا يَتَقَلَّعُ مِنْ

صَخْرٍ، لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ.
قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: وَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ الْخُرَيْبِيُّ عَنْ مُجَمِّعٍ، فَأَدْخَلَ بَيْنَ ابْنِ عِمْرَانَ وَبَيْنَ عَلِيٍّ رَجُلًا غَيْرَ مُسَمًّى. ثُمَّ أَسْنَدَ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ الْفَلَّاسِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دَاوُدَ، ثَنَا مُجَمِّعُ بْنُ يَحْيَى الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِمْرَانَ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ قَالَ:سَأَلْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَهُوَ مُحْتَبٍ بِحِمَالَةِ سَيْفِهِ فِي مَسْجِدِ الْكُوفَةِ عَنْ نَعْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: كَانَ أَبْيَضَ اللَّوْنِ مُشْرَبًا حُمْرَةً، أَدْعَجَ الْعَيْنَيْنِ، سَبْطَ الشَّعْرِ، دَقِيقَ الْمَسْرُبَةِ، سَهْلَ الْخَدِّ، كَثَّ اللِّحْيَةِ، ذَا وَفْرَةٍ، كَأَنَّ عُنُقَهُ إِبْرِيقُ فِضَّةٍ، لَهُ شَعْرٌ يَجْرِي مِنْ لَبَّتِهِ إِلَى سُرَّتِهِ كَالْقَضِيبِ، لَيْسَ فِي بَطْنِهِ وَلَا صَدْرِهِ شَعْرٌ غَيْرُهُ، شَثْنَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، إِذَا مَشَى كَأَنَّمَا يَنْحَدِرُ مِنْ صَبَبٍ، وَإِذَا مَشَى كَأَنَّمَا يَتَقَلَّعُ مِنْ صَخْرٍ، وَإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ جَمِيعًا، لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلَا بِالْقَصِيرِ، وَلَا الْعَاجِزِ وَلَا اللَّأْمِ، كَأَنَّ عَرَقَهُ فِي وَجْهِهِ اللُّؤْلُؤُ، وَلَرِيحُ عَرَقِهِ أَطْيَبُ مِنَ الْمِسْكِ الْأَذْفَرِ، لَمْ أَرَ مَثَلَهُ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: ثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، ثَنَا نُوحُ بْنُ قَيْسٍ الْحُدَّانِيُّ، ثَنَا خَالِدُ بْنُ خَالِدٍ التَّمِيمِيُّ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَازِنٍ الْمَازِنِيِّ، أَنَّ رَجُلًا

قَالَ لَعَلِيٍّ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ،انْعَتْ لَنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: كَانَ أَبْيَضَ مُشْرَبًا حُمْرَةً، ضَخْمَ الْهَامَةِ، أَغَرَّ، أَبْلَجَ، أَهْدَبَ الْأَشْفَارِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، ثَنَا شَرِيكٌ، عَنِ ابْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ شَرِيكٌ: قُلْتُ لَهُ: عَمَّنْ يَا أَبَا عُمَيْرٍ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ ؟ قَالَ: عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَخْمَ الْهَامَةِ، مُشْرَبًا حُمْرَةً، شَثْنَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، ضَخْمَ اللِّحْيَةِ طَوِيلَ الْمَسْرُبَةِ، ضَخْمَ الْكَرَادِيسِ، يَمْشِي فِي صَبَبٍ، يَتَكَفَّأُ فِي الْمِشْيَةِ لَا قَصِيرٌ وَلَا طَوِيلٌ، لَمْ أَرَ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ. وَقَدْ رُوِيَ لِهَذَا شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ عَنْ عَلِيٍّ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ نَحْوُهُ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: ثَنَا بُكَيْرُ بْنُ مِسْمَارٍ، عَنْ زِيَادٍ مَوْلَى سَعْدٍ قَالَ: سَأَلْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ هَلْ خَضَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ: لَا، وَلَا هَمَّ بِهِ، كَانَ شَيْبُهُ فِي عَنْفَقَتِهِ وَنَاصِيَتِهِ، لَوْ أَشَاءُ أَنْ أَعُدَّهَا لَعَدَدْتُهَا. قُلْتُ: فَمَا صِفَتُهُ ؟ قَالَ: كَانَ رَجُلًا لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلَا بِالْقَصِيرِ، وَلَا بِالْأَبْيَضِ الْأَمْهَقِ وَلَا بِالْآدَمِ، وَلَا بِالسَّبْطِ وَلَا بِالْقَطَطِ، وَكَانْتُ لِحْيَتُهُ حَسَنَةً، وَجَبِينُهُ صَلْتًا، مُشْرَبًا بِحُمْرَةٍ، شَثْنَ الْأَصَابِعِ شَدِيدَ سَوَادِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيُّ: ثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ فَارِسٍ ثَنَا يَحْيَى بْنُ حَاتِمٍ الْعَسْكَرِيُّ، ثَنَا بِشْرُ بْنُ مِهْرَانَ ثَنَا

شَرِيكٌ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ:إِنَّ أَوَّلَ شَيْءٍ عَلِمْتُهُ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ قَدِمْتُ مَكَّةَ فِي عُمُومَةٍ لِي، فَأَرْشَدُونَا إِلَى الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَانْتَهَيْنَا إِلَيْهِ وَهُوَ جَالِسٌ إِلَى زَمْزَمَ، فَجَلَسْنَا إِلَيْهِ، فَبَيْنَا نَحْنُ عِنْدَهُ إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ بَابِ الصَّفَا أَبْيَضُ، تَعْلُوهُ حُمْرَةٌ، لَهُ وَفْرَةٌ جَعْدَةٌ إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ، أَقْنَى الْأَنْفِ، بَرَّاقُ الثَّنَايَا، أَدْعَجُ الْعَيْنَيْنِ، كَثُّ اللِّحْيَةِ، دَقِيقُ الْمَسْرُبَةِ، شَثْنُ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، عَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَبْيَضَانِ، كَأَنَّهُ الْقَمَرُ لَيْلَةَ الْبَدْرِ. وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ، وَطَوَافَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِالْبَيْتِ وَصَلَاتَهُ عِنْدَهُ هُوَ وَخَدِيجَةُ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَأَنَّهُمْ سَأَلُوا الْعَبَّاسَ عَنْهُ، فَقَالَ: هَذَا هُوَ ابْنُ أَخِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَهُوَ يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ إِلَى النَّاسِ.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي ". فَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: يَعْنِي بِعَيْنَيْ قَلْبِهِ. حَتَّى فَسَّرَ بَعْضُهُمْ قَوْلَهُ تَعَالَى وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ [ الشُّعَرَاءِ: 219 ] بِذَلِكَ، وَهَذَا التَّفْسِيرُ ضَعِيفٌ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ كَانَ هَذَا مِنْ خَصَائِصِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، أَنَّهُ كَانَ يَنْظُرُ مِنْ وَرَائِهِ كَمَا يَنْظُرُ أَمَامَهُ. وَقَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحَافِظُ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ فَى كِتَابِهِ " دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ "، فَبَوَّبَ عَلَيْهِ وَأَوْرَدَ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فَى ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ ثَابِتٍ وَحُمَيْدٍ وَعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ وَقَتَادَةَ، كُلُّهُمْ عَنْ أَنَسٍ، فَذَكَرَهُ.

قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، ثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ عَجْلَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: إِنِّي لَأَنْظُرُ إِلَى مَا وَرَائِي كَمَا أَنْظُرُ إِلَى مَا بَيْنَ يَدَيَّ، فَأَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ، وَأَحْسِنُوا رُكُوعَكُمْ وَسُجُودَكُمْ ".
وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، ثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. فَذَكَرَ حَدِيثًا فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:إِنِّي وَاللَّهِ لَأُبْصِرُ مِنْ وَرَائِي كَمَا أُبْصِرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ وَرَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، بِمَثَلِهِ. وَهُوَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: هَلْ تَرَوْنَ قِبْلَتِي هَاهُنَا ؟ فَوَاللَّهِ مَا يَخْفَى عَلِيَّ خُشُوعُكُمْ وَلَا رُكُوعُكُمْ وَلَا سُجُودُكُمْ؛ إِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي.
ثُمَّ رَوَى عَنِ الْحُمَيْدِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ سَابُورَ وَحُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ وَابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرَى مِنْ خَلْفِهِ فَى الصَّلَاةِ كَمَا يَرَى مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ.

ثُمَّ رَوَى عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ الْحِمْصِيِّ وَغَيْرِهِ، عَنْ بَقِيَّةَ، حَدَّثَنِي حَبِيبُ ابْنُ أَبِي مُوسَى - وَهُوَ ابْنُ صَالِحٍ - قَالَ: كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَيْنَانِ فِي قَفَاهُ يُبْصِرُ بِهِمَا مِنْ وَرَائِهِ. وَهَذَا غَرِيبٌ جِدًّا.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، ثَنَا عَوْفُ بْنُ أَبِي جَمِيلَةَ، عَنْ يَزِيدَ الْفَارِسِيِّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّوْمِ فِي زَمَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ: وَكَانَ يَزِيدُ يَكْتُبُ الْمَصَاحِفَ. قَالَ: فَقُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّى رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّوْمِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: " إِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَشَبَّهَ بِي، فَمَنْ رَآنِي فِي النَّوْمِ فَقَدْ رَآنِي " فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَنْعَتَ لَنَا هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي رَأَيْتَ ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، رَأَيْتُ رَجُلًا بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ، جِسْمُهُ وَلَحْمُهُ أَسْمَرُ إِلَى الْبَيَاضِ، حَسَنَ الْمَضْحَكِ، أَكْحَلَ الْعَيْنَيْنِ، جَمِيلَ دَوَائِرِ الْوَجْهِ، قَدْ مَلَأَتْ لِحْيَتُهُ مِنْ هَذِهِ إِلَى هَذِهِ، حَتَّى كَادَتْ تَمْلَأُ نَحْرَهُ. قَالَ عَوْفٌ: لَا أَدْرِي مَا كَانَ مَعَ هَذَا مِنَ النَّعْتِ. قَالَ: فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَوْ رَأَيْتَهُ فِي الْيَقَظَةِ مَا اسْتَطَعْتَ أَنْ تَنْعَتَهُ فَوْقَ هَذَا.
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ فِي كِتَابِ " دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ ": بَابُ مَنْ ذَكَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا تَكَلَّمَ رُئِيَ النُّورُ مِنْ بَيْنِ ثَنِيَّتَيْهِ. حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ

الْحِزَامِيُّ، ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَخِي مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا تَكَلَّمَ رُئِيَ النُّورُ مِنْ ثَنِيَّتَيْهِ. إِسْنَادٌ جَيِّدٌ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهَلِيُّ: ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، ثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الْزُّهْرِيِّ قَالَ سُئِلَ أَبُو هُرَيْرَةَ،عَنْ صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَحْسَنُ الصِّفَةِ وَأَجْمَلُهَا؛ كَانَ رَبْعَةً إِلَى الطُّولِ أَقْرَبَ مَا هُوَ، بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ أَسِيلَ الْخَدَّيْنِ شَدِيدَ سَوَادِ الشَّعْرِ أَكْحَلَ الْعَيْنِ أَهْدَبَ الْأَشْفَارِ إِذَا وَطِئَ بِقَدَمِهِ وَطِئَ بِكُلِّهَا، لَيْسَ لَهَا أَخْمَصٌ، إِذَا وَضَعَ رِدَاءَهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ فَكَأَنَّهُ سَبِيكَةُ فِضَّةٍ، وَإِذَا ضَحِكَ كَادَ يَتَلَأْلَأُ فِي الْجُدُرِ لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَقَدْ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مُتَّصِلٍ، فَقَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ يَعْنِي الزُّبَيْدِيَّ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَالِمٍ عَنِ الزُّبَيْدِيِّ، عَنِ الْزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. فَذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ.
وَرَوَاهُ الذُّهَلِيُّ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي الْأَخْضَرِ، عَنِ الْزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ كَأَنَّمَا صِيغَ مِنْ فِضَّةٍ، رَجِلَ الشَّعْرِ، مُفَاضَ الْبَطْنِ، عَظِيمَ مُشَاشِ

الْمَنْكِبَيْنِ، يَطَأُ بِقَدَمِهِ جَمِيعًا، إِذَا أَقْبَلَ أَقْبَلَ جَمِيعًا، وَإِذَا أَدْبَرَ أَدْبَرَ جَمِيعًا.
وَرَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَثْنَ الْقَدَمَيْنِ وَالْكَفَّيْنِ، ضَخْمَ السَّاقَيْنِ، عَظِيمَ السَّاعِدَيْنِ، ضَخْمَ الْعَضُدَيْنِ وَالْمَنْكِبَيْنِ، بَعِيدَ مَا بَيْنَهُمَا، رَحْبَ الصَّدْرِ، رَجِلَ الرَّأْسِ، أَهْدَبَ الْعَيْنَيْنِ، حَسَنَ الْفَمِ، حَسَنَ اللِّحْيَةِ، تَامَّ الْأُذُنَيْنِ، رَبْعَةً مِنَ الْقَوْمِ، لَا طَوِيلًا وَلَا قَصِيرًا، أَحْسَنَ النَّاسِ لَوْنًا، يُقْبِلُ مَعًا وَيُدْبِرُ مَعًا، لَمْ أَرَ مِثْلَهُ، وَلَمْ أَسْمَعَ بِمِثْلِهِ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، ثَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْمَحْمُودِيُّ الْمَرْوَزِيُّ، ثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَافِظُ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، ثَنَا حَرْبُ بْنُ سُرَيْجٍ صَاحِبُ الْخُلْقَانِ، حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ بَلْعَدَوِيَّةِ، حَدَّثَنِي جَدِّي قَالَ: انْطَلَقْتُ إِلَى الْمَدِينَةِ... فَذَكَرَ الْحَدِيثَفِي رُؤْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَإِذَا رَجُلٌ حَسَنُ الْجِسْمِ، عَظِيمُ الْجُمَّةِ، دَقِيقُ الْأَنْفِ، دَقِيقُ الْحَاجِبَيْنِ، وَإِذَا مِنْ لَدُنْ نَحْرِهِ إِلَى سُرَّتِهِ كَالْخَيْطِ الْمَمْدُودِ شَعْرُهُ، وَرَأَيْتُهُ بَيْنَ طِمْرَيْنِ، فَدَنَا مِنِّي وَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ.

ذِكْرُ شَعْرِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
قَدْ ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ الْزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِشَيْءٍ، وَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَسْدِلُونَ أَشْعَارَهُمْ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَفْرُقُونَ رُؤُوسَهُمْ، فَسَدَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ فَرَقَ بَعْدُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا حَمَّادُ بْنُ خَالِدٍ، ثَنَا مَالِكٌ، ثَنَا زِيَادُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَسَدَلَ نَاصِيَتَهُ مَا شَاءَ أَنْ يَسْدِلَ، ثُمَّ فَرَقَ بَعْدُ. تَفَرَّدَ بِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:أَنَا فَرَقْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسَهُ؛ صَدَعْتُ فَرْقَهُ عَنْ يَافُوخِهِ، وَأَرْسَلْتُ نَاصِيَتَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَقَدْ قَالَ لِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَكَانَ فَقِيهًا مُسْلِمًا: مَا هِيَ إِلَّا سِيمَا مِنْ سِيمَا الْأَنْبِيَاءِ، تَمَسَّكَتْ بِهَا النَّصَارَى مِنْ بَيْنِ النَّاسِ.

وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنِ الْبَرَاءِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَضْرِبُ شَعْرُهُ إِلَى مَنْكِبَيْهِ. وَجَاءَ فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ، وَعَنْ غَيْرِهِ: إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ. وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْحَالَيْنِ، فَإِنَّ الشَّعْرَ تَارَةً يُطَوَّلُ، وَتَارَةً يُقَصَّرُ مِنْهُ، فَكَلٌّ حَكَى بِحَسَبِ مَا رَأَى.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: ثَنَا ابْنُ نُفَيْلٍ، ثَنَا ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:كَانَ شَعْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوْقَ الْوَفْرَةِ وَدُونَ الْجُمَّةِ. وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حَلَقَ جَمِيعَ رَأْسِهِ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ. وَقَدْ مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَحَدٍ وَثَمَانِينَ يَوْمًا صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ دَائِمًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ وَيَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، قَالَا: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: قَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ:قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ قَدْمَةً وَلَهُ أَرْبَعُ غَدَائِرَ. تَعْنِي ضَفَائِرَ. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ.

وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ رَبِيعَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِهِ شَعْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:إِنَّهُ لَيْسَ بِالسَّبْطِ وَلَا بِالْقَطَطِ. قَالَ: وَتَوَفَّاهُ اللَّهُ وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ.
وَفِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " مِنْ حَدِيثِ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، أَنَّهُ قَالَ: قُلْتُ لِأَنَسٍ:أَخَضَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ: إِنَّهُ لَمْ يَرَ مِنَ الشَّيْبِ إِلَّا قَلِيلًا. وَكَذَا رَوَى هُوَ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ.
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ: قِيلَ لِأَنَسٍ:هَلْ كَانَ شَابَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَ: مَا شَانَهُ اللَّهُ بِالشَّيْبِ، مَا كَانَ فِي رَأْسِهِ إِلَّا سَبْعَ عَشْرَةَ أَوْ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ شَعْرَةً.

وَعِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ الْمُثَنَّى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَخْتَضِبْ، إِنَّمَا كَانَ شَمَطٌ عِنْدَ الْعَنْفَقَةِ يَسِيرًا، وَفِي الصُّدْغَيْنِ يَسِيرًا، وَفِي الرَّأْسِ يَسِيرًا.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، ثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسًا:هَلْ خَضَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ: لَا، إِنَّمَا كَانَ شَيْءٌ فِي صُدْغَيْهِ.

وَرَوَى الْبُخَارِيُّ، عَنْ عِصَامِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ حَرِيزِ بْنِ عُثْمَانَ قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ السُّلَمِيِّ:رَأَيْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَانَ شَيْخًا ؟ قَالَ: كَانَ فِي عَنْفَقَتِهِ شَعَرَاتٌ بِيضٌ. وَتَقَدَّمَ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ مِثْلُهُ.
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ:رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ مِنْهُ بَيْضَاءُ. يَعْنِي عَنْفَقَتَهُ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ السُّكَّرِيِّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ الْقُرَشِيِّ قَالَ:دَخَلْنَا عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَأَخْرَجَتْ إِلَيْنَا مِنْ شَعْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا هُوَ أَحْمَرُ مَصْبُوغٌ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ سَلَّامِ بْنِ أَبِي مُطِيعٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُوهَبٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ بِهِ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، ثَنَا إِسْرَائِيلُ،عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مَوْهَبٍ قَالَ: كَانَ عِنْدَ أُمِّ سَلَمَةَ جُلْجُلٌ مِنْ فِضَّةٍ ضَخْمٌ، فِيهِ مِنْ شَعْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ إِذَا أَصَابَ إِنْسَانًا الْحُمَّى بَعَثَ إِلَيْهَا

فَخَضْخَضَتْهُ فِيهِ، ثُمَّ يَنْضَحُهُ الرَّجُلُ عَلَى وَجْهِهِ. قَالَ فَبَعَثَنِي أَهْلِي إِلَيْهَا فَأَخْرَجْتُهُ، فَإِذَا هُوَ هَكَذَا - وَأَشَارَ إِسْرَائِيلُ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ - وَكَانَ فِيهِ خَمْسُ شَعَرَاتٍ حُمْرٍ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ عُثْمَانَ بِهِ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ إِيَادٍ، حَدَّثَنِي إِيَادٌ، عَنْ أَبِي رِمْثَةَ قَالَ:انْطَلَقْتُ مَعَ أَبِي نَحْوَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ قَالَ: هَلْ تَدْرِي مَنْ هَذَا ؟ قُلْتُ: لَا قَالَ: إِنَّ هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَاقْشَعْرَرْتُ حِينَ قَالَ ذَلِكَ، وَكُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ رَسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ لَا يُشْبِهُ النَّاسَ، فَإِذَا هُوَ بَشَرٌ ذُو وَفْرَةٍ بِهَا رَدْعٌ مِنْ حِنَّاءٍ، وَعَلَيْهِ بُرْدَانِ أَخْضَرَانِ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ إِيَادِ بْنِ لَقِيطٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي رِمْثَةَ، وَاسْمُهُ حَبِيبُ بْنُ حَيَّانَ، وَيُقَالُ: رَفَاعَةُ بْنُ يَثْرِبِيٍّ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ إِيَادٍ. كَذَا قَالَ.
وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، كِلَاهُمَا عَنْ إِيَادِ بْنِ لَقِيطٍ بِهِ بِبَعْضِهِ. وَرَوَاهُ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ

أَيْضًا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُخَرِّمِيِّ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ الْحِمْيَرِيِّ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ حَمْزَةَ، عَنْ غَيْلَانَ بْنِ جَامِعٍ، عَنْ إِيَادِ بْنِ لَقِيطٍ عَنْ أَبِي رِمْثَةَ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْضِبُ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ، وَكَانَ شَعْرُهُ يَبْلُغُ كَتِفَيْهِ أَوْ مَنْكِبَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُطَرِّفٍ أَبُو سُفْيَانَ، ثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا ابْنُ أَبِي رَوَّادٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَلْبَسُ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةِ. وَيُصَفِّرُ لِحْيَتَهُ بِالْوَرْسِ وَالزَّعْفَرَانِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُ ذَلِكَ. وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ، عَنْ عَبْدَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْمَرْوَزِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُحَمَّدٍ الْعَنْقَزِيِّ بِهِ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثَنَا أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثَنَا

يَحْيَى بْنُ آدَمَ، ( ح ) وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْوَلِيدِ الْكِنْدِيُّ الْكُوفِيُّ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، ثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:كَانَ شَيْبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوًا مِنْ عِشْرِينَ شَعْرَةً. وَفِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ: رَأَيْتُ شَيْبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوًا مِنْ عِشْرِينَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ فِي مُقَدَّمِهِ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَحَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ الْفَقِيهُ، ثَنَا هِلَالُ بْنُ الْعَلَاءِ الرَّقِّيُّ، ثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَيَّاشٍ الرَّقِّيُّ، ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ قَالَ:قَدِمَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ الْمَدِينَةَ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالٍ عَلَيْهَا، فَبَعَثَ إِلَيْهِ عُمَرُ، وَقَالَ لِلرَّسُولِ: سَلْهُ هَلْ خَضَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنِّي رَأَيْتُ شَعْرًا مَنْ شَعْرِهِ قَدْ لُوِّنَ ؟ فَقَالَ أَنَسٌ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَدْ مُتِّعَ بِالسَّوَادِ، وَلَوْ عَدَدْتُ مَا أَقْبَلَ عَلِيَّ مِنْ شَيْبَةٍ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ مَا كُنْتُ أَزِيدُهُنَّ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ شَيْبَةً، وَإِنَّمَا هَذَا الَّذِي لُوِّنَ مِنَ الطِّيبِ الَّذِي كَانَ يُطَيَّبُ بِهِ شَعْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الَّذِي غَيَّرَ لَوْنَهُ.
قُلْتُ: وَنَفْيُ أَنَسٍ لِلْخِضَابِ مَعَارِضٌ بِمَا تَقَدَّمَ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ إِثْبَاتِهِ، وَالْقَاعِدَةُ الْمُقَرَّرَةُ أَنَّ الْإِثْبَاتَ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّفْيِ؛ لِأَنَّ الْمُثْبِتَ مَعَهُ زِيَادَةُ عِلْمٍ لَيْسَتْ عِنْدَ النَّافِي. وَهَكَذَا إِثْبَاتُ غَيْرِهِ لِأَزْيَدَ مِمَّا ذَكَرَ مِنَ الشَّيْبِ مُقَدَّمٌ، لَا سِيَّمَا عَنْ

ابْنِ عُمَرَ الَّذِي الْمَظْنُونُ أَنَّهُ تَلَقَّى ذَلِكَ عَنْ أُخْتِهِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ حَفْصَةَ، فَإِنَّ اطِّلَاعَهَا أَتَمُّ مِنَ اطِّلَاعِ أَنَسٍ؛ لِأَنَّهَا رُبَّمَا أَنَّهَا فَلَّتْ رَأْسَهُ الْكَرِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.

ذِكْرُ مَا وَرَدَ فِي مَنْكِبَيْهِ وَسَاعِدَيْهِ وَإِبِطَيْهِ وَقَدَمَيْهِ وَكَعْبَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَدْ تَقَدَّمَ مَا أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْبُوعًا، بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ. وَقَالَ الزُّبَيْدِيُّ، عَنِ الْزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ.
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ، عَنْ أَبِي النُّعْمَانِ، عَنْ جَرِيرٍ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَخْمَ الرَّأْسِ وَالْقَدَمَيْنِ، سَبْطَ الْكَفَّيْنِ. وَتَقَدَّمَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، كَانَ شَثْنَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ. وَفِي رِوَايَةٍ ضَخْمَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ.

وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: ثَنَا آدَمُ وَعَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَا: ثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، ثَنَا صَالِحٌ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ قَالَ: كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَنْعَتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:كَانَ شَبْحَ الذِّرَاعَيْنِ بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، أَهْدَبَ أَشْفَارِ الْعَيْنَيْنِ. وَفِي حَدِيثِ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَثْنَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، ضَخْمَ الْكَرَادِيسِ، طَوِيلِ الْمَسْرُبَةِ. وَتَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ حَجَّاجٍ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ:كَانَ فِي سَاقَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُمُوشَةٌ. أَيْ لَمْ يَكُونَا ضَخْمَيْنِ. وَقَالَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ: فَنَظَرْتُ إِلَى سَاقَيْهِ - وَفِي رِوَايَةٍ: قَدَمَيْهِ فِي الْغَرْزِ. يَعْنِي الرِّكَابَ - كَأَنَّهُمَا جُمَّارَةٌ. أَيْ جُمَّارَةُ النَّخْلِ؛ مِنْ بَيَاضِهِمَا.
وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ:كَانَ ضَلِيعَ الْفَمِ - وَفَسَّرَهُ بِأَنَّهُ عَظِيمُ الْفَمِ - أَشْكَلَ الْعَيْنَيْنِ - وَفَسَّرَهُ بِأَنَّهُ طَوِيلُ شَقِّ الْعَيْنَيْنِ - مَنْهُوسَ الْعَقِبِ. وَفَسَّرَهُ بِأَنَّهُ قَلِيلُ لَحْمِ الْعَقِبِ. وَهَذَا أَنْسَبُ وَأَحْسَنُ فِي حَقِّ الرِّجَالِ.
وَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ، ثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:أَخَذَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ بِيَدِي مَقْدَمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا أَنَسٌ غُلَامٌ كَاتِبٌ يَخْدِمُكَ. قَالَ: فَخَدَمْتُهُ تِسْعَ سِنِينَ، فَمَا قَالَ لِشَيْءٍ صَنَعْتُ: أَسَأْتَ. وَلَا: بِئْسَ مَا صَنَعْتَ. وَلَا مَسِسْتُ شَيْئًا قَطُّ خَزًّا وَلَا حَرِيرًا

أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا شَمَمْتُ رَائِحَةً قَطُّ مِسْكًا وَلَا عَنْبَرًا أَطْيَبَ مِنْ رَائِحَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَهَكَذَا رَوَاهُ مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَعَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ وَمَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، كُلُّهُمْ عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، فِي لِينِ كَفِّهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَطِيبِ رَائِحَتِهِ، صَلَاةُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ. وَفِي حَدِيثِ الزُّبَيْدِيِّ، عَنِ الْزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَكَانَ يَطَأُ بِقَدَمِهِ كُلِّهَا، لَيْسَ لَهَا أَخْمَصٌ. وَقَدْ جَاءَ خِلَافُ هَذَا، كَمَا سَيَأْتِي.
وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ مِقْسَمٍ قَالَ: حَدَّثَتْنِي عَمَّتِي سَارَةُ بِنْتُ مِقْسَمٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ بِنْتِ كَرْدَمٍ قَالَتْ:رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ وَهُوَ عَلَى نَاقَةٍ لَهُ، وَأَنَا مَعَ أَبِي، وَبِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِرَّةٌ كَدِرَّةِ الْكُتَّابِ، فَدَنَا مِنْهُ أَبِي، فَأَخَذَ بِقَدَمِهِ، فَأَقَرَّ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَتْ: فَمَا نَسِيتُ طُولَ أُصْبُعِ قَدَمِهِ السَّبَّابَةِ عَلَى سَائِرِ أَصَابِعِهِ. وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ مُطَوَّلًا. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ بِبَعْضِهِ، وَعَنْ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ خَالَتِهِ عَنْهَا، بِنَحْوِهِ. وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْهَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ أَبُو بَكْرٍ، ثَنَا سَلَمَةُ بْنُ حَفْصٍ السَّعْدِيُّ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ الْيَمَانِ، ثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: كَانَتْ أُصْبُعُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ خِنْصَرُهُ مِنْ رِجْلَيْهِ مُتَظَاهِرَةً. وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.

صِفَةُ قَوَامِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَطِيبِ رَائِحَتِهِ
فِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " مِنْ حَدِيثِ رَبِيعَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبْعَةً مِنَ الْقَوْمِ؛ لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلَا بِالْقَصِيرِ.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ وَجْهًا، وَأَحْسَنَهُمْ خَلْقًا، لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلَا بِالْقَصِيرِ. أَخْرَجَاهُ فِي " الصَّحِيحَيْنِ ".
وَقَالَ نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ عَلِيٍّ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلَا

بِالْقَصِيرِ، لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلَا بِالْقَصِيرِ، وَهُوَ إِلَى الطُّولِ أَقْرَبُ، وَكَانَ عَرَقُهُ كَاللُّؤْلُؤِ. الْحَدِيثَ.
وَقَالَ سَعِيدٌ، عَنْ نُوحِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ خَالِدِ التَّمِيمِيِّ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَازِنٍ الرَّاسِبِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بِالذَّاهِبِ طُولًا، وَفَوْقَ الرَّبْعَةِ، إِذَا جَاءَ مَعَ الْقَوْمِ غَمَرَهُمْ، وَكَانَ عَرَقُهُ فِي وَجْهِهِ كَاللُّؤْلُؤِ. الْحَدِيثَ.
وَقَالَ الزُّبَيْدِيُّ، عَنِ الْزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبْعَةً، وَهُوَ إِلَى الطُّولِ أَقْرَبُ، وَكَانَ يُقْبِلُ جَمِيعًا، وَيُدْبِرُ جَمِيعًا، لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ.
وَثَبَتَ فِي " الْبُخَارِيِّ " مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:مَا مَسِسْتُ بِيَدِي دِيبَاجًا وَلَا حَرِيرًا وَلَا شَيْئًا أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا شَمَمْتُ رَائِحَةً أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ

حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ بِهِ.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَزْهَرَ اللَّوْنِ، كَأَنَّ عَرَقَهُ اللُّؤْلُؤُ، إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ، وَمَا مَسِسْتُ حَرِيرًا وَلَا دِيبَاجًا أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا شَمَمْتُ مِسْكًا وَلَا عَنْبَرًا أَطْيَبَ مِنْ رَائِحَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: ثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، ثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:مَا مَسِسْتُ شَيْئًا قَطُّ خَزًّا وَلَا حَرِيرًا أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا شَمَمْتُ رَائِحَةً أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَهَذَا إِسْنَادٌ ثُلَاثِيٌّ عَلَى شَرْطِ " الصَّحِيحَيْنِ "، وَلَمْ يُخْرِجْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: أَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادِ بْنِ طَلْحَةَ الْقَنَّادُ - وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَحْمَدَ بْنِ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ عَنْهُ - قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ نَصْرٍ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ:صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْأُولَى، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى أَهْلِهِ، وَخَرَجْتُ مَعَهُ فَاسْتَقْبَلَهُ وِلْدَانٌ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ خَدَّيْ أَحَدِهِمْ وَاحِدًا وَاحِدًا. قَالَ: وَأَمَّا أَنَا فَمَسَحَ خَدِّي، فَوَجَدْتُ لِيَدِهِ

بَرْدًا وَرِيحًا، كَأَنَّمَا أَخْرَجَهَا مِنْ جُؤْنَةِ عَطَّارٍ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ حَمَّادٍ بِهِ نَحْوَهُ.
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَرْمِيُّ، ثَنَا أَبُو ثُمَيْلَةَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ وَائِلٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:كُنْتُ أُصَافِحُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ يَمَسُّ جِلْدِي جِلْدَهُ، فَأَتَعَرَّفُهُ فِي يَدِي بَعْدَمَا نَالَتْهُ أَطْيَبَ رَائِحَةً مِنَ الْمِسْكِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، ثَنَا شُعْبَةُ، وَحَجَّاجٌ، أَخْبَرَنِي شُعْبَةُ، عَنِ الْحِكَمِ سُمِعْتُ أَبَا جُحَيْفَةَ قَالَ:خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْهَاجِرَةِ إِلَى الْبَطْحَاءِ، فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ. زَادَ فِيهِ عَوْنٌ عَنْ أَبِيهِ: يَمُرُّ مِنْ وَرَائِهَا الْحِمَارُ وَالْمَرْأَةُ.
قَالَ حَجَّاجٌ فِي الْحَدِيثِ: ثُمَّ قَامَ النَّاسُ فَجَعَلُوا يَأْخُذُونَ يَدَهُ فَيَمْسَحُونَ بِهَا وُجُوهَهُمْ. قَالَ فَأَخَذْتُ يَدَهُ فَوَضَعْتُهَا عَلَى وَجْهِي، فَإِذَا هِيَ أَبْرَدُ مِنَ الثَّلْجِ، وَأَطْيَبُ رِيحًا مِنَ الْمِسْكِ. وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَعْوَرِ، عَنْ شُعْبَةَ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ سَوَاءً. وَأَصْلُ الْحَدِيثِ فِي

" الصَّحِيحَيْنِ " أَيْضًا.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ وَشُعْبَةُ وَشَرِيكٌ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِيهِ - يَعْنِي يَزِيدَ بْنَ الْأَسْوَدِ - قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَجْرَ بِمِنًى، فَانْحَرَفَ فَرَأَى رَجُلَيْنِ مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ، فَدَعَا بِهِمَا فَجِيءَ بِهِمَا تُرْعَدُ فَرَائِصُهُمَا، فَقَالَ: " مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَ النَّاسِ ؟ " قَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا قَدْ صَلَّيْنَا فِي الرِّحَالِ. قَالَ " فَلَا تَفْعَلَا إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فِي رَحْلِهِ، ثُمَّ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ مَعَ الْإِمَامِ فَلْيُصَلِّهَا مَعَهُ، فَإِنَّهَا لَهُ نَافِلَةٌ " قَالَ: فَقَالَ أُحُدُهُمَا: اسْتَغْفِرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَاسْتَغْفَرَ لَهُ، قَالَ: وَنَهَضَ النَّاسُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَهَضْتُ مَعَهُمْ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ أَشَبُّ الرِّجَالِ وَأَجْلَدُهُ. قَالَ: فَمَا زِلْتُ أَزْحَمُ النَّاسَ حَتَّى وَصَلْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ، فَوَضَعْتُهَا إِمَّا عَلَى وَجْهِي أَوْ صَدْرِي، قَالَ: فَمَا وَجَدْتُ شَيْئًا أَطْيَبَ وَلَا أَبْرَدَ مِنْ يَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: وَهُوَ يَوْمَئِذٍ فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ.
ثُمَّ رَوَاهُ أَيْضًا، عَنْ أَسْوَدَ بْنِ عَامِرٍ وَأَبِي النَّضْرِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ يَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الصُّبْحَ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، قَالَ:ثُمَّ ثَارَ النَّاسُ يَأْخُذُونَ بِيَدِهِ يَمْسَحُونَ بِهَا وُجُوهَهُمْ. قَالَ: فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ فَمَسَحْتُ بِهَا وَجْهِي، فَوَجَدْتُهَا أَبْرَدَ مِنَ الثَّلْجِ، وَأَطْيَبَ رِيحًا مِنَ الْمِسْكِ. وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ هُشَيْمٍ، عَنْ يَعْلَى بِهِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، ثَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَهْلِي عَنْ أَبِي قَالَ:أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ، فَشَرِبَ مِنْهُ، ثُمَّ مَجَّ فِي الدَّلْوِ، ثُمَّ صَبَّ فِي الْبِئْرِ، أَوْ شَرِبَ مِنَ الدَّلْوِ، ثُمَّ مَجَّ فِي الْبِئْرِ، فَفَاحَ مِنْهَا مِثْلُ رِيحِ الْمِسْكِ. وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ يَعْقُوبَ بْنِ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، وَهُوَ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ بِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا هَاشِمٌ، ثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى الْغَدَاةَ جَاءَ خَدَمُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ بِآنِيَتِهِمْ فِيهَا الْمَاءُ، فَمَا يُؤْتَى بِإِنَاءٍ إِلَّا غَمَسَ يَدَهُ فِيهَا، فَرُبَّمَا جَاؤُوهُ فِي الْغَدَاةِ الْبَارِدَةِ، فَغَمَسَ يَدَهُ فِيهَا. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي النَّضْرِ هَاشِمِ بْنِ الْقَاسِمِ بِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حُجَيْنُ بْنُ الْمُثَنَّى، ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، يَعْنِي ابْنَ أَبِي

سَلَمَةَ الْمَاجِشُونَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُ بَيْتَ أُمِّ سُلَيْمٍ فَيَنَامُ عَلَى فِرَاشِهَا وَلَيْسَتْ فِيهِ. قَالَ: فَجَاءَ ذَاتَ يَوْمٍ فَنَامَ عَلَى فِرَاشِهَا، فَأَتَتْ فَقِيلَ لَهَا: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَائِمٌ فِي بَيْتِكِ عَلَى فِرَاشِكِ. قَالَ: فَجَاءَتْ وَقَدْ عَرَقَ وَاسْتَنْقَعَ عَرَقُهُ عَلَى قِطْعَةِ أَدِيمٍ عَلَى الْفِرَاشِ، فَفَتَحَتْ عَتِيدَتَهَا، فَجَعَلَتْ تُنَشِّفُ ذَلِكَ الْعَرَقَ فَتَعْصِرُهُ فِي قَوَارِيرِهَا، فَفَزِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " مَا تَصْنَعِينَ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ ؟ " فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَرْجُو بَرَكَتَهُ لِصِبْيَانِنَا. قَالَ " أَصَبْتِ " وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ حُجَيْنٍ بِهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: ثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، ثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ عِنْدَنَا فَعَرِقَ، وَجَاءَتْ أُمِّي بِقَارُورَةٍ، فَجَعَلَتْ تَسْلُتُ الْعَرَقَ فِيهَا، فَاسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " يَا أُمَّ سُلَيْمٍ مَا هَذَا الَّذِي تَصْنَعِينَ ؟ " قَالَتْ: هَذَا عَرَقُكَ نَجْعَلُهُ فِي طِيبِنَا، وَهُوَ مِنْ أَطْيَبِ الطِّيبِ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ هَاشِمِ بْنِ الْقَاسِمِ بِهِ.

وَقَالَ أَحْمَدُ: ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، يَعْنِي السَّلُولِيَّ، ثَنَا عُمَارَةُ، يَعْنِي ابْنَ زَاذَانَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقِيلُ عِنْدَ أُمِّ سُلَيْمٍ، وَكَانَ مِنْ أَكْثَرِ النَّاسِ عَرَقًا، فَاتَّخَذَتْ لَهُ نِطْعًا، وَكَانَ يُقِيلُ عَلَيْهِ، وَخَطَّتْ بَيْنَ رِجْلَيْهِ خَطًّا، وَكَانَتْ تُنَشِّفُ الْعَرَقَ فَتَأْخُذُهُ، فَقَالَ: " مَا هَذَا يَا أُمَّ سُلَيْمٍ ؟ " قَالَتْ: عَرَقُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَجْعَلُهُ فِي طِيبِي. قَالَ: فَدَعَا لَهَا بِدُعَاءٍ حَسَنٍ تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، ثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِي بَيْتَ أُمِّ سُلَيْمٍ فَيَنَامُ عَلَى فِرَاشِهَا، وَلَيْسَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ فِي بَيْتِهَا، فَتَأْتِي فَتَجِدُهُ نَائِمًا، وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نَامَ ذَفَّ عَرَقًا، فَتَأْخُذُ عَرَقَهُ بِقُطْنَةٍ فِي قَارُورَةٍ فَتَجْعَلُهُ فِي مِسْكِهَا. وَهَذَا إِسْنَادٌ ثُلَاثِيٌّ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ وَلَا أَحَدٌ مِنْهُمَا.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنِي أَبُو عَمْرٍو الْمُقْرِئُ، أَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ - وَقَالَ مُسْلِمٌ: ثَنَا

أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ - ثَنَا عَفَّانَ، ثَنَا وُهَيْبٌ، ثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أُمِّ سُلَيْمٍأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْتِيهَا، فَيُقِيلُ عِنْدَهَا فَتَبْسُطُ لَهُ نِطْعًا، فَيُقِيلُ عَلَيْهِ، وَكَانَ كَثِيرَ الْعَرَقِ، فَكَانَتْ تَجْمَعُ عَرَقَهُ، فَتَجْعَلُهُ فِي الطِّيبِ وَالْقَوَارِيرِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا أُمَّ سُلَيْمٍ، مَا هَذَا ؟ " فَقَالَتْ: عَرَقُكَ أَدُوفُ بِهِ طِيبِي. لَفْظُ مُسْلِمٍ.
وَقَالَ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مَسْنَدِهِ: ثَنَا بِشْرٌ، ثَنَا حَلْبَسُ بْنُ غَالِبٍ، ثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي زَوَّجْتُ ابْنَتِي، وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ تُعِينَنِي بِشَيْءٍ. قَالَ: " مَا عِنْدِي شَيْءٌ، وَلَكِنْ إِذَا كَانَ غَدٌ فَأْتِنِي بِقَارُورَةٍ وَاسِعَةِ الرَّأْسِ وَعُودِ شَجَرَةٍ، وَآيَةُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَنْ تَدُقَّ نَاحِيَةَ الْبَابِ ". قَالَ: فَأَتَاهُ بِقَارُورَةٍ وَاسِعَةِ الرَّأْسِ، وَعُودِ شَجَرَةٍ. قَالَ: فَجَعَلَ يَسْلُتُ الْعَرَقَ مِنْ ذِرَاعَيْهِ حَتَّى امْتَلَأَتِ الْقَارُورَةُ. قَالَ: " فَخُذْهَا، وَمُرِ ابْنَتَكِ أَنْ تَغْمِسَ هَذَا الْعُودَ فِي الْقَارُورَةِ، وَتَطَّيَّبَ بِهِ ". قَالَ: فَكَانَتْ إِذَا تَطَيَّبَتْ بِهِ شَمَّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ رَائِحَةَ ذَلِكَ الطِّيبِ فَسُمُّوا بُيُوتَ الْمُطَيَّبِينَ وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا.

وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ، ثَنَا مُوسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، ثَنَا عُمَرُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَرَّ فِي طَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ الْمَدِينَةِ وَجَدُوا مِنْهُ رَائِحَةَ الطِّيبِ، وَقَالُوا: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الطَّرِيقِ. وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ فِي " دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ " مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ الْأَبَحِّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَرَّ فِي طَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ الْمَدِينَةِ وُجِدَ مِنْ ذَلِكَ الطَّرِيقِ رَائِحَةُ الْمِسْكِ، فَيَقُولُونَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الطَّرِيقِ. ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَيْضًا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعْرَفُ بِرِيحِ الطِّيبِ. قُلْتُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَيِّبًا، وَرِيحُهُ طَيِّبٌ، وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ يُحِبُّ الطِّيبَ أَيْضًا.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ، عَنْ سَلَّامٍ أَبِي الْمُنْذِرِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: حُبِّبَ إِلَيَّ النِّسَاءُ وَالطِّيبُ، وَجُعِلَ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ.
ثَنَا أَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، ثَنَا سَلَّامٌ أَبُو الْمُنْذِرِ الْقَارِئُ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ

أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا حُبِّبَ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا النِّسَاءُ وَالطِّيبُ، وَجُعِلَ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ وَهَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِهَذَا اللَّفْظِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عِيسَى الْقُومَسِيِّ، عَنْ عَفَّانَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ سَلَّامِ بْنِ سُلَيْمَانَ أَبِي الْمُنْذِرِ الْقَارِئِ الْبَصْرِيِّ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ فَذَكَرَهُ.
وَقَدْ رُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِلَفْظِ: حُبِّبَ إِلَيَّ مِنْ دُنْيَاكُمْ ثَلَاثٌ؛ الطِّيبُ وَالنِّسَاءُ، وَجُعِلَ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ وَلَيْسَ بِمَحْفُوظٍ بِهَذَا، فَإِنَّ الصَّلَاةَ لَيْسَتْ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا، وَإِنَّمَا هِيَ مَنْ أَهَمِّ شُئُونِ الْآخِرَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

صِفَةُ خَاتَمِ النُّبُوَّةِ الَّذِي بَيْنَ كَتِفَيْهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ
قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، ثَنَا حَاتِمٌ، عَنِ الْجُعَيْدِ قَالَ: سَمِعْتُ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ:ذَهَبَتْ بِي خَالَتِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ ابْنَ أُخْتِي وَقِعٌ، فَمَسَحَ رَأْسِي، وَدَعَا لِي بِالْبَرَكَةِ، وَتَوَضَّأَ

فَشَرِبْتُ مِنْ وَضُوئِهِ، ثُمَّ قُمْتُ خَلْفَ ظَهْرِهِ، فَنَظَرْتُ إِلَى خَاتَمِ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ مِثْلَ زِرِّ الْحَجَلَةِ. وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ، كِلَاهُمَا عَنْ حَاتِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بِهِ.
ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: قَالَ ابْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ: الْحُجْلَةُ مَنْ حُجَلِ الْفَرَسِ الَّذِي بَيْنَ عَيْنَيْهِ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ: مِثْلَ زِرِّ الْحَجَلَةِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: الرِّزُّ، الرَّاءُ قَبْلَ الزَّايِ.
وَقَالَ مُسْلِمٌ: ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ سِمَاكٍ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ يَقُولُ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ شَمِطَ مُقَدَّمُ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ، وَكَانَ إِذَا ادَّهَنَ لَمْ يَتَبَيَّنْ، وَإِذَا شَعِثَ رَأْسُهُ تَبَيَّنَ، وَكَانَ كَثِيرَ شَعْرِ اللِّحْيَةِ. فَقَالَ رَجُلٌ: وَجْهُهُ مِثْلُ السَّيْفِ ؟ قَالَ: لَا، بَلْ كَانَ مِثْلَ الشَّمْسِ

وَالْقَمَرِ، وَكَانَ مُسْتَدِيرًا، وَرَأَيْتُ الْخَاتَمَ عِنْدَ كَتِفِهِ مِثْلَ بَيْضَةِ الْحَمَامَةِ يُشْبِهُ جَسَدَهُ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَّنَى، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكٍ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ:رَأَيْتُ خَاتَمًا فِي ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّهُ بَيْضَةُ حَمَامٍ.
وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، ثَنَا حَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ سِمَاكٍ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ قَالَ:تَرَوْنَ هَذَا الشَّيْخَ ؟ يَعْنِي نَفْسَهُ، كَلَّمْتُ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَكَلْتُ مَعَهُ، وَرَأَيْتُ الْعَلَامَةَ الَّتِي بَيْنَ كَتِفَيْهِ، وَهِيَ فِي طَرَفِ نُغْضِ كَتِفِهِ الْيُسْرَى، كَأَنَّهُ جُمْعٌ - يَعْنِي الْكَفَّ الْمُجْتَمِعَ، وَقَالَ بِيَدِهِ فَقَبَضَهَا - عَلَيْهِ خِيلَانٌ كَهَيْئَةِ الثَّآلِيلِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ وَأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، قَالَا: ثَنَا شَرِيكٌ،

عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ قَالَ:رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، وَأَكَلْتُ مِنْ طَعَامِهِ، وَشَرِبْتُ مِنْ شَرَابِهِ، وَرَأَيْتُ خَاتَمَ النُّبُوَّةِ. قَالَ هَاشِمٌ: فِي نُغْضِ كَتِفِهِ الْيُسْرَى، كَأَنَّهُ جُمْعٌ فِيهِ خِيلَانٌ سُودٌ، كَأَنَّهَا الثَّآلِيلُ. وَرَوَاهُ عَنْ غُنْدَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَشَكَّ شُعْبَةُ فِي أَنَّهُ هَلْ هُوَ فِي نُغْضِ الْكَتِفِ الْيُمْنَى أَوِ الْيُسْرَى.
وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَعَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ وَعَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ، ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ قَالَ:أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَكَلْتُ مَعَهُ خُبْزًا وَلَحْمًا. أَوْ قَالَ: ثَرِيدًا. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، غَفَرَ اللَّهُ لَكَ. قَالَ: " وَلَكَ ". فَقُلْتُ لَهُ: أَسْتَغْفِرُ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَكُمْ. ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [ مُحَمَّدٍ: 19 ]. قَالَ: ثُمَّ دُرْتُ خَلْفَهُ فَنَظَرْتُ إِلَى خَاتَمِ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ عِنْدَ نُغْضِ كَتِفِهِ الْيُسْرَى جُمْعًا، عَلَيْهِ خِيلَانٌ كَأَمْثَالٍ الثَّآلِيلِ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: ثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ:، ثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرِنِي الْخَاتَمَ. فَقَالَ " أَدْخِلْ يَدَكَ ". فَأَدْخَلْتُ يَدِي فِي جُرُبَّانِهِ، فَجَعَلْتُ أَلْمِسُ أُنَظُرُ إِلَى الْخَاتَمِ، فَإِذَا هُوَ عَلَى

نُغْضِ كَتِفِهِ مِثْلُ الْبَيْضَةِ، فَمَا مَنَعَهُ ذَاكَ أَنْ جَعَلَ يَدْعُو لِي وَإِنَّ يَدِي لَفِي جُرُبَّانِهِ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ بِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا وَكِيعٌ، ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِيَادِ بْنِ لَقِيطٍ السَّدُوسَيِّ، عَنْ أَبِي رِمْثَةَ التَّيْمِيِّ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ أَبِي حَتَّى أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَأَيْتُ بِرَأْسِهِ رَدْعَ حِنَّاءٍ، وَرَأَيْتُ عَلَى كَتِفِهِ مِثْلَ التُّفَّاحَةِ، فَقَالَ أَبِي: إِنِّي طَبِيبٌ أَلَا أَبُطُّهَا لَكَ ؟ قَالَ: " طَبِيبُهَا الَّذِي خَلَقَهَا " قَالَ: وَقَالَ لِأَبِي: " هَذَا ابْنُكَ ؟ " قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: " أَمَا إِنَّهُ لَا يَجْنِي عَلَيْكَ، وَلَا تَجْنِي عَلَيْهِ ".
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ إِيَادٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِي رَبِيعَةَ أَوْ رِمْثَةَ قَالَ: انْطَلَقْتُ مَعَ أَبِي نَحْوَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَظَرَ إِلَى مِثْلِ السِّلْعَةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي كَأَطَبِّ الرِّجَالِ أَفَأُعَالِجُهَا لَكَ ؟ قَالَ: " لَا، طَبِيبُهَا الَّذِي خَلَقَهَا "..
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، عَنْ إِيَادِ بْنِ لَقِيطٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: فَإِذَا خَلْفَ كَتِفِهِ مِثْلُ التُّفَّاحَةِ.
وَقَالَ عَاصِمُ بْنُ بَهْدَلَةَ عَنْ أَبِي رِمْثَةَ: فَإِذَا فِي نُغْضِ كَتِفِهِ مِثْلُ بَعْرَةِ الْبَعِيرِ

أَوْ بَيْضَةِ الْحَمَامَةِ.
ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ سَلَامَةَ الْعِجْلِيِّ، عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ:أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَلْقَى رِدَاءَهُ وَقَالَ " " يَا سَلْمَانُ، انْظُرِ إِلَى مَا أُمِرْتَ بِهِ ". قَالَ: فَرَأَيْتُ الْخَاتَمَ بَيْنَ كَتِفَيْهِ مِثْلَ بَيْضَةِ الْحَمَامَةِ.
وَرَوَى يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، عَنِ الْحُمَيْدِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمٍ، عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ، عَنِ التَّنُوخِيِّ الَّذِي بَعَثَهُ هِرَقْلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ بِتَبُوكَ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ إِلَى أَنْ قَالَ: فَحَلَّ حَبْوَتَهُ عَنْ ظَهْرِهِ، ثُمَّ قَالَ:هَهُنَا امْضِ لِمَا أُمِرْتَ بِهِ فَجُلْتُ فِي ظَهْرِهِ، فَإِذَا أَنَا بِخَاتَمٍ فِي مَوْضِعِ غُضْرُوفِ الْكَتِفِ مِثْلَ الْمِحْجَمَةِ الضَّخْمَةِ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: ثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَيْسَرَةَ، ثَنَا عَتَّابٌ، سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ يَقُولُ: الْخَاتَمُ الَّذِي بَيْنَ كَتِفَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَحْمَةٌ نَاتِئَةٌ.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا شُرَيْجٌ، ثَنَا أَبُو لَيْلَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَيْسَرَةَ الْخُرَاسَانِيُّ، عَنْ غِيَاثٍ الْبِكْرِيِّ قَالَ:كُنَّا نُجَالِسُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ بِالْمَدِينَةِ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ خَاتَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي كَانَ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، فَقَالَ بِأُصْبُعِهِ السَّبَّابَةِ هَكَذَا: لَحْمٌ نَاشِزٌ بَيْنَ كَتِفَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا رَوَاهُ أَبُو حَاتِمٍ مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ حِبَّانَ الْبُسْتِيُّ فِي " صَحِيحِهِ " قَائِلًا: أَخْبَرَنَا نَصْرُ بْنُ الْفَتْحِ بْنِ سَالِمٍ الْمُرَبَّعِيُّ الْعَابِدُ بِسَمَرْقَنْدَ، ثَنَا رَجَاءُ بْنُ مُرَجَّى الْحَافِظُ، ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَاضِي سَمَرْقَنْدَ ثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ فِي ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ الْبُنْدُقَةِ مِنْ لَحْمٍ، عَلَيْهِ مَكْتُوبٌ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ. وَهَذَا حَدِيثٌ سَكَتَ عَلَيْهِ ابْنُ حِبَّانَ، وَقَدْ دَخَلَ عَلَى رَاوِيهِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ الْوَهْمُ، فَإِنَّ الْمَكْتُوبَ عَلَيْهِ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، هُوَ خَاتَمُهُ الَّذِي كَانَ يَلْبَسُهُ فِي خِنْصَرِهِ مِنَ الْفِضَّةِ، فَأَمَّا خَاتَمُ النُّبُوَّةِ الَّذِي بَيْنَ كَتِفَيْهِ فَلَمْ يَرِدْ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ الْأَحَادِيثِ. وَبِمِثْلِ هَذَا التَّفَرُّدِ لَا يُقْبَلُ مِنْ رِوَايَةِ ذَلِكَ حَتَّى يَرْوِيَهُ الثِّقَاتُ؛ إِذْ نَقْلُ هَذَا مِمَّا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِ مِثْلِهِ فَلَا يُقْبَلُ فِيهِ تَفَرُّدُ الرَّاوِي. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَدْ ذَكَرَ الْحَافِظُ أَبُو الْخَطَّابِ بْنُ دِحْيَةَ الْمِصْرِيُّ فِي كِتَابِهِ " التَّنْوِيرِ فِي مَوْلِدِ الْبَشِيرِ النَّذِيرِ " عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ بِشْرٍ الْمَعْرُوفِ بِالْحَكِيمِ التِّرْمِذِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: كَانَ الْخَاتَمُ الَّذِي بَيْنَ كَتِفَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّهُ بَيْضَةُ حَمَامَةٍ مَكْتُوبٌ فِي بَاطِنِهَا: اللَّهُ وَحْدَهُ. وَفِي ظَاهِرِهَا: تَوَجَّهْ حَيْثُ شِئْتَ فَإِنَّكَ مَنْصُورٌ. ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا غَرِيبٌ. وَاسْتَنْكَرَهُ، قَالَ: وَقِيلَ: كَانَ مِنْ نُورٍ. ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ مَالِكِ بْنِ عَائِذٍ فِي كِتَابِهِ " تَنَقُّلِ الْأَنْوَارِ " وَحَكَى أَقْوَالًا غَرِيبَةً غَيْرَ ذَلِكَ، وَمِنْ أَحْسَنِ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ دِحْيَةَ، رَحِمَهُ اللَّهُ، وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ قَبْلَهُ فِي الْحِكْمَةِ فِي كَوْنِ الْخَاتَمِ كَانَ بَيْنَ كَتِفَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدَكَ يَأْتِي مِنْ وَرَائِكَ. قَالَ: وَقِيلَ كَانَ عَلَى نُغْضِ كَتِفِهِ. لِأَنَّهُ يُقَالُ: هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَدْخُلُ الشَّيْطَانُ مِنْهُ إِلَى بَاطِنِ الْإِنْسَانِ. فَكَانَ هَذَا عِصْمَةً لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنَ الشَّيْطَانِ.
قُلْتُ: وَقَدْ ذَكَرْنَا الْأَحَادِيثَ الدَّالَّةَ عَلَى أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَلَا رَسُولَ، عِنْدَ تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا [ الْأَحْزَابِ: 40 ].

بَابٌ جَامِعٌ لِأَحَادِيثَ مُتَفَرِّقَةٍ وَرَدَتْ فِي صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَدْ تَقَدَّمَ فِي رِوَايَةِ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، أَنَّهُ قَالَ: لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، ثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ، ثَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى غُفْرَةَ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ مِنْ وَلَدِ عَلِيٍّ، قَالَ:كَانَ عَلِيٌّ إِذَا نَعَتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَمْ يَكُنْ بِالطَّوِيلِ الْمُمَّغِطِ وَلَا الْقَصِيرِ الْمُتَرَدِّدِ، وَكَانَ رَبْعَةً مِنَ الْقَوْمِ، وَلَمْ يَكُنْ بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ، وَلَا بِالسَّبْطِ، كَانَ جَعْدًا رَجِلًا، وَلَمْ يَكُنْ بِالْمُطَهَّمِ وَلَا الْمُكَلْثَمِ، وَكَانَ فِي الْوَجْهِ تَدْوِيرٌ، أَبْيَضَ مُشْرَبًا، أَدْعَجَ الْعَيْنَيْنِ، أَهْدَبَ الْأَشْفَارِ، جَلِيلَ الْمُشَاشِ وَالْكَتَدِ، أَجْرَدَ ذَا مَسْرُبَةٍ، شَثْنَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، إِذَا مَشَى تَقَلَّعَ كَأَنَّمَا يَمْشِي

فِي صَبَبٍ، وَإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ مَعًا، بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ، أَجْوَدَ النَّاسِ كَفًّا، وَأَرْحَبَ النَّاسِ صَدْرًا، وَأَصْدَقَ النَّاسِ لَهْجَةً، وَأَوْفَى النَّاسِ ذِمَّةً، وَأَلْيَنَهُمْ عَرِيكَةً، وَأَلْزَمَهُمْ عِشْرَةً، مَنْ رَآهُ بَدِيهَةً هَابَهُ، وَمَنْ خَالَطَهُ مَعْرِفَةً أَحَبَّهُ، يَقُولُ نَاعِتُهُ: لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ. وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الْإِمَامُ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي كِتَابِ " الْغَرِيبِ "، ثُمَّ رَوَى عَنِ الْكِسَائِيِّ وَالْأَصْمَعِيِّ وَأَبِي عَمْرٍو تَفْسِيرَ غَرِيبِهِ، وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ مِمَّا فِيهِ غَرَابَةٌ أَنَّ الْمُطَهَّمَ هُوَ الْمُمْتَلِئُ الْجِسْمِ، وَالْمُكَلْثَمَ شَدِيدُ تَدْوِيرِ الْوَجْهِ، يَعْنِي لَمْ يَكُنْ بِالسَّمِينِ النَّاهِضِ، وَلَمْ يَكُنْ ضَعِيفًا، بَلْ كَانَ بَيْنَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ وَجْهُهُ فِي غَايَةِ التَّدْوِيرِ بَلْ فِيهِ سُهُولَةٌ، وَهِيَ أَحْلَى عِنْدَ الْعَرَبِ وَمَنْ يَعْرِفُ، وَكَانَ أَبْيَضَ مُشْرَبًا حُمْرَةً، وَهِيَ أَحْسَنُ اللَّوْنِ، وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ أَمْهَقَ اللَّوْنِ، وَالْأَدْعَجَ هُوَ شَدِيدُ سَوَادِ الْحَدَقَةِ، وَجَلِيلَ الْمُشَاشِ هُوَ عَظِيمُ رُؤُوسِ الْعِظَامِ مِثْلِ الرُّكْبَتَيْنِ وَالْمِرْفَقَيْنِ وَالْمَنْكِبَيْنِ، وَالْكَتَدَ الْكَاهِلُ وَمَا يَلِيهِ مِنَ الْجَسَدِ. وَقَوْلُهُ: شَثْنَ الْكَفَّيْنِ. أَيْ: غَلِيظَهُمَا. وَتَقَلَّعَ فِي مِشْيَتِهِ، أَيْ شَدِيدَ الْمِشْيَةِ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الشُّكْلَةِ وَالشُّهْلَةِ وَالْفَرْقِ

بَيْنَهُمَا، وَالْأَهْدَبَ طَوِيلُ أَشْفَارِ الْعَيْنِ، وَجَاءَ فِي حَدِيثٍ أَنَّهُ كَانَ شَبْحَ الذِّرَاعَيْنِ يَعْنِي غَلِيظَهُمَا. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

حَدِيثُ أُمِّ مَعْبَدٍ فِي ذَلِكَ
قَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ بِتَمَامِهِ فِي الْهِجْرَةِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ حِينَ وَرَدَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَمَوْلَاهُ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ وَدَلِيلُهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُرَيْقِطَ الدِّيلِيُّ، فَسَأَلُوهَا هَلْ عِنْدَهَا لَبَنٌ أَوْ لَحْمٌ يَشْتَرُونَهُ مِنْهَا، فَلَمْ يَجِدُوا عِنْدَهَا شَيْئًا، وَقَالَتْ: لَوْ كَانَ عِنْدَنَا شَيْءٌ مَا أَعْوَزَكُمُ الْقِرَى. وَكَانُوا مُمْحِلِينَ، فَنَظَرَ إِلَى شَاةٍ فِي كَسْرِ خَيْمَتِهَا، فَقَالَ: مَا هَذِهِ الشَّاةُ يَا أُمَّ مَعْبَدٍ ؟ " فَقَالَتْ: خَلَّفَهَا الْجَهْدُ. فَقَالَ: " أَتَأْذَنِينَ أَنْ أَحْلِبَهَا ؟ " فَقَالَتْ: إِنْ كَانَ بِهَا حَلَبٌ فَاحْلِبْهَا. فَدَعَا بِالشَّاةِ فَمَسَحَهَا وَذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي حَلْبِهِ مِنْهَا مَا كَفَاهُمْ أَجْمَعِينَ، ثُمَّ حَلَبَهَا وَتَرَكَ عِنْدَهَا إِنَاءَهَا مَلْأَى، وَكَانَ يُرْبِضُ الرَّهْطَ، فَلِمَا جَاءَ بَعْلُهَا اسْتَنْكَرَ اللَّبَنَ وَقَالَ: مِنْ أَيْنَ لَكِ هَذَا يَا أُمَّ مَعْبَدٍ وَلَا حَلُوبَةَ فِي الْبَيْتِ، وَالشَّاءُ عَازِبٌ ؟! فَقَالَتْ: لَا وَاللَّهِ، إِلَّا أَنَّهُ مَرَّ بِنَا رَجُلٌ مُبَارَكٌ كَانَ مِنْ حَدِيثِهِ كَيْتَ وَكَيْتَ. فَقَالَ: صِفِيهِ لِي، فَوَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَاهُ صَاحِبَ قُرَيْشٍ الَّذِي تَطْلُبُ. فَقَالَتْ:

رَأَيْتُ رَجُلًا ظَاهِرَ الْوَضَّاءَةِ، حَسَنَ الْخَلْقِ، مَلِيحَ الْوَجْهِ، لَمْ تَعِبْهُ ثُجْلَةٌ، وَلَمْ تُزْرِ بِهِ صَعْلَةٌ، قَسِيمٌ وَسِيمٌ، فِي عَيْنَيْهِ دُعْجٌ، وَفِي أَشْفَارِهِ وَطَفٌ، وَفِي صَوْتِهِ صَحَلٌ، أَحْوَرُ، أَكْحَلُ، أَزَجُّ، أَقْرَنُ، فِي عُنُقِهِ سَطَعٌ، وَفِي لِحْيَتِهِ كَثَافَةٌ، إِذَا صَمَتَ فَعَلَيْهِ الْوَقَارُ، وَإِذَا تَكَلَّمَ سَمَا، وَعَلَاهُ الْبَهَاءُ، حُلْوُ الْمَنْطِقِ فَصْلٌ، لَا نَزْرٌ وَلَا هَذْرٌ، كَأَنَّ مَنْطِقَهُ خَرَزَاتُ نَظْمٍ يَنْحَدِرْنَ، أَبْهَى النَّاسِ وَأَجْمَلُهُ مِنْ بَعِيدٍ، وَأَحْلَاهُ وَأَحْسَنُهُ مِنْ قَرِيبٍ؛ رَبْعَةٌ لَا تَشْنَؤُهُ عَيْنٌ مِنْ طُولٍ، وَلَا تَقْتَحِمُهُ عَيْنٌ مَنْ قِصَرٍ، غُصْنٌ بَيْنَ غُصْنَيْنِ فَهُوَ أَنْضَرُ الثَّلَاثَةِ مَنْظَرًا، وَأَحْسَنُهُمْ قَدًّا، لَهُ رُفَقَاءُ يَحُفُّونَ بِهِ، إِنْ قَالَ اسْتَمَعُوا لِقَوْلِهِ، وَإِنَّ أَمَرَ تَبَادَرُوا إِلَى أَمْرِهِ، مَحْفُودٌ مَحْشُودٌ، لَا عَابِسٌ وَلَا مُفَنَّدٌ. فَقَالَ بَعْلُهَا: هَذَا وَاللَّهِ صَاحِبُ قُرَيْشٍ الَّذِي تَطْلُبُ، وَلَوْ صَادَفْتُهُ لَالْتَمَسْتُ أَنْ أَصْحَبَهُ، وَلَأَجْهَدَنَّ إِنْ وَجَدْتُ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلًا. قَالَ: وَأَصْبَحَ صَوْتٌ بِمَكَّةَ عَالٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ يَسْمَعُونَهُ، وَلَا يَرَوْنَ مَنْ يَقُولُهُ وَهُوَ يَقُولُ:
جَزَى اللَّهُ رَبُّ النَّاسِ خَيْرَ جَزَائِهِ رَفِيقَيْنِ حَلَّا خَيْمَتَيْ أُمِّ مَعْبَدِ هُمَا نَزَلَا بَالْبِرِّ وَارْتَحَلَا بِهِ
فَأَفْلَحَ مَنْ أَمْسَى رَفِيقَ مُحَمَّدِ فِيَالَ قُصَيٍّ مَا زَوَى اللَّهُ عَنْكُمُ
بِهِ مِنْ فِعَالٍ لَا تُجَارَى وَسُؤْدُدِ

سَلُوا أُخْتَكُمْ عَنْ شَاتِهَا وَإِنَائِهَا
فَإِنَّكُمُ إِنْ تَسْأَلُوا الشَّاةَ تَشْهَدِ دَعَاهَا بِشَاةٍ حَائِلٍ فَتَحَلَّبَتْ
لَهُ بِصَرِيحٍ ضَرَّةُ الشَّاةِ مُزْبِدِ فَغَادَرَهُ رَهْنًا لَدَيْهَا لِحَالِبٍ
يَدُرُّ لَهَا فِي مَصْدَرٍ ثُمَّ مَوْرِدِ
وَقَدْ قَدَّمْنَا جَوَابَ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ لِهَذَا الشِّعْرِ الْمُبَارَكِ بِمِثْلِهِ فِي الْحُسْنِ.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الْحَافِظَ الْبَيْهَقِيَّ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ وَهْبٍ الْمَذْحِجِيِّ قَالَ: ثَنَا الْحُرُّ بْنُ الصَّيَّاحِ، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيِّ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ بِأَلْفَاظِهِ. وَقَدْ رَوَاهُ الْحَافِظُ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ الْفَسَوِيُّ، وَالْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي كِتَابِهِ " دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ " قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: فَبَلَغَنِي أَنَّ أَبَا مَعْبَدٍ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَأَنَّ أُمَّ مَعْبَدٍ هَاجَرَتْ وَأَسْلَمَتْ. ثُمَّ إِنَّ الْحَافِظَ الْبَيْهَقِيَّ أَتْبَعَ هَذَا الْحَدِيثَ بِذِكْرِ غَرِيبِهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْحَوَاشِي فِيمَا سَبَقَ، وَنَحْنُ نَذْكُرُ هَاهُنَا نُكَتًا مِنْ ذَلِكَ؛ فَقَوْلُهَا: ظَاهِرَ الْوَضَّاءَةِ. أَيْ ظَاهِرَ الْجَمَالِ. أَبْلَجَ الْوَجْهِ: أَيْ مَشْرِقَ الْوَجْهِ مُضِيئَهُ. لَمْ تَعِبْهُ ثُجْلَةٌ: قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هُوَ كِبَرُ الْبَطْنِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: كِبَرُ الرَّأْسِ. وَرَدَّ أَبُو عُبَيْدٍ رِوَايَةَ مَنْ رَوَى: لَمْ تَعِبْهُ نُحْلَةٌ. يَعْنِي مِنَ النُّحُولِ، وَهُوَ الضَّعْفُ. قُلْتُ: وَهَذَا هُوَ الَّذِي فَسَّرَ بِهِ الْبَيْهَقِيُّ

الْحَدِيثَ، وَالصَّحِيحُ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ وَلَوْ قِيلَ: إِنَّهُ كِبَرُ الرَّأْسِ. لَكَانَ قَوِيًّا؛ وَذَلِكَ لِقَوْلِهَا بَعْدَهُ: وَلَمْ تُزْرِ بِهِ صَعْلَةٌ. وَهُوَ صِغَرُ الرَّأْسِ بِلَا خِلَافٍ، وَمِنْهُ يُقَالُ لِوَلَدِ النَّعَامَةِ: صَعْلٌ. لِصِغَرِ رَأْسِهِ، وَيُقَالُ لَهُ: الظَّلِيمُ. وَأَمَّا الْبَيْهَقِيُّ فَرَوَاهُ: لَمْ تَعِبْهُ نُحْلَةٌ. يَعْنِي مِنَ الضَّعْفِ كَمَا فَسَّرَهُ، وَلَمْ تُزْرِ بِهِ صُقْلَةٌ: قَالَ: وَهُوَ الْخَاصِرَةُ، يُرِيدُ أَنَّهُ ضَرْبٌ مِنَ الرِّجَالِ لَيْسَ بِمُنْتَفِخٍ وَلَا نَاحِلٍ. قَالَ: وَيُرْوَى: لَمْ تَعِبْهُ ثُجْلَةٌ. وَهُوَ كِبَرُ الْبَطْنِ. وَلَمْ تُزْرِ بِهِ صَعْلَةٌ. وَهُوَ صِغَرُ الرَّأْسِ. وَأَمَّا الْوَسِيمُ فَهُوَ حَسَنُ الْخَلْقِ، وَكَذَلِكَ الْقَسِيمُ أَيْضًا. وَالدَّعَجُ: شِدَّةُ سَوَادِ الْحَدَقَةِ. وَالْوَطَفُ: طُولُ أَشْفَارِ الْعَيْنَيْنِ. وَرَوَاهُ الْقُتَيْبِيُّ: فِي أَشْفَارِهِ عَطَفٌ. وَتَبِعَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَلَا أَعْرِفُ مَا هَذَا. وَهُوَ مَعْذُورٌ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَتِهِ غَلَطٌ، فَحَارَ فِي تَفْسِيرِهِ، وَالصَّوَابُ مَا ذَكَرْنَاهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي صَوْتِهِ صَحَلٌ: وَهُوَ بُحَّةٌ يَسِيرَةٌ، وَهِيَ أَحْلَى فِي الصَّوْتِ مِنْ أَنْ يَكُونَ حَادًّا. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَبِالصَّحَلِ تُوصَفُ الظِّبَاءُ. قَالَ: وَمَنْ رَوَى: فِي صَوْتِهِ صَهَلٌ. فَقَدْ غَلِطَ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي الْخَيْلِ، وَلَا يَكُونُ فِي الْإِنْسَانِ. قُلْتُ: وَهُوَ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْبَيْهَقِيُّ؛ قَالَ: وَيُرْوَى: صَحَلٌ. وَالصَّوَابُ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا قَوْلُهَا: أَحْوَرُ. فَمُسْتَغْرَبٌ فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ قَبَلٌ يَسِيرٌ فِي الْعَيْنَيْنِ يُزَيِّنُهَا وَلَا يَشِينُهَا كَالْحَوَلِ. وَقَوْلُهَا: أَكْحَلُ. قَدْ تَقَدَّمَ لَهُ شَاهِدٌ. وَقَوْلُهَا: أَزُجُّ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هُوَ الْمُتَقَوِّسُ الْحَاجِبَيْنِ. قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُهَا: أَقْرَنُ. فَهُوَ الْتِقَاءُ الْحَاجِبَيْنِ بَيْنَ الْعَيْنَيْنِ. قَالَ: وَلَا يُعْرَفُ هَذَا فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا فِي هَذَا

الْحَدِيثِ. قَالَ: وَالْمَعْرُوفُ فِي صِفَتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ أَبْلَجُ الْحَاجِبَيْنِ. فِي عُنُقِهِ سَطَعٌ: قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَيْ طُولٌ. وَقَالَ غَيْرُهُ: نُورٌ. قُلْتُ: وَالْجَمْعُ مُمْكِنٌ بَلْ مُتَعَيِّنٌ. وَقَوْلُهَا: إِذَا صَمَتَ فَعَلَيْهِ الْوَقَارُ. أَيِ الْهَيْبَةُ عَلَيْهِ فِي حَالِ صَمْتِهِ وَسُكُوتِهِ. وَإِذَا تَكَلَّمَ سَمَا: أَيْ عَلَا عَلَى النَّاسِ. وَعَلَاهُ الْبَهَاءُ: أَيْ فِي حَالِ كَلَامِهِ. حُلْوُ الْمَنْطِقِ فَصْلٌ: أَيْ فَصِيحٌ بَلِيغٌ يَفْصِلُ الْكَلَامَ وَيُبَيِّنُهُ. لَا نَزْرٌ وَلَا هَذْرٌ: أَيْ لَا قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ. كَأَنَّ مَنْطِقَهُ خَرَزَاتُ نَظْمٍ: يَعْنِي الدُّرَّ مِنْ حُسْنِهِ وَبَلَاغَتِهِ وَفَصَاحَتِهِ وَبَيَانِهِ وَحَلَاوَةِ لِسَانِهِ. أَبْهَى النَّاسِ وَأَجْمَلُهُ مِنْ بَعِيدٍ وَأَحْلَاهُ وَأَحْسَنُهُ مِنْ قَرِيبٍ: أَيْ هُوَ مَلِيحٌ مِنْ بَعِيدٍ وَمِنْ قَرِيبٍ. وَذَكَرَتْ أَنَّهُ لَا طَوِيلَ وَلَا قَصِيرَ، بَلْ هُوَ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا وَمِنْ هَذَا. وَذَكَرَتْ أَنَّ أَصْحَابَهُ يُعَظِّمُونَهُ وَيُكْرِّمُونَهُ وَيَخْدِمُونَهُ وَيُبَادِرُونَ إِلَى طَاعَتِهِ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِجَلَالَتِهِ عِنْدَهُمْ وَعَظْمَتِهِ فِي نُفُوسِهِمْ وَمَحَبَّتِهِمْ لَهُ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِعَابِسٍ: أَيْ لَيْسَ يَعْبِسُ. وَلَا يُفَنِّدُ أَحَدًا: أَيْ يُهَجِّنُهُ وَيَسْتَقِلُّ عَقْلَهُ؛ بَلْ جَمِيلُ الْمُعَاشَرَةِ، حَسَنُ الصُّحْبَةِ، صَاحِبُهُ كَرِيمٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ حَبِيبٌ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ فِي " الدَّلَائِلِ ": ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، ثَنَا يُوسُفُ - يَعْنِي ابْنَ صُهَيْبٍ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ أَحْسَنَ الْبَشَرِ قَدَمًا. وَهَذَا مُرْسَلٌ.

وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ أَيْضًا: ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَانٍ الْأَزْدِيُّ الْوَرَّاقُ، ثَنَا عَنْبَسَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَاذَانَ، عَنْ أُمِّ سَعِدٍ عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ:قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَأْتِي الْخَلَاءَ فَلَا نَرَى مِنْكَ شَيْئًا مِنَ الْأَذَى ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَوَ مَا عَلِمْتِ يَا عَائِشَةُ أَنَّ الْأَرْضَ تَبْتَلِعُ مَا يَخْرُجُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فَلَا يُرَى مِنْهُ شَيْءٌ ؟ " هَذَا الْحَدِيثُ يُعَدُّ مِنَ الْمُنْكَرَاتِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

حَدِيثُ هِنْدِ بْنِ أَبِي هَالَةَ فِي ذَلِكَ
وَهِنْدٌ هَذَا هُوَ رَبِيبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمُّهُ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَأَبُوهُ أَبُو هَالَةَ، كَمَا قَدَّمْنَا بَيَانَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ الْفَسَوِيُّ الْحَافِظُ، رَحِمَهُ اللَّهُ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ حَمَّادٍ الْأَنْصَارِيُّ الْمِصْرِيُّ وَأَبُو غَسَّانَ مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ النَّهْدِيُّ، قَالَا: ثَنَا جُمَيْعُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعِجْلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ بِمَكَّةَ، عَنِ ابْنٍ لِأَبِي هَالَةَ التَّمِيمِيِّ،عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: سَأَلْتُ خَالِيَ هِنْدَ بْنَ أَبِي هَالَةَ - وَكَانَ وَصَّافًا - عَنْ حِلْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا أَشْتَهِي أَنْ يَصِفَ لِي مِنْهَا شَيْئًا أَتَعَلَّقُ بِهِ، فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخْمًا مُفَخَّمًا، يَتَلَأْلَأُ وَجْهُهُ تَلَأْلُؤَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، أَطْوَلَ مِنَ الْمَرْبُوعِ وَأَقْصَرَ مِنَ الْمُشَذَّبِ، عَظِيمَ الْهَامَةِ، رَجِلَ الشَّعْرِ، إِذَا تَفَرَّقَتْ عَقِيصَتُهُ فَرَقَ، وَإِلَّا فَلَا يُجَاوِزُ شَعْرُهُ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ إِذَا هُوَ وَفَّرَهُ، أَزْهَرَ اللَّوْنِ، وَاسِعَ الْجَبِينِ، أَزَجَّ الْحَوَاجِبِ سَوَابِغَ فِي غَيْرِ قَرَنٍ، بَيْنَهُمَا عِرْقٌ يُدِرُّهُ الْغَضَبُ، أَقْنَى الْعِرْنِينِ، لَهُ نُورٌ يَعْلُوهُ يَحْسَبُهُ مَنْ لَمْ يَتَأَمَّلْهُ أَشَمَّ، كَثَّ اللِّحْيَةِ، أَدْعَجَ، سَهَلَ الْخَدَّيْنِ، ضَلِيعَ الْفَمِ، أَشْنَبَ، مُفَلَّجَ الْأَسْنَانِ، دَقِيقَ الْمَسْرُبَةِ،

كَأَنَّ عُنُقَهُ جِيدُ دُمْيَةٍ فِي صَفَاءِ الْفِضَّةِ، مُعْتَدِلَ الْخَلْقِ - فَهُوَ بَادِنٌ مُتَمَاسِكٌ، سَوَاءُ الْبَطْنِ وَالصَّدْرِ، عَرِيضُ الصَّدْرِ، بَعِيدُ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، ضَخْمُ الْكَرَادِيسِ، أَنْوَرُ الْمُتَجَرَّدِ، مَوْصُولُ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَالسُّرَّةِ بِشَعْرٍ يَجْرِي كَالْخَطِّ، عَارِي الثَّدْيَيْنِ وَالْبَطْنِ مِمَّا سِوَى ذَلِكَ، أَشَعَرُ الذِّرَاعَيْنِ وَالْمَنْكِبَيْنِ، وَأَعَالِي الصَّدْرِ، طَوِيلُ الزَّنْدَيْنِ، رَحْبُ الرَّاحَةِ، سَبْطُ الْقَصَبِ، شَثْنُ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، سَابِلُ الْأَطْرَافِ، خَمْصَانُ الْأَخَمَصَيْنِ، مَسِيحُ الْقَدَمَيْنِ يَنْبُو عَنْهُمَا الْمَاءُ، إِذَا زَالَ زَالَ قَلْعًا، يَخْطُو تَكَفِّيًا، وَيَمْشِيَ هَوْنًا، ذَرِيعُ الْمِشْيَةِ؛ إِذَا مَشَى كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ، وَإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ جَمِيعًا، خَافِضُ الطَّرْفِ، نَظَرُهُ إِلَى الْأَرْضِ أَطْوَلُ مِنْ نَظَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ، جُلُّ نَظَرِهِ الْمُلَاحَظَةُ، يَسُوقُ أَصْحَابَهُ، يَبْدَأُ مَنْ لَقِيَهُ بِالسَّلَامِ. قُلْتُ: صِفْ لِي مَنْطِقَهُ. قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَاصِلَ الْأَحْزَانِ، دَائِمَ الْفِكْرَةِ، لَيْسَتْ لَهُ رَاحَةٌ، لَا يَتَكَلَّمُ فِي غَيْرِ حَاجَّةٍ، طَوِيلَ السُّكُوتِ يَفْتَتِحُ الْكَلَامَ، وَيَخْتِمُهُ بِأَشْدَاقِهِ، وَيَتَكَلَّمُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ، فَصْلٌ لَا فُضُولٌ وَلَا تَقْصِيرٌ، دَمِثٌ لَيْسَ بِالْجَافِي وَلَا الْمُهِينِ، يُعَظِّمُ النِّعْمَةَ وَإِنْ دَقَّتْ، لَا يَذُمُّ مِنْهَا شَيْئًا وَلَا يَمْدَحُهُ، وَلَا يَقُومُ لِغَضَبِهِ إِذَا تَعَرَّضَ لِلْحَقِّ شَيْءٌ حَتَّى يَنْتَصِرَ لَهُ - وَفِي رِوَايَةٍ: لَا تُغْضِبُهُ الدُّنْيَا وَمَا كَانَ لَهَا، فَإِذَا تَعَرَّضَ لِلْحَقِّ لَمْ يَعْرِفْهُ أَحَدٌ وَلَمْ يَقُمْ لِغَضَبِهِ شَيْءٌ

حَتَّى يَنْتَصِرَ لَهُ - لَا يَغْضَبُ لِنَفْسِهِ وَلَا يَنْتَصِرُ لَهَا، إِذَا أَشَارَ أَشَارَ بِكَفِّهِ كُلِّهَا، وَإِذَا تَعَجَّبَ قَلَبَهَا، وَإِذَا تَحَدَّثَ يَصِلُ بِهَا يَضْرِبُ بِرَاحَتِهِ الْيُمْنَى بَاطِنَ إِبْهَامِهِ الْيُسْرَى، وَإِذَا غَضِبَ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ، وَإِذَا فَرِحَ غَضَّ طَرْفَهُ، جُلُّ ضَحِكِهِ التَّبَسُّمُ، وَيَفْتَرُّ عَنْ مِثْلِ حَبِّ الْغَمَامِ. قَالَ الْحَسَنُ: فَكَتَمْتُهَا الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ زَمَانًا، ثُمَّ حَدَّثْتُهُ فَوَجَدْتُهُ قَدْ سَبَقَنِي إِلَيْهِ، فَسَأَلَهُ عَمَّا سَأَلْتُهُ عَنْهُ، وَوَجَدْتُهُ قَدْ سَأَلَ أَبَاهُ عَنْ مَدْخَلِهِ وَمَخْرَجِهِ وَمَجْلِسِهِ وَشَكْلِهِ، فَلَمْ يَدَعْ مِنْهُ شَيْئًا. قَالَ الْحُسَيْنُ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْ دُخُولِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: كَانَ دُخُولُهُ لِنَفْسِهِ مَأْذُونٌ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَكَانَ إِذَا أَوَى إِلَى مَنْزِلِهِ جَزَّأَ دُخُولَهُ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ؛ جُزْءًا لِلَّهِ، وَجُزْءًا لِأَهْلِهِ، وَجُزْءًا لِنَفْسِهِ، ثُمَّ جَزَّأَ جُزْأَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، فَرَدَّ ذَلِكَ عَلَى الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ لَا يَدَّخِرُ عَنْهُمْ شَيْئًا، وَكَانَ مِنْ سِيرَتِهِ فِي جُزْءِ الْأُمَّةِ إِيثَارُ أَهْلِ الْفَضْلِ بِأَدَبِهِ، وَقَسْمِهِ عَلَى قَدْرِ فَضْلِهِمْ فِي الدِّينِ، فَمِنْهُمْ ذُو الْحَاجَةِ، وَمِنْهُمْ ذُو الْحَاجَتَيْنِ، وَمِنْهُمْ ذُو الْحَوَائِجِ، فَيَتَشَاغَلُ بِهِمْ وَيُشْغِلُهُمْ فِيمَا أَصْلَحَهُمْ وَالْأُمَّةَ مِنْ مَسْأَلَتِهِ عَنْهُمْ وَإِخْبَارِهِمْ بِالَّذِي يَنْبَغِي، وَيَقُولُ لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، وَأَبْلِغُونِي حَاجَةَ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ إِبْلَاغِي حَاجَتَهُ؛ فَإِنَّهُ مَنْ بَلَّغَ سُلْطَانًا حَاجَةَ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ إِبْلَاغَهَا إِيَّاهُ ثَبَّتَ اللَّهُ قَدَمَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُذْكَرُ عِنْدَهُ إِلَّا ذَلِكَ، وَلَا يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ غَيْرَهُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِ زُوَّارًا - وَيُرْوَى: رُوَّادًا. أَيْ طَالِبِينَ مَا عِنْدَهُ - يَفْتَرِقُونَ إِلَّا عَنْ ذَوَاقٍ - وَفِي رِوَايَةٍ: وَلَا يَتَفَرَّقُونَ إِلَّا عَنْ ذَوْقٍ - وَيَخْرُجُونَ أَدِلَّةً، يَعْنِي فُقَهَاءَ، قَالَ: وَسَأَلْتُهُ عَنْ مَخْرَجِهِ كَيْفَ كَانَ يَصْنَعُ فِيهِ، فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

يَخْزُنُ لِسَانَهُ إِلَّا بِمَا يَعْنِيهِمْ، وَيُؤَلِّفُهُمْ وَلَا يُنَفِّرُهُمْ، وَيُكْرِمُ كَرِيمَ كُلِّ قَوْمٍ وَيُوَلِّيهِ عَلَيْهِمْ، وَيَحْذَرُ النَّاسَ، وَيَحْتَرِسُ مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْوِيَ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ بِشْرَهُ وَلَا خُلُقَهُ، يَتَفَقَّدُ أَصْحَابَهُ، وَيَسْأَلُ النَّاسَ عَمَّا فِي النَّاسِ، وَيُحَسِّنُ الْحَسَنَ وَيُقَوِّيهِ، وَيُقَبِّحُ الْقَبِيحَ وَيُوَهِّيهِ، مُعْتَدِلَ الْأَمْرِ غَيْرَ مُخْتَلِفٍ، لَا يَغْفُلُ مَخَافَةَ أَنْ يَغْفُلُوا أَوْ يَمِيلُوا، لِكُلِّ حَالٍ عِنْدَهُ عَتَادٌ، لَا يَقْصُرُ عَنِ الْحَقِّ وَلَا يَجُوزُهُ، الَّذِينَ يَلُونَهُ مِنَ النَّاسِ خِيَارُهُمْ، أَفْضَلُهُمْ عِنْدَهُ أَعَمُّهُمْ نَصِيحَةً، وَأَعْظَمُهُمْ عِنْدَهُ مَنْزِلَةً أَحْسَنُهُمْ مُوَاسَاةً وَمُؤَازَرَةً. قَالَ: فَسَأَلْتُهُ عَنْ مَجْلِسِهِ كَيْفَ كَانَ، فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَجْلِسُ وَلَا يَقُومُ إِلَّا عَلَى ذِكْرٍ، وَلَا يُوطِنُ الْأَمَاكِنَ، وَيَنْهَى عَنْ إِيطَانِهَا، وَإِذَا انْتَهَى إِلَى قَوْمٍ جَلَسَ حَيْثُ يَنْتَهِي بِهِ الْمَجْلِسُ، وَيَأْمُرُ بِذَلِكَ، يُعْطِي كُلَّ جُلَسَائِهِ نَصِيبَهُ، لَا يَحْسَبُ جَلِيسُهُ أَنَّ أَحَدًا أَكْرَمُ عَلَيْهِ مِنْهُ، مَنْ جَالَسَهُ أَوْ قَاوَمَهُ فِي حَاجَةٍ صَابَرَهُ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الْمُنْصَرِفَ، وَمَنْ سَأَلَهُ حَاجَةً لَمْ يَرُدَّهُ إِلَّا بِهَا أَوْ بِمَيْسُورٍ مِنَ الْقَوْلِ، قَدْ وَسِعَ النَّاسَ مِنْهُ بَسْطُهُ وَخُلُقُهُ، فَصَارَ لَهُمْ أَبًا، وَصَارُوا عِنْدَهُ فِي الْحَقِّ سَوَاءً، مَجْلِسُهُ مَجْلِسُ حِكَمٍ وَحَيَاءٍ وَصَبْرٍ وَأَمَانَةٍ، لَا تُرْفَعُ فِيهِ الْأَصْوَاتُ، وَلَا تُؤْبَنُ فِيهِ الْحُرَمُ، وَلَا تُنْثَى فَلَتَاتُهُ، مُتَعَادِلِينَ يَتَفَاضَلُونَ فِيهِ بِالتَّقْوَى، مُتَوَاضِعِينَ يُوَقِّرُونَ فِيهِ الْكَبِيرَ وَيَرْحَمُونَ الصَّغِيرَ، يُؤْثِرُونَ ذَا الْحَاجَةِ، وَيَحْفَظُونَ الْغَرِيبَ. قَالَ: فَسَأَلْتُهُ عَنْ سِيرَتِهِ فِي جُلَسَائِهِ، فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَائِمَ الْبِشْرِ، سَهْلَ الْخُلُقِ، لَيِّنَ الْجَانِبِ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ وَلَا سَخَّابٍ

وَلَا فَحَاشٍ وَلَا عَيَّابٍ، وَلَا مَزَّاحٍ، يَتَغَافَلُ عَمَّا لَا يَشْتَهِي، وَلَا يُؤْيِسُ مِنْهُ رَاجِيَهُ، وَلَا يُخَيِّبُ فِيهِ، قَدْ تَرَكَ نَفْسَهُ مِنْ ثَلَاثٍ؛ الْمِرَاءِ، وَالْإِكْثَارِ، وَمَا لَا يَعْنِيهِ، وَتَرَكَ النَّاسَ مِنْ ثَلَاثٍ؛ كَانَ لَا يَذُمُّ أَحَدًا وَلَا يُعَيِّرُهُ، وَلَا يَطْلُبُ عَوْرَتَهُ، وَلَا يَتَكَلَّمُ إِلَّا فِيمَا يَرْجُو ثَوَابَهُ، إِذَا تَكَلَّمَ أَطْرَقَ جُلَسَاؤُهُ كَأَنَّمَا عَلَى رُؤُوسِهِمُ الطَّيْرُ، فَإِذَا سَكَتَ تَكَلَّمُوا، وَلَا يَتَنَازَعُونَ عِنْدَهُ، يَضْحَكُ مِمَّا يَضْحَكُونَ مِنْهُ، وَيَتَعَجَّبُ مِمَّا يَتَعَجَّبُونَ مِنْهُ، وَيَصْبِرُ لِلْغَرِيبِ عَلَى الْجَفْوَةِ فِي مَنْطِقِهِ وَمَسْأَلَتِهِ، حَتَّى إِنْ كَانَ أَصْحَابُهُ يَسْتَحْلِبُونَهُ فِي الْمَنْطِقِ، وَيَقُولُ إِذَا رَأَيْتُمْ طَالِبَ حَاجَةٍ فَارْفِدُوهُ وَلَا يَقْبَلُ الثَّنَاءَ إِلَّا مِنْ مُكَافِئٍ، وَلَا يَقْطَعُ عَلَى أَحَدٍ حَدِيثَهُ حَتَّى يَجُوزَ فَيَقْطَعُهُ بِانْتِهَاءٍ أَوْ قِيَامٍ. قَالَ: فَسَأَلْتُهُ كَيْفَ كَانَ سُكُوتُهُ، قَالَ كَانَ سُكُوتُهُ عَلَى أَرْبَعٍ؛ الْحِلْمِ وَالْحَذَرِ وَالتَّقْدِيرِ وَالتَّفَكُّرِ. فَأَمَّا تَقْدِيرُهُ فَفِي تَسْوِيَتِهِ النَّظَرُ وَالِاسْتِمَاعُ بَيْنَ النَّاسِ، وَأَمَّا تَذَكُّرُهُ - أَوْ قَالَ: تَفَكُّرُهُ - فَفِيمَا يَبْقَى وَيَفْنَى، وَجُمِعَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحِلْمُ وَالصَّبْرُ فَكَانَ لَا يُغْضِبُهُ شَيْءٌ وَلَا يَسْتَفِزُّهُ، وَجُمِعَ لَهُ الْحَذَرُ فِي أَرْبَعٍ؛ أَخْذِهِ بِالْحُسْنَى، وَالْقِيَامِ لَهُمْ فِيمَا جُمِعَ لَهُمْ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ بِطُولِهِ الْحَافِظُ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ " شَمَائِلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " عَنْ سُفْيَانَ بْنِ وَكِيعِ بْنِ الْجَرَّاحِ، عَنْ جُمَيْعِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعِجْلِيِّ، حَدَّثَنِي رَجُلٌ مَنْ وَلَدِ أَبِي هَالَةَ زَوْجِ خَدِيجَةَ، يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ سَمَّاهُ غَيْرُهُ يَزِيدَ بْنَ عُمَرَ، عَنِ ابْنٍ لِأَبِي هَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: سَأَلْتُ خَالِي. فَذَكَرَهُ، وَفِيهِ حَدِيثُهُ عَنْ أَخِيهِ الْحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ

أَبِي طَالِبٍ. وَقَدْ رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ فِي " الدَّلَائِلِ " عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمِ النَّيْسَابُورِيِّ، لَفْظًا وَقِرَاءَةً عَلَيْهِ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ الْحَسَنِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الْعَقِيقِيُّ صَاحِبُ كِتَابِ " النَّسَبِ " بِبَغْدَادَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، أَبُو مُحَمَّدٍ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ، حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ: سَأَلْتُ خَالِيَ هِنْدَ بْنَ أَبِي هَالَةَ. فَذَكَرَهُ. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِي غَسَّانَ مَالِكِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ مُطَوَّلًا، ثُمَّ أَوْرَدَ غَرِيبَهُ. قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، فِي كِتَابِهِ " الْأَطْرَافِ " بَعْدَ ذِكْرِهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ هَاتَيْنِ الطَّرِيقَيْنِ: وَرَوَى إِسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ صَالِحٍ الْمَخْزُومِيِّ، عَنْ يَعْقُوبَ التَّيْمِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ لِهِنْدِ بْنِ أَبِي هَالَةَ، وَكَانَ وَصَّافًا

لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صِفْ لَنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ بَعْضَ هَذَا الْحَدِيثِ. وَقَدْ رَوَى الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ صُبَيْحِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْفَرْغَانِيِّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَعَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ حَدِيثًا مُطَوَّلًا فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرِيبًا مِنْ حَدِيثِ هِنْدِ بْنِ أَبِي هَالَةَ، وَسَرَدَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِتَمَامِهِ، وَفِي أَثْنَائِهِ تَفْسِيرُ مَا فِيهِ مِنَ الْغَرِيبِ، وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ غُنْيَةٌ عَنْهُ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ، عَنْ أَبِي عَاصِمٍ الضَّحَّاكِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنَ الْحَارِثِ قَالَ: صَلَّى أَبُو بَكْرٍ الْعَصْرَ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَيَالٍ، فَخَرَجَ هُوَ وَعَلِيٌّ يَمْشِيَانِ، فَإِذَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ. قَالَ: فَاحْتَمَلَهُ أَبُو بَكْرٍ عَلَى كَاهِلِهِ وَجَعَلَ يَقُولُ: بِأَبِي شِبْهُ النَّبِيِّ، لَيْسَ شَبِيهًا بِعَلِيٍّ. وَعَلِيٌّ يَضْحَكُ مِنْهُمَا، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، ثَنَا زُهَيْرٌ، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ:رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ يُشْبِهُهُ.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الرُّوذَبَارِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ شَوْذَبٍ الْوَاسِطِيِّ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ أَيُّوبَ الصَّرِيفِينِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى،

عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ هَانِئٍ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: الْحَسَنُ أَشْبَهُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَيْنَ الصَّدْرِ إِلَى الرَّأْسِ، وَالْحُسَيْنُ أَشْبَهُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ.

بَابُ ذِكْرِ أَخْلَاقِهِ وَشَمَائِلِهِ الطَّاهِرَةِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَدْ قَدَّمْنَا طِيبَ أَصْلِهِ وَمَحْتِدِهِ، وَطَهَارَةَ نَسَبِهِ وَمَوْلِدِهِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَاتِهِ [ الْأَنْعَامِ: 124 ].
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، ثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بُعِثْتُ مِنْ خَيْرِ قُرُونِ بَنِي آدَمَ قَرْنًا فَقَرْنًا، حَتَّى كُنْتُ مِنَ الْقَرْنِ الَّذِي كُنْتُ فِيهِ.
وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى بَنِي هَاشِمٍ مِنْ قُرَيْشٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ..
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [ الْقَلَمِ: 1 - 4 ] قَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ أَيْ؛ وَإِنَّكَ لَعَلَى دِينٍ عَظِيمٍ، وَهُوَ الْإِسْلَامُ. وَهَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَابْنُ مَالِكٍ وَالسُّدِّيُّ وَالضَّحَّاكُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ. وَقَالَ عَطِيَّةُ:

لَعَلَى أَدَبٍ عَظِيمٍ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ قَالَ:سَأَلْتُ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَقُلْتُ: أَخْبِرِينِي عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَتْ: أَمَا تَقْرَأُ الْقُرْآنَ ؟ قُلْتُ بَلَى. فَقَالَتْ: كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ.
وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ:سُئِلَتْ عَائِشَةُ عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ.
وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، وَالنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِهِ، وَ ابْنِ جَرِيرٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ وَهْبٍ، كِلَاهُمَا عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ قَالَ:حَجَجْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ، فَسَأَلْتُهَا، عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ. وَمَعْنَى هَذَا أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، مَهْمَا أَمَرَهُ بِهِ الْقُرْآنُ امْتَثَلَهُ، وَمَهْمَا نَهَاهُ عَنْهُ تَرَكَهُ، هَذَا مَعَ مَا جَبَلَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ الْأَخْلَاقِ الْجِبِلِيَّةِ الْأَصْلِيَّةِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ الْبَشَرِ وَلَا يَكُونُ عَلَى أَكْمَلَ مِنْهَا، وَشَرَعَ لَهُ الدِّينَ الْعَظِيمَ الَّذِي لَمْ يَشْرَعْهُ لِأَحَدٍ قَبْلَهُ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، فَلَا رَسُولَ بَعْدَهُ وَلَا نَبِيَّ، فَكَانَ فِيهِ مِنَ الْحَيَاءِ وَالْكَرَمِ وَالشَّجَاعَةِ وَالْحِلْمِ وَالصَّفْحِ وَالرَّحْمَةِ وَسَائِرِ الْأَخْلَاقِ الْكَامِلَةِ مَا لَا يُحَدُّ وَلَا يُمْكِنُ وَصْفُهُ.

وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، ثَنَا زَيْدُ بْنُ وَاقِدٍ، عَنْ بُسْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ:سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ؛ يَرْضَى لِرِضَاهُ وَيَسْخَطُ لِسُخْطِهِ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَهْلٍ الْفَقِيهُ بِبُخَارَى، أَنَا قَيْسُ بْنُ أُنَيْفٍ، ثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ بَابَنُوسَ قَالَ:قُلْنَا لِعَائِشَةَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، كَيْفَ كَانَ خُلُقُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَتْ: كَانَ خُلُقُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ. ثُمَّ قَالَتْ: أَتُقْرَأُ سُورَةَ " الْمُؤْمِنِينَ " ؟ اقْرَأْ: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ إِلَى الْعَشْرِ. قَالَتْ: هَكَذَا كَانَ خُلُقُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَهَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ.
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [ الْأَعْرَافِ: 199 ] قَالَ: أُمِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْخُذَ الْعَفْوَ مِنْ أَخْلَاقِ النَّاسِ.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ. وَرَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْخَرَائِطِيُّ فِي كِتَابِهِ، فَقَالَ:إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ.
وَتَقَدَّمَ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ وَجْهًا، وَأَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا.
وَقَالَ مَالِكٌ، عَنِ الْزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّهَا: قَالَتْمَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ، وَمَا انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ بِهَا. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ.
وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ:مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ شَيْئًا قَطُّ لَا عَبْدًا وَلَا امْرَأَةً وَلَا خَادِمًا، إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ، إِلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللَّهِ فَيَنْتَقِمُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الْزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ خَادِمًا لَهُ قَطُّ، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا ضَرَبَ بِيَدِهِ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَا خُيِّرَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ قَطُّ إِلَّا كَانَ أَحَبَّهُمَا إِلَيْهِ أَيْسَرُهُمَا، حَتَّى يَكُونَ إِثْمًا، فَإِذَا كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنَ الْإِثْمِ، وَلَا انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ مِنْ شَيْءٍ يُؤْتَى إِلَيْهِ حَتَّى تُنْتَهَكَ حُرُمَاتُ اللَّهِ، فَيَكُونُ هُوَ يَنْتَقِمُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيَّ يَقُولُ:سَمِعْتُ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَسَأَلْتُهَا عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا، وَلَا سَخَّابًا فِي الْأَسْوَاقِ، وَلَا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ. أَوْ قَالَتْ: يَعْفُو وَيَغْفِرُ. شَكَّ أَبُو دَاوُدَ. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: ثَنَا آدَمُ وَعَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَا: ثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، ثَنَا صَالِحٌ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ قَالَ:كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَنْعَتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كَانَ يُقْبِلُ جَمِيعًا وَيُدْبِرُ جَمِيعًا، بِأَبِي وَأُمِّي لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا، وَلَا مُتَفَحِّشًا، وَلَا سَخَّابًا فِي الْأَسْوَاقِ. زَادَ آدَمُ: وَلَمْ أَرَ مِثْلَهُ قَبْلَهُ، وَلَنْ أَرَى بَعْدَهُ.

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا عَبْدَانُ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا، وَكَانَ يَقُولُ: إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أَحْسَنَكُمْ أَخْلَاقًا وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ بِهِ.
وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ:إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ بِمَا هُوَ مَوْصُوفٌ فِي الْقُرْآنِ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ، إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَحِرْزًا لِلْأُمِّيِّينَ، أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي، سَمَّيْتُكَ الْمُتَوَكِّلَ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ وَلَا سَخَّابٍ فِي الْأَسْوَاقِ، وَلَا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ، وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللَّهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ بِأَنْ يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَيَفْتَحُ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا، وَآذَانًا صُمًّا، وَقُلُوبًا غُلْفًا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَكَعْبِ الْأَحْبَارِ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عُتْبَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ:كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، ثَنَا يَحْيَى وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَا: ثَنَا شُعْبَةُ مِثْلَهُ،وَإِذَا

كَرِهَ شَيْئًا عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا أَبُو عَامِرٍ، ثَنَا فُلَيْحٌ، عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَّابًا وَلَا لَعَّانًا وَلَا فَاحِشًا، كَانَ يَقُولُ لِأَحَدِنَا عِنْدَ الْمُعَاتَبَةِ: مَا لَهُ تَرِبَتْ جَبِينُهُ ؟ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ فُلَيْحٍ.
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " - وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ - مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَشْجَعَ النَّاسِ، وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُالْمَدِينَةِ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَانْطَلَقَ نَاسٌ قِبَلَ الصَّوْتِ، فَتَلَقَّاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاجِعًا وَقَدْ سَبَقَهُمْ إِلَى الصَّوْتِ، وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ لِأَبِي طَلْحَةَ عُرْيٍ، فِي عُنُقِهِ السَّيْفُ، وَهُوَ يَقُولُ لَمْ تُرَاعُوا، لَمْ تُرَاعُوا قَالَ: وَجَدْنَاهُ بَحْرًا أَوْ: إِنَّهُ لَبَحْرٌ قَالَ: وَكَانَ فَرَسًا يُبَطَّأُ.
ثُمَّ قَالَ مُسْلِمٌ: ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ فَزَعٌ بِالْمَدِينَةِ فَاسْتَعَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسًا لِأَبِي طَلْحَةَ يُقَالُ لَهُ: مَنْدُوبٌ. فَرَكِبَهُ فَقَالَ: مَا رَأَيْنَا مِنْ فَزَعٍ، وَإِنْ وَجَدْنَاهُ لَبَحْرًا وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كُنَّا إِذَا اشْتَدَّ الْبَأْسُ اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ اتَّقَيْنَا الْمُشْرِكِينَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ أَشَدَّ النَّاسِ بَأْسًا. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ. وَتَقَدَّمَ فِي غَزْوَةِ هَوَازِنَأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، لَمَّا فَرَّ جُمْهُورُ أَصْحَابِهِ يَوْمَئِذٍ ثَبَتَ وَهُوَ رَاكِبٌ بَغْلَتَهُ، وَهُوَ يُنَوِّهُ بِاسْمِهِ الشَّرِيفِ يَقُولُ: أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَرْكُضُهَا إِلَى نُحُورِ الْأَعْدَاءِ، وَهَذَا فِي غَايَةِ مَا يَكُونُ مِنْ الشَّجَاعَةِ الْعَظِيمَةِ وَالتَّوَكُّلِ التَّامِّ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ.
وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ أَخَذَ أَبُو طَلْحَةَ بِيَدِي، فَانْطَلَقَ بِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَنَسًا غُلَامٌ كَيِّسٌ فَلْيَخْدُمْكَ. قَالَ: فَخَدَمْتُهُ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ، وَاللَّهِ مَا قَالَ لِي لِشَيْءٍ صَنَعْتُهُ: لِمَ صَنَعْتَ هَذَا هَكَذَا ؟ وَلَا لِشَيْءٍ لَمْ أَصْنَعْهُ: لِمَ لَمْ تَصْنَعْ هَذَا هَكَذَا ؟
وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ،عَنْ أَنَسٍ قَالَ: خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعَ سِنِينَ، فَمَا أَعْلَمُهُ قَالَ لِي قَطُّ: لِمَ فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا ؟ وَلَا عَابَ عَلَيَّ شَيْئًا قَطُّ.

وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ إِسْحَاقَ، قَالَ أَنَسٌ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ خُلُقًا، فَأَرْسَلَنِي يَوْمًا لِحَاجَةٍ فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَا أَذْهَبُ. وَفِي نَفْسِي أَنْ أَذْهَبَ لِمَا أَمَرَنِي بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَرَجْتُ حَتَّى أَمُرَّ عَلَى صِبْيَانٍ وَهُمْ يَلْعَبُونَ فِي السُّوقِ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَبَضَ بِقَفَايَ مِنْ وَرَائِي. قَالَ: فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَضْحَكُ، فَقَالَ: يَا أُنَيْسُ، ذَهَبْتَ حَيْثُ أَمَرْتُكَ ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، أَنَا أَذْهَبُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ أَنَسٌ: وَاللَّهِ لَقَدْ خَدَمْتُهُ تِسْعَ سِنِينَ، مَا عَلِمْتُهُ قَالَ لِشَيْءٍ صَنَعْتُهُ: لِمَ صَنَعْتَ كَذَا وَكَذَا ؟ أَوْ لِشَيْءٍ تَرَكْتُهُ: هَلَّا فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ، ثَنَا جَعْفَرٌ، ثَنَا عِمْرَانُ الْقَصِيرُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: خَدَمْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ، فَمَا أَمَرَنِي بِأَمْرٍ فَتَوَانَيْتُ عَنْهُ أَوْ ضَيَّعْتُهُ فَلَامَنِي، وَإِنْ لَامَنِي أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ إِلَّا قَالَ دَعُوهُ فَلَوْ قُدِّرَ - أَوْ قَالَ: قَضَى - أَنْ يَكُونَ كَانَ ثُمَّ رَوَاهُ أَحْمَدُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ جَعْفَرٍ هُوَ ابْنُ بُرْقَانَ، عَنْ عِمْرَانَ الْبَصَرِيِّ، وَهُوَ الْقَصِيرُ، عَنْ أَنَسٍ، فَذَكَرَهُ، تَفَرَّدَ بِهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، ثَنَا أَبِي، ثَنَا أَبُو الْتَّيَّاحِ، ثَنَا أَنَسٌ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا، وَكَانَ لِي أَخٌ يُقَالُ لَهُ: أَبُو عُمَيْرٍ. قَالَ: أَحْسَبُهُ قَالَ فَطِيمًا. قَالَ: فَكَانَ إِذَا جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَآهُ قَالَ:

أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ ؟ قَالَ: نُغَرٌ كَانَ يُلْعَبُ بِهِ. قَالَ فَرُبَّمَا تَحْضُرُ الصَّلَاةُ وَهُوَ فِي بَيْتِنَا، فَيَأْمُرُ بِالْبِسَاطِ الَّذِي تَحْتَهُ فَيُكْنَسُ، ثُمَّ يُنْضَحُ، ثُمَّ يَقُومُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَقُومُ خَلْفَهُ يُصَلِّي بِنَا. قَالَ: وَكَانَ بِسَاطُهُمْ مِنْ جَرِيدِ النَّخْلِ. وَقَدْ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا أَبَا دَاوُدَ، مِنْ طُرُقٍ، عَنْ أَبِي الْتَّيَّاحِ يَزِيدَ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ بِنَحْوِهِ.
وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ الْزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، ثَنَا سَلْمٌ الْعَلَوِيُّ، سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى عَلَى رَجُلٍ صُفْرَةً - أَوْ قَالَ: أَثَرَ صُفْرَةٍ - فَكَرِهَهَا. قَالَ: فَلَمَّا قَامَ قَالَ: لَوْ أَمَرْتُمْ هَذَا أَنْ يَغْسِلَ عَنْهُ هَذِهِ الصُّفْرَةَ قَالَ: وَكَانَ لَا يَكَادُ يُوَاجِهُ أَحَدًا فِي وَجْهِهِ بِشَيْءٍ يَكْرَهُهُ. وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ فِي " الشَّمَائِلِ "، وَالنَّسَائِيُّ فِي " الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ " مِنْ

حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ سَلْمِ بْنِ قَيْسٍ الْعَلَوِيِّ الْبَصْرِيِّ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَلَيْسَ مِنْ وَلَدِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَكَانَ يُبْصِرُ فِي النُّجُومِ، وَقَدْ شَهِدَ عِنْدَ عَدِيِّ بْنِ أَرْطَاةَ عَلَى رُؤْيَةِ الْهِلَالِ، فَلَمْ يُجِزْ شَهَادَتَهُ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ، ثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بَلَغَهُ عَنْ رَجُلٍ شَيْءٌ لَمْ يَقُلْ: مَا بَالُ فُلَانٍ يَقُولُ. وَلَكِنْ يَقُولُ: مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَقُولُونَ كَذَا وَكَذَا.
وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يُبَلِّغُنِي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ شَيْئًا؛ إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْكُمْ وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ.
وَقَالَ مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ، فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَبَذَ بِرِدَائِهِ جَبْذًا شَدِيدًا، حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا قَدْ أَثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ الْبُرْدِ مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي عِنْدَكَ. قَالَ: فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَحِكَ، ثُمَّ أَمَرَ

لَهُ بِعَطَاءٍ. أَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ هِلَالٍ الْقُرَشِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ:كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ، فَلَمَّا قَامَ قُمْنَا مَعَهُ، فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: أَعْطِنِي يَا مُحَمَّدُ. فَقَالَ: " لَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ ". فَجَذَبَهُ بِحُجْزَتِهِ فَخَدَشَهُ. قَالَ: فَهَمُّوا بِهِ. فَقَالَ: " دَعُوهُ ". قَالَ: ثُمَّ أَعْطَاهُ. قَالَ: وَكَانَتْ يَمِينُهُ: " لَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ ". وَقَدْ رَوَى أَصْلَ هَذَا الْحَدِيثِ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ هِلَالِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ الْمَدَنِيِّ مَوْلَى بَنِي كَعْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِنَحْوِهِ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ شَيْبَانَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ:كَانَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يَدْخُلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَأْتَمِنُهُ، وَأَنَّهُ عَقَدَ لَهُ عُقَدًا فَأَلْقَاهُ فِي بِئْرٍ، فَصَرَعَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَاهُ مَلِكَانِ يَعُودَانِهِ، فَأَخْبَرَاهُ أَنَّ فُلَانًا عَقَدَ لَهُ عُقَدًا، وَهِيَ فِي بِئْرِ بَنِي فُلَانٍ، وَلَقَدِ اصْفَرَّ الْمَاءُ مِنْ شِدَّةِ عُقَدِهِ، فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَخْرَجَ

الْعُقَدَ، فَوَجَدَ الْمَاءَ قَدِ اصْفَرَّ، فَحَلَّ الْعُقَدَ، وَنَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَقَدْ رَأَيْتُ الرَّجُلَ بَعْدَ ذَلِكَ يَدْخُلُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا رَأَيْتُهُ فِي وَجْهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى مَاتَ. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، عَنْ جَرِيرٍ عَنِ الْأَعْمَشِ بِهِ، وَقَالَ: فَلَمْ يُعَاتِبْهُ. قُلْتُ: وَالْمَشْهُورُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ لَبِيدَ بْنَ الْأَعْصَمِ الْيَهُودِيَّ هُوَ الَّذِي سَحَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ فِي جُفِّ طَلْعَةِ ذَكَرٍ تَحْتَ رَعُوفَةِ بِئْرِ ذِي أَرْوَانَ، وَأَنَّ الْحَالَ اسْتَمَرَّ نَحْوًا مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ سُورَتَيِ الْمُعَوِّذَتَيْنِ، وَيُقَالُ إِنَّ آيَاتِهِمَا إِحْدَى عَشْرَةَ آيَةً، وَإِنَّ عُقَدَ ذَلِكَ الَّذِي سُحِرَ فِيهِ كَانَ إِحْدَى عَشْرَةَ عُقْدَةً. وَقَدْ بَسَطْنَا ذَلِكَ فِي كِتَابِنَا " التَّفْسِيرِ " بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، ثَنَا عِمْرَانُ بْنُ زَيْدٍ أَبُو يَحْيَى الْمُلَائِيُّ، ثَنَا زَيْدٌ الْعَمِّيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَافَحَ أَوْ صَافَحَهُ الرَّجُلُ لَا يَنْزِعُ يَدَهُ مِنْ يَدِهِ حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ يَنْزِعُ يَدَهُ، وَإِنِ اسْتَقْبَلَهُ بِوَجْهٍ لَا يَصْرِفُهُ عَنْهُ حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ يَنْصَرِفُ عَنْهُ، وَلَمْ يُرَ

مُقَدِّمًا رُكْبَتَيْهِ بَيْنَ يَدَيْ جَلِيسٍ لَهُ. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ زَيْدٍ التَّغْلِبِيِّ أَبِي يَحْيَى الطَّوِيلِ الْكُوفِيِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ الْحِوَارِيِّ الْعَمِّيِّ، عَنْ أَنَسٍ بِهِ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، ثَنَا أَبُو قَطَنٍ، ثَنَا مُبَارَكُ بْنُ فُضَالَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:مَا رَأَيْتُ رَجُلًا قَطُّ الْتَقَمَ أُذُنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُنَحِّي رَأْسَهُ حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ هُوَ الَّذِي يُنَحِّي رَأْسَهُ، وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِهِ رَجُلٌ فَتَرَكَ يَدَهُ حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ هُوَ الَّذِي يَدَعُ يَدَهُ. تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَحَجَّاجٌ قَالَا: ثَنَا شُعْبَةُ - قَالَ ابْنُ جَعْفَرٍ فِي حَدِيثِهِ: قَالَ - سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ زَيْدٍ قَالَ: قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍإِنْ كَانَتْ الْوَلِيدَةُ مِنْ وَلَائِدِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَتَجِيءُ فَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا يَنْزِعُ يَدَهُ مِنْ يَدِهَا حَتَّى تَذْهَبَ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ. وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا هُشَيْمٌ، ثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:إِنْ كَانَتِ الْأَمَةُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَنْطَلِقُ بِهِ فِي حَاجَتِهَا.

وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ مِنْ " صَحِيحِهِ " مُعَلَّقًا، فَقَالَ: وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى - هُوَ ابْنُ الطَّبَّاعِ -: ثَنَا هُشَيْمٌ. فَذَكَرَهُ.
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: ثَنَا أَبُو شُعَيْبٍ الْحَرَّانِيُّ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَابْلُتِّيُّ، ثَنَا أَيُّوبُ بْنُ نُهَيْكٍ، سَمِعْتُ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ،سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَتَى صَاحِبَ بَزٍّ، فَاشْتَرَى مِنْهُ قَمِيصًا بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ، فَخَرَجَ وَهُوَ عَلَيْهِ، فَإِذَا رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اكْسُنِي قَمِيصًا، كَسَاكَ اللَّهُ مِنْ ثِيَابِ الْجَنَّةِ. فَنَزَعَ الْقَمِيصَ فَكَسَاهُ إِيَّاهُ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى صَاحِبِ الْحَانُوتِ، فَاشْتَرَى مِنْهُ قَمِيصًا بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ، وَبَقِيَ مَعَهُ دِرْهَمَانِ فَإِذَا هُوَ بِجَارِيَةٍ فِي الطَّرِيقِ تَبْكِي فَقَالَ: " مَا يُبْكِيكِ ؟ " فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، دَفَعَ إِلَيَّ أَهْلِي دِرْهَمَيْنِ أَشْتَرِيَ بِهِمَا دَقِيقًا فَهَلَكَا. فَدَفَعَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدِّرْهَمَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ، ثُمَّ انْقَلَبَتْ وَهِيَ تَبْكِي، فَدَعَاهَا فَقَالَ " مَا يُبْكِيكِ وَقَدْ أَخَذْتِ الدِّرْهَمَيْنِ ؟ " فَقَالَتْ: أَخَافَ أَنْ يَضْرِبُونِي. فَمَشَى مَعَهَا إِلَى أَهْلِهَا، فَسَلَّمَ، فَعَرَفُوا صَوْتَهُ، ثُمَّ عَادَ فَسَلَّمَ، ثُمَّ عَادَ فَسَلَّمَ، ثُمَّ عَادَ فَثَلَّثَ فَرَدُّوا، فَقَالَ: " أَسَمِعْتُمْ أَوَّلَ السَّلَامِ ؟ " قَالُوا: نَعَمْ، وَلَكِنْ أَحْبَبْنَا أَنْ تَزِيدَنَا مِنَ السَّلَامِ، فَمَا أَشْخَصَكَ بِأَبِينَا وَأُمِّنَا ؟ فَقَالَ: " أَشْفَقَتْ هَذِهِ الْجَارِيَةُ أَنْ تَضْرِبُوهَا ". فَقَالَ صَاحِبُهَا: فَهِيَ حُرَّةٌ لِوَجْهِ اللَّهِ؛ لِمَمْشَاكَ مَعَهَا. فَبَشَّرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْخَيْرِ وَالْجَنَّةِ، ثُمَّ قَالَ: " لَقَدْ بَارَكَ اللَّهُ فِي الْعَشَرَةِ؛ كَسَا اللَّهُ نَبِيَّهُ قَمِيصًا، وَرَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ قَمِيصًا،

وَأَعْتَقَ اللَّهُ مِنْهَا رَقَبَةً، وَأَحْمَدُ اللَّهَ هُوَ الَّذِي رَزَقَنَا هَذَا بِقُدْرَتِهِ " هَكَذَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَفِي إِسْنَادِهِ أَيُّوبُ بْنُ نَهِيكَ الْحَلَبِيُّ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ أَبُو حَاتِمٍ، وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ. وَقَالَ الْأَزْدِيُّ: مَتْرُوكٌ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا عَفَّانُ، ثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ امْرَأَةً كَانَ فِي عَقْلِهَا شَيْءٌ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي حَاجَةً. فَقَالَ: " يَا أَمَّ فَلَانٍ انْظُرِي أَيَّ الطُّرُقِ شِئْتِ ؟ " فَقَامَ مَعَهَا يُنَاجِيهَا حَتَّى قَضَتْ حَاجَتَهَا وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ
وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:مَا عَابَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا قَطُّ، إِنِ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ، وَإِلَّا تَرَكَهُ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ نُبَيْحٍ الْعَنْزِيِّ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَنْزِلِنَا فَذَبَحْنَا لَهُ شَاةً فَقَالَ: كَأَنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّا نُحِبُّ اللَّحْمَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَلَسَ

يَتَحَدَّثُ، كَثِيرًا مَا يَرْفَعُ طَرْفَهُ إِلَى السَّمَاءِ. وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ مِنْ " سُنَنِهِ " مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بِهِ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ رُبَيْحِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا جَلَسَ احْتَبَى بِيَدِهِ. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي " مَسْنَدِهِ "، وَلَفْظِهِ: كَانَ إِذَا جَلَسَ نَصَبَ رُكْبَتَيْهِ وَاحْتَبَى بِيَدَيْهِ.
ثُمَّ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: ثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ وَمُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَا: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَسَّانَ الْعَنْبَرِيُّ، حَدَّثَتْنِي جَدَّتَايَ صَفِيَّةُ وَدُحَيْبَةُ ابْنَتَا عُلَيْبَةَ - قَالَ مُوسَى: ابْنَةُ حَرْمَلَةَ. وَكَانَتَا رَبِيبَتَيْ قَيْلَةَ بِنْتِ مَخْرَمَةَ، وَكَانَتْ جَدَّةَ أَبِيهِمَا - أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُمَاأَنَّهَا رَأَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ قَاعِدٌ الْقُرْفُصَاءَ. قَالَتْ: فَلَمَّا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُتَخَشِّعَ فِي الْجَلْسَةِ أُرْعِدْتُ مِنَ الْفَرَقِ. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي " الشَّمَائِلِ "، وَفِي " الْجَامِعِ "، عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ عَفَّانَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَّانَ بِهِ. وَهُوَ قِطْعَةٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ قَدْ سَاقَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِتَمَامِهِ فِي " مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ ".

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ الْبَزَّارُ، ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُحَدِّثُ حَدِيثًا لَوْ عَدَّهُ الْعَادُّ لَأَحْصَاهُ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ:أَلَا أَعْجَبَكَ أَبُو فُلَانٍ، جَاءَ فَجَلَسَ إِلَى جَانِبِ حُجْرَتِي يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسْمِعُنِي ذَلِكَ، وَكُنْتُ أُسَبِّحُ، فَقَامَ قَبْلَ أَنْ أَقْضِيَ سُبْحَتِي، وَلَوْ أَدْرَكْتُهُ لَرَدَدْتُ عَلَيْهِ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَسْرُدُ الْحَدِيثَ كَسَرْدِكُمْ. وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِسْحَاقَ، وَمُسْلِمٍ عَنْ حَرْمَلَةَ، وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ، كُلُّهُمْ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ بِهِ، وَفِي رِوَايَتِهِمْ: أَلَا أَعْجَبَكَ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. فَذَكَرَ نَحْوَهُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أُسَامَةَ، عَنِ الْزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:كَانَ كَلَامُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصْلًا يَفْهَمُهُ كُلُّ أَحَدٍ

لَمْ يَكُنْ يَسْرُدُهُ سَرْدًا. وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ وَكِيعٍ.
وَقَالَ أَبُو يَعْلَى: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مِسْعَرٍ، حَدَّثَنِي شَيْخٌ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ - أَوِ ابْنَ عُمَرَ - يَقُولُ:كَانَ فِي كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْتِيلٌ أَوْ تَرْسِيلٌ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى، عَنْ ثُمَامَةَ، عَنْ أَنَسٍأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ رَدَّدَهَا ثَلَاثًا، وَإِذَا أَتَى قَوْمًا فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ سَلَّمَ ثَلَاثًا. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الصَّمَدِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: ثَنَا أَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى، سَمِعْتُ ثُمَامَةَ بْنَ أَنَسٍ يَذْكُرُأَنَّ أَنَسًا كَانَ إِذَا تَكَلَّمَ تَكَلَّمَ ثَلَاثًا، وَيَذْكُرُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا تَكَلَّمَ تَكَلَّمَ ثَلَاثًا، وَكَانَ يَسْتَأْذِنُ ثَلَاثًا.
وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبُو قُتَيْبَةَ سَلْمُ بْنُ قُتَيْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنْ ثُمَامَةَ، عَنْ أَنَسٍ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعِيدُ الْكَلِمَةَ ثَلَاثًا؛ لِتُعْقَلَ عَنْهُ. ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ

صَحِيحٌ غَرِيبٌ.
وَفِي " الصَّحِيحِ " أَنَّهُ قَالَ: أُوتِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ وَاخْتُصِرَتْ لِيَ الْحِكَمُ اخْتِصَارًا.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، حَدَّثَنِي عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُوتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الْأَرْضِ فَوُضِعَتْ فِي يَدِي وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى، ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُوتِيتُ جَوَامِعَ الْكَلَامِ، وَبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُوتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الْأَرْضِ فَوُضِعَتْ فِي يَدِي. تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُوتِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ، وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُوتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الْأَرْضِ

فَتُلَّتْ فِي يَدِي. تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَهُوَ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.
وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، حَدَّثَنِي أَبُو النَّضْرِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ:مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَجْمِعًا ضَاحِكًا حَتَّى أَرَى مِنْهُ لَهَوَاتِهِ، إِنَّمَا كَانَ يَتَبَسَّمُ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: ثَنَا قُتَيْبَةُ:، ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ جَزْءٍ قَالَ:مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَكْثَرَ تَبَسُّمًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ جَزْءٍ قَالَ: مَا كَانَ ضَحِكُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا تَبَسُّمَا. ثُمَّ قَالَ: صَحِيحٌ.
وَقَالَ مُسْلِمٌ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، ثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ:أَكُنْتَ تُجَالِسُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ: نَعَمْ، كَثِيرًا، كَانَ لَا يَقُومُ مِنْ مُصَلَّاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الصُّبْحَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَإِذَا طَلَعَتْ قَامَ، وَكَانُوا يَتَحَدَّثُونَ فَيَأْخُذُونَ فِي أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ فَيَضْحَكُونَ وَيَتَبَسَّمُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: ثَنَا شَرِيكٌ وَقَيْسُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ

حَرْبٍ قَالَ: قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ:أَكُنْتَ تُجَالِسُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ: نَعَمْ، كَانَ كَثِيرَ الصَّمْتِ، قَلِيلَ الضَّحِكِ، فَكَانَ أَصْحَابُهُ رُبَّمَا يَتَنَاشَدُونَ الشِّعْرَ عِنْدَهُ، وَرُبَّمَا قَالُوا الشَّيْءَ مِنْ أُمُورِهِمْ فَيَضْحَكُونَ، وَرُبَّمَا تَبَسَّمَ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو قَالَا: ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، أَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِئُ، ثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ أَبِي الْوَلِيدِ، أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ خَارِجَةَ أَخْبَرَهُعَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ، يَعْنِي ابْنَ ثَابِتٍ، أَنَّ نَفَرًا دَخَلُوا عَلَى أَبِيهِ، فَقَالُوا: حَدِّثْنَا عَنْ بَعْضِ أَخْلَاقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: كُنْتُ جَارَهُ فَكَانَ إِذَا نَزَلَ الْوَحْيُ بَعَثَ إِلَيَّ فَآتِيهِ فَأَكْتُبُ الْوَحْيَ، وَكُنَّا إِذَا ذَكَرْنَا الدُّنْيَا ذَكَرَهَا مَعَنَا، وَإِذَا ذَكَرْنَا الْآخِرَةَ ذَكَرَهَا مَعَنَا، وَإِذَا ذَكَرْنَا الطَّعَامَ ذَكَرَهُ مَعَنَا، فَكُلُّ هَذَا نُحَدِّثُكُمْ عَنْهُ. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي " الشَّمَائِلِ " عَنْ عَبَّاسٍ الدُّورِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِئِ بِهِ نَحْوَهُ.

ذِكْرُ كَرَمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
تَقَدَّمَ مَا أَخْرَجَاهُ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ طَرِيقِ الْزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ بِالْوَحْيِ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ. وَهَذَا التَّشْبِيهُ فِي غَايَةِ مَا يَكُونُ مِنَ الْبَلَاغَةِ فِي تَشْبِيهِهِ الْكَرَمَ بِالرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ فِي عُمُومِهَا وَتَوَاتُرِهَا وَعَدَمِ انْقِطَاعِهَا.
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:مَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا قَطُّ فَقَالَ: لَا.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسٍأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُسْأَلْ شَيْئًا عَلَى الْإِسْلَامِ إِلَّا أَعْطَاهُ. قَالَ: فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَسَأَلَهُ فَأَمَرَ لَهُ بِشَاءٍ كَثِيرٍ بَيْنَ جَبَلَيْنِ مِنْ شَاءِ الصَّدَقَةِ. قَالَ: فَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ: يَا قَوْمِ، أَسْلِمُوا، فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاءً، مَا يَخْشَى الْفَاقَةَ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ النَّضْرِ، عَنْ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ حُمَيْدٍ بِهِ.

وَقَالَ أَحْمَدُ: ثَنَا عَفَّانُ، ثَنَا حَمَّادٌ، ثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ،أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَعْطَاهُ غَنَمًا بَيْنَ جَبَلَيْنِ، فَأَتَى قَوْمَهُ فَقَالَ: أَيْ قَوْمِ، أَسْلِمُوا؛ فَوَاللَّهِ إِنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاءَ مَنْ لَا يَخَافُ الْفَاقَةَ. فَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَجِيءُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يُرِيدُ إِلَّا الدُّنْيَا. فَمَا يُمْسِي حَتَّى يَكُونَ دِينُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ أَوْ أَعَزَّ عَلَيْهِ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِهِ. وَهَذَا الْعَطَاءُ؛ لِيُؤَلِّفَ بِهِ قُلُوبَ ضَعِيفِي الْقُلُوبِ فِي الْإِسْلَامِ، وَيَتَأَلَّفَ آخَرِينَ لِيَدْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ، كَمَا فَعَلَ يَوْمَ حَنِينٍ حِينَ قَسَّمَ تِلْكَ الْأَمْوَالَ الْجَزِيلَةَ مِنَ الْإِبِلِ وَالشَّاءِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، وَمَعَ هَذَا لَمْ يُعْطِ الْأَنْصَارَ وَجُمْهُورَ الْمُهَاجِرِينَ شَيْئًا، بَلْ أَنْفَقَ فِيمَنْ كَانَ يُحِبُّ أَنْ يَتَأَلَّفَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَتَرَكَ أُولَئِكَ لِمَا جَعَلَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْغِنَى وَالْخَيْرِ، وَقَالَ مُسَلِّيًا لِمَنْ سَأَلَ عَنْ وَجْهِ الْحِكْمَةِ فِي هَذِهِ الْقِسْمَةِ؛ لِمَنْ عَتَبَ مِنْ جَمَاعَةِ الْأَنْصَارِ: أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاءِ وَالْبَعِيرِ، وَتَذْهَبُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ تَحُوزُونَهُ إِلَى رِحَالِكُمْ ؟ قَالُوا: رَضِينَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. وَهَكَذَا أَعْطَى عَمَّهُ الْعَبَّاسَ بَعْدَمَا أَسْلَمَ حِينَ جَاءَهُ ذَلِكَ الْمَالُ مِنِ الْبَحْرَيْنِ فَوُضِعَ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ، وَجَاءَ الْعَبَّاسُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَعْطِنِي فَقَدَ فَادَيْتُ نَفْسِي يَوْمَ بَدْرٍ وَفَادَيْتُ عَقِيلًا. فَقَالَ: " خُذْ ". فَنَزَعَ ثَوْبَهُ عَنْهُ، وَجَعَلَ يَضَعُ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ، ثُمَّ قَامَ لِيُقِلَّهُ، فَلَمْ يَقْدِرْ، فَقَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ارْفَعْهُ عَلَيَّ قَالَ: " لَا أَفْعَلُ ". فَقَالَ: مُرْ بَعْضَهُمْ لِيَرْفَعَهُ عَلَيَّ. فَقَالَ: " لَا " فَوَضَعَ مِنْهُ شَيْئًا. ثُمَّ عَادَ، فَلَمْ يَقْدِرْ، فَسَأَلَهُ أَنْ يَرْفَعَهُ أَوْ أَنْ يَأْمُرَ بَعْضَهُمْ يَرْفَعُهُ، فَلَمْ يَفْعَلْ، فَوَضَعَ مِنْهُ، ثُمَّ احْتَمَلَ الْبَاقِيَ، وَخَرَجَ بِهِ مِنَ الْمَسْجِدِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُتْبِعُهُ بَصَرَهُ عَجَبًا مِنْ حِرْصِهِ. قُلْتُ: وَقَدْ كَانَ الْعَبَّاسُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَجُلًا شَدِيدًا طَوِيلًا نَبِيلًا، فَأَقَلُّ مَا احْتَمَلَ شَيْءٌ يُقَارِبُ أَرْبَعِينَ أَلْفًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي " صَحِيحِهِ " فِي مَوَاضِعَ مُعَلِّقًا بِصِيغَةِ الْجَزْمِ، وَهَذَا يُورَدُ فِي مَنَاقِبِ الْعَبَّاسِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [ الْأَنْفَالِ: 70 ] وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ خَادِمِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَأَشْجَعَ النَّاسِ. الْحَدِيثَ. وَكَيْفَ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ، وَهُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَجْبُولُ عَلَى أَكْمَلِ الصِّفَاتِ، الْوَاثِقُ بِمَا فِي يَدَيِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالِي عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ الْعَزِيزِ: وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْآيَةَ ؟! [ الْحَدِيدِ: 10 ]. وَقَالَ تَعَالَى: وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [ سَبَأٍ: 39 ].
وَهُوَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الْقَائِلُ لِمُؤَذِّنِهِ بِلَالٍ، وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ فِي

الْوَعْدِ وَالْمَقَالِ:أَنْفِقْ يَا بِلَالُ، وَلَا تَخْشَ مِنْ ذِي الْعَرْشِ إِقْلَالًا.
وَهُوَ الْقَائِلُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعَبَّادُ فِيهِ إِلَّا وَمَلَكَانِ يَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الْآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ أَنَّهُ قَالَ لِعَائِشَةَ:لَا تُوعِي فَيُوعِيَ اللَّهُ عَلَيْكِ، وَلَا تُوكِي فَيُوكِيَ اللَّهُ عَلَيْكِ وَفِي " الصَّحِيحِ " أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: ابْنَ آدَمَ، أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ فَكَيْفَ لَا يَكُونُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْرَمَ النَّاسِ وَأَشْجَعَ النَّاسِ، وَهُوَ الْمُتَوَكِّلُ الَّذِي لَا أَعْظَمَ مِنْهُ فِي تَوَكُّلِهِ، الْوَاثِقُ بِرِزْقِ اللَّهِ وَنَصْرِهِ الْمُسْتَعِينُ بِرَبِّهِ فِي جَمِيعِ أَمْرِهِ ؟! ثُمَّ قَدْ كَانَ قَبْلَ بِعْثَتِهِ وَبَعْدَهَا وَقَبْلَ هِجْرَتِهِ، مَلْجَأَ الْفُقَرَاءِ وَالْأَرَامِلِ، وَالْأَيْتَامِ وَالضُّعَفَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، كَمَا قَالَ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ فِيمَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ الْقَصِيدَةِ الْمَشْهُورَةِ:

وَمَا تَرْكُ قَوْمٍ - لَا أَبَالَكَ - سَيِّدًا يَحُوطُ الذِّمَارَ غَيْرَ ذَرْبِ مُوَاكِلِ وَأَبْيَضُ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ
ثِمَالُ الْيَتَامَى عِصْمَةٌ لِلْأَرَامِلِ يَلُوذُ بِهِ الْهُلَّاكُ مِنْ آلِ هَاشِمٍ
فَهُمْ عِنْدَهُ فِي نِعْمَةٍ وَفَوَاضِلِ

وَمِنْ تَوَاضُعِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مَا رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ - زَادَ النَّسَائِيُّ: وَحُمَيْدٌ - عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا سَيِّدَنَا وَابْنَ سَيِّدِنَا، وَخَيْرَنَا وَابْنَ خَيْرِنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قُولُوا بِقَوْلِكُمْ، وَلَا يَسْتَهْوِيَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنْ تَرْفَعُونِي فَوْقَ مَا رَفَعَنِيَ اللَّهُ.
وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ، فَقُولُوا: عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ، حَدَّثَنِي الْحَكَمُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ قَالَ:قُلْتُ لِعَائِشَةَ: مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ فِي أَهْلِهِ ؟ قَالَتْ:

كَانَ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ.
وَحَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ قَالَ:قُلْتُ لِعَائِشَةَ: مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ ؟ قَالَتْ: كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ خَرَجَ فَصَلَّى. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ آدَمَ، عَنْ شُعْبَةَ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، ثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ رَجُلٍ قَالَ:سَأَلْتُ عَائِشَةَ: مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ ؟ قَالَتْ: كَانَ يُرَقِّعُ الثَّوْبَ، وَيَخْصِفُ النَّعْلَ. أَوْ نَحْوَ هَذَا. وَهَذَا مُنْقَطِعٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَقَدْ قَالَ: عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الْزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، وَهِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:سَأَلَ رَجُلٌ عَائِشَةَ: هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْصِفُ نَعْلَهُ، وَيَخِيطُ ثَوْبَهُ، وَيَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ كَمَا يَعْمَلُ أَحَدُكُمْ فِي بَيْتِهِ. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فَاتَّصَلَ الْإِسْنَادُ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْبَخْتَرِيِّ إِمْلَاءً، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ السُّلَمِيُّ، حَدَّثَنَا

أَبُو صَالِحٍ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ قَالَتْ:قُلْتُ لِعَائِشَةَ: مَا كَانَ يَعْمَلُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ ؟ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَشَرًا مِنَ الْبَشَرِ، يُفَلِّي ثَوْبَهُ، وَيَحْلِبُ شَاتَهُ، وَيَخْدِمُ نَفْسَهُ. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي " الشَّمَائِلِ " عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ قَالَتْ: قِيلَ لِعَائِشَةَ: مَا كَانَ يَعْمَلُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ ؟ الْحَدِيثَ.
وَرَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ عَمْرَةَ قَالَتْ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ: كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَهْلِهِ ؟ قَالَتْ: كَانَ أَلْيَنَ النَّاسِ، وَأَكْرَمَ النَّاسِ، وَكَانَ ضَحَّاكًا بَسَّامًا.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: ثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنِي مُسْلِمٌ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْأَعْوَرُ، سَمِعَ أَنَسًا يَقُولُ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ الذِّكْرَ، وَيُقِلُّ اللَّغْوَ، وَيَرْكَبُ الْحِمَارَ، وَيَلْبَسُ الصُّوفَ، وَيُجِيبُ دَعْوَةَ الْمَمْلُوكِ، وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَوْمَ خَيْبَرَ عَلَى حِمَارٍ خِطَامُهُ مِنْ لِيفٍ. وَفِي التِّرْمِذِيِّ، وَابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ مُسْلِمِ بْنِ كَيْسَانَ الْمُلَائِيِّ، عَنْ أَنَسٍ بَعْضُ ذَلِكَ.

وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ إِمْلَاءً، ثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْآدَمِيُّ الْقَارِئُ بِبَغْدَادَ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ نَصْرِ بْنِ مَالِكٍ الْخُزَاعِيُّ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقَدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ عُقَيْلٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى يَقُولُ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ الذِّكْرَ، وَيُقِلُّ اللَّغْوَ، وَيُطِيلُ الصَّلَاةَ، وَيُقَصِّرُ الْخُطْبَةَ، وَلَا يَسْتَنْكِفُ أَنْ يَمْشِيَ مَعَ الْعَبْدِ، وَلَا مَعَ الْأَرْمَلَةِ، حَتَّى يَفْرُغَ لَهُمْ مِنْ حَاجَاتِهِمْ. وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رِزْمَةَ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ مُوسَى، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُقَيْلٍ الْخُزَاعِيِّ الْبَصْرِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى بِنَحْوِهِ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثَنَا أَبُو بَكْرٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْفَقِيهُ بِالرَّيِّ، ثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَرَجِ الْأَزْرَقُ، ثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، ثَنَا شَيْبَانُ أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْكَبُ الْحِمَارَ، وَيَلْبَسُ الصُّوفَ، وَيَعْتَقِلُ الشَّاةَ، وَيَأْتِي مُرَاعَاةَ الضَّيْفِ. وَهَذَا غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَلَمْ يُخْرِجُوهُ، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ.

وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي فُدَيْكٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ يَعْقُوبَ الزَّمْعِيِّ، عَنْ سَهْلٍ مَوْلَى غُنَيْمَةَ، أَنَّهُ كَانَ نَصْرَانِيًّا مِنْ أَهْلِ مَرِيسٍ، وَأَنَّهُ كَانَ فِي حِجْرِ عَمِّهِ، أَوْ أُمِّهِ قَالَ: قَرَأْتُ يَوْمًا فِي مُصْحَفٍ لِعَمِّي فَإِذَا فِيهِ وَرَقَةٌ بِغَيْرِ الْخَطِّ، وَإِذَا فِيهَا نَعْتُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لَا قَصِيرٌ، وَلَا طَوِيلٌ، أَبْيَضُ ذُو ضَفِيرَتَيْنِ، بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمٌ، يُكْثِرُ الِاحْتِبَاءَ، وَلَا يَقْبَلُ الصَّدَقَةَ، وَيَرْكَبُ الْحِمَارَ وَالْبَعِيرَ، وَيَحْتَلِبُ الشَّاةَ، وَيَلْبَسُ قَمِيصًا مَرْقُوعًا، وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ بَرِئَ مِنَ الْكِبْرِ، وَهُوَ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِسْمَاعِيلَ، اسْمُهُ أَحْمَدُ. قَالَ: فَلَمَّا جَاءَ عَمِّي وَرَآنِي قَدْ قَرَأْتُهَا ضَرَبَنِي، وَقَالَ: مَا لَكَ وَفَتْحَ هَذِهِ ؟ فَقُلْتُ: إِنَّ فِيهَا نَعْتَ أَحْمَدَ. فَقَالَ: إِنَّهُ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا إِسْمَاعِيلُ، ثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ

أَنَسٍ قَالَ:مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَرْحَمَ بِالْعِيَالِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ بِهِ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي " الشَّمَائِلِ ": ثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، ثَنَا أَبُو دَاوُدَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْأَشْعَثِ بْنِ سُلَيْمٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَمَّتِي تُحَدِّثُ عَنْ عَمِّهَا قَالَ: بَيْنَا أَنَا أَمْشِي بِالْمَدِينَةِ إِذَا إِنْسَانٌ خَلْفِي يَقُولُ " ارْفَعْ إِزَارَكَ فَإِنَّهُ أَتْقَى وَأَبْقَى ". فَإِذَا هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا هِيَ بُرْدَةٌ مَلْحَاءُ. قَالَ: " أَمَا لَكَ فِيَّ أُسْوَةٌ ؟ " فَنَظَرْتُ، فَإِذَا إِزَارُهُ إِلَى نِصْفِ سَاقَيْهِ.
ثُمَّ قَالَ: ثَنَا سُوِيدُ بْنُ نَصْرٍ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:كَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ يَأْتَزِرُ إِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ، قَالَ: وَقَالَ: هَكَذَا كَانَتْ إِزْرَةُ صَاحِبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ أَيْضًا: ثَنَا يُوسُفُ بْنُ عِيسَى، ثَنَا وَكِيعٌ، ثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ صَبِيحٍ، ثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبَانٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ الْقِنَاعَ، كَأَنَّ ثَوْبَهُ ثَوْبُ زَيَّاتٍ. وَهَذَا فِيهِ غَرَابَةٌ وَنَكَارَةٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَرَوَى الْبُخَارِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْجَعْدِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سَيَّارٍ أَبِي الْحَكَمِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى صِبْيَانٍ يَلْعَبُونَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنْ شُعْبَةَ.

ذِكْرُ مِزَاحِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
قَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ حَدَّثَنِي عُمَارَةُ بْنُ غَزِيَّةَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَفْكَهِ النَّاسِ مَعَ صَبِيٍّ. وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُهُ فِي مُلَاعَبَتِهِ أَخَاهُ أَبَا عُمَيْرٍ، وَقَوْلُهُ: أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ ؟ يُذَكِّرُهُ بِمَوْتِ نُغَرٍ كَانَ يَلْعَبُ بِهِ؛ لِيُخْرِجَهُ بِذَلِكَ، كَمَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ النَّاسِ مِنَ الْمُدَاعَبَةِ مَعَ الْأَطْفَالِ الصِّغَارِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا خَلَفُ بْنُ الْوَلِيدِ، ثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَحْمَلَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّا حَامِلُوكَ عَلَى وَلَدِ نَاقَةٍ " فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَصْنَعُ بِوَلَدِ نَاقَةٍ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَهَلْ تَلِدُ الْإِبِلَ إِلَّا النُّوقُ! ". وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ وَهْبِ بْنِ بَقِيَّةَ، وَالتِّرْمِذِيِّ عَنْ قُتَيْبَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْوَاسِطِيِّ الطَّحَّانِ بِهِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: صَحِيحٌ غَرِيبٌ.

وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي هَذَا الْبَابِ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، ثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْعَيْزَارِ بْنِ حُرَيْثٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: اسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَمِعَ صَوْتَ عَائِشَةَ عَالِيًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا دَخَلَ تَنَاوَلَهَا لِيَلْطِمَهَا، وَقَالَ: أَلَا أَرَاكِ تَرْفَعِينَ صَوْتَكِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْجِزُهُ، وَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُغْضَبًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ: " كَيْفَ رَأَيْتِنِي أَنْقَذْتُكِ مِنَ الرَّجُلِ ؟ " فَمَكَثَ أَبُو بَكْرٍ أَيَّامًا، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدَهُمَا قَدِ اصْطَلَحَا، فَقَالَ لَهُمَا: أَدْخِلَانِي فِي سِلْمِكُمَا كَمَا أَدْخَلْتُمَانِي فِي حَرْبِكُمَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَدْ فَعَلْنَا قَدْ فَعَلْنَا ".
ثُمَّ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: ثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ الْفَضْلِ، ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَلَاءِ، عَنْ بُسْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ مَنْ أَدَمٍ، فَسَلَّمْتُ فَرَدَّ وَقَالَ: " ادْخُلْ ". فَقُلْتُ: أَكُلِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ فَقَالَ: " كُلُّكَ ". فَدَخَلْتُ..

وَحَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ صَالِحٍ، ثَنَا الْوَلِيدُ، ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاتِكَةِ، إِنَّمَا قَالَ: أَدْخُلُ كُلِّي ؟ مِنْ صِغَرِ الْقُبَّةِ.
ثُمَّ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَهْدِيٍّ، ثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا ذَا الْأُذُنَيْنِ.
قُلْتُ: وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ:، ثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ،أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ كَانَ اسْمُهُ زَاهِرًا، وَكَانَ يُهْدِي لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْهَدِيَّةَ مِنَ الْبَادِيَةِ، فَيُجَهِّزُهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّ زَاهِرًا بَادِيَتُنَا، وَنَحْنُ حَاضِرُوهُ ". وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّهُ، وَكَانَ رَجُلًا دَمِيمًا، فَأَتَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا وَهُوَ يَبِيعُ مَتَاعَهُ فَاحْتَضَنَهُ مِنْ خَلْفِهِ وَهُوَ لَا يُبْصِرُهُ، فَقَالَ الرَّجُلُ: أَرْسِلْنِي، مَنْ هَذَا ؟ فَالْتَفَتَ فَعَرَفَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلَ لَا يَأْلُو مَا أَلْصَقَ ظَهْرَهُ بِصَدْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ عَرَفَهُ، وَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنْ يَشْتَرِي الْعَبْدَ ؟ " فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِذَنْ وَاللَّهِ تَجِدُنِي كَاسِدًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَكِنَّ عِنْدَ اللَّهِ لَسْتَ بِكَاسِدٍ " أَوْ قَالَ: " لَكِنَّ عِنْدَ اللَّهِ أَنْتَ غَالٍ " وَهَذَا إِسْنَادٌ رِجَالُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ عَلَى شَرْطِ " الصَّحِيحَيْنِ "، وَلَمْ يَرْوِهِ إِلَّا التِّرْمِذِيُّ فِي " الشَّمَائِلِ "، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ

مَنْصُورٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي " صَحِيحِهِ ".
وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي " صَحِيحِهِ أَنَّ رَجُلًا كَانَ يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ اللَّهِ. وَكَانَ يُلَقَّبُ حِمَارًا، وَكَانَ يُضْحِكُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ يُؤْتَى بِهِ فِي الشَّرَابِ، فَجِيءَ بِهِ يَوْمًا، فَقَالَ رَجُلٌ: لَعَنَهُ اللَّهُ، مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " " لَا تَلْعَنْهُ؛ فَإِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ".
وَمِنْ هَذَا مَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا حَجَّاجٌ، حَدَّثَنِي شُعْبَةُ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي مَسِيرٍ، وَكَانَ حَادٍ يَحْدُو بِنِسَائِهِ أَوْ سَائِقٌ. قَالَ: فَكَانَ نِسَاؤُهُ يَتَقَدَّمْنَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: " يَا أَنْجَشَةُ، وَيْحَكَ، ارْفُقْ بِالْقَوَارِيرِ ".
وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَادٍ يَحْدُو بِنِسَائِهِ يُقَالُ لَهُ: أَنْجَشَةُ. فَحَدَا، فَأَعْنَقَتِ الْإِبِلُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَيْحَكَ يَا أَنْجَشَةُ، ارْفُقْ بِالْقَوَارِيرِ " وَمَعْنَى الْقَوَارِيرِ: النِّسَاءُ، وَهِيَ كَلِمَةُ دُعَابَةٍ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ دَائِمًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
وَمِنْ مَكَارِمِ أَخْلَاقِهِ وَدُعَابَتِهِ وَحَسَنِ خُلُقِهِ، اسْتِمَاعُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ

حَدِيثَ أُمِّ زَرْعٍ مِنْ عَائِشَةَ بِطُولِهِ، وَوَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الَّذِي قَصَّهُ عَلَى عَائِشَةَ.
وَمِنْ هَذَا مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، ثَنَا أَبُو النَّضْرِ، ثَنَا أَبُو عَقِيلٍ - يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَقِيلٍ الثَّقَفِيَّ. ثِقَةٌ - حَدَّثَنَا مَجَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: حَدَّثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ ذَاتَ لَيْلَةٍ حَدِيثًا، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَانَ الْحَدِيثُ حَدِيثَ خُرَافَةَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَتَدْرِينَ مَا خُرَافَةُ ؟ إِنَّ خُرَافَةَ كَانَ رَجُلًا مِنْ عُذْرَةَ أَسَرْتُهُ الْجِنُّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَمَكَثَ فِيهِمْ دَهْرًا طَوِيلًا، ثُمَّ رَدُّوهُ إِلَى الْإِنْسِ، فَكَانَ يُحَدِّثُ النَّاسَ بِمَا رَأَى فِيهِمْ مِنَ الْأَعَاجِيبِ، فَقَالَ النَّاسُ: حَدِيثُ خُرَافَةَ " وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي " الشَّمَائِلِ " عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الصَّبَّاحِ الْبَزَّارِ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ هَاشِمِ بْنِ الْقَاسِمِ بِهِ. قُلْتُ: وَهُوَ مِنْ غَرَائِبِ الْأَحَادِيثِ، وَفِيهِ نَكَارَةٌ، وَمَجَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ يَتَكَلَّمُونَ فِيهِ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ مُزَاحِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كِتَابِهِ " الشَّمَائِلِ ": ثَنَا

عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، ثَنَا مُصْعَبُ بْنُ الْمِقْدَامِ، ثَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ فُضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: أَتَتْ عَجُوزٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ يُدْخِلَنِي الْجَنَّةَ. فَقَالَ: " يَا أُمَّ فُلَانٍ، إِنَّ الْجَنَّةَ لَا تَدْخُلُهَا عَجُوزٌ ". قَالَ: فَوَلَّتِ الْعَجُوزُ تَبْكِي، فَقَالَ: " أَخْبِرُوهَا أَنَّهَا لَا تَدْخُلُهَا وَهِيَ عَجُوزٌ؛ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: " إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا عَرَّبًا أَتْرَابًا " [ الْوَاقِعَةِ: 35 - 37 ] وَهَذَا مُرْسَلٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: ثَنَا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ تُدَاعِبُنَا. قَالَ: " إِنِّي لَا أَقُولُ إِلَّا حَقًّا " تُدَاعِبُنَا يَعْنِي تُمَازِحُنَا. وَهَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي " جَامِعِهِ " فِي بَابِ الْبِرِّ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

بَابُ زُهْدِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَإِعْرَاضِهِ عَنْ هَذِهِ الدَّارِ وَإِقْبَالِهِ وَاجْتِهَادِهِ وَعَمَلِهِ لِدَارِ الْقَرَارِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى [ طَهَ: 131 ] وَقَالَ تَعَالَى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا [ الْكَهْفِ: 28 ] وَقَالَ تَعَالَى: فَأَعْرَضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ [ النَّجْمِ: 30، 29 ] وَقَالَ تَعَالَى: وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ [ الْحِجْرِ: 88، 87 ] وَالْآيَاتُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ.
وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ؛ فَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: حَدَّثَنِي أَبُو الْعَبَّاسِ حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ أَنَا بَقِيَّةُ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ، عَنِ الْزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ

بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُحَدِّثُأَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَ إِلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَلَكًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ مَعَهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ الْمَلَكُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ يُخَيِّرُكَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ عَبْدًا نَبِيًّا، وَبَيْنَ أَنْ تَكُونَ مَلَكًا نَبِيًّا. فَالْتَفَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جِبْرِيلَ كَالْمُسْتَشِيرِ لَهُ، فَأَشَارَ جِبْرِيلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَوَاضَعْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بَلْ أَكُونُ عَبْدًا نَبِيًّا " قَالَ: فَمَا أَكَلَ بَعْدَ تِلْكَ الْكَلِمَةِ طَعَامًا مُتَّكِئًا حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ. وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي " التَّارِيخِ " عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، كِلَاهُمَا عَنْ بَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ بِهِ، وَأَصْلُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي " الصَّحِيحِ " بِنَحْوٍ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، وَلَا أَعْلَمُهُ إِلَّا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:جَلَسَ جِبْرِيلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ فَإِذَا مَلَكٌ يَنْزِلُ فَقَالَ جِبْرِيلُ: إِنَّ هَذَا الْمَلَكَ مَا نَزَلَ مُنْذُ يَوْمِ خُلِقَ، قَبْلَ السَّاعَةِ. فَلَمَّا نَزَلَ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ رَبُّكَ؛ أَفَمَلَكًا نَبِيًّا يَجْعَلُكَ أَوْ عَبْدًا رَسُولًا. هَكَذَا وَجَدْتُهُ بِالنُّسْخَةِ الَّتِي عِنْدِي " بِالْمُسْنَدِ " مُقْتَصِرًا، وَهُوَ مِنْ أَفْرَادِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي حَدِيثِإِيلَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَزْوَاجِهِ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَيْهِنَّ شَهْرًا، وَاعْتَزَلَ عَنْهُنَّ فِي عُلِّيَّةٍ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ عُمَرُ فِي تِلْكَ الْعُلِّيَّةِ، فَإِذَا لَيْسَ فِيهَا سِوَى صُبْرَةٍ مِنْ

قَرَظٍ، وَآهِبَةٍ مُعَلَّقَةٍ، وَصُبْرَةٍ مِنْ شَعِيرٍ، وَإِذَا هُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى رُمَالِ حَصِيرٍ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ، فَهَمَلَتْ عَيْنَا عُمَرَ، فَقَالَ: " مَا لَكَ ". فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْتَ صَفْوَةُ اللَّهِ مِنْ خَلْقِهِ، وَكِسْرَى وَقَيْصَرُ فِيمَا هَمَا فِيهِ! فَجَلَسَ مُحْمَرًّا وَجْهُهُ، فَقَالَ: أَوَفِي شَكٍّ أَنْتَ يَا بْنَ الْخَطَّابِ ؟ " ثُمَّ قَالَ: " أُولَئِكَ قَوْمٌ عُجِّلَتْ لَهُمْ طَيِّبَاتُهُمْ فِي حَيَاتِهِمُ الدُّنْيَا ". وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: " أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَهُمُ الدُّنْيَا، وَلَنَا الْآخِرَةُ ؟ " فَقُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: " فَاحْمَدِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ "، ثُمَّ لَمَّا انْقَضَى الشَّهْرُ أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، أَنْ يُخَيِّرَ أَزْوَاجَهُ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا [ الْأَحْزَابِ: 28، 29 ]. وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا مَبْسُوطًا فِي كِتَابِنَا " التَّفْسِيرِ " وَأَنَّهُ بَدَأَ بِعَائِشَةَ، فَقَالَ لَهَا: إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا، فَلَا عَلَيْكِ أَنْ لَا تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ، وَتَلَا عَلَيْهَا هَذِهِ الْآيَةَ. قَالَتْ: فَقُلْتُ: أَفِي هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ ؟! فَإِنِّي أَخْتَارُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ. وَكَذَلِكَ قَالَ سَائِرُ أَزْوَاجِهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ.
وَقَالَ مُبَارَكُ بْنُ فُضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ عَلَى سَرِيرٍ مَرْمُولٍ بِالشَّرِيطِ، وَتَحْتَ رَأْسِهِ وِسَادَةٌ مَنْ أَدَمٍ، حَشْوُهَا

لِيفٌ، وَدَخَلَ عَلَيْهِ عُمَرُ، وَنَاسٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَانْحَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْحِرَافَةً، فَرَأَى عُمَرُ أَثَرَ الشَّرِيطِ فِي جَنْبِهِ فَبَكَى، فَقَالَ لَهُ: " مَا يُبْكِيكَ يَا عُمَرُ ؟ " قَالَ: وَمَا لِي لَا أَبْكِي، وَكِسْرَى وَقَيْصَرُ يَعِيشَانِ فِيمَا يَعِيشَانِ فِيهِ مِنَ الدُّنْيَا، وَأَنْتَ عَلَى الْحَالِ الَّذِي أَرَى ؟ فَقَالَ: " يَا عُمَرُ، أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَهُمُ الدُّنْيَا وَلَنَا الْآخِرَةُ ؟ " قَالَ: بَلَى. قَالَ: " هُوَ كَذَلِكَ " هَكَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، ثَنَا مُبَارَكٌ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ عَلَى سَرِيرٍ مُضْطَجِعٍ مُرْمَلٍ بِشَرِيطٍ، وَتَحْتَ رَأْسِهِ وِسَادَةٌ مِنْ أَدَمٍ، حَشْوُهَا لِيفٌ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَدَخَلَ عُمَرُ فَانْحَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْحِرَافَةً، فَلَمْ يَرَ عُمَرُ بَيْنَ جَنْبِهِ وَبَيْنَ الشَّرِيطِ ثَوْبًا، وَقَدْ أَثَّرَ الشَّرِيطُ بِجَنْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَكَى عُمَرُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا يُبْكِيكَ يَا عُمَرُ ؟ " قَالَ: وَاللَّهِ مَا أَبْكِي إِلَّا أَكُونُ أَعْلَمُ أَنَّكَ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ كِسْرَى وَقَيْصَرَ، وَهُمَا يَعِيشَانِ فِي الدُّنْيَا فِيمَا يَعِيشَانِ فِيهِ، وَأَنْتَ يَا رَسُولُ اللَّهِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي أَرَى! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَهُمُ الدُّنْيَا، وَلَنَا الْآخِرَةُ ؟ " قَالَ: بَلَى. قَالَ: " فَإِنَّهُ كَذَلِكَ ".
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: ثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ:اضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَصِيرٍ، فَأَثَّرَ الْحَصِيرُ بِجِلْدِهِ، فَجَعَلْتُ أَمْسَحُهُ، وَأَقُولُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا

آذَنْتَنَا فَنَبْسُطَ لَكَ شَيْئًا يَقِيكَ مِنْهُ تَنَامُ عَلَيْهِ ؟ فَقَالَ: " مَا لِي وَلِلدُّنْيَا، مَا أَنَا وَالدُّنْيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا " وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ يَحْيَى بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ مُوسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْكِنْدِيِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ، كِلَاهُمَا عَنِ الْمَسْعُودِيِّ بِهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ وَأَبُو سَعِيدٍ وَعَفَّانُ، قَالُوا: ثَنَا ثَابِتٌ، ثَنَا هِلَالٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهِ عُمَرُ وَهُوَ عَلَى حَصِيرٍ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوِ اتَّخَذْتَ فِرَاشًا أَوْثَرَ مِنْ هَذَا. فَقَالَ " مَا لِي وَلِلدُّنْيَا، مَا مَثَلِي وَمَثَلُ الدُّنْيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ سَارَ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ، فَاسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا. تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.
وَفِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " مِنْ حَدِيثِ الْزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَوْ أَنَّ لِي مِثْلَ أَحَدٍ ذَهَبًا مَا سَرَّنِي أَنْ تَأْتِيَ عَلِيَّ ثَلَاثُ لَيَالٍ وَعِنْدِي مِنْهُ شَيْءٌ إِلَّا شَيْءٌ أَرْصُدُهُ لِدَيْنٍ ".
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ

أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " اللَّهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتًا ".
فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي الْمُبَارَكِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا، وَأَمِتْنِي مِسْكِينًا، وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَةِ الْمَسَاكِينِ " فَإِنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ لَا يَثْبُتُ مِنْ جِهَةِ إِسْنَادِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ يَزِيدَ بْنَ سِنَانٍ أَبَا فَرْوَةَ الرُّهَاوِيَّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَقَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ وَاصِلٍ الْكُوفِيُّ، ثَنَا ثَابِتُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَابِدُ الْكُوفِيُّ، حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ النُّعْمَانِ اللَّيْثِيُّ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا، وَأَمِتْنِي مِسْكِينًا، وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَةِ الْمَسَاكِينِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: " إِنَّهُمْ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قَبْلَ أَغْنِيَائِهِمْ بِأَرْبَعِينَ خَرِيفًا، يَا عَائِشَةُ، لَا تَرُدِّي الْمِسْكِينَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، يَا عَائِشَةُ، حِبِّي الْمَسَاكِينَ وَقَرِّبِيهِمْ؛ فَإِنَّ اللَّهَ يُقَرِّبُكِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " ثُمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ. قُلْتُ: وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ، وَفِي مَتْنِهِ نَكَارَةٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ

سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، أَنَّهُ قِيلَ لَهُ:هَلْ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّقِيَّ بِعَيْنِهِ، يَعْنِي الْحُوَّارَى ؟ فَقَالَ لَهُ: مَا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّقِيَّ بِعَيْنِهِ حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ. فَقِيلَ لَهُ: هَلْ كَانَتْ لَكُمْ مَنَاخِلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَ: مَا كَانَتْ لَنَا مَنَاخِلُ. فَقِيلَ لَهُ: فَكَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ بِالشَّعِيرِ ؟ قَالَ: نَنْفُخُهُ فَيَطِيرُ مِنْهُ مَا طَارَ. وَهَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ بِهِ. وَزَادَ: ثُمَّ نُثَرِّيهِ، وَنَعْجِنُهُ. ثُمَّ قَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ أَبِي حَازِمٍ. قُلْتُ: وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُطَرِّفٍ أَبِي غَسَّانَ الْمَدَنِيِّ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ بِهِ. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا وَالْنَّسَائِيُّ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِّيِّ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلٍ بِهِ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، ثَنَا جَرِيرُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ، سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ يَقُولُ:مَا كَانَ يَفْضُلُ عَنْ أَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُبْزُ الشَّعِيرِ. ثُمَّ قَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ

غَرِيبٌ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَيْسَانَ، حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يُشِيرُ بِأُصْبُعِهِ مِرَارًا:وَالَّذِي نَفْسُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ مَا شَبِعَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَهْلُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ تِبَاعًا مِنْ خُبْزِ حِنْطَةٍ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ كَيْسَانَ.
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْذُ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ تِبَاعًا مِنْ خُبْزِ بُرٍّ حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا هَاشِمٌ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ ثَلَاثًا مِنْ خُبْزِ بُرٍّ حَتَّى قُبِضَ، وَمَا رُفِعَ مِنْ مَائِدَتِهِ كِسْرَةٌ قَطُّ حَتَّى قُبِضَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، ثَنَا مُطِيعٌ الْغَزَّالُ، عَنْ كُرْدُوسٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:قَدْ مَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَبِيلِهِ، وَمَا شَبِعَ أَهْلُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ طَعَامِ بُرٍّ.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا حُسَيْنٌ، ثَنَا دُوَيْدٌ، عَنْ أَبِي سَهْلٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ رُومَانَ مَوْلَى عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ:وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ مَا رَأَى مُنْخُلًا، وَلَا أَكَلَ خَبْزًا مَنْخُولًا مُنْذُ بَعَثَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، إِلَى أَنَّ قُبِضَ. قُلْتُ: كَيْفَ كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ الشَّعِيرَ ؟ قَالَتْ: كُنَّا نَقُولُ: أُفُّ. تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَابِسِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:إِنْ كُنَّا لَنُخْرِجُ الْكُرَاعَ بَعْدَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَنَأْكُلُهُ. قُلْتُ: وَلِمَ تَفْعَلُونَ ذَلِكَ ؟ فَضَحِكَتْ وَقَالَتْ: مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خَبْزِ بُرٍّ مَأْدُومٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ حَتَّى لَحِقَ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: ثَنَا يَحْيَى، ثَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:كَانَ يَأْتِي عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشَّهْرُ مَا يُوقِدُونَ فِيهِ نَارًا، لَيْسَ إِلَّا التَّمْرُ وَالْمَاءُ إِلَّا أَنْ نُؤْتَى بِاللَّحْمِ.

وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ:إِنْ كُنَّا آلَ مُحَمَّدٍ لَيَمُرُّ بِنَا الْهِلَالُ مَا نُوقِدُ نَارًا، إِنَّمَا هُوَ الْأَسْوَدَانِ؛ التَّمْرُ وَالْمَاءُ، إِلَّا أَنَّهُ كَانَ حَوْلَنَا أَهْلُ دُورٍ مِنَ الْأَنْصَارِ يَبْعَثُونَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَبَنِ مَنَائِحِهِمْ فَيَشْرَبُ وَيَسْقِينَا مِنْ ذَلِكَ اللَّبَنِ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْهَا بِنَحْوِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ وَحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَا: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ قَالَ: ثَنَا أَبُو حَازِمٍ، قَالَ حُسَيْنٌ: عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:كَانَ يَمُرُّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِلَالٌ وَهِلَالٌ مَا يُوقَدُ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِهِ نَارٌ. قَالَ: قُلْتُ: يَا خَالَةُ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ كُنْتُمْ تَعِيشُونَ ؟ قَالَتْ: عَلَى الْأَسْوَدَيْنِ؛ التَّمْرِ وَالْمَاءِ. تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:مَا شَبِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خُبْزِ شَعِيرٍ يَوْمَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ حَتَّى قُبِضَ. وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ:بَعَثَ إِلَيْنَا آلُ أَبِي بَكْرٍ بِقَائِمَةِ شَاةٍ لَيْلًا، فَأَمْسَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَطَعْتُ، أَوْ أَمْسَكْتُ وَقَطَعَ. فَقَالَ الَّذِي تُحَدِّثُهُ: أَعْلَى غَيْرِ مِصْبَاحٍ ؟ فَقَالَتْ: لَوْ كَانَ عِنْدَنَا مِصْبَاحٌ لَأْتَدَمْنَا بِهِ، إِنْ كَانَ لِيَأْتِيَ عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشَّهْرُ مَا يَخْتَبِزُونَ خُبْزًا وَلَا يَطْبُخُونَ قِدْرًا. وَقَدْ رَوَاهُ أَيْضًا، عَنْ بَهْزِ بْنِ أَسَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ: شَهْرَيْنِ. تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا خَلَفٌ، ثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ، هُوَ ابْنُ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:كَانَ يَمُرُّ بِآلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِلَالٌ ثُمَّ هِلَالٌ لَا يُوقِدُونَ فِي بُيُوتِهِمُ النَّارَ لَا لِخُبْزٍ وَلَا لِطَبِيخٍ. قَالُوا: بِأَيِّ شَيْءٍ كَانُوا يَعِيشُونَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ؟ قَالَ: الْأَسْوَدَانِ؛ التَّمْرُ وَالْمَاءُ، وَكَانَ لَهُمْ جِيرَانٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، جَزَاهُمُ اللَّهُ خَيْرًا، لَهُمْ مَنَائِحُ يُرْسِلُونَ إِلَيْهِمْ شَيْئًا مِنْ لَبَنٍ. تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.
وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " مِنْ حَدِيثِ مَنْصُورِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَجَبِّي، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ شَبِعَ النَّاسُ مِنَ الْأَسْوَدَيْنِ؛ التَّمْرِ وَالْمَاءِ.

وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا بِطَعَامٍ سُخْنٍ فَأَكَلَ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ مَا دَخَلَ بَطْنِي طَعَامٌ سُخْنٌ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، ثَنَا عَمَّارٌ أَبُو هَاشِمٍ صَاحِبُ الزَّعْفَرَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ فَاطِمَةَ نَاوَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِسْرَةً مِنْ خُبْزِ شَعِيرٍ، فَقَالَ: " هَذَا أَوَّلُ طَعَامٍ أَكَلَهُ أَبُوكِ مُنْذُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ " تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ. وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَفَّانَ، وَالتِّرْمِذِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ جَمِيعًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ ثَابِتِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ هِلَالِ بْنِ خَبَّابٍ الْعَبْدِيِّ الْكُوفِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَبِيتُ اللَّيَالِيَ الْمُتَتَابِعَةَ طَاوِيًا، وَأَهْلُهُ لَا يَجِدُونَ عَشَاءً، وَكَانَ عَامَّةَ خُبْزِهِمْ خُبْزُ الشَّعِيرِ. وَهَذَا لَفْظُ أَحْمَدَ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي " الشَّمَائِلِ ": ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ، ثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَحْيَى الْأَسْلَمِيِّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ الْأَعْوَرِ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ كِسْرَةً مِنْ خُبْزِ الشَّعِيرِ، فَوَضَعَ عَلَيْهَا تَمْرَةً، وَقَالَ: " هَذِهِ إِدَامُ هَذِهِ " وَأَكَلَ..

وَفِي " الصَّحِيحِ " مِنْ حَدِيثِ الْزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:كَانَ أَحَبَّ الشَّرَابِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحُلْوُ الْبَارِدُ.
وَقَالَ أَبُو عِصَامٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَنَفَّسُ فِي الشَّرَابِ ثَلَاثًا وَيَقُولُ " هُوَ أَرَوَى وَأَبْرَأُ وَأَمْرَى ".
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: مَا أَعْلَمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَغِيفًا مُرَقَّقًا حَتَّى لَحِقَ بِاللَّهِ، وَلَا شَاةً سَمِيطًا بِعَيْنِهِ قَطُّ. وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ عَنْهُ أَيْضًا: مَا أَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خِوَانٍ، وَلَا فِي سُكُرُّجَةٍ، وَلَا خُبِزَ لَهُ مُرَقَّقٌ. فَقُلْتُ لِأَنَسٍ: فَعَلَى مَا كَانُوا يَأْكُلُونَ ؟ قَالَ: عَلَى السُّفَرِ.
وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ أَيْضًا، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّهُ مَشَى إِلَى رَسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخُبْزِ شَعِيرٍ وَإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ، وَلَقَدْ رَهَنَ دِرْعَهُ عِنْدَ يَهُودِيٍّ، فَأَخَذَ لِأَهْلِهِ شَعِيرًا،

وَلِقَدٍّ سَمِعْتُهُ ذَاتَ يَوْمٍ يَقُولُ: " مَا أَمْسَى عِنْدَ آلِ مُحَمَّدٍ صَاعُ تَمْرٍ وَلَا صَاعُ حَبٍّ ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا عَفَّانُ، ثَنَا أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ، ثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَلَمْ يَجْتَمِعْ لَهُ غَدَاءٌ وَلَا عَشَاءٌ مِنْ خُبْزٍ وَلَحْمٍ إِلَّا عَلَى ضَفَفٍ. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي " الشَّمَائِلِ "، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيِّ، عَنْ عَفَّانَ، وَهَذَا الْإِسْنَادُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَخْطُبُ، فَذَكَرَ مَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ:لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْتَوِي مِنَ الْجُوعِ، مَا يَجِدُ مِنَ الدَّقَلِ مَا يَمْلَأُ بَطْنَهُ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ.
وَفِي " الصَّحِيحِ " أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ قَالَ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ،لَقَدْ سَمِعْتُ صَوْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْرِفُ فِيهِ الْجُوعَ. وَسَيَأْتِي الْحَدِيثُ فِي " دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ ".
وَفِي قِصَّةِ أَبِي الْهَيْثَمِ بْنِ التَّيِّهَانِ،أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ خَرَجَا مِنَ الْجُوعِ،

فَبَيْنَمَا هُمَا كَذَلِكَ إِذْ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " مَا أَخْرَجَكُمَا ؟ " فَقَالَا: الْجُوعُ. فَقَالَ: " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ أَخْرَجَنِي الَّذِي أَخْرَجَكُمَا ". فَذَهَبُوا إِلَى حَدِيقَةِ أَبِي الْهَيْثَمِ بْنِ التَّيِّهَانِ، فَأَطْعَمَهُمْ رُطَبًا، وَذَبَحَ لَهُمْ شَاةً، فَأَكَلُوا وَشَرِبُوا الْمَاءَ الْبَارِدَ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَذَا مِنَ النَّعِيمِ الَّذِي تُسْأَلُونَ عَنْهُ ".
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ، ثَنَا سَيَّارٌ، ثَنَا سَهْلُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مَنْصُورٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ قَالَ:شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجُوعَ، وَرَفَعْنَا عَنْ بُطُونِنَا عَنْ حَجَرٍ حَجَرٍ، فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ حَجَرَيْنِ. ثُمَّ قَالَ: غَرِيبٌ.
وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ،عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ فِرَاشِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: كَانَ مَنْ أَدَمٍ حَشْوُهُ لِيفٌ.
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ: ثَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ الْمُهَلَّبِيُّ، عَنْ مَجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:دَخَلَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَرَأَتْ فِرَاشَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبَاءَةً مَثْنِيَّةً، فَانْطَلَقَتْ فَبَعَثَتْ إِلَيَّ بِفِرَاشٍ حَشْوُهُ الصُّوفُ، فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ ؟ " قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فُلَانَةُ الْأَنْصَارِيَّةُ دَخَلَتْ عَلَيَّ فَرَأَتْ فِرَاشَكَ فَذَهَبَتْ فَبَعَثَتْ

إِلَيَّ بِهَذَا. فَقَالَ: " رُدِّيهِ ". قَالَتْ: فَلَمْ أَرُدَّهُ وَأَعْجَبَنِي أَنْ يَكُونَ فِي بَيْتِي، حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. قَالَتْ: فَقَالَ: " رُدِّيهِ يَا عَائِشَةُ، فَوَاللَّهِ لَوْ شِئْتُ لَأَجْرَى اللَّهُ مَعِي جِبَالَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ "
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي " الشَّمَائِلِ ": حَدَّثَنَا أَبُو الْخَطَّابِ زِيَادُ بْنُ يَحْيَى الْبَصْرِيُّ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَيْمُونٍ، ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:سُئِلَتْ عَائِشَةُ: مَا كَانَ فِرَاشُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِكِ ؟ قَالَتْ: مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهُ لِيفٌ. وَسُئِلَتْ حَفْصَةُ: مَا كَانَ فِرَاشُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَتْ: مِسْحًا نَثْنِيهِ ثِنْيَتَيْنِ فَيَنَامُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا كَانَ ذَاتَ لَيْلَةٍ قُلْتُ: لَوْ ثَنَيْتُهُ بِأَرْبَعِ ثِنْيَاتٍ كَانَ أَوْطَأَ لَهُ. فَثَنَيْنَاهُ لَهُ بِأَرْبَعِ ثِنْيَاتٍ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ: " مَا فَرَشْتُمُونِي اللَّيْلَةَ ؟ " قَالَتْ: قُلْنَا: هُوَ فِرَاشُكَ، إِلَّا أَنَّا ثَنَيْنَاهُ بِأَرْبَعِ ثِنْيَاتٍ. قُلْنَا: هُوَ أَوْطَأُ لَكَ. قَالَ: " رَدُّوهُ لِحَالَتِهِ الْأُولَى؛ فَإِنَّهُ مَنَعَتْنِي وَطْأَتُهُ صَلَاتِيَ اللَّيْلَةَ ".
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانٍ الْأَصْبِهَانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَادَةَ الْوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ:

خَرَجْتُ إِلَى الْيَمَنِ فَابْتَعْتُ حُلَّةَ ذِي يَزَنَ، فَأَهْدَيْتُهَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ فَقَالَ: " لَا أَقْبَلُ هَدِيَّةَ مُشْرِكٍ " فَرَدَّهَا، فَبِعْتُهَا فَاشْتَرَاهَا، فَلَبِسَهَا ثُمَّ خَرَجَ عَلَى أَصْحَابِهِ وَهِيَ عَلَيْهِ، فَمَا رَأَيْتُ شَيْئًا فِي شَيْءٍ أَحْسَنَ مِنْهُ فِيهَا، فَمَا مَلَكْتُ أَنْ قُلْتُ:
مَا يَنْظُرُ الْحُكَّامُ بِالْفَضْلِ بَعْدَمَا بَدَا وَاضِحٌ مِنْ غُرَّةٍ وَحُجُولِ إِذَا قَايَسُوهُ الْمَجْدَ أَرْبَى عَلَيْهُمُ
كَمُسْتَفْرِغٍ مَاءَ الذِّنَابِ سَجِيلِ
فَسَمِعَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَالْتَفَتَ إِلَيَّ يَتَبَسَّمُ، ثُمَّ دَخَلَ فَكَسَاهَا أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ زَائِدَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي رِبْعِيُّ بْنُ حِرَاشٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ سَاهِمُ الْوَجْهِ. قَالَتْ: فَحَسِبْتُ ذَلِكَ مِنْ وَجَعٍ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَاكَ سَاهِمَ الْوَجْهِ، أَفَمِنْ وَجَعٍ ؟ فَقَالَ: " لَا، وَلَكِنَّ الدَّنَانِيرَ السَّبْعَةَ الَّتِي أُتِينَا بِهَا أَمْسِ، أَمْسَيْنَا وَلَمْ نُنْفِقْهَا، نُسِّيتُهَا فِي خُصْمِ الْفِرَاشِ " تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا أَبُو سَلَمَةَ قَالَ: أَنَا بَكْرُ بْنُ مُضَرٍ، ثَنَا مُوسَى بْنُ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ يَوْمًا عَلَى عَائِشَةَ فَقَالَتْ: لَوْ رَأَيْتُمَا نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي مَرَضٍ مَرِضَهُ. قَالَتْ: وَكَانَ لَهُ عِنْدِي سِتَّةُ دَنَانِيرَ. قَالَ مُوسَى أَوْ سَبْعَةٌ. قَالَتْ: فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أُفَرِّقَهَا. قَالَتْ: فَشَغَلَنِي وَجَعُ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى عَافَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَتْ: ثُمَّ سَأَلَنِي عَنْهَا فَقَالَ: " مَا فَعَلَتِ السِّتَّةُ ؟ " قَالَ: أَوِ " السَّبْعَةُ " قُلْتُ: لَا وَاللَّهِ لَقَدْ كَانَ شَغَلَنِي عَنْهَا وَجَعُكَ. قَالَتْ: فَدَعَا بِهَا ثُمَّ صَفَّهَا فِي كَفِّهِ، فَقَالَ: " مَا ظَنُّ نَبِيِّ اللَّهِ لَوْ لَقِيَ اللَّهَ وَهَذِهِ عِنْدَهُ ؟ " تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.
وَقَالَ قُتَيْبَةُ: ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَدَّخِرُ شَيْئًا لِغَدٍ. وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي " الصَّحِيحِ ".
وَالْمُرَادُ أَنَّهُ كَانَ لَا يَدَّخِرُ شَيْئًا لِغَدٍ مِمَّا يُسْرِعُ إِلَيْهِ الْفَسَادُ كَالْأَطْعِمَةِ وَنَحْوِهَا؛ لِمَا ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ:كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا لَمْ يُوجِفِ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهَا بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، فَكَانَ يَعْزِلُ نَفَقَةَ أَهْلِهِ سَنَةً، ثُمَّ يَجْعَلُ مَا بَقِيَ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

وَمِمَّا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَّرْنَاهُ مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي هِلَالُ بْنُ سُوَيْدٍ أَبُو مُعَلَّى قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَهُوَ يَقُولُ: أُهْدِيَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةُ طَوَائِرَ، فَأَطْعَمَ خَادِمَهُ طَائِرًا، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَتْهُ بِهِ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَلَمْ أَنْهَكِ أَنْ تَرْفَعِي شَيْئًا لِغَدٍ؛ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَأْتِي بِرِزْقِ كُلِّ غَدٍ ".
حَدِيثُ بِلَالٍ فِي ذَلِكَ: قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: ثَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ جَعْفَرُ بْنُ نُصَيْرٍ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ:، ثَنَا بَكَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْنٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى بِلَالٍ، فَوَجَدَ عِنْدَهُ صُبَرًا مِنْ تَمْرٍ، فَقَالَ: مَا هَذَا يَا بِلَالُ ؟ قَالَ: تَمْرٌ أَدَّخِرُهُ. قَالَ: " وَيْحَكَ يَا بِلَالُ ! أَوَ مَا تَخَافُ أَنْ يَكُونَ لَهُ بُخَارٌ فِي النَّارِ ؟ أَنْفِقْ بِلَالُ، وَلَا تَخْشَ مِنْ ذِي الْعَرْشِ إِقْلَالًا ".
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيِّ وَأَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيِّ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي تَوْبَةَ الرَّبِيعِ بْنِ نَافِعٍ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَامٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ سَلَامٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ الْهَوَزْنِيُّ قَالَ: لَقِيتُ بِلَالًا مُؤَذِّنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَلَبَ، فَقُلْتُ: يَا بِلَالُ حَدِّثْنِي كَيْفَ كَانَتْ نَفَقَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَ: مَا كَانَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا أَنَا الَّذِي كُنْتُ أَلِي ذَلِكَ مِنْهُ مُنْذُ بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ، فَكَانَ إِذَا أَتَاهُ

الْإِنْسَانُ الْمُسْلِمُ فَرَآهُ عَارِيًا، يَأْمُرُنِي فَأَنْطَلِقُ فَأَسْتَقْرِضُ فَأَشْتَرِي الْبُرْدَةَ وَالشَّيْءَ فَأَكْسُوهُ وَأُطْعِمُهُ، حَتَّى اعْتَرَضَنِي رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: يَا بِلَالُ، إِنَّ عِنْدِي سِعَةً فَلَا تَسْتَقْرِضْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا مِنِّي. فَفَعَلْتُ فَلَمَّا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ تَوَضَّأْتُ، ثُمَّ قُمْتُ لِأُؤَذِّنَ بِالصَّلَاةِ، فَإِذَا الْمُشْرِكُ فِي عِصَابَةٍ مِنَ التُّجَّارِ، فَلَمَّا رَآنِي قَالَ: يَا حَبَشِيُّ. قَالَ: قُلْتُ: يَا لَبَّيْهُ. فَتَجَهَّمَنِي، وَقَالَ قَوْلًا عَظِيمًا أَوْ غَلِيظًا، وَقَالَ: أَتَدْرِي كَمْ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الشَّهْرِ ؟ قُلْتُ: قَرِيبٌ. قَالَ إِنَّمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ أَرْبَعُ لَيَالٍ فَآخُذُكَ بِالَّذِي لِي عَلَيْكَ، فَإِنِّي لَمْ أُعْطِكَ الَّذِي أَعْطَيْتُكَ مِنْ كَرَامَتِكَ، وَلَا مِنْ كَرَامَةِ صَاحِبِكَ، وَإِنَّمَا أَعْطَيْتُكَ لِتَجِبَ لِي عَبْدًا فَأَذَرَكَ تَرْعَى الْغَنَمَ، كَمَا كُنْتَ قَبْلَ ذَلِكَ. قَالَ: فَأَخَذَ فِي نَفْسِي مَا يَأْخُذُ فِي أَنْفُسِ النَّاسِ، فَانْطَلَقْتُ ثُمَّ أَذَّنْتُ بِالصَّلَاةِ، حَتَّى إِذَا صَلَّيْتُ الْعَتَمَةَ وَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَهْلِهِ، فَاسْتَأْذَنْتُ عَلَيْهِ، فَأَذِنَ لِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، إِنَّ الْمُشْرِكَ الَّذِي ذَكَرْتُ لَكَ أَنِّي كُنْتُ أَتَدَيَّنُ مِنْهُ قَدْ قَالَ كَذَا وَكَذَا، وَلَيْسَ عِنْدَكَ مَا يَقْضِي عَنِّي، وَلَا عِنْدِي، وَهُوَ فَاضِحِي، فَأْذَنْ لِي أَنْ آتِيَ بَعْضَ هَؤُلَاءِ الْأَحْيَاءِ الَّذِينَ قَدْ أَسْلَمُوا حَتَّى يَرْزُقَ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَقْضِي عَنِّي. فَخَرَجْتُ حَتَّى أَتَيْتُ مَنْزِلِي فَجَعَلْتُ سَيْفِي وَجِرَابِي وَرُمْحِي وَنَعْلِي عِنْدَ رَأْسِي، فَاسْتَقْبَلْتُ بِوَجْهِيَ الْأُفُقَ، فَكُلَّمَا نِمْتُ انْتَبَهْتُ، فَإِذَا رَأَيْتُ عَلَيَّ لَيْلًا نِمْتُ حَتَّى انْشَقَّ عَمُودُ الصُّبْحِ الْأَوَّلِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَنْطَلِقَ، فَإِذَا إِنْسَانٌ يَسْعَى يَدْعُو: يَا بِلَالُ أَجِبْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَانْطَلَقْتُ

حَتَّى أَتَيْتُهُ، فَإِذَا أَرْبَعُ رَكَائِبَ عَلَيْهِمْ أَحْمَالُهُنَّ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَأْذَنْتُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْشِرْ فَقَدْ جَاءَكَ اللَّهُ بِقَضَاءِ دَيْنِكَ فَحَمِدْتُ اللَّهَ وَقَالَ: أَلَمْ تَمُرَّ عَلَى الرَّكَائِبِ الْمُنَاخَاتِ الْأَرْبَعِ قَالَ: قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: فَإِنَّ لَكَ رِقَابَهُنَّ وَمَا عَلَيْهِنَّ فَإِذَا عَلَيْهِنَّ كِسْوَةٌ وَطَعَامٌ أَهْدَاهُنَّ لَهُ عَظِيمُ فَدَكَ. فَاقْبِضْهُنَّ إِلَيْكَ، ثُمَّ اقْضِ دَيْنَكَ قَالَ: فَفَعَلْتُ فَحَطَطْتُ عَنْهُنَّ أَحْمَالَهُنَّ، ثُمَّ عَقَلْتُهُنَّ، ثُمَّ عَمَدْتُ إِلَى تَأْذِينِ صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى إِذَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجْتُ إِلَى الْبَقِيعِ فَجَعَلْتُ أُصْبُعِي فِي أُذُنِي، فَنَادَيْتُ فَقُلْتُ: مَنْ كَانَ يَطْلُبُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَيْنًا فَلْيَحْضُرْ. فَمَا زِلْتُ أَبِيعُ وَأَقْضِي، وَأَعْرِضُ وَأَقْضِي حَتَّى لَمْ يَبْقَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَيْنٌ فِي الْأَرْضِ حَتَّى فَضَلَ عِنْدِي أُوقِيَّتَانِ أَوْ أُوقِيَّةٌ وَنِصْفٌ، ثُمَّ انْطَلَقْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ وَقَدْ ذَهَبَ عَامَّةُ النَّهَارِ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدٌ فِي الْمَسْجِدِ وَحْدَهُ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ لِي مَا فَعَلَ مَا قِبَلَكَ ؟ قُلْتُ: قَدْ قَضَى اللَّهُ كُلَّ شَيْءٍ كَانَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَبْقَ شَيْءٌ. قَالَ: فَضَلَ شَيْءٌ ؟ قُلْتُ: نَعَمْ: دِينَارَانِ. قَالَ: انْظُرْ أَنْ تُرِيحَنِي مِنْهُمَا، فَلَسْتُ بِدَاخِلٍ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَهْلِي حَتَّى تُرِيحَنِي مِنْهُمَا قَالَ: فَلَمْ يَأْتِنَا أَحَدٌ فَبَاتَ فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى أَصْبَحَ، وَظَلَّ فِي الْمَسْجِدِ الْيَوْمَ الثَّانِيَ حَتَّى إِذَا كَانَ فِي آخِرِ النَّهَارِ جَاءَ رَاكِبَانِ فَانْطَلَقْتُ بِهِمَا

فَكَسَوْتُهُمَا وَأَطْعَمْتُهُمَا، حَتَّى إِذَا صَلَّى الْعَتَمَةَ دَعَانِي فَقَالَ: مَا فَعَلَ الَّذِي قِبَلَكَ ؟ قُلْتُ: قَدْ أَرَاحَكَ اللَّهُ مِنْهُ. فَكَبَّرَ وَحَمِدَ اللَّهَ شَفَقًا مِنْ أَنْ يُدْرِكَهُ الْمَوْتُ وَعِنْدَهُ ذَلِكَ، ثُمَّ اتَّبَعْتُهُ حَتَّى جَاءَ أَزْوَاجَهُ، فَسَلَّمَ عَلَى امْرَأَةٍ امْرَأَةٍ حَتَّى أَتَى مَبِيتَهُ فَهَذَا الَّذِي سَأَلْتَنِي عَنْهُ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي " الشَّمَائِلِ ": حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مُوسَى بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ الْمَدِينِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ فَقَالَ: " مَا عِنْدِي مَا أُعْطِيكَ، وَلَكِنِ ابْتَعْ عَلَيَّ، فَإِذَا جَاءَنِي شَيْءٌ قَضَيْتُهُ " فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ أَعْطَيْتَهُ فَمَا كَلَّفَكَ اللَّهُ مَا لَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ. فَكَرِهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلَ عُمَرَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْفِقْ وَلَا تَخَفْ مِنْ ذِي الْعَرْشِ إِقْلَالًا. فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعُرِفَ التَّبَسُّمُ فِي وَجْهِهِ؛ لِقَوْلِ الْأَنْصَارِيِّ، وَقَالَ: بِهَذَا أُمِرْتُ وَفِي الْحَدِيثِ أَلَا إِنَّهُمْ لَيَسْأَلُونِي وَيَأْبَى اللَّهُ لِيَ الْبُخْلَ وَقَالَ يَوْمَ حُنَيْنٍ حِينَ سَأَلُوهُ قَسْمَ الْغَنَائِمِ: وَاللَّهِ لَوْ أَنَّ عِنْدِي عَدَدَ هَذِهِ الْعِضَاهِ نَعَمًا لَقَسَمْتُهَا فِيكُمْ، ثُمَّ لَا تَجِدُونِي بَخِيلًا وَلَا جَبَانًا، وَلَا كَذَّابًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: ثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، ثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ ابْنِ عَفْرَاءَ قَالَتْ:أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقِنَاعٍ مِنْ رُطَبٍ، وَأَجْرٍ زُغْبٍ، فَأَعْطَانِي مِلْءَ كَفِّهِ حُلِيًّا أَوْ ذَهَبًا.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " كَيْفَ أَنْعَمُ وَقَدِ الْتَقَمَ صَاحِبُ الْقَرْنِ الْقَرْنَ، وَحَنَى جَبْهَتَهُ وَأَصْغَى سَمْعَهُ يَنْتَظِرُ مَتَى يُؤْمَرُ " قَالَ الْمُسْلِمُونَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَا نَقُولُ ؟ قَالَ: " قُولُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا " وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ مُطَرِّفٍ، وَمِنْ حَدِيثِ خَالِدِ بْنِ طَهْمَانَ، كِلَاهُمَا عَنْ عَطِيَّةَ، وَهُوَ ابْنُ سَعْدٍ الْعَوْفِيُّ الْجَدَلِيُّ أَبُو الْحَسَنِ الْكُوفِيُّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ. قُلْتُ: وَقَدْ رُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، كَمَا سَيَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ.
وَمِنْ تَوَاضُعِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، ثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَنْقَزِيُّ،

ثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ نَصْرٍ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي سَعْدٍ الْأَزْدِيِّ - وَكَانَ قَارِئَ الْأَزْدِ - عَنْ أَبِي الْكَنُودِ، عَنْ خَبَّابٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ إِلَى قَوْلِهِ: فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ [ الْأَنْعَامِ: 52 ]. قَالَ:جَاءَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ، وعُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ الْفَزَارِيُّ، فَوَجَدُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ صُهَيْبٍ وَبِلَالٍ وَعَمَّارٍ وَخَبَّابٍ قَاعِدًا فِي نَاسٍ مِنَ الضُّعَفَاءِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَمَّا رَأَوْهُمْ حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقَرُوهُمْ، فَأَتَوْا فَخَلَوْا بِهِ وَقَالُوا: إِنَّا نُرِيدُ أَنْ تَجْعَلَ لَنَا مِنْكَ مَجْلِسًا تَعْرِفُ لَنَا بِهِ الْعَرَبُ فَضْلَنَا، فَإِنَّ وُفُودَ الْعَرَبِ تَأْتِيكَ فَنَسْتَحِي أَنْ تَرَانَا الْعَرَبُ مَعَ هَذِهِ الْأَعْبُدِ، فَإِذَا نَحْنُ جِئْنَاكَ فَأَقِمْهُمْ عَنْكَ، فَإِذَا نَحْنُ فَرَغْنَا فَاقْعُدْ مَعَهُمْ إِنْ شِئْتَ. قَالَ: " نَعَمْ " قَالُوا: فَاكْتُبْ لَنَا عَلَيْكَ كِتَابًا. قَالَ فَدَعَا بِصَحِيفَةٍ، وَدَعَا عَلِيًّا لِيَكْتُبَ، وَنَحْنُ قُعُودٌ فِي نَاحِيَةٍ، فَنَزَلَجِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ: وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ ثُمَّ ذَكَرَ الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ وَعُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ فَقَالَ: وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ [ الْأَنْعَامِ: 53 ]. ثُمَّ قَالَ: وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ [ الْأَنْعَامِ: 54 ]. قَالَ: فَدَنَوْنَا مِنْهُ حَتَّى، وَضَعْنَا رُكَبَنَا عَلَى رُكْبَتِهِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْلِسُ مَعَنَا، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ قَامَ وَتَرَكَنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ

وَجَلَّ: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ وَلَا تُجَالِسِ الْأَشْرَافَ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا يَعْنِي عُيَيْنَةَ وَالْأَقْرَعَ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا [ الْكَهْفِ: 28 ]. قَالَ: هَلَاكًا. قَالَ: أَمْرُ عُيَيْنَةَ وَالْأَقْرَعِ. ثُمَّ ضَرَبَ لَهُمْ مَثَلَ الرَّجُلَيْنِ وَمَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا. قَالَ خَبَّابٌ: فَكُنَّا نَقْعُدُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا بَلَغْنَا السَّاعَةَ الَّتِي يَقُومُ قُمْنَا وَتَرَكْنَاهُ حَتَّى يَقُومَ.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَكِيمٍ، ثَنَا أَبُو دَاوُدَ، ثَنَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ، عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدٍ قَالَ:نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِينَا سِتَّةٍ؛ فِيَّ وَفِي ابْنِ مَسْعُودٍ وَصْهَيْبٍ وَعَمَّارٍ وَالْمِقْدَادِ وَبِلَالٍ. قَالَ: قَالَتْ قُرَيْشٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا لَا نَرْضَى أَنْ نَكُونَ أَتْبَاعًا لَهُمْ، فَاطْرُدْهُمْ عَنْكَ. قَالَ: فَدَخَلَ قَلْبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدْخُلَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ الْآيَةَ.
وَقَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْفَهَانِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ، ثَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ خَلَفُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَاسِطِيُّ كُرْدُوسٌ،

ثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيُّ، ثَنَا الْمُعَلَّى بْنُ زِيَادٍ، يَعْنِي عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ بَشِيرٍ الْمَازِنِيِّ، ثَنَا أَبُو الصِّدِّيقِ النَّاجِيُّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ:كُنْتُ فِي عِصَابَةٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ جَالِسًا مَعَهُمْ، وَإِنَّ بَعْضَهُمْ لَيَسْتَتِرُ بِبَعْضٍ مِنَ الْعُرْيِ، وَقَارِئٌ لَنَا يَقْرَأُ عَلَيْنَا، فَكُنَّا نَسْمَعُ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ أُمِرْتُ أَنْ أَصْبِرَ مَعَهُمْ نَفْسِي ". قَالَ: ثُمَّ جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسْطَنَا لِيَعْدِلَ بَيْنَنَا نَفْسَهُ فِينَا، ثُمَّ قَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا. قَالَ: فَاسْتَدَارَتِ الْحَلْقَةُ وَبَرَزَتْ وُجُوهُهُمْ. قَالَ: فَمَا عَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدًا مِنْهُمْ غَيْرِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَبْشِرُوا مَعَاشِرَ صَعَالِيكِ الْمُهَاجِرِينَ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قَبْلَ الْأَغْنِيَاءِ بِنِصْفِ يَوْمٍ، وَذَلِكَ خَمْسُمِائَةِ عَامٍ ".
وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ، مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:لَمْ يَكُنْ شَخْصٌ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: وَكَانُوا إِذَا رَأَوْهُ لَمْ يَقُومُوا؛ لِمَا يَعْلَمُونَ مِنْ كَرَاهِيَتِهِ لِذَلِكَ.

فَصْلٌ فِي عِبَادَتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَاجْتِهَادِهِ فِي ذَلِكَ
قَالَتْ عَائِشَةُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يُفْطِرُ. وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يَصُومُ. وَكَانَ لَا تَشَاءُ تَرَاهُ مِنَ اللَّيْلِ قَائِمًا إِلَّا رَأَيْتَهُ، وَلَا تَشَاءُ تَرَاهُ نَائِمًا إِلَّا رَأَيْتَهُ. قَالَتْ: وَمَا زَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ. قَالَتْ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ السُّورَةَ فَيُرَتِّلُهَا حَتَّى تَكُونَ أَطْوَلَ مِنْ أَطْوَلَ مِنْهَا. قَالَتْ: وَلَقَدْ كَانَ يَقُومُ حَتَّى أَرْثِيَ لَهُ؛ مِنْ شِدَّةِ قِيَامِهِ.
وَذَكَرَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّهُ صَلَّى مَعَهُ لَيْلَةً فَقَرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْأَوْلَى بِالْبَقَرَةِ وَالنِّسَاءِ

وَآلِ عِمْرَانَ، ثُمَّ رَكَعَ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ، وَرَفَعَ نَحْوَهُ وَسَجَدَ نَحْوَهُ.
وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ لَيْلَةً حَتَّى أَصْبَحَ يَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عَبَّادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [ الْمَائِدَةِ: 118 ]. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وَكُلُّ هَذَا فِي " الصَّحِيحَيْنِ " وَغَيْرِهِمَا مِنَ الصِّحَاحِ، وَمَوْضِعُ بَسْطِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِي كِتَابِ " الْأَحْكَامِ الْكَبِيرِ ".
وَقَدْ ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ حَتَّى تَفَطَّرَتْ قَدَمَاهُ، فَقِيلَ لَهُ: أَلَيْسَ قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ؟! قَالَ: " أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا ".
وَتَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ سَلَّامِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " حُبِّبَ إِلَيَّ الطِّيبُ وَالنِّسَاءُ، وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا عَفَّانُ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،أَنَّ جِبْرِيلَ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهُ قَدْ حُبِّبَ إِلَيْكَ الصَّلَاةُ فَخُذْ مِنْهَا مَا شِئْتَ.

وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ:خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ، وَمَا فِينَا صَائِمٌ إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ.
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ:سَأَلْتُ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخُصُّ شَيْئًا مِنَ الْأَيَّامِ ؟ قَالَتْ: لَا، كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً، وَأَيُّكُمْ يَسْتَطِيعُ مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَطِيعُ ؟ !
وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوَاصِلُ، وَنَهَى أَصْحَابَهُ عَنِ الْوِصَالِ وَقَالَ: " إِنِّي لَسْتُ كَأَحَدِكُمْ، إِنِّي أَبَيْتُ عِنْدَ رَبِّي يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي ".
وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا الْإِطْعَامَ وَالسُّقْيَا مَعْنَوِيَّانِ، كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تُكْرِهُوا مَرْضَاكُمْ عَلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ يُطْعِمُهُمْ وَيَسْقِيهِمْ وَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَ بَعْضُهُمْ:
لَهَا أَحَادِيثُ مِنْ ذِكْرَاكَ تَشْغَلُهَا عَنِ الشَّرَابِ وَتُلْهِيهَا عَنِ الزَّادِ
وَقَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي

هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ ".
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ، عَنِ الْفِرْيَابِيِّ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " اقْرَأْ عَلَيَّ ". فَقُلْتُ: اقْرَأُ عَلَيْكَ، وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ ؟ فَقَالَ: " إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي ". قَالَ: فَقَرَأْتُ سُورَةَ النِّسَاءِ حَتَّى إِذَا بَلَغْتُ: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا [ النِّسَاءِ: 41 ]. قَالَ: " حَسْبُكَ ". فَالْتَفَتُّ فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ.
وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، كَانَ يَجِدُ التَّمْرَةَ عَلَى فِرَاشِهِ فَيَقُولُ: لَوْلَا أَنِّي أَخْشَى أَنْ تَكُونَ مِنَ الصَّدَقَةِ لَأَكَلْتُهَا.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا: وَكِيعٌ، ثَنَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَ تَحْتَ جَنْبِهِ تَمْرَةً مِنَ اللَّيْلِ فَأَكَلَهَا، فَلَمْ يَنَمْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَقَالَ بَعْضُ نِسَائِهِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرِقْتَ اللَّيْلَةَ. قَالَ: " إِنِّي وَجَدْتُ تَحْتَ جَنْبِي تَمْرَةً فَأَكَلْتُهَا، وَكَانَ عِنْدَنَا تَمْرٌ مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ فَخَشِيتُ أَنْ تَكُونَ مِنْهُ ". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ. وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ هَذَا هُوَ اللَّيْثِيُّ؛ مِنْ

رِجَالِ مُسْلِمٍ. وَالَّذِي نَعْتَقِدُ: أَنَّ هَذِهِ التَّمْرَةَ لَمْ تَكُنْ مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ؛ لِعِصْمَتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَلَكِنْ مِنْ كَمَالِ وَرَعِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَرِقَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ.

وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَتْقَاكُمْ لِلَّهِ وَأَعْلَمُكُمْ بِمَا أَتَّقِي وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ أَنَّهُ قَالَ: دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ.
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يُصَلِّي، وَلِجَوْفِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ. وَفِي رِوَايَةٍ: وَفِي صَدْرِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الرَّحَى مِنَ الْبُكَاءِ.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي كُرَيْبٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَلَاءِ الْهَمْدَانِيِّ، ثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ شَيْبَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَاكَ شِبْتَ. فَقَالَ: " شَيَّبَتْنِي هُودٌ وَالْوَاقِعَةُ وَالْمُرْسَلَاتُ وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ وَإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ".

وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ شَيْبَانَ، عَنْ فِرَاسٍ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَسْرَعَ إِلَيْكَ الشَّيْبُ. فَقَالَ: " شَيَّبَتْنِي هُودٌ وَأَخَوَاتُهَا؛ الْوَاقِعَةُ، وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ، وَإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ "

فَصْلٌ فِي شَجَاعَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ذَكَرْتُ فِي " التَّفْسِيرِ " عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّهُ اسْتَنْبَطَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ [ النِّسَاءِ: 84 ]. أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مَأْمُورًا أَنْ لَا يَفِرَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِذَا وَاجَهُوهُ، وَلَوْ كَانَ وَحْدَهُ، مِنْ قَوْلِهِ: لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَقَدْ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَشْجَعِ النَّاسِ وَأَصْبَرِ النَّاسِ وَأَجْلِدِهِمْ، مَا فَرَّ قَطُّ مِنْ مَصَافَّ وَلَوْ تَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ. قَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ: كُنَّا إِذَا اشْتَدَّ الْحَرْبُ وَحَمِيَ الْبَأْسُ نَتَّقِي بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَفِي يَوْمِ بَدْرٍ رَمَى أَلْفَ مُشْرِكٍ بِقَبْضَةٍ مِنْ حَصْبَاءَ، فَنَالَتْهُمْ أَجْمَعِينَ حِينَ قَالَ: ( شَاهَتِ الْوُجُوهُ وَكَذَلِكَ يَوْمَ حُنَيْنٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَفَرَّ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ فِي ثَانِي الْحَالِ يَوْمَ أُحُدٍ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي مُقَامِهِ لَمْ يَبْرَحْ مِنْهُ، وَلَمْ يَبْقَ مَعَهُ إِلَّا اثْنَا عَشَرَ، قُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعَةٌ، وَبَقِيَ الْخَمْسَةُ، وَفِي هَذَا الْوَقْتِ قُتِلَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ، لَعَنَهُ اللَّهُ، فَعَجَّلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّارِ، وَيَوْمَ حُنَيْنٍ وَلَّى النَّاسُ كُلُّهُمْ، وَكَانُوا يَوْمَئِذٍ اثَّنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، وَثَبَتَ هُوَ فِي نَحْوٍ مِنْ مِائَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَهُوَ رَاكِبٌ يَوْمَئِذٍ بَغْلَتَهُ، وَهُوَ يَرْكُضُ بِهَا إِلَى نَحْوِ الْعَدُوِّ، وَهُوَ يُنَوِّهُ بِاسْمِهِ الْكَرِيمِ وَيُعْلِنُ بِذَلِكَ

قَائِلًا: أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ، أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ حَتَّى جَعَلَ الْعَبَّاسُ وَعَلِيُّ وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ يَتَعَلَّقُونَ فِي تِلْكَ الْبَغْلَةِ لِيُبَطِّؤُوا سَيْرَهَا؛ خَوْفًا عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَصِلَ أَحَدٌ مِنَ الْأَعْدَاءِ إِلَيْهِ، وَمَا زَالَ كَذَلِكَ حَتَّى نَصَرَهُ اللَّهُ وَأَيَّدَهُ فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ، وَمَا تَرَاجَعَ النَّاسُ إِلَّا وَالْأُسَارَى مُكَبَّلَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ صُبْحٍ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ، يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:فُضِّلْتُ عَلَى النَّاسِ بِشِدَّةِ الْبَطْشِ.

فَصْلٌ فِيمَا يُذْكَرُ مِنْ صِفَاتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي الْكُتُبِ الْمَأْثُورَةِ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ الْأَقْدَمِينَ
قَدْ أَسْلَفْنَا طَرَفًا صَالِحًا مِنْ ذَلِكَ فِي الْبِشَارَاتِ بِهِ قَبْلَ مَوْلِدِهِ، وَنَحْنُ نَذْكُرُ هَاهُنَا غُرَرًا مِنْ ذَلِكَ.
فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ، وَاللَّفْظُ لَهُ، مِنْ حَدِيثِ فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ:لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّوْرَاةِ. فَقَالَ: أَجَلْ، وَاللَّهِ إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ بِبَعْضِ صِفَتِهِ فِي الْقُرْآنِ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا، وَمُبَشِّرًا، وَنَذِيرًا، وَحِرْزًا لِلْأُمِّيِّينَ أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي، سَمَّيْتُكَ الْمُتَوَكِّلَ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ وَلَا صَخِبٍ بِالْأَسْوَاقِ، وَلَا يَدْفَعُ السَّيِّئَةَ بِالسَّيِّئَةِ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ، وَلَنْ أَقْبِضَهُ حَتَّى أُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ؛ أَنْ يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَأَفْتَحَ بِهِ أَعْيُنًا عُمْيًا، وَآذَانًا صُمًّا، وَقُلُوبًا غُلْفًا. قَالَ عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ ثُمَّ لَقِيتُ كَعْبًا الْحَبْرَ، فَسَأَلْتُهُ، فَمَا اخْتَلَفَا فِي حَرْفٍ إِلَّا أَنَّ كَعْبًا قَالَ: أَعْيُنًا عُمُومَى وَقُلُوبًا غُلُوفَى وَآذَانًا صُمُومَى.

وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ غَيْرَ مَنْسُوبٍ - قِيلَ: هُوَ ابْنُ رَجَاءٍ. وَقِيلَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ. وَهُوَ الْأَرْجَحُ - عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونَ، عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ بِهِ. قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ سَعِيدٌ، عَنْ هِلَالٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ. كَذَا عَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ.
وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ يَعْقُوبَ بْنِ سُفْيَانَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ كَاتِبُ اللَّيْثِ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ هِلَالِ بْنِ أُسَامَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ سَلَامٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ:إِنَّا لَنَجِدُ صِفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَحِرْزًا لِلْأُمِّيِّينَ، أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي، سَمَّيْتُهُ الْمُتَوَكِّلَ، لَيْسَ بِفَظٍّ، وَلَا غَلِيظٍ، وَلَا سَخَّابٍ فِي الْأَسْوَاقِ، وَلَا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ مِثْلَهَا، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَتَجَاوَزُ، وَلَنْ أَقْبِضَهُ حَتَّى يُقِيمَ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ، بِأَنْ يُشْهَدَ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، نَفْتَحُ بِهِ أَعْيُنًا عُمْيًا وَآذَانًا صُمًّا وَقُلُوبًا غُلْفًا. قَالَ عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ وَأَخْبَرَنِي اللَّيْثِيُّ،

أَنَّهُ سَمِعَ كَعْبَ الْأَحْبَارِ يَقُولُ مِثْلَ مَا قَالَ ابْنُ سَلَامٍ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، فَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ أَخْزَمَ الطَّائِيُّ الْبَصْرِيُّ، ثَنَا أَبُو قُتَيْبَةَ سَلْمُ بْنُ قُتَيْبَةَ، حَدَّثَنِي أَبُو مَوْدُودٍ الْمَدَنِيُّ، ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الضَّحَّاكِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ: صِفَةُ مُحَمَّدٍ، وَعِيسَى بْنُ مَرْيَمَ يُدْفَنُ مَعَهُ. فَقَالَ أَبُو مَوْدُودٍ: وَقَدْ بَقِيَ فِي الْبَيْتِ مَوْضِعُ قَبْرٍ. ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. هَكَذَا قَالَ: عُثْمَانُ بْنُ الضَّحَّاكِ. وَالْمَعْرُوفُ الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ الْمَدَنِيُّ، وَهَكَذَا حَكَى شَيْخُنَا الْحَافِظُ الْمِزِّيُّ فِي كِتَابِهِ " الْأَطْرَافِ " عَنِ ابْنِ عَسَاكِرَ أَنَّهُ قَالَ مِثْلَ قَوْلِ التِّرْمِذِيِّ، ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ شَيْخٌ آخَرُ أَقْدَمُ مِنَ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ، ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ أَبِيهِ فِيمَنِ اسْمُهُ عُثْمَانُ. فَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، وَهُوَ مِنْ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْكِتَابِ مِمَّنْ آمَنَ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَقَدْ كَانَ لَهُ اطِّلَاعٌ عَلَى ذَلِكَ مِنْ

جِهَةِ زَامِلَتَيْنِ كَانَ أَصَابَهُمَا يَوْمَ الْيَرْمُوكِ فَكَانَ يُحَدِّثُ مِنْهُمَا عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَعَنْ كَعْبِ بْنِ مَاتِعٍ الْحَبْرِ وَكَانَ بَصِيرًا بِأَقْوَالِ الْمُتَقَدِّمِينَ عَلَى مَا فِيهَا مِنْ خَلْطٍ وَغَلَطٍ، وَتَحْرِيفٍ وَتَبْدِيلٍ، فَكَانَ يَقُولُهَا بِمَا فِيهَا مِنْ غَيْرِ نَقْدٍ، وَرُبَّمَا أَحْسَنَ بَعْضُ السَّلَفِ بِهَا الظَّنَّ فَنَقَلَهَا عَنْهُ مُسَلَّمَةً، وَفِي ذَلِكَ مِنَ الْمُخَالَفَةِ لِبَعْضِ مَا بِأَيْدِينَا مِنَ الْحَقِّ جُمْلَةٌ كَثِيرَةٌ، لَكِنْ لَا يَتَفَطَّنُ لَهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، ثُمَّ لْيُعْلَمْ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ السَّلَفِ يُطْلِقُونَ التَّوْرَاةَ عَلَى كُتُبِ أَهْلِ الْكِتَابِ، سَوَاءٌ كَانَتْ هَذَا الْكِتَابَ الْمَتْلُوَّ عِنْدَهُمْ، أَوْ أَعَمَّ مِنْ ذَلِكَ، كَمَا أَنَّ لَفْظَ الْقُرْآنِ يُطْلَقُ عَلَى كِتَابِنَا خُصُوصًا، وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ وَيُرَادُ بِهِ غَيْرُهُ، كَمَا فِي الصَّحِيحِ: " خُفِّفَ عَلَى دَاوُدَ الْقُرْآنُ، فَكَانَ يَأْمُرُ بِدَوَابِّهِ فَتُسْرَجُ، فَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ مِقْدَارَ مَا يَفْرُغُ ". وَقَدْ بُسِطَ هَذَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ، عَنِ الْحَاكِمِ، عَنِ الْأَصَمِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ شُرَحْبِيلَ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ قَالَتْ: قُلْتُ لِكَعْبٍ الْحَبْرِ:كَيْفَ تَجِدُونَ صِفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّوْرَاةِ ؟ قَالَ: نَجِدُهُ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ اسْمُهُ الْمُتَوَكِّلُ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ، وَلَا سَخَّابٍ بِالْأَسْوَاقِ، وَأُعْطِيَ الْمَفَاتِيحَ لِيُبَصِّرَ اللَّهُ بِهِ أَعْيُنًا عُورًا، وَيُسْمِعَ بِهِ

آذَانًا وُقْرًا، وَيُقِيمَ بِهِ أَلْسُنًا مُعْوَجَّةً، حَتَّى يُشْهَدَ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، يُعِينُ الْمَظْلُومَ وَيَمْنَعُهُ.
وَبِهِ عَنْ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ الْعَيْزَارِ بْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ عَائِشَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكْتُوبٌ فِي الْإِنْجِيلِ: لَا فَظٌّ، وَلَا غَلِيظٌ، وَلَا سَخَّابٌ فِي الْأَسْوَاقِ، وَلَا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ مِثْلَهَا، بَلْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: ثَنَا فَيْضٌ الْبَجَلِيُّ، حَدَّثَنَا سَلَّامُ بْنُ مِسْكِينٍ، عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ قَالَ: أَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، إِلَى عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ: جِدَّ فِي أَمْرِي وَلَا تَهْزُلْ، وَاسْمَعْ وَأَطِعْ يَا بْنَ الطَّاهِرِ الْبِكْرِ الْبَتُولِ، إِنِّي خَلَقْتُكَ مِنْ غَيْرِ فَحْلٍ فَجَعَلْتُكَ آيَةً لِلْعَالَمِينَ، فَإِيَّايَ فَاعْبُدْ، وَعَلَيَّ فَتَوَكَّلْ، فَبَيِّنْ لِأَهْلِ سُورَانَ بِالسُّرْيَانِيَّةِ، بَلِّغْ مِنْ بَيْنِ يَدِكَ أَنِّي أَنَا الْحَقُّ الْقَائِمُ الَّذِي لَا أَزُولُ، صَدِّقُوا بِالنَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الْعَرَبِيِّ، صَاحِبِ الْجَمَلِ وَالْمِدْرَعَةِ وَالْعِمَامَةِ وَالنَّعْلَيْنِ وَالْهِرَاوَةِ،

الْجَعْدِ الرَّأْسِ، الصَّلْتِ الْجَبِينِ، الْمَقْرُونِ الْحَاجِبَيْنِ، الْأَنْجَلِ الْعَيْنَيْنِ، الْأَهْدَبِ الْأَشْفَارِ الْأَدْعَجِ الْعَيْنَيْنِ، الْأَقْنَى الْأَنْفِ، الْوَاضِحِ الْجَبِينِ الْكَثِّ اللِّحْيَةِ، عَرَقُهُ فِي وَجْهِهِ كَاللُّؤْلُؤِ، رِيحُهُ الْمِسْكُ يَنْفَحُ مِنْهُ، كَأَنَّ عُنُقَهُ إِبْرِيقُ فِضَّةٍ، وَكَأَنَّ الذَّهَبَ يَجْرِي فِي تَرَاقِيهِ، لَهُ شَعَرَاتٌ مِنْ لَبَّتِهِ إِلَى سُرَّتِهِ تَجْرِي كَالْقَضِيبِ، لَيْسَ عَلَى صَدْرِهِ وَلَا بَطْنِهِ شِعْرٌ غَيْرُهُ، شَثْنُ الْكَفِّ وَالْقَدَمِ، إِذَا جَاءَ مَعَ النَّاسِ غَمَرَهُمْ، وَإِذَا مَشَى كَأَنَّمَا يَتَقَلَّعُ مِنَ الصَّخْرِ وَيَنْحَدِرُ فِي صَبَبٍ، ذُو النَّسْلِ الْقَلِيلِ.
وَرَوَى الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدِهِ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ الْيَمَانِيِّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا قَرَّبَ مُوسَى نَجِيًّا، قَالَ: رَبِّ، إِنِّي أُجِدُّ فِي التَّوْرَاةِ أُمَّةً خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَيُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ، فَاجْعَلْهُمْ أُمَّتِي. قَالَ: تِلْكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ. قَالَ: رَبِّ، إِنِّي أَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ أُمَّةً هُمُ الْآخِرُونَ مِنَ الْأُمَمِ، السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَاجْعَلْهُمْ أُمَّتِي. قَالَ: تِلْكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ. قَالَ: رَبِّ، إِنِّي أَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ أُمَّةً أَنَاجِيلُهُمْ فِي صُدُورِهِمْ يَقْرَؤُونَهَا، وَكَانَ مَنْ قَبْلَهُمْ يَقْرَؤُونَ كُتُبَهُمْ نَظَرًا وَلَا يَحْفَظُونَهَا، فَاجْعَلْهُمْ أُمَّتِي. قَالَ: تِلْكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ. قَالَ: رَبِّ، إِنِّي أَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ أُمَّةً يُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ الْأَوَّلِ وَالْآخِرِ، وَيُقَاتِلُونَ رُؤُوسَ الضَّلَالَةِ حَتَّى يُقَاتِلُوا الْأَعْوَرَ الْكَذَّابَ، فَاجْعَلْهُمْ أُمَّتِي. قَالَ: تِلْكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ. قَالَ: رَبِّ،

إِنِّي أَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ أُمَّةً يَأْكُلُونَ صَدَقَاتِهِمْ فِي بُطُونِهِمْ، وَكَانَ مَنْ قَبْلَهُمْ إِذَا أَخْرَجَ صَدَقَتَهُ بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهَا نَارًا فَأَكَلَتْهَا، فَإِنْ لَمْ تُقْبَلْ لَمْ تَقْرَبْهَا النَّارُ، فَاجْعَلْهُمْ أُمَّتِي. قَالَ: تِلْكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ. قَالَ: رَبِّ، إِنِّي أَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ أُمَّةً إِذَا هَمَّ أَحَدُهُمْ بِسَيِّئَةٍ لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ عَلَيْهِ سَيِّئَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِذَا هَمَّ أَحَدُهُمْ بِحَسَنَةٍ وَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، فَاجْعَلْهُمْ أُمَّتِي. قَالَ: تِلْكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ. قَالَ: رَبِّ، إِنِّي أَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ أُمَّةً هُمُ الْمُسْتَجِيبُونَ وَالْمُسْتَجَابُ لَهُمْ، فَاجْعَلْهُمْ أُمَّتِي. قَالَ: تِلْكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ.
قَالَ: وَذَكَرُ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ فِي قِصَّةِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ فِي الزَّبُورِ: يَا دَاوُدُ، إِنَّهُ سَيَأْتِي مِنْ بَعْدِكَ نَبِيٌّ اسْمُهُ أَحْمَدُ وَمُحَمَّدٌ، صَادِقًا سَيِّدًا، لَا أَغْضَبُ عَلَيْهِ أَبَدًا، وَلَا يُغْضِبُنِي أَبَدًا، وَقَدْ غَفَرْتُ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَعْصِيَنِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، أُمَّتُهُ مَرْحُومَةٌ، أَعْطَيْتُهُمْ مِنَ النَّوَافِلِ مِثْلَ مَا أَعْطَيْتُ الْأَنْبِيَاءَ، وَافْتَرَضْتُ عَلَيْهِمُ الْفَرَائِضَ الَّتِي افْتَرَضْتُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ، حَتَّى يَأْتُونِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَنُورُهُمْ مِثْلُ نُورِ الْأَنْبِيَاءِ، وَذَلِكَ أَنِّي افْتَرَضْتُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَطَهَّرُوا لِي لِكُلِّ صَلَاةٍ كَمَا افْتَرَضْتُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُمْ، وَأَمَرْتُهُمْ بِالْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ كَمَا أَمَرْتُ الْأَنْبِيَاءَ قَبْلَهُمْ، وَأَمَرْتُهُمْ بِالْحَجِّ كَمَا أَمَرْتُ الْأَنْبِيَاءَ قَبْلَهُمْ، وَأَمَرْتُهُمْ بِالْجِهَادِ كَمَا أَمَرْتُ الرُّسُلَ قَبْلَهُمْ، يَا دَاوُدُ، إِنِّي فَضَّلْتُ مُحَمَّدًا وَأُمَّتَهُ عَلَى الْأُمَمِ كُلِّهَا،

أَعْطَيْتُهُمْ سِتَّ خِصَالٍ لَمْ أُعْطِهَا غَيْرَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ؛ لَا أُؤَاخِذُهُمْ بِالْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ، وَكُلُّ ذَنْبٍ رَكِبُوهُ عَلَى غَيْرِ عَمْدٍ إِنِ اسْتَغْفَرُونِي مِنْهُ غَفَرْتُهُ لَهُمْ، وَمَا قَدَّمُوا لِآخِرَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ طَيِّبَةً بِهِ أَنْفُسُهُمْ عَجَّلْتُهُ لَهُمْ أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً، وَلَهُمْ فِي الْمَدْخُورِ عِنْدِي أَضْعَافٌ مُضَاعَفَةٌ وَأَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ، وَأَعْطَيْتُهُمْ عَلَى الْمَصَائِبِ فِي الْبَلَايَا إِذَا صَبَرُوا وَقَالُوا: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. الصَّلَاةَ وَالرَّحْمَةَ وَالْهُدَى إِلَى جَنَّاتِ النَّعِيمِ، فَإِنْ دَعَوْنِي اسْتَجَبْتُ لَهُمْ، فَإِمَّا أَنْ يَرَوْهُ عَاجِلًا، وَإِمَّا أَنْ أَصْرِفَ عَنْهُمْ سُوءًا، وَإِمَّا أَنْ أَدَّخِرَهُ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ، يَا دَاوُدُ، مَنْ لَقِيَنِي مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا وَحْدِي لَا شَرِيكَ لِي صَادِقًا بِهَا، فَهُوَ مَعِي فِي جَنَّتِي وَكَرَامَتِي، وَمَنْ لَقِيَنِي وَقَدْ كَذَّبَ مُحَمَّدًا وَكَذَّبَ بِمَا جَاءَ بِهِ وَاسْتَهْزَأَ بِكِتَابِي، صَبَبْتُ عَلَيْهِ فِي قَبْرِهِ الْعَذَابَ صَبًّا، وَضَرَبَتِ الْمَلَائِكَةُ وَجْهَهُ وَدُبُرَهُ عِنْدَ مَنْشَرِهِ مِنْ قَبْرِهِ، ثُمَّ أُدْخِلُهُ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ.
وَقَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا الشَّرِيفُ أَبُو الْفَتْحِ الْعُمَرِيُّ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ الْهَرَوِيُّ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَبِيبٍ أَبُو سَعِيدٍ الرَّبَعِيُّ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ يَعْنِي ابْنَ

مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ عُثْمَانَ بِنْتُ سَعِيدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهَا، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ يَقُولُ: لَمَّا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَظَهَرَ أَمْرُهُ بِمَكَّةَ، خَرَجْتُ إِلَى الشَّامِ فَلَمَّا كُنْتُ بِبَصْرَى أَتَتْنِي جَمَاعَةٌ مِنَ النَّصَارَى فَقَالُوا لِي: أَمِنَ الْحَرَمِ أَنْتَ ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالُوا: فَتَعْرِفُ هَذَا الَّذِي تَنَبَّأَ فِيكُمْ ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَخَذُوا بِيَدِي، فَأَدْخَلُونِي دَيْرًا لَهُمْ فِيهِ تَمَاثِيلُ وَصُوَرٌ، فَقَالُوا لِي: انْظُرْ، هَلْ تَرَى صُورَةَ هَذَا النَّبِيِّ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ ؟ فَنَظَرْتُ فَلَمْ أَرَ صُورَتَهُ، قُلْتُ: لَا أَرَى صُورَتَهُ. فَأَدْخَلُونِي دَيْرًا أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ الدَّيْرِ، فَإِذَا فِيهِ تَمَاثِيلُ وَصُوَرٌ أَكْثَرَ مِمَّا فِي ذَلِكَ الدَّيْرِ، فَقَالُوا لِي: انْظُرْ، هَلْ تَرَى صُورَتَهُ ؟ فَنَظَرْتُ فَإِذَا أَنَا بِصِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصُورَتِهِ، وَإِذَا أَنَا بِصِفَةِ أَبِي بَكْرٍ وَصُورَتِهِ وَهُوَ آخِذٌ بِعَقِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا لِي: هَلْ تَرَى صِفَتَهُ ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالُوا: أَهْوَ هَذَا ؟ وَأَشَارُوا إِلَى صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْتُ: اللَّهُمَّ نَعَمْ، أَشْهَدُ أَنَّهُ هُوَ. قَالُوا: أَتَعْرِفُ هَذَا الَّذِي هُوَ آخِذٌ بِعَقِبِهِ ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّ هَذَا صَاحَبُكُمْ، وَأَنَّ هَذَا الْخَلِيفَةُ مِنْ بَعْدِهِ.
وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي " التَّارِيخِ " عَنْ مُحَمَّدٍ غَيْرَ مَنْسُوبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ هَذَا بِإِسْنَادِهِ، فَذَكَرَهُ مُخْتَصَرًا، وَعِنْدَهُ: فَقَالُوا: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ إِلَّا بَعْدَهُ نَبِيٌّ إِلَّا هَذَا النَّبِيُّ. وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي كِتَابِنَا " التَّفْسِيرِ " عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ الْآيَةَ [ الْأَعْرَافِ: 175 ]. ذَكَرْنَا مَا أَوْرَدَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ،

عَنْ هِشَامِ بْنِ الْعَاصِ الْأُمَوِيِّ قَالَ: بُعِثْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَى هِرَقْلَ صَاحِبِ الرُّومِ نَدْعُوهُ إِلَى الْإِسْلَامِ. فَذَكَرَ اجْتِمَاعَهُمْ بِهِ وَأَنَّ غُرْفَتَهُ تَنَفَّضَتْ حِينَ ذَكَرُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، فَأَنْزَلَهُمْ فِي دَارِ ضِيَافَتِهِ، ثُمَّ اسْتَدْعَاهُمْ بَعْدَ ثَلَاثٍ فَدَعَا بِشَيْءٍ نَحْوَ الرَّبْعَةِ الْعَظِيمَةِ، فِيهَا بُيُوتٌ صِغَارٌ، عَلَيْهَا أَبْوَابٌ، وَإِذَا فِيهَا صُوَرُ الْأَنْبِيَاءِ مُمَثَّلَةً فِي قِطَعٍ مِنْ حَرِيرٍ، مِنْ آدَمَ إِلَى مُحَمَّدٍ، صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، فَجَعَلَ يُخْرِجُ لَهُمْ وَاحِدًا وَاحِدًا، وَيُخْبِرُهُمْ عَنْهُ، وَأَخْرَجَ لَهُمْ صُورَةَ آدَمَ ثُمَّ نُوحٍ ثُمَّ إِبْرَاهِيمَ، ثُمَّ تَعَجَّلَ إِخْرَاجَ صُورَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: ثُمَّ فَتَحَ بَابًا آخَرَ، فَإِذَا فِيهَا صُورَةٌ بَيْضَاءُ، وَإِذَا وَاللَّهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: أَتَعْرِفُونَ هَذَا ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَبَكَيْنَا. قَالَ: وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ قَامَ قَائِمًا، ثُمَّ جَلَسَ، وَقَالَ: وَاللَّهِ إِنَّهُ لَهُوَ ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، إِنَّهُ لَهُوَ كَمَا تَنْظُرُ إِلَيْهِ. فَأَمْسَكَ سَاعَةً يَنْظُرُ إِلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ: أَمَا إِنَّهُ كَانَ آخِرَ الْبُيُوتِ، وَلَكِنِّي عَجَّلْتُهُ لَكُمْ لِأَنْظُرَ مَا عِنْدَكُمْ. ثُمَّ ذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ فِي إِخْرَاجِهِ صُوَرَ بَقِيَّةِ صُوَرِ الْأَنْبِيَاءِ وَتَعْرِيفِهِ إِيَّاهُمَا بِهِمْ. وَقَالَ فِي آخِرِهِ: قُلْنَا لَهُ: مِنْ أَيْنَ لَكَ هَذِهِ الصُّوَرُ ؟ لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّهَا عَلَى مَا صُوِّرَتْ عَلَيْهِ الْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ؛ لِأَنَّا رَأَيْنَا صُورَةَ نَبِيِّنَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، مِثْلَهُ. فَقَالَ: إِنَّ آدَمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يُرِيَهُ الْأَنْبِيَاءَ مَنْ وَلَدِهِ، فَأَنْزَلَ عَلَيْهِ صُوَرَهُمْ، فَكَانَ فِي خِزَانَةِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، عِنْدَ مَغْرِبِ الشَّمْسِ، فَاسْتَخْرَجَهَا ذُو الْقَرْنَيْنِ مِنْ مَغْرِبِ الشَّمْسِ، فَدَفَعَهَا إِلَى دَانْيَالَ. ثُمَّ قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ إِنَّ نَفْسِي طَابَتْ بِالْخُرُوجِ مِنْ مُلْكِي، وَأَنِّي كُنْتُ عَبْدًا لِأَشَرِّكُمْ مَلَكَةً حَتَّى أَمُوتَ. قَالَ: ثُمَّ أَجَازَنَا فَأَحْسَنَ جَائِزَتَنَا وَسَرَّحَنَا، فَلَمَّا أَتَيْنَا أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، حَدَّثْنَاهُ بِمَا رَأَيْنَا وَمَا قَالَ لَنَا وَمَا أَجَازَنَا. قَالَ: فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: مِسْكِينٌ لَوْ

أَرَادَ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا لَفَعَلَ. ثُمَّ قَالَ: أَخْبَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ وَالْيَهُودُ يَجِدُونَ نَعْتَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهُمْ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ عِيسَى الْحَكَمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ يَقُولُ: أَنَا أَنْتَظِرُ نَبِيًّا مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، ثُمَّ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَلَا أَرَانِي أُدْرِكُهُ، وَأَنَا أُومِنُ بِهِ وَأُصَدِّقُهُ وَأَشْهَدُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، فَإِنْ طَالَتْ بِكَ مُدَّةٌ فَرَأَيْتَهُ فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ، وَسَأُخْبِرُكَ مَا نَعْتُهُ حَتَّى لَا يَخْفَى عَلَيْكَ. قُلْتُ: هَلُمَّ. قَالَ هُوَ رَجُلٌ لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلَا بِالْقَصِيرِ، وَلَا بِكَثِيرِ الشَّعْرِ وَلَا بِقَلِيلِهِ، وَلَيْسَتْ تُفَارِقُ عَيْنَيْهِ حُمْرَةٌ، وَخَاتَمُ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، وَاسْمُهُ أَحْمَدُ، وَهَذَا الْبَلَدُ مَوْلِدُهُ وَمَبْعَثُهُ، ثُمَّ يُخْرِجُهُ قَوْمُهُ مِنْهَا، وَيَكْرَهُونَ مَا جَاءَ بِهِ حَتَّى يُهَاجِرَ إِلَى يَثْرِبَ فَيَظْهَرَ أَمْرُهُ، فَإِيَّاكَ أَنْ تُخْدَعَ عَنْهُ، فَإِنِّي طُفْتُ الْبِلَادَ كُلَّهَا أَطْلُبُ دِينَ إِبْرَاهِيمَ، فَكُلُّ مَنْ أَسْأَلُ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ يَقُولُونَ: هَذَا الدِّينُ وَرَاءَكَ. وَيَنْعَتُونَهُ مِثْلَ مَا نَعَتُّهُ لَكَ، وَيَقُولُونَ: لَمْ يَبْقَ نَبِيٌّ غَيْرُهُ. قَالَ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ: فَلَمَّا أَسْلَمْتُ أَخْبَرْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلَ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ وَأَقْرَأْتُهُ مِنْهُ السَّلَامَ، فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ، وَتَرَحَّمَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: قَدْ رَأَيْتُهُ فِي الْجَنَّةِ يَسْحَبُ ذُيُولًا.

كِتَابُ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ
وَهِيَ مَعْنَوِيَّةٌ وَحِسِّيَّةٌ؛ فَمِنَ الْمَعْنَوِيَّةِ إِنْزَالُ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَعْظَمُ الْمُعْجِزَاتِ، وَأَبْهَرُ الْآيَاتِ، وَأَبْيَنُ الْحُجَجِ الْوَاضِحَاتِ؛ لِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنَ التَّرْكِيبِ الْمُعْجِزِ الَّذِي تَحَدَّى بِهِ الْإِنْسَ وَالْجِنَّ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ فَعَجَزُوا عَنْ ذَلِكَ، مَعَ تَوَافُرِ دَوَاعِي أَعْدَائِهِ عَلَى مُعَارَضَتِهِ وَفَصَاحَتِهِمْ وَبَلَاغَتِهِمْ. ثُمَّ تَحَدَّاهُمْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ فَعَجَزُوا، ثُمَّ تَنَازَلَ إِلَى التَّحَدِّي بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ فَعَجَزُوا عَنْهُ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ عَجْزَهُمْ وَتَقْصِيرَهُمْ عَنْ ذَلِكَ، وَأَنَّ هَذَا مَا لَا سَبِيلَ لِأَحَدٍ إِلَيْهِ أَبَدًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [ الْإِسْرَاءِ: 88 ]. وَهَذِهِ الْآيَةُ مَكِّيَّةٌ، وَقَالَ فِي سُورَةِ " الطُّورِ " وَهِيَ مَكِّيَّةٌ: أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ [ الطُّورِ: 33، 34 ]. أَيْ؛ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فِي أَنَّهُ قَالَهُ مِنْ عِنْدِهِ فَهُوَ بَشَرٌ مَثَلُكُمْ، فَأَتَوْا بِمِثْلِ مَا جَاءَ بِهِ فَإِنَّكُمْ بَشَرٌ مِثْلُهُ. وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ " الْبَقَرَةِ "، وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ مُعِيدًا لِلتَّحَدِّي: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [ الْبَقَرَةِ 23، 24 ].

وَقَالَ تَعَالَى: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [ هُودٍ: 13، 14 ] وَقَالَ تَعَالَى: وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ [ يُونُسَ: 37 - 39 ] فَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ الْخَلْقَ عَاجِزُونَ عَنْ مُعَارَضَةِ هَذَا الْقُرْآنِ، بَلْ عَنْ عَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ، بَلْ عَنْ سُورَةٍ مِنْهُ، وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ ذَلِكَ أَبَدًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا أَيْ؛ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فِي الْمَاضِي وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا ذَلِكَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَهَذَا تَحَدٍّ ثَانٍ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ مُعَارَضَتُهُ لَهُمْ لَا فِي الْحَالِ وَلَا فِي الْمَآلِ، وَمِثْلُ هَذَا التَّحَدِّي إِنَّمَا يَصْدُرُ عَنْ وَاثِقٍ بِأَنَّ مَا جَاءَ بِهِ لَا يُمْكِنُ الْبَشَرَ مُعَارَضَتُهُ وَلَا الْإِتْيَانُ بِمِثْلِهِ، وَلَوْ كَانَ مِنْ مُتَقَوِّلٍ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ لَخَافَ أَنْ يُعَارَضَ، فَيَفْتَضِحَ وَيَعُودَ عَلَيْهِ نَقِيضُ مَا قَصَدَهُ مِنْ مُتَابَعَةِ النَّاسِ لَهُ، وَمَعْلُومٌ لِكُلِّ ذِي لُبٍّ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَعْقَلِ خَلْقِ اللَّهِ، بَلْ أَعْقَلُهُمْ وَأَكْمَلُهُمْ عَلَى الْإِطْلَاقِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَمَا كَانَ لِيُقْدِمَ عَلَى هَذَا إِلَّا وَهُوَ عَالِمٌ بِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ مُعَارَضَتُهُ، وَهَكَذَا وَقَعَ، فَإِنَّ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِلَى زَمَانِنَا هَذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ بِنَظِيرِهِ وَلَا نَظِيرِ سُورَةٍ مِنْهُ، وَهَذَا لَا سَبِيلَ إِلَيْهِ أَبَدًا، فَإِنَّهُ كَلَامُ رَبِّ الْعَالَمِينَ الَّذِي لَا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ مِنْ

خَلْقِهِ؛ لَا فِي ذَاتِهِ، وَلَا فِي صِفَاتِهِ، وَلَا فِي أَفْعَالِهِ، فَأَنَّى يُشْبِهُ كَلَامُ الْمَخْلُوقِينَ كَلَامَ الْخَالِقِ ؟! وَقَوْلُ كُفَّارِ قُرَيْشٍ الَّذِي حَكَاهُ تَعَالَى عَنْهُمْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ [ الْأَنْفَالِ: 31 ] كَذِبٌ مِنْهُمْ وَدَعْوَى بَاطِلَةٌ بِلَا دَلِيلٍ وَلَا بُرْهَانٍ وَلَا حُجَّةٍ وَلَا بَيَانٍ، وَلَوْ كَانُوا صَادِقِينَ لَأَتَوْا بِمَا يُعَارِضُهُ، بَلْ هُمْ يَعْلَمُونَ كَذِبَ أَنْفُسِهِمْ، كَمَا يَعْلَمُونَ كَذِبَ أَنْفُسِهِمْ فِي قَوْلِهِمْ: أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [ الْفَرْقَانِ: 5 ] قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا [ الْفَرْقَانِ: 6 ] أَيْ؛ أَنْزَلَهُ عَالِمُ الْخَفِيَّاتِ، وَرَبُّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ، الَّذِي يَعْلَمُ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ وَمَا لَمْ يَكُنْ لَوْ كَانَ كَيْفَ يَكُونُ، فَإِنَّهُ تَعَالَى أَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي كَانَ لَا يُحْسِنُ الْكِتَابَةَ وَلَا يَدْرِيهَا بِالْكُلِّيَّةِ، وَلَا يَعْلَمُ شَيْئًا مِنْ عِلْمِ الْأَوَائِلِ، وَأَخْبَارِ الْمَاضِينَ، فَقَصَّ اللَّهُ عَلَيْهِ خَبَرَ مَا كَانَ وَمَا هُوَ كَائِنٌ عَلَى الْوَجْهِ الْوَاقِعِ سَوَاءً بِسَوَاءٍ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ يَفْصِلُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ الَّذِي اخْتَلَفَتْ فِي إِيرَادِهِ جُمْلَةُ الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ [ هُودٍ: 49 ] وَقَالَ تَعَالَى: كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا [ طَهَ: 99 - 101 ] وَقَالَ تَعَالَى: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ الْآيَةَ [ الْمَائِدَةِ: 48 ]

. وَقَالَ تَعَالَى: وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [ الْعَنْكَبُوتِ: 48 - 52 ] فَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ نَفْسَ إِنْزَالِ هَذَا الْكِتَابِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى عِلْمِ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ، وَحَكَمِ مَا هُوَ كَائِنٌ بَيْنَ النَّاسِ عَلَى مِثْلِ هَذَا النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ وَحْدَهُ كَافٍ فِي الدِّلَالَةِ عَلَى صِدْقِهِ، وَقَالَ تَعَالَى وَإِذْ تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ [ يُونُسَ: 15 - 17 ] يَقُولُ لَهُمْ: إِنِّي لَا أُطِيقُ تَبْدِيلَ هَذَا مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي، وَإِنَّمَا

اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، هُوَ الَّذِي يَمْحُو مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ، وَأَنَا مُبَلِّغٌ عَنْهُ، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ صِدْقِي فِيمَا جِئْتُكُمْ بِهِ؛ لِأَنِّي نَشَأْتُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ نَسَبِي وَصِدْقِي، وَأَمَانَتِي، وَأَنِّي لَمْ أَكْذِبْ عَلَى أَحَدٍ مِنْكُمْ يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ، فَكَيْفَ يَسَعُنِي أَنْ أَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، مَالِكِ الضُّرِّ وَالنَّفْعِ، الَّذِي هُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَبِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ؟! وَأَيُّ ذَنْبٍ عِنْدَهُ أَعْظَمُ مِنَ الْكَذِبِ عَلَيْهِ، وَنِسْبَةِ مَا لَيْسَ مِنْهُ إِلَيْهِ ؟ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ [ الْحَاقَّةِ: 44 - 47 ] أَيْ لَوْ كَذَبَ عَلَيْنَا لَانْتَقَمْنَا مِنْهُ أَشَدَّ الِانْتِقَامِ، وَمَا اسْتَطَاعَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ أَنْ يَحْجِزَنَا عَنْهُ وَلَا يَمْنَعَنَا مِنْهُ.
وَقَالَ تَعَالَى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ [ الْأَنْعَامِ: 93 ] وَقَالَ تَعَالَى: قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ [ الْأَنْعَامِ: 19 ] وَهَذَا الْكَلَامُ فِيهِ الْإِخْبَارُ بِأَنَّ اللَّهَ شَهِيدٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَأَنَّهُ تَعَالَى أَعْظَمُ الشُّهَدَاءِ، وَهُوَ مُطَّلِعٌ عَلَيَّ وَعَلَيْكُمْ فِيمَا جِئْتُكُمْ بِهِ عَنْهُ، وَتَتَضَمَّنُ قُوَّةُ الْكَلَامِ قَسَمًا بِهِ أَنَّهُ قَدْ أَرْسَلَنِي إِلَى الْخَلْقِ لِأُنْذِرَهُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ، فَمَنْ بَلَغَهُ مِنْهُمْ فَهُوَ نَذِيرٌ لَهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ [ هُودٍ: 17 ] فَفِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنَ الْأَخْبَارِ الصَّادِقَةِ عَنِ اللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَعَرْشِهِ وَمَخْلُوقَاتِهِ الْعُلْوِيَّةِ وَالسُّفْلِيَّةِ، كَالسَّمَاوَاتِ، وَالْأَرْضِينَ، وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا فِيهِنَّ، أُمُورٌ عَظِيمَةٌ كَثِيرَةٌ مُبَرْهَنَةٌ بِالْأَدِلَّةِ

الْقَطْعِيَّةِ الْمُرْشِدَةِ إِلَى الْعِلْمِ بِذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ الصَّحِيحِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا [ الْإِسْرَاءِ: 89 ] وَقَالَ تَعَالَى: وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ [ الْعَنْكَبُوتِ: 43 ] وَقَالَ تَعَالَى: وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [ الزُّمَرِ: 27، 28 ] وَفِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ الْإِخْبَارُ عَمَّا مَضَى عَلَى الْوَجْهِ الْحَقِّ، وَبُرْهَانُهُ مَا فِي كُتُبِ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ ذَلِكَ شَاهِدًا لَهُ، مَعَ كَوْنِهِ نَزَلَ عَلَى رَجُلٍ أُمِّيٍّ لَا يَعْرِفُ الْكِتَابَةَ وَلَمْ يُعَانِ يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ شَيْئًا مِنْ عُلُومِ الْأَوَائِلِ، وَلَا أَخْبَارِ الْمَاضِينَ، فَلَمْ يُفْجَأَ النَّاسُ إِلَّا بِوَحْيٍ إِلَيْهِ عَمَّا كَانَ مِنَ الْأَخْبَارِ النَّافِعَةِ، الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ تُذْكَرَ لِلِاعْتِبَارِ بِهَا مِنْ أَخْبَارِ الْأُمَمِ مَعَ الْأَنْبِيَاءِ، وَمَا كَانَ مِنْ أُمُورِهِمْ مَعَهُمْ، وَكَيْفَ نَجَّى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَهْلَكَ الْكَافِرِينَ، بِعِبَارَةٍ لَا يَسْتَطِيعُ بَشَرٌ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِهَا أَبَدَ الْآبِدِينَ، وَدَهْرَ الدَّاهِرِينِ فَفِي مَكَانٍ تُقَصُّ الْقِصَّةُ مُوجَزَةً فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْفَصَاحَةِ، وَتَارَةً تُبْسَطُ، فَلَا أَحْلَى وَلَا أَجْلَى وَلَا أَعْلَى مِنْ ذَلِكَ السِّيَاقِ، حَتَّى كَأَنَّ التَّالِيَ وَالسَّامِعَ مُشَاهِدٌ لِمَا كَانَ، حَاضِرٌ لَهُ، مُعَايِنٌ لِلْخَبَرِ بِنَفْسِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [ الْقَصَصِ: 46 ] وَقَالَ تَعَالَى: وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيْهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ [ آلِ عِمْرَانَ: 44 ] وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ يُوسُفَ: ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ [ يُوسُفَ: 101 - 104 ]

إِلَى أَنْ قَالَ فِي آخِرِهَا لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [ يُوسُفَ: 111 ] وَقَالَ تَعَالَى: وَقَالُوا لَوْلَا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى [ طَهَ: 133 ] وَقَالَ تَعَالَى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [ فُصِّلَتْ: 52، 53 ] وَعَدَ تَعَالَى أَنَّهُ سَيُظْهِرُ آيَاتِ الْقُرْآنِ وَصِدْقَهُ وَصِدْقَ مَنْ جَاءَ بِهِ بِمَا يَخْلُقُهُ فِي الْآفَاقِ مِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى صِدْقِ هَذَا الْكِتَابِ، وَفِي نَفْسِ الْمُنْكِرِينَ لَهُ الْمُكَذِّبِينَ مَا فِيهِ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ وَبُرْهَانٌ قَاطِعٌ لِشُبَهِهِمْ، حَتَّى يَسْتَيْقِنُوا أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَلَى لِسَانِ الصَّادِقِ، ثُمَّ أَرْشَدَ إِلَى دَلِيلٍ مُسْتَقِلٍّ بِقَوْلِهِ: أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ؛ أَيْ فِي الْعِلْمِ بِأَنَّ اللَّهَ مُطَّلِعٌ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ كِفَايَةٌ فِي صِدْقِ هَذَا الْمُخْبِرِ عَنْهُ، إِذْ لَوْ كَانَ مُفْتَرِيًا عَلَيْهِ لَعَاجَلَهُ بِالْعُقُوبَةِ الْبَلِيغَةِ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ.
وَفِي هَذَا الْقُرْآنِ إِخْبَارٌ عَمَّا وَقَعَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ طِبْقَ مَا وَقَعَ سَوَاءً بِسَوَاءٍ، وَكَذَلِكَ فِي الْأَحَادِيثِ حَسَبَ مَا قَرَّرْنَاهُ فِي كِتَابِنَا " التَّفْسِيرِ "، وَمَا سَنَذْكُرُهُ مِنَ الْمَلَاحِمِ وَالْفِتَنِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [ الْمُزَّمِّلِ: 20 ]

وَهَذِهِ السُّورَةُ مِنْ أَوَائِلِ مَا نَزَلَ بِمَكَّةَ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ " اقْتَرَبَتْ " وَهِيَ مَكِّيَّةٌ بِلَا خِلَافٍ: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ [ الْقَمَرِ: 45، 46 ] وَقَعَ مِصْدَاقُ هَذِهِ الْهَزِيمَةِ يَوْمَ بَدْرٍ بَعْدَ ذَلِكَ، إِلَى أَمْثَالِ هَذَا مِنَ الْأُمُورِ الْبَيِّنَةِ الْوَاضِحَةِ، وَسَيَأْتِي فَصْلٌ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي وَقَعَتْ بَعْدَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، طِبْقَ مَا أَخْبَرَ بِهِ.
وَفِي الْقُرْآنِ الْأَحْكَامُ الْعَادِلَةُ أَمْرًا وَنَهْيًا، الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى الْحِكَمِ الْبَالِغَةِ الَّتِي إِذَا تَأَمَّلَهَا ذُو الْفَهْمِ وَالْعَقْلِ الصَّحِيحِ قَطَعَ بِأَنَّ هَذِهِ الْأَحْكَامَ إِنَّمَا أَنْزَلَهَا الْعَالِمُ بِالْخَفِيَّاتِ، الرَّحِيمُ بِعِبَادِهِ، الَّذِي يُعَامِلُهُمْ بِلُطْفِهِ وَرَحْمَتِهِ وَإِحْسَانِهِ، قَالَ تَعَالَى وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا [ الْأَنْعَامِ: 115 ]؛ أَيْ صِدْقًا فِي الْأَخْبَارِ وَعَدْلًا فِي الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي. وَقَالَ تَعَالَى الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ [ هُودٍ: 1 ] أَيْ؛ أُحْكِمَتْ أَلْفَاظُهُ وَفُصِّلَتْ مَعَانِيهِ. وَقَالَ تَعَالَى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ [ التَّوْبَةِ: 33 ] أَيِ الْعِلْمِ النَّافِعِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ. وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ لِكُمَيْلِ بْنِ زِيَادٍ: هُوَ كِتَابُ اللَّهِ، فِيهِ

خَبَرُ مَا قَبْلَكُمْ، وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ، وَنَبَأُ مَا بَعْدَكُمْ. وَقَدْ بَسَطْنَا هَذَا كُلَّهُ فِي كِتَابِنَا " التَّفْسِيرِ " بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ
فَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ مُعْجِزٌ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ؛ مِنْ فَصَاحَتِهِ، وَبَلَاغَتِهِ، وَنَظْمِهِ، وَتَرَاكِيبِهِ، وَأَسَالِيبِهِ، وَمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ الْإِخْبَارِ بِالْغُيُوبِ الْمَاضِيَةِ وَالْمُسْتَقْبَلَةِ، وَمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنَ الْأَحْكَامِ الْمُحْكَمَةِ الْجَلِيَّةِ، فَالتَّحَدِّي بِبَلَاغَةِ أَلْفَاظِهِ يَخُصُّ فُصَحَاءَ الْعَرَبِ، وَالتَّحَدِّي بِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنَ الْمَعَانِي الصَّحِيحَةِ الْكَامِلَةِ - وَهِيَ أَعْظَمُ فِي التَّحَدِّي عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ الْعُلَمَّاءِ - يَعُمُّ جَمِيعَ أَهْلِ الْأَرْضِ مِنَ الْمِلَّتَيْنِ؛ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ عُقَلَاءِ الْيُونَانِ وَالْهِنْدِ وَالْفَرَسِ وَالْقِبْطِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَصْنَافِ بَنِي آدَمَ فِي سَائِرِ الْأَقْطَارِ وَالْأَعْصَارِ، وَأَمَّا مَنْ زَعَمَ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّ الْإِعْجَازَ إِنَّمَا هُوَ مَنْ صَرْفِ دَوَاعِي الْكَفَرَةِ عَنْ مُعَارَضَتِهِ مَعَ إِمْكَانِ ذَلِكَ، أَوْ هُوَ سَلْبُ قُدَرِهِمْ عَلَى ذَلِكَ، فَقَوْلٌ بَاطِلٌ وَهُوَ مُفَرَّعٌ عَلَى اعْتِقَادِهِمْ أَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ، خَلَقَهُ اللَّهُ فِي بَعْضِ الْأَجْرَامِ، وَلَا فَرْقَ عِنْدَهُمْ بَيْنَ مَخْلُوقٍ وَمَخْلُوقٍ، وَقَوْلُهُمْ هَذَا كُفْرٌ وَبَاطِلٌ، وَلَيْسَ بِمُطَابِقٍ لِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، بَلِ الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، تَكَلَّمَ بِهِ كَمَا شَاءَ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ وَتَنَزَّهَ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا فَالْخَلْقُ كُلُّهُمْ عَاجِزُونَ حَقِيقَةً فِي نَفْسِ الْأَمْرِ عَنِ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ وَلَوْ تَعَاضَدُوا وَتَظَاهَرُوا عَلَى ذَلِكَ، بَلْ لَا تَقْدِرُ الرُّسُلُ الَّذِينَ هُمْ أَفْصَحُ الْخَلْقِ وَأَعْلَمُ الْخَلْقِ وَأَكْمَلُهُمْ أَنْ يَتَكَلَّمُوا بِمِثْلِ كَلَامِ اللَّهِ، وَهَذَا الْقُرْآنُ الَّذِي يُبَلِّغُهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ

اللَّهِ كَلَامٌ لَهُ أُسْلُوبٌ لَا يُشْبِهُ أَسَالِيبَ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَسَالِيبُ كَلَامِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الْمَحْفُوظَةُ عَنْهُ بِالسَّنَدِ الصَّحِيحِ إِلَيْهِ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَلَا مَنْ بَعْدَهُمْ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِمِثْلِ أَسَالِيبِهِ فِي فَصَاحَتِهِ وَبَلَاغَتِهِ فِيمَا يَرُومُهُ مِنَ الْمَعَانِي بِأَلْفَاظِهِ الشَّرِيفَةِ، بَلْ وَكَلَامُ الصَّحَابَةِ أُسْلُوبٌ أَعْلَى مِنْ أَسَالِيبِ كَلَامِ التَّابِعِينَ، وَهَلُمَّ جَرًّا إِلَى زَمَانِنَا، وَعُلَمَاءُ السَّلَفِ أَفْصَحُ وَأَعْلَمُ وَأَقَلُّ تَكَلُّفًا فِي أَدَاءِ مَا يُرِيدُونَهُ مِنَ الْمَعَانِي بِأَلْفَاظِهِمْ، مِنْ عُلَمَاءِ الْخَلَفِ، وَهَذَا يَشْهَدُهُ مَنْ لَهُ ذَوْقٌ بِكَلَامِ النَّاسِ، كَمَا يُدْرَكُ تَفَاوُتُ مَا بَيْنَ أَشْعَارِ الْعَرَبِ فِي زَمَنِ الْجَاهِلِيَّةِ وَبَيْنَ أَشْعَارِ الْمُوَلَّدِينَ الَّذِينَ كَانُوا بَعْدَ ذَلِكَ.
وَلِهَذَا جَاءَ الْحَدِيثُ الثَّابِتُ فِي هَذَا الْمَعْنَى، وَهُوَ فِيمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ قَائِلًا: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، ثَنَا لَيْثٌ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلَّا قَدْ أُعْطِيَ مِنَ الْآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحَيًّا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ بِهِ. وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، كُلٌّ مِنْهُمْ قَدْ أُوتِيَ مِنَ الْحُجَجِ وَالدَّلَائِلِ عَلَى صِدْقِهِ وَصِحَّةِ مَا جَاءَ بِهِ عَنْ رَبِّهِ مَا فِيهِ كِفَايَةٌ وَحُجَّةٌ لِقَوْمِهِ الَّذِينَ بُعِثَ إِلَيْهِمْ، سَوَاءٌ آمَنُوا بِهِ فَفَازُوا بِثَوَابِ إِيمَانِهِمْ، أَوْ جَحَدُوا

فَاسْتَحَقُّوا الْعُقُوبَةَ، وَقَوْلُهُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ أَيْ جُلُّهُ وَأَعْظَمُهُ الْوَحْيُ الَّذِي أَوْحَاهُ إِلَيْهِ، وَهُوَ الْقُرْآنُ الْحَجَّةُ الْمُسْتَمِرَّةُ الدَّائِمَةُ الْقَائِمَةُ فِي زَمَانِهِ وَبَعْدَهُ، فَإِنَّ الْبَرَاهِينَ الَّتِي كَانَتْ لِلْأَنْبِيَاءِ انْقَرَضَ زَمَانُهَا فِي حَيَاتِهِمْ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلَّا الْخَبَرُ عَنْهَا، وَأَمَّا الْقُرْآنُ فَهُوَ حُجَّةٌ قَائِمَةٌ، كَأَنَّمَا يَسْمَعُهُ السَّامِعُ مِنْ فَلْقٍ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحُجَّةُ اللَّهِ قَائِمَةٌ بِهِ فِي حَيَّاتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَبَعْدَ وَفَاتِهِ، وَلِهَذَا قَالَ فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَيْ لِاسْتِمْرَارِ مَا آتَانِيَ اللَّهُ مِنَ الْحُجَّةِ الْبَالِغَةِ وَالْبَرَاهِينِ الدَّامِغَةِ، فَلِهَذَا يَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرَ الْأَنْبِيَاءِ تَبَعًا.

فَصْلٌ
وَمِنَ الدَّلَائِلِ الْمَعْنَوِيَّةِ أَخْلَاقُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الطَّاهِرَةُ وَخُلُقُهُ الْكَامِلُ، وَشَجَاعَتُهُ، وَحِلْمُهُ، وَكَرَمُهُ، وَزُهْدُهُ، وَقَنَاعَتُهُ، وَإِيثَارُهُ، وَجَمِيلُ صُحْبَتِهِ، وَصِدْقُهُ، وَأَمَانَتُهُ، وَتَقْوَاهُ، وَعِبَادَتُهُ، وَكَرِيمُ أَصْلِهِ، وَطِيبُ مَوْلِدِهِ وَمَنْشَئِهِ وَمُرَبَّاهُ، كَمَا قَدَّمْنَاهُ مَبْسُوطًا فِي مَوَاضِعِهِ، وَمَا أَحْسَنَ مَا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ تَيْمِيَةَ، رَحِمَهُ اللَّهُ، فِي كِتَابِهِ الَّذِي رَدَّ فِيهِ عَلَى فِرَقِ النَّصَارَى وَالْيَهُودِ وَمَنْ أَشْبَهَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَغَيْرِهِمْ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي آخِرِهِ دَلَائِلَ النُّبُوَّةِ، وَسَلَكَ فِيهَا مَسَالِكَ حَسَنَةً صَحِيحَةً مُنْتَخَبَةً بِكَلَامٍ بَلِيغٍ يَخْضَعُ لَهُ كُلُّ مَنْ تَأَمَّلَهُ وَفَهِمَهُ. قَالَ فِي أَوَاخِرِ هَذَا الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ:
فَصْلٌ
وَسِيرَةُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَخْلَاقُهُ وَأَقْوَالُهُ وَأَفْعَالُهُ مِنْ آيَاتِهِ - أَيْ مِنْ

دَلَائِلِ نُبُوَّتِهِ - قَالَ: وَشَرِيعَتُهُ مِنْ آيَاتِهِ، وَأُمَّتُهُ مِنْ آيَاتِهِ، وَعِلْمُ أُمَّتِهِ مِنْ آيَاتِهِ، وَدِينُهُمْ مِنْ آيَاتِهِ، وَكَرَامَاتُ صَالِحِي أُمَّتِهِ مِنْ آيَاتِهِ، وَذَلِكَ يَظْهَرُ بِتَدَبُّرِ سِيرَتِهِ مِنْ حِينَ وُلِدَ إِلَى أَنْ بُعِثَ، وَمِنْ حِينَ بُعِثَ إِلَى أَنْ مَاتَ، وَتَدَبُّرِ نَسَبِهِ وَبَلَدِهِ وَأَصْلِهِ وَفَصْلِهِ فَإِنَّهُ كَانَ مِنْ أَشْرَفِ أَهْلِ الْأَرْضِ نَسَبًا؛ مِنْ صَمِيمِ سُلَالَةِ إِبْرَاهِيمَ الَّذِي جَعَلَ اللَّهُ فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ، فَلَمْ يَأْتِ بَعْدَ إِبْرَاهِيمَ نَبِيٌّ إِلَّا مِنْ ذُرِّيَّتِهِ، وَجَعَلَ اللَّهُ لَهُ ابْنَيْنِ؛ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ، وَذَكَرَ فِي التَّوْرَاةِ هَذَا وَهَذَا، وَبَشَّرَ فِي التَّوْرَاةِ بِمَا يَكُونُ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَلَمْ يَكُنْ فِي وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ مَنْ ظَهَرَ فِيهِ مَا بَشَّرَتْ بِهِ النُّبُوَّاتُ غَيْرُهُ، وَدَعَا إِبْرَاهِيمُ لِذُرِّيَّةِ إِسْمَاعِيلَ بِأَنْ يَبْعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ، ثُمَّ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قُرَيْشٍ صَفْوَةِ إِبْرَاهِيمَ، ثُمَّ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ صَفْوَةِ قُرَيْشٍ، وَمِنْ مَكَّةَ أُمِّ الْقُرَى وَبَلَدِ الْبَيْتِ الَّذِي بَنَاهُ إِبْرَاهِيمُ وَدَعَا النَّاسَ إِلَى حَجِّهِ، وَلَمْ يَزَلْ مَحْجُوجًا مِنْ عَهْدِ إِبْرَاهِيمَ مَذْكُورًا فِي كُتُبِ الْأَنْبِيَاءِ بِأَحْسَنِ وَصْفٍ.
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَكْمَلِ النَّاسِ تَرْبِيَةً وَنَشْأَةً، لَمْ يَزَلْ مَعْرُوفًا بِالصِّدْقِ، وَالْبِرِّ، وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَالْعَدْلِ، وَتَرْكِ الْفَوَاحِشِ، وَالظُّلْمِ وَكُلِّ وَصْفٍ مَذْمُومٍ، مَشْهُودًا لَهُ بِذَلِكَ عِنْدَ جَمِيعِ مَنْ يَعْرِفُهُ قَبْلَ النُّبُوَّةِ، وَمَنْ آمَنَ بِهِ وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ النُّبُوَّةِ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ شَيْءٌ يُعَابُ بِهِ؛ لَا فِي أَقْوَالِهِ، وَلَا فِي أَفْعَالِهِ، وَلَا فِي أَخْلَاقِهِ، وَلَا جَرَتْ عَلَيْهِ كِذْبَةٌ قَطُّ، وَلَا ظُلْمٌ، وَلَا فَاحِشَةٌ.
وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خَلْقُهُ وَصُورَتُهُ مِنْ أَحْسَنِ الصُّوَرِ وَأَتَمِّهَا وَأَجْمَعِهَا لِلْمَحَاسِنِ الدَّالَّةِ عَلَى كَمَالِهِ، وَكَانَ أُمِّيًّا مِنْ قَوْمٍ أُمِّيِّينَ لَا يَعْرِفُ لَا هُوَ

وَلَا هُمْ مَا يَعْرِفُهُ أَهْلُ الْكِتَابِ؛ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، وَلَمْ يَقْرَأْ شَيْئًا مِنْ عُلُومِ النَّاسِ، وَلَا جَالَسَ أَهْلَهَا، وَلَمْ يَدَّعِ نُبُوَّةً إِلَى أَنْ أَكْمَلَ اللَّهُ لَهُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَأَتَى بِأَمْرٍ هُوَ أَعْجَبُ الْأُمُورِ وَأَعْظَمُهَا، وَبِكَلَامٍ لَمْ يَسْمَعِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ بِنَظِيرِهِ، وَأَخْبَرَ بِأَمْرٍ لَمْ يَكُنْ فِي بَلَدِهِ وَقَوْمِهِ مَنْ يَعْرِفُ مِثْلَهُ.
ثُمَّ اتَّبَعَهُ أَتْبَاعُ الْأَنْبِيَاءِ، وَهُمْ ضُعَفَاءُ النَّاسِ، وَكَذَّبَهُ أَهْلُ الرِّيَاسَةِ وَعَادَوْهُ، وَسَعَوْا فِي هَلَاكِهِ وَهَلَاكِ مَنِ اتَّبَعَهُ بِكُلِّ طَرِيقٍ، كَمَا كَانَ الْكَفَّارُ يَفْعَلُونَ بِالْأَنْبِيَاءِ وَأَتْبَاعِهِمْ، وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُ لَمْ يَتَّبِعُوهُ لِرَغْبَةٍ وَلَا لِرَهْبَةٍ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَالٌ يُعْطِيهِمْ وَلَا جِهَاتٌ يُوَلِّيهِمْ إِيَّاهَا، وَلَا كَانَ لَهُ سَيْفٌ، بَلْ كَانَ السَّيْفُ وَالْمَالُ وَالْجَاهُ مَعَ أَعْدَائِهِ، وَقَدْ آذَوْا أَتْبَاعَهُ بِأَنْوَاعِ الْأَذَى وَهُمْ صَابِرُونَ مُحْتَسِبُونَ لَا يَرْتَدُّونَ عَنْ دِينِهِمْ؛ لِمَا خَالَطَ قُلُوبَهُمْ مِنْ حَلَاوَةِ الْإِيمَانِ وَالْمَعْرِفَةِ.
وَكَانَتْ مَكَّةُ يَحُجُّهَا الْعَرَبُ مِنْ عَهْدِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَيَجْتَمِعُ فِي الْمَوْسِمِ قَبَائِلُ الْعَرَبِ فَيَخْرُجُ إِلَيْهِمْ يُبَلِّغُهُمُ الرِّسَالَةَ، وَيَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ صَابِرًا عَلَى مَا يَلْقَاهُ مِنْ تَكْذِيبِ الْمُكَذِّبِ، وَجَفَاءِ الْجَافِي، وَإِعْرَاضِ الْمُعْرِضِ، إِلَى أَنِ اجْتَمَعَ بِأَهْلِ يَثْرِبَ، وَكَانُوا جِيرَانَ الْيَهُودِ، وَقَدْ سَمِعُوا أَخْبَارَهُ مِنْهُمْ وَعَرَفُوهُ، فَلَمَّا دَعَاهُمْ عَلِمُوا أَنَّهُ النَّبِيُّ الْمُنْتَظَرُ الَّذِي يُخْبِرُهُمْ بِهِ الْيَهُودُ، وَكَانُوا قَدْ سَمِعُوا مِنْ أَخْبَارِهِ أَيْضًا مَا عَرَفُوا بِهِ مَكَانَتَهُ، فَإِنَّ أَمْرَهُ كَانَ قَدِ انْتَشَرَ وَظَهَرَ فِي بِضْعِ عَشْرَةَ سَنَةً، فَآمَنُوا بِهِ وَبَايَعُوهُ عَلَى هِجْرَتِهِ، وَهِجْرَةِ أَصْحَابِهِ إِلَى بَلَدِهِمْ، وَعَلَى الْجِهَادِ مَعَهُ، فَهَاجَرَ هُوَ وَمَنِ اتَّبَعَهُ

إِلَى الْمَدِينَةِ وَبِهَا الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ، لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ آمَنَ بِرَغْبَةٍ دُنْيَوِيَّةٍ وَلَا بِرَهْبَةٍ إِلَّا قَلِيلًا مِنَ الْأَنْصَارِ أَسْلَمُوا فِي الظَّاهِرِ ثُمَّ حَسُنَ إِسْلَامُ بَعْضِهِمْ.
ثُمَّ أُذِنَ لَهُ فِي الْجِهَادِ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ، وَلَمْ يَزَلْ قَائِمًا بِأَمْرِ اللَّهِ عَلَى أَكْمَلِ طَرِيقَةٍ وَأَتَمِّهَا مِنَ الصِّدْقِ وَالْعَدْلِ وَالْوَفَاءِ، لَا يُحْفَظُ لَهُ كِذْبَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَا ظُلْمٌ لِأَحَدٍ، وَلَا غَدْرٌ بِأَحَدٍ، بَلْ كَانَ أَصْدَقَ النَّاسِ وَأَعْدَلَهُمْ وَأَوْفَاهُمْ بِالْعَهْدِ مَعَ اخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ عَلَيْهِ مِنْ حَرْبٍ وَسِلْمٍ، وَأَمْنٍ وَخَوْفٍ، وَغِنًى وَفَقْرٍ، وَقُدْرَةٍ وَعَجْزٍ، وَتَمَكُّنٍ وَضَعْفٍ، وَقِلَّةٍ وَكَثْرَةٍ، وَظُهُورٍ عَلَى الْعَدُوِّ تَارَةً وَظُهُورِ الْعَدُوِّ تَارَةً.
وَهُوَ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ لَازِمٌ لِأَكْمَلِ الطُّرُقِ وَأَتَمِّهَا، حَتَّى ظَهَرَتِ الدَّعْوَةُ فِي جَمِيعِ أَرْضِ الْعَرَبِ الَّتِي كَانَتْ مَمْلُوءَةً مِنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، وَمِنْ أَخْبَارِ الْكُهَّانِ، وَطَاعَةِ الْمَخْلُوقِ فِي الْكُفْرِ بِالْخَالِقِ، وَسَفْكِ الدِّمَاءِ الْمُحَرَّمَةِ، وَقَطِيعَةِ الْأَرْحَامِ، لَا يَعْرِفُونَ آخِرَةً وَلَا مَعَادًا، فَصَارُوا أَعْلَمَ أَهْلِ الْأَرْضِ وَأَدْيَنَهُمْ وَأَعْدَلَهُمْ وَأَفْضَلَهُمْ، حَتَّى إِنَّ النَّصَارَى لَمَّا رَأَوْهُمْ حِينَ قَدِمُوا الشَّامَ قَالُوا: مَا كَانَ الَّذِينَ صَحِبُوا الْمَسِيحَ بِأَفْضَلَ مِنْ هَؤُلَاءِ. وَهَذِهِ آثَارُ عِلْمِهِمْ وَعَمَلِهِمْ فِي الْأَرْضِ وَآثَارُ غَيْرِهِمْ، يَعْرِفُ الْعُقَلَاءُ فَرْقَ مَا بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ.
وَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ ظُهُورِ أَمْرِهِ، وَطَاعَةِ الْخَلْقِ لَهُ، وَتَقْدِيمِهِمْ لَهُ عَلَى الْأَنْفُسِ وَالْأَمْوَالِ، مَاتَ وَلَمْ يَخْلُفْ دِرْهَمًا وَلَا دِينَارًا، وَلَا شَاةً وَلَا بَعِيرًا، إِلَّا بَغْلَتَهُ وَسِلَاحَهُ، وَدِرْعَهُ مَرْهُونَةً عِنْدَ يَهُودِيٍّ عَلَى ثَلَاثِينَ وَسْقًا مِنْ شَعِيرٍ ابْتَاعَهَا لِأَهْلِهِ، وَكَانَ بِيَدِهِ عَقَارٌ يُنْفِقُ مِنْهُ عَلَى أَهْلِهِ، وَالْبَاقِي يَصْرِفُهُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، فَحَكَمَ

بِأَنَّهُ لَا يُورَثُ، وَلَا يَأْخُذُ وَرَثَتُهُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ.
وَهُوَ فِي كُلِّ وَقْتٍ يُظْهِرُ مِنْ عَجَائِبِ الْآيَاتِ وَفُنُونِ الْكَرَامَاتِ مَا يَطُولُ وَصْفُهُ، وَيُخْبِرُهُمْ بِمَا كَانَ وَمَا يَكُونُ، وَيَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ، وَيَشْرَعُ الشَّرِيعَةَ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، حَتَّى أَكْمَلَ اللَّهُ دِينَهُ الَّذِي بَعَثَهُ بِهِ، وَجَاءَتْ شَرِيعَتُهُ أَكْمَلَ شَرِيعَةٍ، لَمْ يَبْقَ مَعْرُوفٌ تَعْرِفُ الْعُقُولُ أَنَّهُ مَعْرُوفٌ إِلَّا أَمَرَ بِهِ، وَلَا مُنْكَرٌ تَعْرِفُ الْعُقُولُ أَنَّهُ مُنْكَرٌ إِلَّا نَهَى عَنْهُ، لَمْ يَأْمُرْ بِشَيْءٍ فَقِيلَ: لَيْتَهُ لَمْ يَأْمُرْ بِهِ. وَلَا نَهَى عَنْ شَيْءٍ فَقِيلَ: لَيْتَهُ لَمْ يَنْهَ عَنْهُ. وَأَحَلَّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ لَمْ يُحَرِّمْ شَيْئًا مِنْهَا كَمَا حُرِّمَ فِي شَرْعِ غَيْرِهِ، وَحَّرَمَ الْخَبَائِثَ لَمْ يُحِلَّ مِنْهَا شَيْئًا كَمَا اسْتَحَلَّهُ غَيْرُهُ، وَجَمَعَ مَحَاسِنَ مَا عَلَيْهِ الْأُمَمُ، فَلَا يُذْكَرُ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ نَوْعٌ مِنَ الْخَبَرِ عَنِ اللَّهِ وَعَنِ الْمَلَائِكَةِ وَعَنِ الْيَوْمِ الْآخِرِ إِلَّا وَقَدْ جَاءَ بِهِ عَلَى أَكْمَلِ وَجْهٍ، وَأَخْبَرَ بِأَشْيَاءَ لَيْسَتْ فِي الْكُتُبِ، فَلَيْسَ فِي الْكُتُبِ إِيجَابٌ لِعَدْلٍ، وَقَضَاءٌ بِفَضْلٍ، وَنَدْبٌ إِلَى الْفَضَائِلِ، وَتَرْغِيبٌ فِي الْحَسَنَاتِ إِلَّا وَقَدْ جَاءَ بِهِ وَبِمَا هُوَ أَحْسَنُ مِنْهُ، وَإِذَا نَظَرَ اللَّبِيبُ فِي الْعَبَّادَاتِ الَّتِي شَرَعَهَا وَعِبَادَاتِ غَيْرِهِ مِنَ الْأُمَمِ ظَهَرَ فَضْلُهَا وَرُجْحَانُهَا، وَكَذَلِكَ فِي الْحُدُودِ وَالْأَحْكَامِ وَسَائِرِ الشَّرَائِعِ.
وَأُمَّتُهُ أَكْمَلُ الْأُمَمِ فِي كُلِّ فَضِيلَةٍ، وَإِذَا قِيسَ عِلْمُهُمْ بِعِلْمِ سَائِرِ الْأُمَمِ ظَهَرَ فَضْلُ عِلْمِهِمْ، وَإِنْ قِيسَ دِينُهُمْ وَعِبَادَتُهُمْ وَطَاعَتُهُمْ لِلَّهِ بِغَيْرِهِمْ ظَهَرَ أَنَّهُمْ أَدْيَنُ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَإِذَا قِيسَ شَجَاعَتُهُمْ وَجِهَادُهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَصَبْرُهُمْ عَلَى الْمَكَارِهِ فِي ذَاتِ اللَّهِ ظَهَرَ أَنَّهُمْ أَعْظَمُ جِهَادًا وَأَشْجَعُ قُلُوبًا، وَإِذَا قِيسَ

سَخَاؤُهُمْ وَبَذْلُهُمْ وَسَمَاحَةُ أَنْفُسِهِمْ بِغَيْرِهِمْ ظَهَرَ أَنَّهُمْ أَسْخَى وَأَكْرَمُ مِنْ غَيْرِهِمْ. وَهَذِهِ الْفَضَائِلُ بِهِ نَالُوهَا، وَمِنْهُ تَعَلَّمُوهَا، وَهُوَ الَّذِي أَمَرَهُمْ بِهَا، لَمْ يَكُونُوا قَبْلَهُ مُتَّبِعِينَ لِكِتَابٍ جَاءَ هُوَ بِتَكْمِيلِهِ كَمَا جَاءَ الْمَسِيحُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، بِتَكْمِيلِ شَرِيعَةِ التَّوْرَاةِ، فَكَانَتْ فَضَائِلُ أَتْبَاعِ الْمَسِيحِ وَعُلُومُهُمْ بَعْضُهَا مِنَ التَّوْرَاةِ، وَبَعْضُهَا مِنَ الزَّبُورِ، وَبَعْضُهَا مِنَ النُّبُوَّاتِ، وَبَعْضُهَا مِنَ الْمَسِيحِ، وَبَعْضُهَا مِمَّنْ بَعْدَهُ كَالْحَوَارِيِّينَ وَمَنْ بَعْدَ الْحَوَارِيِّينَ، وَقَدِ اسْتَعَانُوا بِكَلَامِ الْفَلَاسِفَةِ وَغَيْرِهِمْ حَتَّى أَدْخَلُوا - لَمَّا غَيَّرُوا دِينَ الْمَسِيحِ - فِي دِينِ الْمَسِيحِ أُمُورًا مِنْ أُمُورِ الْكُفَّارِ الْمُنَاقِضَةِ لِدِينِ الْمَسِيحِ.
وَأَمَّا أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَكُونُوا قَبْلَهُ يَقْرَؤُونَ كِتَابًا، بَلْ عَامَّتُهُمْ مَا آمَنُوا بِمُوسَى وَعِيسَى وَدَاوُدَ وَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ إِلَّا مِنْ جِهَتِهِ، وَهُوَ الَّذِي أَمَرَهُمْ أَنْ يُؤْمِنُوا بِجَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ، وَيُقِرُّوا بِجَمِيعِ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَنَهَاهُمْ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنَ الرُّسُلِ، فَقَالَ تَعَالَى فِي الْكِتَابِ الَّذِي جَاءَ بِهِ: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [ الْبَقَرَةِ: 136 - 137 ] وَقَالَ تَعَالَى: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا الْآيَةَ، [ الْبَقَرَةِ: 285 - 286 ]

وَأُمَّتُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، لَا يَسْتَحِلُّونَ أَنْ يَأْخُذُوا شَيْئًا مِنَ الدِّينِ غَيْرَ مَا جَاءَ بِهِ، وَلَا يَبْتَدِعُونَ بِدَعَةً مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ، وَلَا يَشْرَعُونَ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ، لَكِنَّ مَا قَصَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ أَخْبَارِ الْأَنْبِيَاءِ وَأُمَمِهِمُ اعْتَبَرُوا بِهِ، وَمَا حَدَّثَهُمْ بِهِ أَهْلُ الْكِتَابِ مُوَافِقًا لِمَا عِنْدَهُمْ صَدَّقُوهُ، وَمَا لَمْ يَعْلَمُوا صِدْقَهُ وَلَا كَذِبَهُ أَمْسَكُوا عَنْهُ، وَمَا عَرَفُوا أَنَّهُ بَاطِلٌ كَذَّبُوهُ، وَمَنْ أَدْخَلَ فِي الدِّينِ مَا لَيْسَ مِنْهُ مِنْ أَقْوَالِ مُتَفَلْسِفَةِ الْهِنْدِ أَوِ الْفُرْسِ أَوِالْيُونَانِ أَوْ غَيْرِهِمْ، كَانَ عِنْدَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْإِلْحَادِ وَالِابْتِدَاعِ، وَهَذَا هُوَ الدِّينُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعُونَ، وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ أَئِمَّةُ الدِّينِ الَّذِينَ لَهُمْ فِي الْأُمَّةِ لِسَانُ صِدْقٍ، وَعَلَيْهِ جَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتُهُمْ، وَمَنْ خَرَجَ عَنْ ذَلِكَ كَانَ مَذْمُومًا مَدْحُورًا عِنْدَ الْجَمَاعَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَهُمُ الظَّاهِرُونَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، الَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ وَلَا مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ.
وَقَدْ يَتَنَازَعُ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ دِينُ الرُّسُلِ عُمُومًا، وَدِينُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُصُوصًا، وَمَنْ خَالَفَ فِي هَذَا الْأَصْلِ كَانَ عِنْدَهُمْ مُلْحِدًا مَذْمُومًا، لَيْسُوا كَالنَّصَارَى الَّذِينَ ابْتَدَعُوا دِينًا قَامَ بِهِ أَكَابِرُ عُلَمَائِهِمْ وَعُبَّادِهِمْ، وَقَاتَلَ عَلَيْهِ مُلُوكُهُمْ، وَدَانَ بِهِ جُمْهُورُهُمْ، وَهُوَ دِينٌ مُبْتَدَعٌ لَيْسَ هُوَ دِينَ الْمَسِيحِ وَلَا دِينَ غَيْرِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَرْسَلَ رُسُلَهُ بِالْعِلْمِ النَّافِعِ، وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، فَمَنِ اتَّبَعَ الرُّسُلَ حَصَلَ لَهُ سَعَادَةُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِنَّمَا دَخَلَ فِي

الْبِدَعِ مَنْ قَصَّرَ فِي اتِّبَاعِ الْأَنْبِيَاءِ عِلْمًا وَعَمَلًا، وَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ، تَلَقَّى ذَلِكَ عَنْهُ الْمُسْلِمُونَ أُمَّتُهُ، فَكُلُّ عِلْمٍ نَافِعٍ وَعَمَلٍ صَالِحٍ عَلَيْهِ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذُوهُ عَنْ نَبِيِّهِمْ، مَعَ مَا يَظْهَرُ لِكُلِّ عَاقِلٍ أَنَّ أُمَّتَهُ أَكْمَلُ الْأُمَمِ فِي جَمِيعِ الْفَضَائِلِ الْعِلْمِيَّةِ وَالْعَمَلِيَّةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلَّ كَمَالٍ فِي الْفَرْعِ الْمُتَعَلِّمِ هُوَ فِي الْأَصْلِ الْمُعَلِّمِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، كَانَ أَكْمَلَ النَّاسِ عِلْمًا وَدِينًا، وَهَذِهِ الْأُمُورُ تُوجِبُ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ بِأَنَّهُ كَانَ صَادِقًا فِي قَوْلِهِ: إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [ الْأَعْرَافِ: 158 ] لَمْ يَكُنْ كَاذِبًا مُفْتَرِيًا، فَإِنَّ هَذَا الْقَوْلَ لَا يَقُولُهُ إِلَّا مَنْ هُوَ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ وَأَكْمَلِهِمْ إِنْ كَانَ صَادِقًا، أَوْ مَنْ هُوَ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ وَأَخْبَثِهِمْ إِنْ كَانَ كَاذِبًا، وَمَا ذُكِرَ مِنْ كَمَالِ عِلْمِهِ وَدِينِهِ يُنَاقِضُ الشَّرَّ وَالْخُبْثَ وَالْجَهْلَ، فَتَعَيَّنَ أَنَّهُ مُتَّصِفٌ بِغَايَةِ الْكَمَالِ فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ، وَهَذَا يَسْتَلْزِمُ أَنَّهُ كَانَ صَادِقًا فِي قَوْلِهِ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ لِأَنَّ الَّذِي لَمْ يَكُنْ صَادِقًا إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُتَعَمِّدًا لِلْكَذِبِ أَوْ مُخْطِئًا، وَالْأَوَّلُ يُوجِبُ أَنَّهُ كَانَ ظَالِمًا غَاوِيًا، وَالثَّانِي يَقْتَضِي أَنَّهُ كَانَ جَاهِلًا ضَالًّا، وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَالُ عِلْمِهِ يُنَافِي جَهْلَهُ، وَكَمَالُ دِينِهِ يُنَافِي تَعَمُّدَ الْكَذِبِ، فَالْعِلْمُ بِصِفَاتِهِ يَسْتَلْزِمُ الْعِلْمَ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُتَعَمِّدًا لِلْكَذِبِ، وَلَمْ يَكُنْ جَاهِلًا يَكْذِبُ بِلَا عِلْمٍ، وَإِذَا انْتَفَى هَذَا وَذَاكَ تَعَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ صَادِقًا عَالِمًا بِأَنَّهُ صَادِقٌ؛ وَلِهَذَا نَزَّهَهُ اللَّهُ عَنْ هَذَيْنَ الْأَمْرَيْنِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [ النَّجْمِ: 1 - 4 ] وَقَالَ تَعَالَى عَنِ الْمَلَكِ الَّذِي جَاءَ بِهِ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ ثُمَّ قَالَ عَنْهُ: وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ

أَيْ؛ بِمُتَّهَمٍ أَوْ بَخِيلٍ كَالَّذِي لَا يُعَلِّمُ إِلَّا بِجُعْلٍ، أَوْ لِمَنْ يُكْرِمُهُ: وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ [ التَّكْوِيرِ: 19 - 27 ] وَقَالَ تَعَالَى: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ إِلَى قَوْلِهِ: هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ [ الشُّعَرَاءِ: 192 - 223 ] بَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ الشَّيْطَانَ إِنَّمَا يَنْزِلُ عَلَى مَنْ يُنَاسِبُهُ، لِيَحْصُلَ بِهِ غَرَضُهُ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَقْصِدُ الشَّرَّ، وَهُوَ الْكَذِبُ وَالْفُجُورُ، وَلَا يَقْصِدُ الصِّدْقَ وَالْعَدْلَ، فَلَا يَقْتَرِنُ إِلَّا بِمَنْ فِيهِ كَذِبٌ - إِمَّا عَمْدًا وَإِمَّا خَطَأً - وَفُجُورٌ أَيْضًا، فَإِنَّ الْخَطَأَ فِي الدِّينِ هُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ أَيْضًا، كَمَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ لَمَّا سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ: أَقُولُ فِيهَا بِرَأْيٍ، فَإِنْ يَكُنْ صَوَابًا فَمِنَ اللَّهِ، وَإِنْ يَكُنْ خَطَأً فَمِنِّي وَمِنَ الشَّيْطَانِ، وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ بَرِيئَانِ مِنْهُ. فَالرَّسُولُ بَرِيءٌ مِنْ تَنَزُّلِ الشَّيْطَانِ عَلَيْهِ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ، بِخِلَافِ غَيْرِ الرَّسُولِ فَإِنَّهُ قَدْ يُخْطِئُ، وَيَكُونُ خَطَؤُهُ مِنَ الشَّيْطَانِ وَإِنْ كَانَ خَطَؤُهُ مَغْفُورًا لَهُ فَإِذَا لَمْ يُعْرَفْ لَهُ خَبَرٌ أَخْبَرَ بِهِ كَانَ فِيهِ مُخْطِئًا، وَلَا أَمْرٌ أَمَرَ بِهِ كَانَ فِيهِ فَاجِرًا، عُلِمَ أَنَّ الشَّيْطَانَ لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يَنْزِلُ عَلَيْهِ مَلَكٌ كَرِيمٌ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ [ الْحَاقَّةِ: 40 - 43 ] انْتَهَى مَا ذَكَرَهُ، رَحِمَهُ اللَّهُ، وَهَذَا عَيْنُ مَا أَوْرَدَهُ بِحُرُوفِهِ.

بَابٌ أَمَّا دَلَائِلُ النُّبُوَّةِ الْحِسِّيَّةُ - أَعْنِي الْمُشَاهَدَةَ بِالْأَبْصَارِ - فَسَمَاوِيَّةٌ وَأَرْضِيَّةٌ
وَمِنْ أَعْظَمِ ذَلِكَ كُلِّهِ انْشِقَاقُ الْقَمَرِ الْمُنِيرِ فِرْقَتَيْنِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ [ الْقَمَرِ: 1 - 5 ] وَقَدِ اتَّفَقَ الْعُلَمَّاءُ مَعَ بَقِيَّةِ الْأَئِمَّةِ عَلَى أَنَّ انْشِقَاقَ الْقَمَرِ كَانَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ وَرَدَتِ الْأَحَادِيثُ بِذَلِكَ مِنْ طُرُقٍ تُفِيدُ الْقَطْعَ عِنْدَ الْأُمَّةِ.
رِوَايَةُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، ثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:سَأَلَ أَهْلُ مَكَّةَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آيَةً، فَانْشَقَّ الْقَمَرُ بِمَكَّةَ مَرَّتَيْنِ، فَقَالَ: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، ثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، ثَنَا

سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،أَنْ أَهْلَ مَكَّةَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً فَأَرَاهُمُ الْقَمَرَ شِقَّتَيْنِ، حَتَّى رَأَوْا حِرَاءَ بَيْنَهُمَا. وَأَخْرَجَاهُ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ شَيْبَانَ، عَنْ قَتَادَةَ، وَمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ.
رِوَايَةُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ: قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:انْشَقَّ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَارَ فِرْقَتَيْنِ؛ فِرْقَةً عَلَى هَذَا الْجَبَلِ، وَفِرْقَةً عَلَى هَذَا الْجَبَلِ، فَقَالُوا: سَحَرَنَا مُحَمَّدٌ. فَقَالُوا: إِنْ كَانَ سَحَرَنَا فَإِنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْحَرَ النَّاسَ كُلَّهُمْ. تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ. وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِهِ.
رِوَايَةُ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ: قَالَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، حَدَّثَنِي ابْنُ عُلَيَّةَ، أَنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ قَالَ: نَزَلْنَا الْمَدَائِنَ فَكُنَّا مِنْهَا عَلَى فَرْسَخٍ فَجَاءَتِ الْجُمُعَةُ فَحَضَرَ أَبِي، وَحَضَرْتُ مَعَهُ، فَخَطَبَنَا حُذَيْفَةُ، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ أَلَا وَإِنَّ السَّاعَةَ قَدِ اقْتَرَبَتْ، أَلَا وَإِنَّ الْقَمَرَ قَدِ انْشَقَّ، أَلَا وَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ آذَنَتْ

بِفِرَاقٍ، أَلَا وَإِنَّ الْيَوْمَ الْمِضْمَارُ، وَغَدًا السِّبَاقُ. فَقُلْتُ لِأَبِي: أَتَسْتَبِقُ النَّاسُ غَدًا ؟ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، إِنَّكَ لَجَاهِلٌ إِنَّمَا هُوَ السِّبَاقُ بِالْأَعْمَالِ. ثُمَّ جَاءَتِ الْجُمُعَةُ الْأُخْرَى فَحَضَرْنَا فَخَطَبَ حُذَيْفَةُ، فَقَالَ: أَلَا إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ أَلَا وَإِنَّ السَّاعَةَ قَدِ اقْتَرَبَتْ، أَلَا وَإِنَّ الْقَمَرَ قَدِ انْشَقَّ أَلَّا وَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ آذَنَتْ بِفِرَاقٍ، أَلَا وَإِنَّ الْيَوْمَ الْمِضْمَارُ، وَغَدَا السِّبَاقُ، أَلَا وَإِنَّ الْغَايَةَ النَّارُ، وَالسَّابِقَ مَنْ سَبَقَ إِلَى الْجَنَّةِ.
وَرَوَاهُ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ فِي كِتَابِ " دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ " مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حُذَيْفَةَ فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وَقَالَ:أَلَا وَإِنَّ الْقَمَرَ قَدِ انْشَقَّ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
رِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ: قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، ثَنَا بَكْرٌ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:انْشَقَّ الْقَمَرُ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ بَكْرِ بْنِ مُضَرَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ بِهِ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهُ: قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ ثَنَا ابْنُ مُثَنَّى، ثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، ثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ:اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ قَالَ: قَدْ مَضَى ذَلِكَ، كَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، انْشَقَّ الْقَمَرُ حَتَّى رَأَوْا شِقَّيْهِ. وَرَوَى الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوًا مِنْ هَذَا.

وَقَدْ رُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو الْبَزَّارُ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْقُطَعِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، ثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:كَسَفَ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: سَحَرَ الْقَمَرَ. فَنَزَلَتْ: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ وَهَذَا سِيَاقٌ غَرِيبٌ. وَقَدْ يَكُونُ حَصَلَ لِلْقَمَرِ مَعَ انْشِقَاقِهِ كُسُوفٌ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ انْشِقَاقَهُ إِنَّمَا كَانَ فِي لَيَالِي إِبْدَارِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
رِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا: ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، ثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، ثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي قَوْلِهِ: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ قَالَ: وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْشَقَّ فِلْقَتَيْنِ، فِلْقَةً مَنْ دُونِ الْجَبَلِ، وَفِلْقَةً مَنْ خَلْفِ الْجَبَلِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طُرُقٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ مُجَاهِدٍ. قَالَ مُسْلِمٌ كَرِوَايَةِ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
رِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ

أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ:انْشَقَّ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شِقَّتَيْنِ حَتَّى نَظَرُوا إِلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اشْهَدُوا " وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَخْبَرَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ بِهِ. قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ أَبُو الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: بِمَكَّةَ.
وَهَذَا الَّذِي عَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ قَدْ أَسْنَدَهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي " مُسْنَدِهِ " فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ:انْشَقَّ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: هَذَا سِحْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ قَالَ: فَقَالُوا: انْظُرُوا مَا يَأْتِيكُمْ بِهِ السُّفَّارُ، فَإِنَّ مُحَمَّدًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْحَرَ النَّاسَ كُلَّهُمْ. قَالَ: فَجَاءَ السُّفَّارُ فَقَالُوا ذَلِكَ.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَاكِمِ، عَنِ الْأَصَمِّ، عَنْ عَبَّاسٍ الدُّورِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:انْشَقَّ الْقَمَرُ بِمَكَّةَ حَتَّى صَارَ فِرْقَتَيْنِ، فَقَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ أَهْلُ مَكَّةَ هَذَا سِحْرٌ سَحَرَكُمْ بِهِ ابْنُ أَبِي كَبْشَةَ، انْظُرُوا السُّفَّارَ، فَإِنْ كَانُوا رَأَوْا مَا رَأَيْتُمْ فَقَدْ صَدَقَ، وَإِنْ كَانُوا لَمْ يَرَوْا مَا رَأَيْتُمْ فَهُوَ سِحْرٌ سَحَرَكُمْ بِهِ. قَالَ: فَسُئِلَ السُّفَّارُ - وَقَدِمُوا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ - فَقَالُوا: رَأَيْنَا.

وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ وَزَادَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُؤَمَّلٌ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:انْشَقَّ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى رَأَيْتُ الْجَبَلَ بَيْنَ فُرْجَتَيِ الْقَمَرِ.
وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ يَعْقُوبَ الدُّورِيِّ، عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: نُبِّئْتُ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَقُولُ: لَقَدِ انْشَقَّ الْقَمَرُ.
فَفِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: خَمْسٌ قَدْ مَضَيْنَ؛ الرُّومُ وَاللِّزَامُ وَالْبَطْشَةُ وَالدُّخَانُ وَالْقَمَرُ. فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ عَنْهُ مَذْكُورٍ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ " الدُّخَانِ ".
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ فِي " الدَّلَائِلِ ": حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: انْشَقَّ الْقَمَرُ بِمَكَّةَ،

وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا قَبْلَ الْهِجْرَةِ، فَخَرَّ شِقَّتَيْنِ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: سَحَرَهُ ابْنُ أَبِي كَبْشَةَ. وَهَذَا مُرْسَلٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
فَهَذِهِ طُرُقٌ عَنْ هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَةِ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَشُهْرَةُ هَذَا الْأَمْرِ تُغْنِي عَنْ إِسْنَادِهِ مَعَ وُرُودِهِ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ، وَمَا يَذْكُرُهُ بَعْضُ الْقُصَّاصِ مِنْ أَنَّ الْقَمَرَ دَخَلَ فِي جَيْبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَرَجَ مِنْ كُمِّهِ، وَنَحْوَ هَذَا الْكَلَامِ، فَلَيْسَ لَهُ أَصْلٌ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ، وَالْقَمَرُ فِي حَالِ انْشِقَاقِهِ لَمْ يُزَايِلِ السَّمَاءَ، بَلِ انْفَرَقَ بِاثْنَتَيْنِ، وَسَارَتْ إِحْدَاهُمَا حَتَّى صَارَتْ وَرَاءَ جَبَلِ حِرَاءَ، وَالْأُخْرَى مِنَ النَّاحِيَةِ الْأُخْرَى، وَصَارَ الْجَبَلُ بَيْنَهُمَا، وَكِلْتَا الْفِرْقَتَيْنِ فِي السَّمَاءِ، وَأَهْلُ مَكَّةَ يَنْظُرُونَ إِلَى ذَلِكَ، وَظَنَّ كَثِيرٌ مِنْ جَهْلَتِهِمْ أَنَّ هَذَا شَيْءٌ سُحِرَتْ بِهِ أَبْصَارُهُمْ، فَسَأَلُوا مَنْ قَدِمَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْمُسَافِرِينَ، فَأَخْبَرُوهُمْ بِنَظِيرِ مَا شَاهَدُوهُ، فَعَلِمُوا صِحَّةَ ذَلِكَ وَتَيَقَّنُوهُ. فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ لَمْ يُعْرَفْ هَذَا فِي جَمِيعِ أَقْطَارِ الْأَرْضِ ؟ فَالْجَوَابُ؛ وَمَنْ يَنْفِي ذَلِكَ ؟ وَلَكِنْ تَطَاوَلَ الْعَهْدُ وَالْكَفَرَةُ يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ، وَلَعَلَّهُمْ لَمَّا أُخْبِرُوا أَنَّ هَذَا كَانَ آيَةً لِهَذَا النَّبِيِّ الْمَبْعُوثِ، تَدَاعَتْ آرَاؤُهُمُ الْفَاسِدَةُ عَلَى كِتْمَانِهِ وَتَنَاسِيهِ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُسَافِرِينَ أَنَّهُمْ شَاهَدُوا هَيْكَلًا بِالْهِنْدِ مَكْتُوبًا عَلَيْهِ: إِنَّهُ بُنِيَ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي انْشَقَّ الْقَمَرُ فِيهَا. ثُمَّ لَمَّا كَانَ انْشِقَاقُ الْقَمَرِ لَيْلًا قَدْ يَخْفَى أَمْرُهُ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ؛ لِأُمُورٍ مَانِعَةٍ مِنْ مُشَاهَدَتِهِ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ، مِنْ غُيُومٍ مُتَرَاكِمَةٍ كَانَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ فِي بُلْدَانِهِمْ، وَلِنَوْمِ كَثِيرٍ مِنْهُمْ، أَوْ لَعَلَّهُ كَانَ فِي أَثْنَاءِ اللَّيْلِ حَيْثُ يَنَامُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ حَرَّرْنَا

هَذَا فِيمَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِنَا " التَّفْسِيرِ ".

فَأَمَّا حَدِيثُ رَدِّ الشَّمْسِ بَعْدَ مَغِيبِهَا، فَقَدْ أَنْبَأَنِي شَيْخُنَا الْمُسْنِدُ الرُّحْلَةُ بَهَاءُ الدِّينِ الْقَاسِمُ بْنُ الْمُظَفَّرِ بْنِ تَاجِ الْأُمَنَاءِ بْنِ عَسَاكِرَ إِذْنًا، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَسَاكِرَ، الْمَشْهُورُ بِالنَّسَّابَةِ كِتَابَةً قَالَ: أَنَا الْحَافِظُ الْكَبِيرُ أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ عَسَاكِرَ فِي كِتَابِهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ بْنُ الْقُشَيْرِيِّ وَأَبُو الْقَاسِمِ الْمُسْتَمْلِي، قَالَا: ثَنَا أَبُو عُثْمَانَ الْحِيرِيُّ أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الدَّانْدَانْقَانِيُّ بِهَا، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَحْبُوبٍ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ الْقُشَيْرِيِّ: ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، ثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَسْعُودٍ ( ح ) قَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ عَسَاكِرَ: وَأَنَا أَبُو الْفَتْحِ الْمَاهَانِيُّ، أَنَا شُجَاعُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَنْدَهْ، أَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ التِّنِّيسِيُّ، أَنَا أَبُو أُمَيَّةَ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، ثَنَا فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَسَنِ - زَادَ أَبُو أُمَيَّةَ: بْنِ الْحَسَنِ - عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ قَالَتْ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوحَى إِلَيْهِ وَرَأْسُهُ فِي حِجْرِ عَلِيٍّ، فَلَمْ يُصَلِّ الْعَصْرَ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَقَالَ رَسُولُ

اللَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَلَّيْتَ الْعَصْرَ ؟ - وَقَالَ أَبُو أُمَيَّةَ: " صَلَّيْتَ يَا عَلِيُّ ؟ " - قَالَ: لَا. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ أَبُو أُمَيَّةَ: فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَ فِي طَاعَتِكَ وَطَاعَةِ نَبِيِّكَ - وَقَالَ أَبُو أُمَيَّةَ: " رَسُولِكَ " - فَارْدُدْ عَلَيْهِ الشَّمْسَ. قَالَتْ أَسْمَاءُ: فَرَأَيْتُهَا غَرَبَتْ ثُمَّ رَأَيْتُهَا طَلَعَتْ بَعْدَ مَا غَرَبَتْ. وَقَدْ رَوَاهُ الشَّيْخُ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ فِي " الْمَوْضُوعَاتِ " مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَنْدَهْ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي جَعْفَرٍ الْعُقَيْلِيِّ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ، ثَنَا عَمَّارُ بْنُ مَطَرٍ، ثَنَا فَضِيلُ بْنُ مَرْزُوقٍ، فَذَكَرَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ، وَقَدِ اضْطَرَبَ الرُّوَاةُ فِيهِ، فَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعُودٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ عَلِيٍّ، عَنْ أَسْمَاءَ، وَهَذَا تَخْلِيطٌ فِي الرِّوَايَةِ. قَالَ: وَأَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: مَتْرُوكٌ كَذَّابٌ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ يَضَعُ الْحَدِيثَ. وَعَمَّارُ بْنُ مَطَرٍ قَالَ فِيهِ الْعُقَيْلِيُّ: كَانَ يُحَدِّثُ عَنِ الثِّقَاتِ بِالْمَنَاكِيرِ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ. قَالَ: وَفُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَدْ ضَعَّفَهُ يَحْيَى، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَرْوِي الْمَوْضُوعَاتِ وَيُخْطِئُ عَنِ الثِّقَاتِ.
وَبِهِ قَالَ إِلَى الْحَافِظِ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ عَسَاكِرَ، قَالَ: وَأَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ

ابْنُ طَاوُسٍ، أَنَا عَاصِمُ بْنُ الْحَسَنِ، أَنَا أَبُو عُمَرَ بْنُ مَهْدِيٍّ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ عُقْدَةَ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الصُّوفِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شَرِيكٍ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عُرْوَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُشَيْرٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ عَلِيٍّ، فَرَأَيْتُ فِي عُنُقِهَا خَرَزَةً، وَرَأَيْتُ فِي يَدَيْهَا مَسَكَتَيْنِ غَلِيظَتَيْنِ، وَهِيَ عَجُوزٌ كَبِيرَةٌ، فَقُلْتُ لَهَا: مَا هَذَا ؟ فَقَالَتْ: إِنَّهُ يُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَتَشَبَّهَ بِالرِّجَالِ. ثُمَّ حَدَّثَتْنِي أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ حَدَّثَتْهَاأَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ دَفَعَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْهِ، فَجَلَّلَهُ بِثَوْبِهِ، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى أَدْبَرَتِ الشَّمْسُ. تَقُولُ: غَابَتْ أَوْ كَادَتْ أَنْ تَغِيبَ. ثُمَّ إِنْ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُرِّيَ عَنْهُ فَقَالَ: " أَصَلَّيْتَ يَا عَلِيُّ " قَالَ: لَا. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ رُدَّ عَلَى عَلِيٍّ الشَّمْسَ فَرَجَعَتِ الشَّمْسُ حَتَّى بَلَغَتْ نِصْفَ الْمَسْجِدِ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: وَقَالَ أَبِي: حَدَّثَنِي مُوسَى الْجُهَنِيُّ نَحْوَهُ. ثُمَّ قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وَفِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمَجَاهِيلِ.
وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ فِي " الْمَوْضُوعَاتِ ": وَقَدْ رَوَى ابْنُ شَاهِينَ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ ابْنِ عُقْدَةَ. فَذَكَرَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا بَاطِلٌ، وَالْمُتَّهَمُ بِهِ ابْنُ عُقْدَةَ، فَإِنَّهُ كَانَ رَافِضِيًّا يُحَدِّثُ بِمَثَالِبِ الصَّحَابَةِ.

قَالَ الْخَطِيبُ: ثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ، سَمِعْتُ حَمْزَةَ بْنَ يُوسُفَ يَقُولُ: كَانَ ابْنُ عُقْدَةَ بِجَامِعِ بَرَاثَا يُمْلِي مَثَالِبَ الصَّحَابَةِ - أَوْ قَالَ: الشَّيْخَيْنِ - فَتَرَكْتُهُ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: كَانَ ابْنُ عُقْدَةَ رَجُلَ سُوءٍ.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي غَالِبٍ يَقُولُ: ابْنُ عُقْدَةَ لَا يَتَدَيَّنُ بِالْحَدِيثِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَحْمِلُ شُيُوخًا بِالْكُوفَةِ عَلَى الْكَذِبِ، فَيُسَوِّي لَهُمْ نُسَخًا وَيَأْمُرُهُمْ أَنْ يَرْوُوهَا، وَقَدْ تَبَيَّنَّا ذَلِكَ مِنْهُ فِي غَيْرِ شَيْخٍ بِالْكُوفَةِ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بِشْرٍ الدُّولَابِيُّ فِي كِتَابِهِ " الذُّرِّيَّةِ الطَّاهِرَةِ ": حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُونُسَ، ثَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، ثَنَا الْمُطَّلِبُ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَيَّانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ، عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: كَانَ رَأْسُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حِجْرِ عَلِيٍّ وَهُوَ يُوحَى إِلَيْهِ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِ مَا تَقَدَّمَ. إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَيَّانَ هَذَا تَرَكَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ الْبَغْدَادِيُّ الْحَافِظُ: هَذَا الْحَدِيثُ مَوْضُوعٌ. قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الذَّهَبِيُّ: وَصَدَقَ ابْنُ نَاصِرٍ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ

حَدِيثِ دَاوُدَ بْنِ فَرَاهِيجَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: نَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَأْسُهُ فِي حَجْرِ عَلِيٍّ، وَلَمْ يَكُنْ صَلَّى الْعَصْرَ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا لَهُ، فَرُدَّتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ حَتَّى صَلَّى، ثُمَّ غَابَتْ ثَانِيَةً. ثُمَّ قَالَ: وَدَاوُدُ ضَعَّفَهُ شُعْبَةُ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَمِنْ تَغْفِيلِ وَاضِعِ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ نَظَرَ إِلَى صُورَةِ فَضِيلَةٍ، وَلِمَ يَتَلَمَّحْ عَدَمَ الْفَائِدَةِ، فَإِنَّ صَلَاةَ الْعَصْرِ بِغَيْبُوبَةِ الشَّمْسِ صَارَتْ قَضَاءً، فَرُجُوعُ الشَّمْسِ لَا يُعِيدُهَا أَدَاءً، وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تُحْبَسْ عَلَى أَحَدٍ إِلَّا لِيُوشَعَ.
قُلْتُ: هَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ وَمُنْكَرٌ مِنْ جَمِيعِ طُرُقِهِ، فَلَا تَخْلُو وَاحِدَةٌ مِنْهَا عَنْ شِيعِيٍّ وَمَجْهُولِ الْحَالِ، وَشِيعِيٍّ وَمَتْرُوكٍ، وَمِثْلُ هَذَا الْحَدِيثِ لَا يُقْبَلُ فِيهِ خَبَرٌ وَاحِدٌ إِذَا اتَّصَلَ سَنَدُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ مَا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ نَقْلِهِ بِالتَّوَاتُرِ وَالِاسْتِفَاضَةِ، لَا أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ هَذَا فِي قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَبِالنِّسْبَةِ إِلَى جَنَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَدْ ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحِ " أَنَّهَا رُدَّتْ لِيُوشَعَ بْنِ نُونٍ، وَذَلِكَ يَوْمَ حَاصَرَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَاتَّفَقَ ذَلِكَ فِي آخِرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَكَانُوا لَا يُقَاتِلُونَ يَوْمَ السَّبْتَ، فَنَظَرَ إِلَى الشَّمْسِ وَقَدْ تَضَيَّفَتْ لِلْغُرُوبِ، فَقَالَ: إِنَّكِ مَأْمُورَةٌ، وَأَنَا مَأْمُورٌ، اللَّهُمَّ احْبِسْهَا عَلَيَّ. فَحَبَسَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ حَتَّى فَتَحُوهَا. وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْظَمُ جَاهًا، وَأَجَلُّ مَنْصِبًا، وَأَعْلَى قَدْرًا مِنْ يُوشَعَ بْنِ نُونٍ، بَلْ مِنْ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَلَكِنْ لَا نَقُولُ إِلَّا مَا صَحَّ عِنْدَنَا عَنْهُ،

وَلَا نُسْنِدُ إِلَيْهِ مَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَلَوْ صَحَّ لَكُنَّا مِنْ أَوَّلِ الْقَائِلِينَ بِهِ، وَالْمُعْتَقِدِينَ لَهُ. وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ زَنْجَوَيْهِ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ " إِثْبَاتِ إِمَامَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ " فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مِنَ الرَّوَافِضِ: إِنَّ أَفْضَلَ فَضِيلَةٍ لِأَبِي الْحَسَنِ وَأَدَلَّ دَلِيلٍ عَلَى إِمَامَتِهِ مَا رُوِيَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ قَالَتْ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوحَى إِلَيْهِ وَرَأَسُهُ فِي حِجْرِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَلَمْ يُصَلِّ الْعَصْرَ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ: " صَلَّيْتَ ؟ " قَالَ: لَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَ فِي طَاعَتِكَ وَطَاعَةِ رَسُولِكَ فَارْدُدْ عَلَيْهِ الشَّمْسَ ". قَالَتْ أَسْمَاءُ: فَرَأَيْتُهَا غَرَبَتْ، ثُمَّ رَأَيْتُهَا طَلَعَتْ بَعْدَ مَا غَرَبَتْ. قِيلَ لَهُ: كَيْفَ لَنَا بِصِحَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ لِنَحْتَجَّ عَلَى مُخَالِفِينَا مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ؟ ! وَلَكِنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ جِدًّا، لَا أَصْلَ لَهُ، وَهَذَا مِمَّا كَسَبَتْ أَيْدِي الرَّوَافِضِ، وَلَوْ رُدَّتِ الشَّمْسُ بَعْدَ مَا غَرَبَتْ لَرَآهَا الْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ، وَنَقَلُوا إِلَيْنَا أَنَّ فِي يَوْمِ كَذَا مِنْ شَهْرِ كَذَا فِي سَنَةِ كَذَا رُدَّتِ الشَّمْسُ بَعْدَ مَا غَرَبَتْ، ثُمَّ يُقَالُ لِلرَّوَافِضِ: أَيَجُوزُ أَنْ تُرَدَّ الشَّمْسُ لِأَبِي الْحَسَنِ حِينَ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ، وَلَا تُرَدَّ لِرَسُولِ اللَّهِ وَلِجَمِيعِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ - وَعَلِيٌّ فِيهِمْ - حِينَ فَاتَتْهُمْ صَلَاةُ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ ؟ ! قَالَ: وَأَيْضًا مَرَّةً أُخْرَى عَرَّسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ حِينَ قَفَلَ مِنْ غَزْوَةِ خَيْبَرَ. فَذَكَرَ نَوْمَهُمْ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَصَلَاتَهُمْ لَهَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ. قَالَ: فَلَمْ يُرَدَّ اللَّيْلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى

أَصْحَابِهِ. قَالَ: وَلَوْ كَانَ هَذَا فَضْلًا، أُعْطِيَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَمْنَعَ رَسُولَهُ شَرَفًا وَفَضْلًا. يَعْنِي أُعْطِيَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ
ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ الْجُوزَجَانِيُّ: قُلْتُ لِمُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيِّ: مَا تَقُولُ فِيمَنْ يَقُولُ: رَجَعَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ حَتَّى صَلَّى الْعَصْرَ ؟ فَقَالَ: مَنْ قَالَ هَذَا فَقَدَ كَذَبَ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ: سَأَلْتُ يَعْلَى بْنَ عُبَيْدٍ الطَنَافِسِيَّ قُلْتُ: إِنَّ نَاسًا عِنْدَنَا يَقُولُونَ: إِنَّ عَلِيًّا وَصِيُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ. فَقَالَ: كَذِبٌ هَذَا كُلُّهُ.

فَصْلٌ فِي إِيرَادِ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ أَمَاكِنَ مُتَفَرِّقَةٍ
وَقَدْ جَمَعَ فِيهِ أَبُو الْقَاسِمِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ الْحَسْكَانِيُّ جُزْءًا وَسَمَّاهُ " مَسْأَلَةٌ فِي تَصْحِيحِ رَدِّ الشَّمْسِ وَتَرْغِيمِ النَّوَاصِبِ الشُّمْسِ "

وَقَالَ: قَدْ رَوَى ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ. ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ الْمِصْرِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ الْوَلِيدِ الْأَنْطَاكِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ دَاوُدَ، ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي فُدَيْكٍ، وَهُوَ ثِقَةٌ، أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْفِطْرِيُّ الْمَدَنِيُّ، وَهُوَ ثِقَةٌ أَيْضًا، عَنْ عَوْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ. قَالَ: وَهُوَ ابْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ. عَنْ أُمِّهِ أُمِّ جَعْفَرٍ بِنْتِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ جَدَّتِهَا أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الظَّهْرَ بِالصَّهْبَاءِ مِنْ أَرْضِ خَيْبَرَ ثُمَّ أَرْسَلَ عَلِيًّا فِي حَاجَةٍ، فَجَاءَ وَقَدْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَصْرَ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ فِي حِجْرِ عَلِيٍّ، فَلَمْ يُحَرِّكْهُ حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ إِنَّ عَبْدَكَ عَلِيًّا احْتَبَسَ نَفْسَهُ عَلَى نَبِيِّهِ، فَرُدَّ عَلَيْهِ شَرْقَهَا قَالَتْ أَسْمَاءُ: فَطَلَعَتِ الشَّمْسُ حَتَّى رُفِعَتْ عَلَى الْجِبَالِ فَقَامَ عَلِيٌّ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ غَابَتِ الشَّمْسُ. وَهَذَا الْإِسْنَادُ فِيهِ مَنْ يَجْهَلُ حَالَهُ، فَإِنَّ عَوْنًا هَذَا وَأُمَّهُ لَا يُعْرَفُ أَمْرُهُمَا بِعَدَالَةٍ وَضَبْطٍ يُقْبَلُ بِسَبَبِهِمَا خَبَرُهُمَا فِيمَا دُونَ هَذَا الْمَقَامِ، فَكَيْفَ يَثْبُتُ بِخَبَرِهِمَا هَذَا الْأَمْرُ الْعَظِيمُ الَّذِي لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الصِّحَاحِ وَلَا السُّنَنِ وَلَا الْمَسَانِيدِ الْمَشْهُورَةِ ؟! فَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَا نَدْرِي أَسَمِعَتْ أُمُّ هَذَا مِنْ جَدَّتِهَا أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ أَمْ لَا.

ثُمَّ أَوْرَدَهُ هَذَا الْمُصَنَّفُ مِنْ طَرِيقِ حُسَيْنِ بْنِ الْحَسَنِ الْأَشْقَرِ، وَهُوَ شِيعِيٌّ جَلْدٌ، وَضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ الشَّهِيدِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. قَالَ: وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ فُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، ثُمَّ أَوْرَدَهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيِّ، مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَقَدْ قَدَّمَنَا رِوَايَتَنَا لَهُ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي أُمَيَّةَ الطَّرْسُوسِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى الْعَبْسِيِّ، وَهُوَ مِنَ الشِّيعَةِ.
ثُمَّ أَوْرَدَهُ هَذَا الْمُصَنِّفُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي جَعْفَرٍ الْعُقَيْلِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ دَاوُدَ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ مَطَرٍ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ الْأَغَرِّ الرَّقَاشِيِّ - وَيُقَالُ: الرُّؤَاسِيُّ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْكُوفِيُّ مَوْلَى بَنِي عَنَزَةَ - وَثَّقَهُ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا أَعْلَمُ إِلَّا خَيْرًا. وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: ثِقَةٌ. وَقَالَ مَرَّةً: صَالِحٌ وَلَكِنَّهُ شَدِيدُ التَّشَيُّعِ. وَقَالَ مَرَّةً: لَا بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوقٌ صَالِحُ الْحَدِيثِ، يَهِمُ كَثِيرًا، يُكْتَبُ حَدِيثُهُ وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ. وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ: يُقَالُ: إِنَّهُ ضَعِيفٌ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ضَعِيفٌ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ أَرْجُو أَنْ لَا بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ جَدًّا، كَانَ يُخْطِئُ عَلَى الثِّقَاتِ، وَيَرْوِي عَنْ عَطِيَّةَ الْمَوْضُوعَاتِ.

وَقَدْ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ وَأَهْلُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ، فَمَنْ هَذِهِ تَرْجَمَتُهُ لَا يُتَّهَمُ بِتَعَمُّدِ الْكَذِبِ، وَلَكِنَّهُ قَدْ يَتَسَاهَلُ، وَلَا سِيَّمَا فِيمَا يُوَافِقُ مَذْهَبَهُ، فَيَرْوِي عَمَّنْ لَا يَعْرِفُهُ أَوْ يُحْسِنُ بِهِ الظَّنَّ، فَيُدَلِّسُ حَدِيثَهُ، وَيُسْقِطُهُ وَيَذْكُرُ شَيْخَهُ، وَلِهَذَا قَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي يَجِبُ الِاحْتِرَازُ فِيهِ وَتَوَقِّي الْكَذِبِ فِيهِ: عَنْ. بِصِيغَةِ التَّدْلِيسِ، وَلَمْ يَأْتِ بِصِيغَةِ التَّحْدِيثِ، فَلَعَلَّ بَيْنَهُمَا مَنْ يَجْهَلُ أَمْرَهُ، عَلَى أَنَّ شَيْخَهُ هَذَا إِبْرَاهِيمَ بْنَ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ لَيْسَ بِذَاكَ الْمَشْهُورِ فِي حَالِهِ، وَلَمْ يَرْوِ لَهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ، وَلَا رَوَى عَنْهُ غَيْرُ الْفُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ هَذَا وَيَحْيَى بْنِ الْمُتَوَكِّلِ. قَالَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَأَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيَّانِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضَا لِجَرْحٍ وَلَا تَعْدِيلٍ. وَأَمَّا أُمُّهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَهِيَ أُخْتُ زَيْنِ الْعَابِدِينَ، فَحَدِيثُهَا مَشْهُورٌ، رَوَى لَهَا أَهْلُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ، وَكَانَتْ فِيمَنْ قُدِمَ بِهَا مَعَ أَهْلِ الْبَيْتِ بَعْدَ مَقْتَلِ أَبِيهَا إِلَى دِمَشْقَ وَهِيَ مِنَ الثِّقَاتِ، وَلَكِنْ لَا يُدْرَى أَسَمِعَتْ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ أَسْمَاءَ أَمْ لَا. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ قَدْ رَوَاهُ هَذَا الْمُصَنِّفُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي حَفْصٍ الْكَتَّانِيِّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْقَاضِي هُوَ الْجِعَابِيُّ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ جَعْفَرٍ الْعَسْكَرِيُّ مِنْ أَصْلِ كِتَابِهِ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ سُلَيْمٍ، ثَنَا خَلَفُ بْنُ سَالِمٍ ثَنَا

عَبْدُ الرَّزَّاقِ، ثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ فَاطِمَةَ، يَعْنِي بِنْتَ الْحُسَيْنِ، عَنْ أَسْمَاءَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا لِعَلِيٍّ حَتَّى رُدَّتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ. وَهَذَا إِسْنَادٌ غَرِيبٌ جِدًّا، وَحَدِيثُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَشَيْخِهِ الثَّوْرِيِّ مَحْفُوظٌ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ، لَا يَكَادُ يُتْرَكُ مِنْهُ شَيْءٌ مِنَ الْمُهِمَّاتِ، فَكَيْفَ لَمْ يَرْوِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ مِثْلَ هَذَا الْحَدِيثِ الْعَظِيمِ إِلَّا خَلَفُ بْنُ سَالِمٍ بِمَا قَبْلَهُ مِنَ الرِّجَالِ الَّذِينَ لَا يُعْرَفُ حَالُهُمْ فِي الضَّبْطِ وَالْعَدَالَةِ كَغَيْرِهِمْ ؟! ثُمَّ إِنَّ أُمَّ أَشْعَثَ مَجْهُولَةٌ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ سَاقَهُ هَذَا الْمُصَنِّفُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْزُوقٍ، ثَنَا حُسَيْنٌ الْأَشْقَرُ، وَهُوَ شِيعِيٌّ وَضَعِيفٌ كَمَا تَقَدَّمَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ هَاشِمِ بْنِ الْبَرِيدِ - وَقَدْ قَالَ فِيهِ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ غَالِيًا فِي التَّشَيُّعِ يَرْوِي الْمَنَاكِيرَ عَنِ الْمَشَاهِيرِ - عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ عَلِيٍّ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ، فَذَكَرَهُ، وَهَذَا إِسْنَادٌ لَا يَثْبُتُ.
ثُمَّ أَسْنَدَهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شَرِيكٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ عَلِيٍّ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ كَمَا قَدَّمْنَا إِيرَادَهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُقْدَةَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى الصُّوفِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ النَّخَعِيِّ. وَقَدْ رَوَى عَنْهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ " الْأَدَبِ "، وَحَدَّثَ عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ، وَقَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: كَانَ وَاهِيَ

الْحَدِيثِ. وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ " الثِّقَاتِ "، وَقَالَ: رُبَّمَا أَخْطَأَ. وَأَرَّخَ ابْنُ عُقْدَةَ وَفَاتَهُ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا الْفَرَجِ بْنَ الْجَوْزِيِّ قَالَ: إِنَّمَا أَتَّهِمُ بِوَضْعِهِ أَبَا الْعَبَّاسِ بْنَ عُقْدَةَ. ثُمَّ أَوْرَدَ كَلَامَ الْأَئِمَّةِ فِيهِ بِالطَّعْنِ وَالْجَرْحِ وَأَنَّهُ كَانَ يُسَوِّي النُّسَخَ لِلْمَشَايِخِ فَيُرَوِّيهِمْ إِيَّاهَا. فَاللَّهُ أَعْلَمُ. قُلْتُ: فِي سِيَاقِ هَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ أَسْمَاءَ أَنَّ الشَّمْسَ رَجَعَتْ حَتَّى بَلَغَتْ نِصْفَ الْمَسْجِدِ. وَهَذَا يُنَاقِضُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بِالصَّهْبَاءِ مِنْ أَرْضِ خَيْبَرَ وَمِثْلُ هَذَا يُوجِبُ تَوْهِينَ الْحَدِيثِ وَضَعْفَهُ وَالْقَدْحَ فِيهِ.
ثُمَّ سَرَدَهُ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْقَاضِي الْجِعَابِيِّ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ الْوَلِيدِ، ثَنَا عَبَّادُ بْنُ يَعْقُوبَ الرَّوَاجِنِيُّ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ هَاشِمٍ، عَنْ صَبَّاحٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ حُسَيْنٍ الْمَقْتُولِ، عَنْ فَاطِمَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ قَالَتْ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ شُغِلَ عَلِيٌّ لِمَكَانِهِ مِنْ قَسْمِ الْمَغْنَمِ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ أَوْ كَادَتْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَا صَلَّيْتَ ؟ قَالَ: لَا. فَدَعَا اللَّهَ فَارْتَفَعَتْ حَتَّى تَوَسَّطَتِ السَّمَاءَ، فَصَلَّى عَلِيٌّ فَلَمَّا غَابَتِ الشَّمْسُ سَمِعْتُ لَهَا صَرِيرًا كَصَرِيرِ الْمِنْشَارِ فِي الْحَدِيدِ. وَهَذَا أَيْضًا سِيَاقٌ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ، مَعَ أَنَّ إِسْنَادَهُ مُظْلِمٌ جِدًّا، فَإِنَّ صَبَّاحًا هَذَا لَا يُعْرَفُ، وَكَيْفَ يَرْوِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْمَقْتُولُ شَهِيدًا عَنْ وَاحِدٍ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ ؟ !

هَذَا تَخْبِيطٌ فَاحِشٌ إِسْنَادًا وَمَتْنًا، فَفِي هَذَا أَنَّ عَلِيًّا شُغِلَ بِمُجَرَّدِ قَسْمِ الْغَنِيمَةِ، وَهَذَا لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ وَلَا ذَهَبَ إِلَى جَوَازِ تَرْكِ الصَّلَاةِ لِذَلِكَ ذَاهِبٌ، وَإِنْ كَانَ قَدْ جَوَّزَ بَعْضُ الْعُلَمَّاءِ تَأْخِيرَ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا لِعُذْرِ الْقِتَالِ، كَمَا حَكَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مَكْحُولٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فِي جَمَاعَةِ أَصْحَابِهِ بِتُسْتَرَ، وَاحْتَجَّ لَهُمُ الْبُخَارِيُّ بِقِصَّةِ تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَأَمْرِهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، أَصْحَابَهُ أَنْ لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ مِنْهُمُ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَّاءِ إِلَى أَنَّ هَذَا نُسِخَ بِصَلَاةِ الْخَوْفِ، وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنَ الْعُلَمَّاءِ أَنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ بِعُذْرِ قَسْمِ الْغَنِيمَةِ حَتَّى يُسْنَدَ هَذَا إِلَى صَنِيعِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَهُوَ الرَّاوِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْوُسْطَى هِيَ الْعَصْرُ، فَإِنْ كَانَ هَذَا ثَابِتًا عَلَى مَا رَوَاهُ هَؤُلَاءِ الْجَهَلَةُ، وَكَانَ عَلِيٌّ مُتَعَمِّدًا لِتَأْخِيرِ الصَّلَاةِ لِعُذْرِ قَسْمِ الْغَنِيمَةِ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ الشَّارِعُ صَارَ هَذَا وَحْدَهُ دَلِيلًا عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ، وَيَكُونُ أَقْطَعَ فِي الْحُجَّةِ مِمَّا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ؛ لِأَنَّ هَذَا بَعْدَ مَشْرُوعِيَّةِ صَلَاةِ الْخَوْفِ قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ كَانَ بِخَيْبَرَ سَنَةَ سَبْعٍ، وَصَلَاةُ الْخَوْفِ شُرِعَتْ قَبْلَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ عَلِيٌّ نَاسِيًا حَتَّى تَرَكَ الصَّلَاةَ إِلَى الْغُرُوبِ فَهُوَ مَعْذُورٌ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى رَدِّ الشَّمْسِ، بَلْ وَقْتُهَا بَعْدَ الْغُرُوبِ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ إِذَنْ كَمَا وَرَدَ بِهِ الْحَدِيثُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَهَذَا

كُلُّهُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى ضِعْفِ هَذَا الْحَدِيثِ، ثُمَّ إِنْ جَعَلْنَاهُ قَضِيَّةً أُخْرَى وَوَاقِعَةً غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ، فَقَدْ تَعَدَّدَ رَدُّ الشَّمْسِ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَمَعَ هَذَا لَمْ يَنْقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْعُلَمَّاءِ، وَلَا رَوَاهُ أَهْلُ الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ، وَتَفَرَّدَ بِهَذِهِ الْفَائِدَةِ هَؤُلَاءِ الرُّوَاةُ الَّذِينَ لَا يَخْلُو إِسْنَادٌ مِنْهَا عَنْ مَجْهُولٍ وَمَتْرُوكٍ وَمُتَّهَمٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ أَوْرَدَهُ هَذَا الْمُصَنِّفُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ عُقْدَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا، ثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ مَعْبَدٍ، ثَنَا عَمْرُو بْنُ ثَابِتٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حَسَنِ بْنِ حَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ حَدِيثِ رَدِّ الشَّمْسِ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ هَلْ ثَبَتَ عِنْدَكُمْ ؟ فَقَالَ لِي: مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ أَعْظَمَ مِنْ رَدِّ الشَّمْسِ. قُلْتُ: صَدَقْتَ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ، وَلَكِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْكَ. فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي الْحَسَنُ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ أَنَّهَا قَالَتْ: أَقْبَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ذَاتَ يَوْمٍ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُصَلِّيَ الْعَصْرَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَافَقَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِ انْصَرَفَ وَنَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ، فَأَسْنَدَهُ إِلَى صَدْرِهِ، فَلَمْ يَزَلْ مُسْنِدَهُ إِلَى صَدْرِهِ حَتَّى أَفَاقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَصَلَّيْتَ الْعَصْرَ يَا عَلِيُّ ؟ قَالَ: جِئْتُ وَالْوَحْيُ يَنْزِلُ عَلَيْكَ، فَلَمْ أَزَلْ مُسْنِدَكَ إِلَى صَدْرِي حَتَّى السَّاعَةِ. فَاسْتَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَةَ وَقَدْ غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَقَالَ: " اللَّهُمَّ إِنَّ عَلِيًّا كَانَ فِي طَاعَتِكَ فَارْدُدْهَا عَلَيْهِ ". قَالَتْ أَسْمَاءُ: فَأَقْبَلَتِ الشَّمْسُ وَلَهَا صَرِيرٌ كَصَرِيرِ الرَّحَى حَتَّى كَانَتْ فِي مَوْضِعِهَا وَقْتَ الْعَصْرِ فَقَامَ عَلِيٌّ مُتَمَكِّنًا فَصَلَّى، فَلَمَّا فَرَغَ رَجَعَتِ الشَّمْسُ وَلَهَا

صَرِيرٌ كَصَرِيرِ الرَّحَى، فَلَمَّا غَابَتِ الشَّمْسُ اخْتَلَطَ الظَّلَامُ وَبَدَتِ النُّجُومُ وَهَذَا مُنْكَرٌ أَيْضًا إِسْنَادًا وَمَتْنًا، وَهُوَ مُنَاقِضٌ لِمَا قَبْلَهُ مِنَ السِّيَاقَاتِ، وَعَمْرُو بْنُ ثَابِتٍ هَذَا هُوَ الْمُتَّهَمُ بِوَضْعِ هَذَا الْحَدِيثِ أَوْ سَرِقَتِهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَهُوَ عَمْرُو بْنُ ثَابِتِ بْنِ هُرْمُزَ الْبَكْرِيُّ الْكُوفِيُّ مَوْلَى بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، وَيُعْرَفُ بِعَمْرِو بْنِ أَبِي الْمِقْدَامِ الْحَدَّادِ، رَوَى عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ التَّابِعِينَ، وَحَدَّثَ عَنْهُ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ؛ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَأَبُو دَاوُدَ وَأَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيَّانُ، تَرَكَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، وَقَالَ لَا تُحَدِّثُوا عَنْهُ؛ فَإِنَّهُ كَانَ يَسُبُّ السَّلَفَ. وَلَمَّا مَرَّتْ بِهِ جِنَازَتُهُ تَوَارَى عَنْهَا. وَكَذَلِكَ تَرَكَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ وَالنَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِثِقَةٍ، وَلَا مَأْمُونٍ، وَلَا يَكْتُبُ حَدِيثَهُ. وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى هُوَ وَأَبُو زُرْعَةَ وَأَبُو حَاتِمٍ: كَانَ ضَعِيفًا. زَادَ أَبُو حَاتِمٍ: وَكَانَ رَدِيءَ الرَّأْيِ شَدِيدَ التَّشَيُّعِ، لَا يُكْتَبُ حَدِيثُهُ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ عِنْدَهُمْ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَانَ مِنْ شَرَارِ النَّاسِ؛ كَانَ رَافِضِيًّا خَبِيثًا رَجُلَ سُوءٍ. قَالَ هَنَّادٌ: وَلَمَّا مَاتَ لَمْ أُصَلِّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: لَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفَرَ النَّاسُ إِلَّا خَمْسَةً. وَجَعَلَأَبُو دَاوُدَ يَذُمُّهُ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَرْوِي الْمَوْضُوعَاتِ عَنِ الْأَثْبَاتِ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ وَالضَّعْفُ عَلَى حَدِيثِهِ بَيِّنٌ. وَأَرَّخُوا وَفَاتَهُ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ، وَلِهَذَا قَالَ شَيْخُنَا أَبُو الْعَبَّاسِ ابْنُ تَيْمِيَةَ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَسَنٍ وَأَبُوهُ أَجَلَّ قَدْرًا مِنْ أَنْ يُحَدِّثَا بِهَذَا

الْكَذِبِ.
قَالَ هَذَا الْمُصَنِّفُ لَا الْمُنْصِفُ: وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْبَرَنَا عُقَيْلُ بْنُ الْحَسَنِ الْعَسْكَرِيُّ، ثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ صَالِحُ بْنُ الْفَتْحِ الشَّاشِيُّ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ جَوْصَاءَ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ النَّوْفَلِيُّ، عَنْ أَبِيهِ ثَنَا دَاوُدُ بْنُ فَرَاهِيجَ وَعَنْ عُمَارَةَ بْنِ بُرْدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. فَذَكَرَهُ، وَقَالَ: اخْتَصَرْتُهُ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ. وَهَذَا إِسْنَادٌ مُظْلِمٌ، وَيَحْيَى بْنُ يَزِيدَ وَأَبُوهُ وَشَيْخُهُ دَاوُدُ بْنُ فَرَاهِيجَ كُلُّهُمْ مُضَعَّفُونَ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَشَارَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ إِلَى أَنَّ ابْنَ مَرْدَوَيْهِ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ دَاوُدَ بْنِ فَرَاهِيجَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَضَعَّفَ دَاوُدَ هَذَا شُعْبَةُ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا. وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ هَذَا مُفْتَعَلٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ، أَوْ قَدْ أُدْخِلَ عَلَى أَحَدِهِمْ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ: وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ، فَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْجُرْجَانِيُّ كِتَابَةً، أَنَّ أَبَا طَاهِرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ الْوَاعِظَ أَخْبَرَهُمْ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ

مُتَيَّمٍ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا رَأْسُهُ فِي حِجْرِ عَلِيٍّ وَقَدْ غَابَتِ الشَّمْسُ، فَانْتَبَهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: " يَا عَلِيُّ أَصَلَّيْتَ الْعَصْرَ ؟ " قَالَ: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا صَلَّيْتُ، كَرِهْتُ أَنْ أَضَعَ رَأْسَكَ مِنْ حِجْرِي وَأَنْتَ وَجِعٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " " ادْعُ يَا عَلِيُّ أَنْ تُرَدَّ عَلَيْكَ الشَّمْسُ " فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ أَنْتَ وَأُؤَمِّنُ أَنَا. فَقَالَ: " يَا رَبِّ إِنَّ عَلِيًّا فِي طَاعَتِكَ وَطَاعَةِ نَبِيِّكَ فَارْدُدْ عَلَيْهِ الشَّمْسَ ". قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَوَاللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ لِلشَّمْسِ صَرِيرًا كَصَرِيرِ الْبَكْرَةِ حَتَّى رَجَعَتْ بَيْضَاءَ نَقِيَّةً. وَهَذَا إِسْنَادٌ مُظْلِمٌ أَيْضًا، وَمُبْتَكَرٌ مُنْكَرٌ، وَمُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَهُ مِنَ السِّيَاقَاتِ، وَكُلُّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَوْضُوعٌ مَصْنُوعٌ مُفْتَعَلٌ، يَسْرِقُهُ بَعْضُ هَؤُلَاءِ الرَّافِضَةِ مِنْ بَعْضٍ، وَلَوْ كَانَ لَهُ أَصْلٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ لَتَلَقَّاهُ عَنْهُ كِبَارُ أَصْحَابِهِ، كَمَا أَخْرَجَا فِي " الصَّحِيحَيْنِ "

مِنْ طَرِيقِهِ حَدِيثَ قِتَالِ الْخَوَارِجِ، وَقِصَّةَ الْمُخْدَجِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ فَضَائِلِ عَلِيٍّ.
قَالَ: وَأَمَّا حَدِيثُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ فَأَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْفَرْغَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْفَضْلِ الشَّيْبَانِيُّ ثَنَا رَجَاءُ بْنُ يَحْيَى السَّامَانِيُّ، ثَنَا هَارُونُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ سَعْدَانَ بِسَامَرَّا سَنَةَ أَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْأَشْعَثِ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْكُمَيْتِ، عَنْ عَمِّهِ الْمُسْتَهَلِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ زَيْدِ بْنِ سَلْهَبٍ، عَنْ جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ شَهْرٍ قَالَتْ: خَرَجْتُ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: يَا جُوَيْرِيَةُ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوحَى إِلَيْهِ وَرَأْسُهُ فِي حِجْرِي. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَهَذَا الْإِسْنَادُ مُظْلِمٌ، وَأَكْثَرُ رِجَالِهِ لَا يُعْرَفُونَ، وَالَّذِي يَظْهَرُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، أَنَّهُ مُرَكَّبٌ مَصْنُوعٌ مِمَّا عَمِلَتْهُ أَيْدِي الرَّوَافِضِ قَبَّحَهُمُ اللَّهُ، وَلَعَنَ مَنْ كَذَبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَجَّلَ لَهُ مَا تَوَعَّدَهُ الشَّارِعُ مِنَ الْعَذَابِ وَالنَّكَالِ حَيْثُ قَالَ، وَهُوَ الصَّادِقُ فِي الْمَقَالِ: مَنْ كَذَبِ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ وَكَيْفَ يَدْخُلُ فِي عَقْلِ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ يَكُونَ هَذَا الْحَدِيثُ يَرْوِيهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَفِيهِ مَنْقَبَةٌ عَظِيمَةٌ لَهُ وَدِلَالَةٌ مُعْجِزَةٌ بَاهِرَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ لَا يُرْوَى عَنْهُ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ الْمُظْلِمِ الْمُرَكَّبِ عَلَى رِجَالٍ لَا يُعْرَفُونَ ؟! وَهَلْ لَهُمْ وُجُودٌ فِي الْخَارِجِ أَمْ لَا ؟ الظَّاهِرُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، لَا. ثُمَّ هُوَ عَنِ امْرَأَةٍ مَجْهُولَةِ الْعَيْنِ وَالْحَالِ، فَأَيْنَ أَصْحَابُ عَلِيٍّ الثِّقَاتُ كَعُبَيْدَةَ السَّلَمَانِيِّ وشريحٍ الْقَاضِي وَعَامِرٍ الشَّعْبِيِّ وَأَضْرَابِهِمْ، ثُمَّ فِي تَرْكِ الْأَئِمَّةِ كَمَالِكٍ، وَأَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ، وَأَصْحَابِ

الْمَسَانِيدِ وَالسُّنَنِ وَالصِّحَاحِ وَالْحِسَانِ رِوَايَةَ هَذَا الْحَدِيثِ وَإِيدَاعَهُ فِي كُتُبِهِمْ، أَكْبَرُ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ عِنْدَهُمْ، وَهُوَ مُفْتَعَلٌ مَأْفُوكٌ بَعْدَهُمْ، وَهَذَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيُّ قَدْ جَمَعَ كِتَابًا فِي خَصَائِصِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَلَمْ يَذْكُرْهُ، وَكَذَلِكَ لَمْ يَرْوِهِ الْحَاكِمُ فِي " مُسْتَدْرَكِهِ "، وَكُلَاهُمَا يُنْسَبُ إِلَى شَيْءٍ مِنَ التَّشَيُّعِ، وَلَا رَوَاهُ مَنْ رَوَاهُ مِنَ النَّاسِ الْمُعْتَبَرِينَ إِلَّا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِغْرَابِ وَالتَّعَجُّبِ، وَكَيْفَ يَقَعُ مِثْلُ هَذَا نَهَارًا جَهْرَةً، وَهُوَ مِمَّا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ، ثُمَّ لَا يُرْوَى إِلَّا مِنْ طُرُقٍ ضَعِيفَةٍ مُنْكَرَةٍ، وَأَكْثَرُهَا مُرَكَّبَةٌ مَوْضُوعَةٌ، وَأَجْوَدُ مَا فِيهَا مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ الْمِصْرِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى الْفِطْرِيِّ، عَنْ عَوْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أُمِّهِ أُمِّ جَعْفَرٍ، عَنْ أَسْمَاءَ، عَلَى مَا فِيهَا مِنَ التَّعْلِيلِ الَّذِي أَشَرْنَا إِلَيْهِ فِيمَا سَلَفَ. وَقَدِ اغْتَرَّ بِذَلِكَ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ، وَمَالَ إِلَى صِحَّتِهِ، وَرَجَّحَ ثُبُوتَهُ.
قَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي كِتَابِهِ " مُشْكِلِ الْحَدِيثِ ": عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ الْمِصْرِيِّ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَا يَنْبَغِي لِمَنْ كَانَ سَبِيلُهُ الْعِلْمَ التَّخَلُّفَ عَنْ حِفْظِ حَدِيثِ أَسْمَاءَ فِي رَدِّ الشَّمْسِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ. وَهَكَذَا مَالَ إِلَيْهِ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ أَيْضًا، فِيمَا قِيلَ. وَنَقَلَ أَبُو الْقَاسِمِ الْحَسْكَانِيُّ هَذَا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيِّ الْمُتَكَلِّمِ الْمُعْتَزِلِيِّ أَنَّهُ قَالَ: عَوْدُ الشَّمْسِ بَعْدَ مَغِيبِهَا آكَدُ حَالًا فِيمَا يَقْتَضِي نَقْلُهُ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ فَضِيلَةً لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنَّهُ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ، وَهُوَ مُفَارِقٌ لِغَيْرِهِ فِي فَضَائِلِهِ فِي كَثِيرٍ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ.

وَحَاصِلُ هَذَا الْكَلَامِ يَقْتَضِي أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُنْقَلَ هَذَا نَقْلًا مُتَوَاتِرًا، وَهَذَا حَقٌّ لَوْ كَانَ الْحَدِيثُ صَحِيحًا، وَلَكِنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ كَذَلِكَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قُلْتُ: وَالْأَئِمَّةُ فِي كُلِّ عَصْرٍ يُنْكِرُونَ صِحَّةَ هَذَا الْحَدِيثِ وَيَرُدُّونَهُ، وَيُبَالِغُونَ فِي التَّشْنِيعِ عَلَى رُوَاتِهِ كَمَا قَدَّمْنَا عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الْحُفَّاظِ؛ كَمُحَمَّدٍ وَيَعْلَى ابْنَيْ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيَّيْنِ، وَكَإِبْرَاهِيمَ بْنِ يَعْقُوبَ الْجُوزَجَانِيِّ خَطِيبِ دِمَشْقَ وَكَأَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ الْبُخَارِيِّ الْمَعْرُوفِ بِابْنِ زَنْجَوَيْهِ، وَكَالْحَافِظِ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ عَسَاكِرَ، وَالشَّيْخِ أَبِي الْفَرَجِ بْنِ الْجَوْزِيِّ، وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ، وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ وَالْعَلَّامَةُ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ تَيْمِيَةَ.
وَقَالَ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ: قَرَأْتُ عَلَى قَاضِي الْقُضَاةِ أَبِي الْحَسَنِ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ الْهَاشِمِيِّ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُوسَى، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: خَمْسَةُ أَحَادِيثَ يَرْوُونَهَا وَلَا أَصْلَ لَهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ حَدِيثُ:لَوْ صَدَقَ السَّائِلُ مَا أَفْلَحَ مَنْ رَدَّهُ. وَحَدِيثُ:لَا وَجَعَ إِلَّا وَجَعُ الْعَيْنِ،وَلَا غَمَّ إِلَّا غَمُّ الدَّيْنِ. وَحَدِيثُ أَنَّ الشَّمْسَ رُدَّتْ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَحَدِيثُ: أَنَا أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ أَنْ يَدَعَنِي تَحْتَ الْأَرْضِ مِائَتَيْ عَامٍ. وَحَدِيثُ:أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ، إِنَّهُمَا كَانَا يَغْتَابَانِ.

وَالطَّحَاوِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، إِنْ كَانَ قَدِ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ أَمْرُهُ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، رَحِمَهُ اللَّهُ إِنْكَارُهُ وَالتَّهَكُّمُ بِمَنْ رَوَاهُ. قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ عُقْدَةَ: ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ، ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبَّادٍ، سَمِعْتُ بَشَّارَ بْنَ دِرَاعٍ قَالَ: لَقِيَ أَبُو حَنِيفَةَ مُحَمَّدَ بْنَ النُّعْمَانِ، فَقَالَ: عَمَّنْ رَوَيْتَ حَدِيثَ رَدِّ الشَّمْسِ ؟ فَقَالَ: عَنْ غَيْرِ الَّذِي رَوَيْتَ عَنْهُ: يَا سَارِيَةُ، الْجَبَلَ. فَهَذَا أَبُو حَنِيفَةَ، رَحِمَهُ اللَّهُ، وَهُوَ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْمُعْتَبَرِينَ، وَهُوَ كُوفِيٌّ لَا يُتَّهَمُ عَلَى حُبِّ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَتَفْضِيلِهِ بِمَا فَضَّلَهُ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ، وَهُوَ مَعَ هَذَا يُنْكِرُ هَذَا عَلَى رَاوِيهِ، وَقَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ لَهُ لَيْسَ بِجَوَابٍ، بَلْ مُجَرَّدُ مُعَارِضَةٍ لَا تُجْدِي، أَيْ أَنَا رَوَيْتُ فِي فَضْلِ عَلِيٍّ هَذَا الْحَدِيثَ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ مُسْتَغْرَبًا فَهُوَ فِي الْغَرَابَةِ نَظِيرَ مَا رَوَيْتَهُ أَنْتَ فِي فَضْلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي قَوْلِهِ: يَا سَارِيَةُ، الْجَبَلَ. وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ، فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ كَهَذَا، لَا إِسْنَادًا وَلَا مَتْنًا، وَأَيْنَ مُكَاشَفَةُ إِمَامٍ قَدْ شَهِدَ الشَّارِعُ لَهُ بِأَنَّهُ مُحَدَّثٌ بِأَمْرٍ جُزْءٍ مِنْ رَدِّ الشَّمْسِ طَالِعَةً بَعْدَ مَغِيبِهَا الَّذِي هُوَ أَكْبَرُ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ ؟! وَالَّذِي وَقَعَ لِيُوشِعَ بْنِ نُونٍ لَيْسَ رَدًّا لِلشَّمْسِ عَلَيْهِ، بَلْ حُبِسَتْ سَاعَةً قَبْلَ غُرُوبِهَا؛ بِمَعْنَى أَنَّهَا تَبَاطَأَتْ فِي سَيْرِهَا حَتَّى أَمْكَنَهُمُ الْفَتْحُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَتَقَدَّمَ مَا أَوْرَدَهُ هَذَا الْمُصَنِّفُ مِنْ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ،

عَنْ عَلِيٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ. وَقَدْ وَقَعَ فِي كِتَابِ أَبِي بِشْرٍ الدُّولَابِيِّ فِي " الذُّرِّيَّةِ الطَّاهِرَةِ " مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَنْهُ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ قَالَ شَيْخُ الرَّافِضَةِ جَمَالُ الدِّينِ يُوسُفُ بْنُ الْحَسَنِ، الْمُلَقَّبُ بِابْنِ الْمُطَهَّرِ الْحِلِّيُّ فِي كِتَابِهِ فِي الْإِمَامَةِ الَّذِي رَدَّ عَلَيْهِ فِيهِ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ تَيْمِيَةَ، قَالَ ابْنُ الْمُطَهَّرِ: التَّاسِعُ: رُجُوعُ الشَّمْسِ لَهُ مَرَّتَيْنِ؛ إِحْدَاهُمَا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالثَّانِيَةُ بَعْدَهُ، أَمَّا الْأُولَى فَرَوَى جَابِرٌ وَأَبُو سَعِيدٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ يَوْمًا يُنَاجِيهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَلَمَّا تَغَشَّاهُ الْوَحْيُ تَوَسَّدَ فَخِذَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ فَصَلَّى عَلِيٌّ الْعَصْرَ بِالْإِيمَاءِ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: " سَلِ اللَّهَ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْكَ الشَّمْسَ فَتُصَلِّيَ قَائِمًا " فَدَعَا، فَرُدَّتِ الشَّمْسُ، فَصَلَّى الْعَصْرَ قَائِمًا. وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَعْبُرَ الْفُرَاتَ بِبَابِلَ اشْتَغَلَ كَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ بِتَعْبِيرِ دَوَابِّهِمْ، وَصَلَّى لِنَفْسِهِ فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ الْعَصْرَ، وَفَاتَ كَثِيرًا مِنْهُمْ، فَتَكَلَّمُوا فِي ذَلِكَ، فَسَأَلَ اللَّهَ رَدَّ الشَّمْسِ، فَرُدَّتْ. قَالَ: وَقَدْ نَظَّمَهُ الْحِمْيَرِيُّ فَقَالَ:
رُدَّتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ لَمَّا فَاتَهُ وَقْتُ الصَّلَاةِ وَقَدْ دَنَتْ لِلْمَغْرِبِ حَتَّى تَبَلَّجَ نُورُهَا فِي وَقْتِهَا
لِلْعَصْرِ ثُمَّ هَوَتْ هُوِيَّ الْكَوْكَبِ

وَعَلَيْهِ قَدْ رُدَّتْ بِبَابِلَ مَرَّةً
أُخْرَى وَمَا رُدَّتْ لِخَلْقٍ مُعْرِبِ
قَالَ شَيْخُنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، رَحِمَهُ اللَّهُ: فَضْلُ عَلِيٍّ وَوِلَايَتُهُ لِلَّهِ وَعُلُوُّ مَنْزِلَتِهِ عِنْدَ اللَّهِ مَعْلُومٌ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، بِطُرُقٍ ثَابِتَةٍ أَفَادَتْنَا الْعِلْمَ الْيَقِينِيَّ، لَا يُحْتَاجُ مَعَهَا إِلَى مَا لَا يُعْلَمُ صِدْقُهُ أَوْ يُعْلَمُ أَنَّهُ كَذِبٌ، وَحَدِيثُ رَدِّ الشَّمْسِ قَدْ ذَكَرَهُ طَائِفَةٌ؛ كَأَبِي جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيِّ وَالْقَاضِي عِيَاضٍ وَغَيْرِهِمَا، وَعَدُّوا ذَلِكَ مِنْ مُعْجِزَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَكِنَّ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ يَعْلَمُونَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ كَذِبٌ مَوْضُوعٌ. ثُمَّ أَوْرَدَ طُرُقَهُ وَاحِدَةً وَاحِدَةً كَمَا قَدَّمْنَا، وَنَاقَشَ أَبَا الْقَاسِمِ الْحَسْكَانِيَّ فِيمَا تَقَدَّمَ، وَقَدْ أَوْرَدْنَا كُلَّ ذَلِكَ وَزِدْنَا عَلَيْهِ وَنَقَصْنَا مِنْهُ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ. وَاعْتَذَرَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ الْمِصْرِيِّ فِي تَصْحِيحِهِ هَذَا الْحَدِيثَ بِأَنَّهُ اغْتَرَّ بِسَنَدِهِ، وَعَنِ الطَّحَاوِيِّ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ نَقْدٌ جَيِّدٌ لِلْأَسَانِيدِ كَجَهَابِذَةِ الْحُفَّاظِ، وَقَالَ فِي غُضُونِ كَلَامِهِ: وَالَّذِي يُقْطَعُ بِهِ أَنَّهُ كَذِبٌ مُفْتَعَلٌ. قُلْتُ: وَإِيرَادُ ابْنِ الْمُطَهَّرِ لِهَذَا الْحَدِيثِ مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ غَرِيبٌ، وَلَكِنْ لَمْ يُسْنِدْهُ، وَفِي سِيَاقِهِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ عَلِيًّا هُوَ الَّذِي دَعَا بِرَدِّ الشَّمْسِ فِي الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ، وَأَمَّا إِيرَادُهُ لِقِصَّةِ بَابِلَ فَلَيْسَ لَهَا إِسْنَادٌ، وَأَظُنُّهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ مِنْ وَضْعِ الزَّنَادِقَةِ مِنَ الشِّيعَةِ وَنَحْوِهِمْ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَصْحَابَهُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ قَدْ غَرَبَتُ عَلَيْهِمُ الشَّمْسُ وَلَمْ يَكُونُوا صَلَّوُا الْعَصْرَ، بَلْ قَامُوا إِلَى بُطْحَانَ، وَهُوَ وَادٍ هُنَاكَ، فَتَوَضَّؤُوا وَصَلَّوُا الْعَصْرَ بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، وَكَانَ عَلِيٌّ أَيْضًا فِيهِمْ، وَلَمْ تُرَدَّ لَهُمْ، وَكَذَلِكَ كَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ سَارُوا إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فَاتَتْهُمُ الْعَصْرُ يَوْمَئِذٍ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَلَمْ تُرَدَّ لَهُمْ، وَكَذَلِكَ لَمَّا نَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَصْحَابُهُ، عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ

حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ صَلَّوْهَا بَعْدَ ارْتِفَاعِ النَّهَارِ، وَلَمْ يُرَدَّ لَهُمُ اللَّيْلُ، فَمَا كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، يُعْطِي عَلِيًّا وَأَصْحَابَهُ شَيْئًا مِنَ الْفَضَائِلِ لَمْ يُعْطِهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ، وَأَمَّا نَظْمُ الْحِمْيَرِيِّ فَلَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ، بَلْ هُوَ كَهَذَيَانِ ابْنِ الْمُطَهَّرِ هَذَا لَا يَعْلَمُ مَا يَقُولُ مِنَ النَّثْرِ، وَهَذَا لَا يَدْرِي صِحَّةَ مَا يَنْظِمُ، بَلْ كِلَاهُمَا كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
إِنْ كُنْتُ أَدْرِي فَعَلَيَّ بَدَنَهْ مِنْ كَثْرَةِ التَّخْلِيطِ أَنِّي مَنْ أَنَهْ
وَالْمَشْهُورُ عَنْ عَلِيٍّ فِي أَرْضِ بَابِلَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، رَحِمَهُ اللَّهُ، فِي " سُنَنِهِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ مَرَّ بِأَرْضِ بَابِلَ وَقَدْ حَانَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ، فَلَمْ يُصَلِّ حَتَّى جَاوَزَهَا، وَقَالَ: نَهَانِي خَلِيلِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أُصَلِّيَ بِأَرْضِ بَابِلَ فَإِنَّهَا مَلْعُونَةٌ. وَقَدْ قَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ فِي كِتَابِهِ " الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ " مُبْطِلًا لِرَدِّ الشَّمْسِ عَلَى عَلِيٍّ بَعْدَ كَلَامٍ ذَكَرَهُ رَادًّا عَلَى مَنِ ادَّعَى بَاطِلًا مِنَ الْأَمْرِ، فَقَالَ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنِ ادَّعَى شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْنَا لِفَاضِلٍ وَبَيْنَ دَعْوَى الرَّافِضَةِ رَدَّ الشَّمْسِ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مَرَّتَيْنِ حَتَّى ادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّ حَبِيبَ بْنَ أَوْسٍ قَالَ:
فَرُدَّتْ عَلَيْنَا الشَّمْسُ وَاللَّيْلُ رَاغِمٌ بِشَمْسٍ لَهُمْ مِنْ جَانِبِ الْخِدْرِ تَطْلُعُ
نَضَا ضَوْؤُهَا صَبْغَ الدُّجُنَّةِ وَانْطَوَى لِهَجَّتِهَا نُورُ السَّمَاءِ الْمُرَجَّعُ
فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي عَلِيٌّ بَدَا لَنَا فَرُدَّتْ لَهُ أَمْ كَانَ فِي الْقَوْمِ يُوشَعُ
هَكَذَا أَوْرَدَهُ ابْنُ حَزْمٍ فِي كِتَابِهِ، وَهَذَا الشِّعْرُ تَظْهَرُ عَلَيْهِ الرَّكَّةُ وَالتَّرْكِيبُ، وَأَنَّهُ مَصْنُوعٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَمِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْآيَاتِ السَّمَاوِيَّةِ فِي بَابِ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ، اسْتِسْقَاؤُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِأُمَّتِهِ حِينَ تَأَخَّرَ الْمَطَرُ، فَأَجَابَهُ إِلَى سُؤَالِهِ سَرِيعًا بِحَيْثُ لَمْ يَنْزِلْ عَنْ مِنْبَرِهِ إِلَّا وَالْمَطَرُ يَتَحَادَرُ عَلَى لِحْيَتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَكَذَلِكَ اسْتِصْحَاؤُهُ
قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، ثَنَا أَبُو قُتَيْبَةَ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَتَمَثَّلُ بِشِعْرِ أَبِي طَالِبٍ:
وَأَبْيَضُ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ ثِمَالُ الْيَتَامَى عِصْمَةٌ لِلْأَرَامِلِ
قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ أَبُو عَقِيلٍ الثَّقَفِيُّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حَمْزَةَ، ثَنَا سَالِمٌ عَنْ أَبِيهِ: رُبَّمَا ذَكَرْتُ قَوْلَ الشَّاعِرِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَسْقِي، فَمَا يَنْزِلُ حَتَّى يَجِيشَ كُلُّ مِيزَابٍ:
وَأَبْيَضُ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ ثِمَالُ الْيَتَامَى عِصْمَةٌ لِلْأَرَامِلِ
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي طَالِبٍ: تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ. وَهَذَّ الَّذِي عَلَّقَهُ قَدْ أَسْنَدَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي " سُنَنِهِ " فَرَوَاهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْأَزْهَرِ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ أَبِي عَقِيلٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حَمْزَةَ، عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ.

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا مُحَمَّدٌ - هُوَ ابْنُ سَلَامٍ - ثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ، ثَنَا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍيَذْكُرُ أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَوْمَ جُمُعَةٍ مِنْ بَابٍ كَانَ وُجَاهَ الْمِنْبَرِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتِ الْأَمْوَالُ، وَتَقَطَّعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا يُغِيثُنَا. قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: " اللَّهُمَّ اسْقِنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا " قَالَ أَنَسٌ: وَلَا وَاللَّهِ مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ وَلَا قَزَعَةٍ وَلَا شَيْئًا، وَلَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ بَيْتٍ وَلَا دَارٍ. قَالَ: فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ، فَلَمَّا تَوَسَّطَتِ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ ثُمَّ أَمْطَرَتْ. قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا الشَّمْسَ سَبْتًا، ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ فِي الْجُمُعَةِ الْمُقْبِلَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَهُ قَائِمًا، وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتِ الْأَمْوَالُ، وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُمْسِكَهَا. قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: " اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا، وَلَا عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الْآكَامِ وَالْجِبَالِ وَالظِّرَابِ وَالْأَوْدِيَةِ، مَنَابِتِ الشَّجَرِ " قَالَ: فَانْقَطَعَتْ وَخَرَجْنَا نَمْشِي فِي الشَّمْسِ. قَالَ شَرِيكٌ: فَسَأَلْتُ أَنَسًا: أَهْوَ الرَّجُلَ الْأَوَّلَ ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي. وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا وَمُسْلِمٌ، مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شَرِيكٍ بِهِ.

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَوْمَ جُمُعَةٍ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَحَطَ الْمَطَرُ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَسْقِيَنَا. فَدَعَا فَمُطِرْنَا فَمَا كِدْنَا أَنْ نَصِلَ إِلَى مَنَازِلِنَا، فَمَا زِلْنَا نُمْطَرُ إِلَى الْجُمُعَةِ الْمُقْبِلَةِ. قَالَ: فَقَامَ ذَلِكَ الرَّجُلُ أَوْ غَيْرُهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَصْرِفَهُ عَنَّا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا، وَلَا عَلَيْنَا ". قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ السَّحَابَ يَتَقَطَّعُ يَمِينًا وَشِمَالًا، يُمْطَرُونَ وَلَا يُمْطَرُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ. تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: هَلَكَتِ الْمَوَاشِي، وَتَقَطَّعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ. فَدَعَا فَمُطِرْنَا مِنَ الْجُمُعَةِ إِلَى الْجُمُعَةِ، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: تَهَدَّمَتِ الْبُيُوتُ، وَتَقَطَّعَتِ السُّبُلُ، وَهَلَكَتِ الْمَوَاشِي فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يُمْسِكَهَا فَقَامَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " اللَّهُمَّ عَلَى الْآكَامِ وَالظِّرَابِ وَالْأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ " فَانْجَابَتْ عَنِ الْمَدِينَةِ انْجِيَابَ الثَّوْبِ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، ثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ:أَصَابَتِ النَّاسَ سَنَةٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ عَلَى

الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةَ فَقَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَ الْمَالُ، وَجَاعَ الْعِيَالُ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا أَنْ يَسْقِيَنَا. قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ، وَمَا فِي السَّمَاءِ قَزَعَةٌ فَثَارَ سَحَابٌ أَمْثَالَ الْجِبَالِ ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَنْ مِنْبَرِهِ حَتَّى رَأَيْتُ الْمَطَرَ يَتَحَادَرُ عَلَى لِحْيَتِهِ. قَالَ: فَمُطِرْنَا يَوْمَنَا ذَلِكَ، وَمِنَ الْغَدِ وَمِنْ بَعْدِ الْغَدِ وَالَّذِي يَلِيهِ إِلَى الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى، فَقَامَ ذَلِكَ الْأَعْرَابِيُّ أَوْ رَجُلٌ غَيْرُهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَهَدَّمَ الْبِنَاءُ، وَغَرِقَ الْمَالُ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا. فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا قَالَ: فَمَا جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ السَّمَاءِ إِلَّا تَفَرَّجَتْ، حَتَّى صَارَتِ الْمَدِينَةُ فِي مِثْلِ الْجَوْبَةِ، حَتَّى سَالَ الْوَادِي، وَادِي قَنَاةَ، شَهْرًا، قَالَ: فَلَمْ يَجِيءْ أَحَدٌ مِنْ نَاحِيَةٍ إِلَّا حَدَّثَ بِالْجُودِ. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا فِي الْجُمُعَةِ، وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الْوَلِيدِ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ قَالَ: قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ:أَتَى

رَجُلٌ أَعْرَابِيٌّ مِنْ أَهْلِ الْبَدْوِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْجُمُعَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتِ الْمَاشِيَةُ هَلَكَ الْعِيَالُ هَلَكَ النَّاسُ. فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ يَدْعُو، وَرَفَعَ النَّاسُ أَيْدِيَهُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُونَ. قَالَ فَمَا خَرَجْنَا مِنَ الْمَسْجِدِ حَتَّى مُطِرْنَا، فَمَا زِلْنَا نُمْطَرُ حَتَّى كَانَتِ الْجُمُعَةُ الْأُخْرَى، فَأَتَى الرَّجُلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بَشِقَ الْمُسَافِرُ وَمُنِعَ الطَّرِيقُ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ الْأُوَيْسِيُّ يَعْنِي عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَشَرِيكٍ، سَمِعَا أَنَسًا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْتُ بَيَاضَ إِبِطَيْهِ. هَكَذَا عَلَّقَ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ، وَلَمْ يُسْنِدْهُمَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ بِالْكُلِّيَّةِ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَامَ النَّاسُ

فَصَاحُوا، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَحَطَ الْمَطَرُ، وَاحْمَرَّتِ الشَّجَرُ، وَهَلَكَتِ الْبَهَائِمُ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَسْقِيَنَا. فَقَالَ: " اللَّهُمَّ اسْقِنَا " مَرَّتَيْنِ، وَايْمُ اللَّهِ مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً مِنْ سَحَابٍ، فَأَنْشَأَتْ سَحَابَةٌ فَأَمْطَرَتْ، وَنَزَلَ عَنِ الْمِنْبَرِ فَصَلَّى، ثُمَّ انْصَرَفَ وَلَمْ تَزَلْ تُمْطِرُ إِلَى الْجُمُعَةِ الَّتِي تَلِيهَا، فَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ صَاحُوا إِلَيْهِ: تَهَدَّمَتِ الْبُيُوتُ وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ يَحْبِسُهَا عَنَّا. قَالَ: فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: " اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا " فَكَشَطَتِ الْمَدِينَةُ فَجَعَلَتْ تُمْطِرُ حَوْلَهَا وَمَا تُمْطِرُ بِالْمَدِينَةِ قَطْرَةً، فَنَظَرْتُ إِلَى الْمَدِينَةِ وَإِنَّهَا لَفِي مِثْلِ الْإِكْلِيلِ. وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَهُوَ ابْنُ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ، بِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ:سُئِلَ أَنَسٌ: هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ ؟ فَقَالَ: قِيلَ لَهُ يَوْمَ جُمُعَةٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَحَطَ الْمَطَرُ، وَأَجْدَبَتِ الْأَرْضُ، وَهَلَكَ الْمَالُ. قَالَ: فَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْتُ بَيَاضَ إِبِطَيْهِ فَاسْتَسْقَى، وَلَقَدْ رَفَعَ يَدَيْهِ وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ سَحَابَةً، فَمَا قَضَيْنَا الصَّلَاةَ حَتَّى إِنَّ قَرِيبَ الدَّارِ الشَّابَّ لَيَهُمُّهُ الرُّجُوعُ إِلَى أَهْلِهِ. قَالَ: فَلَمَّا كَانَتِ الْجُمُعَةُ الَّتِي تَلِيهَا قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَهَدَّمَتِ الْبُيُوتُ وَاحْتَبَسَ الرُّكْبَانُ. فَتَبَسَّمَ

رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سُرْعَةِ مَلَالَةِ ابْنِ آدَمَ، وَقَالَ اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا، وَلَا عَلَيْنَا قَالَ: فَتَكَشَّطَتْ عَنِ الْمَدِينَةِ. وَهَذَا إِسْنَادٌ ثُلَاثِيٌّ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخْرِجُوهُ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَاللَّفْظُ لَهُ: ثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَيُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: أَصَابَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ قَحْطٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَيْنَمَا هُوَ يَخْطُبُ يَوْمَ جُمُعَةٍ إِذْ قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتِ الْكُرَاعُ هَلَكَتِ الشَّاءُ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَسْقِيَنَا. فَمَدَّ يَدَيْهِ وَدَعَا. قَالَ أَنَسٌ: وَإِنَّ السَّمَاءَ لَمِثْلُ الزُّجَاجَةِ، فَهَاجَتْ رِيحٌ، ثُمَّ أَنْشَأَتْ سَحَابَةٌ، ثُمَّ اجْتَمَعَتْ، ثُمَّ أَرْسَلَتِ السَّمَاءُ عَزَالِيَهَا، فَخَرَجْنَا نَخُوضُ الْمَاءَ حَتَّى أَتَيْنَا مَنَازِلَنَا، فَلَمْ نَزَلْ نُمْطَرُ إِلَى الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى، فَقَامَ إِلَيْهِ ذَلِكَ الرَّجُلُ أَوْ غَيْرُهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَهَدَّمَتِ الْبُيُوتُ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَحْبِسَهُ. فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: حَوَالَيْنَا، وَلَا عَلَيْنَا فَنَظَرْتُ إِلَى السَّمَاءِ وَالسَّحَابُ يَتَصَدَّعُ حَوْلَ الْمَدِينَةِ كَأَنَّهُ إِكْلِيلٌ. فَهَذِهِ طُرُقٌ مُتَوَاتِرَةٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَإِنَّهَا تُفِيدُ الْقَطْعَ عِنْدَ أَئِمَّةِ هَذَا الشَّأْنِ.

وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ إِلَى أَبِي مَعْمَرٍ سَعِيدِ بْنِ خُثَيْمٍ الْهِلَالِيِّ، عَنْ مُسْلِمٍ الْمُلَائِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ لَقَدْ أَتَيْنَاكَ وَمَا لَنَا بَعِيرٌ يَئِطُّ وَلَا صَبِيٌّ يَصِيحُ، وَأَنْشَدَ:
أَتَيْنَاكَ وَالْعَذْرَاءُ يَدْمَى لَبَانُهَا وَقَدْ شُغِلَتْ أُمُّ الصَّبِيِّ عَنِ الطِّفْلِ
وَأَلْقَى بِكَفَّيْهِ الْفَتَى لِاسْتِكَانَةٍ مِنَ الْجُوعِ ضَعْفًا مَا يُمِرُّ وَلَا يُحْلِي
وَلَا شَيْءَ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ عِنْدَنَا سِوَى الْحَنْظَلِ الْعَامِيِّ وَالْعِلْهِزِ الْفَسْلِ
وَلَيْسَ لَنَا إِلَّا إِلَيْكَ فِرَارُنَا وَأَيْنَ فِرَارُ النَّاسِ إِلَّا إِلَى الرُّسْلِ
قَالَ: فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ حَتَّى صَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ وَقَالَ " اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا، مَرِيئًا، مُرِيعًا، سَرِيعًا، غَدَقًا طِبَقًا، عَاجِلًا غَيْرَ رَائِثٍ، نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ، تَمْلَأُ بِهِ الضَّرْعَ، وَتُنْبِتُ بِهِ الزَّرْعَ، وَتُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا، وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ ". قَالَ فَوَاللَّهِ مَا رَدَّ يَدَيْهِ

إِلَى نَحْرِهِ حَتَّى أَلْقَتِ السَّمَاءُ بِأَرْوَاقِهَا، وَجَاءَ أَهْلُ الْبِطَانَةِ يَضِجُّونَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْغَرَقَ الْغَرَقَ. فَرَفَعَ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، وَقَالَ: " اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا، وَلَا عَلَيْنَا " فَانْجَابَ السَّحَابُ عَنِ الْمَدِينَةِ حَتَّى أَحْدَقَ بِهَا كَالْإِكْلِيلِ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، ثُمَّ قَالَ: لِلَّهِ دَرُّ أَبِي طَالِبٍ لَوْ كَانَ حَيًّا قَرَّتَا عَيْنَاهُ مَنْ يُنْشِدُ قَوْلَهُ ؟ فَقَامَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّكَ أَرَدْتَ قَوْلَهُ:
وَأَبْيَضُ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ ثِمَالُ الْيَتَامَى عِصْمَةٌ لِلْأَرَامِلِ
يَلُوذُ بِهِ الْهُلَّاكُ مِنْ آلِ هَاشِمٍ فَهُمْ عِنْدَهُ فِي نِعْمَةٍ وَفَوَاضِلِ
كَذَبْتُمْ وَبَيْتِ اللَّهِ نُبْزَى مُحَمَّدًا وَلَمَّا نُقَاتِلْ دُونَهُ وَنُنَاضِلِ
وَنُسْلِمُهُ حَتَّى نُصَرَّعَ حَوْلَهُ وَنَذْهَلَ عَنْ أَبْنَائِنَا وَالْحَلَائِلِ
قَالَ: وَقَامَ رَجُلٌ مِنْ كِنَانَةَ فَقَالَ:
لَكَ الْحَمْدُ وَالْحَمْدُ مِمَّنْ شَكَرْ سُقِينَا بِوَجْهِ النَّبِيِّ الْمَطَرْ
دَعَا اللَّهَ خَالِقَهُ دَعْوَةً إِلَيْهِ وَأَشْخَصَ مِنْهُ الْبَصَرْ
فَلَمْ يَكُ إِلَّا كَلَفِّ الرِّدَاءِ وَأَسْرَعَ حَتَّى رَأَيْنَا الدِّرَرْ

دُفَاقَ الْعَزَالِيَ عَمَّ الْبِقَاعَ أَغَاثَ بِهِ اللَّهُ عُلْيَا مُضَرْ
وَكَانَ كَمَا قَالَهُ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ أَبْيَضٌ ذُو غُرَرْ
بِهِ اللَّهُ يَسْقِي صَوْبَ الْغَمَامِ وَهَذَا الْعِيَانُ لِذَاكَ الْخَبَرْ
فَمَنْ يَشْكُرِ اللَّهَ يَلْقَ الْمَزِيدَ وَمِنْ يَكْفُرِ اللَّهَ يَلْقَى الْغِيَرْ
قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنْ يَكُ شَاعِرٌ يُحْسِنُ فَقَدْ أَحْسَنْتَ " وَهَذَا السِّيَاقُ فِيهِ غَرَابَةٌ، وَلَا يُشْبِهُ مَا قَدَّمْنَا مِنَ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ الْمُتَوَاتِرَةِ عَنْ أَنَسٍ؛ فَإِنْ كَانَ هَذَا هَكَذَا مَحْفُوظًا فَهُوَ قِصَّةٌ أُخْرَى غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَارِثِ الْأَصْبَهَانِيُّ، ثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُصْعَبٍ، ثَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ، ثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي ذِئْبٍ الْمَدَنِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ حَاطِبٍ الْجُمَحِيِّ، عَنْ أَبِي وَجْزَةَ يَزِيدَ بْنِ عُبَيْدٍ السَّعْدِيِّ قَالَ: لَمَّا قَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ أَتَاهُ وَفْدُ بَنِي فَزَارَةَ بِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فِيهِمْ خَارِجَةُ بْنُ

حِصْنٍ، وَالْحُرُّ بْنُ قَيْسٍ، وَهُوَ أَصْغَرُهُمْ، ابْنُ أَخِي عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ، فَنَزَلُوا فِي دَارِ رَمَلَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَقَدِمُوا عَلَى إِبِلٍ ضِعَافٍ عِجَافٍ وَهُمْ مُسْنِتُونَ، فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُقِرِّينَ بِالْإِسْلَامِ فَسَأَلَهُمْ، رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ بِلَادِهِمْ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَسْنَتَتْ بِلَادُنَا، وَأَجْدَبَ جَنَابُنَا، وَعَرِيَتْ عِيَالُنَا، وَهَلَكَتْ مَوَاشِينَا، فَادْعُ رَبَّكَ أَنْ يُغِيثَنَا، وَتَشْفَعُ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، وَيَشْفَعُ رَبُّكَ إِلَيْكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " سُبْحَانَ اللَّهِ، وَيْلَكَ هَذَا، أَنَا شَفَعْتُ إِلَى رَبِّي، فَمَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ رَبُّنَا إِلَيْهِ ؟! لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَهُوَ يَئِطُّ مِنْ عَظَمَتِهِ وَجَلَالِهِ كَمَا يَئِطُّ الرَّحْلُ الْجَدِيدُ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ، وَسَلَّمَ " إِنِ اللَّهَ يَضْحَكُ مِنْ شَفَقَتِكُمْ وَأَزْلِكُمْ وَقُرْبِ غِيَاثِكُمْ " فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: وَيَضْحَكُ رَبُّنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟! قَالَ: " نَعَمْ ". فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: لَنْ نَعْدَمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ رَبٍّ يَضْحَكُ خَيْرًا. فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ، وَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ وَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنَ الدُّعَاءِ إِلَّا فِي الِاسْتِسْقَاءِ، رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رُئِيَ بَيَاضُ إِبِطَيْهِ، وَكَانَ مِمَّا حُفِظَ مِنْ دُعَائِهِ: " اللَّهُمَّ اسْقِ بَلَدَكَ،

وَبَهَائِمَكَ، وَانْشُرْ رَحْمَتَكَ، وَأَحْيِ بَلَدَكَ الْمَيِّتَ، اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا مَرِيئًا مَرِيعًا، طَبَقًا وَاسِعًا، عَاجِلًا غَيْرَ آجِلٍ، نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ، اللَّهُمَّ سُقْيَا رَحْمَةٍ لَا سُقْيَا عَذَابٍ وَلَا هَدْمٍ وَلَا غَرَقٍ وَلَا مَحْقٍ، اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ، وَانْصُرْنَا عَلَى الْأَعْدَاءِ ". فَقَامَ أَبُو لُبَابَةَ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، التَّمْرُ فِي الْمَرَابِدِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " اللَّهُمَّ اسْقِنَا " فَقَالَ أَبُو لُبَابَةَ: التَّمْرُ فِي الْمَرَابِدِ. ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللَّهُمَّ اسْقِنَا حَتَّى يَقُومَ أَبُو لُبَابَةَ عُرْيَانًا فَيَسُدَّ ثَعْلَبَ مِرْبَدِهِ بِإِزَارِهِ " قَالَ: فَلَا وَاللَّهِ مَا فِي السَّمَاءِ مِنْ قَزَعَةٍ وَلَا سَحَابٍ، وَمَا بَيْنَ الْمَسْجِدِ وَسَلْعٍ مِنْ بِنَاءٍ وَلَا دَارٍ، فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَاءِ سَلْعٍ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرُسِ فَلَمَّا تَوَسَّطَتِ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ، وَهُمْ يَنْظُرُونَ، ثُمَّ أَمْطَرَتْ، فَوَاللَّهِ مَا رَأَوُا الشَّمْسَ سَبْتًا، وَقَامَ أَبُو لُبَابَةَ عُرْيَانًا يَسُدُّ ثَعْلَبَ مِرْبَدِهِ بِإِزَارِهِ لِئَلَّا يَخْرُجَ التَّمْرُ مِنْهُ، فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتِ الْأَمْوَالُ، وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ. فَصَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرَ فَدَعَا وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رُئِيَ بَيَاضُ إِبِطَيْهِ، ثُمَّ قَالَ " اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا، وَلَا عَلَيْنَا، عَلَى الْآكَامِ وَالظِّرَابِ وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ، وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ " فَانْجَابَتِ السَّحَابَةُ عَنِ الْمَدِينَةِ كَانْجِيَابِ الثَّوْبِ وَهَذَا السِّيَاقُ يُشْبِهُ سِيَاقَ مُسْلِمٍ الْمُلَائِيِّ، عَنْ أَنَسٍ وَلِبَعْضِهِ شَاهِدٌ فِي " سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ "، وَفِي

حَدِيثِ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ شَاهِدٌ لِبَعْضِهِ أَيْضًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ فِي " الدَّلَائِلِ " أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْمُؤَمَّلِ، أَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَافِظُ، أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ الطَّهَرَانِيُّ، أَنَا سَهْلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَعْرُوفُ بِالسِّنْدِيِّ بْنِ عَبْدَوَيْهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَبِي أُوَيْسٍ الْمَدَنِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ:اسْتَسْقَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ جُمُعَةٍ، فَقَالَ: " اللَّهُمَّ اسْقِنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا ". فَقَامَ أَبُو لُبَابَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ التَّمْرَ فِي الْمَرَابِدِ، وَمَا فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ نَرَاهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " اللَّهُمَّ اسْقِنَا ". فَقَامَ أَبُو لُبَابَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ التَّمْرَ فِي الْمَرَابِدِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللَّهُمَّ اسْقِنَا، حَتَّى يَقُومَ أَبُو لُبَابَةَ يَسُدُّ ثَعْلَبَ مِرْبَدِهِ بِإِزَارِهِ ". فَاسْتَهَلَّتِ السَّمَاءُ وَمَطَرَتْ، وَصَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَطَافَالْأَنْصَارُ بِأَبِي لُبَابَةَ يَقُولُونَ لَهُ: يَا أَبَا لُبَابَةَ، إِنَّ السَّمَاءَ وَاللَّهِ لَنْ تُقْلِعَ حَتَّى تَقُومَ عُرْيَانًا فَتَسُدَّ ثَعْلَبَ

مِرْبَدِكَ بِإِزَارِكَ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَقَامَ أَبُو لُبَابَةَ عُرْيَانًا يَسُدُّ ثَعْلَبَ مِرْبَدِهِ بِإِزَارِهِ، فَأَقْلَعَتِ السَّمَاءُ. وَهَذَا إِسْنَادٌ حَسَنٌ، وَلَمْ يَرْوِهِ أَحْمَدُ وَلَا أَهْلُ الْكُتُبِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ وَقَعَ مِثْلُ هَذَا الِاسْتِسْقَاءِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ، كَمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي عُتْبَةَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ،أَنَّهُ قِيلَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: حَدِّثْنَا عَنْ شَأْنِ سَاعَةِ الْعُسْرَةِ. فَقَالَ عُمَرُ: خَرَجْنَا إِلَى تَبُوكَ فِي قَيْظٍ شَدِيدٍ، فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا وَأَصَابَنَا فِيهِ عَطَشٌ، حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّ رِقَابَنَا سَتَنْقَطِعُ، حَتَّى إِنْ كَانَ أَحَدُنَا لَيَذْهَبُ فَيَلْتَمِسُ الرَّحْلَ فَلَا يَرْجِعُ حَتَّى يَظُنَّ أَنَّ رَقَبَتَهُ سَتَنْقَطِعُ، حَتَّى إِنِ الرَّجُلَ لَيَنْحَرُ بَعِيرَهُ فَيَعْتَصِرُ فَرْثَهُ فَيَشْرَبُهُ، ثُمَّ يَجْعَلُ مَا بَقِيَ عَلَى كَبِدِهِ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِ اللَّهَ قَدْ عَوَّدَكَ فِي الدُّعَاءِ خَيْرًا، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا. فَقَالَ " أَوَتُحِبُّ ذَلِكَ ؟ " قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَرَفَعَ يَدَيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ فَلَمْ يُرْجِعْهُمَا حَتَّى قَالَتِ السَّمَاءُ فَأَظَلَّتْ ثُمَّ سَكَبَتْ، فَمَلَؤُوا مَا مَعَهُمْ، ثُمَّ ذَهَبْنَا نَنْظُرُ فَلَمْ نَجِدْهَا جَاوَزَتِ الْعَسْكَرَ. وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ قَوِيٌّ، وَلَمْ يُخْرِجُوهُ.

وَقَدْ قَالَ الْوَاقِدِيُّ: قَدْ كَانَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ بَعِيرٍ، وَمَثَلُهَا مِنَ الْخَيْلِ، وَكَانُوا ثَلَاثِينَ أَلْفًا مِنَ الْمُقَاتِلَةِ. قَالَ: وَنَزَلَ مِنَ الْمَطَرِ مَاءٌ أَغْدَقَ الْأَرْضَ حَتَّى صَارَتِ الْغُدْرَانُ تَسْكُبُ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ، وَذَلِكَ فِي حَمَارَّةِ الْقَيْظِ. أَيْ شِدَّةِ الْحَرِّ الْبَلِيغِ، فَصَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ.
وَكَمْ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنْ مِثْلِ هَذَا فِي غَيْرِ مَا حَدِيثٍ صَحِيحٍ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَمَّا دَعَا عَلَىقُرَيْشٍ حِينَ اسْتَعْصَتْ أَنْ يُسَلِّطَ اللَّهُ عَلَيْهَا سَبْعًا كَسَبْعِ يُوسُفَ، فَأَصَابَتْهُمْ سَنَةٌ حَصَّتْ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَكَلُوا الْعِظَامَ وَالْكِلَابَ وَالْعِلْهِزَ، ثُمَّ أَتَى أَبُو سُفْيَانَ يَشْفَعُ عِنْدَهُ فِي أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ لَهُمْ، فَدَعَا لَهُمْ فَرُفِعَ ذَلِكَ عَنْهُمْ.
وَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ، ثَنَا أَبِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى، عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَانَ إِذَا قَحَطُوا اسْتَسْقَى بِالْعَبَّاسِ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا، وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا. قَالَ فَيُسْقَوْنَ. تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ.

فَصْلٌ: وَأَمَّا الْمُعْجِزَاتُ الْأَرْضِيَّةُ
فَمِنْهَا مَا هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالْجَمَادَاتِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالْحَيَوَانَاتِ، فَمِنَ الْمُتَعَلِّقِ بِالْجَمَادَاتِ تَكْثِيرُهُ الْمَاءَ فِي غَيْرِ مَا مَوْطِنٍ عَلَى صِفَاتٍ مُتَنَوِّعَةٍ سَنُورِدُهَا بِأَسَانِيدِهَا، إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَبَدَأْنَا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَنْسَبُ بِإِتْبَاعِ مَا أَسْلَفْنَا ذِكْرَهُ مِنِ اسْتِسْقَائِهِ وَإِجَابَةِ اللَّهِ لَهُ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَانَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ وَالْتَمَسَ النَّاسُ الْوُضُوءَ فَلَمْ يَجِدُوهُ، فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَضُوءٍ فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ فِي ذَلِكَ الْإِنَاءِ، فَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَتَوَضَّؤُوا مِنْهُ، فَرَأَيْتُ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ تَحْتِ أَصَابِعِهِ، فَتَوَضَّأَ النَّاسُ حَتَّى تَوَضَّؤُوا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ. وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ مَالِكٍ بِهِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَنَسٍ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثَنَا حَزْمٌ، سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ ذَاتَ يَوْمٍ لِبَعْضِ مَخَارِجِهِ مَعَهُ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَانْطَلَقُوا يَسِيرُونَ، فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَلَمْ يَجِدِ الْقَوْمُ مَاءً يَتَوَضَّؤُونَ بِهِ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ مَا نَجِدُ مَا

نَتَوَضَّأُ بِهِ. وَرَأَى فِي وُجُوهِ أَصْحَابِهِ كَرَاهِيَةَ ذَلِكَ، فَانْطَلَقَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فَجَاءَ بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ يَسِيرٍ، فَأَخَذَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَوَضَّأَ مِنْهُ، ثُمَّ مَدَّ أَصَابِعَهُ الْأَرْبَعَةَ عَلَى الْقَدَحِ، ثُمَّ قَالَ: " هَلُمُّوا فَتَوَضَّؤُوا " فَتَوَضَّأَ الْقَوْمُ حَتَّى بَلَغُوا فِيمَا يُرِيدُونَ. قَالَ الْحَسَنُ: سُئِلَ أَنَسٌ: كَمْ بَلَغُوا ؟ قَالَ: سَبْعِينَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُبَارَكِ الْعَيْشِيِّ، عَنْ حَزْمِ بْنِ مِهْرَانَ الْقُطَعِيِّ بِهِ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَنَسٍ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ حُمَيْدٍ وَيَزِيدَ - قَالَ: أَنَا حُمَيْدٌ الْمَعْنَى - عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:نُودِيَ بِالصَّلَاةِ، فَقَامَ كُلُّ قَرِيبِ الدَّارِ مِنَ الْمَسْجِدِ، وَبَقِيَ مَنْ كَانَ أَهْلُهُ نَائِيَ الدَّارِ، فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِخْضَبٍ مِنْ حِجَارَةٍ، فَصَغُرَ أَنْ يَبْسُطَ كَفَّهُ فِيهِ. قَالَ: فَضَمَّ أَصَابِعَهُ. قَالَ: فَتَوَضَّأَ بَقِيَّتُهُمْ. قَالَ حُمَيْدٌ: وَسُئِلَ أَنَسٌ: كَمْ كَانُوا ؟ قَالَ: ثَمَانِينَ أَوْ زِيَادَةً.
وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُنِيرٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:حَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَقَامَ مَنْ كَانَ قَرِيبَ الدَّارِ مِنَ الْمَسْجِدِ يَتَوَضَّأُ، وَبَقِيَ قَوْمٌ فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِخْضَبٍ مِنْ حِجَارَةٍ فِيهِ مَاءٌ،

فَوَضَعَ كَفَّهُ فَصَغُرَ الْمِخْضَبُ أَنْ يَبْسُطَ فِيهِ كَفَّهُ، فَضَمَّ أَصَابِعَهُ فَوَضَعَهَا فِي الْمِخْضَبِ، فَتَوَضَّأَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ جَمِيعًا، قُلْتُ: كَمْ كَانُوا ؟ قَالَ: كَانُوا ثَمَانِينَ رَجُلًا.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، ثَنَا سَعِيدٌ إِمْلَاءً، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بِالزَّوْرَاءِ فَأُتِيَ بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ، لَا يَغْمُرُ أَصَابِعَهُ، فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَتَوَضَّؤُوا، فَوَضَعَ كَفَّهُ فِي الْمَاءِ، فَجَعَلَ الْمَاءُ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ وَأَطْرَافِ أَصَابِعِهِ حَتَّى تَوَضَّأَ الْقَوْمُ. قَالَ: فَقُلْتُ لِأَنَسٍ: كَمْ كُنْتُمْ ؟ قَالَ: كُنَّا ثَلَاثَمِائَةٍ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ بُنْدَارٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَدِيٍّ، وَمُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنْ غُنْدَرٍ، كِلَاهُمَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عُرُوبَةَ - وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: عَنْ شُعْبَةَ. وَالصَّحِيحُ: سَعِيدٍ - عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِنَاءٍ وَهُوَ فِي الزَّوْرَاءِ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ، فَجَعَلَ الْمَاءُ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ فَتَوَضَّأَ الْقَوْمُ. قَالَ قَتَادَةُ: فَقُلْتُ لِأَنَسٍ: كَمْ كُنْتُمْ ؟ قَالَ: ثَلَاثَمِائَةٍ أَوْ زُهَاءَ ثَلَاثِمِائَةٍ. لَفْظُ الْبُخَارِيِّ.
حَدِيثُ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ فِي ذَلِكَ: قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا مَالِكُ بْنُ

إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ،عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: كُنَّا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً، وَالْحُدَيْبِيَةُ بِئْرٌ، فَنَزَحْنَاهَا حَتَّى لَمْ نَتْرُكْ فِيهَا قَطْرَةً، فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى شَفِيرِ الْبِئْرِ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَمَضْمَضَ، وَمَجَّ فِي الْبِئْرِ، فَمَكَثْنَا غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ اسْتَقَيْنَا حَتَّى رَوِينَا وَرَوَتْ أَوْ صَدَرَتْ رِكَابُنَا. تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ إِسْنَادًا وَمَتْنًا.
حَدِيثٌ آخَرُ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ وَهَاشِمٌ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ - هُوَ ابْنُ عُبَيْدَةَ، مَوْلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ -عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَأَتَيْنَا عَلَى رَكِيٍّ ذِمَّةٍ - يَعْنِي قَلِيلَةَ الْمَاءِ - قَالَ: فَنَزَلَ فِيهَا سِتَّةُ أُنَاسٍ أَنَا سَادِسُهُمْ مَاحَةً، فَأُدْلِيَتْ إِلَيْنَا دَلْوٌ. قَالَ: وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى شَفَةِ الرَّكِيِّ فَجَعَلْنَا فِيهَا نِصْفَهَا، أَوْ قُرَابَ ثُلْثَيْهَا، فَرُفِعَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ الْبَرَاءُ: فَكِدْتُ بِإِنَائِي هَلْ أَجِدُ شَيْئًا أَجْعَلُهُ فِي حَلْقِي ؟ فَمَا وَجَدْتُ فَرَفَعْتُ الدَّلْوَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَمَسَ يَدَهُ فِيهَا، فَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ، وَأُعِيدَتْ إِلَيْنَا الدَّلْوُ بِمَا فِيهَا. قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ أَحَدَنَا أُخْرِجَ بِثَوْبٍ خَشْيَةَ الْغَرَقِ. قَالَ: ثُمَّ سَاحَتْ؛ يَعْنِي جَرَتْ نَهْرًا. تَفَرَّدَ بِهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ قَوِيٌّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا قِصَّةٌ أُخْرَى غَيْرَ يَوْمِ الْحُدَيْبِيَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ جَابِرٍ فِي ذَلِكَ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا سَيَّارُ بْنُ حَاتِمٍ، ثَنَا جَعْفَرٌ، يَعْنِي ابْنَ سُلَيْمَانَ، ثَنَا الْجَعْدُ أَبُو عُثْمَانَ، ثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ:اشْتَكَى أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِ الْعَطَشَ. قَالَ: فَدَعَا بِعُسٍّ، فَصُبَّ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ الْمَاءِ، وَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ يَدَهُ، وَقَالَ " اسْقُوا ". فَاسْتَقَى النَّاسُ، قَالَ: فَكُنْتُ أَرَى الْعُيُونَ تَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَفِي أَفْرَادِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ حَاتِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي حَرْزَةَ يَعْقُوبَ بْنِ مُجَاهِدٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ قَالَ فِيهِ:سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَزَلْنَا وَادِيًا أَفْيَحَ، فَذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْضِي حَاجَتَهُ فَاتَّبَعْتُهُ بِإِدَاوَةٍ مِنْ مَاءٍ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا يَسْتَتِرُ بِهِ، وَإِذَا بِشَجَرَتَيْنِ بِشَاطِئِ الْوَادِي، فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى إِحْدَاهُمَا، فَأَخَذَ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا فَقَالَ: " انْقَادِي عَلَيَّ بِإِذْنِ اللَّهِ " فَانْقَادَتْ مَعَهُ كَالْبَعِيرِ الْمَخْشُوشِ الَّذِي يُصَانِعُ قَائِدَهُ، حَتَّى أَتَى الْأُخْرَى فَأَخَذَ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا فَقَالَ: " انْقَادِي عَلَيَّ بِإِذْنِ اللَّهِ ". فَانْقَادَتْ مَعَهُ كَذَلِكَ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْمَنْصَفِ مِمَّا بَيْنَهُمَا لَأَمَ بَيْنَهُمَا - يَعْنِي جَمَعَهُمَا - فَقَالَ: " الْتَئِمَا عَلِيَّ بِإِذْنِ اللَّهِ ". فَالْتَأَمَتَا.

قَالَ جَابِرٌ: فَخَرَجْتُ أُحْضِرُ مَخَافَةَ أَنْ يُحِسَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقُرْبِي فَيَبْتَعِدَ، فَجَلَسْتُ أُحَدِّثُ نَفْسِي، فَحَانَتْ مِنِّي لَفْتَةٌ فَإِذَا أَنَا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ سَلَّمَ مُقْبِلًا، وَإِذَا بِالشَّجَرَتَيْنِ قَدِ افْتَرَقَتَا، فَقَامَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى سَاقٍ، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ وَقْفَةً، فَقَالَ بِرَأْسِهِ هَكَذَا، يَمِينًا وَشِمَالًا، ثُمَّ أَقْبَلَ فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيَّ قَالَ: " يَا جَابِرُ، هَلْ رَأَيْتَ مَقَامِي ؟ " قُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: " فَانْطَلِقْ إِلَى الشَّجَرَتَيْنِ فَاقْطَعْ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا غُصْنًا، فَأَقْبِلْ بِهِمَا حَتَّى إِذَا قُمْتَ مَقَامِي فَأَرْسِلْ غُصْنًا عَنْ يَمِينِكَ وَغُصْنًا عَنْ يَسَارِكَ ". قَالَ جَابِرٌ: فَقُمْتُ فَأَخَذْتُ حَجَرًا فَكَسَرْتُهُ وَحَسَرْتُهُ فَانْذَلَقَ لِي، فَأَتَيْتُ الشَّجَرَتَيْنِ، فَقَطَعْتُ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا غُصْنًا، ثُمَّ أَقْبَلْتُ أَجُرُّهُمَا، حَتَّى قُمْتُ مَقَامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلْتُ غُصْنًا عَنْ يَمِينِي وَغُصْنًا عَنْ يَسَارِي، ثُمَّ لَحِقْتُ فَقُلْتُ: قَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: فَقُلْتُ: فَلِمَ ذَاكَ ؟ قَالَ: " إِنِّي مَرَرْتُ بِقَبْرَيْنِ يُعَذَّبَانِ فَأَحْبَبْتُ بِشَفَاعَتِي أَنْ يُرَفَّهَ عَنْهُمَا مَا دَامَ الْغُصْنَانِ رَطِبَيْنِ ". قَالَ: فَأَتَيْنَا الْعَسْكَرَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَاجَابِرُ نَادِ بِوَضُوءٍ " فَقُلْتُ: أَلَا وَضُوءَ ؟ أَلَا وَضُوءَ ؟ أَلَا وَضُوءَ ؟ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا وَجَدْتُ فِي الرَّكْبِ مِنْ قَطْرَةٍ. وَكَانَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يُبَرِّدُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ سَلَّمَ الْمَاءَ

فِي أَشِجَابٍ لَهُ عَلَى حِمَارَةٍ مِنْ جَرِيدٍ. قَالَ: فَقَالَ لِي " انْطَلِقْ إِلَى فُلَانٍ الْأَنْصَارِيِّ، فَانْظُرْ هَلْ فِي أَشْجَابِهِ مِنْ شَيْءٍ ؟ " قَالَ: فَانْطَلَقْتُ إِلَيْهِ، فَنَظَرْتُ فِيهَا، فَلَمْ أَجِدْ فِيهَا إِلَّا قَطْرَةً فِي عَزْلَاءِ شَجْبٍ مِنْهَا، لَوْ أَنِّي أُفْرِغُهُ لِشَرِبَهُ يَابِسُهُ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي لَمْ أَجِدْ فِيهَا إِلَّا قَطْرَةً فِي عَزْلَاءِ شَجْبٍ مِنْهَا، لَوْ أَنِّي أُفْرِغُهُ لَشَرِبَهُ يَابِسُهُ. قَالَ: " اذْهَبْ فَأْتِنِي بِهِ ". فَأَتَيْتُهُ بِهِ، فَأَخَذَهُ بِيَدِهِ، فَجَعَلَ يَتَكَلَّمُ بِشَيْءٍ لَا أَدْرِي مَا هُوَ، وَيَغْمِزُهُ بِيَدَيْهِ، ثُمَّ أَعْطَانِيهِ، فَقَالَ: " يَا جَابِرُ، نَادِ بِجَفْنَةٍ ". فَقُلْتُ: يَا جَفْنَةَ الرَّكْبِ. فَأُتِيتُ بِهَا تُحْمَلُ، فَوَضَعْتُهَا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ فِي الْجَفْنَةِ هَكَذَا، فَبَسَطَهَا وَفَرَّقَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، ثُمَّ وَضَعَهَا فِي قَعْرِ الْجَفْنَةِ، وَقَالَ: " خُذْ يَا جَابِرُ فَصُبَّ عَلَيَّ، وَقُلْ: بِسْمِ اللَّهِ ". فَصَبَبْتُ عَلَيْهِ، وَقُلْتُ: بِسْمِ اللَّهِ. فَرَأَيْتُ الْمَاءَ يَفُورُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ فَارَتِ الْجَفْنَةُ وَدَارَتْ حَتَّى امْتَلَأَتْ، فَقَالَ: " يَا جَابِرُ نَادِ مَنْ كَانَ لَهُ حَاجَةٌ بِمَاءٍ ". قَالَ: فَأَتَى النَّاسُ فَاسْتَقَوْا حَتَّى رَوَوْا. قَالَ: فَقُلْتُ: هَلْ بَقِيَ أَحَدٌ لَهُ حَاجَةٌ ؟ فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ مِنَ الْجَفْنَةِ، وَهِيَ مَلْأَى. قَالَ: وَشَكَا النَّاسُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجُوعَ فَقَالَ: " عَسَى اللَّهُ أَنْ

يُطْعِمَكُمْ ". فَأَتَيْنَا سَيْفَ الْبَحْرِ، فَزَخَرَ زَخْرَةً، فَأَلْقَى دَابَّةً، فَأَوْرَيْنَا عَلَى شَقِّهَا النَّارَ، فَاطَّبَخْنَا وَاشْتَوَيْنَا، وَأَكَلْنَا حَتَّى شَبِعْنَا. قَالَ جَابِرٌ: فَدَخَلْتُ أَنَا وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ - حَتَّى عَدَّ خَمْسَةً - فِي حِجَاجِ عَيْنِهَا مَا يَرَانَا أَحَدٌ حَتَّى خَرَجْنَا، وَأَخَذْنَا ضِلْعًا مِنْ أَضْلَاعِهِ فَقَوَّسْنَاهُ ثُمَّ دَعَوْنَا بِأَعْظَمِ رَجُلٍ فِي الرَّكْبِ، وَأَعْظَمِ جَمَلٍ فِي الرَّكْبِ، وَأَعْظَمَ كِفْلٍ فِي الرَّكْبِ، فَدَخَلَ تَحْتَهُ مَا يُطَأْطِئُ رَأْسَهُ..
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ، ثَنَا حَصِينٌ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: عَطِشَ النَّاسُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ يَتَوَضَّأُ، فَجَهَشَ النَّاسُ نَحْوَهُ، قَالَ: " مَا لَكُمْ ؟ " قَالُوا: لَيْسَ عِنْدَنَا مَاءٌ نَتَوَضَّأُ وَلَا نَشْرَبُ إِلَّا مَا بَيْنَ يَدَيْكَ. فَوَضَعَ يَدَهُ فِي الرَّكْوَةِ، فَجَعَلَ الْمَاءُ يَفُورُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ كَأَمْثَالِ الْعُيُونِ، فَشَرِبْنَا وَتَوَضَّأْنَا. قُلْتُ: كَمْ كُنْتُمْ ؟ قَالَ: لَوْ كُنَّا مِائَةَ أَلْفٍ لَكَفَانَا، كُنَّا خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً. وَهَكَذَا

رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ حَصِينٍ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ، زَادَ مُسْلِمٌ: وَشُعْبَةُ، ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ سَالِمٍ، عَنْ جَابِرٍ، وَفِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ كُنَّا أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، ثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ نُبَيْحٍ الْعَنْزِيِّ، أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:غَزَوْنَا - أَوْ سَافَرْنَا - مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَحْنُ يَوْمَئِذٍ بِضْعَ عَشْرَ وَمِائَتَانِ، فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَلْ فِي الْقَوْمِ مِنْ مَاءٍ ؟. فَجَاءَهُ رَجُلٌ يَسْعَى بِإِدَاوَةٍ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ، قَالَ: فَصَبَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَدَحٍ قَالَ: فَتَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ انْصَرَفَ وَتَرَكَ الْقَدَحَ، فَرَكِبَ النَّاسُ الْقَدَحَ: تَمَسَّحُوا تَمَسَّحُوا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عَلَى رِسْلِكُمْ ". حِينَ سَمِعَهُمْ يَقُولُونَ ذَلِكَ. قَالَ: فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفَّهُ فِي الْمَاءِ وَالْقَدَحِ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بِسْمِ اللَّهِ ". ثُمَّ قَالَ: " أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ ". قَالَ جَابِرٌ: فَوَالَّذِي ابْتَلَانِي بِبَصَرِي لَقَدْ رَأَيْتُ الْعُيُونَ عُيُونَ الْمَاءِ يَوْمَئِذٍ تَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا رَفَعَهَا حَتَّى تَوَضَّؤُوا أَجْمَعُونَ. وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ، وَظَاهِرُهُ كَأَنَّهُ

قِصَّةٌ أُخْرَى غَيْرُ مَا تَقَدَّمَ.
وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ:قَدِمْنَا الْحُدَيْبِيَةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَحْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً - أَوْ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ - وَعَلَيْهَا خَمْسُونَ رَأْسًا لَا تَرْوِيهَا، فَقَعَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جَبَا الرَّكِيَّةِ، فَإِمَّا دَعَا وَإِمَّا بَصَقَ فِيهَا. قَالَ: فَجَاشَتْ، فَسَقَيْنَا وَاسْتَقَيْنَا.
وَفِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " مِنْ حَدِيثِ الْزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ فِي حَدِيثِ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ الطَّوِيلِ:فَعَدَلَ عَنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَزَلَ بِأَقْصَى الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى ثَمِدٍ قَلِيلِ الْمَاءِ يَتَبَرَّضُهُ النَّاسُ تَبَرُّضًا، فَلَمْ يُلَبِّثْهُ النَّاسُ حَتَّى نَزَحُوهُ، وَشُكِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَطَشُ، فَانْتَزَعَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهُ فِيهِ، فَوَاللَّهِ مَا زَالَ يَجِيشُ لَهُمْ بِالرَّيِّ حَتَّى صَدَرُوا عَنْهُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ بِتَمَامِهِ فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ، وَرَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الَّذِي نَزَلَ بِالسَّهْمِ نَاجِيَةُ بْنُ جُنْدُبٍ سَائِقُ الْبُدْنِ. قَالَ: وَقِيلَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ ثُمَّ رَجَّحَ ابْنُ إِسْحَاقَ الْأَوَّلَ.
حَدِيثٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا حُسَيْنٌ الْأَشْقَرُ، ثَنَا أَبُو كُدَيْنَةَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَصْبَحَ رَسُولُ

اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ وَلَيْسَ فِي الْعَسْكَرِ مَاءٌ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَيْسَ فِي الْعَسْكَرِ مَاءٌ. قَالَ: " هَلْ عِنْدَكَ شَيْءٌ ؟ " قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: " فَأْتِنِي بِهِ ". قَالَ: فَأَتَاهُ بِإِنَاءٍ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ قَلِيلٍ. قَالَ: فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَابِعَهُ فِي فَمِ الْإِنَاءِ وَفَتَحَ أَصَابِعَهُ. قَالَ: فَانْفَجَرَتْ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ عُيُونٌ، وَأَمَرَ بِلَالًا، فَقَالَ: " نَادِ فِي النَّاسِ: الْوَضُوءَ الْمُبَارَكَ " تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِنَحْوِهِ.
حَدِيثٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فِي ذَلِكَ: قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، ثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، ثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنَّا نَعُدُّ الْآيَاتِ بَرَكَةً. وَأَنْتُمْ تُعِدُّونَهَا تَخْوِيفًا، كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَقَلَّ الْمَاءُ فَقَالَ: " اطْلُبُوا فَضْلَةً مِنْ مَاءٍ ". فَجَاءُوا بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ قَلِيلٌ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ، ثُمَّ قَالَ: " حَيَّ عَلَى الطَّهُورِ الْمُبَارَكِ وَالْبِرْكَةُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ". قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَقَدْ كُنَّا نَسْمَعُ تَسْبِيحَ الطَّعَامِ وَهُوَ يُؤْكَلُ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ بُنْدَارٍ، عَنْ أَبِي أَحْمَدَ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
حَدِيثٌ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فِي ذَلِكَ: قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ،

ثَنَا سَلْمُ بْنُ زَرِيرٍ، سَمِعْتُ أَبَا رَجَاءٍ قَالَ:حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسِيرٍ، فَأَدْلَجُوا لَيْلَتَهُمْ، حَتَّى إِذَا كَانَ وَجْهُ الصُّبْحِ عَرَّسُوا، فَغَلَبَتْهُمْ أَعْيُنُهُمْ حَتَّى ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنِ اسْتَيْقَظَ مِنْ مَنَامِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَكَانَ لَا يُوقِظُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَنَامِهِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، فَاسْتَيْقَظَ عُمَرُ، فَقَعَدَ أَبُو بَكْرٍ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَجَعَلَ يُكَبِّرُ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ حَتَّى اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَزَلَ وَصَلَّى بِنَا الْغَدَاةَ، فَاعْتَزَلَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ لَمْ يُصَلِّ مَعَنَا، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: " يَا فُلَانُ، مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَنَا ؟ " قَالَ: أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ. فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ بِالصَّعِيدِ، ثُمَّ صَلَّى، وَجَعَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَكُوبٍ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَقَدْ عَطِشْنَا عَطَشًا شَدِيدًا، فَبَيْنَمَا نَحْنُ نَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا نَحْنُ بِامْرَأَةٍ سَادِلَةٍ رِجْلَيْهَا بَيْنَ مَزَادَتَيْنِ، فَقُلْنَا لَهَا: أَيْنَ الْمَاءُ ؟ فَقَالَتْ: إِنَّهُ لَا مَاءَ. فَقُلْنَا: كَمْ بَيْنَ أَهْلِكِ وَبَيْنَ الْمَاءِ ؟ قَالَتْ: يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ. فَقُلْنَا: انْطَلِقِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَتْ: وَمَا رَسُولُ اللَّهِ ؟ فَلَمْ نُمَلِّكْهَا مِنْ أَمْرِهَا حَتَّى اسْتَقْبَلْنَا بِهَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَدَّثَتْهُ بِمِثْلِ الَّذِي حَدَّثَتْنَا، غَيْرَ أَنَّهَا حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا مُؤْتِمَةٌ، فَأَمَرَ بِمَزَادَتَيْهَا، فَمَسَحَ فِي الْعَزْلَاوَيْنِ، فَشَرِبْنَا عِطَاشًا أَرْبَعِينَ رَجُلًا حَتَّى رَوِينَا، وَمَلَأْنَا كُلَّ قِرْبَةٍ مَعَنَا وَإِدَاوَةٍ، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ نَسْقِ بَعِيرًا، وَهِيَ تَكَادُ تَنِضُّ مِنَ الْمِلْءِ ثُمَّ قَالَ: " هَاتُوا

مَا عِنْدَكُمْ ". فَجَمَعَ لَهَا مِنَ الْكِسَرِ وَالتَّمْرِ حَتَّى أَتَتْ أَهْلَهَا، قَالَتْ: لَقِيتُ أَسْحَرَ النَّاسِ، أَوْ هُوَ نَبِيٌّ كَمَا زَعَمُوا. فَهَدَى اللَّهُ ذَاكَ الصِّرْمِ بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ، فَأَسْلَمَتْ وَأَسْلَمُوا. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ سَلْمِ بْنِ زَرِيرٍ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ عَوْفٍ الْأَعْرَابِيِّ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيِّ - وَاسْمُهُ عِمْرَانُ بْنُ تَيْمٍ - عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ بِهِ. وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا: فَقَالَ لَهَا: اذْهَبِي بِهَذَا مَعَكِ لِعِيَالِكِ، وَاعْلَمِي أَنَّا لَمْ نَرْزَأْكِ مِنْ مَائِكِ شَيْئًا، غَيْرَ أَنَّ اللَّهَ سَقَانَا ". وَفِيهِ أَنَّهُ لَمَّا فَتَحَ الْعَزْلَاوَيْنِ سَمَّى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ.
حَدِيثٌ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ فِي ذَلِكَ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ:كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَقَالَ: " إِنَّكُمْ إِنْ لَا تُدْرِكُوا الْمَاءَ غَدًا تَعْطَشُوا ". وَانْطَلَقَ سَرَعَانُ النَّاسِ يُرِيدُونَ الْمَاءَ، وَلَزِمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَالَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاحِلَتُهُ فَنَعَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَمْتُهُ فَادَّعَمَ، ثُمَّ مَالَ فَدَعَمْتُهُ

فَادَّعَمَ، ثُمَّ مَالَ حَتَّى كَادَ أَنْ يَنْجَفِلَ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَدَعَمْتُهُ فَانْتَبَهَ فَقَالَ: " مَنِ الرَّجُلُ ؟ فَقُلْتُ: أَبُو قَتَادَةَ. قَالَ: " مُنْذُ كَمْ كَانَ مَسِيرُكَ ؟ " قُلْتُ: مُنْذُ اللَّيْلَةِ. قَالَ: " حَفِظَكَ اللَّهُ كَمَا حَفِظْتَ رَسُولَهُ ". ثُمَّ قَالَ: " لَوْ عَرَّسْنَا ". فَمَالَ إِلَى شَجَرَةٍ فَنَزَلَ فَقَالَ: " انْظُرْ هَلْ تَرَى أَحَدًا ؟ " قُلْتُ: هَذَا رَاكِبٌ، هَذَانَ رَاكِبَانِ. حَتَّى بَلَغَ سَبْعَةً. فَقَالَ: " احْفَظُوا عَلَيْنَا صَلَاتَنَا ". فَنِمْنَا فَمَا أَيْقَظَنَا إِلَّا حَرُّ الشَّمْسِ، فَانْتَبَهْنَا فَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَارَ وَسِرْنَا هُنَيْهَةً، ثُمَّ نَزَلَ فَقَالَ: " أَمَعَكُمْ مَاءٌ ؟ ". قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، مَعِي مِيضَأَةٌ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ. قَالَ: " ائْتِ بِهَا " قَالَ: فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَقَالَ " مَسُّوا مِنْهَا، مَسُّوا مِنْهَا " فَتَوَضَّأَ الْقَوْمُ وَبَقِيَتْ جُرْعَةٌ، فَقَالَ: " ازْدَهِرْ بِهَا يَا أَبَا قَتَادَةَ فَإِنَّهُ سَيَكُونُ لَهَا نَبَّأٌ ". ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ، وَصَلَّوُا الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ، ثُمَّ صَلَّوُا الْفَجْرَ، ثُمَّ رَكِبَ وَرَكِبْنَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: فَرَّطْنَا فِي صَلَاتِنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا تَقُولُونَ ؟ إِنْ كَانَ أَمْرَ دُنْيَاكُمْ فَشَأْنُكُمْ، وَإِنْ كَانَ أَمْرَ دِينِكُمْ فَإِلَيَّ ". قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَرَّطْنَا فِي صَلَاتِنَا. فَقَالَ: " لَا تَفْرِيطَ فِي النَّوْمِ إِنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي الْيَقَظَةِ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَصَلُّوهَا، وَمِنَ الْغَدِ وَقْتَهَا ". ثُمَّ قَالَ: " ظُنُّوا بِالْقَوْمِ ". قَالُوا: إِنَّكَ قُلْتَ بِالْأَمْسِ: " إِنْ لَا تُدْرِكُوا الْمَاءَ غَدًا تَعْطَشُوا "؛ فَالنَّاسُ بِالْمَاءِ. فَقَالَ: " أَصْبَحَ النَّاسُ، وَقَدْ فَقَدُوا نَبِيَّهُمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَاءِ. وَفِي

الْقَوْمِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَقَالَا: أَيْهَا النَّاسُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ لِيَسْبِقَكُمْ إِلَى الْمَاءِ وَيَخْلُفَكُمْ. وَإِنْ يُطِعِ النَّاسُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ يَرْشُدُوا " قَالَهَا ثَلَاثًا. فَلَمَّا اشْتَدَّتِ الظَّهِيرَةُ رَفَعَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْنَا عَطَشًا، تَقَطَّعَتِ الْأَعْنَاقُ. فَقَالَ: " لَا هُلْكَ عَلَيْكُمْ ". ثُمَّ قَالَ: " يَا أَبَا قَتَادَةَ، ائْتِ بِالْمِيضَأَةِ ". فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَقَالَ: " احْلُلْ لِي غُمْرِي " يَعْنِي قَدَحَهُ. فَحَلَلْتُهُ فَأَتَيْتُهُ بِهِ فَجَعَلَ يَصُبُّ فِيهِ، وَيَسْقِي النَّاسَ، فَازْدَحَمَ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَحْسِنُوا الْمَلْأَ، فَكُلُّكُمْ سَيَصْدُرُ عَنْ رَيٍّ " فَشَرِبَ الْقَوْمُ حَتَّى لَمْ يَبْقَ غَيْرِي وَغَيْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَبَّ لِي، فَقَالَ: اشْرَبْ يَاأَبَا قَتَادَةَ ". قَالَ: قُلْتُ اشْرَبْ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: " إِنَّ سَاقِيَ الْقَوْمِ آخِرُهُمْ " فَشَرِبْتُ وَشَرِبَ بَعْدِي، وَبَقِيَ فِي الْمِيضَأَةِ نَحْوٌ مِمَّا كَانَ فِيهَا، وَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَلَاثُمِائَةٍ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَسَمِعَنِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، وَأَنَا أُحَدِّثُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ، فَقَالَ: مَنِ الرَّجُلُ ؟ قُلْتُ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبَاحٍ الْأَنْصَارِيُّ. قَالَ: الْقَوْمُ أَعْلَمُ بِحَدِيثِهِمْ، انْظُرْ كَيْفَ تُحَدِّثُ، فَإِنِّي أَحَدُ السَّبْعَةِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ. فَلَمَّا فَرَغْتُ قَالَ: مَا كُنْتُ أَحْسَبُ أَحَدًا يَحْفَظُ هَذَا الْحَدِيثَ غَيْرِي.
قَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ: وَحَدَّثَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ، وَزَادَ: قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا عَرَّسَ وَعَلَيْهِ لَيْلٌ تَوَسَّدَ يَمِينَهُ، وَإِذَا عَرَّسَ

الصُّبْحَ، وَضَعَ رَأَسَهُ عَلَى كَفِّهِ الْيُمْنَى وَأَقَامَ سَاعِدَهُ. وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْحَارِثِ بْنِ رِبْعِيٍّ الْأَنْصَارِيِّ بِطُولِهِ، وَأَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِسَنَدِهِ الْأَخِيرِ أَيْضًا.
حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ أَنَسٍ يُشْبِهُ هَذَا: رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْحَافِظِ أَبِي يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ، ثَنَا شَيْبَانُ، ثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيُّ، ثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَهَّزَ جَيْشًا إِلَى الْمُشْرِكِينَ، فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَقَالَ لَهُمْ: أَجِدُّوا السَّيْرَ؛ فَإِنَّ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ مَاءً، إِنْ يَسْبِقِ الْمُشْرِكُونَ إِلَى ذَلِكَ الْمَاءِ شَقَّ عَلَى النَّاسِ، وَعَطِشْتُمْ عَطَشًا شَدِيدًا أَنْتُمْ وَدَوَابُّكُمْ ". قَالَ: وَتَخَلَّفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَمَانِيَةٍ أَنَا تَاسِعُهُمْ، وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: " هَلْ لَكَمَ أَنْ نُعَرِّسَ قَلِيلًا، ثُمَّ نَلْحَقَ بِالنَّاسِ ؟ " قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَعَرَّسُوا فَمَا أَيْقَظَهُمْ إِلَّا حَرُّ الشَّمْسِ، فَاسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَيْقَظَ أَصْحَابُهُ، فَقَالَ لَهُمْ: " تَقَدَّمُوا وَاقْضُوا حَاجَاتِكُمْ ". فَفَعَلُوا ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُمْ: " هَلْ مَعَ أَحَدٍ مِنْكُمْ مَاءٌ ؟ " قَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَعِي مِيضَأَةٌ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ. قَالَ " " فَجِئْ بِهَا ". فَجَاءَ بِهَا، فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَسَحَهَا بِكَفَّيْهِ،

وَدَعَا بِالْبَرَكَةِ فِيهَا، وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: " تَعَالَوْا فَتَوَضَّؤُوا " فَجَاءُوا وَجَعَلَ يَصُبُّ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تَوَضَّؤُوا كُلُّهُمْ، فَأَذَّنَ رَجُلٌ مِنْهُمْ وَأَقَامَ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِمْ، وَقَالَ لِصَاحِبِ الْمِيضَأَةِ: " ازْدَهِرْ بِمِيضَأَتِكَ فَسَيَكُونُ لَهَا نَبَأٌ ". وَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ النَّاسِ، وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: " مَا تَرَوْنَ النَّاسَ فَعَلُوا ؟ " فَقَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَقَالَ لَهُمْ: " فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَسَيَرْشُدُ النَّاسُ ". فَقَدِمَ النَّاسُ وَقَدْ سَبَقَ الْمُشْرِكُونَ إِلَى ذَلِكَ الْمَاءِ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ، وَعَطِشُوا عَطَشًا شَدِيدًا؛ رِكَابُهُمْ وَدَوَابُّهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَيْنَ صَاحِبُ الْمِيضَأَةِ ؟ " قَالُوا: هُوَ ذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: " جِئْنِي بِمِيضَأَتِكَ ". فَجَاءَ بِهَا وَفِيهَا شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ. فَقَالَ لَهُمْ: " تَعَالَوْا فَاشْرَبُوا ". فَجَعَلَ يَصُبُّ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى شَرِبَ النَّاسُ كُلُّهُمْ، وَسَقَوْا دَوَابَّهُمْ وَرِكَابَهُمْ وَمَلَؤُوا مَا كَانَ مَعَهُمْ مِنْ إِدَاوَةٍ وَقِرْبَةٍ وَمَزَادَةٍ، ثُمَّ نَهَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ إِلَى الْمُشْرِكِينَ، فَبَعَثَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، رِيحًا فَضَرَبَ وُجُوهَ الْمُشْرِكِينَ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ نَصْرَهُ، وَأَمْكَنَ مِنْ أَدْبَارِهِمْ، فَقَتَلُوا مِنْهُمْ مَقْتَلَةً عَظِيمَةً، وَأَسَرُوا أُسَارَى كَثِيرَةً، وَاسْتَاقُوا غَنَائِمَ كَثِيرَةً، وَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ وَافِرِينَ صَالِحِينَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا عَنْ جَابِرٍ مَا يُشْبِهُ هَذَا، وَهُوَ فِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ ".

وَقَدَّمْنَا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، فَذَكَرَ حَدِيثَ جَمْعِ الصَّلَاةِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ إِلَى أَنْ قَالَ: وَقَالَ - يَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إِنَّكُمْ سَتَأْتُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ، عَيْنَ تَبُوكَ وَإِنَّكُمْ لَنْ تَأْتُوهَا حَتَّى يُضْحِيَ ضُحَى النَّهَارِ، فَمَنْ جَاءَهَا فَلَا يَمَسَّ مِنْ مَائِهَا شَيْئًا حَتَّى آتِيَ ". قَالَ: فَجِئْنَاهَا وَقَدْ سَبَقَ إِلَيْهَا رَجُلَانِ، وَالْعَيْنُ مِثْلُ الشِّرَاكِ تَبِضُّ بِشَيْءٍ مِنْ مَاءٍ، فَسَأَلَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " هَلْ مَسَسْتُمَا مِنْ مَائِهَا شَيْئًا ؟ " قَالَا: نَعَمْ. فَسَبَّهُمَا وَقَالَ لَهُمَا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ، ثُمَّ غَرَفُوا مِنَ الْعَيْنِ قَلِيلًا قَلِيلًا حَتَّى اجْتَمَعَ فِي شَيْءٍ ثُمَّ غَسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ أَعَادَهُ فِيهَا، فَجَرَتِ الْعَيْنُ بِمَاءٍ كَثِيرٍ، فَاسْتَقَى النَّاسُ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا مُعَاذُ يُوشِكُ إِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ أَنْ تَرَى مَا هَاهُنَا قَدْ مُلِئَ جِنَانًا ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا حَسَنٌ، ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، ثَنَا بَكْرُ بْنُ سَوَادَةَ، عَنْ زِيَادِ بْنِ نُعَيْمٍ، عَنْ حِبَّانَ بْنِ بُحٍّ الصُّدَائِيِّ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِنَّ قَوْمِي كَفَرُوا، فَأُخْبِرْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَهَّزَ إِلَيْهِمْ جَيْشًا، فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: إِنَّ قَوْمِي عَلَى الْإِسْلَامِ. فَقَالَ: " أَكَذَلِكَ ؟ " فَقُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَاتَّبَعْتُهُ لَيْلَتِي إِلَى الصَّبَاحِ، فَأَذَّنْتُ بِالصَّلَاةِ لَمَّا أَصْبَحْتُ، وَأَعْطَانِي إِنَاءً تَوَضَّأْتُ مِنْهُ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَابِعَهُ فِي الْإِنَاءِ فَانْفَجَرَ عُيُونًا، فَقَالَ: " مَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَوَضَّأَ

فَلْيَتَوَضَّأْ ". فَتَوَضَّأْتُ وَصَلَّيْتُ، وَأَمَّرَنِي عَلَيْهِمْ، وَأَعْطَانِي صَدَقَتَهُمْ، فَقَامَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَلَانٌ ظَلَمَنِي. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا خَيْرَ فِي الْإِمْرَةِ لِمُسْلِمٍ ". ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَسَأَلَ صَدَقَةً، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ الصَّدَقَةَ صُدَاعٌ فِي الرَّأْسِ، وَحَرِيقٌ فِي الْبَطْنِ، أَوْ دَاءٌ ". قَالَ: فَأَعْطَيْتُهُ صَحِيفَتِي، أَوْ قَالَ: صَحِيفَةَ إِمْرَتِي وَصَدَقَتِي. فَقَالَ: " مَا شَأْنُكَ ؟ " فَقُلْتُ: كَيْفَ أَقْبَلُهَا وَقَدْ سَمِعْتُ مِنْكَ مَا سَمِعْتُ ؟! فَقَالَ: " هُوَ مَا سَمِعْتَ ".
وَذَكَرْنَا فِي بَابِ الْوُفُودِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَنْعَمَ، عَنْ زِيَادِ ابْنِ نُعَيْمٍ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ زِيَادِ بْنِ الْحَارِثِ الصُّدَائِيِّ فِي قِصَّةِ وِفَادَتِهِ، فَذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا فِيهِ:ثُمَّ قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لَنَا بِئْرًا إِذَا كَانَ الشِّتَاءُ وَسِعَنَا مَاؤُهَا وَاجْتَمَعْنَا عَلَيْهَا، وَإِذَا كَانَ الصَّيْفُ قَلَّ مَاؤُهَا فَتَفَرَّقْنَا عَلَى مِيَاهٍ حَوْلَنَا، وَقَدْ أَسْلَمْنَا، وَكُلُّ مَنْ حَوْلَنَا عَدُوٌّ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا فِي بِئْرِنَا فَيَسَعُنَا مَاؤُهَا فَنَجْتَمِعُ عَلَيْهِ وَلَا نَتَفَرَّقُ. فَدَعَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ فَعَرَكَهُنَّ بِيَدِهِ، وَدَعَا فِيهِنَّ ثُمَّ قَالَ: " اذْهَبُوا بِهَذِهِ الْحَصَيَاتِ، فَإِذَا أَتَيْتُمُ الْبِئْرَ فَأَلْقُوا وَاحِدَةً وَاحِدَةً وَاذْكُرُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ". قَالَ الصُّدَائِيُّ: فَفَعَلْنَا مَا قَالَ لَنَا، فَمَا اسْتَطَعْنَا بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ نَنْظُرَ

إِلَى قَعْرِهَا. يَعْنِي الْبِئْرَ. وَأَصَلُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي " الْمُسْنَدِ " وَ " سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ " وَ " التِّرْمِذِيِّ " وَ " ابْنِ مَاجَهْ " وَأَمَّا الْحَدِيثُ بِطُولِهِ فَفِي " دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ " لِلْبَيْهَقِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: بَابُ مَا ظَهَرَ فِي الْبِئْرِ الَّتِي كَانَتْ بِقُبَاءٍ مِنْ بَرَكَتِهِ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْعَلَوِيُّ، ثَنَا أَبُو حَامِدِ بْنُ الشَّرْقِيِّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَفْصِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، ثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَتَاهُمْ بِقُبَاءٍ فَسَأَلَهُ عَنْ بِئْرٍ هُنَاكَ. قَالَ: فَدَلَلْتُهُ عَلَيْهَا، فَقَالَ: لَقَدْ كَانَتْ هَذِهِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَنْضَحُ عَلَى حِمَارِهِ، فَيَنْزَحُ فَنَسْتَخْرِجُهَا لَهُ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَ بِذَنُوبٍ فَسُقِيَ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ تَوَضَّأَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ تَفَلَ فِيهِ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَأُعِيدَ فِي الْبِئْرِ. قَالَ فَمَا نُزِحَتْ بَعْدُ. قَالَ: فَرَأَيْتُهُ بَالَ، ثُمَّ جَاءَ فَتَوَضَّأَ، وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، ثُمَّ صَلَّى.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السُّكَيْنِ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ ثُمَامَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْزِلَنَا، فَسَقَيْنَاهُ مِنْ بِئْرٍ لَنَا فِي دَارِنَا كَانَتْ تُسَمَّى النَّزُورَ، فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَتَفَلَ

فِيهَا، فَكَانَتْ لَا تُنْزَحُ بَعْدُ. ثُمَّ قَالَ: لَا نَعْلَمُ هَذَا يُرْوَى إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.

بَابُ تَكْثِيرِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الْأَطْعِمَةَ لِلْحَاجَةِ إِلَيْهَا فِي غَيْرِ مَا مَوْطِنٍ كَمَا سَنُورِدُهُ مَبْسُوطًا
تَكْثِيرُهُ اللَّبَنَ فِي مَوَاطِنٍ أَيْضًا: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا رَوْحٌ، ثَنَا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ، عَنْ مُجَاهِدٍ،أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَقُولُ: وَاللَّهِ إِنْ كُنْتُ لَأَعْتَمِدُ بِكَبِدِي عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْجُوعِ، وَإِنْ كُنْتُ لَأَشُدُّ الْحَجَرَ عَلَى بَطْنِي مِنَ الْجُوعِ، وَلَقَدْ قَعَدْتُ يَوْمًا عَلَى طَرِيقِهِمُ الَّذِي يَخْرُجُونَ مِنْهُ، فَمَرَّ أَبُو بَكْرٍ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، مَا سَأَلْتُهُ إِلَّا لِيَسْتَتْبِعَنِي فَلَمْ يَفْعَلْ، فَمَرَّ عُمَرُ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، مَا سَأَلْتُهُ إِلَّا لِيَسْتَتْبِعَنِي فَلَمْ يَفْعَلْ، فَمَرَّ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَرَفَ مَا فِي وَجْهِي وَمَا فِي نَفْسِي، فَقَالَ: " أَبَا هُرَيْرَةَ ". فَقُلْتُ لَهُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ: " الْحَقْ ". وَاسْتَأْذَنْتُ فَأَذِنَ لِي، فَوَجَدْتُ لَبَنًا فِي قَدَحٍ فَقَالَ: " مِنْ أَيْنَ لَكُمْ هَذَا اللَّبَنُ ؟ " فَقَالُوا: أَهْدَاهُ لَنَا فُلَانٌ - أَوْ آلُ فُلَانٍ - قَالَ: " أَبَا هِرٍّ ". قَلْتُ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: " انْطَلِقْ إِلَى أَهْلِ الصُّفَّةِ فَادْعُهُمْ لِي ". قَالَ: وَأَهْلُ الصُّفَّةِ أَضْيَافُ الْإِسْلَامِ، لَا يَأْوُونَ إِلَى أَهْلٍ وَلَا مَالٍ، إِذَا جَاءَتْ

رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَدِيَّةٌ، أَصَابَ مِنْهَا وَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مِنْهَا، وَإِذَا جَاءَتْهُ الصَّدَقَةُ، أَرْسَلَ بِهَا إِلَيْهِمْ وَلَمْ يُصِبْ مِنْهَا. قَالَ: وَأَحْزَنَنِي ذَلِكَ، وَكُنْتُ أَرْجُو أَنْ أُصِيبَ مِنَ اللَّبَنِ شَرْبَةً أَتَقَوَّى بِهَا بَقِيَّةَ يَوْمِي وَلَيْلَتِي، وَقُلْتُ: أَنَا الرَّسُولُ، فَإِذَا جَاءَ الْقَوْمُ كُنْتُ أَنَا الَّذِي أُعْطِيهِمْ. وَقُلْتُ: مَا يَبْقَى لِي مِنْ هَذَا اللَّبَنِ ؟ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ بُدٌّ، فَانْطَلَقْتُ فَدَعَوْتُهُمْ، فَأَقْبَلُوا فَاسْتَأْذَنُوا فَأَذِنَ لَهُمْ، فَأَخَذُوا مَجَالِسَهُمْ مِنَ الْبَيْتِ، ثُمَّ قَالَ: " أَبَا هِرٍّ خُذْ فَأَعْطِهِمْ ". فَأَخَذْتُ الْقَدَحَ فَجَعَلْتُ أُعْطِيهِمْ، فَيَأْخُذُ الرَّجُلُ الْقَدَحَ، فَيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى، ثُمَّ يَرُدُّ الْقَدَحَ، وَأُعْطِيهِ الْآخَرَ، فَيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى، ثُمَّ يَرُدُّ الْقَدَحَ، حَتَّى أَتَيْتُ عَلَى آخِرِهِمْ، وَدَفَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخَذَ الْقَدَحَ فَوَضَعَهُ فِي يَدِهِ، وَبَقِيَ فِيهِ فَضْلَةٌ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَنَظَرَ إِلَيَّ وَتَبَسَّمَ وَقَالَ: " أَبَا هِرٍّ ". فَقُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: " بَقِيتُ أَنَا وَأَنْتَ " فَقُلْتُ: صَدَقْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: " اقْعُدْ فَاشْرَبْ ". قَالَ: فَقَعَدْتُ فَشَرِبْتُ، ثُمَّ قَالَ لِي: " اشْرَبْ " فَشَرِبْتُ، فَمَا زَالَ يَقُولُ لِي: " اشْرَبْ " فَأَشْرَبُ، حَتَّى قُلْتُ: لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أَجِدُ لَهُ فِيَّ مَسْلَكًا. قَالَ: " نَاوِلْنِي الْقَدَحِ ". فَرَدَدْتُ إِلَيْهِ الْقَدَحَ فَشَرِبَ مِنَ الْفَضْلَةِ. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ هَنَّادٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ، ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: صَحِيحٌ.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا أَبُوبَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنِي عَاصِمٌ، عَنْ زِرٍّ،عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كُنْتُ أَرْعَى غَنَمًا لِعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، فَمَرَّ بِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: " يَا غُلَامُ هَلْ مِنْ لَبَنٍ ؟ " قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، وَلَكِنِّي مُؤْتَمَنٌ. قَالَ: " فَهَلْ مِنْ شَاةٍ لَمْ يَنْزُ عَلَيْهَا الْفَحْلُ ؟ " فَأَتَيْتُهُ بِشَاةٍ فَمَسَحَ ضَرْعَهَا فَنَزَلَ لَبَنٌ، فَحَلَبَهُ فِي إِنَاءٍ فَشَرِبَ وَسَقَى أَبَا بَكْرٍ، ثُمَّ قَالَ لِلضَّرْعِ: " اقْلِصْ " فَقَلَصَ. قَالَ: ثُمَّ أَتَيْتُهُ بَعْدَ هَذَا فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي مِنْ هَذَا الْقَوْلِ. قَالَ فَمَسَحَ رَأْسِي وَقَالَ " يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَانْكَ غُلَيِّمٌ مُعَلَّمٌ ".
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ، عَنْ زِرٍّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَقَالَ فِيهِ: ( فَأَتَيْتُهُ بِعَنَاقٍ جَذَعَةٍ، فَاعْتَقَلَهَا ثُمَّ جَعَلَ يَمْسَحُ ضَرْعَهَا وَيَدْعُو، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ بِحَجَفَةٍ، فَحَلَبَ فِيهَا وَسَقَى أَبَا بَكْرٍ ثُمَّ شَرِبَ، ثُمَّ قَالَ لِلضَّرْعِ: " اقْلِصْ " فَقَلَصَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلِّمْنِي مِنْ هَذَا الْقَوْلِ. فَمَسَحَ رَأْسِي وَقَالَ: " إِنَّكَ غُلَامٌ مُعَلَّمٌ ". فَأَخَذْتُ عَنْهُ سَبْعِينَ سُورَةً مَا نَازَعَنِيهَا بِشَرٌ. وَتَقَدَّمَ فِي الْهِجْرَةِ حَدِيثُ أُمِّ مَعْبَدٍ، وَحَلْبُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ شَاتَهَا، وَكَانَتْ عَجْفَاءَ لَا لَبَنَ لَهَا، فَشَرِبَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، وَغَادَرَ عِنْدَهَا إِنَاءً كَبِيرًا مِنْ لَبَنٍ حَتَّى جَاءَ زَوْجُهَا. وَتَقَدَّمَ فِي ذِكْرِ مَنْ كَانَ يَخْدُمُهُ مِنْ غَيْرِ مَوَالِيهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ، حِينَ شَرِبَ اللَّبَنَ الَّذِي كَانَ

قَدْ جَاءَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَامَ مِنَ اللَّيْلِ لِيَذْبَحَ لَهُ شَاةً فَوَجَدَ لَبَنًا كَثِيرًا فَحَلَبَ مَا مَلَأَ مِنْهُ إِنَاءً كَبِيرًا جِدًّا. الْحَدِيثَ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: ثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ ابْنَةِ خَبَّابٍ، أَنَّهَا أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ فَاعْتَقَلَهَا وَحَلَبَهَا، فَقَالَ " " ائْتِنِي بِأَعْظَمِ إِنَاءٍ لَكُمْ ". فَأَتَيْنَاهُ بِجَفْنَةِ الْعَجِينِ، فَحَلَبَ فِيهَا حَتَّى مَلَأَهَا، ثُمَّ قَالَ: " اشْرَبُوا أَنْتُمْ وَجِيرَانُكُمْ ".
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ بِبَغْدَادَ، أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَرَجِ الْأَزْرَقُ، ثَنَا عِصْمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْخَزَّازُ، ثَنَا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ الرُّمَّانِيِّ، عَنْ نَافِعٍ، وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، وَكُنَّا زُهَاءَ أَرْبَعِمِائَةٍ، فَنَزَلْنَا فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ فِيهِ مَاءٌ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِهِ وَقَالُوا: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمُ. قَالَ: فَجَاءَتْ شُوَيْهَةٌ لَهَا قَرْنَانِ، فَقَامَتْ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَلَبَهَا فَشَرِبَ حَتَّى رَوَى، وَسَقَى أَصْحَابَهُ حَتَّى رَوَوْا، ثُمَّ قَالَ: " يَا نَافِعُ امْلِكْهَا اللَّيْلَةَ، وَمَا أُرَاكَ تَمْلِكُهَا ". قَالَ: فَأَخَذْتُهَا فَوَتَدْتُ لَهَا وَتَدًا، ثُمَّ رَبَطْتُهَا بِحَبْلٍ، ثُمَّ قُمْتُ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ فَلَمْ أَرَ الشَّاةَ، وَرَأَيْتُ الْحَبْلَ مَطْرُوحًا، فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرْتُهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَسْأَلَنِي، فَقَالَ: " يَا نَافِعُ ذَهَبَ بِهَا الَّذِي جَاءَ بِهَا ". قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ خَلَفِ بْنِ الْوَلِيدِ أَبِي الْوَلِيدِ الْأَزْدِيِّ، عَنْ خَلَفِ بْنِ

خَلِيفَةَ، عَنْ أَبَانِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ عَنْ نَافِعٍ، فَذَكَرَهُ. وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا إِسْنَادًا وَمَتْنًا.
ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْمَالِينِيُّ، أَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ، أَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ ابْنِ أَبِي مَرْيَمَ، ثَنَا أَبُو حَفْصٍ الرِّيَاحِيُّ، ثَنَا عَامِرُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ الْخَزَّازُ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ - يَعْنِي مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " احْلِبْ لِي تِلْكَ الْعَنْزَ " قَالَ وَعَهْدِي بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ لَا عَنْزَ فِيهِ. قَالَ: فَأَتَيْتُ فَإِذَا بِعَنْزٍ حَافِلٍ. قَالَ: فَاحْتَلَبْتُهَا، وَاحْتَفَظْتُ بِالْعَنْزِ وَأَوْصَيْتُ بِهَا. قَالَ: فَاشْتَغَلْنَا بِالرِّحْلَةِ فَفَقَدْتُ الْعَنْزَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ فَقَدْتُ الْعَنْزَ. فَقَالَ: " إِنَّ لَهَا رَبًّا " وَهَذَا أَيْضًا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا إِسْنَادًا وَمَتْنًا، وَفِي إِسْنَادِهِ مَنْ لَا يُعْرَفُ حَالُهُ. وَسَيَأْتِي حَدِيثُ الْغَزَالَةِ فِي قِسْمٍ مَا يَتَعَلَّقُ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ بِالْحَيَوَانَاتِ.

تَكْثِيرُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ السَّمْنَ لِأُمِّ سُلَيْمٍ
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ الْبُرْجُمِيُّ، عَنْ

أَبِي الظِّلَالِ،عَنْ أَنَسٍ عَنْ أُمِّهِ، قَالَ: كَانَتْ لَهَا شَاةٌ فَجَمَعَتْ مِنْ سَمْنِهَا فِي عُكَّةٍ، فَمَلَأَتِ الْعُكَّةَ ثُمَّ بَعَثَتْ بِهَا مَعَ رَبِيبَةَ فَقَالَتْ: يَا رَبِيبَةُ، أَبْلِغِي هَذِهِ الْعُكَّةَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتَدِمُ بِهَا. فَانْطَلَقَتْ بِهَا رَبِيبَةُ حَتَّى أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذِهِ عُكَّةُ سَمْنٍ بَعَثَتْ بِهَا إِلَيْكَ أُمُّ سُلَيْمٍ. قَالَ: " فَرِّغُوا لَهَا عُكَّتَهَا ". فَفُرِّغَتِ الْعُكَّةُ فَدُفِعَتْ إِلَيْهَا، فَانْطَلَقَتْ بِهَا، وَجَاءَتْ وَأُمُّ سُلَيْمٍ لَيْسَتْ فِي الْبَيْتِ، فَعَلَّقَتِ الْعُكَّةَ عَلَى وَتَدٍ، فَجَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ فَرَأَتِ الْعُكَّةَ مُمْتَلِئَةً تَقْطُرُ، فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: يَا رَبِيبَةُ، أَلَيْسَ أَمَرْتُكِ أَنْ تَنْطَلِقِي بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَتْ: قَدْ فَعَلْتُ، فَإِنْ لَمْ تُصَدِّقِينِي فَانْطَلِقِي فَسَلِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَانْطَلَقَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ وَمَعَهَا رَبِيبَةُ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي بَعَثْتُ مَعَهَا إِلَيْكَ بِعُكَّةٍ فِيهَا سَمْنٌ. قَالَ: " قَدْ فَعَلَتْ، قَدْ جَاءَتْ بِهَا ". قَالَتْ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ وَدِينِ الْحَقِّ، إِنَّهَا لَمُمْتَلِئَةٌ تَقْطُرُ سَمْنًا! قَالَ: فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا أُمَّ سُلَيْمٍ، أَتَعْجَبِينَ أَنْ كَانَ اللَّهُ أَطْعَمَكِ كَمَا أَطْعَمْتِ نَبِيَّهُ ؟ كُلِي وَأَطْعِمِي " قَالَتْ: فَجِئْتُ إِلَى الْبَيْتِ فَقَسَمْتُ فِي قَعْبٍ لَنَا وَكَذَا وَكَذَا، وَتَرَكْتُ فِيهَا مَا ائْتَدَمْنَا بِهِ شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ.
حَدِيثٌ آخَرُ فِي ذَلِكَ: قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا الْحَاكِمُ، أَنَا الْأَصَمُّ، ثَنَا عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ بَحْرٍ الْقَطَّانُ، ثَنَا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ

الرُّمَّانِيِّ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَوْسِ بْنِ خَالِدٍ،عَنْ أُمِّ أَوْسٍ الْبَهْزِيَّةِ قَالَتْ: سَلَيْتُ سَمْنًا لِي فَجَعَلْتُهُ فِي عُكَّةٍ، فَأَهْدَيْتُهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبِلَهُ، وَتَرَكَ فِي الْعُكَّةِ قَلِيلًا، وَنَفَخَ فِيهِ وَدَعَا بِالْبَرَكَةِ، ثُمَّ قَالَ: " رُدُّوا عَلَيْهَا عُكَّتَهَا ". فَرَدُّوهَا عَلَيْهَا وَهِيَ مَمْلُوءَةٌ سَمْنًا. قَالَتْ: فَظَنَنْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ سَلَّمَ لَمْ يَقْبَلْهَا، فَجَاءَتْ وَلَهَا صُرَاخٌ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا سَلَيْتُهُ لَكَ لِتَأْكُلَهُ. فَعَلِمَ أَنَّهُ قَدِ اسْتُجِيبَ لَهُ، فَقَالَ: " اذْهَبُوا فَقُولُوا لَهَا فَلْتَأْكُلْ سَمْنَهَا وَتَدْعُو بِالْبَرَكَةِ " فَأَكَلَتْ بَقِيَّةَ عُمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوِلَايَةَ أَبِي بَكْرٍ وَوِلَايَةَ عُمَرَ، وَوِلَايَةَ عُثْمَانَ، حَتَّى كَانَ مِنْ أَمْرِ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ مَا كَانَ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الْبَيْهَقِيُّ، عَنِ الْحَاكِمِ، عَنِ الْأَصَمِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ أَبِي الْمُسَاوِرِ الْقُرَشِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَتِ امْرَأَةٌ مِنْ دَوْسٍ يُقَالُ لَهَا: أُمُّ شَرِيكٍ. أَسْلَمَتْ فِي رَمَضَانَ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي هِجْرَتِهَا وَصُحْبَةِ ذَلِكَ الْيَهُودِيِّ لَهَا، وَأَنَّهَا عَطِشَتْ، فَأَبَى أَنْ يَسْقِيَهَا حَتَّى تَهَوَّدَ، فَنَامَتْ فَرَأَتْ فِي النَّوْمِ مَنْ يَسْقِيهَا، فَاسْتَيْقَظَتْ وَهِيَ رَيَّانَةٌ، فَلَمَّا جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَصَّتْ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ، فَخَطَبَهَا إِلَى نَفْسِهَا، فَرَأَتْ نَفْسَهَا أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، وَقَالَتْ: بَلْ زَوِّجْنِي مَنْ شِئْتَ. فَزَوَّجَهَا زَيْدًا وَأَمَرَ لَهَا بِثَلَاثِينَ صَاعًا، وَقَالَ: " كُلُوا وَلَا

تَكِيلُوا ". وَكَانَتْ مَعَهَا عُكَّةُ سَمْنٍ هَدِيَّةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَتْ جَارِيَتَهَا أَنْ تَحْمِلَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَفُرِّغَتْ، وَأَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَدَّتْهَا أَنْ تُعَلِّقَهَا وَلَا تُوكِئَهَا، فَدَخَلَتْ أُمُّ شَرِيكٍ، فَوَجَدَتْهَا مَلْأَى، فَقَالَتْ لِلْجَارِيَةِ: أَلَمْ آمُرْكِ أَنْ تَذْهَبِي بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَتْ: قَدْ فَعَلْتُ. فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ لَا يُوكِئُوهَا، فَلَمْ تَزَلْ حَتَّى أَوْكَتْهَا أُمُّ شَرِيكٍ، ثُمَّ كَالُوا الشَّعِيرَ فَوَجَدُوهُ ثَلَاثِينَ صَاعًا لَمْ يَنْقُصْ مِنْهُ شَيْءٌ..
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ، ثَنَا يَزِيدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ يَزِيدَ الْخُزَاعِيُّ أَبُو خَالِدٍ، ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْزَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ:خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى تَبُوكَ وَكُنْتُ عَلَى خِدْمَتِهِ ذَلِكَ السَّفَرَ، فَنَظَرْتُ إِلَى نِحْيِ السَّمْنِ وَقَدْ قَلَّ مَا فِيهِ، وَهَيَّأْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا، وَوَضَعْتُ النِّحْيَ فِي الشَّمْسِ وَنَمِتُ، فَانْتَبَهْتُ بِخَرِيرِ النِّحْيِ، فَقُمْتُ فَأَخَذْتُ بِرَأْسِهِ بِيَدِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَوْ تَرَكْتَهُ لَسَالَ وَادِيًا سَمْنًا " حَدِيثٌ آخَرُ فِي ذَلِكَ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا مُوسَى، ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، ثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ الْبَهْزِيَّةَ أُمَّ مَالِكٍ كَانَتْ تُهْدِي فِي عُكَّةٍ لَهَا سَمْنًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَيْنَمَا بَنُوهَا يَسْأَلُونَهَا الْإِدَامَ وَلَيْسَ عِنْدَهَا شَيْءٌ، فَعَمَدَتْ إِلَى نِحْيِهَا الَّتِي

كَانَتْ تُهْدِي فِيهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدَتْ فِيهِ سَمْنًا، فَمَا زَالَ يُقِيمُ لَهَا إِدَامَ بَيْتِهَا حَتَّى عَصَرَتْهُ، وَأَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " أَعَصَرْتِيهِ ؟ " فَقَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: " لَوْ تَرَكْتِيهِ مَا زَالَ ذَلِكَ مُقِيمًا ".
ثُمَّ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَتَاهُ رَجُلٌ يَسْتَطْعِمُهُ، فَأَطْعَمَهُ شَطْرَ وَسْقِ شَعِيرٍ، فَمَا زَالَ الرَّجُلُ يَأْكُلُ مِنْهُ هُوَ وَامْرَأَتُهُ وَضَيْفٌ لَهُمْ حَتَّى كَالُوهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَوْ لَمْ تَكِيلُوهُ لَأَكَلْتُمْ مِنْهُ وَلَقَامَ لَكُمْ " وَقَدْ رَوَى هَذَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ.


ذِكْرُ ضِيَافَةِ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ فِي تَكْثِيرِهِ الطَّعَامَ النَّزْرَ، حَتَّى عَمَّ مَنْ هُنَالِكَ مِنَ الضِّيفَانِ وَأَهْلِ الْمَنْزِلِ وَالْجِيرَانِ
قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ

بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ أَبُو طَلْحَةَ لِأُمِّ سُلَيْمٍ: لَقَدْ سَمِعْتُ صَوْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَعِيفًا أَعْرِفُ فِيهِ الْجُوعَ، فَهَلْ عِنْدَكِ مِنْ شَيْءٍ ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. فَأَخْرَجَتْ أَقْرَاصًا مِنْ شَعِيرٍ، ثُمَّ أَخْرَجَتْ خِمَارًا لَهَا، فَلَفَّتِ الْخُبْزَ بِبَعْضِهِ، ثُمَّ دَسَّتْهُ تَحْتَ يَدِي وَلَاثَتْنِي بِبَعْضِهِ، ثُمَّ أَرْسَلَتْنِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَذَهَبْتُ بِهِ، فَوَجَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ وَمَعَهُ النَّاسُ، فَقُمْتُ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَرْسَلَكَ أَبُو طَلْحَةَ ؟ " فَقُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: " بِطَعَامٍ ؟ " فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ مَعَهُ: " قُومُوا " فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقْتُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ حَتَّى جِئْتُ أَبَا طَلْحَةَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ، قَدْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ، وَلَيْسَ عِنْدَنَا مَا نُطْعِمُهُمْ. فَقَالَتْ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَانْطَلَقَ أَبُو طَلْحَةَ حَتَّى لَقِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو طَلْحَةَ مَعَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَلُمِّي يَا أُمَّ سُلَيْمٍ، مَا عِنْدَكِ ؟ " فَأَتَتْ بِذَلِكَ الْخُبْزِ، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفُتَّ، وَعَصَرَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ عُكَّةً فَأَدَمَتْهُ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ، ثُمَّ قَالَ: " ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ ". فَأَذِنَ لَهُمْ، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ: " ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ ". فَأَذِنَ لَهُمْ. فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ: " ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ " فَأَذِنَ لَهُمْ، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ: " ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ ". فَأَكَلَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ وَالْقَوْمُ سَبْعُونَ أَوْ ثَمَانُونَ رَجُلًا. وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ مِنْ " صَحِيحِهِ " وَمُسْلِمٌ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ مَالِكٍ بِهِ.

طَرِيقٌ آخَرُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ أَبُو يَعْلَى: ثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، ثَنَا مُبَارَكُ بْنُ فُضَالَةَ، ثَنَا بَكْرٌ وَثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، عَنْ أَنَسٍ،أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَاوِيًا، فَجَاءَ إِلَى أُمِّ سُلَيْمٍ، فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَاوِيًا، فَهَلْ عِنْدَكِ مِنْ شَيْءٍ ؟ قَالَتْ: مَا عِنْدَنَا إِلَّا نَحْوٌ مِنْ مُدِّ دَقِيقِ شَعِيرٍ. قَالَ: فَاعْجِنِيهِ وَأَصْلِحِيهِ، عَسَى أَنْ نَدْعُوَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَأْكُلَ عِنْدَنَا. قَالَ: فَعَجَنَتْهُ وَخَبَزَتْهُ، فَجَاءَ قُرْصًا، فَقَالَ لِي: يَا أَنَسُ، ادْعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ نَاسٌ. قَالَ مُبَارَكٌ: أَحْسَبُهُ قَالَ: بِضْعَةٌ وَثَمَانُونَ. قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَبُو طَلْحَةَ يَدْعُوكَ. فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: " أَجِيبُوا أَبَا طَلْحَةَ ". فَجِئْتُ جَزِعًا حَتَّى أَخْبَرْتُهُ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ بِأَصْحَابِهِ. قَالَ بَكْرٌ: فَقَفَدَنِي قَفْدَةً. وَقَالَ ثَابِتٌ: قَالَ أَبُو طَلْحَةَ: رَسُولُ اللَّهِ أَعْلَمُ بِمَا فِي بَيْتِي مِنِّي. وَقَالَا جَمِيعًا عَنْ أَنَسٍ: فَاسْتَقْبَلَهُ أَبُو طَلْحَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا عِنْدَنَا شَيْءٌ إِلَّا قُرْصٌ، رَأَيْتُكَ طَاوِيًا فَأَمَرْتُ أُمَّ سُلَيْمٍ فَجَعَلَتْ لَكَ قُرْصًا. قَالَ: فَدَعَا بِالْقُرْصِ، وَدَعَا بِجَفْنَةٍ فَوَضَعَهُ فِيهَا وَقَالَ: " هَلْ مِنْ سَمْنٍ ؟ " قَالَ أَبُو طَلْحَةَ: قَدْ كَانَ فِي الْعُكَّةِ شَيْءٌ. قَالَ: فَجَاءَ بِهَا. قَالَ: فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو طَلْحَةَ يَعْصِرَانِهَا حَتَّى خَرَجَ شَيْءٌ مَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ سَبَّابَتَهُ، ثُمَّ مَسَحَ الْقُرْصُ فَانْتَفَخَ، فَقَالَ: " بِسْمِ اللَّهِ ". فَانْتَفَخَ الْقُرْصُ، فَلَمْ يَزَلْ يَصْنَعُ كَذَلِكَ وَالْقُرْصُ يَنْتَفِخُ، حَتَّى رَأَيْتُ الْقُرْصَ فِي

الْجَفْنَةِ يَتَصَيَّعُ، فَقَالَ: " ادْعُ عَشَرَةً مِنْ أَصْحَابِي ". فَدَعَوْتُ لَهُ عَشَرَةً، قَالَ: فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ وَسَطَ الْقُرْصِ، وَقَالَ: " كُلُوا بِسْمِ اللَّهِ ". فَأَكَلُوا مِنْ حَوَالَيِ الْقُرْصِ حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ قَالَ: " ادْعُ لِي عَشَرَةً آخَرِينَ ". فَدَعَوْتُ لَهُ عَشَرَةً أُخْرَى، فَقَالَ: " كُلُوا بِسْمِ اللَّهِ ". فَأَكَلُوا مِنْ حَوَالَيِ الْقُرْصِ حَتَّى شَبِعُوا، فَلَمْ يَزَلْ يَدْعُو عَشَرَةً عَشَرَةً يَأْكُلُونَ مِنْ ذَلِكَ الْقُرْصِ، حَتَّى أَكَلَ مِنْهُ بِضْعَةٌ وَثَمَانُونَ مِنْ حَوَالَيِ الْقُرْصِ حَتَّى شَبِعُوا، وَإِنَّ وَسَطَ الْقُرْصِ حَيْثُ وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ كَمَا هُوَ. وَهَذَا إِسْنَادٌ حَسَنٌ عَلَى شَرْطِ أَصْحَابِ السُّنَنِ، وَلَمْ يُخْرِجُوهُ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، ثَنَا سَعْدٌ - يَعْنِي ابْنَ سَعِيدِ بْنِ قَيْسٍ - ( أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: بَعَثَنِي أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَدْعُوَهُ، وَقَدْ جَعَلَ لَهُ طَعَامًا. قَالَ: فَأَقْبَلْتُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ النَّاسِ. قَالَ: فَنَظَرَ إِلَيَّ فَاسْتَحْيَيْتُ، فَقُلْتُ: أَجِبْ أَبَا طَلْحَةَ. فَقَالَ لِلنَّاسِ: " قُومُوا " فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا صَنَعْتُ شَيْئًا لَكَ! قَالَ فَمَسَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدَعَا فِيهَا بِالْبَرَكَةِ، ثُمَّ قَالَ: " أَدْخِلْ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِي عَشَرَةً ". فَقَالَ: " كُلُوا ". فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا وَخَرَجُوا، وَقَالَ: "

أَدْخِلْ عَشَرَةً ". فَقَالَ: " كُلُوا " فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، فَمَا زَالَ يُدْخِلُ عَشَرَةً وَيُخْرِجُ عَشَرَةً حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَ فَأَكَلَ حَتَّى شَبِعَ، ثُمَّ هَيَّأَهَا فَإِذَا هِيَ مِثْلُهَا حِينَ أَكَلُوا مِنْهَا وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ يَحْيَى الْأُمَوِيِّ عَنْ أَبِيهِ، كِلَاهُمَا عَنْ سَعْدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ قَيْسٍ الْأَنْصَارِيِّ.
طَرِيقٌ أُخْرَى: رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الْأَطْعِمَةِ، عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَخْلَدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسٍ، فَذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ. وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ الْمَكِّيِّ، عَنْ حَاتِمٍ، عَنْ مُعَاوِيَةِ بْنِ أَبِي مُزَرِّدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ، فَذَكَرَهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَنَسٍ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، ثَنَا حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:أَتَى أَبُو طَلْحَةَ بِمُدَّيْنِ مِنْ شَعِيرٍ، فَأَمَرَ بِهِ فَصُنِعَ طَعَامًا، ثُمَّ قَالَ لِي: يَا أَنَسُ، انْطَلِقِ ائْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَادْعُهُ، وَقَدْ تَعْلَمُ مَا عِنْدَنَا. قَالَ: فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ عِنْدَهُ، فَقُلْتُ: إِنَّ أَبَا طَلْحَةَ يَدْعُوكَ إِلَى طَعَامٍ. فَقَامَ

وَقَالَ لِلنَّاسِ " قُومُوا " فَقَامُوا، فَجِئْتُ أَمْشِي بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَى أَبِي طَلْحَةَ فَأَخْبَرْتُهُ، قَالَ: فَضَحْتَنَا! قُلْتُ: إِنِّي لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أَرُدَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرَهُ. فَلَمَّا انْتَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْبَابِ قَالَ لَهُمْ: " اقْعُدُوا ". وَدَخَلَ عَاشِرَ عَشَرَةٍ، فَلَمَّا دَخَلَ أُتِيَ بِالطَّعَامِ، تَنَاوَلَ فَأَكَلَ وَأَكَلَ مَعَهُ الْقَوْمُ حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: " قُومُوا وَلْيَدْخُلْ عَشَرَةٌ مَكَانَكُمْ ". حَتَّى دَخَلَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ وَأَكَلُوا. قَالَ: قُلْتُ: كَمْ كَانُوا ؟ قَالَ: كَانُوا نَيِّفًا وَثَمَانِينَ. قَالَ: وَفَضَلَ لِأَهْلِ الْبَيْتِ مَا أَشْبَعَهُمْ. وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الْأَطْعِمَةِ، عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ الرَّقِّيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:أَمَرَ أَبُو طَلْحَةَ أُمَّ سُلَيْمٍ؛ قَالَ: اصْنَعِي لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ خَاصَّةً طَعَامًا يَأْكُلُ مِنْهُ. فَذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَنَسٍ: قَالَ أَبُو يَعْلَى: ثَنَا شُجَاعُ بْنُ مَخْلَدٍ، ثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ ثَنَا أَبِي، سَمِعْتُ جَرِيرَ بْنَ زَيْدٍ يُحَدِّثُ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ:رَأَى أَبُو طَلْحَةَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ مُضْطَجِعًا يَتَقَلَّبُ ظَهْرًا لِبَطْنٍ، فَأَتَى أُمَّ سُلَيْمٍ فَقَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُضْطَجِعًا فِي الْمَسْجِدِ يَتَقَلَّبُ ظَهْرًا لِبَطْنٍ، وَلَا أَرَاهُ إِلَّا جَائِعًا. فَخَبَزَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ قُرْصًا، ثُمَّ قَالَ لِي أَبُو طَلْحَةَ: اذْهَبْ فَادْعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَأَتَيْتُهُ وَعِنْدَهُ

أَصْحَابُهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، يَدْعُوكَ أَبُو طَلْحَةَ. فَقَامَ وَقَالَ " قُومُوا " قَالَ: فَجِئْتُ أَسْعَى إِلَى أَبِي طَلْحَةَ، فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَاءَ وَمَعَهُ أَصْحَابُهُ، فَتَلَقَّاهُ أَبُو طَلْحَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا هُوَ قُرْصٌ. فَقَالَ: " إِنَّ اللَّهَ سَيُبَارِكُ فِيهِ ". فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجِيءَ بِالْقُرْصِ فِي قَصْعَةٍ فَقَالَ: " هَلْ مِنْ سَمْنٍ ؟ " فَجِيءَ بِشَيْءٍ مِنْ سَمْنٍ، فَغَوَّرَ الْقُرْصَ بِأُصْبُعِهِ هَكَذَا، وَرَفَعَهَا ثُمَّ صَبَّ وَقَالَ: " كُلُوا مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِي ". فَأَكَلَ الْقَوْمُ حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ قَالَ: " أَدْخِلْ عَلِيَّ عَشَرَةً ". فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، حَتَّى أَكَلَ الْقَوْمُ فَشَبِعُوا، وَأَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو طَلْحَةَ وَأُمُّ سُلَيْمٍ وَأَنَا حَتَّى شَبِعْنَا. وَفَضَلَتْ فَضْلَةٌ أَهْدَيْنَا لِجِيرَانٍ لَنَا. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الْأَطْعِمَةِ مِنْ " صَحِيحِهِ " عَنْ حَسَنٍ الْحُلْوَانِيِّ، عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمِّهِ جَرِيرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، فَذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَنَسٍ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثَنَا حَمَّادٌ، يَعْنِي ابْنَ زَيْدٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، يَعْنِي ابْنَ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسٍ - قَالَ حَمَّادٌ: وَالْجَعْدُ قَدْ ذَكَرَهُ - قَالَ: عَمَدَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ إِلَى نِصْفِ مُدِّ شَعِيرٍ فَطَحَنَتْهُ، ثُمَّ عَمَدَتْ إِلَى عُكَّةٍ كَانَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ سَمْنٍ، فَاتَّخَذَتْ مِنْهُ

خَطِيفَةً. قَالَ: ثُمَّ أَرْسَلَتْنِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ فِي أَصْحَابِهِ فَقُلْتُ: إِنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ أَرْسَلَتْنِي إِلَيْكَ تَدْعُوكَ. فَقَالَ: " أَنَا وَمَنْ مَعِي ". قَالَ: فَجَاءَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ. قَالَ: فَدَخَلْتُ فَقُلْتُ لِأَبِي طَلْحَةَ: قَدْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ مَعَهُ. قَالَ: فَخَرَجَ أَبُو طَلْحَةَ فَمَشَى إِلَى جَنْبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا هِيَ خَطِيفَةٌ اتَّخَذَتْهَا أُمُّ سُلَيْمٍ مِنْ نِصْفِ مُدِّ شَعِيرٍ! قَالَ: فَدَخَلَ فَأَتَى بِهِ. قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ فِيهَا، ثُمَّ قَالَ: " أَدْخِلْ عَشَرَةً ". قَالَ: فَدَخَلَ عَشَرَةٌ، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ دَخَلَ عَشَرَةٌ فَأَكَلُوا، ثُمَّ عَشَرَةٌ فَأَكَلُوا، حَتَّى أَكَلَ مِنْهَا أَرْبَعُونَ، كُلُّهُمْ أَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا قَالَ: وَبَقِيَتْ كَمَا هِيَ. قَالَ فَأَكَلْنَا.
وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَطْعِمَةِ، عَنِ الصَّلْتِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ الْجَعْدِ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أَنَسٍ، وَعَنْ هِشَامِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَنَسٍ، وَعَنْ سِنَانٍ أَبِي رَبِيعَةَ، عَنْ أَنَسٍ،أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ عَمَدَتْ إِلَى مُدٍّ مِنْ شَعِيرٍ جَشَّتْهُ، وَجَعَلَتْ مِنْهُ خَطِيفَةً، وَعَمَدَتْ إِلَى عُكَّةٍ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ سَمْنٍ فَعَصَرَتْهُ، ثُمَّ بَعَثَتْنِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي أَصْحَابِهِ. الْحَدِيثَ بِطُولِهِ.
وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ، ثَنَا عَمْرُو بْنُ الضَّحَّاكِ، ثَنَا أَبِي، سَمِعْتُ

أَشْعَثَ الْحُمْرَانِيَّ قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ،أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ بَلَغَهُ أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامٌ، فَذَهَبَ فَآجَرَ نَفْسَهُ بِصَاعٍ مِنْ شَعِيرٍ، فَعَمِلَ يَوْمَهُ ذَلِكَ، فَجَاءَ بِهِ وَأَمَرَ أُمَّ سُلَيْمٍ أَنْ تَعْمَلَهُ خَطِيفَةً. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَنَسٍ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ثَنَا: يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثَنَا حَرْبُ بْنُ مَيْمُونٍ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:قَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: اذْهَبْ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْ: إِنْ رَأَيْتَ أَنْ تَغَدَّى عِنْدَنَا فَافْعَلْ. فَجِئْتُهُ فَبَلَّغْتُهُ، فَقَالَ: " وَمَنْ عِنْدِي ؟ " قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: " انْهَضُوا " قَالَ: فَجِئْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سُلَيْمٍ وَأَنَا لَدَهِشٌ؛ لِمَنْ أَقْبَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: مَا صَنَعْتَ يَا أَنَسُ ؟ ! فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إِثْرِ ذَلِكَ، فَقَالَ: " هَلْ عِنْدَكِ سَمْنٌ ؟ " قَالَتْ: نَعَمْ، قَدْ كَانَ مِنْهُ عِنْدِي عُكَّةٌ، وَفِيهَا شَيْءٌ مِنْ سَمْنٍ. قَالَ: " فَأْتِيِنِّهَا ". قَالَتْ: فَجِئْتُ بِهَا، فَفَتَحَ رِبَاطَهَا ثُمَّ قَالَ: " بِسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ أَعْظِمْ فِيهَا الْبَرَكَةَ ". قَالَ: فَقَالَ: " اقْلِبِيهَا " فَقَلَبْتُهَا فَعَصَرَهَا نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُسَمِّي. قَالَ: فَأَخَذَتْ تَقَعُ فِدَرًا، فَأَكَلَ مِنْهَا بِضْعٌ وَثَمَانُونَ

رَجُلًا وَفَضَلَ فَضْلَةٌ فَدَفَعَهَا إِلَى أُمِّ سُلَيْمٍ، فَقَالَ: " كُلِي وَأَطْعِمِي جِيرَانَكِ " وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الْأَطْعِمَةِ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ الشَّاعِرِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُؤَدِّبِ بِهِ.
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ الْمَازِنِيِّ، عَنْ أَبِيهِعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ أُمَّهُ أُمَّ سُلَيْمٍ صَنَعَتْ خَزِيرًا، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: اذْهَبْ يَا بُنَيَّ، فَادْعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَجِئْتُهُ وَهُوَ بَيْنَ ظَهَرَانَيِ النَّاسِ، فَقُلْتُ: إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ. قَالَ: فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ لِلنَّاسِ: " انْطَلِقُوا ". قَالَ: فَلَمَّا رَأَيْتُهُ قَامَ بِالنَّاسِ تَقَدَّمْتُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، فَجِئْتُ أَبَا طَلْحَةَ فَقُلْتُ: يَا أَبَهْ، قَدْ جَاءَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاسِ. قَالَ: فَقَامَ أَبُو طَلْحَةَ عَلَى الْبَابِ وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا. فَقَالَ: " هَلُمَّهُ، فَإِنَّ اللَّهَ سَيَجْعَلُ فِيهِ الْبَرَكَةَ ". فَجَاءَ بِهِ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ فِيهِ، وَدَعَا اللَّهَ بِمَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدْعُوَ، ثُمَّ قَالَ: " أَدْخِلْ عَشَرَةً عَشَرَةً ". فَجَاءَهُ مِنْهُمْ ثَمَانُونَ فَأَكَلُوا وَشَبِعُوا وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الْأَطْعِمَةِ، عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنِ الْقَعْنَبِيِّ عَنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ بْنِ أَبِي حَسَنٍ الْأَنْصَارِيِّ الْمَازِنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ بِنَحْوِ مَا تَقَدَّمَ.

طَرِيقٌ أُخْرَى: وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الْأَطْعِمَةِ أَيْضًا، عَنْ حَرْمَلَةَ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ اللَّيْثِيِّ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسٍ، كَنَحْوِ مَا تَقَدَّمَ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَفِي بَعْضِ حَدِيثِ هَؤُلَاءِ: ثُمَّ أَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَكَلَ أَهْلُ الْبَيْتِ، وَأَفْضَلُوا مَا بَلَغَ جِيرَانَهُمْ.
فَهَذِهِ طُرُقٌ مُتَوَاتِرَةٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ شَاهَدَ ذَلِكَ - عَلَى مَا فِيهِ مِنِ اخْتِلَافٍ عَنْهُ فِي بَعْضِ حُرُوفِهِ - وَلَكِنْ أَصْلُ الْقِصَّةِ مُتَوَاتِرٌ لَا مَحَالَةَ كَمَا تَرَى، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ، فَقَدْ رَوَاهُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، وَبَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ، وَثَابِتُ بْنُ أَسْلَمَ الْبُنَانِيُّ، وَالْجَعْدُ بْنُ عُثْمَانَ، وَسَعْدُ بْنُ سَعِيدٍ - أَخُو يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ - الْأَنْصَارِيُّ، وَسِنَانُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى، وَعَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، وَالنَّضْرُ بْنُ أَنَسٍ، وَيَحْيَى بْنُ عُمَارَةَ بْنِ أَبِي حَسَنٍ، وَيَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ حَدِيثُ جَابِرٍ فِي إِضَافَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى صَاعٍ مِنْ شَعِيرٍ وَعَنَاقٍ، فَعَزَمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، عَلَى أَهْلِ الْخَنْدَقِ بِكَمَالِهِمْ، فَكَانُوا أَلْفًا أَوْ قَرِيبًا مِنْ أَلْفٍ، فَأَكَلُوا كُلُّهُمْ مِنْ تِلْكَ الْعَنَاقِ وَذَلِكَ الصَّاعِ، حَتَّى شَبِعُوا وَتَرَكُوهُ كَمَا كَانَ، وَقَدْ أَسْلَفْنَاهُ بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ وَطُرُقِهِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
وَمِنَ الْعَجِيبِ الْغَرِيبِ مَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْذِرِ

الْهَرَوِيُّ، الْمَعْرُوفُ بِ " شَكَّرَ " فِي كِتَابِ " الْعَجَائِبِ الْغَرِيبَةِ " فِي هَذَا الْحَدِيثِ، فَإِنَّهُ أَسْنَدَهُ وَسَاقَهُ بِطُولِهِ، وَذَكَرَ فِي آخِرِهِ شَيْئًا غَرِيبًا فَقَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ طَرْخَانَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَسْرُورٍ، أَنَا هَاشِمُ بْنُ هَاشِمٍ، وَيُكَنَّى بِأَبِي بَرْزَةَ - بِمَكَّةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ - ثَنَا أَبُو كَعْبٍ الْبَدَّاحُ بْنُ سَهْلٍ الْأَنْصَارِيُّ - مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنَ النَّاقِلَةِ الَّذِينَ نَقَلَهُمْ هَارُونُ إِلَى بَغْدَادَ - سَمِعْتُ مِنْهُ بِالْمِصِّيصَةِ، عَنْ أَبِيهِ سَهْلِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ أَبِيهِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: أَتَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَرَفَ فِي وَجْهِهِ الْجُوعَ. فَذَكَرَ أَنَّهُ رَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَذَبَحَ دَاجِنًا كَانَتْ عِنْدَهُمْ وَطَبَخَهَا، وَثَرَدَ تَحْتَهَا فِي جَفْنَةٍ، وَحَمَلَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَدْعُوَ لَهُ الْأَنْصَارَ، فَأَدْخَلَهُمْ عَلَيْهِ أَرْسَالًا، فَأَكَلُوا كُلُّهُمْ وَبَقِيَ مِثْلُ مَا كَانَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُهُمْ أَنْ يَأْكُلُوا وَلَا يَكْسِرُوا عَظْمًا، ثُمَّ إِنَّهُ جَمَعَ الْعِظَامَ فِي وَسَطِ الْجَفْنَةِ، فَوَضَعَ عَلَيْهَا يَدَهُ، ثُمَّ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ لَا أَسْمَعُهُ، إِلَّا أَنِّي أَرَى شَفَتَيْهِ تَتَحَرَّكُ، فَإِذَا الشَّاةُ قَدْ قَامَتْ تَنْفُضُ أُذُنَيْهَا، فَقَالَ: " خُذْ شَاتَكَ يَا جَابِرُ، بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيهَا ". قَالَ: فَأَخَذْتُهَا وَمَضَيْتُ، وَإِنَّهَا لَتُنَازِعُنِي أُذُنَهَا، حَتَّى أَتَيْتُ بِهَا الْبَيْتَ، فَقَالَتْ لِيَ الْمَرْأَةُ: مَا هَذَا يَا جَابِرُ ؟ فَقُلْتُ: هَذِهِ وَاللَّهِ شَاتُنَا الَّتِي ذَبَحْنَاهَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دَعَا اللَّهَ فَأَحْيَاهَا لَنَا. فَقَالَتْ: أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ..
حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ أَنَسٍ فِي مَعْنَى مَا تَقَدَّمَ: قَالَ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ وَالْبَاغَنْدِيُّ: ثَنَا شَيْبَانُ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى - بَصْرِيٌّ، وَهُوَ صَاحِبُ الطَّعَامِ -

ثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، قُلْتُ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: يَا أَنَسُ، أَخْبِرْنِي بِأَعْجَبِ شَيْءٍ رَأَيْتَهُ. قَالَ: نَعَمْ يَا ثَابِتُ،خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ، فَلَمْ يُغَيِّرْ عَلَيَّ شَيْئًا أَسَأْتُ فِيهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا تَزَوَّجَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ قَالَتْ لِي أُمِّي: يَا أَنَسُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْبَحَ عَرُوسًا، وَلَا أَدْرِي أَصْبَحَ لَهُ غَدَاءٌ، فَهَلُمَّ تِلْكَ الْعُكَّةَ. فَأَتَيْتُهَا بِالْعُكَّةِ وَبِتَمْرٍ، فَجَعَلَتْ لَهُ حَيْسًا، فَقَالَتْ: يَا أَنَسُ، اذْهَبْ بِهَذَا إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَامْرَأَتِهِ. فَلَمَّا أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَوْرٍ مِنْ حِجَارَةٍ فِيهِ ذَلِكَ الْحَيْسٌ، قَالَ: " ضَعْهُ فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ، وَادْعُ لِي أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيًّا وَعُثْمَانَ " - وَنَفَرًا مِنْ أَصْحَابِهِ - " ثُمَّ ادْعُ لِيَ أَهْلَ الْمَسْجِدِ، وَمَنْ رَأَيْتَ فِي الطَّرِيقِ ". قَالَ: فَجَعَلْتُ أَتَعَجَّبُ مِنْ قِلَّةِ الطَّعَامِ، وَمِنْ كَثْرَةِ مَا يَأْمُرُنِي أَنْ أَدْعُوَ النَّاسَ، وَكَرِهْتُ أَنْ أَعْصِيَهُ، حَتَّى امْتَلَأَ الْبَيْتُ وَالْحُجْرَةُ، فَقَالَ: " يَا أَنَسُ هَلْ تَرَى مَنْ أَحَدٍ ؟ " فَقُلْتُ: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: " هَاتِ ذَلِكَ التَّوْرَ ". فَجِئْتُ بِذَلِكَ التَّوْرِ، فَوَضَعْتُهُ قُدَّامَهُ، فَغَمَسَ ثَلَاثَ أَصَابِعَ فِي التَّوْرِ، فَجَعَلَ التَّمْرُ يَرْبُو، فَجَعَلُوا يَتَغَدَّوْنَ وَيَخْرُجُونَ، حَتَّى إِذَا فَرَغُوا أَجْمَعُونَ وَبَقِيَ فِي التَّوْرِ نَحْوُ مَا جِئْتُ بِهِ، قَالَ: " ضَعْهُ قُدَّامَ زَيْنَبَ ". فَخَرَجْتُ وَأَسْفَقْتُ عَلَيْهِمْ بَابًا مِنْ جَرِيدٍ. قَالَ ثَابِتٌ: قُلْنَا: يَا أَبَا حَمْزَةَ، كَمْ تَرَى كَانَ الَّذِينَ أَكَلُوا مِنْ ذَلِكَ

التَّوْرِ ؟ فَقَالَ: أَحْسَبُ وَاحِدًا وَسَبْعِينَ أَوِ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ. وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَلَمْ يُخْرِجُوهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي ذَلِكَ: قَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ: ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أُنَيْسِ بْنِ أَبِي يَحْيَى، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:خَرَجَ عَلِيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " ادْعُ لِي أَصْحَابَكَ مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ ". فَجَعَلْتُ أَتْبَعُهُمْ رَجُلًا رَجُلًا، فَجَمَعْتُهُمْ فَجِئْنَا بَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَأْذَنَّا فَأَذِنَ لَنَا. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَوُضِعَتْ بَيْنَ أَيْدِينَا صَحْفَةٌ، أَظُنُّ أَنَّ فِيهَا قَدْرَ مُدٍّ مِنْ شَعِيرٍ. قَالَ: فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا يَدَهُ، وَقَالَ: " خُذُوا بِسْمِ اللَّهِ ". قَالَ: فَأَكَلْنَا مَا شِئْنَا ثُمَّ رَفَعْنَا أَيْدِيَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ وُضِعَتِ الصَّحْفَةُ: " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أَمْسَى فِي آلِ مُحَمَّدٍ طَعَامٌ لَيْسَ تَرَوْنَهُ ". قِيلَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ: قَدْرُ كَمْ كَانَتْ حِينَ فَرَغْتُمْ مِنْهَا ؟ قَالَ: مِثْلَهَا حِينَ وُضِعَتْ، إِلَّا أَنَّ فِيهَا أَثَرَ الْأَصَابِعِ. وَهَذِهِ قِصَّةٌ غَيْرُ قِصَّةِ أَهْلِ الصُّفَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي شُرْبِهِمُ اللَّبَنَ، كَمَا قَدَّمْنَا.
حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ فِي ذَلِكَ: قَالَ جَعْفَرٌ الْفِرْيَابِيُّ: ثَنَا أَبُو سَلَمَةَ يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ، ثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي الْوَرْدِ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَضْرَمِيِّ،عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: صَنَعْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَبِي بَكْرٍ طَعَامًا قَدْرَ مَا يَكْفِيهِمَا، فَأَتَيْتُهُمَا بِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اذْهَبْ فَادْعُ لِي ثَلَاثِينَ مِنْ أَشْرَافِ الْأَنْصَارِ ". قَالَ: فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيَّ، مَا عِنْدِي شَيْءٌ أَزِيدُهُ. قَالَ: فَكَأَنِّي تَثَاقَلْتُ. فَقَالَ: " اذْهَبْ فَادْعُ لِي ثَلَاثِينَ مِنْ أَشْرَافِ الْأَنْصَارِ " فَدَعَوْتُهُمْ فَجَاءُوا فَقَالَ: " اطْعَمُوا ". فَأَكَلُوا حَتَّى صَدَرُوا، ثُمَّ شَهِدُوا أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ بَايَعُوهُ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجُوا، ثُمَّ قَالَ: " اذْهَبْ فَادْعُ لِي سِتِّينَ مِنْ أَشْرَافِ الْأَنْصَارِ ". قَالَ أَبُو أَيُّوبَ: فَوَاللَّهِ لَأَنَا بِالسِّتِّينَ أَجْوَدُ مِنِّي بِالثَّلَاثِينَ. قَالَ: فَدَعَوْتُهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَرَبَّعُوا ". فَأَكَلُوا حَتَّى صَدَرُوا، ثُمَّ شَهِدُوا أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَايَعُوهُ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجُوا. قَالَ: " فَاذْهَبْ فَادْعُ لِي تِسْعِينَ مِنَ الْأَنْصَارِ " قَالَ: فَلَأَنَا أَجُودُ بِالتِّسْعِينَ وَالسِّتِّينَ مِنِّي بِالثَّلَاثِينَ. قَالَ: فَدَعَوْتُهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى صَدَرُوا، ثُمَّ شَهِدُوا أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَايَعُوهُ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجُوا. قَالَ: فَأَكَلَ مِنْ طَعَامِي ذَلِكَ مِائَةٌ وَثَمَانُونَ رَجُلًا، كُلُّهُمْ مِنَ الْأَنْصَارِ. وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا إِسْنَادًا وَمَتْنًا. وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بِهِ.
قِصَّةٌ أُخْرَى فِي تَكْثِيرِ الطَّعَامِ فِي بَيْتِ فَاطِمَةَ: قَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى: ثَنَا سَهْلُ بْنُ زَنْجَلَةَ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَ أَيَّامًا لَمْ يُطْعَمْ طَعَامًا حَتَّى شَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَطَافَ فِي مَنَازِلِ أَزْوَاجِهِ، فَلَمْ يُصِبْ عِنْدَ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ شَيْئًا، فَأَتَى فَاطِمَةَ فَقَالَ: " يَا بُنَيَّةُ هَلْ عِنْدَكِ شَيْءٌ آكُلُهُ فَإِنِّي جَائِعٌ ؟ " فَقَالَتْ: لَا وَاللَّهِ، بِأَبِي

أَنْتَ وَأُمِّي. فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَتْ إِلَيْهَا جَارَّةٌ لَهَا بِرَغِيفَيْنِ وَقِطْعَةِ لَحْمٍ، فَأَخَذَتْهُ مِنْهَا فَوَضَعَتْهُ فِي جَفْنَةٍ لَهَا، وَغَطَّتْ عَلَيْهَا وَقَالَتْ: وَاللَّهِ لَأُوثِرَنَّ بِهَذَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَفْسِي وَمَنْ عِنْدِي. وَكَانُوا جَمِيعًا مُحْتَاجِينَ إِلَى شَبْعَةِ طَعَامٍ، فَبَعَثَتْ حَسَنًا أَوْ حُسَيْنًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَجَعَ إِلَيْهَا فَقَالَتْ لَهُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، قَدْ أَتَى اللَّهُ بِشَيْءٍ فَخَبَّأْتُهُ لَكَ. قَالَ: " هَلُمِّي يَا بُنَيَّةُ ". فَكَشَفَتْ عَنِ الْجَفْنَةِ، فَإِذَا هِيَ مَمْلُوءَةٌ خُبْزًا وَلَحْمًا، فَلَمَّا نَظَرَتْ إِلَيْهَا بُهِتَتْ، وَعَرَفَتْ أَنَّهَا بَرَكَةٌ مِنَ اللَّهِ، فَحَمِدَتِ اللَّهَ وَصَلَّتْ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدَّمَتْهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَآهُ حَمِدَ اللَّهَ وَقَالَ: " مِنْ أَيْنَ لَكِ هَذَا يَا بُنَيَّةُ ؟ " قَالَتْ: يَا أَبَهْ، هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ. فَحَمِدَ اللَّهَ وَقَالَ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَكِ يَا بُنَيَّةُ شَبِيهَةَ سَيِّدَةِ نِسَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَإِنَّهَا كَانَتْ إِذَا رَزَقَهَا اللَّهُ شَيْئًا فَسُئِلَتْ عَنْهُ، قَالَتْ: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ". فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عَلِيٍّ، ثُمَّ أَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ وَحَسَنٌ وَحُسَيْنٌ، وَجَمِيعُ أَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْلُ بَيْتِهِ جَمِيعًا حَتَّى شَبِعُوا. قَالَتْ: وَبَقِيَتِ الْجَفْنَةُ كَمَا هِيَ، فَأَوْسَعَتْ بَقِيَّتَهَا عَلَى جَمِيعِ جِيرَانِهَا، وَجَعَلَ اللَّهُ فِيهَا بِرْكَةً وَخَيْرًا كَثِيرًا وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ أَيْضًا إِسْنَادًا وَمَتْنًا. وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ الْبَعْثَةِ حِينَ نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [ الشُّعَرَاءِ: 214 ] حَدِيثَ رَبِيعَةَ بْنِ نَاجِذٍ،عَنْ عَلِيٍّ فِي دَعْوَتِهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَنِي هَاشِمٍ، وَكَانُوا نَحْوًا مِنْ أَرْبَعِينَ، فَقَدَّمَ إِلَيْهِمْ

طَعَامًا مِنْ مُدٍّ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، وَتَرَكُوهُ كَمَا هُوَ، وَسَقَاهُمْ مِنْ عُسٍّ شَرَابًا حَتَّى رَوَوْا، وَتَرَكُوهُ كَمَا هُوَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةٍ، ثُمَّ دَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، كَمَا تَقَدَّمَ.
قِصَّةٌ أُخْرَى فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، ثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ بْنِ الشِّخِّيرِ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ قَالَ:بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أُتِيَ بِقَصْعَةٍ فِيهَا ثَرِيدٌ. قَالَ فَأَكَلَ وَأَكَلَ الْقَوْمُ، فَلَمْ يَزَالُوا يَتَدَاوَلُونَهَا إِلَى قَرِيبٍ مِنَ الظَّهْرِ، يَأْكُلُ قَوْمٌ، ثُمَّ يَقُومُونَ، وَيَجِيءُ قَوْمٌ فَيَتَعَاقَبُونَهُ. قَالَ: فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: هَلْ كَانَتْ تُمَدُّ بِطَعَامٍ ؟ قَالَ: أَمَّا مِنَ الْأَرْضِ فَلَا، إِلَّا أَنْ تَكُونَ كَانَتْ تُمَدُّ مِنَ السَّمَاءِ.
ثُمَّ رَوَاهُ أَحْمَدُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ، عَنْ سَمُرَةَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِقَصْعَةٍ فِيهَا ثَرِيدٌ، فَتُعَاقِبُوهَا إِلَى الظُّهْرِ مِنْ غَدْوَةٍ، يَقُومُ نَاسٌ وَيَقْعُدُ آخَرُونَ، قَالَ لَهُ رَجُلٌ: هَلْ كَانَتْ تُمَدُّ ؟ فَقَالَ لَهُ: فَمِنْ أَيِّ شَيْءٍ تَعْجَبُ ؟ مَا كَانَتْ تُمَدُّ إِلَّا مِنْ هَاهُنَا. وَأَشَارَ إِلَى السَّمَاءِ. وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ بُنْدَارٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ، وَاسْمُهُ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ بِهِ.

قِصَّةُ قَصْعَةِ بَيْتِ الصِّدِّيقِ
وَلَعَلَّهَا هِيَ الْقَصْعَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي حَدِيثِ سَمُرَةَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا مُعْتَمِرٌ، عَنْ أَبِيهِ، ثَنَا أَبُو عُثْمَانَ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ أَصْحَابَ الصُّفَّةِ كَانُوا أُنَاسًا فُقَرَاءَ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ، وَسَلَّمَ قَالَ مَرَّةً: مَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ اثْنَيْنِ فَلْيَذْهَبْ بِثَالِثٍ، وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ أَرْبَعَةٍ فَلْيَذْهَبْ بِخَامِسٍ أَوْ سَادِسٍ أَوْ كَمَا قَالَ. وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ جَاءَ بِثَلَاثَةٍ، وَانْطَلَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَشَرَةٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بِثَلَاثَةٍ. قَالَ: فَهُوَ أَنَا وَأَبِي وَأُمِّي. وَلَا أَدْرِي هَلْ قَالَ: امْرَأَتِي وَخَادِمٌ بَيْنَ بَيْتِنَا وَبَيْتِ أَبِي بَكْرٍ. وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ تَعَشَّى عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ لَبِثَ حَتَّى صَلَّى الْعِشَاءَ، ثُمَّ رَجَعَ فَلَبِثَ حَتَّى تَعَشَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَ بَعْدَ مَا مَضَى مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ، قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: مَا حَبَسَكَ عَنْ أَضْيَافِكَ، أَوْ ضَيْفِكَ ؟ قَالَ: أَوَ مَا عَشَّيْتِيهِمْ ؟ قَالَتْ: أَبَوْا حَتَّى تَجِيءَ قَدْ عَرَضُوا عَلَيْهِمْ فَغَلَبُوهُمْ. فَذَهَبْتُ فَاخْتَبَأْتُ فَقَالَ: يَا غُنْثَرُ. فَجَدَّعَ وَسَبَّ. وَقَالَ: كُلُوا - فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: لَا هَنِيئًا - وَقَالَ: لَا أَطْعَمُهُ أَبَدًا. وَاللَّهِ مَا كُنَّا نَأْخُذُ مِنْ لُقْمَةٍ إِلَّا رَبَا مِنْ أَسْفَلِهَا أَكْثَرُ مِنْهَا،

حَتَّى شَبِعُوا، وَصَارَتْ أَكْثَرَ مِمَّا كَانَتْ قَبْلُ. فَنَظَرَ أَبُو بَكْرٍ، فَإِذَا هِيَ أَكْثَرُ، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: يَا أُخْتَ بَنِي فِرَاسٍ ؟ ! قَالَتْ: لَا وَقُرَّةِ عَيْنِي، لَهِيَ الْآنَ أَكْثَرُ مِمَّا قَبْلُ بِثَلَاثِ مِرَارٍ. فَأَكَلَ مِنْهَا أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ إِنَّمَا كَانَ الشَّيْطَانُ. يَعْنِي يَمِينَهُ. ثُمَّ أَكَلَ مِنْهَا لُقْمَةً، ثُمَّ حَمَلَهَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَصْبَحَتْ عِنْدَهُ، وَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمٍ عَهْدٌ، فَمَضَى الْأَجَلُ فَتَفَرَّقْنَا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا، مَعَ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ أُنَاسٌ، اللَّهُ أَعْلَمُ كَمْ مَعَ كُلِّ رَجُلٍ، غَيْرَ أَنَّهُ بَعَثَ مَعَهُمْ. قَالَ: فَأَكَلُوا مِنْهَا أَجْمَعُونَ. أَوْ كَمَا قَالَ وَغَيْرُهُ يَقُولُ: فَعَرَفْنَا. مِنَ الْعِرَافَةِ. هَذَا لَفْظُهُ، وَقَدْ رَوَاهُ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ مِنْ " صَحِيحِهِ "، وَمُسْلِمٌ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَلٍّ النَّهْدِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ
حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فِي هَذَا الْمَعْنَى
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا عَارِمٌ، ثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثِينَ وَمِائَةً، فَقَالَ النَّبِيُّ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ مَعَ أَحَدٍ مِنْكُمْ طَعَامٌ ؟ فَإِذَا مَعَ رَجُلٍ صَاعٌ مِنْ طَعَامٍ أَوْ نَحْوُهُ، فَعُجِنَ، ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ مُشْرِكٌ مُشْعَانٌّ طَوِيلٌ بِغَنَمٍ يَسُوقُهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَبَيْعًا أَمْ عَطِيَّةً ؟ " أَوْ قَالَ: " أَمْ هَدِيَّةً ؟ " قَالَ: لَا بَلْ بَيْعٌ. فَاشْتَرَى مِنْهُ شَاةً فَصُنِعَتْ، وَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَوَادِ الْبَطْنِ أَنْ يُشْوَى. قَالَ: وَايْمُ اللَّهِ مَا مِنَ الثَّلَاثِينَ وَالْمِائَةِ إِلَّا قَدْ حَزَّ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُزَّةً مِنْ سَوَادِ بَطْنِهَا؛ إِنْ كَانَ شَاهِدًا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا خَبَّأَ لَهُ. قَالَ: وَجَعَلَ مِنْهَا قَصْعَتَيْنِ. قَالَ: فَأَكَلْنَا أَجْمَعُونَ وَشَبِعْنَا، وَفَضَلَ فِي الْقَصْعَتَيْنِ، فَجَعَلْنَاهُ عَلَى الْبَعِيرِ أَوْ كَمَا قَالَ. وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، مِنْ حَدِيثِ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ.
حَدِيثٌ آخَرُ فِي تَكْثِيرِ الطَّعَامِ فِي السَّفَرِ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا فَزَارَةُ بْنُ عَمْرٍو أَنَا فُلَيْحٌ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا، فَأَرْمَلَ فِيهَا الْمُسْلِمُونَ وَاحْتَاجُوا إِلَى الطَّعَامِ فَاسْتَأْذَنُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَحْرِ الْإِبِلِ، فَأَذِنَ لَهُمْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. قَالَ: فَجَاءَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِبِلُهُمْ تَحْمِلُهُمْ وَتُبَلِّغُهُمْ عَدُوَّهُمْ، يَنْحَرُونَهَا ؟! بَلِ ادْعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِغُبَّرَاتِ الزَّادِ، فَادْعُ

اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا بِالْبَرَكَةِ. قَالَ: " أَجَلْ ". فَدَعَا بِغُبَّرَاتِ الزَّادِ، فَجَاءَ النَّاسُ بِمَا بَقِيَ مَعَهُمْ، فَجَمَعَهُ، ثُمَّ دَعَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، فِيهِ بِالْبَرَكَةِ، وَدَعَاهُمْ بِأَوْعِيَتِهِمْ، فَمَلْأَهَا وَفَضَلَ فَضْلٌ كَثِيرٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ: " أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَمَنْ لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، بِهِمَا غَيْرَ شَاكٍّ، دَخَلَ الْجَنَّةَ " وَكَذَلِكَ رَوَاهُ جَعْفَرٌ الْفِرْيَابِيُّ، عَنْ أَبِي مُصْعَبٍ الْزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سُهَيْلٍ بِهِ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ جَمِيعًا، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ الْأَشْجَعِيِّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِهِ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ: ثَنَا زُهَيْرٌ ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، أَوْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - شَكَّ الْأَعْمَشُ - قَالَ:لَمَّا كَانَتْ غَزْوَةُ تَبُوكَ أَصَابَ النَّاسَ مَجَاعَةٌ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ أَذِنْتَ لَنَا فَنَحَرْنَا نَوَاضِحَنَا، فَأَكَلْنَا وَادَّهَنَّا. فَقَالَ: " افْعَلُوا " فَجَاءَ عُمَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا قَلَّ الظَّهْرُ، وَلَكِنِ ادْعُهُمْ بِفَضْلِ أَزْوَادِهِمْ، ثُمَّ ادْعُ لَهُمْ عَلَيْهَا بِالْبَرَكَةِ، لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَ فِي ذَلِكَ الْبَرَكَةَ. فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنِطْعٍ فَبُسِطَ، ثُمَّ دَعَا بِفَضْلِ أَزْوَادِهِمْ. قَالَ: فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ

بِكَفِّ الذُّرَّةِ، وَالْآخِرُ بِكَفِّ التَّمْرِ، وَالْآخِرُ بِالْكِسْرَةِ، حَتَّى اجْتَمَعَ عَلَى النِّطْعِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ يَسِيرٌ، فَدَعَا عَلَيْهِ بِالْبَرَكَةِ، ثُمَّ قَالَ: " خُذُوا فِي أَوْعِيَتِكُمْ ". فَأَخَذُوا فِي أَوْعِيَتِهِمْ، حَتَّى مَا تَرَكُوا فِي الْعَسْكَرِ وِعَاءً إِلَّا مَلَئُوهُ، وَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا وَفَضَلَتْ فَضْلَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، لَا يَلْقَى اللَّهَ بِهَا عَبْدٌ غَيْرَ شَاكٍّ فَيُحْجَبَ عَنِ الْجَنَّةِ " وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، عَنْ سَهْلِ بْنِ عُثْمَانَ وَأَبِي كُرَيْبٍ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَوْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ - هُوَ ابْنُ الْمُبَارَكِ - أَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، أَنَا الْمُطَّلِبُ بْنُ حَنْطَبٍ الْمَخْزُومِيُّ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ الْأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاةٍ، فَأَصَابَ النَّاسَ مَخْمَصَةٌ، فَاسْتَأْذَنَ النَّاسُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَحْرِ بَعْضِ ظُهُورِهِمْ وَقَالُوا: يُبَلِّغُنَا اللَّهُ بِهِ. فَلَمَّا رَأَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ هَمَّ أَنْ يَأْذَنَ لَهُمْ فِي نَحْرِ بَعْضِ ظُهُورِهِمْ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ بِنَا إِذَا نَحْنُ لَقِينَا الْعَدُوَّ غَدًا جِيَاعًا رِجَالًا ؟ وَلَكِنْ إِنْ رَأَيْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ

تَدْعُوَ لَنَا بِبَقَايَا أَزْوَادِهِمْ وَتَجْمَعَهَا، ثُمَّ تَدْعُوَ اللَّهَ فِيهَا بِالْبَرَكَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ سَيُبَلِّغُنَا بِدَعْوَتِكَ. أَوْ قَالَ: سَيُبَارِكُ لَنَا فِي دَعْوَتِكَ. فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَقَايَا أَزْوَادِهِمْ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَجِيئُونَ بِالْحَثْيَةِ مِنَ الطَّعَامِ وَفَوْقَ ذَلِكَ، فَكَانَ أَعْلَاهُمْ مَنْ جَاءَ بِصَاعٍ مَنْ تَمْرٍ، فَجَمَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَامَ فَدَعَا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدْعُوَ، ثُمَّ دَعَا الْجَيْشَ بِأَوْعِيَتِهِمْ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَحْثُوا، فَمَا بَقِيَ فِي الْجَيْشِ وِعَاءٌ إِلَّا مَلَئُوهُ، وَبَقِيَ مِثْلُهُ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ وَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، لَا يَلْقَى اللَّهَ عَبْدٌ مُؤْمِنٌ بِهِمَا إِلَّا حُجِبَتْ عَنْهُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ بِإِسْنَادِهِ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ.
حَدِيثٌ آخَرُ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ: قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُعَلَّى الْأَدَمِيُّ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، ثَنَا سَعِيدُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ، أَظُنُّهُ مَنْ وَلَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا خُنَيْسٍ الْغِفَارِيَّ،أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تِهَامَةَ حَتَّى إِذَا كُنَّا بَعُسْفَانَ جَاءَهُ أَصْحَابُهُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، جَهَدَنَا الْجُوعُ فَأْذَنْ لَنَا فِي الظَّهْرِ أَنْ نَأْكُلَهُ. قَالَ: " نَعَمْ ". فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَجَاءَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، مَا صَنَعْتَ ؟ أَمَرْتَ النَّاسَ أَنْ يَنْحَرُوا الظَّهْرَ! فَعَلَى مَا يَرْكَبُونَ ؟! قَالَ: " فَمَا تَرَى يَابْنَ الْخَطَّابِ ؟ " قَالَ: أَرَى أَنْ

تَأْمُرَهُمْ أَنْ يَأْتُوا بِفَضْلِ أَزْوَادِهِمْ، فَتَجْمَعَهُ فِي ثَوْبٍ، ثُمَّ تَدْعُوَ لَهُمْ. فَأَمَرَهُمْ فَجَعَلُوا فَضْلَ أَزْوَادِهِمْ فِي ثَوْبٍ، ثُمَّ دَعَا لَهُمْ، ثُمَّ قَالَ: " ائْتُوا بِأَوْعِيَتِكُمْ ". فَمَلَأَ كُلُّ إِنْسَانٍ وِعَاءَهُ، ثُمَّ أَذِنَ بِالرَّحِيلِ، فَلَمَّا جَاوَزَ مُطِرُوا، فَنَزَلَ وَنَزَلُوا مَعَهُ وَشَرِبُوا مِنْ مَاءِ السَّمَاءِ، فَجَاءَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ، فَجَلَسَ اثْنَانِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَهَبَ الْآخَرُ مُعْرِضًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَلَا أُخْبِرُكُمْ عَنِ النَّفَرِ الثَّلَاثَةِ ؟ أَمَّا وَاحِدٌ فَاسْتَحْيَا مِنَ اللَّهِ فَاسْتَحْيَا اللَّهُ مِنْهُ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَأَقْبَلَ تَائِبًا فَتَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْآَخَرُ فَأَعْرَضَ فَأَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ " ثُمَّ قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُ رَوَى أَبُو خُنَيْسٍ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ. وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، عَنْ أَبِي الْحُسَيْنِ بْنِ بِشْرَانَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الشَّافِعِيِّ، ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَرْبِيُّ، أَنَا ابْنُ رَجَاءٍ، ثَنَا سَعِيدُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا خُنَيْسٍ الْغِفَارِيَّ. فَذَكَرَهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ: قَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى:

ثَنَا أَبُو هِشَامٍ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الرِّفَاعِيُّ، ثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، ثَنَا يَزِيدُ، وَهُوَ ابْنُ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عُمَرَ قَالَ:كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاةٍ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الْعَدُوَّ قَدْ حَضَرَ وَهُمْ شِبَاعٌ وَالنَّاسُ جِيَاعٌ. فَقَالَتِ الْأَنْصَارُ: أَلَا نَنْحَرُ نَوَاضِحَنَا فَنُطْعِمَهَا النَّاسَ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ طَعَامٍ فَلْيَجِئْ بِهِ ". فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالْمُدِّ وَالصَّاعِ وَأَقَلَّ وَأَكْثَرَ، فَكَانَ جَمِيعُ مَا فِي الْجَيْشِ بِضْعًا وَعِشْرِينَ صَاعًا، فَجَلَسَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جَنْبِهِ فَدَعَا بِالْبَرَكَةِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خُذُوا وَلَا تَنْتَهِبُوا ". فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَأْخُذُ فِي جِرَابِهِ، وَفِي غِرَارَتِهِ، وَأَخَذُوا فِي أَوْعِيَتِهِمْ، حَتَّى إِنِ الرَّجُلَ لَيَرْبِطُ كُمَّ قَمِيصِهِ فَيَمْلَؤُهُ، فَفَرَغُوا وَالطَّعَامُ كَمَا هُوَ، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، لَا يَأْتِي بِهِمَا عَبْدٌ مُحِقٌّ إِلَّا وَقَاهُ اللَّهُ حَرَّ النَّارِ ". وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى أَيْضًا، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الطَّالْقَانِيِّ، عَنْ جَرِيرٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، فَذَكَرَهُ. وَمَا قَبْلَهُ شَاهِدٌ لَهُ بِالصِّحَّةِ كَمَا أَنَّهُ مُتَابِعٌ لِمَا قَبْلَهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ فِي ذَلِكَ: قَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، ثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَضْرَمِيُّ الْقَارِئُ، ثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ فَأَمَرَنَا

أَنْ نَجْمَعَ مَا فِي أَزْوَادِنَا - يَعْنِي مِنَ التَّمْرِ - فَبَسَطَ نِطْعًا نَثَرْنَا عَلَيْهِ أَزْوَادَنَا. قَالَ: فَتَمَطَّيْتُ فَتَطَاوَلْتُ فَنَظَرْتُ، فَحَزَرْتُهُ كَرَبْضَةَ شَاةٍ، وَنَحْنُ أَرْبَعَ عَشَرَةَ مِائَةً. قَالَ: فَأَكَلْنَا ثُمَّ تَطَاوَلْتُ فَنَظَرْتُ، فَحَزَرْتُهُ كَرُبْضَةِ شَاةٍ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَلْ مِنْ وَضُوءٍ ؟ " قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ بِنُطْفَةٍ فِي إِدَاوَةٍ. قَالَ: فَقَبَضَهَا فَجَعَلَهَا فِي قَدَحٍ. قَالَ: فَتَوَضَّأْنَا كُلُّنَا، نُدَغْفِقُهَا دَغْفَقَةً، وَنَحْنُ أَرْبَعَ عَشَرَةَ مِائَةً، أَيْ نُسْبِغُ وَلَا نُبْقِي مِنَ الْمَاءِ. قَالَ: فَجَاءَ أُنَاسٌ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا وَضُوءَ ؟ فَقَالَ: " قَدْ فَرَغَ الْوَضُوءُ ". وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُوسُفَ السُّلَمِيِّ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ إِيَاسٍ، عَنْ أَبِيهِ سَلَمَةَ، وَقَالَ: فَأَكَلْنَا حَتَّى شَبِعْنَا، ثُمَّ حَشَوْنَا جُرُبَنَا.
وَتَقَدَّمَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي حَفْرِ الْخَنْدَقِ، حَيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ، أَنَّهُ قَدْ حَدَّثَ أَنَّ ابْنَةً لِبَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ أُخْتَ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَتْ: دَعَتْنِي أُمِّي عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ، فَأَعْطَتْنِي حَفْنَةً مِنْ تَمْرٍ فِي ثَوْبِي ثُمَّ قَالَتْ: أَيْ بُنَيَّةُ، اذْهَبِي إِلَى أَبِيكِ وَخَالِكِ عَبْدِ اللَّهِ بِغَدَائِهِمَا. قَالَتْ: فَأَخَذْتُهَا فَانْطَلَقْتُ بِهَا، فَمَرَرْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا أَلْتَمِسُ أَبِي وَخَالِيَ، فَقَالَ: " تَعَالِي يَا بُنَيَّةُ، مَا هَذَا مَعَكِ ؟ " قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا تَمْرٌ بَعَثَتْنِي بِهِ أُمِّي إِلَى أَبِي بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ وَخَالِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ يَتَغَدَّيَانِهِ. فَقَالَ: " هَاتِيهِ " قَالَتْ:

فَصَبَبْتُهُ فِي كَفَّيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا مَلَأَتْهُمَا ثُمَّ أَمَرَ بِثَوْبٍ فَبُسِطَ لَهُ، ثُمَّ دَحَا بِالتَّمْرِ، فَتَبَدَّدَ فَوْقَ الثَّوْبِ، ثُمَّ قَالَ لِإِنْسَانٍ عِنْدَهُ: " اصْرُخْ فِي أَهْلِ الْخَنْدَقِ أَنْ هَلُمَّ إِلَى الْغَدَاءِ ". فَاجْتَمَعَ أَهْلُ الْخَنْدَقِ عَلَيْهِ، فَجَعَلُوا يَأْكُلُونَ مِنْهُ، وَجَعَلَ يَزِيدُ، حَتَّى صَدَرَ أَهْلُ الْخَنْدَقِ عَنْهُ، وَإِنَّهُ لِيَسْقُطُ مِنْ أَطْرَافِ الثَّوْبِ.

قِصَّةُ جَابِرٍ وَدَيْنِ أَبِيهِ وَتَكْثِيرِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ التَّمْرَ:
قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، ثَنَا زَكَرِيَّا، حَدَّثَنِي عَامِرٌ، حَدَّثَنِي جَابِرٌ، أَنَّ أَبَاهُ تُوُفِّيَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَلْتُ: إِنَّ أَبِي تَرَكَ عَلَيْهِ دَيْنًا، وَلَيْسَ عِنْدِي إِلَّا مَا يُخْرِجُ نَخْلُهُ، وَلَا يَبْلُغُ مَا يُخْرِجُ سِنِينَ مَا عَلَيْهِ، فَانْطَلِقْ مَعِيَ لِكَيْلَا يُفْحِشَ عَلَيَّ الْغُرَمَاءُ. فَمَشَى حَوْلَ بَيْدَرٍ مِنْ بَيَادِرِ التَّمْرِ، فَدَعَا ثُمَّ آخَرَ، ثُمَّ جَلَسَ عَلَيْهِ فَقَالَ: " انْزِعُوهُ ". فَأَوْفَاهُمُ الَّذِي لَهُمْ، وَبَقِيَ مِثْلَ مَا أَعْطَاهُمْ. هَكَذَا رَوَاهُ هُنَا مُخْتَصَرًا. وَقَدْ أَسْنَدَهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ شَرَاحِيلَ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرٍ بِهِ. وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ، عَنْ جَابِرٍ بِأَلْفَاظٍ كَثِيرَةٍ، وَحَاصِلُهَا أَنَّهُ بِبَرَكَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدُعَائِهِ لَهُ، وَمَشْيِهِ فِي حَائِطِهِ وَجُلُوسِهِ عَلَى تَمْرِهِ، وَفَّى اللَّهُ دَيْنَ أَبِيهِ، وَكَانَ قَدْ قُتِلَ بِأَحَدٍ، وَجَابِرٌ كَانَ لَا يَرْجُو وَفَاءَهُ فِي ذَلِكَ الْعَامِ وَلَا مَا بَعْدَهُ، وَمَعَ هَذَا فَضَلَ لَهُ مِنَ التَّمْرِ أَكْثَرُهُ فَوْقَ مَا كَانَ يُؤَمِّلُهُ وَيَرْجُوهُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.

قِصَّةُ سَلْمَانَ فِي تَكْثِيرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِطْعَةَ مِنَ الذَّهَبِ لِوَفَاءِ دَيْنِهِ فِي مُكَاتَبَتِهِ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، حَدَّثَنِي رَجُلٌ مَنْ عَبْدِ الْقَيْسِ، عَنْ سَلْمَانَ قَالَ: لَمَّا قُلْتُ: وَأَيْنَ تَقَعُ هَذِهِ مِنَ الَّذِي عَلِيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ أَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَلَبَهَا عَلَى لِسَانِهِ ثُمَّ قَالَ " " خُذْهَا فَأَوْفِهِمْ مِنْهَا ". فَأَخَذْتُهَا فَأَوْفَيْتُهُمْ مِنْهَا حَقَّهُمْ أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً..
ذِكْرُ مِزْوَدِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَتَمْرِهِ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، يَعْنِي ابْنَ زَيْدٍ، عَنِ الْمُهَاجِرِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا بِتَمَرَاتٍ فَقُلْتُ: ادْعُ اللَّهَ لِي فِيهِنَّ بِالْبَرَكَةِ. قَالَ: فَصَفَّهُنَّ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ دَعَا فَقَالَ لِي: " اجْعَلْهُنَّ فِي مِزَوَدٍ، وَأَدْخِلْ يَدَكَ وَلَا تَنْثُرْهُ " قَالَ: فَحَمَلْتُ مِنْهُ كَذَا وَكَذَا وَسْقًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَنَأْكُلُ وَنُطْعِمُ، وَكَانَ لَا يُفَارِقُ حِقْوِي، فَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، انْقَطَعَ عَنْ حِقْوِي فَسَقَطَ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مُوسَى الْقَزَّازِ الْبَصْرِيِّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ،

عَنِ الْمُهَاجِرِ أَبِي مَخْلَدٍ، عَنْ رُفَيْعٍ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْهُ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهُ: قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ هِلَالُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْحَفَّارُ، أَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَيَّاشٍ الْقَطَّانُ، ثَنَا حَفْصُ بْنُ عَمْرٍو، ثَنَا سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ أَبُو زِيَادٍ، ثَنَا أَيُّوبُ السَّخْتِيَانِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاةٍ فَأَصَابَهُمْ عَوَزٌ مِنَ الطَّعَامِ فَقَالَ: " يَا أَبَا هُرَيْرَةَ عِنْدَكَ شَيْءٌ ؟ " قَالَ: قُلْتُ: شَيْءٌ مِنْ تَمْرٍ فِي مِزْوَدٍ لِي. قَالَ: " جِئْ بِهِ ". قَالَ: فَجِئْتُ بِالْمِزْوَدِ. قَالَ: " هَاتِ نِطْعًا ". فَجِئْتُ بِالنِّطْعِ فَبَسَطْتُهُ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فَقَبَضَ عَلَى التَّمْرِ، فَإِذَا هُوَ وَاحِدٌ وَعِشْرُونَ تَمْرَةً، ثُمَّ قَالَ: " بِسْمِ اللَّهِ ". فَجَعَلَ يَضَعُ كُلَّ تَمْرَةٍ وَيُسَمِّي حَتَّى أَتَى عَلَى التَّمْرِ فَقَالَ بِهِ هَكَذَا فَجَمَعَهُ، فَقَالَ: " ادْعُ فَلَانًا وَأَصْحَابَهُ ". فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا وَخَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ: " ادْعُ فَلَانًا وَأَصْحَابَهُ ". فَأَكَلُوا وَشَبِعُوا وَخَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ: " ادْعُ فَلَانًا وَأَصْحَابَهُ ". فَأَكَلُوا وَشَبِعُوا وَخَرَجُوا، وَفَضَلَ، ثُمَّ قَالَ لِي: " اقْعُدْ ". فَقَعَدْتُ فَأَكَلَ وَأَكَلْتُ. قَالَ: وَفَضَلَ تَمْرٌ فَأَدْخَلْتُهُ فِي الْمِزْوَدِ، وَقَالَ لِي: " يَا أَبَا

هُرَيْرَةَ إِذَا أَرَدْتَ شَيْئًا فَأَدْخِلْ يَدَكَ وَخُذْهُ، وَلَا تُكْفِئْ فَيُكْفَأَ عَلَيْكَ ". قَالَ: فَمَا كُنْتُ أُرِيدُ تَمْرًا إِلَّا أَدْخَلْتُ يَدِي فَأَخَذْتُ مِنْهُ خَمْسِينَ وَسْقًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ. قَالَ: وَكَانَ مُعَلَّقًا خَلْفَ رَحْلِي، فَوَقَعَ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ فَذَهَبَ..
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي ذَلِكَ: رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقَيْنِ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَسْلَمَ الْعَدَوِيِّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أُصِبْتُ بِثَلَاثِ مُصِيبَاتٍ فِي الْإِسْلَامِ لَمْ أُصَبْ بِمِثْلِهِنَّ؛ مَوْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُنْتُ صُوَيْحِبَهُ، وَقَتْلِ عُثْمَانَ، وَالْمِزْوَدِ. قَالُوا: وَمَا الْمِزْوَدُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ؟ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَقَالَ: " يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَمَعَكَ شَيْءٌ ؟ " قَالَ: قُلْتُ: تَمْرٌ فِي مِزْوَدٍ. قَالَ: " جِئْ بِهِ ". فَأَخْرَجْتُ تَمْرًا، فَأَتَيْتُهُ بِهِ. قَالَ: فَمَسَّهُ وَدَعَا فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: " ادْعُ عَشَرَةً ". فَدَعَوْتُ عَشَرَةً، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ كَذَلِكَ حَتَّى أَكَلَ الْجَيْشُ كُلُّهُ، وَبَقِيَ مِنْ تَمْرٍ مَعِي فِي الْمِزْوَدِ، فَقَالَ: " يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا فَأَدْخِلْ يَدَكَ فِيهِ وَلَا تَكُبُّهُ ". قَالَ: فَأَكَلْتُ مِنْهُ حَيَاةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَكَلْتُ مِنْهُ حَيَاةَ أَبِي بَكْرٍ كُلَّهَا، وَأَكَلْتُ مِنْهُ حَيَاةَ عُمَرَ كُلَّهَا، وَأَكَلْتُ مِنْهُ حَيَاةَ عُثْمَانَ كُلَّهَا، فَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ انْتُهِبَ مَا فِي يَدِي وَانْتُهِبَ الْمِزْوَدُ، أَلَا أُخْبِرُكُمْ كَمْ أَكَلْتُ مِنْهُ ؟ أَكَلْتُ مِنْهُ أَكْثَرَ مِنْ مِائَتَيْ وَسْقٍ..
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ يَعْنِي ابْنَ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:أَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا مِنْ

تَمْرٍ، فَجَعَلْتُهُ فِي مِكْتَلٍ، فَعَلَّقْنَاهُ فِي سَقْفِ الْبَيْتِ، فَلَمْ نَزَلْ نَأْكُلُ مِنْهُ حَتَّى كَانَ آخِرُهُ أَصَابَهُ أَهْلُ الشَّامِ حَيْثُ أَغَارُوا عَلَى الْمَدِينَةِ. تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.
حَدِيثٌ عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ فِي ذَلِكَ: رَوَاهُ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَتِهِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْوَاقِدِيِّ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ سَعْدٍ، عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ: كُنْتُ أَلْزَمُ بَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، فَرَأَيْنَا لَيْلَةً وَنَحْنُ بِتَبُوكَ، وَذَهَبِنَا لِحَاجَةٍ فَرَجَعْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ تَعَشَّى وَمَنْ عِنْدَهُ، فَقَالَ: " أَيْنَ كُنْتَ مُنْذُ اللَّيْلَةِ ؟ " فَأَخْبَرْتُهُ، وَطَلَعَ جُعَالُ بْنُ سُرَاقَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيُّ، فَكُنَّا ثَلَاثَةً كُلُّنَا جَائِعٌ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتَ أُمِّ سَلَمَةَ فَطَلَبَ شَيْئًا نَأْكُلُهُ فَلَمْ يَجِدْهُ، فَنَادَى بِلَالًا: " هَلْ مِنْ شَيْءٍ ؟ " فَأَخَذَ الْجُرُبَ يَنْفُضُهَا، فَاجْتَمَعَ سَبْعُ تَمَرَاتٍ، فَوَضَعَهَا فِي صَحْفَةٍ وَوَضَعَ عَلَيْهِنَّ يَدَهُ، وَسَمَّى اللَّهَ، وَقَالَ: " كُلُوا بِسْمِ اللَّهِ ". فَأَكَلْنَا، فَأَحْصَيْتُ أَرْبَعًا وَخَمْسِينَ تَمْرَةً أَكَلْتُهَا، أَعُدُّهَا وَنَوَاهَا فِي يَدِي الْأُخْرَى، وَصَاحِبَايَ يَصْنَعَانِ مَا أَصْنَعُ، فَأَكَلَ كُلٌّ مِنْهُمَا خَمْسِينَ تَمْرَةً، وَرَفَعْنَا أَيْدِيَنَا، فَإِذَا التَّمَرَاتُ السَّبْعُ كَمَا هُنَّ، فَقَالَ: " يَا بِلَالُ، ارْفَعْهُنَّ فِي جِرَابِكَ ". فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ وَضَعَهُنَّ فِي الصَّحْفَةِ وَقَالَ: " كُلُوا بِسْمِ اللَّهِ ". فَأَكَلْنَا حَتَّى شَبِعْنَا، وَإِنَّا لَعَشَرَةٌ، ثُمَّ رَفَعْنَا أَيْدِيَنَا

وَإِنَّهُنَّ كَمَا هُنَّ سَبْعٌ، فَقَالَ: " لَوْلَا أَنِّي أَسْتَحِي مِنْ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ لَأَكَلْنَا مِنْ هَذِهِ التَّمَرَاتِ حَتَّى نَرِدَ الْمَدِينَةَ عَنْ آخِرِنَا " فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ طَلَعَ غُلَيِّمٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَدَفَعَهُنَّ إِلَى ذَلِكَ الْغُلَامِ فَانْطَلَقَ يَأْكُلُهُنَّ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ لَهُ: لَقَدْ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا فِي بَيْتِي مِنْ شَيْءٍ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلَّا شَطْرُ شَعِيرٍ فِي رَفٍّ لِي، فَأَكَلْتُ مِنْهُ حَتَّى طَالَ عَلَيَّ، فَكِلْتُهُ فَفَنِيَ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى مُسْلِمٌ فِي " صَحِيحِهِ " عَنْ سَلَمَةَ بْنِ شَبِيبٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ أَعْيَنَ، عَنْ مَعْقِلٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ،أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَطْعِمُهُ فَأَطْعَمَهُ شَطْرَ وَسْقِ شَعِيرٍ، فَمَا زَالَ الرَّجُلُ يَأْكُلُ مِنْهُ وَامْرَأَتُهُ وَضَيْفُهُمَا حَتَّى كَالَهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " لَوْ لَمْ تَكِلْهُ لَأَكَلْتُمْ مِنْهُ، وَلَقَامَ لَكُمْ ".
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ جَابِرٍ،أَنَّ أُمَّ مَالِكٍ كَانَتْ تُهْدِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عُكَّتِهَا سَمْنًا، فَيَأْتِيهَا بَنُوهَا فَيَسْأَلُونَ الْأُدْمَ وَلَيْسَ عِنْدَهَا شَيْءٌ، فَتَعْمِدُ إِلَى الَّذِي

كَانَتْ تُهْدِي فِيهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَجِدُ فِيهِ سَمْنًا، فَمَا زَالَ يُقِيمُ لَهَا أُدْمَ بَيْتِهَا حَتَّى عَصَرَتْهَا، فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " أَعَصَرْتِيهَا ؟ " قَالَتْ: نَعَمْ. فَقَالَ: " لَوْ تَرِكَتِيهَا مَا زَالَ قَائِمًا " وَقَدْ رَوَاهُمَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ مُوسَى، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ بْنِ صَالِحٍ، ثَنَا حَسَّانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، ثَنَا يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، ثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ جَدِّهِ نَوْفَلِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ،أَنَّهُ اسْتَعَانَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّزْوِيجِ، فَأَنْكَحَهُ امْرَأَةً، فَالْتَمَسَ شَيْئًا فَلَمْ يَجِدْهُ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا رَافِعٍ وَأَبَا أَيُّوبَ بِدِرْعِهِ، فَرَهَنَاهُ عِنْدَ رَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ بِثَلَاثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، فَدَفَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِ. قَالَ: فَطَعِمْنَا مِنْهُ نِصْفَ سَنَةٍ، ثُمَّ كِلْنَاهُ فَوَجَدْنَاهُ كَمَا أَدْخَلْنَاهُ. قَالَ نَوْفَلٌ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " لَوْ لَمْ تَكِلْهُ لَأَكَلْتَ مِنْهُ مَا عِشْتَ ".

حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ فِي " الدَّلَائِلِ ": أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْفَهَانِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ، ثَنَا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ، أَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ هِشَامٍ، يَعْنِي ابْنَ حَسَّانَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَتَى رَجُلٌ أَهْلَهُ، فَرَأَى مَا بِهِمْ مِنَ الْحَاجَةِ، فَخَرَجَ إِلَى الْبَرِّيَّةِ، فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا مَا نَعْتَجِنُ وَنَخْتَبِزُ. قَالَ: فَإِذَا الْجَفْنَةُ مَلْأَى خَمِيرًا، وَالرَّحَا تَطْحَنُ، وَالتَّنُّورُ مَلْأَى خُبْزًا وَشِوَاءً. قَالَ: فَجَاءَ زَوْجُهَا فَقَالَ: عِنْدَكُمْ شَيْءٌ ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، رِزْقُ اللَّهِ. فَرَفَعَ الرَّحَا فَكَنَسَ مَا حَوْلَهُ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " لَوْ تَرَكَهَا لَدَارَتْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ".
وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانِ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، ثَنَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ، ثَنَا أَبُو صَالِحٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ كَانَ ذَا حَاجَةٍ، فَخَرَجَ وَلَيْسَ عِنْدَ أَهْلِهِ شَيْءٌ فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: لَوْ أَنِّي حَرَّكْتُ رَحَايَ وَجَعَلْتُ فِي تَنُّورِي سَعَفَاتٍ. فَسَمِعَ جِيرَانِي صَوْتَ الرَّحَا وَرَأَوُا الدُّخَانَ، فَظَنُّوا أَنَّ عِنْدَنَا طَعَامًا وَلَيْسَ بِنَا خَصَاصَةٌ. فَقَامَتْ إِلَى تَنُّورِهَا، فَأَوْقَدَتْهُ وَقَعَدَتْ تُحَرِّكُ الرَّحَا. قَالَ: فَأَقْبَلَ زَوْجُهَا وَسَمِعَ الرَّحَا فَقَامَتْ إِلَيْهِ لِتَفْتَحَ لَهُ الْبَابَ، فَقَالَ: مَاذَا كُنْتِ تَطْحَنِينَ ؟ فَأَخْبَرَتْهُ، فَدَخَلَا وَإِنَّ رَحَاهُمَا لَتَدُورُ وَتَصُبُّ دَقِيقًا، فَلَمْ يَبْقَ فِي الْبَيْتِ وِعَاءٌ إِلَّا مُلِيَ، ثُمَّ خَرَجَتْ إِلَى تَنُّورِهَا، فَوَجَدَتْهُ مَمْلُوءًا

خُبْزًا، فَأَقْبَلَ زَوْجُهَا فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " فَمَا فَعَلَتِ الرَّحَا ؟ " قَالَ: رَفَعْتُهَا وَنَفَضْتُهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَوْ تَرَكْتُمُوهَا مَا زَالَتْ لَكُمْ حَيَاتِي ". أَوْ قَالَ " حَيَاتُكُمْ ". وَهَذَا الْحَدِيثُ غَرِيبٌ سَنَدًا وَمَتْنًا.
حَدِيثٌ آخَرُ: وَقَالَ مَالِكٌ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَافَهُ ضَيْفٌ كَافِرٌ، فَأَمَرَ لَهُ بِشَاةٍ فَحُلِبَتْ فَشَرِبَ حِلَابَهَا، ثُمَّ أُخْرَى فَشَرِبَ حِلَابَهَا، ثُمَّ أُخْرَى فَشَرِبَ حِلَابَهَا، حَتَّى شَرِبَ حِلَابَ سَبْعِ شِيَاهٍ، ثُمَّ إِنَّهُ أَصْبَحَ فَأَسْلَمَ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ لَهُ بِشَاةٍ فَحُلِبَتْ فَشَرِبَ حِلَابَهَا، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِأُخْرَى فَلَمْ يَسْتَتِمَّهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّ الْمُسْلِمَ يَشْرَبُ فِي مِعًى وَاحِدٍ وَالْكَافِرَ يَشْرَبُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ " وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ جَابِرٍ، ثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ الْأَوَّلِ، ثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، ثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:ضَافَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْرَابِيٌّ. قَالَ: فَطَلَبُ لَهُ شَيْئًا، فَلَمْ يَجِدْ إِلَّا كِسْرَةً فِي كُوَّةٍ. قَالَ فَجَزَّأَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْزَاءً وَدَعَا عَلَيْهَا، وَقَالَ " كُلْ " قَالَ: فَأَكَلَ وَأَفْضَلَ. قَالَ: فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ لَرَجُلٌ صَالِحٌ. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

" أَسْلِمْ " فَقَالَ: إِنَّكَ لَرَجُلٌ صَالِحٌ. ثُمَّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَافِظُ قَالَ: وَفِيمَا ذَكَرَ عَبْدَانُ الْأَهْوَازِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ الْبُرْجُمِيُّ، ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ زُبَيْدٍ عَنْ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ:أَضَافَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَيْفًا، فَأَرْسَلَ إِلَى أَزْوَاجِهِ يَبْتَغِي عِنْدَهُنَّ طَعَامًا، فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ شَيْئًا، فَقَالَ: " اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ وَرَحْمَتِكَ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا إِلَّا أَنْتَ ". قَالَ: فَأُهْدِيَتْ لَهُ شَاةٌ مَصْلِيَّةٌ، فَقَالَ: " هَذَا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَنَحْنُ نَنْتَظِرُ الرَّحْمَةَ " قَالَ أَبُو عَلِيٍّ: حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدَانَ الْأَهْوَازِيُّ عَنْهُ. قَالَ: وَالصَّحِيحُ عَنْ زُبَيْدٍ مُرْسَلًا، حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدَانَ حَدَّثَنَا أَبِي، ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْحَارِثِ الْأَهْوَازِيُّ، أَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ زُبَيْدٍ فَذَكَرَهُ مُرْسَلًا.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، ثَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ حَمْدَانَ، أَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، ثَنَا عَمْرُو بْنُ بِشْرِ بْنِ السَّرْحِ، ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي السَّائِبِ، ثَنَا وَاثِلَةُ بْنُ الْخَطَّابِ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ قَالَ: حَضَرَ رَمَضَانُ وَنَحْنُ فِي أَهْلِ الصُّفَّةِ فَصُمْنَا، فَكُنَّا إِذَا أَفْطَرْنَا أَتَى كُلَّ رَجُلٍ مِنَّا رَجُلٌ مِنْ

أَهْلِ الْبَيْعَةِ، فَانْطَلَقَ بِهِ فَعَشَّاهُ، فَأَتَتْ عَلَيْنَا لَيْلَةً لَمْ يَأْتِنَا أَحَدٌ وَأَصْبَحْنَا صِيَامًا، وَأَتَتْ عَلَيْنَا الْقَابِلَةُ فَلَمْ يَأْتِنَا أَحَدٌ فَانْطَلَقْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْنَاهُ بِالَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِنَا، فَأَرْسَلَ إِلَى كُلِّ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ يَسْأَلُهَا؛ هَلْ عِنْدَهَا شَيْءٌ ؟ فَمَا بَقِيَتْ مِنْهُنَّ امْرَأَةٌ إِلَّا أَرْسَلَتْ تُقْسِمُ؛ مَا أَمْسَى فِي بَيْتِهَا مَا يَأْكُلُ ذُو كَبِدٍ. فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاجْتَمَعُوا فَدَعَا وَقَالَ: " اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ وَرَحْمَتِكَ؛ فَإِنَّهُمَا بِيَدِكَ لَا يَمْلِكُهُمَا أَحَدٌ غَيْرُكَ ". فَلَمْ يَكُنْ إِلَّا وَمُسْتَأْذِنٌ يَسْتَأْذِنُ فَإِذَا بِشَاةٍ مَصْلِيَّةٍ وَرُغُفٍ، فَأَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوُضِعَتْ بَيْنَ أَيْدِينَا فَأَكَلْنَا حَتَّى شَبِعْنَا، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّا سَأَلَنَا اللَّهَ مَنْ فَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ، فَهَذَا فَضْلُهُ، وَقَدْ ذَخَرَ لَنَا عِنْدَهُ رَحْمَتَهُ ".
حَدِيثُ الذِّرَاعِ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي غِفَارٍ فِي مَجْلِسِ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي فَلَانٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِطَعَامٍ مِنْ خُبْزٍ وَلَحْمٍ فَقَالَ: نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ ". فَنُووِلَ ذِرَاعًا - قَالَ يَحْيَى: لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا هَكَذَا - ثُمَّ قَالَ: " نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ ". فَنُووِلَ ذِرَاعًا، فَأَكَلَهَا، ثُمَّ قَالَ: " نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ ". فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا هُمَا ذِرَاعَانِ، فَقَالَ: " وَأَبِيكَ لَوْ سَكَتَّ مَا زِلْتُ أُنَاوَلُ مِنْهَا ذِرَاعًا مَا دَعَوْتُ

بِهِ ". فَقَالَ سَالِمٌ: أَمَّا هَذِهِ فَلَا، سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ " هَكَذَا وَقَعَ إِسْنَادُ هَذَا الْحَدِيثِ وَهُوَ عَنْ مُبْهَمٍ عَنْ مِثْلِهِ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ - يَعْنِي الرَّازِيَّ - عَنْ شُرَحْبِيلَ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:أُهْدِيَتْ لَهُ شَاةٌ فَجَعَلَهَا فِي الْقِدْرِ فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " مَا هَذَا يَا أَبَا رَافِعٍ ؟ " قَالَ شَاةٌ أُهْدِيَتْ لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَطَبَخْتُهَا فِي الْقِدْرِ. فَقَالَ: " نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ يَا أَبَا رَافِعٍ " فَنَاوَلْتُهُ الذِّرَاعَ، ثُمَّ قَالَ " نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ الْآخَرَ " فَنَاوَلْتُهُ الذِّرَاعَ الْآخَرَ، ثُمَّ قَالَ " نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ الْآخَرَ " فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا لِلشَّاةِ ذِرَاعَانِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَكَتَّ لَنَاوَلْتَنِي ذِرَاعًا فَذِرَاعًا مَا سَكَتَّ ". ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَمَضْمَضَ فَاهً وَغَسَلَ أَطْرَافَ أَصَابِعِهِ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى ثُمَّ عَادَ إِلَيْهِمْ فَوَجَدَ عِنْدَهُمْ لَحْمًا بَارِدًا، فَأَكَلَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى وَلَمْ يَمَسَّ مَاءً..
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَبِي رَافِعٍ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا مُؤَمَّلٌ، ثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي رَافِعٍ عَنْ عَمَّتِهِ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: صُنِعَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاةٌ مَصْلِيَّةٌ فَأُتِيَ بِهَا فَقَالَ لِي: " يَا أَبَا رَافِعٍ، نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ " فَنَاوَلْتُهُ ثُمَّ قَالَ " يَا أَبَا رَافِعٍ نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ ". فَنَاوَلْتُهُ ثُمَّ قَالَ: " يَا أَبَا رَافِعٍ نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ " فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهَلْ لِلشَّاةِ إِلَّا ذِرَاعَانِ ؟ فَقَالَ: " لَوْ سَكَتَّ

لَنَاوَلْتَنِي مِنْهَا مَا دَعَوْتُ بِهِ " قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ الذِّرَاعَ. قُلْتُ وَلِهَذَا لَمَّا عَلِمَتِ الْيَهُودُ عَلَيْهِمْ لِعَائِنُ اللَّهِ، بِخَيْبَرَ سَمُّوهُ فِي الذِّرَاعِ فِي تِلْكَ الشَّاةِ الَّتِي أَحْضَرَتْهَا زَيْنَبُ الْيَهُودِيَّةُ، فَأَخْبَرَهُ الذِّرَاعُ بِمَا فِيهِ مِنَ السُّمِّ، لَمَّا نَهَسَ مِنْهُ نَهْسَةً، كَمَا قَدَّمْنَا ذَلِكَ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ مَبْسُوطًا.
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى: ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، حَدَّثَنِي فَائِدٌ مَوْلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ:أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ بِشَاةٍ فِي مِكْتَلٍ، فَقَالَ: " يَا أَبَا رَافِعٍ نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ ". فَنَاوَلْتُهُ، ثُمَّ قَالَ: " يَا أَبَا رَافِعٍ، نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ ". فَنَاوَلْتُهُ، ثُمَّ قَالَ: " يَا أَبَا رَافِعٍ نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ ". فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلِلشَّاةِ إِلَّا ذِرَاعَانِ ؟ فَقَالَ: " لَوْ سَكَتَّ سَاعَةً؛ نَاوَلْتَنِيهِ مَا سَأَلْتُكَ ". فِيهِ انْقِطَاعٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَقَدْ قَالَ أَبُو يَعْلَى أَيْضًا: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ، ثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، ثَنَا فَائِدٌ مَوْلَى عُبَيْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ أَنَّ جَدَّتَهُ سَلْمَى أَخْبَرَتْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَبَعَثَ إِلَى أَبِي رَافِعٍ بِشَاةٍ، وَذَلِكَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فِيمَا أَعْلَمُ، فَصَلَّاهَا أَبُو رَافِعٍ لَيْسَ مَعَهَا خُبْزٌ ثُمَّ انْطَلَقَ بِهَا، فَلَقِيَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاجِعًا مِنَ الْخَنْدَقِ فَقَالَ: " يَا أَبَا رَافِعٍ، ضَعِ الَّذِي مَعَكَ ". فَوَضَعَهُ ثُمَّ قَالَ: " يَا أَبَا رَافِعٍ نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ ". فَنَاوَلْتُهُ ثُمَّ قَالَ: " يَا أَبَا رَافِعٍ نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ ". فَنَاوَلْتُهُ، ثُمَّ قَالَ: " يَا أَبَا رَافِعٍ نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ ". فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ لِلشَّاةِ غَيْرُ ذِرَاعَيْنِ ؟ فَقَالَ: " لَوْ

سَكَتَّ لَنَاوَلْتَنِي مَا سَأَلْتُكَ ".
وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا الضَّحَّاكُ، ثَنَا ابْنُ عَجْلَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ شَاةً طُبِخَتْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَعْطِنِي الذِّرَاعَ ". فَنَاوَلْتُهُ إِيَّاهُ فَقَالَ: " أَعْطِنِي الذِّرَاعَ " فَنَاوَلْتُهُ إِيَّاهُ، ثُمَّ قَالَ: " أَعْطِنِي الذِّرَاعَ " فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا لِلشَّاةِ ذِرَاعَانِ، قَالَ: " أَمَا إِنَّكَ لَوِ الْتَمَسْتَهَا لَوَجَدْتَهَا ".
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ دُكَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ الْخَثْعَمِيِّ قَالَ:أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ أَرْبَعُونَ وَأَرْبَعُمِائَةٍ نَسْأَلُهُ الطَّعَامَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ: " قُمْ فَأَعْطِهِمْ " فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عِنْدِي إِلَّا مَا يُقَيِّظُنِي وَالصِّبْيَةَ. قَالَ وَكِيعٌ: الْقَيْظُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ. قَالَ: " قُمْ فَأَعْطِهِمْ ". قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ سَمْعًا وَطَاعَةً. قَالَ: فَقَامَ عُمَرُ وَقُمْنَا مَعَهُ فَصَعِدَ بِنَا إِلَى غَرْفَةٍ لَهُ، فَأَخْرَجَ الْمِفْتَاحَ مَنْ حُجْزَتِهِ فَفَتَحَ الْبَابَ. قَالَ دُكَيْنٌ: فَإِذَا فِي الْغُرْفَةِ مِنَ التَّمْرِ شَبِيهٌ بِالْفَصِيلِ الرَّابِضِ. قَالَ: شَأْنُكُمْ. قَالَ: فَأَخَذَ كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا حَاجَتَهُ مَا شَاءَ. ثُمَّ الْتَفَتَ وَإِنِّي لَمِنْ آخِرِهِمْ فَكَأَنَّا لَمْ نَرْزَأْ مِنْهُ تَمْرَةً. ثُمَّ رَوَاهُ أَحْمَدُ، عَنْ مُحَمَّدٍ وَيَعْلَى ابْنَيْ عُبَيْدٍ، عَنْ

إِسْمَاعِيلَ، وَهُوَ ابْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ، وَهُوَ ابْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ دُكَيْنٍ بِهِ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ مُطَرِّفٍ الرُّوَاسِيِّ، عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بِهِ
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، ثَنَا حَشْرَجُ بْنُ نُبَاتَةَ، ثَنَا أَبُو نَضْرَةَ، حَدَّثَنِي أَبُو رَجَاءٍ قَالَ:خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى دَخَلَ حَائِطًا لِبَعْضِ الْأَنْصَارِ فَإِذَا هُوَ يَسْنُو فِيهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا تَجْعَلُ لِي إِنْ أَرْوَيْتُ حَائِطَكَ هَذَا ؟ " قَالَ: إِنِّي أَجْهَدُ أَنْ أُرْوِيَهُ فَمَا أَطِيقُ ذَلِكَ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَجْعَلُ لِي مِائَةَ تَمْرَةٍ أَخْتَارُهَا مِنْ تَمْرِكَ ؟ " قَالَ: نَعَمْ. فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغَرْبَ، فَمَا لَبِثَ أَنْ أَرَوَاهُ حَتَّى قَالَ الرَّجُلُ: غَرِقَتْ حَائِطِي. فَاخْتَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تَمْرِهِ مِائَةَ تَمْرَةٍ. قَالَ: فَأَكَلَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ مِائَةَ تَمْرَةٍ، كَمَا أَخَذَهَا. هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ أَوْرَدَهُ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ مِنْ أَوَّلِ تَارِيخِهِ، بِسَنَدِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيِّ، كَمَا أَوْرَدْنَاهُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي ذِكْرِ إِسْلَامِ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِ النَّخِيلِ الَّتِي غَرَسَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ الْكَرِيمَةِ لِسَلْمَانَ، فَلَمْ يَهْلِكْ مِنْهُنَّ وَاحِدَةٌ، بَلْ أَنْجَبَ الْجَمِيعُ، وَكُنَّ ثَلَاثَمِائَةٍ، وَمَا كَانَ مِنْ تَكْثِيرِهِ الذَّهَبَ حِينَ قَلَّبَهُ عَلَى لِسَانِهِ

الشَّرِيفِ، حَتَّى قَضَى مِنْهُ سَلْمَانُ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ نُجُومِ الْكِتَابَةِ وَعَتَقَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ.

بَابُ انْقِيَادِ الشَّجَرِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ حَاتِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي حَرَزَةَ يَعْقُوبَ بْنِ مُجَاهِدٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:سِرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَزَلْنَا وَادِيًا أَفْيَحَ، فَذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْضِي حَاجَتَهُ فَاتَّبَعْتُهُ بِإِدَاوَةٍ مِنْ مَاءٍ فَنَظَرَ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا يَسْتَتِرُ بِهِ، وَإِذَا شَجَرَتَانِ بِشَاطِئِ الْوَادِي، فَانْطَلَقَ إِلَى إِحْدَاهُمَا فَأَخَذَ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا، وَقَالَ: " انْقَادِي عَلَيَّ بِإِذْنِ اللَّهِ ". فَانْقَادَتْ مَعَهُ كَالْبَعِيرِ الْمَخْشُوشِ الَّذِي يُصَانِعُ قَائِدَهُ، حَتَّى أَتَى الشَّجَرَةَ الْأُخْرَى فَأَخَذَ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا وَقَالَ: " انْقَادِي عَلَيَّ بِإِذْنِ اللَّهِ ". فَانْقَادَتْ مَعَهُ كَالْبَعِيرِ الْمَخْشُوشِ الَّذِي يُصَانِعُ قَائِدَهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْمُنْتَصِفِ فِيمَا بَيْنَهُمَا لَأَمَ بَيْنَهُمَا - يَعْنِي جَمَعَهُمَا - وَقَالَ: " الْتَئِمَا عَلَيَّ بِإِذْنِ اللَّهِ ". فَالْتَأَمَتَا. قَالَ جَابِرٌ فَخَرَجْتُ أُحْضِرُ مَخَافَةَ أَنْ يُحِسَّ بِقُرْبِي فَيَبْتَعِدَ فَجَلَسْتُ أُحَدِّثُ نَفْسِي فَحَانَتْ مِنِّي لَفْتَةٌ، فَإِذَا أَنَا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقْبِلًا، وَإِذَا الشَّجَرَتَانِ قَدِ افْتَرَقَتَا، وَقَامَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى سَاقٍ، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ وَقْفَةً وَقَالَ بِرَأْسِهِ هَكَذَا يَمِينًا وَشِمَالًا. وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ فِي قِصَّةِ الْمَاءِ وَقِصَّةِ

الْحُوتِ الَّذِي دَسَرَهُ الْبَحْرُ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، ثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ - وَهُوَ طَلْحَةُ بْنُ نَافِعٍ - عَنْ أَنَسٍ قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ وَهُوَ جَالِسٌ حَزِينٌ قَدْ خَضَبَ بِالدِّمَاءِ؛ ضَرَبَهُ بَعْضُ أَهْلِ مَكَّةَ. قَالَ: فَقَالَ لَهُ: مَا لَكَ ؟ فَقَالَ: " فَعَلَ بِيَ هَؤُلَاءِ وَفَعَلُوا ". قَالَ: فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: أَتُحِبُّ أَنْ أُرِيَكَ آيَةً ؟ قَالَ: فَقَالَ: " نَعَمْ ". قَالَ: فَنَظَرَ إِلَى شَجَرَةٍ مِنْ وَرَاءِ الْوَادِي فَقَالَ: ادْعُ تِلْكَ الشَّجَرَةَ. فَدَعَاهَا. قَالَ: فَجَاءَتْ تَمَشِي حَتَّى قَامَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: مُرْهَا فَلْتَرْجِعْ. فَأَمَرَهَا فَرَجَعَتْ إِلَى مَكَانِهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حَسْبِي " وَهَذَا إِسْنَادٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يَرَوِهِ إِلَّا ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَرِيفٍ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَلَى الْحَجُونِ كَئِيبًا لَمَّا آَذَاهُ الْمُشْرِكُونَ، فَقَالَ:اللَّهُمَّ أَرِنِي الْيَوْمَ آيَةً لَا أُبَالِي مَنْ كَذَّبَنِي بَعْدَهَا ". قَالَ فَأُمِرَ فَنَادَى شَجَرَةً مِنْ قَبْلِ عَقَبَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَأَقْبَلَتْ تَخُدُّ الْأَرْضَ حَتَّى انْتَهَتْ إِلَيْهِ. قَالَ: ثُمَّ أَمَرَهَا فَرَجَعَتْ إِلَى مَوْضِعِهَا، قَالَ: فَقَالَ:

" مَا أُبَالِي مَنْ كَذَّبَنِي بَعْدَهَا مِنْ قَوْمِي.
ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا الْحَاكِمُ وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ عَمْرٍو، قَالَا: ثَنَا الْأَصَمُّ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ مُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَعْضِ شِعَابِ مَكَّةَ وَقَدْ دَخَلَهُ مِنَ الْغَمِّ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ تَكْذِيبِ قَوْمِهِ إِيَّاهُ، فَقَالَ: " يَا رَبِّ أَرِنِي مَا أَطْمَئِنُّ إِلَيْهِ وَيُذْهِبُ عَنِّي هَذَا الْغَمَّ ". فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: ادْعُ إِلَيْكَ أَيَّ أَغْصَانِ هَذِهِ الشَّجَرَةِ شِئْتَ. قَالَ: فَدَعَا غُصْنًا فَانْتُزِعَ مِنْ مَكَانِهِ ثُمَّ خَدَّ فِي الْأَرْضِ حَتَّى جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ارْجِعْ إِلَى مَكَانِكَ ". فَرَجَعَ الْغُصْنُ فَخَدَّ فِي الْأَرْضِ حَتَّى اسْتَوَى كَمَا كَانَ، فَحَمِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَابَتْ نَفْسُهُ وَرَجَعَ، وَكَانَ قَدْ قَالَ الْمُشْرِكُونَ: أَفْضَلْتَ أَبَاكَ وَأَجْدَادَكَ يَا مُحَمَّدُ ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيْهَا الْجَاهِلُونَ " الْآيَاتِ [ الزُّمَرِ: 64 - 66 ]. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذَا الْمُرْسَلُ يَشْهَدُ لَهُ مَا قَبْلَهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، ثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ - وَهُوَ حُصَيْنُ بْنُ جُنْدَبٍ - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَامِرٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرِنِي الْخَاتَمَ الَّذِي بَيْنَ كَتِفَيْكَ؛ فَإِنِّي مِنْ أَطَبِّ

النَّاسِ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَلَا أُرِيكَ آيَةً ؟ " قَالَ: بَلَى. قَالَ: فَنَظَرَ إِلَى نَخْلَةٍ فَقَالَ: " ادْعُ ذَلِكَ الْعِذْقَ " فَدَعَاهُ فَجَاءَ يَنْقُزُ حَتَّى قَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ارْجِعْ ". فَرَجَعَ إِلَى مَكَانِهِ، فَقَالَ الْعَامِرِيُّ: يَا آلَ بَنِي عَامِرٍ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ رَجُلًا أَسْحَرَ. يَعْنِي مِنْ هَذَا. هَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ. وَقَدْ أَسْنَدَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَامِرٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ عِنْدِي طِبًّا وَعِلْمًا فَمَا تَشْتَكِي ؟ هَلْ يُرِيبُكَ مِنْ نَفْسِكَ شَيْءٌ ؟ إِلَامَ تَدْعُو ؟ قَالَ: " أَدْعُو إِلَى اللَّهِ وَالْإِسْلَامِ ". قَالَ: فَإِنَّكَ لَتَقُولُ قَوْلًا، فَهَلْ لَكَ مِنْ آيَةٍ ؟ قَالَ: " نَعَمْ إِنْ شِئْتَ أَرَيْتُكَ آيَةً " وَبَيْنَ يَدَيْهِ شَجَرَةٌ، فَقَالَ لِغُصْنٍ مِنْهَا: " تَعَالَ يَا غُصْنُ ". فَانْقَطَعَ الْغُصْنُ مِنَ الشَّجَرَةِ ثُمَّ أَقْبَلَ يَنْقُزُ حَتَّى قَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: " ارْجِعْ إِلَى مَكَانِكَ " فَرَجَعَ فَقَالَ الْعَامِرِيُّ: يَا آلَ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، لَا أَلُومُكَ عَلَى شَيْءٍ قُلْتَهُ أَبَدًا. وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ سَلَّمَ الْأَمْرَ، وَلَمْ يُجِبْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ.
وَقَدْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، ثَنَا ابْنُ أَبِي قُمَاشٍ، ثَنَا ابْنُ عَائِشَةَ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَا هَذَا الَّذِي يَقُولُ أَصْحَابُكَ ؟ قَالَ: وَحَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْذَاقٌ وَشَجَرٌ. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَلْ لَكَ أَنْ أُرِيَكَ آيَةً ؟ " قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَدَعَا عِذْقًا مِنْهَا، فَأَقْبَلَ يَخُدُّ الْأَرْضَ وَيَسْجُدُ وَيَرْفَعُ رَأْسَهُ، حَتَّى وَقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَرَجَعَ. قَالَ: فَخَرَجَ الْعَامِرِيُّ وَهُوَ يَقُولُ: يَا آلَ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، وَاللَّهِ لَا أُكَذِّبُهُ بِشَيْءٍ يَقُولُهُ أَبَدًا..
طَرِيقٌ أُخْرَى فِيهَا أَنَّ الْعَامِرِيَّ أَسْلَمَ: قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَامِدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّفَّاءُ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ، أَنَا شَرِيكٌ عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بِمَا أَعْرِفُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ ؟ قَالَ: " أَرَأَيْتَ إِنْ دَعَوْتُ هَذَا الْعِذْقَ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ ؟ " قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَدَعَا الْعِذْقَ، فَجَعَلَ الْعِذْقَ يَنْزِلُ مِنَ النَّخْلَةِ حَتَّى سَقَطَ فِي الْأَرْضِ، فَجَعَلَ يَنْقُزُ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ قَالَ لَهُ " ارْجِعْ " فَرَجَعَ حَتَّى عَادَ إِلَى مَكَانِهِ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ. وَآمَنَ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي " التَّارِيخِ " عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، ابْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ. قُلْتُ:

وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي " جَامِعِهِ " عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ - وَهُوَ الْبُخَارِيُّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ بِهِ. وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَلَعَلَّهُ قَالَ أَوَّلًا أَنَّهُ سُحِرَ. ثُمَّ تَبَصَّرَ لِنَفْسِهِ فَأَسْلَمَ وَآمَنَ لِمَا هَدَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي ذَلِكَ: قَالَ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ: أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْوَرَّاقُ، أَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، أَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَبَانٍ الْجُعْفِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِي حَيَّانَ عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَأَقْبَلَ أَعْرَابِيٌّ فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَيْنَ تُرِيدُ ؟ " قَالَ: إِلَى أَهْلِي. قَالَ: " هَلْ لَكَ إِلَى خَيْرٍ ؟ " قَالَ: مَا هُوَ ؟ قَالَ: " تَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ". قَالَ: هَلْ مَنْ شَاهِدٍ عَلَى مَا تَقُولُ ؟ قَالَ: " هَذِهِ الشَّجَرَةُ ". فَدَعَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ عَلَى شَاطِئِ الْوَادِي، فَأَقْبَلَتْ تَخُدُّ الْأَرْضَ خَدًّا، فَقَامَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَاسْتَشْهَدَهَا ثَلَاثًا، فَشَهِدَتْ أَنَّهُ كَمَا قَالَ، ثُمَّ إِنَّهَا رَجَعَتْ إِلَى مَنْبَتِهَا، وَرَجَعَ الْأَعْرَابِيُّ إِلَى قَوْمِهِ، فَقَالَ: إِنْ يَتَّبِعُونِي أَتَيْتُكَ بِهِمْ، وَإِلَّا رَجَعْتُ إِلَيْكَ وَكُنْتُ مَعَكَ. وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ وَلَمْ يُخْرِجُوهُ وَلَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ وَرَدَ عَنْ رُكَانَةَ بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ قِصَّةٌ شَبِيهَةٌ بِهَذَا. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.

بَابُ حَنِينِ الْجِزْعِ شَوْقًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَفَقًا مِنْ فِرَاقِهِ
وَقَدْ وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ بِطُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ تُفِيدُ الْقَطْعَ عِنْدَ أَئِمَّةِ هَذَا الشَّأْنِ وَفُرْسَانِ هَذَا الْمَيْدَانِ؛ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي كِتَابِهِ " الشِّفَا ": وَهُوَ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ مُنْتَشِرٌ مُتَوَاتِرٌ، خَرَّجَهُ أَهْلُ الصَّحِيحِ، وَرَوَاهُ مِنَ الصَّحَابَةِ بِضْعَةَ عَشَرَ، مِنْهُمْ: أُبَيٌّ وَجَابِرٌ وَأَنَسٌ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَسَهْلُ بْنُ سَعْدٍ وَأَبُو سَعِيدٍ وَبُرَيْدَةُ وَأُمُّ سَلَمَةَ وَالْمُطَّلِبُ بْنُ أَبِي وَدَاعَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنِ الطُّفَيْلِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي إِلَى جِذْعٍ إِذْ كَانَ الْمَسْجِدُ عَرِيشًا، وَكَانَ يَخْطُبُ إِلَى ذَلِكَ الْجِذْعِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ لَكَ أَنْ نَجْعَلَ لَكَ مِنْبَرًا تَقُومُ عَلَيْهِ يَوْمَ

الْجُمُعَةِ وَتُسْمِعُ النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةَ خُطْبَتَكَ ؟ قَالَ: " نَعَمْ " فَصَنَعَ لَهُ ثَلَاثَ دَرَجَاتٍ هُنَّ اللَّاتِي عَلَى الْمِنْبَرِ، فَلَمَّا صُنِعَ الْمِنْبَرُ وُضِعَ مَوْضِعَهُ الَّذِي وَضَعَهُ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُومَ عَلَى ذَلِكَ الْمِنْبَرِ فَيَخْطُبَ عَلَيْهِ، فَمَرَّ إِلَيْهِ، فَلَمَّا جَاوَزَ ذَلِكَ الْجِذْعَ الَّذِي كَانَ يَخْطُبُ إِلَيْهِ خَارَ حَتَّى تَصَدَّعَ وَانْشَقَّ، فَنَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا سَمِعَ صَوْتَ الْجِذْعِ فَمَسَحَهُ بِيَدِهِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمِنْبَرِ، فَلَمَّا هُدِمَ الْمَسْجِدُ أَخَذَ ذَلِكَ الْجِذْعَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، فَكَانَ عِنْدَهُ فِي بَيْتِهِ حَتَّى بَلِيَ وَأَكَلَتْهُ الْأَرَضَةُ وَعَادَ رُفَاتًا. وَهَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ عَدِيٍّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الرَّقِّيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنِ الطُّفَيْلِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، فَذَكَرَهُ، وَعِنْدَهُ: فَمَسَحَهُ بِيَدِهِ حَتَّى سَكَنَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمِنْبَرِ، وَكَانَ إِذَا صَلَّى صَلَّى إِلَيْهِ. وَالْبَاقِي مِثْلُهُ، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقِّيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الرَّقِّيِّ بِهِ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: قَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ: ثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، ثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ الْحَنَفِيُّ، ثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَكَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةَ يُسْنِدُ ظَهْرَهُ إِلَى جِذْعٍ مَنْصُوبٍ فِي الْمَسْجِدِ فَيَخْطُبُ النَّاسَ، فَجَاءَهُ رُومِيٌّ فَقَالَ: أَلَا أَصْنَعُ لَكَ شَيْئًا تَقْعُدُ عَلَيْهِ كَأَنَّكَ قَائِمٌ ؟ فَصَنَعَ لَهُ مِنْبَرًا لَهُ دَرَجَتَانِ وَيَقْعُدُ عَلَى

الثَّالِثَةِ، فَلَمَّا قَعَدَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ، خَارَ الْجِذْعُ كَخُوَارِ الثَّوْرِ ارْتَجَّ لِخُوَارِهِ؛ حُزْنًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمِنْبَرِ فَالْتَزَمَهُ وَهُوَ يَخُورُ، فَلَمَّا الْتَزَمَهُ سَكَتَ، ثُمَّ قَالَ: " وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ لَمْ أَلْتَزِمْهُ لَمَا زَالَ هَكَذَا حَتَّى يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ حُزْنًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ". فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدُفِنَ. وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ غَيْلَانَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ يُونُسَ بِهِ، وَقَالَ: صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَنَسٍ: قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ فِي " مُسْنَدِهِ " ثَنَا هُدْبَةُ، ثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَعَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَحَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ كَانَ يَخْطُبُ إِلَى جِذْعِ نَخْلَةٍ، فَلَمَّا اتَّخَذَ الْمِنْبَرَ تَحَوَّلَ إِلَيْهِ، فَحَنَّ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى احْتَضَنَهُ فَسَكَنَ، وَقَالَ: " لَوْ لَمْ أَحْتَضِنْهُ لَحَنَّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ". وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ خَلَّادٍ، عَنْ بَهْزِ بْنِ أَسَدٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، وَعَنْ حَمَّادٍ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِهِ. وَهَذَا إِسْنَادٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.

طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَنَسٍ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا هَاشِمٌ، ثَنَا الْمُبَارَكُ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ يَوْمَ الْجُمُعَةَ يُسْنِدُ ظَهْرَهُ إِلَى خَشَبَةٍ، فَلَمَّا كَثُرَ النَّاسُ قَالَ: " ابْنُوا لِي مِنْبَرًا ". أَرَادَ أَنْ يُسْمِعَهُمْ، فَبَنَوْا لَهُ عَتَبَتَيْنِ، فَتَحَوَّلَ مِنَ الْخَشَبَةِ إِلَى الْمِنْبَرِ. قَالَ: فَأَخْبَرَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ الْخَشَبَةَ تَحِنُّ حَنِينَ الْوَالِهِ. قَالَ: فَمَا زَالَتْ تَحِنُّ حَتَّى نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمِنْبَرِ، فَمَشَى إِلَيْهَا فَاحْتَضَنَهَا فَسَكَنَتْ. تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ. وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخٍ، عَنْ مُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسٍ، فَذَكَرَهُ، وَزَادَ: فَكَانَ الْحَسَنُ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ بَكَى، ثُمَّ قَالَ: يَا عِبَادَ اللَّهِ، الْخَشَبَةُ تَحِنُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَوْقًا إِلَيْهِ لِمَكَانِهِ مِنَ اللَّهِ، فَأَنْتُمْ أَحَقُّ أَنْ تَشْتَاقُوا إِلَى لِقَائِهِ. وَقَدْ رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ حَدِيثِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْخَيَّاطِ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، فَذَكَرَهُ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَنَسٍ:
قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ، ثَنَا الْحَارِثُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي أُسَامَةَ، ثَنَا يَعْلَى بْنُ عَبَّادٍ، ثَنَا عَبْدُ الْحَكَمِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ إِلَى جِذْعٍ، فَحَنَّ الْجِذْعُ، فَاحْتَضَنَهُ وَقَالَ: " لَوْ لَمْ أَحْتَضِنْهُ لَحَنَّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ".
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:

حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، ثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ إِلَى جِذْعِ نَخْلَةٍ. قَالَ: فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، كَانَ لَهَا غُلَامٌ نَجَّارٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي غُلَامًا نَجَّارًا، أَفَآمُرُهُ أَنْ يَتَّخِذَ لَكَ مِنْبَرًا تَخْطُبُ عَلَيْهِ ؟ قَالَ: " بَلَى " قَالَ: فَاتَّخَذَ لَهُ مِنْبَرًا. قَالَ: فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ خَطَبَ عَلَى الْمِنْبَرِ. قَالَ: فَأَنَّ الْجِذْعُ الَّذِي كَانَ يَقُومُ عَلَيْهِ كَمَا يَئِنُّ الصَّبِيُّ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ هَذَا بَكَى؛ لِمَا فَقَدَ مِنَ الذِّكْرِ ". هَكَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، ثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُومُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَى شَجَرَةٍ أَوْ نَخْلَةٍ، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، أَوْ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا نَجْعَلُ لَكَ مِنْبَرًا ؟ قَالَ: " إِنْ شِئْتُمْ ". فَجَعَلُوا لَهُ مِنْبَرًا، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ دُفِعَ إِلَى الْمِنْبَرِ، فَصَاحَتِ النَّخْلَةُ صِيَاحَ الصَّبِيِّ، ثُمَّ نَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَمَّهَا إِلَيْهِ تَئِنُّ أَنِينَ الصَّبِيِّ الَّذِي يُسَكَّنُ. قَالَ: كَانَتْ تَبْكِي عَلَى مَا كَانَتْ تَسْمَعُ مِنَ الذِّكْرِ عِنْدَهَا. وَقَدْ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي غَيْرِ مَا مَوْضِعٍ مِنْ " صَحِيحِهِ " مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَيْمَنَ، عَنْ أَبِيهِ، وَهُوَ أَيْمَنُ الْحَبَشِيُّ الْمَكِّيُّ مَوْلَى ابْنِ أَبِي عَمْرَةَ الْمَخْزُومِيِّ، عَنْ جَابِرٍ بِهِ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ جَابِرٍ: قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ

سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيَّ يَقُولُ:كَانَ الْمَسْجِدُ مَسْقُوفًا عَلَى جُذُوعٍ مِنْ نَخْلٍ فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ يَقُومُ إِلَى جِذْعٍ مِنْهَا، فَلَمَّا صُنِعَ لَهُ الْمِنْبَرُ، فَكَانَ عَلَيْهِ فَسَمِعْنَا لِذَلِكَ الْجِذْعِ صَوْتًا كَصَوْتِ الْعِشَارِ، حَتَّى جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا فَسَكَنَتْ. تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهُ: قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، ثَنَا أَبُو الْمُسَاوِرِ، ثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، وَهُوَ ذَكْوَانُ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كَانَتْ خَشَبَةٌ فِي الْمَسْجِدِ يَخْطُبُ إِلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: لَوِ اتَّخَذْنَا لَكَ مِثْلَ الْكُرْسِيِّ تَقُومُ عَلَيْهِ ؟ فَفَعَلَ فَحَنَّتِ الْخَشَبَةُ كَمَا تَحِنُّ النَّاقَةُ الْحَلُوجُ، فَأَتَاهَا فَاحْتَضَنَهَا فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا فَسَكَنَتْ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: وَأَحْسَبُ أَنَّا كَلٌّ قَدْ حُدِّثْنَاهُ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ جَابِرٍ وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنْ جَابِرٍ، بِهَذِهِ الْقِصَّةِ الَّتِي رَوَاهَا أَبُو الْمُسَاوِرِ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، وَحَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ كَرَامَةَ، ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ. وَالصَّوَابُ إِنَّمَا هُوَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي كُرَيْبٍ، وَكُرَيْبٌ خَطَأٌ، وَلَا يُعْلَمُ يَرْوِي عَنْ

سَعِيدِ بْنِ أَبِي كُرَيْبٍ إِلَّا أَبُو إِسْحَاقَ. قُلْتُ: وَلَمْ يُخْرِجُوهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَهُوَ جَيِّدٌ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ جَابِرٍ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، ثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي كَرِبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ إِلَى خَشَبَةٍ، فَلَمَّا جُعِلَ مِنْبَرٌ حَنَّتْ حَنِينَ النَّاقَةِ، فَأَتَاهَا فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا فَسَكَنَتْ. تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ جَابِرٍ: قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنِ الْزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُومُ إِلَى جِذْعٍ قَبْلَ أَنْ يُجْعَلَ لَهُ الْمِنْبَرُ، فَلَمَّا جُعِلَ الْمِنْبَرُ حَنَّ الْجِذْعُ حَتَّى سَمِعْنَا حَنِينَهُ، فَمَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَيْهِ فَسَكَنَ. قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُ رَوَاهُ عَنِ الْزُّهْرِيِّ إِلَّا سُلَيْمَانَ بْنَ كَثِيرٍ. قُلْتُ: وَهَذَا إِسْنَادٌ جِيدٌ رِجَالُهُ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ، وَلَمْ يَرَوِهِ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ. وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي " الدَّلَائِلِ " وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْزُّهْرِيِّ، عَنْ رَجُلٍ سَمَّاهُ، عَنْ جَابِرٍ. ثُمَّ أَوْرَدَهُ مِنْ طَرِيقِ عَاصِمِ بْنِ

عَلِيٍّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ جَابِرٍ مِثْلَهُ. ثُمَّ قَالَ: ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْخَرَّازُ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ الْمُسَاوِرِ، ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْطُبُ إِلَى جِذْعٍ، فَلَمَّا بُنِيَ الْمِنْبَرُ حَنَّ الْجِذْعُ، فَاحْتَضَنَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَكَنَ، وَقَالَ: " لَوْ لَمْ أَحْتَضِنْهُ لَحَنَّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ " ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَوَانَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ جَابِرٍ وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ كُرَيْبٍ عَنْ جَابِرٍ مِثْلَهُ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ جَابِرٍ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ وَرَوْحٌ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ:كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ يَسْتَنِدُ إِلَى جِذْعِ نَخْلَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ، فَلَمَّا صُنِعَ لَهُ مِنْبَرُهُ وَاسْتَوَى عَلَيْهِ، اضْطَرَبَتْ تِلْكَ السَّارِيَةُ كَحَنِينِ النَّاقَةِ حَتَّى سَمِعَهَا أَهْلُ الْمَسْجِدِ، حَتَّى نَزَلَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاعْتَنَقَهَا فَسَكَنَتْ. وَقَالَ رَوْحٌ: فَسَكَتَتْ. وَهَذَا إِسْنَادٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخْرِجُوهُ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ جَابِرٍ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُومُ فِي أَصْلِ

شَجَرَةٍ - أَوْ قَالَ: إِلَى جِذْعٍ - ثُمَّ اتَّخَذَ مِنْبَرًا. قَالَ: فَحَنَّ الْجِذْعُ. قَالَ جَابِرٌ: حَتَّى سَمِعَهُ أَهْلُ الْمَسْجِدِ حَتَّى أَتَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَسَحَهُ فَسَكَنَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ لَمْ يَأْتِهِ لَحَنَّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَهَذَا عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يَرَوِهِ إِلَّا ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ بَكْرِ بْنِ خَلَفٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ الْمُنْذِرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ قِطْعَةَ الْعَبْدِيِّ الْبَصَرِيِّ، عَنْ جَابِرٍ بِهِ.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ: قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: أَتَوْا سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ فَقَالُوا:مِنْ أَيِّ شَيْءٍ مِنْبَرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَنِدُ إِلَى جِذْعٍ فِي الْمَسْجِدِ يُصَلِّي إِلَيْهِ إِذَا خَطَبَ، فَلَمَّا اتَّخَذَ الْمِنْبَرَ فَصَعِدَ عَلَيْهِ حَنَّ الْجِذْعُ حَتَّى أَتَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَطَّدَهُ حَتَّى سَكَنَ. وَأَصْلُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي " الصَّحِيحَيْنِ "،

وَإِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِهِمَا، وَقَدْ رَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، عَنْ عَبْدِ الْمُهَيْمِنِ بْنِ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ. وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ وَابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلٍ، عَنْ أَبِيهِ فَذَكَرَهُ. وَرَوَاهُ ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، بِنَحْوِهِ.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْطُبُ إِلَى جِذْعٍ قَبْلَ أَنْ يَتَّخِذَ الْمِنْبَرَ، فَلَمَّا اتَّخَذَ الْمِنْبَرَ وَتَحَوَّلَ إِلَيْهِ حَنَّ عَلَيْهِ، فَأَتَاهُ فَاحْتَضَنَهُ، فَسَكَنَ، قَالَ: " وَلَوْ لَمْ أَحْتَضِنْهُ لَحَنَّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ " وَهَذَا الْإِسْنَادُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يَرْوِهِ إِلَّا ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ
الْحَدِيثُ السَّادِسُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ أَبُو غَسَّانَ، ثَنَا أَبُو حَفْصٍ، وَاسْمُهُ عُمَرُ بْنُ الْعَلَاءِ أَخُو أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ قَالَ: سَمِعْتُ نَافِعًا، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ:كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ إِلَى جِذْعٍ، فَلَمَّا اتَّخَذَ الْمِنْبَرَ تَحَوَّلَ إِلَيْهِ، فَحَنَّ الْجِذْعُ

فَأَتَاهُ فَمَسَحَ يَدَهُ عَلَيْهِ. وَقَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ: أَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، أَنَا مُعَاذُ بْنُ الْعَلَاءِ، عَنْ نَافِعٍ، بِهَذَا. وَرَوَاهُ أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي رَوَّادٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. هَكَذَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ. وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ الْفَلَّاسِ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ وَيَحْيَى بْنِ كَثِيرٍ أَبِي غَسَّانَ الْعَنْبَرِيِّ، كِلَاهُمَا عَنْ مُعَاذِ بْنِ الْعَلَاءِ بِهِ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ.
قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ فِي " أَطْرَافِهِ ": وَرَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ نَصْرِ بْنِ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ الْخَلَّالُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ، فِي آخَرِينَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ الْعَلَاءِ. قَالَ: وَعَبْدُ الْحَمِيدِ هَذَا - يَعْنِي الَّذِي ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ - يُقَالُ: إِنَّهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ شَيْخُنَا: وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ قَوْلَ الْبُخَارِيِّ: عَنْ أَبِي حَفْصٍ وَاسْمُهُ عُمَرُ بْنُ الْعَلَاءِ وَهْمٌ، وَالصَّوَابُ مُعَاذُ بْنُ الْعَلَاءِ كَمَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ. قُلْتُ: وَلَيْسَ هَذَا ثَابِتًا فِي جَمِيعِ النُّسَخِ، وَلَمْ أَرَ فِي النُّسْخَةِ الَّتِي كَتَبْتُ مِنْهَا تَسْمِيَتَهُ بِالْكُلِّيَّةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَجَاءٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي

رَوَّادٍ، كِلَاهُمَا عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ أَلَا نَتَّخِذُ لَكَ مِنْبَرًا ؟ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنِ ابْنِ عُمَرَ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: ثَنَا حُسَيْنٌ، ثَنَا خَلَفٌ، عَنْ أَبِي جَنَابٍ وَهُوَ يَحْيَى بْنُ أَبِي حَيَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ جِذْعُ نَخْلَةٍ فِي الْمَسْجِدِ يُسْنِدُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظَهْرَهُ إِلَيْهِ إِذَا كَانَ يَوْمُ جُمُعَةٍ أَوْ حَدَثَ أَمْرٌ يُرِيدُ أَنْ يُكَلِّمَ النَّاسَ. فَقَالُوا: أَلَا نَجْعَلُ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ شَيْئًا كَقَدْرِ قِيَامِكَ ؟ قَالَ: " لَا عَلَيْكُمْ أَنْ تَفْعَلُوا ". فَصَنَعُوا لَهُ مِنْبَرًا ثَلَاثَ مَرَاقٍ. قَالَ: فَجَلَسَ عَلَيْهِ. قَالَ: فَخَارَ الْجِذْعُ كَمَا تَخُورُ الْبَقَرَةُ؛ جَزَعًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَالْتَزَمَهُ وَمَسَحَهُ حَتَّى سَكَنَ. تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.
الْحَدِيثُ السَّابِعُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: قَالَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ الْكَشِّيُّ: ثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، عَنِ الْحَرِيرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ الْعَبْدِيِّ، حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَى جِذْعِ نَخْلَةٍ، فَقَالَ لَهُ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ قَدْ كَثُرَ النَّاسُ - يَعْنِي الْمُسْلِمِينَ - وَإِنَّهُمْ لَيُحِبُّونَ أَنْ يَرَوْكَ، فَلَوِ اتَّخَذْتَ مِنْبَرًا تَقُومُ عَلَيْهِ لِيَرَاكَ النَّاسُ ؟ قَالَ: " نَعَمْ، مَنْ يَجْعَلُ لَنَا هَذَا الْمِنْبَرَ ؟ " فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: " تَجْعَلُهُ ؟ " قَالَ: نَعَمْ، وَلَمْ يَقِلْ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ. قَالَ:

" مَا اسْمُكَ ؟ " قَالَ: فَلَانٌ. قَالَ: " اقْعُدْ " فَقَعَدَ. ثُمَّ عَادَ فَقَالَ: " مَنْ يَجْعَلُ لَنَا هَذَا الْمِنْبَرَ ؟ " فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: أَنَا. قَالَ: " تَجْعَلُهُ ؟ " قَالَ: نَعَمْ. وَلَمْ يَقُلْ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ. قَالَ: " مَا اسْمُكَ " قَالَ: فَلَانٌ. قَالَ: " اقْعُدْ " فَقَعَدَ. ثُمَّ عَادَ فَقَالَ: " مَنْ يَجْعَلُ لَنَا هَذَا الْمِنْبَرَ ؟ " فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: أَنَا. قَالَ: " تَجْعَلُهُ ؟ " قَالَ: نَعَمْ. وَلَمْ يَقِلْ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ. قَالَ: " مَا اسْمُكَ ؟ " قَالَ: فَلَانٌ. قَالَ: " اقْعُدْ " فَقَعَدَ. ثُمَّ عَادَ فَقَالَ " " مَنْ يَجْعَلُ لَنَا هَذَا الْمِنْبَرَ ؟ " فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: أَنَا. قَالَ: " تَجْعَلُهُ ؟ " قَالَ: نَعَمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. قَالَ: مَا اسْمُكَ ؟ قَالَ: إِبْرَاهِيمُ. قَالَ: " اجْعَلْهُ ". فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ اجْتَمَعَ النَّاسُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ الْمَسْجِدِ، فَلَمَّا صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرَ فَاسْتَوَى عَلَيْهِ اسْتَقْبَلَ النَّاسَ وَحَنَّتِ النَّخْلَةُ حَتَّى أَسْمَعَتْنِي وَأَنَا فِي آخِرِ الْمَسْجِدِ. قَالَ: فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنِ الْمِنْبَرِ فَاعْتَنَقَهَا، فَلَمْ يَزَلْ حَتَّى سَكَنَتْ، ثُمَّ عَادَ إِلَى الْمِنْبَرِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: " إِنَّ هَذِهِ النَّخْلَةَ إِنَّمَا حَنَّتْ شَوْقًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ لَمَّا فَارَقَهَا، فَوَاللَّهِ لَوْ لَمْ أَنْزِلْ إِلَيْهَا فَأَعْتَنِقْهَا لَمَا سَكَنَتْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ " وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَكِنْ فِي السِّيَاقِ غَرَابَةٌ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: قَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى: ثَنَا مَسْرُوقُ بْنُ الْمَرْزُبَانِ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ - وَهُوَ جَبْرُ بْنُ نَوْفٍ - عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ:كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُومُ إِلَى خَشَبَةٍ يَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا يَخْطُبُ

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ج1.صحيح مسلم مقدمة محمد فؤاد عبد الباقي ومقدمة الإمام مسلم رحمه الله

    مقدمة محمد فؤاد عبد الباقي     مقدمة الإمام مسلم رحمه الله كِتَابُ الْإِيمَانَ كِتَابِ الطَّهَارَةِ كِتَابُ الْحَيْضِ كِتَابُ الص...